السلام عليكم
فضيلة الشيخ عثمان الخميس حفظه الله :
مجموعة محاضرات مفرغة
للشيخ عثمان الخميس
حديث في الشيخين
للشيخ عثمان الخميس
حديث في الشيخين
الحمدُ لله ربِّ العالمين والصلاةُ والسلامُ على سيِّد المرسلين وخاتم النبيِّين سيِّدنا محمد وعلى آلهِ وأصحابهِ والتَّابعين ومَنْ سارَ على نهجِهم إلى يوم الدين :
ثم أمَّا بعد.
فيسُرُّ اللَّجنةَ العلميَّة في مسجدِ خالدِ بن بُكير أنْ تستضيفَ في هذا اللِّقاءِ الشَّهريِّ وفي هذا اليوم فضيلةَ الشَّيخ عثمان الخميس الذي هو حقيقةً غنيٌّ عن التَّعريفِ
وليسَ يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ *** إذا احتاجَ النَّهارُ إلى دليل
ويحاضرُنا محاضرةً تحتَ عنوان
حديثٌ في الشيخين
لماذا هذا العنوان ؟؟
ولماذا في هذا الشَّهر بالذَّات؟
ومَنْ هما الشيخان المقصودان في هذه المحاضرة ؟
هذه تساؤلاتٌ نطرقُها قبل البَدْءِ وندعُ المجالَ له مشكوراً مأجوراً غير مأزورٍ ولا مأمور .
فضيلة الشيخ عثمان الخميس حفظه الله :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدُ لله ربِّ العالمين ، الرحمن الرحيم ، مالكِ يوم الدِّين ، والصلاةُ والسَّلامُ على سيِّد الأنبياء والمرسلين ، سيِّدنا وإمامِنا وحبيبِنا وقدوتِنا وقُرَّةِ عينِنا محمَّد بن عبد الله وعلى آلهِ وصحابتهِ أجمعين ،
أمَّا بعد :
أمَّا بعد :
فإنَّ النَّاسَ اليومَ وفي كلِّ يومٍ يحتاجون إلى القُدوةِ .. يحتاجون إلى مَنْ يتمثَّلون سيرتَه ويسلكون طريقتَه .. يحتاجون إلى أنْ يعرفوا خَطَّهم وطريقَهمُ الذي هم سائرون عليه ، هل هم على الجادةِ والصِّراطِ المستقيمِ فيثبتوا أو هم مقصِّرون مبتعدون عن هذا الصراط فيرجعُوا ، وهذا لا يكونُ أبداً - أعني الاقتداءَ والقُدوةَ - لا يكونُ هذا أبداً إلا إذا عرفَ الإنسانُ هذا القُدوةَ وهذا الأُسوةَ الذي يريدُ أنْ يقتديَ بهِ ويتمثَّل طريقَه ويسلكه ، لا يمكنُ أنْ يكونَ هذا أبداً حتى يتعرَّف عليه وحتى يحبّه ويحبّ طريقَه وسبيلَه ويعرف نهايته ، فالبتَّالي تطمئنُّ نفسُه إلى سلوكِ هذا الطريقِ .
وقد يصلُ في ذهنِ البعضِ مِنَّا أنَّ هذا الأمرَ مستحيلٌ ، وأنه لا يمكنه أبداً أنْ يصلَ إلى مستوى أولئك القوم ، فنقولُ :
فتشبَّهوا إنْ لم تكونوا مثلَهم *** إنَّ التَّشبُّه بالكرامِ فلاحُ
أو أحبُّوهم فإنَّ المرءَ مع مَنْ أحبَّ .
وأردْنا منْ خلال هذه الجلسةِ التي نسألُ الله تباركَ وتعالى أنْ يكتبَها لنا ولكم عنده سبحانه وتعالى فنحاول في هذه الجلسةِ أنْ نتعرَّف منْ طرفٍ خفيٍّ على سيرةِ الشيخين .
وإلا فإنَّ الواحدَ منهما لا تكفيهِ محاضرةٌ ولا اثنتان إذا أرادَ الإنسانُ أنْ يتكلَّم عليه بما هو أهلُه ، ولكنْ ما لا يُدرَك جُلُّه لا يُترَك كلُّه .
وأردْنا منْ خلالِ هذه الجلسةِ أنْ نتطرَّق إلى شيءٍ منْ سيرةِ هذين الشيخين ، وأكرمْ بهما ! وهما عبدُ الله بنُ عثمان بنِ عامر بنِ عمرو التيميّ القُرَشِيّ المشهور بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رِياح العدوي أبو حفص .
هذان هما الشيخان .
إذا أُطْلِقَ الشيخان فهما أبو بكر وعمر لأنه جاءَ في الحديثِ عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قالَ : " أبو بكر وعمر شيخا كهول أهل الجنة " ، ومنْ ذلك اُشتهر أبو بكر وعمر بهذا اللَّقب - أي لقب الشيخين- فنبدأ بأفضلهما وخيرِهما وأقربهما إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
نبدأُ بسيِّد البشر بعد الأنبياءِ والمرسلين وهو أبو بكر الصِّدِّيق الذي أنزلَ الله تبارك وتعالى فيه وفي نبيِّه محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم :" إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ...." التوبة:40.
ففي قولِ الله تباركَ وتعالى " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " ذكرَ أهلُ العِلْمِ أنَّ التَّثنيةَ في حياةِ أبي بكر الصديق مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ظاهرةٌ تماماً منْ خلالِ النَّظَرِ في سيرة هذا الرَّجُلِ مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وبعد رسولِ الله صلواتُ الله وسلامُه عليه .
أول ما نرى منَ التَّثنيةِ في حياةِ أبي بكر الصِّدِّيق في إسلامهِ كما قالَ عمَّار : رأيتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم وما معه إلا أبو بكر وامرأتان وخمسة أعبد ... فقط .
