إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس // مفهرس

    السلام عليكم


    مجموعة محاضرات مفرغة



    للشيخ عثمان الخميس



    حديث في الشيخين



    الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيِّد المرسلين وخاتم النبيِّين سيِّدنا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ والتَّابعين ومَنْ سارَ على نهجِهم إلى يوم الدين :



    ثم أمَّا بعد.



    فيسُرُّ اللَّجنةَ العلميَّة في مسجدِ خالدِ بن بُكير أنْ تستضيفَ في هذا اللِّقاءِ الشَّهريِّ وفي هذا اليوم فضيلةَ الشَّيخ عثمان الخميس الذي هو حقيقةً غنيٌّ عن التَّعريفِ



    وليسَ يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ *** إذا احتاجَ النَّهارُ إلى دليل



    ويحاضرُنا محاضرةً تحتَ عنوان



    حديثٌ في الشيخين



    لماذا هذا العنوان ؟؟



    ولماذا في هذا الشَّهر بالذَّات؟



    ومَنْ هما الشيخان المقصودان في هذه المحاضرة ؟



    هذه تساؤلاتٌ نطرقُها قبل البَدْءِ وندعُ المجالَ له مشكوراً مأجوراً غير مأزورٍ ولا مأمور .


    فضيلة الشيخ عثمان الخميس حفظه الله :


    بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالكِ يوم الدِّين ، والصلاةُ والسَّلامُ على سيِّد الأنبياء والمرسلين ، سيِّدنا وإمامِنا وحبيبِنا وقدوتِنا وقُرَّةِ عينِنا محمَّد بن عبد الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين ،

    أمَّا بعد :





    فإنَّ النَّاسَ اليومَ وفي كلِّ يومٍ يحتاجون إلى القُدوةِ .. يحتاجون إلى مَنْ يتمثَّلون سيرتَه ويسلكون طريقتَه .. يحتاجون إلى أنْ يعرفوا خَطَّهم وطريقَهمُ الذي هم سائرون عليه ، هل هم على الجادةِ والصِّراطِ المستقيمِ فيثبتوا أو هم مقصِّرون مبتعدون عن هذا الصراط فيرجعُوا ، وهذا لا يكونُ أبداً - أعني الاقتداءَ والقُدوةَ - لا يكونُ هذا أبداً إلا إذا عرفَ الإنسانُ هذا القُدوةَ وهذا الأُسوةَ الذي يريدُ أنْ يقتديَ بهِ ويتمثَّل طريقَه ويسلكه ، لا يمكنُ أنْ يكونَ هذا أبداً حتى يتعرَّف عليه وحتى يحبّه ويحبّ طريقَه وسبيلَه ويعرف نهايته ، فالبتَّالي تطمئنُّ نفسُه إلى سلوكِ هذا الطريقِ .



    وقد يصلُ في ذهنِ البعضِ مِنَّا أنَّ هذا الأمرَ مستحيلٌ ، وأنه لا يمكنه أبداً أنْ يصلَ إلى مستوى أولئك القوم ، فنقولُ :



    فتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلَهم *** إنَّ التَّشبُّه بالكرامِ فلاحُ



    أو أحبُّوهم فإنَّ المرءَ مع مَنْ أحبَّ .



    وأردْنا منْ خلال هذه الجلسةِ التي نسألُ الله تباركَ وتعالى أنْ يكتبَها لنا ولكم عنده سبحانه وتعالى فنحاول في هذه الجلسةِ أنْ نتعرَّف منْ طرفٍ خفيٍّ على سيرةِ الشيخين .



    وإلا فإنَّ الواحدَ منهما لا تكفيهِ محاضرةٌ ولا اثنتان إذا أرادَ الإنسانُ أنْ يتكلَّم عليه بما هو أهلُه ، ولكنْ ما لا يُدرَك جُلُّه لا يُترَك كلُّه .



    وأردْنا منْ خلالِ هذه الجلسةِ أنْ نتطرَّق إلى شيءٍ منْ سيرةِ هذين الشيخين ، وأكرمْ بهما ! وهما عبدُ الله بنُ عثمان بنِ عامر بنِ عمرو التيميّ القُرَشِيّ المشهور بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رِياح العدوي أبو حفص .



    هذان هما الشيخان .



    إذا أُطْلِقَ الشيخان فهما أبو بكر وعمر لأنه جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قالَ : " أبو بكر وعمر شيخا كهول أهل الجنة " ، ومنْ ذلك اُشتهر أبو بكر وعمر بهذا اللَّقب - أي لقب الشيخين- فنبدأ بأفضلهما وخيرِهما وأقربهما إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



    نبدأُ بسيِّد البشر بعد الأنبياءِ والمرسلين وهو أبو بكر الصِّدِّيق الذي أنزلَ الله تبارك وتعالى فيه وفي نبيِّه محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم :" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ...." التوبة:40.



    ففي قولِ الله تباركَ وتعالى " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " ذكرَ أهلُ العِلْمِ أنَّ التَّثنيةَ في حياةِ أبي بكر الصديق مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ظاهرةٌ تماماً منْ خلالِ النَّظَرِ في سيرة هذا الرَّجُلِ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد رسولِ الله صلواتُ الله وسلامُه عليه .



    أول ما نرى منَ التَّثنيةِ في حياةِ أبي بكر الصِّدِّيق في إسلامهِ كما قالَ عمَّار : رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما معه إلا أبو بكر وامرأتان وخمسة أعبد ... فقط .



    هؤلاء أول مَنْ أسلمَ ، لذلك ثبتَ أنَّ أبا بكر أوَّلُ مَنْ أسلمَ منَ الرِّجالِ ، وذلك أنَّ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ البَشَرِ هي خديجة رضيَ الله عنها وأمَّا أبو بكر فهو أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الرِّجال ، واسمُه أو لقبُه الصِّدِّيق ، و هذا اللَّقبُ قد جاءَ عن عليٍّ رضيَ الله عنه أنه قالَ : و الله لَلهُ أَنزلَ اسمُ الصِّدِّيق منَ السَّماءِ ، هذا الرَّجلِ كانتْ له تثنية ومشابهة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .




    سنذكرُ بعضَ صُوَرِ هذه التَّثنيةِ والمشابهةِ مع النبيِّ صلواتُ الله وسلامُه عليه ، فمِنْ ذلك أنه في أوَّل الدَّعوةِ ، أوَّل ما بدأ يدعو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الله جل وعلا آمنَ به أبو بكر فصار يدعو مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى جاءَ اليومُ الذي اشتدَّ فيه الأذى منَ المشركين ، فقرَّر أبو بكر أنْ يُهاجرَ في سبيل الله جلَّ وعلا ، فخرجَ مُهاجراً كما أخرجَ ذلك الإمامُ البخاريُّ في صحيحهِ ، فلما بلغَ بَرْكَ الغِمَاد لقيَه سيِّد القاعة يُقالُ له ابن الدُّغُنَّة ، وعرفَه لأنَّ هذا الرَّجُلَ كانَ يتردَّد على مكةَ شرَّفها الله ، فلمَّا رآه عرفَه قالَ : مَنْ ؟ أبو بكر ؟!



    قالَ : نعم .



    قالَ : إلى أين ؟



    قالَ : مهاجر ، أسيحُ في الأرضِ ، أعبدُ الله تباركَ وتعالى ، فإنَّ قومي قد منعوني - يعني أنْ أعبدَ الله في بلدي – .



    فقالَ ابنُ الدُّغُنَّة : يا أبا بكر ، إنَّ مِثْلَكَ لا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ ، إنك تَصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكَلَّ ، وتُقري الضَّيفَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ ، ارجع فأنا جارٌ لكَ .



    هذه الصِّفاتُ الأربعةُ التي ذكرَها ابنُ الدّغنة في أبي بكر ، تَصِلُ الرَّحِم ، تحمِلُ الكَلّ - أي الضعيف- ، تُقري الضَّيف ، تُعينُ على نوائب الحقِّ .



    هي الصِّفاتُ ذاتها التي ذكرتها خديجةُ رضيَ الله عنها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما خافَ منْ جبريل لما أتاه في غارِ حِراء ، قالتْ له : لا والله لا يخزيك الله أبداً ، فإنك تَصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكَلّ ، وتُقري الضَّيف ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ ، وفي رواية وتكسب المعدوم ، صفات النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التي كانَ يتمثَّل بها هي صفاتُ الصِّدِّيق التي كانَ يتمثَّل بها ، فرجعَ الصِّدِّيقُ مع ابن الدُّغُنَّة فدخلَ مَكَّةَ وقالَ : يا معشرَ قريش ، أين ذهبتْ أحلامُكم- يعني عقولكم - أمِثْلُ أبي بكر يُخْرَجُ ؟ هذا شرفٌ لكم أنْ يكونَ فيكم رجلٌ مِثْل هذا ، يتشرَّف العرب .. تتشرَّف القبائل أنْ يكونَ فيها مِثْل هذا الإنسان ، أمِثْلُ أبي بكر يُخْرَج ؟؟!! فأنا جارٌ له .



    قالوا : قبلنا جِوارَك ولكنْ لا يُسمعُنا ما نكرهُ - يعني القرآن - لا يُسمعنا ما نكره .



    فدخلَ أبو بكر ، فصارَ يقومُ الليلَ ويصلِّي خارجَ بيتهِ ، جعلَ له محراباً - أي مكاناً للصَّلاةِ صارَ يصلِّي فيه – وصارَ النِّساء والأولاد والعبيد وبعضُ الرجال يجتمعون إليه يستمعون قراءَته لأنَّ القرآنَ سحرَهم وأسرَهم ، صاروا يجتمعون يستمعون قراءةَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه .



    فذهبَ وفدٌ منْ قريش إلى ابن الدُّغُنَّة قالوا له : امنعْ صاحبَك ، نحن سكتْنا عنه احتراماً لك .. قبلنا جِوارك .. يُؤذينا .. يُسمعنا ما نكرهُ ، امنعْ صاحبَك .



    فجاءَ ابنُ الدُّغُنَّة إلى أبي بكر الصِّدِّيق فقالَ : يا أبا بكر لا تفعلْ ، أَمْسِكْ عن القرآن .



    قالَ : وإنْ لم أفعل ؟



    قالَ : رُدَّ عليَّ جِواري .



    قالَ : قد رَدَدْتُ عليكَ جِوارك ، يكفيني جِوارُ الله ، وظلَّ يدعو ، وبعد ذلك لم يخرجْ منْ مَكَّةَ رضيَ الله عنه وأرضاه .



    وهكذا استمرَّ على الدَّعوة إلى الله تباركَ وتعالى حتى إنه أسلمَ على يديه خمسةٌ منَ العشرةِ المبشَّرين بالجنة .



    أسلمَ على يد أبي بكر :عثمان بن عفان ، وسعد أبن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله، هؤلاء الخمسة ، هؤلاء الجبال ، هؤلاء القدوات خيرُ الناس بعد الأنبياء ، كلّهم أسلموا على يدِ هذا الرَّجُلِ المباركِ ، على يد أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه وأرضاه .



    ثم التثنية كذلك في مشابهته للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءتْ واضحةً في الحديبية لما جاءَ عروةُ بنُ مسعودٍ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتكلَّم معه ثم رجعَ ، وجاءَ زعيمُ الأحابيش وتكلَّم مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو لم يتكلم لما رأى الهديَ مقلباً رجعَ فجاءَ سهيلُ بنُ عمرو وتكلَّم مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتمَّ الصُّلْحُ ، وكانَ منْ بنودِ الصُّلْحِ أنْ تتوقَّف الحربُ بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين قريش لمدَّة عشرِ سنواتٍ ، و أنْ يرجعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينةِ ولا يعتمر ، وأنْ يعتمرَ منَ العام القادم ، وأنَّ مَنْ خرجَ منْ قريش إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسلماً وطالبتْ به قريش فعلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُعيدَه ، ومَنِ ارتدَّ عن الإسلام ولحقَ بقريش وطالبَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فليس على قريش أنْ تَرُدَّه ، وغير ذلك منَ الشُّروط ، تم الصُّلْحُ ، فلما انقضى ذهبَ عمرُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قالَ لهم : إني رأيتُ رُؤيا أني أطوفُ بالبيت ، ولم يَطُفْ لأنه مُنع صلواتُ الله وسلامُه عليه .



    جاءَ عمرُ إلى النبيِّ صلواتُ الله وسلامُه عليه فقالَ : يا رسولَ الله ، ألسنا المسلمين ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : أليسوا الكافرين ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : ألسنا على الحقِّ ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : أليسوا على الباطلِ ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : فعلامَ نُعطي الدَّنيَّة منْ ديننا ؟؟!!!



    لماذا نرضى بهذه الشُّروط ؟؟؟!!!



    لماذا نرجعُ ولا نعتمر ؟؟!!!



    لماذا الذي يخرجُ منْ عندنا إلى قريش ولو طالبنا فيه لا يردُّونه لنا ، ومَنْ خرجَ منْ عندهم إلينا إذا طالبوا به رددْناه عليهم ؟؟!!!



    علامَ نقبلُ الدَّنيَّة منْ ديننا ؟؟!!!



    فكانَ جوابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " يا عمرُ ، إني رسولُ الله ، وإني لا أعصي الله في أبداً " .



    سكتَ عمرُ .. إلى أين ؟



    يذهبُ إلى شخصٍ آخرَ يمكنُ أنْ يُؤثِّر في النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولا يعرفُ شخصاً يمكنُ أنْ يُؤثِّر بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير أبي بكر ، فذهب إلى أبي بكر ، فوجَّهَ إليه مِثْل الأسئلةِ التي وجَّهها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ : يا أبا بكر ، ألسنا على الحق ؟؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : أليسوا على الباطلِ ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : ألسنا المسلمين ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : أليسوا المشركين ؟



    قالَ : بلى .



    قالَ : علامَ نُعطي الدَّنيَّة منْ ديننا ؟؟!!



    قالَ : يا عمرُ ، إنه رسولُ الله ، وإنه لا يعصي الله أبداً ، فالزمْ غرزه



    الكلام الذي قالَه النبيُّ قالَه أبو بكر ، بل إنه جاء في صحيح البخاريّ أنَّ عمرَ بعد أنْ قالَ هذا الكلامَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ له : أوَ لم تخبرْنا أننا نعتمرُ ؟؟



    قالَ :



    أوَ أخبرتُك أنك تعتمرُ هذه السنة ؟



    قالَ : لا .



    قالَ : فإنك آتٍ البيتَ ومُطَوِّف به .



    فلمَّا سألَ أبا بكر قالَ له هذا الكلام نفسه



    قالَ : أوَ لم يخبرنا أنا نعتمرُ ؟؟



    قالَ : أوَ أخبرَك أنك تعتمرُ هذا العام ؟



    قالَ : لا .



    قالَ : فإنك آتٍ البيتَ ومُطَوِّف به .



    إنه الإلهامُ ، إنه التوفيقُ ، وفَّق الله هذا الرَّجُلَ إلى أنْ يقولَ الكلامَ الذي قالَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



    وهذه التثنيةُ " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " ليستْ تثنيةً عدديَّةً " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " واحد وواحد يكونان اثنين .. أبداً ، وإنما هي تثنيةٌ شاملةٌ .



    ولذلك لما جاءَ في الحديثِ الذي أخرجَه البخاريُّ في صحيحهِ أنه وقعَ خصامٌ بين أبي بكر وعمر كما يحدثُ بين أي اثنين ، وكانَ في أبي بكر حِدَّة - يعني يغضب بسرعة - يقول أبو بكر تخاصمتُ أنا وعمر في شيءٍ فأسرعتُ إليه - يعني في الكلام- ثم ندمتُ فقلتُ : اغفرْ لي .



    فقالَ : لا أغفرُ لك .



    فذهب أبو بكر يشتكي ، هو الذي أخطأ في حقِّ عمرَ لكنْ ذهبَ يشتكي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فدخلَ على النبيِّ فقالَ : يا رسولَ الله ، قد كانَ بيني وبين عمر فأسرعت إليه - أنا اللي غلطان – فقلتُ : اغفرْ لي ، فلم يغفرْ لي .



    هو اللي غلطان .



    فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه لأبي بكر : " يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر " ، أمَا يكفيك ، فليمتنع عمرُ ، أمَا يكفيك أنْ يغفرَ الله لك ، قالها ثلاثاً صلواتُ الله وسلامُه عليه .



    يقولُ عمرُ : فلمَّا وصلتُ إلى البيتِ ندمتُ .



    لأنَّ نفوسَهم رضيَ الله عنهم لوَّامةٌ ، لامته نفسُه لمَ لم تغفر لأخيك ؟!



    يقولُ : فرجعتُ إلى أبي بكر - ليقولَ له قد غفرتُ لكَ - فلم أجدْه في البيتِ ، قلتُ : أجدُه عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .. ما في مكان ثالث ، إنْ لم يكنْ في بيتهِ فهو عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأقبلَ عمرُ ، فلمَّا رآه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُقبلاً قامَ إليه كالمغضَب يجرُّ إزارَه صلواتُ الله وسلامُه عليه ، فجثا أبو بكر على ركبتيه لأنه رأى الغضبَ في عيني رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



    فجثا على ركبتيه وقالَ : يا رسولَ الله ، أنا كنتُ أظلم ، يا رسولَ الله كنتُ أنا كنتُ أظلم ، يا رسولَ الله أنا كنتُ أظلم ، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يلتفتُ إليه حتى أقبلَ على عمرَ فقالَ : " مَهْ يا عمرُ ، أرسلني الله إليكم فقلتم : كذبتَ وقالَ أبو بكر : صدقَ ، وواساني بنفسهِ ومالهِ ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " .



    هذا صاحبي



    " فهل أنتم تاركوا لي صاحبي "



    لماذا الإيذاء ؟!



    لا يؤذينَّه أحدٌ



    " فهل أنتم تاركوا لي صاحبي "



    يقول أبو الدَّرداء : فما أُوْذِيَ بعدها أبو بكر أبداً.



