بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الابتلاء
خطبة الجمعة للشيخ محمد حسان
في مدينة العريش مصر
بتاريخ21ذو القعدة 1431هـ
الموافق29 /10/2010
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله." يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " سورة آل عمران : 12 , وقال تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيـراً ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" سورة النساء : 1وقال تعالى "يا أيها الناس آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً" سورة الأحزاب : 7-71 , أما بعد:, فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ,حياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الكرام الأعزاء حيا الله أهل سيناء أهل البطولة والرجولة أهل المروءة والكرم أهل الشرف طبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا وأسأل الله الحليم الكريم الذي جمعنا بحضراتكم في هذه الأرض الطيبة المباركة على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه. , أحبتي في الله , الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختبار ولذا أخبرنا العزيز الغفار أننا سنبتلى في هذه الدار فقال _جل وعلى_:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" سورة البقرة: 155 - 157, يظن كثير من الناس أن الإيمان... كصائب نكص على عقبيه وتخلى عن الطريق لأنه يتوهم أن الطريق إلى الله جل وعلى مفروش بالورد والزهور والرياح ويظن أن الإيمان كلمة يرددها لسانه فحسب كلا ..كلا.. الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان, الإيمان أمانة ثقيلة ذات أعباء كبيرة فلا ينبغي أن يتوهم أو يتصور مسلم أو مسلمة أنه سيردد كلمة الإيمان ويُشهد الله _جل وعلى_ على ما في قلبه ثم لا يتعرض للمحن والفتن والابتلاءات بل لا بد من الابتلاء ولا بد من المحن والمصائب لأنها تصفي الصف وتميز المؤمنين الصادقين من المنافقين الخبثاء الذين يندسون في صفوف المؤمنين يرفعون معهم الراية ويهتفون معهم حين يحققون الأرباح والمكاسب يقول جل وعلى: "الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " سورة العنكبوت: 1 – 3 , وقد يسأل الآن سائل ويقول: وهل لا يعلم الله ربنا _جل وعلى_ المؤمنين الصادقين من المنافقين الكاذبين إلا بعد المحن والابتلاء؟ والجواب كلا.. كلا.. الله _جل وعلى_ يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون بل وما لم يكن لو قدر له _جل وعلى_ أن يكون لعلم كيف يكون قال الله تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " سورة الأنعام: 59 , ولكن الله _جل وعلى_ يبتلى أهل الإيمان لماذا؟ ليختبر المؤمن إيمانه أمام نفسه فقد أظن أنني حققت الإيمان في وقت الدعة والرخاء وأتصور أنني قد بلغت منتهى الإيمان فإذا جاءت الفتنة وجاءت المحنة ووقع البلاء انكشفت حقيقة إيماني أمام نفسي أعرف قدر إيماني وأعرف قدر توكلي وأعرف قدر يقيني وثقتي بربي _جل وعلى_ فلإيمان حين تعرض الفتن على أهله يكتشف أهل الإيمان حقيقة إيمانهم وحقيقة ثباتهم على المحن والفتن والابتلاءات ثم يُظهر هذا الابتلاء المنافقين للصف المؤمن لأن عدوك الظاهر أنت تعرفه أما المنافق فهو مندس في الصف يرفع الراية معك وربما يحضر معك الجماعات وربما يشهد معك الأفراح والأتراح لكنه عدو لدود خطير فتأتي المحن والفتن والابتلاءات لتميز المؤمنين الصادقين من الخبثاء المنافين قال الله تعالى: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " سورة العنكبوت: 2 -3 ليحاسب الله العباد بما يصدر عنهم من أقوال وأفعال لا بمقتضى سابق علمه فيهم وهذا تمام العدل منه _جل وعلى_ قال الله سبحانه:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ " سورة