هؤلاء أول مَنْ أسلمَ ، لذلك ثبتَ أنَّ أبا بكر أوَّلُ مَنْ أسلمَ منَ الرِّجالِ ، وذلك أنَّ أوَّل مَنْ أسلمَ منَ البَشَرِ هي خديجة رضيَ الله عنها وأمَّا أبو بكر فهو أوَّل مَنْ أسلمَ منَ الرِّجال ، واسمُه أو لقبُه الصِّدِّيق ، و هذا اللَّقبُ قد جاءَ عن عليٍّ رضيَ الله عنه أنه قالَ : و الله لَلهُ أَنزلَ اسمُ الصِّدِّيق منَ السَّماءِ ، هذا الرَّجلِ كانتْ له تثنية ومشابهة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
سنذكرُ بعضَ صُوَرِ هذه التَّثنيةِ والمشابهةِ مع النبيِّ صلواتُ الله وسلامُه عليه ، فمِنْ ذلك أنه في أوَّل الدَّعوةِ ، أوَّل ما بدأ يدعو النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الله جل وعلا آمنَ به أبو بكر فصار يدعو مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتى جاءَ اليومُ الذي اشتدَّ فيه الأذى منَ المشركين ، فقرَّر أبو بكر أنْ يُهاجرَ في سبيل الله جلَّ وعلا ، فخرجَ مُهاجراً كما أخرجَ ذلك الإمامُ البخاريُّ في صحيحهِ ، فلما بلغَ بَرْكَ الغِمَاد لقيَه سيِّد القاعة يُقالُ له ابن الدُّغُنَّة ، وعرفَه لأنَّ هذا الرَّجُلَ كانَ يتردَّد على مكةَ شرَّفها الله ، فلمَّا رآه عرفَه قالَ : مَنْ ؟ أبو بكر ؟!
قالَ : نعم .
قالَ : إلى أين ؟
قالَ : مهاجر ، أسيحُ في الأرضِ ، أعبدُ الله تباركَ وتعالى ، فإنَّ قومي قد منعوني - يعني أنْ أعبدَ الله في بلدي – .
فقالَ ابنُ الدُّغُنَّة : يا أبا بكر ، إنَّ مِثْلَكَ لا يَخْرُجُ ولا يُخْرَجُ ، إنك تَصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكَلَّ ، وتُقري الضَّيفَ ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ ، ارجع فأنا جارٌ لكَ .
هذه الصِّفاتُ الأربعةُ التي ذكرَها ابنُ الدّغنة في أبي بكر ، تَصِلُ الرَّحِم ، تحمِلُ الكَلّ - أي الضعيف- ، تُقري الضَّيف ، تُعينُ على نوائب الحقِّ .
هي الصِّفاتُ ذاتها التي ذكرتها خديجةُ رضيَ الله عنها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لما خافَ منْ جبريل لما أتاه في غارِ حِراء ، قالتْ له : لا والله لا يخزيك الله أبداً ، فإنك تَصِلُ الرَّحِم ، وتحمِلُ الكَلّ ، وتُقري الضَّيف ، وتُعينُ على نوائبِ الحقِّ ، وفي رواية وتكسب المعدوم ، صفات النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم التي كانَ يتمثَّل بها هي صفاتُ الصِّدِّيق التي كانَ يتمثَّل بها ، فرجعَ الصِّدِّيقُ مع ابن الدُّغُنَّة فدخلَ مَكَّةَ وقالَ : يا معشرَ قريش ، أين ذهبتْ أحلامُكم- يعني عقولكم - أمِثْلُ أبي بكر يُخْرَجُ ؟ هذا شرفٌ لكم أنْ يكونَ فيكم رجلٌ مِثْل هذا ، يتشرَّف العرب .. تتشرَّف القبائل أنْ يكونَ فيها مِثْل هذا الإنسان ، أمِثْلُ أبي بكر يُخْرَج ؟؟!! فأنا جارٌ له .
قالوا : قبلنا جِوارَك ولكنْ لا يُسمعُنا ما نكرهُ - يعني القرآن - لا يُسمعنا ما نكره .
فدخلَ أبو بكر ، فصارَ يقومُ الليلَ ويصلِّي خارجَ بيتهِ ، جعلَ له محراباً - أي مكاناً للصَّلاةِ صارَ يصلِّي فيه – وصارَ النِّساء والأولاد والعبيد وبعضُ الرجال يجتمعون إليه يستمعون قراءَته لأنَّ القرآنَ سحرَهم وأسرَهم ، صاروا يجتمعون يستمعون قراءةَ أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه .
فذهبَ وفدٌ منْ قريش إلى ابن الدُّغُنَّة قالوا له : امنعْ صاحبَك ، نحن سكتْنا عنه احتراماً لك .. قبلنا جِوارك .. يُؤذينا .. يُسمعنا ما نكرهُ ، امنعْ صاحبَك .
فجاءَ ابنُ الدُّغُنَّة إلى أبي بكر الصِّدِّيق فقالَ : يا أبا بكر لا تفعلْ ، أَمْسِكْ عن القرآن .
قالَ : وإنْ لم أفعل ؟
قالَ : رُدَّ عليَّ جِواري .
قالَ : قد رَدَدْتُ عليكَ جِوارك ، يكفيني جِوارُ الله ، وظلَّ يدعو ، وبعد ذلك لم يخرجْ منْ مَكَّةَ رضيَ الله عنه وأرضاه .
وهكذا استمرَّ على الدَّعوة إلى الله تباركَ وتعالى حتى إنه أسلمَ على يديه خمسةٌ منَ العشرةِ المبشَّرين بالجنة .
أسلمَ على يد أبي بكر :عثمان بن عفان ، وسعد أبن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله، هؤلاء الخمسة ، هؤلاء الجبال ، هؤلاء القدوات خيرُ الناس بعد الأنبياء ، كلّهم أسلموا على يدِ هذا الرَّجُلِ المباركِ ، على يد أبي بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه وأرضاه .