    عرفوا مكانته عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



    وهو الذي كانَ يتكلَّم بين يدي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



    في الحديبيةِ أيضاً لما جاءَ عروةُ بنُ مسعود ، قبلَ سهيل ، قبلَ أنْ يتمّ الصُّلْح ، لما جاءَ عروةُ بنُ مسعود وأخذَ بلحيةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يُكلِّمه ، فضربَه المغيرةُ بنُ شعبة بمقبضِ السَّيفِ على يدهِ فقالَ : أنزلْ يدَك عن لحيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإنك مشركٌ نجسٌ وإلا لا ترجعُ إليك يدُك ، أي هذه المرَّة ضربتُها بالمقبض المرَّة القادمة أقطعُها .



    لا تمسّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، عند ذلك قالَ عروةُ بنُ مسعود للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - يهوِّن عليه شأنَ أصحابهِ - قالَ : يا محمَّد ، ما أرى هؤلاء الأوشاب - يعني الصحابة - أوشاب يعني ليسوا بشراً ، خيالات ، يعني ضعاف ، يتركونك ،

    كما قالَ الشاعرُ :





    كفى بجسمي نحولا أنني رجلٌ *** لولا مخاطبتي إياك لم ترني



    يقولُ هؤلاء كذلك أشباح ، هؤلاء أشباح ليسوا برجالٍ ، جُبْن في اللقاء و القتال و كذا ..



    قالَ : ما أرى هؤلاء الأوشاب وقد جاءتهم قريش بِعَدِّها وعَتيدِها إلا وقد تركوك وفَرُّوا عنك .



    فغضبَ أبو بكر الصِّدِّيق ، و التفتَ إلى عروةَ بنِ مسعود و قالَ : أنحن نَفِرُّ عنه ؟؟!! أُمصص بذر اللآت



    فالتفتَ عروةُ بنُ مسعود وقالَ : مَنْ هذا ؟! مَنْ هذا الذي يسبُّني بين يديك ؟



    عروة بن مسعود هذا الذي كانت قريش تقولُ : لولا أُنزل هذا القرآنُ على رجلٍ منَ القريتين عظيم _ يعني عروة_.



    مَنْ هذا الذي يسبُّني بين يديك ؟!



    فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : هذا أبو بكر .



    عند ذلك قالَ عروةُ : والله لولا يدٌ لك عليَّ لم أَرُدّها بعد لرددتُ عليك ، يعني لك أنتَ فضلٌ عليَّ .. ما أستطيع أنْ أتكلَّم معك .. ولكن هذه بتلك ، الفضلُ الذي لك عليَّ أنتَ الآن أفسدته بهذه الكلمة .



    و الشَّاهدُ منْ هذا أنه الوحيد الذي كانَ يتكلَّم بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



    وكما قلتُ إنَّ الوقتَ لا يتَّسعُ لأنْ نتكلَّم عن أحدِهما فكيف ونحن نريدُ أنْ نتكلَّم عن كليهما ، عن أبي بكر و عمر .



    هذا الرَّجُلُ - أعني أبا بكر الصِّدِّيق- كانَ أعلمَ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على الإطلاقِ .



    قالَ أبو سعيدٍ الخدريّ رضيَ الله عنه : " صعدَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المنبرَ - قبل موتهِ بثلاثةِ أيام- صعدَ المنبرَ ثم قالَ بعد أنْ حمدَ الله وأثنى عليه : " إنَّ الله خيَّر عبداً بين ما عنده وبين الدنيا وزينتها "



    قالَ أبو سعيد : فبكى أبو بكر وقالَ : فديناكَ بآبائنا وأمهاتنا يا رسولَ الله .



    قالَ أبو سعيد فعجبنا له يخبرُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن رجلٍ خُيِّر فيبكي أبو بكر !!!! : ما دخلُ هذا بهذا !!!!



    يقولُ أبو سعيد : فكانَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو المخيَّر وكانَ أبو بكر أعلمَنا .



    لذلك يقولُ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تبارك وتعالى ، يقولُ : لا لا يُعلم لأبي بكر فتوى واحدة خالفَ فيها النبيَّ أبداً " .



    ليسَ بمعصومٍ ولكنه موفَّق ، لا يُعلم له فتوى واحدة خالفَ فيها النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبداً أو أخطأ فيها ، لا يُعلم له ذلك أبداً رضيَ الله عنه وأرضاه .



    بل خالفَ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مسائلَ كانَ القولُ فيها قوله ، منْ ذلك في السَّقيفةِ لما اختلفَ بعضُ الأنصار مع بعضِ المهاجرين حسمَ الأمرَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه ، لما قالَ الأنصارُ منا أميرٌ ومنكم أميرٌ قالَ : لا ، بل قريش هم الناسُ الذين قالَ فيهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " الأمراءُ منْ قريش " ، و قالَ بايعوا أحدَ هذين الرَّجلين يعني عمر وأبا عبيدة



    فقالا : لا والله لا نبايعُك إلا أنت .



    ولما تُوُفِّي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يحسمْ هذا الأمرَ إلا هذا الرَّجل وذلك أنه تُوُفِّيَ صلواتُ الله وسلامُه عليه كما هو معلوم يوم الاثنين وكانَ أبو بكر قد استأذنَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورأى أنَّ صِحَّته جيِّدة ، فاستأذنه أنْ يذهبَ لزوجتهِ حبيبة بنت خارجة في العُلا .... فأذنَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقدَّر الله أنْ يموتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صبيحةِ ذلك اليوم ، فرجعَ أبو بكر وإذا الناسُ مصدومون بخبرِ وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أكثرُهم غيرُ مُصَدِّقٍ ، وبعضُهم ساكتٌ واجمٌ ، وبعضُهم يبكي ، ولا يدري أحدٌ ماذا يقولُ



    حتى قالَ أنسٌ : كانَ اليومُ الذي دخلَ فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة أنارَ منها أو أضاءَ منها كلّ شيءٍ حتى جاءَ اليومُ الذي تُوُفِّيَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، أظلمَ منها كلُّ شيءٍ .



    فجاءَ أبو بكر وإذا عمرُ يصيحُ في الناس مَنْ قالَ إنَّ محمَّداً قد ماتَ قتلتُه بسيفي هذا ، والله إنما هي غيبةٌ كغيبةِ موسى وليرجعنَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فليقطعنَّ أيديَ وألسنةَ رجالٍ منَ المنافقين .



    فجاءَ أبو بكر ودخلَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكشفَ عن وجهه وقبَّل بين عينيهِ وقالَ : بأبي أنتَ وأمي ، طِبْتَ حيّاً وميتاً ، ثم غطَّاه ، وجاء إلى عمر وهو يصيحُ في الناس فقالَ : مَهْ يا عمرُ ، اهدأ يا عمرُ ، وعمرُ لا يلتفتُ إلى أبي بكر ، فتركَه وصعدَ المنبر وقالَ : يا أيها الناسُ ، مَنْ كانَ يعبدُ محمَّداً فإنَّ محمَّداً قد ماتَ ، ومَنْ كانَ يعبدُ الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموتُ ، ثم قرأ عليهم " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَآل عمران:144



    يقولُ أنس :" والله لكأنَّ الناسَ ما سمعوها إلا اليوم " ، هذه الآيةُ ، فصارَ الناس يُردِّدونها وهدأتْ النفوسُ بفضلِ الله تبارك وتعالى ثم بكلام هذا الرَّجل الموفَّق وهو أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه .



    *- وكذا لما اختلفَ الناسُ في قتال المرتدين و قتال مانعي الزكاةِ قالَ أبو بكر : والله لأُقاتلنَّهم .



    قالوا : كيف تقاتلُ المرتدين ؟!! نحن نخشى على المدينة .. نخشى على بيضة الإسلام ، نخشى أنْ يأتينا الكفارُ منْ كلِّ مكانٍ .



    قالَ : والله لأُقاتلنَّهم ، وأمرَ بقتالِ مانعي الزكاة .



    فقالَ له عمرُ : كيف تقاتلُ الناسَ وقد قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسولُ الله " .



    قالَ : إلا بحقِّها ، وهذا حقُّ الزَّكاةِ ، إلا بحقِّها ، والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاةِ والزَّكاةِ ، والله لو خرجتُ وحدي لأقاتلنَّهم .



    حتى قالَ عمرُ : والله ما إنْ رأيتُ أنَّ الله شرحَ صدرَ أبي بكر إلى قتالِ هؤلاء- يعني المرتدين ومانعي الزكاة - حتى علمتُ أنه الحقُّ .



    لماذا ؟



    لأنَّ هذا الرَّجُلَ موفَّق ، موفَّق هذا الرَّجُلُ منْ عند الله تبارك وتعالى ، ثم صارَ بعد ذلك الإجماع على أنَّ رأيَ أبي بكر هو الحقُّ ، في تلك المسألة ، في قتالِ المرتدين وفي قتال مانعي الزكاة .



    *-وسيَّر جيشَ أسامة الذي كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد جهَّزه قبلَ موتهِ بأيامٍ ، سيَّره .



    قالوا : كيف تسيِّر الجيشَ ؟! نحن نحتاجُ إليه .



    قالَ : والله لرايةٌ عقدَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما كانَ لأبي بكر أنْ يخفضَها أبداً .



    هذه عقدَها رسولُ الله ، تنطلقُ طالما أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي عقدَها .



    وهكذا استمرَّت هذه الحياةُ مباركةً لهذا الرَّجُلِ المباركِ حتى توفَّاه الله جلَّ وعلا .


    الوقت المقرر انتهى/ولم نتكلَّم عن عمر ، ولم نعطِ أبا بكر نصفَ حَقِّهِ إلى الآن .

    بعد أنْ شعرَ أبو بكر بقُربِ أجلهِ والمرض الذي جاءَه ، مرض الموت ، أوصى أنْ تكونَ الخلافةُ منْ بعدهِ لعمرَ ، و تُوُفِّيَ .

    فاجتمعَ الناسُ على عمرَ ، وتمَّتِ البيعةُ لعمرَ وذلك بعد سنتين وثلاثة أشهر في خلافةِ أبي بكر الصِّدِّيق ، فلمَّا أخذَ الخلافةَ عمرُ بنُ الخطاب صارَ الناسُ يقولون هذا خليفةُ خليفةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، يعني أبو بكر خليفة رسول الله و أنت يا عمرُ خليفة خليفةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقالَ عمرُ : هذا أمرٌ يطولُ .



    طيب اللي بعده شو يقولوا له ؟؟ خليفة خليفة خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ما تنتهي .



    قالَ عمرُ : بل أنتم المؤمنون وأنا أميرُكم ، فأنا أميرُ المؤمنين .



    قالوا : نعم أنتَ أميرُ المؤمنين .



    فهو أوَّل مَنْ أطلقَ هذا اللقب " أمير المؤمنين ".



    أُسْنِدَتِ الخلافةُ إلى هذا الرَّجلِ المباركِ أيضاً وهو عمر رضيَ الله عنه ، وتمَّتِ البيعةُ له بالإجماع ، ولم يخالفْ في هذا أحدٌ ، فحكمَ المسلمين عشرَ سنواتٍ وخمسة أشهر ، وتمَّ في هذه السنواتِ فتحُ كثيرٍ منَ البلاد ، فُتحتْ مصرُ والشَّام والقدس والأردن وفلسطين ودمشق وأذربيجان وأرمينيا ودورجان والرَّيّ وغيرها كثير ، كلّ هذه فُتحتْ في عهدِ عمرَ رضيَ الله عنه وأرضاه .



    وكانَ شديداً في دين الله تبارك وتعالى حتى إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ له : " إنَّ الشيطانَ يفرقُ منك يا عمرُ " ، الشيطان يفرق يعني يخافُ منك يا عمرُ .



    وجاءَ في الحديثِ الآخر الذي عند البخاريّ وهذا عند أحمد ، الذي عن البخاري : " ما لقيكَ الشيطانُ سالكاً فَجّاً إلا سلكَ فَجّاً غير فَجِّكَ "، يعني إلا سلكَ طريقاً غيرَ طريقك .



    ولذلك قالَ ابنُ مسعود : خرجَ رجلٌ منَ الإنس فلقيه رجلٌ منَ الجِنِّ ، فقالَ له : قاتلني .. صارعني .



    فصارعَه ، فصرعَ الإنسيُّ الجنيَّ - الإنسي غلب –



    فغضبَ الجنيُّ ، قالَ : لقد علمتِ الجنُّ أني مِنْ أقواها - قويّ –



    قالَ : لقد علمتِ الجنُّ أني منْ أقواها، فصارعني الثانية .



    فصارعَه الثانيةَ فصرعَه .



    فقيلَ لابنِ مسعود مَنْ هذا الرَّجُلُ ؟ عمرُ ؟



    قالَ : ومَنْ يكونُ غير عمر ؟!



    وهذه إسنادُها صحيحٌ ذكرَها المزي وغيره .



    عمرُ هو الذي قالَ فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " قد كانَ فيمنْ سبقَ محدَّثون ، فإنْ يكنْ في أمتي فعمر " .



    عمرُ بنُ الخطاب كانَ منْ أزهدِ الناس في زمنهِ رضيَ الله عنه وأرضاه حتى إنه في عام الرّمادة سنةَ سبعَ عشرةَ منَ الهجرة ظلَّ عاماً كاملاً لا يأكلُ إلا الخبزَ والزيتَ ، يقولُ : " والله لا أشبعُ وفي أمَّة محمَّدٍ جائعٌ .. لا أشبعُ وفي أمَّة محمَّدٍ جائعٌ " .



    قالوا حتى صارَ جِلدُهأ سود منَ الخبز والزَّيت رضيَ الله عنه وأرضاه




    و ذُكِرَ أنه رأى ابنَه عاصم في السوق يمشي فقال : إلى أين؟قالَ : أريدُ أنْ أشتريَ لحماً .

    فسكتَ وتركَه .
    ثم رآهُ مرَّةً ثانيةً ، قالَ : إلى أين؟قالَ :أريدُ أنْ أشتريَ لحماً .
    قالَ : أمَا اشتريتَ بالأمسِ ؟!!
    قالَ: اشتهيت ، بالأمس اشتريتَ و أكلتَ ، و اليوم اشتهيتُ فأريدُ أنْ أشتريَ حتى آكل .
    قالَ :اشتهيت !!
    قالَ عمرُ : أكُلَّما اشتهيتَ اشتريتَ ؟! أكلَّما اشتهيتَ اشتريتَ؟!





    كلَّما اشتهيتَ اشتريتَ ؟ هكذا ..



    لو طبَّقناها اليومَ علينا.



    نحن الآن كثير منَ البيوت الآن لا تكتفي اللَّحمَ في المائدةِ الواحدةِ ، في المائدة الواحدة تضعُ أكثرَ منْ صنفٍ - عليكم بالعافية-



    لكن القصد أنَّ عمرَ كانَ صِنْفاً في الزُّهد رضيَ الله عنه وأرضاه .



    وقد ذكروا عنه رضيَ الله عنه أو عن معاوية رضيَ الله عنه أنه قالَ :إنَّ أبا بكر لم يُرِدِ الدُّنيا ولم تُرِدْهُ - يعني الدنيا ما جاءته ولا هو يبيها- وأما عمرُ فأرادته ولم يُرِدْهَا " جاءَه الخيرُ فردَّه رضيَ الله عنه .



    وقد اشتُهرَ بعبادتهِ رضيَ الله عنه حتى إنه قيلَ إنه كان تحت عينه في خدَّيه خطان أسودان منَ البكاءِ .



    وكانَ أحياناً يصلِّي مع الناس فيُغمى عليه وهو يقرأ القرآنَ ، فيُعاد أياماً في بيتهِ منَ الخوف رضيَ الله عنه .



    وكانَ ربما سرد الصوم ، وعمر اشتُهر بين الناسِ بعنايتهِ بالرَّعيَّةِ .



    وذلك أنه مَرَّ يوماً على امرأةٍ أو مَرَّ في طريقهِ فسمعَ امرأةً تصيحُ منَ المخاضِ ، تريدُ أنْ تلدَ وليسَ عندَها أحدٌ .



    فقالَ : مالكِ ؟



    قالتْ : ليس عندي أحدٌ ، وأنا أمخضُ ، يعني على وشكِ ولادة ، فتركَها عمرُ وذهبَ إلى بيتهِ ، إلى زوجتهِ أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب فقالَ لها :يا أمَّ كلثوم رزقٌ وأجرٌ ساقَه الله إلينا فهلمِّي ، فخرجتْ معه ، فأدخلَها على المرأةِ وجلسَ هو مع زوجِها ، وولَّدتها أمُّ كلثوم رضيَ الله عنها .



    فلما ولَّدتها صاحتْ بعمرَ ، قالتْ : يا أميرَ المؤمنين بشِّر صاحبَك بغلامٍ ، فكادَ الرَّجُلُ يذهبُ عقلُه ..



    أمير المؤمنين ؟؟؟؟!!!



    هل أنت أمير المؤمنين ؟!!!



    جايب زوجتك تولِّد زوجتي ؟؟!!!



    قال: والله ما عرفتك يا أميرُ المؤمنين .



    قال : لا عليك ، ثم رجعَ مع زوجتهِ رضيَ الله عنه وأرضاه .



    *- وسمعَ أولادَ امرأةٍ يبكون عندها أو ولداً يبكي عندها



    فصاحَ بها : أسكتي ولدكِ ، ثم انصرفَ .



    فمَرَّ بعد قليلٍ وإذا الولدُ يصيحُ .



    قالَ : أسكتي ولدك .



    فمَرَّ بعد قيلٍ وإذا الولدُ يصيحُ .



    قالَ : أسكتي ولدكِ إنك أمُّ سوءٍ - أمّ سيئة أنت - تعذِّبين هذا الولد بالبكاء بهذه الطريقةِ .



    قالتْ : وما أفعلُ ، أريدُ أنْ أفطمَه لأنَّ عمرَ لا يُعطي مالاً إلا



    للمفطوم .



    أنا بدي أفطمه غصب علشان عمر يعطينا شيئاً من بيت المال لأنه لا يصرف إلا للمفطوم .



    فوقفَ عمرُ وقالَ : بُؤساً لعمرَ ، كم قتلَ منْ أولادِ المسلمين ، ثم أمرَ مُناديهِ أنْ يُنادي وقالَ : لا تعجلوا في فِطامِ أولادِكم فكلُّ مولودٍ قد فرضْنا له ، لكنْ لا تعجلوا فطامَ أولادِكم .



    *- ومَرَّ على أمٍّ ثانيةٍ ومعها أولادٌ يصيحون فقالَ : ما لهؤلاءِ ؟؟ لماذا يصيحون ؟؟



    قالتْ : أعللِّهم .



    قالَ : أوَ ما ينتهي .



    هذا القدر الذي على النار ، يعني من الطباخ هذا .



    قال : أو ما ينتهي ؟؟



    قالتْ : هو ماءٌ ولكنْ أعلِّلهم حتى ينامون



    فقط لا شيءَ ... منَ الجوع



    فقال : بؤساً لعمر ، وكانَ خادمُه معه



    فقالَ: معي ، فذهبَ إلى بيتِ المالِ فأخذَ مما يسَّر الله تبارك وتعالى منْ بيتِ المال وحملَه على ظهرهِ .



    فقالَ له خادمُه : أحملُ عنك يا أميرَ المؤمنين .



    قالَ : لنْ تحملَ وِزري عني يومَ القيامةِ .



    وحملَه على ظهرهِ حتى جاءَ إلى بيتِ المرأةِ وقالَ لها : ابتعدي ، وجاءَ إلى القِدْرِ ووضعَ فيه الطعامَ ، وصارَ ينفخُ والدُّخانُ يخرجُ منْ لحيتهِ رضيَ الله عنه ، وينفخُ على النار حتى أطعمَهم وناموا , فارتاحتْ نفسُه وطابتْ .



    *- هو الذي جاءَه رسولُ كسرى يبحثُ عنه فما وجدَه إلا نائماً تحت شجرة .



    فقالَ : أهذا أميرُ المؤمنين ؟!



    قالوا : نعم .



    قال : هذا الذي يخافُه كسرى ؟!



    قالوا : هذا الذي يخافُه كسرى .



    قالَ : حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ .



    نعم ، هذا عمرُ رضيَ الله عنه وأرضاه .



    *- لما فتحَ بيتَ المقدس أو لما فتحَ الله لهم بيتَ المقدس خرجَ عمرُ ليستلمَ مفاتحَه ، فلقيَه أبو عبيدة في الطريق ، وإذا عمرُ يمشي وخادمُه على الدَّابة ، وهو الخليفة يمشي على الأرض ، و يسوقُ الدَّابةَ وفوقها الغلامُ ، وإذا هما يتناوبان ، مرَّة هو يركبُ ومرَّة الغلامُ يركبُ ومرَّة ما حد يركب والدَّابة ترتاحُ ، فقدَّر الله أنه لما وصلَ عمرُ إلى بيتِ المقدسِ وإذا الخادمُ فوق الدَّابة وعمرُ يسوقُها له رضيَ الله عنه وأرضاه ، فلمَّا رآه أبو عبيدةَ أقبلَ ليقبِّل يدَ عمرَ ، فنزلَ عمرُ ليقبِّل رِجْلَ أبي عبيدة ، فامتنعَ أبو عبيدة .. ابتعد ، فابتعدَ عمرُ .



    تقبِّل يدي أقبِّل رِجلَك ، عاملني مثلما أعاملك ، ما في مشكلة .



    فامتنعَ أبو عبيدةَ فامتنعَ عمرُ .



    وجاءَ لفتح بيتِ المقدس وثوبُه مرقَّع رضيَ الله عنه ، حتى إنَّ حِسبَةُ الرقع التي في كتف عمر أربعة رقع وهو خليفةُ المسلمين ، و والله ما ضرَّه ذلك شيء عند الله تبارك وتعالى بل زادَه عند الله رفعةً .



    *- وكانَ أعلمَ الصحابةِ على الإطلاقِ بعد أبي بكر الصِّدِّيق ، وهو الذي قالَ عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :" بينا أنا نائم رأيتُ الناسَ عليهم قُمُصٌ - يعني قمصان - فبعضُهم بلغَ قميصُه إلى ثدييه وبعضُهم دون ذلك ، ورأيتُ عمرَ يجرُّ إزارَه " ، منَ الطول ، يقولُ : الناس إلى الثديين - يعني قليل -عمر يجرُّه .



    قالوا : فما أوَّلتَ ذلك يا رسولَ الله



    قالَ : " العلم " .



    العلم .



    ولذلك جاءَ عن عليٍّ رضيَ الله عنه ورأى عمر وهو على فراش الموت قالَ : والله ما منْ رجلٍ كنتُ أتمنى أنْ أموتَ في جُبَّتِهِ إلا هذا الرجل .



    يعني بعمل هذا الإنسان و هو عمر .



    وكانَ يقولُ : مَنْ فضَّلني على عمرَ جلدتُه حَدَّ المفتري .



    ولما سُئل مَنْ أفضلُ الناسِ بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ أنت ؟



    قالَ : لا ، أبو بكر



    فقالَ له ولدُه محمَّد : ثم أنت ؟



    قالَ : ثم عمر .



    قالَ : ثم أنت ؟



    قالَ : إنما أنا رجلٌ منَ المسلمين ، رضيَ الله عنه .



    ولذلك قالَ أهلُ العلمِ مَنْ فضَّل غير أبي بكر وعمر عليهما فهو ضالٌّ .. لهذه الدرجة ، لأن فضلَهما كان مشتهراً بين الناس .



    وقد توفي رضيَ الله عنه كما في حديثِ حذيفة أنه قالَ :كنا عند عمر فقالَ : أيكم يحفظُ حديثَ الفتنةِ التي تموجُ كموج البحر ؟



    فقالَ حذيفةُ : أنا أحفظُها يا أميرَ المؤمنين وليسَ عليك منها بأسٌ ، إنَّ بينك وبينها باباً مغلقاً .



    قالَ : أيُفتحُ هذا البابُ أم يُكسرُ ؟



    قالَ : لا بل يُكسرُ .



    قالَ : إذاً لا يرجعُ أبداً .



    قالَ : نعم .



    فسكتَ عمرُ .



    قيلَ لحذيفةَ : عمرُ كانَ يدري مَنْ هو البابُ ؟



    قالَ : نعم ، إني حدَّثته حديثاً ليس بالأغاليط .



    يعني كانَ حديثي معه واضحاً ، وفهمَ كلامي جيداً .



    قالَ : إني حدَّثته حديثاً ليس بالأغاليط ، إي والله علمَ كما علمَ أنَّ غداً بعد الليلة .



    يعني كلام واضح



    فقيلَ لحذيفةَ : مَنِ البابُ ؟



    قالَ : عمر ، الباب عمر .



    و فعلاً بموتِ هذا الرَّجُلِ بدأتْ تأتي هذه الفتنُ .



    وقتلَه كما هو معلومٌ رجلٌ مجوسيٌّ ، طعنَه وهو يصلِّي في خنجر مسموم ، طعنَه ثلاثَ طعناتٍ وهو يصلِّي الفجر رضي الله عنه .



    فلما طُعِنَ قالَ : مَنِ الذي طعنني ؟



    قالوا : غلام المغيرة .



    عبد عند المغيرة



    قالَ : المجوسيّ ؟



    قالوا : المجوسيّ .



    قالَ : الحمدُ لله الذي لم يجعلْ منيَّتي على يدي رجلٍ مسلمٍ ولا على يدي مَنْ سجدَ لله سجد.



    كافر خليه



    وكانَ عمرُ قد سألَ الله تبارك و تعالى الشهادةَ في مدينةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم



    فكانوا يقولون له : يا عمرُ كيف تكونُ الشَّهادةُ في مدينةِ رسولِ الله ؟؟!! مَنْ أرادَ الشَّهادةَ يخرجُ إلى الجهادِ



    قالَ : هكذا سألت الله .. أسال الله أنْ يعطيني ما أردتُ



    وأعطاه الله ما أرادَ.



    التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 15-01-2012, 02:47 AM. سبب آخر: تنسيق الموضوع



  • #2
    رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

    أهمية التوحيد
    الحمدُ لله نحمدُه و نستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله منْ شُرورِ أنفسِنا ومنْ سيِّئاتِ أعمالِنا ، مَنْ يَهْدِهِ الله فهو المهتدي ، ومَنْ يُضْلِلْهُ فلنْ تجدَ له وَليّاً مُرشداً ، أما بعد :

    فإنَّ خيرَ الكلامِ كلامُ الله ، وخيرَ الهدي هديُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ، و إنَّ شَرَّ الأمور محدثاتها ، وكلُّ محدثةٍ بدعةٌ ، أما بعد :

    عبادَ الله...

    فإنَّ الإنسانَ بفطرتهِ عابدٌ ، هكذا خلقَ الله تباركَ وتعالى الإنسانَ فجعلَه سبحانه وتعالى عابداً بفطرته ، فكلُّ مَنْ لم يعبدِ الله تباركَ وتعالى عبدَ غيرَ الله رغماً عنه ، فهذه الفطرةُ فطرَ الله تباركَ وتعالى الناسَ عليها .

    حتى قيلَ إنَّ في الهندِ في القرنِ السَّادسِ كانَ للناس أكثر منْ ثلاثين مليون إله هكذا ، لأنهم اتَّبعوا أهوائهم ، فكلُّ مَنْ رأى شيئاً أعجبَه اتخذَه إلهاً ، حتى قالَ الله جَلَّ و عَلا " : أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ....(43) " سورة الفرقان ، حتى الهوى يُتَّخَذُ إلهاً منْ دون الله تبارك و تعالى ، بل إنَّ العربَ الذين تركوا دينَ إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ذلك الدين .. تلك الحنيفية السَّمْحَة التي جاءَ بها إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام ؛ لما بنى بيتَ الله تباركَ وتعالى على تلك الحنيفيةِ جاءَ العربُ في مَكَّةَ فغيَّروا هذا الدينَ ؛ حتى جعلوا ذلك البيتَ الذي هو بيتُ الله جَلَّ وعلا الذي بُنِيَ على الحنيفيةِ السَّمْحَةِ جعلوا في ذلك البيتِ و فوقَه و حولَه أكثرَ منْ ثلاث مئة صنمٍ .

    فهُمْ لما تركوا عبادةَ الله تباركَ وتعالى هل بَقُوا هكذا أحراراً كما يزعمون ؟

    لا .. عَبدوا غيرَ الله , عبدوا ماذا ؟

    عبدوا الأصنامَ منْ دون الله جَّلَّ و علا .

    و لذلك لما بُعِثَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم وجدَ أنَّ أهلَ مَكَّةَ يعبدون الأصنامَ منْ دون الله تباركَ وتعالى ؛ حتى قالَ أبو رجاء العُطارديّ ، يقول : لما بُعِثَ محمَّدٌ صلَّى الله عليه و سلَّم ، يقول : "كنا نعبدُ الحجرَ ، فإذا وجدنا حَجَراً هو خيرٌ منه ألقياناه و أخذنا الحجرَ الآخرَ فعبدناه منْ دون الله .

    هكذا كانوا "

    بل حتى الأديان السماوية لم تسلمْ منْ ذلك الشِّرك كما قالَ الله تباركَ وتعالى : " وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ...(30) "سورة التوبة .

    فأشركوا بالله جَلَّ و علا فعبدُوا غيرَه ، اليهودُ عبدوا العزيزَ و اتخذوه إلهاً مع الله ، و النصارى عبدوا المسيحَ ابنَ مريمَ عليه السلام و اتخذوه إلهاً ثانياً مع الله جَلَّ و علا .

    بل منَ الناس مَنْ عبدَ بوذا ، و مَنْ عبدَ كريشنا ، و مَنْ عبدَ الشَّمسَ و القمرَ و الشجرَ و الحجرَ ، بل و الله إننا أحياناً نسمعُ أشياءَ أغربَ منْ هذا بكثيرٍ ممنْ يُعَبْدُ منْ دون الله جَّل و علا ، و الله سبحانه و تعالى يقول : "وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ "سورة البقرة 163

    إنَّ التوحيدَ هو الأمرُ الذي منْ أجلهِ بعثَ الله تباركَ وتعالى الرُسُلَ ، و منْ أجلهِ أنزلَ الله جَّلَ و علا الكُتُبَ ، بل و منْ أجلهِ خَلَقَ الله الثقلين ، قالَ الله جَلَّ و علا :" وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ(58)"سورة الذاريات

    و معنى قول الله تباركَ و تعالى : " إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " أي إلا ليوحِّدون ، أي ليقيموا توحيدَ الله تباركَ وتعالى .

    و معنى توحيدُ الله جَلَّ و علا هو أنْ يُوَحَّدَ الله تبارك وتعالى بأنه هو الخالقُ وحدَه ، و أنه تبارك وتعالى هو الباريءُ ، وهو المصوِّر ، وهو المدبِّر ، وبالتالي فهو الذي يستحقُّ العبادةَ دون غيرهِ سبحانه وتعالى ، كما قال جَلَّ و علا : " ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)"سورة الانعام

    والتوحيدُ ينقسمُ إلى نوعين اثنين :

    - توحيد المعرفة و الاثبات .

    - توحيد القصد و الطَّلَب .

    أما توحيدُ المعرفة و الإثبات فإنَّ الله جَلَّ و علا لا يقبلُ منْ عبدٍ إيماناً ما لم يُوَحَّد الله تباركَ و تعالى ذلك التوحيد ، و هو توحيد الربوبية ، بأنْ نؤمنَ أنَّ الله تبارك و تعالى هو الخالقُ وحدَه ، و أنَّ الله تبارك وتعالى ما أرادَه كانَ و ما لم يُرِدْهُ لم يكنْ ، و أنَّ الله تبارك وتعالى واحدٌ في أسمائه ، واحدٌ في صفاته ، واحدٌ في أفعاله جَلَّ و علا ، و أنْ نُثْبِتَ لله جَلَّ و علا ما أثبته لنفسهِ منْ أسماءَ و صفاتٍ سبحانه وتعالى ، فهذا هو توحيدُ المعرفةِ و الإثباتِ .

    و التوحيد الثاني و هو توحيدُ القصد و الطلب.

    وكذلك الله تبارك وتعالى لا يقبلُ إيماناً منْ عبدٍ حتى يُوَحِّدَ الله تبارك وتعالى توحيدَ القصد والطلب ، وهو أنْ يُفْرَدَ الله تبارك و تعالى بالعبادة .. أنْ يُفْرَدَ الله تبارك و تعالى بالدُّعاء ..أنْ يُفْرَدَ الله تبارك و تعالى بالخشيةِ .. أنْ يُفْرَدَ الله تبارك و تعالى بالاستعانة .. بالاستغاثة .. بالإنابة .. بالتوكُّل ..بالذَّبح.. بالنذر بالحلف ، لا يُعْبَدُ إلا الله جَلَّ و علا ، و هذا هو دينُ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم و دينُ جميع الأنبياء .

    إنَّ كلمةَ التوحيدِ التي بعثَ الله تباركَ وتعالى بها الرُّسُلَ كلَّهم هي " لا إله إلا الله " ، هذه الكلمةُ الطيبةُ هي كلمةُ التوحيدِ ، و هي كلمةُ الإخلاصِ ، وهي كلمةُ التقوى التي ذكرَها الله جَلَّ و علا في كتابه ، قالَ جَلَّ و علا : " ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ(62)"سورة الحج .

    يقولُ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية : " لا إله إلا الله " الله هو الذي تَأْلَهُهُ القلوبُ بحبِّها ، وتخضعُ له ، وتذلُّ له ، وتخافُه ، وترجوه ، و تُنيبُ إليه في شدائدِها ، و تتوكَّل عليه في جميعِ مصالحها .

    هذا هو الإلهُ ، هذا هو المعبودُ ، هذا معنى لا إله الا الله .

    قالَ موسى عليه الصلاةُ و السَّلامُ : يا رَبّ ، علِّمني كلمةً أدعوك بها و أُناديك بها .

    قالَ الله تباركَ و تعالى : يا موسى ، قلْ لا إله إلا الله .

    قالَ موسى عليه الصلاةُ و السَّلامُ : يا رَبّ ، كلُّ عبادِك يقولونها .

    كلُّ الناسِ يقولون لا إله إلا الله .

    قالَ : يا موسى ، لو أنَّ السَّموات السبع و عامرُهنَّ غيري و الأرضين السبع في كَفَّةٍ و لا إله إلا الله في كفَّة مالتْ بهنَّ لا إله إلا الله .

    هذه الكلمةُ الطيبةُ كما جاءَ في حديثِ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم :" أنه يُؤتى بعبدٍ يومَ القيامةِ فتُوضعُ له سِجِلَّاتهُ ؛ فإذا هي تسعةٌ و تسعون سِجِلاًّ مَدَّ البَصَرِ منَ المعاصي ، و العياذُ بالله , فيُقالُ له : هل تُنكر شيئاً منها ؟ , فيقولُ : لا , فيُقالُ له : هل ظلمناكَ ؟ فيقولُ : لا , فيقولُ الله تباركَ و تعالى : و إنَّ لكَ عندنا حسنةً , فيقولُ الرَّجلُ : و ماذا تفعلُ هذه الحسنةُ مع هذه السِّجِلَّاتِ ؟ فيقولُ الله تبارك و تعالى له : إنك لا تُظْلَمُ ، إنه لا ظُلْمَ اليومَ , فيُؤتى بهذه الحسنةِ ، فإذا هي شهادةُ أنْ لا إله إلا الله و أنَّ محمَّداً رسولُ الله , فتُوضعُ هذه الشهادةُ في كَفَّةٍ و السِّجِلَّاتُ تلك في كَفَّةٍ ، فتطيشُ السِّجِلَّاتُ ، تثقُلُ بهنَّ لا إله إلا الله .

    فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم : " فلا يثقلُ مع لا إله إلا الله شيءٌ أبداً ".

    هذه الكلمةُ الطيِّبةُ التي مَنْ ماتَ عليها دخلَ الجنةَ ، و مَنْ ماتَ بدونها دخلَ النارَ .