ثم التثنية كذلك في مشابهته للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم جاءتْ واضحةً في الحديبية لما جاءَ عروةُ بنُ مسعودٍ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتكلَّم معه ثم رجعَ ، وجاءَ زعيمُ الأحابيش وتكلَّم مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أو لم يتكلم لما رأى الهديَ مقلباً رجعَ فجاءَ سهيلُ بنُ عمرو وتكلَّم مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتمَّ الصُّلْحُ ، وكانَ منْ بنودِ الصُّلْحِ أنْ تتوقَّف الحربُ بين النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وبين قريش لمدَّة عشرِ سنواتٍ ، و أنْ يرجعَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينةِ ولا يعتمر ، وأنْ يعتمرَ منَ العام القادم ، وأنَّ مَنْ خرجَ منْ قريش إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم مسلماً وطالبتْ به قريش فعلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنْ يُعيدَه ، ومَنِ ارتدَّ عن الإسلام ولحقَ بقريش وطالبَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فليس على قريش أنْ تَرُدَّه ، وغير ذلك منَ الشُّروط ، تم الصُّلْحُ ، فلما انقضى ذهبَ عمرُ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد قالَ لهم : إني رأيتُ رُؤيا أني أطوفُ بالبيت ، ولم يَطُفْ لأنه مُنع صلواتُ الله وسلامُه عليه .
جاءَ عمرُ إلى النبيِّ صلواتُ الله وسلامُه عليه فقالَ : يا رسولَ الله ، ألسنا المسلمين ؟
قالَ : بلى .
قالَ : أليسوا الكافرين ؟
قالَ : بلى .
قالَ : ألسنا على الحقِّ ؟
قالَ : بلى .
قالَ : أليسوا على الباطلِ ؟
قالَ : بلى .
قالَ : فعلامَ نُعطي الدَّنيَّة منْ ديننا ؟؟!!!
لماذا نرضى بهذه الشُّروط ؟؟؟!!!
لماذا نرجعُ ولا نعتمر ؟؟!!!
لماذا الذي يخرجُ منْ عندنا إلى قريش ولو طالبنا فيه لا يردُّونه لنا ، ومَنْ خرجَ منْ عندهم إلينا إذا طالبوا به رددْناه عليهم ؟؟!!!
علامَ نقبلُ الدَّنيَّة منْ ديننا ؟؟!!!
فكانَ جوابُ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " يا عمرُ ، إني رسولُ الله ، وإني لا أعصي الله في أبداً " .
سكتَ عمرُ .. إلى أين ؟
يذهبُ إلى شخصٍ آخرَ يمكنُ أنْ يُؤثِّر في النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، ولا يعرفُ شخصاً يمكنُ أنْ يُؤثِّر بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير أبي بكر ، فذهب إلى أبي بكر ، فوجَّهَ إليه مِثْل الأسئلةِ التي وجَّهها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالَ : يا أبا بكر ، ألسنا على الحق ؟؟
قالَ : بلى .
قالَ : أليسوا على الباطلِ ؟
قالَ : بلى .
قالَ : ألسنا المسلمين ؟
قالَ : بلى .
قالَ : أليسوا المشركين ؟
قالَ : بلى .
قالَ : علامَ نُعطي الدَّنيَّة منْ ديننا ؟؟!!
قالَ : يا عمرُ ، إنه رسولُ الله ، وإنه لا يعصي الله أبداً ، فالزمْ غرزه
الكلام الذي قالَه النبيُّ قالَه أبو بكر ، بل إنه جاء في صحيح البخاريّ أنَّ عمرَ بعد أنْ قالَ هذا الكلامَ للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ له : أوَ لم تخبرْنا أننا نعتمرُ ؟؟
قالَ :
أوَ أخبرتُك أنك تعتمرُ هذه السنة ؟
قالَ : لا .
قالَ : فإنك آتٍ البيتَ ومُطَوِّف به .
فلمَّا سألَ أبا بكر قالَ له هذا الكلام نفسه
قالَ : أوَ لم يخبرنا أنا نعتمرُ ؟؟
قالَ : أوَ أخبرَك أنك تعتمرُ هذا العام ؟
قالَ : لا .
قالَ : فإنك آتٍ البيتَ ومُطَوِّف به .
إنه الإلهامُ ، إنه التوفيقُ ، وفَّق الله هذا الرَّجُلَ إلى أنْ يقولَ الكلامَ الذي قالَه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
وهذه التثنيةُ " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " ليستْ تثنيةً عدديَّةً " ثَانِيَ اثْنَيْنِ " واحد وواحد يكونان اثنين .. أبداً ، وإنما هي تثنيةٌ شاملةٌ .
ولذلك لما جاءَ في الحديثِ الذي أخرجَه البخاريُّ في صحيحهِ أنه وقعَ خصامٌ بين أبي بكر وعمر كما يحدثُ بين أي اثنين ، وكانَ في أبي بكر حِدَّة - يعني يغضب بسرعة - يقول أبو بكر تخاصمتُ أنا وعمر في شيءٍ فأسرعتُ إليه - يعني في الكلام- ثم ندمتُ فقلتُ : اغفرْ لي .
فقالَ : لا أغفرُ لك .
فذهب أبو بكر يشتكي ، هو الذي أخطأ في حقِّ عمرَ لكنْ ذهبَ يشتكي إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فدخلَ على النبيِّ فقالَ : يا رسولَ الله ، قد كانَ بيني وبين عمر فأسرعت إليه - أنا اللي غلطان – فقلتُ : اغفرْ لي ، فلم يغفرْ لي .
هو اللي غلطان .
فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه لأبي بكر : " يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر ، يغفرُ الله لكَ يا أبا بكر " ، أمَا يكفيك ، فليمتنع عمرُ ، أمَا يكفيك أنْ يغفرَ الله لك ، قالها ثلاثاً صلواتُ الله وسلامُه عليه .
يقولُ عمرُ : فلمَّا وصلتُ إلى البيتِ ندمتُ .
لأنَّ نفوسَهم رضيَ الله عنهم لوَّامةٌ ، لامته نفسُه لمَ لم تغفر لأخيك ؟!
يقولُ : فرجعتُ إلى أبي بكر - ليقولَ له قد غفرتُ لكَ - فلم أجدْه في البيتِ ، قلتُ : أجدُه عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .. ما في مكان ثالث ، إنْ لم يكنْ في بيتهِ فهو عند رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فأقبلَ عمرُ ، فلمَّا رآه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مُقبلاً قامَ إليه كالمغضَب يجرُّ إزارَه صلواتُ الله وسلامُه عليه ، فجثا أبو بكر على ركبتيه لأنه رأى الغضبَ في عيني رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
فجثا على ركبتيه وقالَ : يا رسولَ الله ، أنا كنتُ أظلم ، يا رسولَ الله كنتُ أنا كنتُ أظلم ، يا رسولَ الله أنا كنتُ أظلم ، ورسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يلتفتُ إليه حتى أقبلَ على عمرَ فقالَ : " مَهْ يا عمرُ ، أرسلني الله إليكم فقلتم : كذبتَ وقالَ أبو بكر : صدقَ ، وواساني بنفسهِ ومالهِ ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي " .
هذا صاحبي
" فهل أنتم تاركوا لي صاحبي "
لماذا الإيذاء ؟!
لا يؤذينَّه أحدٌ
" فهل أنتم تاركوا لي صاحبي "
يقول أبو الدَّرداء : فما أُوْذِيَ بعدها أبو بكر أبداً.
عرفوا مكانته عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
وهو الذي كانَ يتكلَّم بين يدي رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم .
في الحديبيةِ أيضاً لما جاءَ عروةُ بنُ مسعود ، قبلَ سهيل ، قبلَ أنْ يتمّ الصُّلْح ، لما جاءَ عروةُ بنُ مسعود وأخذَ بلحيةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يُكلِّمه ، فضربَه المغيرةُ بنُ شعبة بمقبضِ السَّيفِ على يدهِ فقالَ : أنزلْ يدَك عن لحيةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فإنك مشركٌ نجسٌ وإلا لا ترجعُ إليك يدُك ، أي هذه المرَّة ضربتُها بالمقبض المرَّة القادمة أقطعُها .
لا تمسّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، عند ذلك قالَ عروةُ بنُ مسعود للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم - يهوِّن عليه شأنَ أصحابهِ - قالَ : يا محمَّد ، ما أرى هؤلاء الأوشاب - يعني الصحابة - أوشاب يعني ليسوا بشراً ، خيالات ، يعني ضعاف ، يتركونك ،
كما قالَ الشاعرُ :
كما قالَ الشاعرُ :
كفى بجسمي نحولا أنني رجلٌ *** لولا مخاطبتي إياك لم ترني
يقولُ هؤلاء كذلك أشباح ، هؤلاء أشباح ليسوا برجالٍ ، جُبْن في اللقاء و القتال و كذا ..
قالَ : ما أرى هؤلاء الأوشاب وقد جاءتهم قريش بِعَدِّها وعَتيدِها إلا وقد تركوك وفَرُّوا عنك .
فغضبَ أبو بكر الصِّدِّيق ، و التفتَ إلى عروةَ بنِ مسعود و قالَ : أنحن نَفِرُّ عنه ؟؟!! أُمصص بذر اللآت
فالتفتَ عروةُ بنُ مسعود وقالَ : مَنْ هذا ؟! مَنْ هذا الذي يسبُّني بين يديك ؟
عروة بن مسعود هذا الذي كانت قريش تقولُ : لولا أُنزل هذا القرآنُ على رجلٍ منَ القريتين عظيم _ يعني عروة_.
مَنْ هذا الذي يسبُّني بين يديك ؟!
فقالَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : هذا أبو بكر .
عند ذلك قالَ عروةُ : والله لولا يدٌ لك عليَّ لم أَرُدّها بعد لرددتُ عليك ، يعني لك أنتَ فضلٌ عليَّ .. ما أستطيع أنْ أتكلَّم معك .. ولكن هذه بتلك ، الفضلُ الذي لك عليَّ أنتَ الآن أفسدته بهذه الكلمة .
و الشَّاهدُ منْ هذا أنه الوحيد الذي كانَ يتكلَّم بين يدي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم .
وكما قلتُ إنَّ الوقتَ لا يتَّسعُ لأنْ نتكلَّم عن أحدِهما فكيف ونحن نريدُ أنْ نتكلَّم عن كليهما ، عن أبي بكر و عمر .
هذا الرَّجُلُ - أعني أبا بكر الصِّدِّيق- كانَ أعلمَ أصحابِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم على الإطلاقِ .
قالَ أبو سعيدٍ الخدريّ رضيَ الله عنه : " صعدَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم المنبرَ - قبل موتهِ بثلاثةِ أيام- صعدَ المنبرَ ثم قالَ بعد أنْ حمدَ الله وأثنى عليه : " إنَّ الله خيَّر عبداً بين ما عنده وبين الدنيا وزينتها "
قالَ أبو سعيد : فبكى أبو بكر وقالَ : فديناكَ بآبائنا وأمهاتنا يا رسولَ الله .
قالَ أبو سعيد فعجبنا له يخبرُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عن رجلٍ خُيِّر فيبكي أبو بكر !!!! : ما دخلُ هذا بهذا !!!!
يقولُ أبو سعيد : فكانَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو المخيَّر وكانَ أبو بكر أعلمَنا .