    هذه الكلمةُ الطيِّبةُ هي التي يَستقبلُ العبدُ الحياةَ بها ، فأوَّل ما يُوْلَدُ يُؤذَّن في أُذُنِ الصَّبيِّ " أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله و أشهدُ أنَّ محمَّداً رسولُ الله " ، ثم إذا ماتَ العبدُ قيلَ له : لا إلهَ إلا الله عند موتهِ ، عند احتضارهِ .

    فهي بدايتُه و هي نهايتُه " مَنْ كانَ آخرُ كلامهِ لا إلهَ إلا الله دخلَ الجنة ".

    هذه الكلمةُ الطيبةُ التي دعا إليها النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم في مَكَّةَ ثلاثَ عشرةَ سنةً ، جلسَ في مَكَّةَ صلواتُ الله و سلامهُ عليه ثلاثَ عشرةَ سنةً لا يدعو إلا لهذه الكلمةِ ، ما أمرَ الله بصلاةٍ ، و لا أمرَ الله بصيامٍ ، و لا أمرَ الله بزكاةٍ ، و لا بحَجٍّ ، و لا بجهادٍ ، بل أمرَ الله تباركَ و تعالى أنْ يقولوا لا إلهَ إلا الله فقط .

    ما فرضَ الله الصلاةَ على الصحيح إلا قبلَ الهجرةِ بسنةٍ و شهرين فقط ، و ما أُمِرَ الناسُ بصيامٍ و لا أُمِرُوا بزكاةٍ و لا أُمِرُوا بحَجٍّ ، و لا أُمِرُوا بغيرها .. إلا بلا إلهَ إلا الله .

    هكذا جلسَ صلواتُ الله و سلامهُ عليه يدعو إلى هذه الكلمةِ الطيِّبةِ ، قولوا لا إلهَ إلا الله تُفلحوا .

    و لما هاجرَ صلواتُ الله و سلامهُ عليهِ إلى المدينةِ شُرِعَتِ الصَّلاةُ ، شُرِعَ الصِّيامُ ، شُرِعَتِ الزَّكاةُ ، شُرعَ الحَجُّ ، شُرِعَ الجهادُ ، و مع هذا ما زالَ يدعو إلى لا إلهَ إلا الله .

    إلى يومِنا هذا إذا أرادَ الإنسانُ أنْ يدخلَ في الإسلام نقولُ له قلْ : لا إلا إلا الله ، بهذه الكلمةِ يدخلُ و بدونها يخرجُ و العياذُ بالله .

    و لذلك كُفَّارُ مَكَّةَ فهموا معنى هذه الكلمةِ التي لم يفهمْ معناها كثيرٌ منَ الناسِ .

    هذه الكلمة التي معناها " لا معبودَ بحقٍّ إلا الله " أو " لا يستحقُّ العبادةَ إلا الله جَلَّ و علا " .

    هذه الكلمةُ فهمَ معناها كُفَّارُ مَكَّةَ ، و لذلك قالَ الله عنهم : " وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ(4) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5)" سورة ص ، عَلِمُوا أنَّ معنى لا إلهَ إلا الله أنْ يُتْرَكَ كلُّ ما دون الله تباركَ و تعالى .. أنْ تُتركَ الأصنامُ .. أنْ لا يُدْعَى إلا الله .. ألَّا يُخاف إلا منَ الله .. ألَّا يُسجدَ إلا لله ، ألَّا يُطاعَ إلا الله جَلَّ و علا ، و أنْ يُطاعَ نبيُّه فِيمَا أمرَ لأنه المُبَلِّغ عن الله جَلَّ و علا .

    فهموا معنى هذه الكلمةِ الطيبةِ التي غابَ معناها الصحيحُ عن كثيرٍ منَ المسلمين ، فتجدُ المسلمَ اليومَ

    يقولُ : لا إله إلا الله و يخافُ منْ غيرِ الله

    يقولُ : لا إله إلا الله و يدعو غيرَ الله

    يقولُ : لا إله إلا الله و يحلفُ بغير الله

    يقولُ : لا إله إلا الله و يذبحُ و ينذرُ و يتوكَّل و يخشى غيرَ الله تباركَ و تعالى .

    كلّ هذا جاءَ منْ ماذا ؟؟

    كلّ هذا جاءَ منْ عَدَمِ فَهْمِنَا لهذه الكلمةِ الطيبةِ .

    ولذلك لما جاءَ أبو جهل للنبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم فقالَ له : يا محمَّد ماذا تريدُ ؟؟

    سَفَّهْتَ أحلامَنا .. سَبَبْتَ آلهتنا .. آذيتَنا في أنفسِنا.. في أزواجِنا .. في أموالِنا .. في أولادِنا .. ماذا تريدُ ؟؟

    تريدُ مُلْكاً ؟ مَلَّكْنَاكَ .

    تريدُ جَاهاً ؟ وَجَّهْنَاكَ .

    تريدُ زوجةً ؟ زَوَّجْنَاكَ .

    تريدُ مالاً ؟ جمعْنا لكَ منَ المالِ حتى تكونَ أغنانا .. فماذا تريدُ ؟؟

    قالَ : أريدُ كلمةً .

    فاستغربَ أبو جهل منْ هذا الجوابِ الغريبِ منَ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم .

    قالَ : كلمة ؟؟!!

    قالَ : كلمة .

    قالَ : و أبيكَ أُعطيكَ مئةَ كلمةٍ .

    قالَ : قولوا لا إلهَ إلا الله .

    قالَ : أمَّا هذه فلا .

    لماذا ؟ لأنه عرفَ معنى هذه الكلمةِ الطيبةِ .. عرفَ أنه إذا قالَ : لا إلهَ إلا الله أنه لنْ يعبدَ إلا الله جَلَّ و علا .

    و هذه الدعوةُ هي دعوةُ جميعِ الرُّسُلِ صلواتُ الله و سلامُه عليهم .

    و لذلكَ قالَ الله جَلَّ و علا : " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) " سورة الأنبياء

    هي دعوةُ جميع الرُّسُلِ ، دَعَوا إلى لا إلهَ إلا الله .

    و التَّوحيدُ هو حَقُّ الله على عبادهِ كما قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم لمعاذ بنِ جبل ؛ و كانَ رديفَ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم على حمارهِ ، فالتفتَ إليه النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم فقالَ : " يا معاذُ ، أتدري ما حَقُّ الله على العبادِ ؟ " قالَ معاذ : قلتُ : الله و رسولُه أعلمُ , قالَ : " حَقُّ الله على العبادِ أنْ يعبدوه و لا يُشركوا به شيئاً " , قالَ : " يا معاذ ، أتدري ما حَقُّ العبادِ على الله ؟ " , قالَ : قلتُ : الله و رسولُه أعلمُ .

    قالَ : " حَقُّ العبادِ على الله إنْ هم قالوها و عَبَدُوا الله تعالى أنْ يُدخلَهم الجنةَ " بهذه الكلمةِ .

    بتلكَ الكلمةِ الطيبةِ التي نسألُ الله تباركَ و تعالى أنْ يُحيينا و إيَّاكم عليها و أنْ يُميتَنا و إيَّاكم عليها .

    و لذلك لما أرسلَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم الرُّسُلَ إلى الملوكِ يدعوهم إلى الله تباركَ و تعالى كانَ يُرسلُ معهم قولَ الله تباركَ و تعالى : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...(64)" سورة آل عمران.

    هكذا كانتْ دعوةُ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم .

    و لذلك لما دخلَ رِبعيّ بنُ خِراش رضيَ الله تبارك و تعالى عنه على رستم قائد الفرس قالَ له رستم : ما جاءَ بكم ؟

    قالَ :"جئنا وقد بعثنا الله تبارك وتعالى لنُخرجَ العبادَ منْ عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ رَبِّ العبادِ "

    هكذا دعاهم الله تباركَ و تعالى إلى أنْ يُوَحِّدُوا الله جَلَّ و علا فلا يُعبد إلا الله .

    كيفَ نُحَقِّقُ توحيدَ الله جَلَّ و علا ؟

    نُحَقِّقُ هذا التَّوحيدَ

    أولاً /بإخلاصِ العبوديةِ لله جَلَّ و علا ، أنْ نخلصَ العبوديةَ لله جَلَّ و علا .

    قالَ الله جَلَّ و علا : " قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ..... (164)" سورة الأنعام .

    وقالَ تباركَ و تعالى : " وَمِنَ النَّاسٍ مَن يَتَّخِذ من دُونِ اللهِ أندَادَاً يُحبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله وِالَّذيِنَ آمنوا أشَدُّ حُباً لله.... (165) "سورة البقرة .

    وقالَ تباركَ و تعالى : " ....إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(40)" سورة يوسف .

    إخلاصُ العبودية لله هذا أوَّلها .

    وأمَّا الأمرُ الثاني فهو تجنُّب الشِّرْكِ بجميعِ صُوَرِهِ .

    قالَ تباركَ و تعالى : " ....إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ(72)" سورة المائدة .

    وقالَ تباركَ و تعالى :" ‏إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء ....‏( 48)" سورة النساء .

    أمَّا الأمرُ الثالثُ فهو تحقيقُ قضيةِ الولاءِ و البراءِ و الكفر بالطاغوت .

    بهذه الأمور الثلاثة يتحقَّق التَّوحيدُ الصَّحيحُ .

    قالَ الله تباركَ و تعالى :" ....فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا ....(256)"سورة البقرة .

    وقالَ تباركَ و تعالى عن إبراهيم عليه السلام و أتباعهِ : " قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَاءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ .... (4)" سورة الممتحنة .

    بهذه الأمور يتحقَّق توحيدُ الله تباركَ و تعالى .

    - بإخلاص العبادة

    - باجتناب الشِّرك

    - بالكفر بالطاغوت والولاء والبراء.

    لا بُدَّ منْ هذه الأمور ، أنْ نواليَ مَنْ أحبَّ الله تباركَ وتعالى وأطاعه ، و أنْ نعاديَ مَنْ كفرَ بالله تباركَ : " لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ...(22)"سورة المجادلة .

    القصدُ أنه لا بُدَّ منْ تحقيقِ هذه الأمورِ الثلاثةِ ، فإذا حقَّقناها حقَّقنا العبادةَ لله تباركَ و تعالى .

    حقَّقنا هذه العبادة ، فماذا يكونُ لنا بعد ذلك ؟

    إنَّ مَنْ حقَّق العبادةَ لله تباركَ و تعالى أولاً يُكَوِّنُ شخصيةً متزنة .. يُكَوِّنُ الإنسانُ إذا حقَّق العبادةَ الصَّادقةَ لله جَلَّ و علا يُكَوِّنُ بعد ذلك شخصيةً مُتَّزِنَةً ، قالَ الله تباركَ و تعالى : " ... ءَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)" سورة يوسف . سبحانه و تعالى .

    ثم كذلكَ إنَّ تحقيقَ العبادةِ لله مصدرٌ للأمنِ النفسيِّ ، و ذلكَ أنَّ الإنسانَ يعيشُ في أمنٍ نفسيٍّ إذا حقَّق العبادةَ لله تباركَ و تعالى .

    قالَ جَلَّ و علا عن إبراهيم : " وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) " سورة الأنعام .

    إنه يحقِّق الأمنَ النفسيَّ .. لماذا ؟

    لأنه عبدَ الله تباركَ و تعالى وحدَه ، كذلكَ تحقيقُ العبادةِ لله تباركَ و تعالى يُعطي المؤمنَ قوَّةً ويقيناً .

    قالَ الله جلَّ و علا : ( فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ....) ، و ذلكَ لما تابعَ فرعونُ ومَنْ معه موسى ومَنْ معه يريدون قَتْلَهُمْ ، هربَ موسى بمَنْ معه صلواتُ الله وسلامُه عليه فتابعَه فرعونُ والذين معه ، يقولُ تباركَ و تعالى : " فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ(61) "سورة الشعراء .

    فماذا كانَ جوابُ موسى ؟

    " قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)"سورة الشعراء .

    يقينٌ بالله جَلَّ و علا .. لماذا ؟

    لأنه حقَّق التَّوحيدَ و حقَّق العبادةَ لله تباركَ و تعالى .

    ولذلكَ قالَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم لعبد الله بن عباس : " يا غلامُ ، احفظِ الله يحفظْك ، احفظِ الله تجدْه تجاهكَ ، إذا سألتَ فاسألِ الله ، و إذا استعنتَ فاستعنْ بالله ، و اعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أنْ يضرُّوك بشيءٍ لم يضرُّوك إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليكَ " .

    يشعرُ المؤمنُ بالقوَّة ، يشعرُ المؤمنُ بالعِزَّة ، يشعرُ المؤمنُ باليقين ؛ إذا حقَّق العبادةَ لله لأنَّ الله تباركَ و تعالى يكونُ بعد ذلك معه .

    ثم كذلك يحقِّق المساواةَ ما بين الناس كما قالَ الله جَلَّ و علا : " قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ...(64)"سورة آل عمران ..

    بهذه الأمورِ يستفيدُ الإنسانُ منَ التَّوحيدِ .

    أسألُ الله تباركَ و تعالى أنْ يُحييَنا و إيَّاكم على هذه الكلمةِ الطيبةِ و أنْ يُميتَنا و إيَّاكم على هذه الكلمةِ .

    لحفظ المادة اضغط هنا

    انتهت المحاضرة


    التعديل الأخير تم بواسطة جارة فاطمة; الساعة 04-02-2012, 03:11 PM.


    تعليق


    • #3
      رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

      سيرةعمربن عبدالعزيز
      الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، ربّ السماوات و الأراضين ، مالك الملك ، فالق الحب و النوى ، و فالق الإصباح و النور ، و الصلاةُ و السَّلامُ على المبعوث رحمةً للعالمين ، السِّراج المنير ، الرَّحمة المُهداة ، محمد بن عبد الله ، و على آلهِ و صحابتهِ أجمعين ، أمَّا بعدُ :
      فإنَّ الأمرَ كما سمعتم و هو أنَّ حديثَنا في هذه الليلةِ سيكونُ عَطِراً إنْ شاءَ الله تباركَ و تعالى ، و ذلك أنه يدورُ حولَ خليفةٍ راشدٍ ، حولَ إمامٍ منْ أئمةِ المسلمين ، شهدَ له مُحبُّه و مُبغضُه بالعدلِ و الزُّهدِ و القيامِ بما أوجبَ الله تباركَ و تعالى عليه منَ الحقوق خيرَ قيامٍ .
      حديثُنا في هذه الليلةِ عن أشجّ بني أُمية ،أشجّ بني أمية , الذي يُذكَر أنَّ عمرَ بنَ الخطاب قالَ : " يكونُ منْ ذُرِّيتي أشجّ يملأُ الأرضَ عدلاً " ، فكانَ الناسُ ينظرون في أولادِ عبدِ الله بنِ عُمَرَ و في أولادِهم حتى كانَ الأمرُ في بلالِ بنِ عبد الله بنِ عُمَرَ ، فكانتْ قد خرجتْ له شامةٌ في وجههِ فظنُّوا أنه هو الأشجُّ منْ ذُرِّية عُمََر ، حتى وُلِدَ عمرُ بنُ عبد العزيز ، مع أنَّ عُمَرَ بنَ عبد العزيز كما هو معلومٌ منْ بني أُميَّة ، فهو عمرُ بنُ عبد العزيز بنِ مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميَّةَ بن عبد شمس بن عبد مناف ، فلا شأنَ له بعمرَ منْ حيثُ النَّسَبِ ، و لكنَّ علاقتَه بعمرَ منْ حيثُ أنَّ عُمَرَ بنَ الخطاب جدُّه لأُمِّه ، و ذلك أنَّ أُمَّ عُمَرَ بنِ عبد العزيز هي ليلى بنتُ عاصم بنِ عمر بنِ الخطاب ، فهو منْ ذُرِّيةِ عُمَرَ و لكنْ منْ ولدهِ عاصم منْ بنت عاصم ؛ و هي ليلى التي يُقالُ لها أيضاً أُمّ عاصم .
      دخلَ عمرُ بنُ عبد العزيز يوماً ما منَ الأيام إلى إسطبل أبيه فرفسَه الفرسُ فشجَّ وجهَه ، فأسرعَ إليه أبوه فإذا هو قد سقطَ في الأرض و الدَّمُ يسيلُ منْ وجههِ ، فكانَ أبوه يمسحُ الدَّمَ عن وجههِ و هو يقولُ لئنْ كنتَ أشجَّ بني أميَّةَ إنك إذًا لسعيدٌ .
      فكانوا ينتظرون حدثاً ما .. ينتظرون رجلاً ما .. ينتظرون مولوداً أشجّ .
      و لعلَّه مما أخبرَ به النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم و العلمُ عند الله تباركَ و تعالى ، لم يصحّ فيه سندٌ صحيحٌ ، أي لم يردْ فيه سندٌ صحيحٌ عن النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم ، و لكنه مما أُشتهرَ عند النَّقَلةِ في قضيةِ أنَّ الناسَ كانوا ينتظرون الأشجَّ ، فكانَ الأشجُّ هو عمرُ بنُ عبد العزيز ، نشأَ عمرُ بنُ عبد العزيز تنشئةً ناعمةً كما يُقال .
      و قبلَ أنْ نتكلمَ عن نشأتهِ نريدُ أنْ نعرفَ أنَّ هذا الخُلُقَ و هذا الدِّينَ الذي جاءَ إلى عمرَ بنَ عبد العزيز منْ أين جاءَ ؟ طبعاً لا شكَّ أنَّ كونَ هذا الرُّجل - أعني عمر بن عبد العزيز- منْ ذُرِّية عمر بن الخطاب فهذا شأنٌ عظيمٌ ، و هذا يكفيهِ ، فإذا زدتَ على ذلك أنَّ جدَّته أُمّ أُمِّه هي إبنةُ بائعةِ اللَّبن التي كانتْ أُمُّها تحاولُ أنْ تغشَّ اللَّبنَ ، فكانتْ تقولُ لأُمِّها : ماذا تفعلين ؟
      قالتْ : أزيدُ اللَّبنَ ماءً , قالتْ : لمَ ؟ , قالتْ : حتى يكثرَ .
      قالتْ: أوَ ما علمتِ أنَّ أميرَ المؤمنين عمرَ قد نهى عن ذلك ؟!
      قالتْ : و ما يُدري أمير المؤمنين .
      قالتْ : إنْ كانَ أميرُ المؤمنين لا يدري فإنَّ الله يدري .
      و قدَّر الله تباركَ و تعالى أنَّ عمرَ بنَ الخطاب سَمِعَ هذا الحديثَ الذي دارَ بين البنتِ و أُمِّها .
      فجمعَ أولادَه فقالَ : مَنْ منكم حريصٌ على زواج ، فإني قد وجدتُ له امرأةً صالحةً ، فكانَ أنْ قالَ له ابنُه عاصم : أنا ، فزوَّجه تلك البنتَ ، فأنجبتْ له أُم عمر بن عبد العزيز التي هي ليلى .
      نشأ كما قلتُ تنشئةً مُترفةً ناعمةً لأنَّ أباه عبدَ العزيز بن مروان بن الحكم كان والياً على مصرَ ، و كانَ قد وُلدَ عمرُ بنُ عبد العزيز في مصرَ ، فأرسلَه أبوه إلى المدينةِ حتى يتعلَّم العلمَ الشَّرعيَّ ، فدخلَ المدينةَ و كلفَ صالح بن كيسان أنْ يقومَ على تعليمهِ و تربيتهِ و تأديبهِ ، فكانَ الأمرُ كذلكَ .
      ففي يومٍ منَ الأيام تأخَّر عمرُ بنُ عبد العزيز عن الصلاةِ فقالَ له صالح بنُ كيسان : ما أخرَّك ؟
      قال : كانتْ مِرجلتي تسكِّن شعري ، فهذا الذي أخَّرني .
      فقالَ : أبلغَ منْ تسكين شعرِك أنْ تتباطأ عن الصلاة ؟!!
      فكتبَ إلى والده يشكوه : إنَّ ابنَك فعلَ كيتَ و كيتَ .
      فأرسلَ والدُه عبد العزيز رجلاً منْ عنده ، رسولاً أرسلَه ، فدخلَ على عمرَ ، و قبلَ أنْ يُكلِّمه أيّ كلمةٍ حلقَ شعرَه كلَّه ، حتى لا يعودَ إلى ذلك العمل ... تربية .
      و كانَ عمرُ بنُ عبد العزيز قد حفظَ القرآنَ صغيراً .
      ثم مرَّت هذه السنواتُ و عمرُ يطلبُ العلمَ على أهل المدينةِ على علمائها ، و هو منَ التابعين ، عمر بن عبد العزيز رأى أنسَ بنَ مالك و السَّائبَ بنَ يزيد ، و قيلَ أيضاً رأى سهلَ بنَ سعد ، الشاهد أنه طلبَ العلمَ صغيراً حتى قالَ فيه الإمامُ أحمدُ : لا أعلمُ أحداً منَ التابعين قولُه حُجَّةٌ إلا عمر بن عبد العزيز . لهذه الدرجة !!
      الرَّجل بلغَ منَ العلم شأناً عظيماً ، فكانَ يُشارُ إليه بالبنان بالعلم ، حتى إنَّ الإمامَ الزُّهريَّ رحمه الله تعالى دخلَ على عمرَ بعد أنْ وصلَ إلى كرسي الخلافة فحدَّثه ببعض الحديث ، فقالَ عمرُ بنُ عبد العزيز : كلّ ما حدَّثتني به فإني أعرفُه و لكنْ شغلني الملكُ .. الحكم .
      عمر بن عبد العزيز مرَّت هذه السنواتُ سريعةً في حياتهِ حتى كانتْ سنة ستٍّ و ثمانين منَ الهجرة في خلافة الوليد بن عبد الملك ، فعيَّن الوليدُ بنُ عبد الملك عمرَ بنَ عبد العزيز والياً على المدينة ، إذْ ترَّبى فيها و نشأ فيها و عرفَ أهلَها ، فجعلَه والياً على المدينةِ .
      ففي هذا الوقت الذي تولَّى فيه عمرُ بنُ عبد العزيز المدينةَ المنوَّرةَ ، وقعَ ما تعرفون منْ توسعةِ مسجدِ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم حتى دخلَ القبرُ المسجدَ ، فكانَ ذلك في حكم الوليد بن عبد الملك في إمارة عمر بن عبد العزيز ، لما وُسِّع المسجد النبويّ الشريف عند ذلك دخلَ بيتُ النبيِّ صلَّى الله عليه و على آله و سلَّم في المسجد ، فصارَ قبرُه كما هو معلومٌ إلى يومِنا هذا داخلاً مسجدهِ صلواتُ الله و سلامُه عليه .
      أوَّل ما وصل عمر بن عبد العزيز إلى كرسي الإمارة - يعني إمارة المدينة - دعا عُلماءَ المدينة عروة بن الزبير ، و عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، و سالم بن عبد الله بن عمر ، و سليمان بن يسار ، و القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق و غيرهم ، دعاهم و جمعَهم ثم بعد ذلك قالَ لهم : إني وُلِّيتُ هذا الأمرَ كما تَرون و إني أريدُكم أنْ تكونوا بجانبي حتى لا أقطعَ أمراً حتى تكونوا عندي ، عند ذلك قبلوا بهذا الأمر .
      الشاهدُ أنَّ عمرَ بنَ عبد العزيز جمعَ هؤلاء العلماء ، قالَ لهم : لا أقطعُ أمراً دونكم فشكروه لهذا ، و كانتْ خلافتُه أو إمارتُه للمدينةِ في هذه السنواتِ طيبةً جداً ، و كانَ عمُّه عبد الملك يحبُّه كثيراً ، عبد الملك يكون عمّاً لعمر بن عبد العزيز ، فمنْ شِدَّةِ حبِّه له زوَّجه ابنتَه فاطمةَ بنت عبد الملك ، و هذه فاطمةُ التي يُلغزُ بها فيقالُ : بنت الخليفة ، و الخليفةُ جدُّها ، أُختُ الخلائف ، و الخليفةُ زوجها ، يعني هذه أكبرُ واسطةٍ عُرفتْ على وجه الأرض منَ النساء ، أبوها خليفة ، و جدُّها خليفة ، و إخوتُها خلفاء ، و زوجُها خليفة ، ما صارت إلا لها..أبداً ، أبوها عبد الملك بن مروان خليفة ، و جدُّها مروان بن الحكم كانَ خليفةً على قول أهل العلم في زمن عبد الله بن الزبير ، و زوجُها خليفة و هو عمر بن عبد العزيز ، و إخوتها أربعة كلّهم صاروا خلفاء .. أُمراء للمؤمنين ..الوليد بن عبد الملك ، سليمان بن عبد الملك ، هشام بن عبد الملك ، يزيد بن عبد الملك .
      تزوَّج عمرُ بنُ عبد العزيز هذه المرأةَ الصالحةَ ، زوَّجه إياها عمُّه عبدُ الملك لما كانَ يرى فيه منَ النجابةِ ، فكانَ يحبُّه حبّاً شديداً ، فزوَّجه هذه البنتَ الصالحةَ .
      في خلافةِ سليمانَ بنِ عبد الملك قرَّب سليمانُ بنُ عبد الملك عمرَ بنَ عبد العزيز إليه كثيراً ، و كانَ وزيرُ سليمان بن عبد الملك رجلاً يقالُ له رجاء بن حيوة ، فلما مرضَ سليمانُ و شعرَ بقُربِ أجلهِ نادى رجاءَ بنَ حيوة ، قالَ : ما ترى في هذا الأمر ؟ أنا على وشك الموت الآن ما ترى ؟ كيف تكونُ الخلافةُ بعدي ؟ أجعلُها في هشام أم في يزيد ؟هشام أخيه أو في يزيد أخيه
      قال: لا هذا و لا هذا .
      قالَ : فماذا إذًا ؟
      قال : اجعلْها في عمرَ بنِ عبد العزيز إنْ كنتَ ناصحاً لدين الله .
      عمر بن عمِّه
      قال : اجعلْها في عمرَ بنِ عبد العزيز .
      قالَ : و لكنْ أخشى أنْ لا يقبلَ إخوتي فتكون هناك فوضى .
      قالَ : لا تزال هناك فوضى ، اجعلْها في عمر بن عبد العزيز ، و اجعل ولاية العهد في أحد إخوتك ، ليزيد .
      قالَ : هكذا إذًا ؟
      قالَ : نعم ، و اكتبْ في ذلك وصيتك .
      فقالَ : أنتَ و ما ترى .
      فكتبَ الأمرَ منْ بعدهِ لعمرَ بنِ عبد العزيز و منْ بعد عمر أخوه يزيد ، فلما ماتَ جاءَ رجاءُ بنُ حيوة إلى عمرَ بنِ عبد العزيز و أخبرَه الخبرَ و قالَ له : إنَّ أميرَ المؤمنين قد جعلَ الأمرَ إليكَ منْ بعدهِ .
      قالَ : ويحك ماذا صنعتَ بي ؟؟ و الله إنها لتركةٌ ثقيلةٌ .
      أمر صعب ..تركة ثقيلة ..
      قالَ : استعنْ بالله على هذا الأمر ، و ولايةُ العهد منْ بعدك ليزيد بن عبد الملك .
      قال : إنا لله .
      فقبلَها عمرُ بنُ عبد العزيز رحمه الله بعد لعي ، ثم خرجوا إلى الصلاة على سليمان بن عبد الملك ، فصلَّى عمرُ بنُ عبد العزيز عليه ثم بعد ذلك جيء بمركبِ الخلافةِ .
      فقال : ما هذا ؟
      قالوا : هذا مركبُ الخلافةِ .
      قالَ : لا حاجةَ لي فيه ، رُدُّوه بغلتي أرفقُ بي ، فركبَ بغلتَه .
      فقالوا : الناسُ ينتظرونك .
      قالَ : أين ؟
      قالوا : في قصر الخلافة .
      قالَ : لا حاجةَ لي فيه ، بيتي أرفقُ بي ، بل دعوا أهلَه فيه - يعني أهلَ سليمانَ بنِ عبد الملك دعوهم في قصره - بيتي أرفقُ بي .
      فذهبَ إلى بيتهِ رضي الله عنه و أرضاه ، عند ذلك خرجَ منْ بيتهِ و صعدَ على المنبر و حدَّث الناسَ ، و كانَ منْ حديثهِ رحمه الله و رضيَ عنه أنْ قال :" إني و الله ما حاربتُ على الإمارةِ يوماً ما ، و لكني أُرغمتُ عليها إرغاماً ، و أنتم في حِلٍّ منْ بيعتي " .
      قالوا : لا و الله لا نُقيلها بل رضينا بكَ .
      فقالَ : إنْ كانَ الأمرُ كذلك فمَنْ كانتْ له مظلمةٌ فليأتني ، ثم دخلَ بيتَه ، فلما دخلَ بيتَه أرادَ أنْ ينامَ منَ التعبِ فجاءَه ولدُه عبدُ الملك و كانَ منْ صلحاء الرِّجال ، كانَ ذلك الوقت قد بلغَ السابعة عشرة منْ عمره فقالَ : إلى أين يا أبتِ ؟؟
      قالَ : أُريدُ أنْ أقيلَ - القيلولة قبل الظهر- قالَ : أُريدُ أنْ أقيلَ ثم أردّ مظالمَ الناسِ .
      قالَ : و هذه المظالمُ يا أبتِ كيف تصنعُ بها ؟
      قالَ : بعد أنْ أقيلَ و أُصلِّي الظُّهرَ أجلسُ للمظالم .
      قالَ : افعلْ يا أبتِ إنْ ضمنتَ أنْ تعيشَ إلى الظُّهرِ ، إذا ضمنتَ ذلك فافعلْ ذلك .
      فنظرَ إليه عمرُ ، هذه الكلمات يعني كأنها منشِّطة لعمر ، فالتفتَ إليه ثم قبَّل بين عينهِ ثم قالَ : " الحمدُ لله الذي أخرجَ منْ صُلبي مَنْ يُعينُني على ديني ، ادعوا أهلَ المظالم " .
      فنشطَ و ذهبَ عنه النومُ و التَّعبُ ، و استقبلَ أهلَ المظالم ، فصاروا يدخلون على عمرَ بنِ عبد العزيز كلٌّ يعرضُ مظلمتَه ، فكانَ يسمعُ و يحاولُ قدرَ ما يستطيعُ رضيَ الله عنه أنْ يردَّ إلى كلِّ مظلومٍ حقَّه رضيَ الله عنه .
      و كانَ قد قامَ بعدَّة أعمالٍ عندما وُلِّيَ الخلافةَ ، منْ أهمِّ هذه الأعمالِ :
      - أنه كانَ يجلسُ لسماع المظالم .
      - و منها أنه منعَ سبَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؛ حيثُ كانَ بعضُ الخطباء يسبُّ عليّاً رضيَ الله عنه و أرضاه .
      - و كذلك كانَ أنْ قامَ بردِّ فدك لبني هاشم ، و ذلك أنَّ فدكاً للنبيِّ صلى الله عليه و سلم و كانَ ينفقُ منها على أهلهِ ، فلما جاءَ أبو بكر فعلَ كما كانَ يفعلُ النبيُّ صلى الله عليه و سلم ، و هكذا عمر و عثمان و عليّ و معاوية و يزيد و عبد الله بن الزبير إلى أنْ جاءَ مروانُ بنُ الحكم فأخذَ الفدك منْ بني هاشم ، ما صار ينفق عليهم منها ، و استمرَّ الأمرُ كذلك في عهد عبد الملك و في عهد الوليد و في عهد سليمان بن عبد الملك ، فلما جاءَ عهدُ عمرَ بنِ عبد العزيز ردَّ الفدك إلى بني هاشم .