لذلك يقولُ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله تبارك وتعالى ، يقولُ : لا لا يُعلم لأبي بكر فتوى واحدة خالفَ فيها النبيَّ أبداً " .
ليسَ بمعصومٍ ولكنه موفَّق ، لا يُعلم له فتوى واحدة خالفَ فيها النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أبداً أو أخطأ فيها ، لا يُعلم له ذلك أبداً رضيَ الله عنه وأرضاه .
بل خالفَ أصحابَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مسائلَ كانَ القولُ فيها قوله ، منْ ذلك في السَّقيفةِ لما اختلفَ بعضُ الأنصار مع بعضِ المهاجرين حسمَ الأمرَ أبو بكر الصِّدِّيق رضيَ الله عنه ، لما قالَ الأنصارُ منا أميرٌ ومنكم أميرٌ قالَ : لا ، بل قريش هم الناسُ الذين قالَ فيهم رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " الأمراءُ منْ قريش " ، و قالَ بايعوا أحدَ هذين الرَّجلين يعني عمر وأبا عبيدة
فقالا : لا والله لا نبايعُك إلا أنت .
ولما تُوُفِّي النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يحسمْ هذا الأمرَ إلا هذا الرَّجل وذلك أنه تُوُفِّيَ صلواتُ الله وسلامُه عليه كما هو معلوم يوم الاثنين وكانَ أبو بكر قد استأذنَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم ورأى أنَّ صِحَّته جيِّدة ، فاستأذنه أنْ يذهبَ لزوجتهِ حبيبة بنت خارجة في العُلا .... فأذنَ له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقدَّر الله أنْ يموتَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في صبيحةِ ذلك اليوم ، فرجعَ أبو بكر وإذا الناسُ مصدومون بخبرِ وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، أكثرُهم غيرُ مُصَدِّقٍ ، وبعضُهم ساكتٌ واجمٌ ، وبعضُهم يبكي ، ولا يدري أحدٌ ماذا يقولُ
حتى قالَ أنسٌ : كانَ اليومُ الذي دخلَ فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم المدينة أنارَ منها أو أضاءَ منها كلّ شيءٍ حتى جاءَ اليومُ الذي تُوُفِّيَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، أظلمَ منها كلُّ شيءٍ .
فجاءَ أبو بكر وإذا عمرُ يصيحُ في الناس مَنْ قالَ إنَّ محمَّداً قد ماتَ قتلتُه بسيفي هذا ، والله إنما هي غيبةٌ كغيبةِ موسى وليرجعنَّ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فليقطعنَّ أيديَ وألسنةَ رجالٍ منَ المنافقين .
فجاءَ أبو بكر ودخلَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وكشفَ عن وجهه وقبَّل بين عينيهِ وقالَ : بأبي أنتَ وأمي ، طِبْتَ حيّاً وميتاً ، ثم غطَّاه ، وجاء إلى عمر وهو يصيحُ في الناس فقالَ : مَهْ يا عمرُ ، اهدأ يا عمرُ ، وعمرُ لا يلتفتُ إلى أبي بكر ، فتركَه وصعدَ المنبر وقالَ : يا أيها الناسُ ، مَنْ كانَ يعبدُ محمَّداً فإنَّ محمَّداً قد ماتَ ، ومَنْ كانَ يعبدُ الله فإنَّ الله حيٌّ لا يموتُ ، ثم قرأ عليهم " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَآل عمران:144
يقولُ أنس :" والله لكأنَّ الناسَ ما سمعوها إلا اليوم " ، هذه الآيةُ ، فصارَ الناس يُردِّدونها وهدأتْ النفوسُ بفضلِ الله تبارك وتعالى ثم بكلام هذا الرَّجل الموفَّق وهو أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه .
*- وكذا لما اختلفَ الناسُ في قتال المرتدين و قتال مانعي الزكاةِ قالَ أبو بكر : والله لأُقاتلنَّهم .
قالوا : كيف تقاتلُ المرتدين ؟!! نحن نخشى على المدينة .. نخشى على بيضة الإسلام ، نخشى أنْ يأتينا الكفارُ منْ كلِّ مكانٍ .
قالَ : والله لأُقاتلنَّهم ، وأمرَ بقتالِ مانعي الزكاة .
فقالَ له عمرُ : كيف تقاتلُ الناسَ وقد قالَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم :" أُمِرْتُ أنْ أقاتلَ الناسَ حتى يشهدوا أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمَّداً رسولُ الله " .
قالَ : إلا بحقِّها ، وهذا حقُّ الزَّكاةِ ، إلا بحقِّها ، والله لأقاتلنَّ مَنْ فرَّق بين الصلاةِ والزَّكاةِ ، والله لو خرجتُ وحدي لأقاتلنَّهم .
حتى قالَ عمرُ : والله ما إنْ رأيتُ أنَّ الله شرحَ صدرَ أبي بكر إلى قتالِ هؤلاء- يعني المرتدين ومانعي الزكاة - حتى علمتُ أنه الحقُّ .
لماذا ؟
لأنَّ هذا الرَّجُلَ موفَّق ، موفَّق هذا الرَّجُلُ منْ عند الله تبارك وتعالى ، ثم صارَ بعد ذلك الإجماع على أنَّ رأيَ أبي بكر هو الحقُّ ، في تلك المسألة ، في قتالِ المرتدين وفي قتال مانعي الزكاة .
*-وسيَّر جيشَ أسامة الذي كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد جهَّزه قبلَ موتهِ بأيامٍ ، سيَّره .
قالوا : كيف تسيِّر الجيشَ ؟! نحن نحتاجُ إليه .
قالَ : والله لرايةٌ عقدَها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما كانَ لأبي بكر أنْ يخفضَها أبداً .
هذه عقدَها رسولُ الله ، تنطلقُ طالما أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو الذي عقدَها .