      - و كذلك دعا الخوارجَ ، و ذلك أنَّ الخوارجَ في ذلك الوقت كانتْ لهم مناوشاتٌ مع بني أُميَّة ، كلّ بين فترة و أُخرى تقومُ قائمةٌ للخوارج و يكونُ قتالٌ ، فيُقتَل منْ هؤلاء و يُقتل منْ أولئك و هكذا ، و كانَ الأمرُ كثيراً في ذلك الوقت ، عند ذلك قالَ عمرُ بنُ عبد العزيز ائتوني بهم أُناظرهم ، فجاؤوه فناظرَهم فقالَ : إنْ كانَ لكم حقٌّ أعطينا لهم إياه .. و إلا دعُوا المسلمين منْ شَرِّكم و منْ قتالكم ، لا نريدُ أنْ نقاتلَكم و لا تقاتلونا حتى نتفرَّغ للكفار و لغيرهم ، فماذا تريدون ؟
      فطلبوا منه أشياءَ أعطاهم إياها منها ما كانوا يرون أنها مظالم لهم ، ثم بعد ذلك طلبوا منه أنْ يلعنَ الخلفاءَ الذين سبقوه منْ بني أمية .
      فقالَ : ويحكم منذ كم أنتم على هذا الدين ؟؟
      هذا الدين الذي تدينون الله به السَّبّ و اللَّعن
      منذ كم أنتم على هذا ؟!
      قالوا : منذ كذا سنة و كذا , منذ سنوات نسبُّهم و نتقرَّب إلى الله بسبِّهم.
      قال : فإني سائلُكم فاصدقوني .
      قالوا : قلْ .
      قالَ : منذ كم و أنتم تسبُّون فرعون ؟
      قالوا : و الله ما سببناهُ قطُّ .
      قالَ :سبحان الله أكان يسعكم أنْ لا تسبُّوه و لا يسعني أنْ لا أسبَّ أهلَ بيتي ؟؟!!
      فسكتوا و ما ردُّوا عليه بشيءٍ .
      و لما وُلِّيَ الخلافةَ رضيَ الله عنه شعرَ بالهمِّ و الغمِّ حتى قالَ له مولا : يا أميرَ المؤمنين ما هذا بوقت هذا ، يعني هذا الوقت ليس وقت الهمّ و الغمّ ، أنتَ الآن صرتَ أمير المؤمنين ليس هذا وقت الهمّ .
      قالَ : ويحك إنني اليومَ أَسبُّ و لا أُسبُّ ، و أَقتلُ و لا أُقتلُ ، و أُذِي و لا أُذَى ، ثم بكى رضيَ الله عنه و أرضاه ، ثم نادى زوجتَه فاطمةَ فقالَ لها : يا فاطمةُ إنْ شئتِ رددتك إلى أهلك ، و إنْ شئتِ بقيتِ معي ، و لكنْ منذُ اليوم لا شأنَ لي بالنساء ، انتهى دورُ النساء في حياتي .
      كذلك قالَ رحمه الله تعالى عندما جاءته الخلافةُ ، و قالَ له رجلٌ هنيئاً لك الملك فقالَ : ويحك إنه ما منْ رجلٍ بالمشرق و المغرب منْ هذه الأُمَّة إلا و هو يُطالبُني بحقِّه أنْ أُؤديه إليه ،كتبَ إليَّ أو لم يكتبْ ، يحملُ همّاً .
      لذلكَ قالَ بعدها :
      قد جاءَ شغل شاغل و عدلت عن طرق السلامة ، ذهب الفراغُ فلا فراغَ لنا إلى يوم القيامة .
      - كذلك كانَ منْ أعمالهِ رضيَ الله عنه أنه حجرَ على أموالِ بني أُميَّة و قالَ : هذه أموالُ المظالم ، و حجرَ عليها جميعاً حتى كرهَه أكثرُ بني أمية في ذلك الوقت ؛ لأنه ضايقهم في أموالهم ، في سلطانهم ، في تعدِّيهم أو تعدِّي بعضهم على الناس ، لذلك كرهَه الكثيرون منهم .
      بل بلغَ الأمرُ به و ذلك أنه جاءه بعضُ الصالحين و قالَ له : كيف تجعل الخلافةَ بعدك ليزيد بن عبد الملك ؟!
      قال : إنه عائدٌ ليس بيدي و إنما عهدٌ منْ سليمان أنه جعل له ولايةَ العهد بعدي و الحكمَ بعدي .
      فقال : فكيف تقولُ لعهدِ ربِّك تباركَ و تعالى أنْ لا تُوَلِّي عليها إلا الصالح .
      فنظرَ إليه و قالَ : كذلك .
      و لكنْ يُقالُ إنه ما أُمهلَ بعد ذلك إلا ثلاثة أيام و مات ، و المشهورُ عند أهلِ العلم أنه ماتَ مسموماً ، و ذهبَ أكثرُهم إلى أنه سُمٌّ منْ بعضِ بني أُميَّة الذين ضايقَهم في ما كانوا عليه منَ التَّرف و ما كانوا عليه منْ أخذِ الأموال أو ما شابَه ذلك .
      - كذا كانَ منْ أعمالهِ رضيَ الله عنه أنه لما وُلِّيَ الخلافةَ أعادَ الصلاةَ إلى وقتها ، و كانتِ الصلاةُ في ذلك الوقت تؤخَّر ، كانوا يؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها فأعادَها عمرُ رضيَ الله عنه و أرضاه ، فصارَ يُصلِّيها في أوَّل وقتِها .
      - و عزلَ والياً منَ الولاةِ .. لماذا ؟ لأنه كانَ يأخذُ الجزيةَ منَ المسلمين , و قالَ : ويحك تأخذُ الجزيةَ منَ المسلمين , قالَ : نعم ، لأنهم إنما أسلموا حتى لا يدفعوا الجزيةَ , هم صحيح أعلنوا إسلامهم و لكن أنا أشكُّ في صِدْقِ نيَّاتهم ، ما أسلموا حبّاً بالإسلام ، و لذلك هم منافقون أسلموا لكي لا يدفعوا الجزية .
      قالَ : سبحان الله ، إنَّ الله ما بعثَ محمَّداً صلى الله عليه و سلم جابياً و لكنْ بعثَه داعياً ، فعزلَه و منعَه منْ ذلك الفعلِ .
      تقولُ زوجتُه فاطمةُ : كانَ عمرُ يكونُ معي في الفراش فيذكرُ الشَّيءَ منْ أمرِ الآخرةِ فينتفضُ كما ينتفضُ العصفورُ في الماءِ فيجلسُ يبكي ، فأطرحُ اللّحافَ عليه و أنا أقولُ : يا ليتَ كانَ بيننا و بين الخلافةِ بُعْدَ المشرقين و بُعْدَ المغربين ، و الله ما رأينا خيراً قطّ منذ دخلتْ علينا ، هذه الخلافةُ .
      و تقولُ كذلك زوجتُه فاطمةُ : دخلتُ على عمرَ و إذا هو في مُصَلاه ، يدُه على خدِّه سائلة دموعُه .
      فقلتُ : يا أميرَ المؤمنين أ لشيءٍ حدثَ ؟ لمَ تبكي ؟لماذا أنتَ مهمومٌ ؟حدثَ شيءٌ ؟
      فقالَ : يا فاطمةُ ، إني تقلبت أمرَ أُمَّة محمَّد صلى الله عليه و سلم فتفكَّرتُ في الفقير الجائع ، و المريض الضائع ، و العاري المجهول ، و المظلوم المقهور ، و الغريب المأسور ، و الكبير ، و ذي العيال ؛ في أقطار الأرض فعلمتُ أنَّ ربِّي سيسألُني عنهم جميعاً ، و أنَّ خصمي في ذلك اليوم هم محمَّد صلى الله عليه و سلم ، فخشيتُ على نفسي .
      هكذا كانتْ هذه الشفافيةُ في هذا الرَّجلِ رحمه الله .
      يقولُ مقاتل بنُ حيان : صلَّيتُ خلفَ عمرَ بنِ عبد العزيز فقرأ: "وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ " .
      يقولُ : فبكى ثم صار يردِّدها و يبكي ، يردِّدها و يبكي ، لا يستطيعُ أنْ يتجاوزَها ، لأنه علمَ أنَّ الله سيسألُه عن أمرِ أُمَّة محمَّد صلى الله عليه و سلم الذين ولَّاه الله تباركَ و تعالى أمرَهم .
      و كعادةِ الشعراء إذا تسلَّم الإنسانُ منصباً ما يأتون إليه يمدحونه ، فكانَ عمرُ بنُ عبد العزيز لما كان أول إمارته على المدينة قد جاءه شاعرٌ منَ البادية فمدحَه ، فأعطاه عشراً منَ النُّوق ، و كانتْ منَ النُّوق الجيدة الطيبة ، حتى أن الرجل قالَ : إني خشيتُ عليها أنْ أخرجَ بها فتُسرق و لا أبيعها لأنها نفيسةٌ عندي ، فانتظرتُ حتى جاءَ الصبح فخرجتُ بها ، فباركَ الله لي فيها بركةً عظيمةً .
      فكانَ عمرُ بنُ عبد العزيز لما أعطاه هذه النوق قالَ : لقد علمَ الله أني أخرجتُ لك هذه الأموال و طيبة بها نفسي ، و إنْ يسَّر الله لك أنْ سمعتَ بنا قد تقلَّدنا غيرَ هذا الأمر تعالَ لتأخذَ غيرَها ، راحتِ الأيامُ حتى سمعَ هذا الرَّجلُ بموتِ سليمانَ بنِ عبد الملك .
      فقالَ : مَنْ ولي الخلافةَ بعده .
      قالوا : عمر بن عبد العزيز .
      قال : هو صاحبي ، فذهب إلى الشام ، يقولُ فلمَّا أردتُ أنْ آتيه لم أستطعْ أنْ آتيَ إليه لكثرةِ ما حولَه منَ الناسِ أهلِ للمظالم , يقولُ : فَصِحْتُ منْ بعيدٍ ، فناداني .
      فقالَ : أ تذكرني ؟؟
      قال : أذكرُك .
      قالَ : أ تذكرُ وعدَك لي ؟
      قال : أذكرُ وعدي لك ، و لكنِ انظرْ إنَّ الإنسانَ إذا نالَ شيئاً طلبَ ما هو بعدَه ، و أنا قد نلتُ الإمارةَ في ذلك الوقتِ , فطلبتُ ما بعدَها فأعطاني الله ما بعدَها و هي الخلافة ، فلما وصلتني الخلافةُ طلبتُ ما بعدَها فما رأيتُ خيراً منَ الآخرةِ ، و إني قد طلَّقتُ الدُّنيا و أقبلتُ على الآخرةِ ، و والله لا أُعطيك شيئاً منْ أموال الناس .
      فإنْ شئتَ فلكَ نصفُ مالي ، فلي ألفُ دينار لكَ منها نصفها .
      فقلتُ : لا و الله لا آخذُ منها درهماً .
      فقالَ : و الله لتأخذنها .
      يقولُ : فما زالَ بي حتى أخذتها ، فباركَ الله لي في هذا المال بركةً عظيمةً .
      و اجتمعَ الشعراءُ كذلك المعروفون في ذلك الوقت إلى عمرَ بنِ عبد العزيز عند بابهِ يريدون الدُّخولَ عليه ، فلم يأذنْ لهم شهراً كاملاً .
      كلّ يوم يأتون إليه عند الباب يستأذنون فلا يأذنُ لهم ، و الشعراءُ الذي اجتمعوا في ذلك الوقت : جرير و الفرزدق و الأخطل و عمر بن أبي ربيعة و كذلك جميل كلّ هؤلاء الشعراء اجتمعوا عند بابه ينتظرون الإذن ، حتى كلّ واحدٍ يأتي و يقول له بيتين منَ الشعر و يأخذ نصيبَه .
      لم يأذنْ لهم ، فخرجَ إليهم رجاءُ بنُ حيوة الوزير الصالح ، فقالوا له : استأذنْ لنا أميرَ المؤمنين حتى ندخل عليه ، الناسُ يدخلون ، الفقراءُ يدخلون ، العلماءُ يدخلون ، نحن الشعراءُ لا ندخلُ .
      يقولُ : فكلَّم عمر بن عبد العزيز .
      قال : لا و الله لا يدخلون عليَّ .
      ثم سكتَ ، ثم قال : مَنْ بالباب ؟
      قالَ : الفرزدق .
      قالَ : الفرزدق الذي يقولُ كيتَ و كيت , قال : لا و الله لا يدخلُ عليَّ أبداً .
      قالَ : و مَنْ ؟
      قالَ : الأخطل .
      قالَ : الأخطل الذي يقول كيت و كيت ، لا و الله لا يدخلُ .
      يحفظُ أشعارَهم .
      قالَ : جميل
      قال : الذي يقولُ كذا لا يدخلُ عليَّ .
      قالَ : عمر .
      قالَ : الذي يقولُ كذا ، لا يدخلُ ، و هكذا ردَّهم جميعاً .
      قالَ : و جرير .
      قالَ : و جرير هو أحسنهم و أعفّ لساناً أدخلْه عليَّ .
      فدخلَ جرير على عمر بن عبد العزيز .
      عند ذلك لما دخلَ جرير قالَ لعمرَ بنِ عبد العزيز :
      إنَّ الذي بعثَ النبيَّ محمَّداً *** جعلَ الخلافةَ للإمام العادل
      وسعَ الخلافةَ عدلُه و وقارُه *** حتى أرعوى و أَقامَ ميلَ المائل
      إني لأرجو منك خيراً عاجلاً *** فالنفسُ مُولعةٌ بحبِّ العاجل
      فقالَ له عمرُ بنُ عبد العزيز : يا جرير ، ما أرى لك فيما ها هنا حقّاً ، هذه الأموالُ ما أرى لك فيها حقّاً .
      ثم قالَ له : و لكنْ أعطيك منْ مالي ، فأعطاه مئةَ دينارٍ ، فأخذَها جرير و خرجَ إلى الشعراء .
      فقالَ له الشعراءُ : ما وراءك ؟
      ينتظرون الخبرَ الآن
      قالوا : ما وراءك يا جرير ؟
      قالَ : ما يسوؤكم ، خرجتُ منْ عند أمير المؤمنين و هو يُعطي الفقراءَ و يمنعُ الشعراءَ ، و إني عنه لراضٍ ، ثم قالَ :
      رأيتُ رقى الشيطان لا تستفزه ***و قد كان شيطاني من الجن راقيا
      في العادة يُؤثر جنيه الذي معه ، لأنَّ هؤلاء الشعراء يُقالُ إن لكلِّ واحدٍ له صاحب منَ الجن ، يعني يُعطيه هذه الأبيات .
      يقولُ يعني هذا الرجل - يعني عمر بن عبد العزيز - يعني ما تستفزه هذه الأبيات و لا تُؤثِّر فيه ، يمنع الشعراءَ و يُعطي الفقراءَ .
      هذا هو عمرُ بنُ عبد العزيز .
      و لذلك يقول عنه أنسُ بنُ مالك رضيَ الله عنه يقول :" ما صلَّيتُ وراءَ إمامٍ بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم أشبه بصلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم منْ هذا الرجل " يعني عمرَ بنَ عبد العزيز .
      و حدثَ له يوما أنه كان جالساً مع رجاء بن حيوة و الخادم يتحدَّثان في أمور الناس و الملك و الحكم فانطفأ السِّرَاجُ ، انتهى الزيت الذي فيه فانطفأ السِّراجُ ، فقامَ رجاءُ بنُ حيوة ليوقظَ الخادمَ حتى يضعَ فيه الزيت و يُشعلَه .
      فقالَ عمرُ بنُ عبد العزيز : دعْه دعه ، ثم قامَ عمرُ بنُ عبد العزيز و أضافَ الزيتَ في السِّراجِ و أشعلَه
      فقالَ رجاء : يا أمير المؤمنين لو أيقظتَ الخادمَ أو أمرتني ، يعني أنتَ أمير المؤمنين كيف تقومُ بهذا العمل ؟
      قال : لو أيقظتَ الخادمَ أو أمرتني.
      فقالَ عمرُ : قمتُ و أنا عمرُ بنُ عبد العزيز و رجعتُ و أنا عمر بن عبد العزيز ، ما ضرَّني ذلك شيء ، عندما قمتُ و أصلحتُ السِّراجَ .
      و قيلَ لمالكِ بنِ دينار: إنك زاهدٌ .
      معروفٌ مالكُ بنُ دينار بالزُّهد
      قالَ : الزَّاهدُ عمرُ الذي جاءته الخلافةُ فأعرضَ عنها.
      أما الإمامُ الذهبيُّ فيقولُ عن عمرَ بنِ عبد العزيز يقولُ : كانَ هذا الرَّجلُ حَسَنَ الخَلْق و الخُلُق ، كاملَ العقل ، حَسَنَ السَّمْتِ ، جَيِّدَ السِّياسةِ ، حريصاً على العدلِ .....وافرَ العلمِ ، فقيهَ النفسِ ، وافرَ الذَّكاءِ و الفهمِ ، أوَّاهاً ، منيباً ، قانتاً لله ، حنيفاً ، زاهداً مع الخلافة ، و كرهوا ملاحقتَه لهم - يعني بني أمية – ون.... أعطياتهم
      و أخذه كثيراً مما في أيديهم مما أخذوه بغير حقٍّ فما زالوا به حتى سقَوه السُّمَّ فحصلتْ له الشهادةُ و السعادةُ ، و عُدَّ عند أهل العلم منَ الخلفاء الراشدين و العلماء العاملين .
      وُلِدَ عمرُ بنُ عبد العزيز في السنةِ التي ماتَ فيها الحسينُ رضيَ الله عنه ؛ سنةَ واحدٍ و ستين ، و تُوُفِّيَ سنةَ مئةٍ و واحدٍ منَ الهجرةِ ، عاشَ أربعين سنةً ، حكمَ أربعَ سنين رحمه الله تباركَ و تعالى و غفرَ له
      يقولُ مكحولٌ : لو حلفت لصدقت ، ما رأيتُ أزهدَ و لا أخوفَ لله منْ عمرَ بنِ عبد العزيز .
      فلما جاءَ نعيُ عمرَ بنِ عبد العزيز إلى الحسن البصري قالَ : ماتَ و الله خيرُ الناسِ ، فرحمه الله ، هذا خيرُ الناس الذي ماتَ ، يعني عمرَ بنَ عبد العزيز .
      هذه هي حياةُ عمرَ رحمه الله تباركَ و تعالى ، و حكمَ سنتين و خمسة أشهر وليس أربع سنوات مدة خلافته ، و تُوُفِّيَ كما قلتُ سنةَ واحدٍ و مئة منَ الهجرة .
      هذه صورةٌ مختصرةٌ .
      لحفظ المادة اضغط هنا
      انتهت الحلقة
      التعديل الأخير تم بواسطة محبة المساكين; الساعة 12-01-2012, 02:25 PM. سبب آخر: تنسيق الموضوع