وهكذا استمرَّت هذه الحياةُ مباركةً لهذا الرَّجُلِ المباركِ حتى توفَّاه الله جلَّ وعلا .
الوقت المقرر انتهى/ولم نتكلَّم عن عمر ، ولم نعطِ أبا بكر نصفَ حَقِّهِ إلى الآن .
بعد أنْ شعرَ أبو بكر بقُربِ أجلهِ والمرض الذي جاءَه ، مرض الموت ، أوصى أنْ تكونَ الخلافةُ منْ بعدهِ لعمرَ ، و تُوُفِّيَ .
فاجتمعَ الناسُ على عمرَ ، وتمَّتِ البيعةُ لعمرَ وذلك بعد سنتين وثلاثة أشهر في خلافةِ أبي بكر الصِّدِّيق ، فلمَّا أخذَ الخلافةَ عمرُ بنُ الخطاب صارَ الناسُ يقولون هذا خليفةُ خليفةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، يعني أبو بكر خليفة رسول الله و أنت يا عمرُ خليفة خليفةِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، فقالَ عمرُ : هذا أمرٌ يطولُ .
طيب اللي بعده شو يقولوا له ؟؟ خليفة خليفة خليفة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، ما تنتهي .
قالَ عمرُ : بل أنتم المؤمنون وأنا أميرُكم ، فأنا أميرُ المؤمنين .
قالوا : نعم أنتَ أميرُ المؤمنين .
فهو أوَّل مَنْ أطلقَ هذا اللقب " أمير المؤمنين ".
أُسْنِدَتِ الخلافةُ إلى هذا الرَّجلِ المباركِ أيضاً وهو عمر رضيَ الله عنه ، وتمَّتِ البيعةُ له بالإجماع ، ولم يخالفْ في هذا أحدٌ ، فحكمَ المسلمين عشرَ سنواتٍ وخمسة أشهر ، وتمَّ في هذه السنواتِ فتحُ كثيرٍ منَ البلاد ، فُتحتْ مصرُ والشَّام والقدس والأردن وفلسطين ودمشق وأذربيجان وأرمينيا ودورجان والرَّيّ وغيرها كثير ، كلّ هذه فُتحتْ في عهدِ عمرَ رضيَ الله عنه وأرضاه .
وكانَ شديداً في دين الله تبارك وتعالى حتى إنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قالَ له : " إنَّ الشيطانَ يفرقُ منك يا عمرُ " ، الشيطان يفرق يعني يخافُ منك يا عمرُ .
وجاءَ في الحديثِ الآخر الذي عند البخاريّ وهذا عند أحمد ، الذي عن البخاري : " ما لقيكَ الشيطانُ سالكاً فَجّاً إلا سلكَ فَجّاً غير فَجِّكَ "، يعني إلا سلكَ طريقاً غيرَ طريقك .
ولذلك قالَ ابنُ مسعود : خرجَ رجلٌ منَ الإنس فلقيه رجلٌ منَ الجِنِّ ، فقالَ له : قاتلني .. صارعني .
فصارعَه ، فصرعَ الإنسيُّ الجنيَّ - الإنسي غلب –
فغضبَ الجنيُّ ، قالَ : لقد علمتِ الجنُّ أني مِنْ أقواها - قويّ –
قالَ : لقد علمتِ الجنُّ أني منْ أقواها، فصارعني الثانية .
فصارعَه الثانيةَ فصرعَه .
فقيلَ لابنِ مسعود مَنْ هذا الرَّجُلُ ؟ عمرُ ؟
قالَ : ومَنْ يكونُ غير عمر ؟!
وهذه إسنادُها صحيحٌ ذكرَها المزي وغيره .
عمرُ هو الذي قالَ فيه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم : " قد كانَ فيمنْ سبقَ محدَّثون ، فإنْ يكنْ في أمتي فعمر " .
عمرُ بنُ الخطاب كانَ منْ أزهدِ الناس في زمنهِ رضيَ الله عنه وأرضاه حتى إنه في عام الرّمادة سنةَ سبعَ عشرةَ منَ الهجرة ظلَّ عاماً كاملاً لا يأكلُ إلا الخبزَ والزيتَ ، يقولُ : " والله لا أشبعُ وفي أمَّة محمَّدٍ جائعٌ .. لا أشبعُ وفي أمَّة محمَّدٍ جائعٌ " .
قالوا حتى صارَ جِلدُهأ سود منَ الخبز والزَّيت رضيَ الله عنه وأرضاه
و ذُكِرَ أنه رأى ابنَه عاصم في السوق يمشي فقال : إلى أين؟قالَ : أريدُ أنْ أشتريَ لحماً .
فسكتَ وتركَه .
فسكتَ وتركَه .
ثم رآهُ مرَّةً ثانيةً ، قالَ : إلى أين؟قالَ :أريدُ أنْ أشتريَ لحماً .
قالَ : أمَا اشتريتَ بالأمسِ ؟!!
قالَ: اشتهيت ، بالأمس اشتريتَ و أكلتَ ، و اليوم اشتهيتُ فأريدُ أنْ أشتريَ حتى آكل .
قالَ :اشتهيت !!
قالَ عمرُ : أكُلَّما اشتهيتَ اشتريتَ ؟! أكلَّما اشتهيتَ اشتريتَ؟!
قالَ : أمَا اشتريتَ بالأمسِ ؟!!
قالَ: اشتهيت ، بالأمس اشتريتَ و أكلتَ ، و اليوم اشتهيتُ فأريدُ أنْ أشتريَ حتى آكل .
قالَ :اشتهيت !!
قالَ عمرُ : أكُلَّما اشتهيتَ اشتريتَ ؟! أكلَّما اشتهيتَ اشتريتَ؟!
كلَّما اشتهيتَ اشتريتَ ؟ هكذا ..
لو طبَّقناها اليومَ علينا.