      تعليق


      • #4
        جوانب من سيرة عمر رضي الله عنه
        و الصلاةُ و السَّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين و حبيب ربِّالعالمين محمَّد بنِ عبدِالله و على آلهو صحابته أجمعين ، أمَّابعد:
        ففي السَّنةِ السَّادسةِ منْ مبعثِ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم خر جَرجلٌ منْ قريش إلى جماعةٍ منْ أصحابهِ ليشربَ معهمُ الخمرَ ، و لكنه لما جاءَهم أو لما جاءَ إلى المكانِ الذي كانوا يجتمعون فيه لم يجدْ أحداً منهم ، فقالَ هذا الرَّجلُ في نفسهِ لعلِّي أذهبُ إلى البيتِ فأطوف سُبعاً أو سُبعين ، يعني سبعة أشواط أو أربعة عشرة شوطاً .
        يقولُ :فجئتُ البيتَ فإذا رسولُ الله صلَّىالله عليه و سلَّم يُصلِّيبين الرُّكنِ و المقامِ ، الكعبة بين يديه و هو مستقبل الشَّامَ ، يقولُ : فجئتُ و قلتُ أستمعُ قراءَته، فاختبأتُ خلفَ الأستارِ ، فاستمعتُ قراءَته فرقَّ قلبي لما سمعتُ ، فجئتُه و بايعتُه علىالإسلامِ ، بعد ذلك ذهبَ هذا الرَّجلُ إلى رجلٍ آخرَ يُقالُ له جميل بن دراج الجُمحي ، و كانَ أنقلَ الحديثِ في قريش ، أي هو الذي ينقل الحديثَ للناسِ ، فذهبَ إليه فقالَ له : يا جميلُأ تدري ما وقعَ ؟
        قالَ : و ماوقعَ ؟
        قالَ : اتَّبعتُ محمَّداً .
        قالَ : صبأتَ ؟
        فخرجَ يجري إلى نوادي قريش يصيحُ فيها : صَبَأَ عمرُ ، صَبَأَ عمرُ
        و عمرُخلفَه يقولُ : كذبَ عدوُّ الله بل أسلمتُ .
        فاجتمعَ إليه كُفَّارُ مَكَّةَ فصاروا يكلِّمونه و يكلِّمهم و يجادلونه و يجادلُهم حتى وقعَ العِرَاكُ بينهم، فصاروا يضربونه و يضربُهم ، حتى ارتفعتِ الشمسُ إلى كبدِ السَّماءِ ، بعد ذلك تعب ،فصاروا يضربونه فما أنقذَه منْ بين أيديهم إلا رجلٌ جاءَ إليهم و قالَ : ابتعدوا عنه أتظنُّون أنَّ بني عديّ يسلمونه لكم ، دعوه فإني جارٌ له ، فإذا هو العاص بن وائل والد عمرو بن العاص .
        ذلكم الرَّجلُ هو الذي استجابَ الله تبارك و تعالى فيه دعوةَ نبيِّه محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم حين قالَ : " اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ بعمرَ بنِالخطَّابِ " .
        ذلكم عمر ُالفاروقُ ، و تلك قِصَّةُ إسلامهِ رضي َالله عنه و أرضاه .
        قالَ ابنُ مسعودٍ : ما زلنا أعزَّة منذ أسلمَ عمرُ ، منذ أسلمَ هذا الرَّجلُ و صارتْ للمسلمين كلمةٌ ، و صارت ْقريش تقولُ : عادلونا الآن بعد أنْ كنا نغلبُهم ، بعد أنْ كنا نتهضَّهم الآن عادلونا عندما أسلمَ هذا الرَّجلُ .
        و لذلك قالَ عنه رسولُ الله صلَّىالله عليه و سلَّم : "إيهاً يا بن الخطاب ما لقيك الشيطانُ سالكاً فَجّاً إلا سلكَ فَجّاً غيرَ فَجِّكَ " ،أيطريقاً غير طريقك ، فالشيطانُ يفرُّمنه .
        و قد جاء َعن عبدِ الله بنِ مسعود رضيَ الله عنه أنه قالَ :خرجَ رجلٌ منَ الإنس فلقيَه رجلٌ منَ الجِنِّ فقالَ له : أ تُصارعُني؟؟
        قالَالإنسيُّ : مَنْ أنتَ ؟
        قالَ : أنامنَ الجِنِّ ، أ تُصارعُني؟؟
        قالَ :أصارعُك .
        فصارعَه، فصرعَ الإنسيُّ الجنيُّ ، فعجبَ الجنيُّ و قالَ له : غلبتَني ؟؟!!! لقد علمتِ الجنُّ أني منْ أشدِّها فصارعْني الثانيةَ ، فصارعَه الثانيةَ فصرعَه ، فقيلَ لابنِ مسعود : مَنْ هذا الرَّجلُ ؟؟ أ هوَ عمرُ؟
        قالَ : و مَنْ غيرُ عمرَ ؟
        و قد جاء َعن النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم أنه قالَ : "قد كانَ فيمَنْ سبقَكم محدثون ، فإنْ يكنْ في أُمتي فعمر " .
        و قد جاءَ عنه رضيَ الله عنه أنه قالَ :
        وافقتُ ربي في ثلاثٍ:
        1- في مقام إبراهيم
        2- و في الحجاب
        3- و في أسارى بدر
        1- مقام إبراهيم كانَ قريباً جداً منَ الكعبةِ ، بل كانَ ملتصقاً بها ، فقالَ عمرُ لرسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم لو أخَّرتَه قليلاً ، فأخَّره صلواتُ الله و سلامُه عليه لأمرِ الله له ، ثم قالَ عمرُ لوِ اتَّخذتَ منْ مقامِ إبراهيمَ مُصَلَّى ، فأنزل َالله تباركَ و تعالى :" وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى " .
        2- و لما أُسِرَ أسرى بدر استشارَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّم أصحابَه ماذا يصنعُ بهم ، فأشارَ عليه أبو بكر أنْ يخلِّي سبيلَهم بمقابل أو بدون مقابل، و قالَ له : إنهم أهلُك و بنو عمِّك ، فاستشارَ عمرَ فأشارَ عمرُ على النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم بقتلِهم و قال : حتى يعلمَ الكُفَّارُ أنْ ليسَ في قلوبنا لهم رحمة ، فاختارَ رسولُ الله صلَّىالله عليه و سلَّم رأيَ أبي بكر ، و بيَّن الله تباركَ و تعالى له رأيَ عمرَ و قالَ :"مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ " ،أي لأجلِ أنْ يُثخنَ في الأرضِ .
        3- و قالَ لرسولِ الله صلَّى الله عليه و على آلهو سلَّم : " إنَّ نساءَك يدخلُ عليهنَّ البَرُّ و الفاجرُ فلو أمرتهنَّ بالحجابِ "، فأنزلَ الله تباركَ و تعالى آياتِ الحجابِ .
        هذاالرَّجلُ موفَّق وافقَ ربَّه تباركَ و تعالى في هذه الأمور و فيغيرها .
        و قد جاءَ عن رسولِ الله صلَّىالله عليه و سلَّم أنه قالَ : "بينما أنا نائمٌ رأيتني في الجنةِ فإذاامرأةٌ تتوضَّأ إلى جانب قصر ، فقلتُ : لمنْ هذا القصرُ ؟ قالوا لعمرَ ، قالَ : فتذكَّرتُ غيرتَك ياعمرُ فولَّيتُ مُدبراً فبكى عمرُ رضيَ الله عنه و قالَ : أعليكَ أغارُ يا رسولَالله ؟؟! - صلَّىالله عليه و سلَّم –
        و قد سُئِلَ أميرُ المؤمنين عليُّ بنُ أبي طالب عن أفضلِ الناسِ بعد رسولِ الله صلَّىالله عليه و سلَّم فقالَ :أبو بكر .
        قيلَ : ثم أنتَ .
        قالَ : ثم عمر .
        و قد جاءَ عن رسولِ الله صلَّىالله عليه و سلَّم أنه قالَ : "إن يطيعوا أبا بكر وعمر يرشدوا " .
        و كانَ عمرُرضيَ الله عنه منْ أعلم أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، بل هو أعلمُهم على الإطلاقِ بعد أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنهم أجمعين " .
        فقد جاءَ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم أنه قالَ : "بينما أنا نائمٌ أتيت بقدحٍ منْ لبنٍ فشربتُ منه حتى أني لأرى الرّيَّ يجري في أظفاري ثم أعطيتُ فضلي عمر " .
        قالوا :و ما أوَّلتَ ذلك يا رسول َالله ؟ قالَ : "العلم "، متفق عليه ، و جميعُ الأحاديثِ التي مرَّت في الصحيحين أو في أحدهما ، ما عدا أثر عبد الله بن مسعود الذي فيه مصارعة عمر للجنيّ فهذا أخرجَه أحمدُ .
        و قالَ رسولُ الله صلَّى عليه و سلَّم كذلك : "بينما أنا نائم رأيتُ الناسَ يُعرَضون عليَّ و عليهم قُمُصٌ- أي قمصان - يقولُ : "منها ما يبلغُ الثدي ، و منها ما يبلغُ دون ذلك ، و مَرّ َعليَّ عمرُ عليه قميصٌ يجرُّه " ،قالوا : يا رسولَ الله و ما أوَّلتَ ذلك؟ قالَ : "الدين " ،متفق عليه .
        و قالَ ابنُ مسعود رضيَالله عنه : إذا ذُكِرَ الصالحون فحيَّا هلا بعمرَ ، إنْ كانَ عمرُ أعلمنا بكتاب ِالله و أفقهنا في دين الله .
        و كانَ علماً علي الزُّهد ، و إذا ذَكَرَ الناسُ الزُّهدَ ذكروا عمرَ بنَ الخطاب ؛ حتى صارَ الزُّهدُ يُعْرَفُ بعمرَ .
        قالَمعاويةُ رضيَ الله عنه : أمَّا أبو بكر فلم يُرِدِ الدُّنيا و لم تُرِدْهُ الدُّنيا ، و أمَّا عمرُ فأرادته الدُّنيا فلم يُرِدْهَا و في عام الرّمادة سنةَ سبعَ عشرةَ منْ هجرةِ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم لما أصابَ الناسَ القحطُ و الجوعُ امتنعَ عن أكلِ الطَّيِّبِ منَ الطعامِ ، و كانَ لا يأكلُ إلا الخبز َو الزيتَ .
        و لذلك ذكرَ أهلُ العلم سببَ الاختلافِ في وصفِ عمرَ أنَّ بعضَ الرُّواةِ عندما يذكرون عمرَ يقولون كان مُشرباً بحمرةٍ ، أبيض مشرب بحمرة ، و آخرون يقولون كانَ آدمَ .
        ذكرَ أهلُ العلم إنما صارَ آدمَ بعد عام الرّمادة ، و ذلك أنه كانَ لا يأكلُ إلا الخبزَ و الزَّيتَ حتى أثَّر في جسدهِ و في لونِ جسمهِ رضيَ الله عنه .
        قالَ : لا و الله لا آكلُ إلا الخبزَ و الزيتَ حتى يشبعَ آخرُ رجلٍ منْ أُمَّةِ محمَّد صلَّى الله عليه و سلَّم، و يقولُ : بئسَ الوالي إنْ أنا شبعتُ و رجلٌ منْ أُمة محمَّدٍ جائعٌ .
        و ذُكِرَأنه رأى ابنَه عاصم في السوق يمشي فقال : إلى أين؟
        قالَ : أريدُ أنْ أشتري َلحماً .
        فسكتَ و تركَه .
        ثم رآهُ مرَّةً ثانيةً ، قالَ : إلى أين؟
        قالَ :أريدُ أنْ أشتريَ لحماً .
        قالَ : أمَا اشتريتَ بالأمسِ ؟!!
        قالَ: اشتهيت ، بالأمس اشتريتَ و أكلتَ ، و اليوم اشتهيتُ فأريدُ أنْ أشتريَ حتى آكل .
        قالَ :اشتهيت !! قالَ عمرُ : أ كُلَّما اشتهيتَ اشتريتَ ؟! أ كلَّما اشتهيتَ اشتريتَ؟!
        و ذلك أنَّهذه النفسَ تبطشُ كما قيلَ .
        إنْتتركه شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم .
        و هكذا هذه النفسُ إذا أعطاها الإنسانُ ما تريدُ سلكتْ به أوعرَ السُّبُلِ ، و هي أمَّارةٌ بالسُّوءِ، و الإنسانُ هو الذي يُكفيها كما قالَ الله تباركَ و تعالى : "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( 9 ) وَ قَدْ خَابَ مَنْدَسَّاهَا ( 10 ) " - سورة الشمس .
        و قالَ ابنُ عمرَ : وُضِعَ عمرُ بين القبر و المنبر ، أي لما ماتَ حتى يُدفن ، يقولُ : فجاءَ عليٌّ حتى قامَ بين الصُّفوفِ ، صفوفِ الناسِ فقالَ : رحمةُ الله عليكَ ، ما مْن خلقٍ أحبُّ إليَّ منْ أنْ ألقى الله بصحيفتهِ بعدصحيفةِ النبيِّ صلَّىالله عليه و سلَّم منْ هذا المُسجَّى عليه ثوبه ، يعني عمرَ رضيَ الله عنه و قالَ طلحةُ : ما كانَ عمرُ بأوَّلنا إسلاماً ، و لا أقدمنا هجرةً ، و لكنه كانَ أزهدَنا في الدُّنيا و أرغبَنا في الآخرة .
        أمَّا عبادتُه رضيَ الله عنه فذُكِرَ أنه كانَ يصلِّي مع الناسِ العشاءَ ثم يدخلُ إلى بيتهِ فيُصلِّي حتى يطلُع عليه الفجرُ رضيَ الله عنه و أرضاه .
        و ذَكَرَ مَنْ رآه أنه رأى في وجههِ خطَّين أسودين ، قالوا كانَ هذا الخطان منْ أثرِ البكاءِ .
        و كانَ يسمعُ الآيةَ منَ القرآن فيُغشى عليه ، فيُحملُ صريعاً إلى منزلهِ ، فيُعادُ أياماً ليسَ به مرضٌ إلا الخوف .
        و قد جاءَ عن النبيِّ صلَّىالله عليه و سلَّم أنه مَرَّ على أبي بكر الصديق و هو يصلِّي الليلَ يخفضُ صوتَه بالقراءةِ ، و مَرَّ على عمرَ يصلِّي بالليل يرفعُ صوتَه بالقراءة .
        فسألَ أبا بكر : "مررتُ عليكَ بالليلِ و أنتَ تقرأ تخفضُ صوتَ كفلمَ ؟؟ "
        قالَ : قد أسمعتُ مَنْ ناجيتُ .
        و قالَلعمرَ : "قد مررتُ عليكَ بالليل ترفعُ صوتَك بالقراءة فلمَ ؟؟ "
        قالَ :أطرد الشيطانَ و أُوقظ الوسنان .
        فقالَ لأبي بكر : "ارفعْ منْ صوتِك قليلاً " .
        و قالَ لعمرَ : "اخفضْ منْ صوتِك قليلاً " .
        فكان َقيامُ الليل ديدنهم رضي َالله عنهم أجمعين .
        و كانَ قويّاً في دينِ الله تباركَ و تعالى ، وَقَّافاً مع شرع الله جلَّ و علا .
        كانَ جُلساءُ عمرَ القُرَّاءُ ، هم خاصَّته و جلساؤه و المقربونَ إليه ، و كان عُيينةُ بنُ حصن يتمنى أنْ لو جاءَ إلى عمرَ و دخلَ عليه ، فطلبَ منِ ابنِ أخيهِ الحُرّ بن قيس قالَ له : استأذِنْ لي على عمرَ .
        قالَ : أفعلُ .
        فاستأذنَ له على عمرَ ، فأذنَ له عمرُ .
        فدخلَ فقالَ : يا عمرُ ، و في روايةٍ أنه قالَ : إيهٍ يا ابن الخطاب ، إنك لا تعدلُ في القضيةِ و لاتُعطينا الجزلة ، أي منَ المال . فهمَّ به عمرُ .
        فقامَا لحرُّ بنُ قيسٍ فقالَ له : يا أميرَ المؤمنين ، إنَّا لله تباركَ و تعالى قالَ لنبيِّه : "خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِوَ أَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ( 199 )" الأعراف .
        يقولُ : فوَ الله ما جاوزَها عمرُ رضيَ الله عنه و أرضاه .
        أ هكذا حالُ المسلمين اليومَ؟؟
        أ هكذا حالُنا إذا غضبْنا و ذُكِّرنا بكتابِ الله تباركَ و تعالى أو بسُنَّة نبيِّنا صلَّى الله عليه و سلَّم أمن كونُ كذلك الرَّجلِ الذي رُؤِيَ عليه الغضبُ ، فقالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه و سلَّم : "و الله إني لأعلمُ كلمةً لو قالها لذهبَ عنه ما يجدُ، أعوذُ بالله منَ الشيطان الرجيم " .
        فلما أُخبرَ الرَّجلُ قالَ : أبي جنونٌ؟؟
        أ مجنون ٌأنا حتى أقول هذه الكلمة؟
        لماذا أستعيذُ منَ الشيطان؟؟
        ذلك موقفُ الرَّجلِ و هذا موقفُ عمرَ رضيَ الله عنه و أرضاه .
        و كانَ شديداً في دينِ الله تباركَ و تعالى ، و قد مرَّ بنا موقفُه منْ أسرى بدر و أنه قالَ : يا رسولَ الله بل أعطني فلاناً منْ بني الخطاب فأضربُ عنقَه ، و أعطِ عليّاً عقيلاً فيضربُ عنقَه ، و أعطِ فلاناً فلاناً فيضربُ عنقَه ؛ حتى يعلمَ الكفارُ أنْ ليسَ في قلوبنا لهم رحمة " .
        و كذا لماجاءَ أبو سفيان مع العباس بن عبد المطلب قُبيل فتح مكةَ رآه عمرُ ، رأى أبا سفيان مع العباس ، و أبو سفيان في ذلك الوقت رأسُ الكفر و زعيمُ قريش ، فأسرعَ عمرُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم يطلبُ منه الإذنَ ليقتُلَ أبا سفيان ، و العباسُ مع أبي سفيان يجري معه على حماره ليصلَ قبل عمرَ ليأخذَ له الأمانَ منْ رسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم ،فسبقَ العباسُ عمرَ و دخلَ على النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم معه أبو سفيان ، فدخلَ بعدَهم عمرُ فقالَ : يا رسولَ الله، هذا أبو سفيان رأسُ الكفر قد مكَّننا الله منه أُؤمرْ فلنضربْ عُنقَه .
        فقالَ العباسُ له : يا عمرُ ، و الله لو كانَ منْ بني الخطاب ما أسرعتَ إليه هكذا ، لأنَّ أبا سفيان ابن عمِّ العباس عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم و ابن عمِّ النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم ، فقالَ العباسُ : لو كانَ منْ قومِك يا عمرُ ما حرصتَ على قتلهِ هكذا ، لماذا تحرصُ على قتلهِ ؟؟! أ لأنه منْ بني عبد مناف؟؟؟
        فوقفَ عمرُو قالَ له : يا عباسُ ، و الله لإسلامُ العباسِ كانَ أحبّ إليَّ منْ إسلام الخطاب لو كانَ أسلمَ؛ لما أرى أنَّ في ذلك رضىً لرسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم ، ماحرصتُ عليه لأنه منْ بني عبد مناف .
        كيفَ و عمرُ هو الذي قالَ في بدرٍ مكِّني يا رسولَا لله منْ فلانٍ منْ بن الخطاب لأضربَ عُنقَه ، إنما هو غضبٌ لدين الله تباركَ و تعالى منْ عدوٍّ منْ أعداءِ الله في ذلك الوقت، و لكنْ مَنَّ الله عليه فأسلمَ
        و كذا لما وقعتِ الخطيئةُ منْ حاطب بن أبي بلتعة و راسلَ قريشاً مع سارة ، أرسلَ معها الكتابَ يحذِّر قريشاً منْ خروج النبيِّ صلَّى الله عليه و سلَّم إليهم ، فعلمَ النبيُّ صلَّى الله عليه و سلَّمب الوحي ، فأرسلَ الزبير بن العوام و علي بن أبي طالب خلفَ المرأة سارة ، فأتيا بالكتابِ، فرآه النبيُّ صلَّىالله عليه و سلَّم فقالَ : "ما هذا يا حاطبُ ؟ "
        فقامَ عمر ُفقالَ : يا رسولَ الله ، دعني أضرب عنقَه فقد نافقَ ، فمنعَه النبيُّ صلَّىالله عليه و سلَّم و قالَ : "ما يُدريك يا عمرُ لعلَّ الله اطَّلعَ على أهلِ بدرٍ فقالَ افعلوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم " .
        و كانَ عمرُ ذا رعايةٍ لرعيَّته حتى قيلَ قد أتعبتَ مَنْ جاء َبعدَك .
        مَرَّ على مجموعةٍ منَ التجار هو و أبو عبيدة و هم قادمون إلى مكة يريدون دخولها فقالَ لأبي عبيدة :ما تقولُ يا أبا عبيدة لعلنا نحرسهم منَ اللصوص ، فقالَ أبو عبيدة : أنت و ما ترى ،فقامَ عمرُ يصلِّي الليل ينتظر الصُّبح ، فسمعَ صبيّاً يبكي و يرفعُ صوتَه بالبكاء ، فجاءَ عمرُ إلى أُمِّه فقالَ : أسكتيه ، ثم رجعَ يصلِّي فإذا بالصبيِّ يرفعُ صوتَه بالبكاءِ ، فقضى بعضَ صلاته ِو جاءَ إلى أمِّه و قالَ : أسكتيه ، ثم رجعَ يصلِّي فإذا الصبيُّ يبكي و يرفعُ صوتَه بالبكاءِ، فجاءَها عمرُ و قالَ : و الله إنكِ لأمُّ سُوءٍ _أُمّ سيئة _ كيفَ تدعينه يبكي كلَّ هذا الوقتِ ؟ فقالتْ أمُّه : إنَّ عمرَ لا يفرضُ إلا للمفطوم ، و أنا أُريدُ أنْ أفطمَه _أي قبل أوان الفطام _فقالَ عمرُ : بؤساً لعمرَ ، كم قتلَ منْ أولادِ المسلمين .
        ثم لما أصبحَ أمرَ مناديه فنادى : لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرضُ لكلِّ مولودٍ في الإسلام ، فُطم أو لم يُفطم .
        و كذا مَرَّ عمرُ يَعُسُّ المدينةِ فوجدَ رجلاً عند امرأته و هي تمخُض - أي تطلق – و ليس عندها مَنْ يساعدُها منَ النساء ، فذهبَ مسرعاً إلى بيته ، فكلَّم زوجتَه أمَّ كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، فقالَ لها : يا أمَّ كلثوم ، هل لكِ في أجرٍ ساقَه الله إليكِ ؟ قالتْ :نعم ، قالَ : امرأة تمخض ، ليس عندها أحدٌ ، فهلمِّي بنا إليها ، فذهبَ هو و زوجته أمير المؤمنين ، فدخلتْ زوجتُه أمُّ كلثوم على المرأة ، و جلسَ هو عند الرَّجلِ يُطيِّب خاطرَه و يهوِّن الأمرَ عليه حتى ولدتِ المرأةُ و أنجبتْ غلاماً ، فخرجتْ أمُّ كلثوم تنادي فتقولُ : يا أميرَ المؤمنين ، بشِّر صاحبَك بغلام ، فبُهِتَ الرَّجلُ فقالَ : أنتَ أميرُ المؤمنين ؟! أمير المؤمنين و تأتي بزوجتك لِتُنَفِّسَ امرأتي ؟ قالَ : لا عليكَ يا أخي .
        خُذْ غلامَك باركَ الله لكَ فيه، ثم خرجَ منْ عندهِ رضيَ الله عنه و أرضاه .
        و اشتُهر عند أهلِ العلمِ قولُ رسولِ كسرى عندما جاءَ برسالةٍ إلى عمرَ فقالَ: أين قصرُ عمر ؟
        قالَ : ليس له قصر .
        قالَ :فأين أجدُه ؟
        قالَ :لعلَّه في بيتهِ .
        فذهبوا إلى بيتهِ فلم يجدوه .
        قالَ : لم أجده .
        قالَ : لعلَّه ينامُ في المسجدِ .
        فذهبوا إلى المسجدِ فلم يجدوه .
        قالَ : لم أجده .
        قالَ : لعلَّه نائمٌ في الطريقِ .
        فذهبوا يبحثون عنه في الطريق فإذا هو نائمٌ تحت شجرةٍ ، فجاءَ رسولُ كسرى عند رأسهِ و قالَ كلمتَه المشهورةَ :حكمتَ ، فعدلتَ ، فأمِنتَ، فنمتَ .
        هكذا كانَ عمرُ رضي َالله عنه و أرضاه .
        و لما خرجَ إلى بيتِ المقدسِ عندما حاصرَها أبو عبيدةَ و قالوا له : لا تسلم مفاتيحها إلا لأمير المؤمنين فليأتنا ، فاستشارَ أصحابَه ، هل أذهبُ إليهم أولا ؟
        فأشارَ إليه عليٌّ و قالَ : بل تذهبُ إليهم ، فذهبَ إليهم و ولَّى عليّاً على المدينةِ ، فخرجَ هو و غلامٌله على بعيرٍ يتناوبان عليه ، يركبُ عمرُ مرَّة و يركبُ غلامُه مرَّة ، فلمَّا وصلُوا إلى بيتِ المقدسِ فإذا الغلامُ راكبٌ و عمرُ يسوقُ الدَّابَّةَ له ، فلما رآه أبو عبيدةَ أقبلَ إليه يريدُ أنْ يقبِّل يدَه ، فلمَّا رأى عمرُ ذلك الوضعَ منْ أبي عبيدةَ و هو أنه يريدُ تقبيلَ يدِ عمرَ ، نزلَ عمرُ ليقبِّل رِجْلَ أبي عبيدةَ ، فامتنعَ أبو عبيدةَ فامتنعَ عمرُ .
        كانَ متواضعاً رضي َالله عنه و أرضاه و هو خليفةُ المسلمين في ذلك الوقت .
        لما استخلفَه أبو بكر الصديق قيلَ له مَنْ تستخلفُ علينا ؟؟
        و ماذا تقولُ لله و قد استخلفتَ علينا عمرَ شديداً في دين الله ؟؟؟
        قالَ : أقولُ لربي استخلفتُ خيرَ أهلي .
        و لذلك قالَ عبدُ الله بنُ مسعود : أفرسُ الناسِ ثلاثةٌ - يعني الذين رزقَهمُالله الفراسةَ – : صاحب يوسف الذي قالِ لامرأتهِ : "أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً "،و المرأة التي قالتْ لأبيها : "يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ" يعني موسى صلوات الله و سلامه عليه "إِنََّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيّ الأَمِينُ"، وأبو بكر حينما استخلف عمرَ على الناسِ .
        و قد نُقِلَتْ عنه دُرَرٌ ، دُرَرٌ منَ الكلامِ التي يقولُ عنها الناسُ لو كُتبتْ بماءِ الذَّهبِ على صفائح الفِضَّةِ لكانَ لائِقاً بها ذلك الموضع .
        فمِنْ ذلك َأنه قالَ : " مَنِ اتَّقىالله وقاهُ ، و مَنْ توكَّل عليه كفاه ، و مَنْ أقرضَه جزاه ، و مَنْ شكرَه زادَه " .
        و نُقِلَ عنه أنه قالَ : " حاسِبوا أنفسَكم قبل أنْ تُحاسَبوا ، فإنه أهونُ لكتابكم ، وَ زِنوا أنفسَكم قبل أنْتُ وزَنوا ".
        و نُِقلَ عنه أنه قالَ : " إنَّ الشجاعةَ و الجُبنَ غرائزُ في الرِّجال ، يقاتل الشُجاعُ عمَّن لا يعرفُ ، و يفرّ ُالجبانُ عن أبيهِ و أخيهِ " .
        و نُقِلَ عنه أنه قالَ : "ثلاثٌ يُبقينَ لك وُدَّ أخيك : تبدؤه بالسلام إذا لقيتَه ، و تُوسعُ له في المجلس ، و تدعوه بأحبِّ الأسماء ِإليه " .
        و نُقِلَ عنه أنه قالَ : " مَنْ كتم سِرَّهُ كانتِ الخيرةُ في يدهِ ، و مَنْ عرَّض نفسَه للتهمةِ فلا يلومنَّ مَنْأساءَ الظَّنَّ ، و لا تظننّ بكلمةٍ خرجتْ منْ أخيك سوءاً و أنتَ تجدُ لها في الخير محملاً ) .
        و نُقِلَ عنه أنه قالَ : " ما كافأت مَنْ عصى الله فيك بمثلِ أنْ تطيعَ الله فيه "
        و نُقِلَعنه أنه قالَ : " مَنْ كَثُرَ كلامُه كَثُرَ سَقَطُهُ ، و مَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ قَلَّ حياؤه ، و مَنْ قَلَّ حياؤه قَلَّورعُه ، و مَنْ قَلَّ ورعُه ماتَ قلبُه ".
        .و نُقِلَعنه أنه قالَ : " مَنْ كَثُرَ ضَحِكُهُ قَلَّتْ هيبتُه ، و مَنْ مزحَ استُخِفَّ به ، و مَنْ أكثرَ منْ شيءٍ عُرِفَبه ".
        قالَحذيفةُ بنُ اليمانِ رضيَ الله عنه و عن أبيه:" بينما نحن جلوسٌ عند عمرَ فقالَ : أيُّكم يحفظُ حديثَ رسولِ الله صلَّى الله عليه و سلَّم في الفتنةِ التي تموجُ كموجِ البحرِ ، قالَ حذيفةُ : ليسَ عليكَ منها بأسٌ ، ليسَ عليكَ منها بأسٌ ،إنَّ بينكَ و بينها باباً مُغلقاً ، قالَ عمرُ : أ يُكسرُ أم يُفتحُ ؟؟ قالَ : بل يُكسرُ ، قالَ: إذا ًلا يُغلقُ أبداً .
        قيل َلحذيفةَ : " أ كانَ عمرُ يعلمُ مَنِ البابُ ؟؟ قالَ : نعم ، كما يعلمُ أنَّ دون غدٍ الليلة ، إني حدَّثتُه حديثاً ليس بالأغاليط ، قيلَ لحذيفةَ : فمَنِ البابُ ؟ قالَ : عمرُ أخرجَه البخاريُّ .
        و قد جاءَ عنه رضي َالله عنه أنه قالَ : " اللهم إني أسألُك شهادةً في سبيلك ، و موتاً في بلدِ رسولكِ " ، فاستجابَ الله له ، فقتلَه أبو لؤلؤةَ المجوسيّ لأربعٍ بقين منْ ذي الحجة سنة ثلاثٍ و عشرينَ منَ الهجرة
        فلما أُخبرَ عمرُ بقاتلهِ و قد كانَ قُتِلَ و هو يصلِّي الفجرَ يقرأ سورةَ يوسف صلواتُ الله و سلامُه عليه ،فقامَ أبو لؤلؤة و طعنه في ظهره بخنجرٍ سبعَ طعناتٍ ، بخنجرٍ قد سمَّه أُسبوعاً كاملاً .
        فلما قيلَ لعمرَ إنَّ الذي طعنَك غُلامُ المغيرة ذلك الرجل المجوسيّ ، فقالَ عمرُ : الحمدُ لله الذي لم يجعلْ منيَّتي على يدي رجلٍ يدَّعي الإيمانَ و لم يسجدْ لله سجدةً .
        فأرسلَ ولدَه عبد الله و قالَ : استأذنْ أمَّ المؤمنين عائشةَ في أنْ أُدفنَ مع صاحبيَّ ، مع رسولِ الله و أبي بكر ،فاستأذنها عبد الله فقالتْ : قد كنتُ و الله قد عزمتُ على أنْ يكونَ هذا قبري ، و لكنْ و الله لأُوثِرنَّ عمرَ فأذنتْ له .
        فدُفن َرضي َالله عنه مع صاحبيهِ ، فهو ضجيع رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و هو صاحبُه و وزيرُه و صهرُه ، فقد تزوَّج النبيُّ صلى الله عليه و سلم بنتَه حفصةَ .
        عمرُ بنُ الخطاب هو عمرُ بنُ الخطاب بنِ نفيل بنِ عبد العزَّى بنِ رياح ، أبو حفص العدوي ، يلتقي مع النبيِّ صلى الله عليه و سلم في سعد بن لؤي ، كان طويلاً جسيماً ، شديدَ الحمرة ، في عارضيه خِفَّةٌ - أيخفيف اللحية منْ جهة العارضين - و له سبلة كبيرة - أي في شاربه - ، و كانَ أعسرَ أيسرَ - أي يستخدم يديه - ، و إنْ كانتْ يدُه الشمال أكثر ، أُمُّه هي حيثمة أُختُ أبي جهل ، حيثمة بنت هشام , تزوَّج زينب بنت مطعون فأنجبت له عبد الله و عبد الرحمن و حفصة ، و تزوَّج مُليكة بنت زرون فأنجبت له عبيد الله و زيداً الأصغر، و تزوَّج أُمَّ حكيم بنت الحارث فأنجبت له فاطمة ، و تزوَّج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب فأنجبت له زيداً و رقية ، وتزوَّج جميلة بنت ثابت فأنجبت له عاصماً ، و تزوَّج عاتكة بنت زيد فأنجبت له عياضاً ، فهذه هي ذُرِّيةُ عمرَ بنِ الخطاب رضيَ الله تباركَ و تعالى عنه ، و هذه هي سيرتُه .
        لحفظ الدرس اضغط هنا
        انتهت الحلقة
        التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 14-08-2015, 03:14 PM.


        تعليق


        • #5
          رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

          بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا ونفع بكم

          تعليق


          • #6
            رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

            جزاكم الله خيرًا
            بارك الله فيكم
            ونفع بكـم
            ضل الطريق من ترك الطريق . عودة من جديد

            يامن خذلتنا وخذلت إخوانك .. في وقت احتاجوا فيه نصرتك وعونك لهم .. ولكنك تركتهم ولم تلتفت لهم .!
            ابشر بالخذلان .

            حزب العار

            تعليق


            • #7
              رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

              المشاركة الأصلية بواسطة محبة المساكين مشاهدة المشاركة
              بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا ونفع بكم
              جزاكم الله خيراً وبارك فيكم
              ورفع قدركم وغفر ذنبكم


              تعليق


              • #8
                رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

                المشاركة الأصلية بواسطة mega byte مشاهدة المشاركة
                جزاكم الله خيرًا
                بارك الله فيكم
                ونفع بكـم
                جزاكم الله خيراً وبارك فيكم
                ورفع قدركم وغفر ذنبكم


                تعليق


                • #9
                  رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

                  و قد جاءَ عنه رضي َالله عنه أنه قالَ : " اللهم إني أسألُك شهادةً في سبيلك ، و موتاً في بلدِ رسولكِ " ، فاستجابَ الله له ، فقتلَه أبو لؤلؤةَ المجوسيّ لأربعٍ بقين منْ ذي الحجة سنة ثلاثٍ و عشرينَ منَ الهجرة
                  اللهم ابعث لنا من يجدد سيرة خلفائك
                  اللهم قيض لنا من يخافك ويرحمنا
                  جزاكِ الله خيرا
                  أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ

                  تعليق


                  • #10
                    رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

                    المشاركة الأصلية بواسطة جارة فاطمة مشاهدة المشاركة
                    و قد جاءَ عنه رضي َالله عنه أنه قالَ : " اللهم إني أسألُك شهادةً في سبيلك ، و موتاً في بلدِ رسولكِ " ، فاستجابَ الله له ، فقتلَه أبو لؤلؤةَ المجوسيّ لأربعٍ بقين منْ ذي الحجة سنة ثلاثٍ و عشرينَ منَ الهجرة
                    اللهم ابعث لنا من يجدد سيرة خلفائك
                    اللهم قيض لنا من يخافك ويرحمنا
                    جزاكِ الله خيرا
                    جزاكم الله خيراً
                    أسأل الله لكم التوفيق

                    والسداد في كل ما يحبه الله ويرضاه


                    تعليق


                    • #11
                      رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس



                      ولذلك لما جاءَ في الحديثِ الذي أخرجَه البخاريُّ في صحيحهِ أنه وقعَ خصامٌ بين أبي بكر وعمر كما يحدثُ بين أي اثنين ، وكانَ في أبي بكر حِدَّة - يعني يغضب بسرعة - يقول أبو بكر تخاصمتُ أنا وعمر في شيءٍ فأسرعتُ إليه - يعني في الكلام- ثم ندمتُ فقلتُ : اغفرْ لي .



                      فقالَ : لا أغفرُ لك .



                      فذهب أبو بكر يشتكي ، هو الذي أخطأ في حقِّ عمرَ لكنْ ذهبَ يشتكي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فدخلَ على النبيِّ فقالَ : يا رسولَ الله ، قد كانَ بيني وبين عمر فأسرعت إليه - أنا اللي غلطان – فقلتُ : اغفرْ لي ، فلم يغفرْ لي .



                      هو اللي غلطان .



                      فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه لأبي بكر : " يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر " ، أمَا يكفيك ، فليمتنع عمرُ ، أمَا يكفيك أنْ يغفرَ الله لك ، قالها ثلاثاً صلواتُ الله وسلامُه عليه .



                      يقولُ عمرُ : فلمَّا وصلتُ إلى البيتِ ندمتُ .



                      لأنَّ نفوسَهم رضيَ الله عنهم لوَّامةٌ ، لامته نفسُه لمَ لم تغفر لأخيك ؟!



                      يقولُ : فرجعتُ إلى أبي بكر - ليقولَ له قد غفرتُ لكَ - فلم أجدْه في البيتِ ، قلتُ : أجدُه عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .. ما في مكان ثالث ، إنْ لم يكنْ في بيتهِ فهو عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأقبلَ عمرُ ، فلمَّا رآه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُقبلاً قامَ إليه كالمغضَب يجرُّ إزارَه صلواتُ الله وسلامُه عليه ، فجثا أبو بكر على ركبتيه لأنه رأى الغضبَ في عيني رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .



                      فجثا على ركبتيه وقالَ : يا رسولَ الله ، أنا كنتُ أظلم ، يا رسولَ الله كنتُ أنا كنتُ أظلم ، يا رسولَ الله أنا كنتُ أظلم ، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يلتفتُ إليه حتى أقبلَ على عمرَ فقالَ : " مَهْ يا عمرُ ، أرسلني الله إليكم فقلتم : كذبتَ وقالَ أبو بكر : صدقَ ، وواساني بنفسهِ ومالهِ ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " .



                      هذا صاحبي



                      " فهل أنتم تاركوا لي صاحبي "



                      لماذا الإيذاء ؟!



                      لا يؤذينَّه أحدٌ



                      " فهل أنتم تاركوا لي صاحبي "



                      يقول أبو الدَّرداء : فما أُوْذِيَ بعدها أبو بكر أبداً.



                      عرفوا مكانته عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .



                      وهو الذي كانَ يتكلَّم بين يدي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .


                      جزاك الله خيرا أختنا الكريمة
                      واسأل الله أن يجمعنى بك مع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ومن نحب والمسلمين
                      أشهد الله أنى أحب هذين الشيخين
                      "أبى بكر وعمر"
                      اللهم أجمعنا بهم
                      بارك الله فيكم
                      وستركم الله فى الدنيا والآخرة
                      ورفع قدركم وغفر ذنبكم
                      ورزقنا وإياكم الإخلاص والقبول


                      تعليق


                      • #12
                        رد: مجموعة محاضرات مفرغة للشيخ عثمان الخميس

                        جزاكم الله خيرًا ... ونفع الله بكم

                        تعليق

                        يعمل...
                        X