نحن الآن كثير منَ البيوت الآن لا تكتفي اللَّحمَ في المائدةِ الواحدةِ ، في المائدة الواحدة تضعُ أكثرَ منْ صنفٍ - عليكم بالعافية-
لكن القصد أنَّ عمرَ كانَ صِنْفاً في الزُّهد رضيَ الله عنه وأرضاه .
وقد ذكروا عنه رضيَ الله عنه أو عن معاوية رضيَ الله عنه أنه قالَ :إنَّ أبا بكر لم يُرِدِ الدُّنيا ولم تُرِدْهُ - يعني الدنيا ما جاءته ولا هو يبيها- وأما عمرُ فأرادته ولم يُرِدْهَا " جاءَه الخيرُ فردَّه رضيَ الله عنه .
وقد اشتُهرَ بعبادتهِ رضيَ الله عنه حتى إنه قيلَ إنه كان تحت عينه في خدَّيه خطان أسودان منَ البكاءِ .
وكانَ أحياناً يصلِّي مع الناس فيُغمى عليه وهو يقرأ القرآنَ ، فيُعاد أياماً في بيتهِ منَ الخوف رضيَ الله عنه .
وكانَ ربما سرد الصوم ، وعمر اشتُهر بين الناسِ بعنايتهِ بالرَّعيَّةِ .
وذلك أنه مَرَّ يوماً على امرأةٍ أو مَرَّ في طريقهِ فسمعَ امرأةً تصيحُ منَ المخاضِ ، تريدُ أنْ تلدَ وليسَ عندَها أحدٌ .
فقالَ : مالكِ ؟
قالتْ : ليس عندي أحدٌ ، وأنا أمخضُ ، يعني على وشكِ ولادة ، فتركَها عمرُ وذهبَ إلى بيتهِ ، إلى زوجتهِ أمّ كلثوم بنت عليّ بن أبي طالب فقالَ لها :يا أمَّ كلثوم رزقٌ وأجرٌ ساقَه الله إلينا فهلمِّي ، فخرجتْ معه ، فأدخلَها على المرأةِ وجلسَ هو مع زوجِها ، وولَّدتها أمُّ كلثوم رضيَ الله عنها .
فلما ولَّدتها صاحتْ بعمرَ ، قالتْ : يا أميرَ المؤمنين بشِّر صاحبَك بغلامٍ ، فكادَ الرَّجُلُ يذهبُ عقلُه ..
أمير المؤمنين ؟؟؟؟!!!
هل أنت أمير المؤمنين ؟!!!
جايب زوجتك تولِّد زوجتي ؟؟!!!
قال: والله ما عرفتك يا أميرُ المؤمنين .
قال : لا عليك ، ثم رجعَ مع زوجتهِ رضيَ الله عنه وأرضاه .
*- وسمعَ أولادَ امرأةٍ يبكون عندها أو ولداً يبكي عندها
فصاحَ بها : أسكتي ولدكِ ، ثم انصرفَ .
فمَرَّ بعد قليلٍ وإذا الولدُ يصيحُ .
قالَ : أسكتي ولدك .
فمَرَّ بعد قيلٍ وإذا الولدُ يصيحُ .
قالَ : أسكتي ولدكِ إنك أمُّ سوءٍ - أمّ سيئة أنت - تعذِّبين هذا الولد بالبكاء بهذه الطريقةِ .
قالتْ : وما أفعلُ ، أريدُ أنْ أفطمَه لأنَّ عمرَ لا يُعطي مالاً إلا
للمفطوم .
أنا بدي أفطمه غصب علشان عمر يعطينا شيئاً من بيت المال لأنه لا يصرف إلا للمفطوم .
فوقفَ عمرُ وقالَ : بُؤساً لعمرَ ، كم قتلَ منْ أولادِ المسلمين ، ثم أمرَ مُناديهِ أنْ يُنادي وقالَ : لا تعجلوا في فِطامِ أولادِكم فكلُّ مولودٍ قد فرضْنا له ، لكنْ لا تعجلوا فطامَ أولادِكم .
*- ومَرَّ على أمٍّ ثانيةٍ ومعها أولادٌ يصيحون فقالَ : ما لهؤلاءِ ؟؟ لماذا يصيحون ؟؟
قالتْ : أعللِّهم .
قالَ : أوَ ما ينتهي .
هذا القدر الذي على النار ، يعني من الطباخ هذا .
قال : أو ما ينتهي ؟؟
قالتْ : هو ماءٌ ولكنْ أعلِّلهم حتى ينامون
فقط لا شيءَ ... منَ الجوع
فقال : بؤساً لعمر ، وكانَ خادمُه معه
فقالَ: معي ، فذهبَ إلى بيتِ المالِ فأخذَ مما يسَّر الله تبارك وتعالى منْ بيتِ المال وحملَه على ظهرهِ .
فقالَ له خادمُه : أحملُ عنك يا أميرَ المؤمنين .
قالَ : لنْ تحملَ وِزري عني يومَ القيامةِ .
وحملَه على ظهرهِ حتى جاءَ إلى بيتِ المرأةِ وقالَ لها : ابتعدي ، وجاءَ إلى القِدْرِ ووضعَ فيه الطعامَ ، وصارَ ينفخُ والدُّخانُ يخرجُ منْ لحيتهِ رضيَ الله عنه ، وينفخُ على النار حتى أطعمَهم وناموا , فارتاحتْ نفسُه وطابتْ .
*- هو الذي جاءَه رسولُ كسرى يبحثُ عنه فما وجدَه إلا نائماً تحت شجرة .
فقالَ : أهذا أميرُ المؤمنين ؟!
قالوا : نعم .
قال : هذا الذي يخافُه كسرى ؟!
قالوا : هذا الذي يخافُه كسرى .
قالَ : حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ .
نعم ، هذا عمرُ رضيَ الله عنه وأرضاه .
*- لما فتحَ بيتَ المقدس أو لما فتحَ الله لهم بيتَ المقدس خرجَ عمرُ ليستلمَ مفاتحَه ، فلقيَه أبو عبيدة في الطريق ، وإذا عمرُ يمشي وخادمُه على الدَّابة ، وهو الخليفة يمشي على الأرض ، و يسوقُ الدَّابةَ وفوقها الغلامُ ، وإذا هما يتناوبان ، مرَّة هو يركبُ ومرَّة الغلامُ يركبُ ومرَّة ما حد يركب والدَّابة ترتاحُ ، فقدَّر الله أنه لما وصلَ عمرُ إلى بيتِ المقدسِ وإذا الخادمُ فوق الدَّابة وعمرُ يسوقُها له رضيَ الله عنه وأرضاه ، فلمَّا رآه أبو عبيدةَ أقبلَ ليقبِّل يدَ عمرَ ، فنزلَ عمرُ ليقبِّل رِجْلَ أبي عبيدة ، فامتنعَ أبو عبيدة .. ابتعد ، فابتعدَ عمرُ .
تقبِّل يدي أقبِّل رِجلَك ، عاملني مثلما أعاملك ، ما في مشكلة .
فامتنعَ أبو عبيدةَ فامتنعَ عمرُ .
وجاءَ لفتح بيتِ المقدس وثوبُه مرقَّع رضيَ الله عنه ، حتى إنَّ حِسبَةُ الرقع التي في كتف عمر أربعة رقع وهو خليفةُ المسلمين ، و والله ما ضرَّه ذلك شيء عند الله تبارك وتعالى بل زادَه عند الله رفعةً .
*- وكانَ أعلمَ الصحابةِ على الإطلاقِ بعد أبي بكر الصِّدِّيق ، وهو الذي قالَ عنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم :" بينا أنا نائم رأيتُ الناسَ عليهم قُمُصٌ - يعني قمصان - فبعضُهم بلغَ قميصُه إلى ثدييه وبعضُهم دون ذلك ، ورأيتُ عمرَ يجرُّ إزارَه " ، منَ الطول ، يقولُ : الناس إلى الثديين - يعني قليل -عمر يجرُّه .
قالوا : فما أوَّلتَ ذلك يا رسولَ الله
قالَ : " العلم " .
العلم .
ولذلك جاءَ عن عليٍّ رضيَ الله عنه ورأى عمر وهو على فراش الموت قالَ : والله ما منْ رجلٍ كنتُ أتمنى أنْ أموتَ في جُبَّتِهِ إلا هذا الرجل .
يعني بعمل هذا الإنسان و هو عمر .
وكانَ يقولُ : مَنْ فضَّلني على عمرَ جلدتُه حَدَّ المفتري .
ولما سُئل مَنْ أفضلُ الناسِ بعد رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ؟ أنت ؟
قالَ : لا ، أبو بكر
فقالَ له ولدُه محمَّد : ثم أنت ؟
قالَ : ثم عمر .
قالَ : ثم أنت ؟
قالَ : إنما أنا رجلٌ منَ المسلمين ، رضيَ الله عنه .
ولذلك قالَ أهلُ العلمِ مَنْ فضَّل غير أبي بكر وعمر عليهما فهو ضالٌّ .. لهذه الدرجة ، لأن فضلَهما كان مشتهراً بين الناس .
وقد توفي رضيَ الله عنه كما في حديثِ حذيفة أنه قالَ :كنا عند عمر فقالَ : أيكم يحفظُ حديثَ الفتنةِ التي تموجُ كموج البحر ؟
فقالَ حذيفةُ : أنا أحفظُها يا أميرَ المؤمنين وليسَ عليك منها بأسٌ ، إنَّ بينك وبينها باباً مغلقاً .
قالَ : أيُفتحُ هذا البابُ أم يُكسرُ ؟
قالَ : لا بل يُكسرُ .
قالَ : إذاً لا يرجعُ أبداً .
قالَ : نعم .
فسكتَ عمرُ .
قيلَ لحذيفةَ : عمرُ كانَ يدري مَنْ هو البابُ ؟
قالَ : نعم ، إني حدَّثته حديثاً ليس بالأغاليط .
يعني كانَ حديثي معه واضحاً ، وفهمَ كلامي جيداً .
قالَ : إني حدَّثته حديثاً ليس بالأغاليط ، إي والله علمَ كما علمَ أنَّ غداً بعد الليلة .
يعني كلام واضح
فقيلَ لحذيفةَ : مَنِ البابُ ؟
قالَ : عمر ، الباب عمر .
و فعلاً بموتِ هذا الرَّجُلِ بدأتْ تأتي هذه الفتنُ .
وقتلَه كما هو معلومٌ رجلٌ مجوسيٌّ ، طعنَه وهو يصلِّي في خنجر مسموم ، طعنَه ثلاثَ طعناتٍ وهو يصلِّي الفجر رضي الله عنه .
فلما طُعِنَ قالَ : مَنِ الذي طعنني ؟
قالوا : غلام المغيرة .
عبد عند المغيرة
قالَ : المجوسيّ ؟
قالوا : المجوسيّ .
قالَ : الحمدُ لله الذي لم يجعلْ منيَّتي على يدي رجلٍ مسلمٍ ولا على يدي مَنْ سجدَ لله سجد.
كافر خليه
وكانَ عمرُ قد سألَ الله تبارك و تعالى الشهادةَ في مدينةِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم
فكانوا يقولون له : يا عمرُ كيف تكونُ الشَّهادةُ في مدينةِ رسولِ الله ؟؟!! مَنْ أرادَ الشَّهادةَ يخرجُ إلى الجهادِ
قالَ : هكذا سألت الله .. أسال الله أنْ يعطيني ما أردتُ
وأعطاه الله ما أرادَ.
تعليق