البقرة: 214 وقال _جل وعلى_: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " سورة آل عمران: 142 فلا ينبغي أن تتوهم أو تتصور أيها الحبيب الكريم أن سيرك على درب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد _صلوات الله عليهم أجمعين_ ستمشي فيه على الورد والزهور كلا.. بل هو طريق طويل حافل بالعقبات والأشواك محفوف بالمحن والابتلاءات ولا بد أن توطن نفسك على هذه المحن وعلى هذه الابتلاءات بالإيمان بالله _جل وعلى_ وبالصبر على بلاءه _تبارك وتعالى_ وبالإيمان بأقداره كلها خيرها وشرها فالإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان بالله لا يصح إيماننا إلا إن حققنا هذا الركن مع سائر أركان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره بل لو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله دون أن تحقق الإيمان بالقدر خيره وشره لا يقبل الله_جل وعلى_ منك هذه النفقة., روى مسلم في صحيحه قال: " حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب. حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛ قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني. فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر. فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي. أحدنا عن يمينه والأخر عن شماله. فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم. وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما_وهذا محل الشاهد_ : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر..." ,نعم أيها الأفاضل الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان بالله _جل وعلى_ إذن لا بد من أن توطن نفسك على الابتلاءات لأن الله _تبارك وتعالى_ أخبرنا قبل أن تقع بنا المحن والابتلاءات قال _جل وتعالى_: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " سورة البقرة: 155, وانظروا إلى هذا التعداد وإلى هذه الأنواع من أنواع الابتلاءات. ,ما معنى الابتلاء؟ الابتلاء لغة هو الاختبار والامتحان. ,حبيبي في الله هنا أنت هنا في بوتقة امتحان في بوتقة اختبار في دار ابتلاء, أنت في دار الدنيا في دار ابتلاء قال تعالى: " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... " سورة الملك: 1-2 , ولم يقل الله _جل وعلى_ أيكم أكثر عملاً بل أيكم أحسن عملاً وأحسن العمل أخلصه وأصوبه ما كان لله _جل وعلى_ على سنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى:" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" سورة الحديد: 20_والمراد بالكفار هنا هم الزّراع الفلاحون_ , فالابتلاء معناه الاختبار والامتحان ولنبونكم أي ولنمتحننكم أي ولنختبركم, بماذا يا رب؟ بشيء من الخوف والجوع ما أرحمه! وما أكرمه! تدبر القرآن فالقرآن كنز معان ونهر حقائق تدبر قول الله ولنبونكم بشيء ولم يقل ولنبونكم بالخوف والجوع الى آخر الآية... إنما قال بشيء من الخوف والجوع أي بشيء قليل من الخوف وأنا أعجب لماذا قدم الله الخوف على الجوع وعلى الابتلاء بنقص الأنفس والأموال والثمرات؟ لأن الخائف لا يشعر بلذة لطعام ولا يشعر بلذة لشراب ولا يشعر بلذة لصحة وعافية ,الخوف لغة واصطلاحاً حالة من الذعر والرعب تصيب النفس وتصيب الإنسان بحالة من القلق والاضطراب تشل فكره فضلاً عن شلل حركته لذا قدم الله الخوف على الابتلاء بغيره من أنواع الابتلاءات تصور أنني الآن أتيت برجل جائع جداً يشتاق إلى ألوان الطعام ووضعت له مائدة طويلة ووضعت عليها كل ألوان الطعام والشراب, ثم قلت له: هيا تفضل كل هذا الطعام كله ولكن أعلم يقيناً أنه بعد أن تصل من أول هذه المائدة إلى آخرها سترى هذا الرجل ينتظرك ليقطع رقبتك أسألكم بالله هل سيأكل شيئاً؟ هل سيشعر بنعيم؟ هل سيشعر بسعادة؟ لا... لا يشعر الخائف بأي لون آخر من ألوان النعم لذا أقول أن نعمة الأمن أيها الأفاضل من أجل نعم الله علينا أسأل الله ألا يحرمني وإياكم نعمة المن والآمان وألا يحرم بلادنا وبلاد المسلمين جميعا نعمة الأمن والآمان, والله الذي لا إله إلا غيره أبكي بدمع العين بعد بكاء قلبي وأنا أرى حال إخواني وأخواتي الذين سلبوا نعمة الأمن في فلسطين أو في العراق أو في السودان أو في الصومال وأتضرع إلى الله _جل وعلى_ ألا يحرمهم هذه النعمة العظيمة الجليلة التي ربما لا نعرف قدرها أسأل الله ألا يحرمنا وبلادنا منها إنه وليذلك والقادر عليه, لذا يمتن ربنا _جل وعلى_ علينا بنعمة الأمن كما أمتن بها على القرشيين فقال _جل وعلى_: " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" سورة قريش: 3-4وقدم الجوع هنا على الآمن لأنهم كانوا يشعرون بأمن في جوار بيت الله الحرام فقال _جل وعلى_: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ..." سورة العنكبوت : 67 فلقد أمنهم الله _جل وعلى_ ولذا أمتن عليهم بنعمة الشبع بعد الجوع في هذه الآية "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" . سورة قريش: 3-4 , والآن... كنت منذ سنوات قليلة لا أتصور أن أحداً يموت من الجوع حتى فجاءتنا وكالات الأنباء وفضائيات الأخبار بأنه يوجد الآن على ظهر الأرض ما يزيد على مليار جائع حرموا من نعمة الأمن وحرموا من نعمة الشبع فوالله الذي لا إله غيره من انعم الله _عز وجل_ عليه بقوت يومه وبنعمة الصحة وبنعمة العافية وبنعمة الأمن لقد أنعم عليه بأجل النعم بعد نعمة الإسلام ولله در القائل:
و ومما زادني فـخرا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن سيرت أحـمد لي نبيا
اسمع وتدبر ماذا قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمناً في سربه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ". في سربه: أي في نفسه وأهله وماله. , هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يا من تتقلب الآن في النعم ومع ذلك لا تشكر المنعم _جل وعلى_... والله أننا نتقلب في النعيم... والله لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً كما في صحيح مسلم فمر على أبي بكر وعمر انتبه معي أيها الحبيب اللبيب! فقال لهما سيدنا رسول الله ما الذي أخرجكم؟ فقالا: والله ما أخرجنا إلا الجوع يا رسول الله... _يا من تلقي كل يوم في سلة القمامة ما تلقي يا من تتقلبون في النعيم وإخواننا وأخواتنا لا يجدون ورب الكعبة لقمة الخبز_ فقال بأمي وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الذي أخرجكما الحقا بي" فتبع الصديق والفاروق رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب النبي إلى بيت من الأنصار الأطهار الأبرار الخيار وقد صرحت رواية الترمذي باسمه إنه أبو الهيثم أبو التيهان رضي الله عنه, وكان أبو الهيثم خارج المنزل ذهب ليستعذب الماء لأهله, فلما علمت زوجه المباركة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على باب داره مع صاحبيه الجليلين الخيرين الكريمين, قالت المرأة التقية النقية الوفية: مرحباً وأهلاً, فقال لها صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: قالت ذهب يستعذب لنا الماء يا رسول الله, وإذ بهذا الأنصاري يأتي فلما رأى النبي وصاحبيه قال: الحمد لله... الحمد لله... ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني ثم قدم لهم عذقاً فيه بصر وتمر ورطب وقال: كلوا, ثم أخذ المدية _أي السكين_ وذهب ليذبح لهم شاتاً _هذا هو الكرم_ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب" _يعني لا تذبح الحلوب_ فذبح أبو الهيثم شاتاً بعدما قدم عذقاً _أي غصناً من جريد النخيل_ فيه بصر وتمر ورطب وجاء بالشاة وقدم الماء, فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التمر واللحم وشربوا الماء البارد الذي استعذبه هذا الأنصاري المبارك, ولما شبعوا ورووا _أي أمتلؤا بالري والشبع_ نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "والذي نفسي بيده لتسئلن يوم القيامة عن هذا النعيم خرجتم من بيوتكم ما أخرجكم إلا الجوع حتى رزقكم الله _جل وعلى_ فأكلتم وشربتم" ,أي نعمة نحن فيها والله الذي لا إله غيره مجرد جلوسك بين يدي توحد الله _جل وعلى_ وتشهد أن محمداً رسول الله نعمة من أجل النعم لو خرجت لتضع أنفك على الرمل أو على التراب شكراً للملك الوهاب على هذه النعمة ما وفيت الله _جل وعلى_ شكر هذه النعمة الواحدة فما ظنك بنعم الله التي تتوالى عليك تترا, أنت اليوم دخلت إلى الخلاء _أعزك الله_ على قدميك وطهرت نفسك بيديك بخن.. بخن.. يا لها من نعمة منسية غفل عن شكرها كثير من الناس. , يتصل بي رجل من أهل الفضل في مدينة القاهرة قال: يا شيخ محمد, قلت: نعم, قال: والله لنا رجل فاضل من أهل الخير ومن أهل الفضل وهو في فراش المرض يريد أن يراك قلت أذهب له على عيني وذهبت إلى الرجل, هذا الرجل يا إخواني رزق بولد وبنت سافر ولده إلى الكويت وتزوجت ابنته برجل لا خلاق له وفي طريق عودته من الإسكندرية إلى القاهرة انقلبت به السيارة فماتت زوجته وأصيب هذا الرجل بشلل كلي لا يتحرك فيه إلا رأسه, يسمع ويرى ويتكلم لكن شلت كل أعضائه ونجا الله سائقه الخاص لم يصب بأي أذى فذهبت إلى زيارته في بيته ودخلت عليه حجرة نومه فنظر إلى السرير الآخر وقال لي: يا شيخ محمد أنا أملك طائلاً.. نقدا أكثر من ستمائة مليون دولار وأشار إلى سرير بجواره وقال: هذا السرير للسائق, ويخبرني أنه يستيقظ في منتصف الليل يتمنى أن يحك ظهره _بلغتنا في مصر أهرش_ وأستحي أن أوقظ السائق وهو بجانبي من الفجر فيقول لي: أبكي وأتألم غاية الألم وأقول: يا سلام من يأخذ الستمائة مليون دولار التي في البنك ويرجع لي يد واحدة أحك _أهرش_ بها المكان الذي أريده, ثم ابتسم لي وقال:تصدق يا شيخ محمد إن حكة واحدة تساوي ستمائة مليون دولار, أنت في غفلة عن النعم, والله أنت في غفلة..., أنا ذهبت لأزور إخواننا وأخواتنا في مستشفى الأمراض العقلية,ذهبت بنفسي, وقدر الله وأدخلونا إلى قسم للنساء وكان أول قسم أدخله, وجاءت فتاه يا أخواني من أجمل ما خلق ربك علمت أنها من أسرة مرموقة, وتخرجت من كلية الطب إلى مستشفى الأمراض العقلية, جاءت هذه الفتاة وأخذت المنديل من على رأسي ووضعتها على رأسها ثم أرجعتها على رأسي مرة أخرى ثم ألقته على الأرض ثم ضحكت بطريقة هستيرية ثم بكت بعدها بلحظات ثم وقفت أمامنا لتخلع ملابسها كما ولدتها أمها... فخرجت مسرعاً أبكي وأبكي وأبكي وأنا أقول لإخواني الذين معي أشهد الله ثم أشهدكم أنني ما شكرت الله على نعمة العقل قبل هذه اللحظة... , من فينا شكر الله على نعمة العقل ... أن تعقل الأشياء من حولك... نعم عظيمة... فإن جاء الابتلاء بشيء من هذه النعم... بشيء من الخوف وقد من الله علينا بنعمة الأمان... بشيء من الجوع وقدمن الله علينا بنعم وفيرة... بنعم كثيرة... بشيء من نقص الأموال ولطالما رزقنا الله الأموال... أعلم كثيراً قد خسروا أموالهم في البورصة مثلاً... فأصيبوا بأزمة قلبية فقدوا فيها حياتهم وفقدوا فيها عقولهم وأصيب منهم من أصيب بأمراض كثيرة لا زالت تحبسه الآن في فراش المرض... إن ابتليت بنقص في الأمن وقد من الله عليك بالأمن سنوات عددا... ابتليت بنقص في الطعام أو في الشراب وقد من الله عليك بنعمة الصحة أو بنعمة الطعام والشراب سنين طويلة... ابتلاك الله بنقص في مالك... خسرت في تجارة, خسرت في صفقة ما... فلا تيأس ولا تقنط ولا تنقص على عقبيك ولا تتهم الله _جل وعلى_ في قضاءه وكن على يقين أن تقدير الله لك هو الخير و والله لو علمت الغيب لاخترت ما أختاره لك ربك ومولاك _سبحانه وتعالى_ فقد يرى العبد قدراً من الأقدار من منظوره أن هذا القدر شر محض, ولا يوجد شر محض أبدا بل فيه من الخير ما فيه ولقد ذكرت لإخوانكم في الأمس في حادثة الإفك أن الله _جل وعلى_ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: " لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ..." سورة النور : 11 , وقد يستعجب الكثيرون وأين الخير؟ في محنة أصيب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه ورميت فيها أم المؤمنين الطاهرة في شرفها ورمي فيها الصديق في شرفه وبيته ورمي فيها صفوان بن المعطل السلمي في عقيدته بل ورمي فيها المجتمع المسلم كله حين ترمى أمهم أم المؤمنين الحصان الرزان بهذه التهمة النكراء, قلت الله _عز وجل_ قال فيها" بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" سورة النور : 11 , فيها من الخير مالا تعلمون أنتم يعلمه الله جل وعلى الذي قدر وابتلى سبحانه وتعالى, لو لم يكن فيها من الخير أن الله _جل وعلى_ أراد أن يثبت للأمة أن نبينا صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لكفى, لو لم يكن فيها من الخير أن الله _جل وعلى_ أراد أن يبرئ أم المؤمنين عائشة وأن يظهر مكانتها عند الله لكفى, لو لم يكن فيها من الخير أن الله _جل وعلى_ أراد أن يظهر المنافقين المندسين في الصف المسلم لكفى, إلى غير ذلك " لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ " سورة النور : 11 ,قال الله تعالى: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " سورة البقرة: 155 لقد ابتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل هذه الأنواع من الابتلاءات, ابتلي بالخوف _بأبي وأمي وقلبي وروحي_, ابتلي بالجوع, ابتلي بنقص المال حتى أكل ورق الشجر مع أصحابه, ابتلي بموت أحبابه بموت خديجة بموت أولاده بموت كل بنيه في حياته إلا الزهراء, وابتلي بقص الثمرات, ابتلي بكل أنواع الابتلاءات. , لأن بعض الناس يتصور أن المؤمن لا يبتلى, كيف يبتلى أهل الدين؟ بل لا يبتلى إلا أهل الإيمان, سُأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث سعد ابن أبي وقاص, " يا رسول الله أي الناس أشد بلاءاً؟ قال: "الأنبياء" " , الله أكبر! لم يقل الكافرون لم يقل المنافقون لم يقل المذنبون وإنما الأنبياء ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء وإن كان في دينه رقه ابتلي على حسب دينه وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة".
فالابتلاء يا أحبابي له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: التمحيص
قال الله تعالى: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " سورة العنكبوت: 2 فهذه المرتبة الأولى من مراتب الابتلاء أن تمحص أن تختبر أن تبتلى هل ستثبت على طريق الله_جل وعلى_ أم ستنقص على عقبيك وتتخلى عن الطريق فإن ثبت ووقعت المرتبة الثانية من مراتب الابتلاء ألا وهي مرتبة التطهير إن ثبت وصبرت رقيت إلى المرتبة الثانية وهي:
المرتبة الثانية: التطهير
روى مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا حزن ولا أذى, حتى الشوكة التي يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"وفي رواية البخاري من حديث أبن مسعود" دخل ابن مسعود على النبي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوعك يرتجف من الحمى _بأبي وأمي_ فقال له عبد الله بن مسعود: يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجل يا عبد الله إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم", فقال بن مسعود: ذلك وإن لك لأجرين يا رسول الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أجل يا عبد الله ... " إلى آخر الحديث, فمرتبة التمحيص إن ثبت تنتقل إلى مرتبة التطهير.
خطبة الجمعة للشيخ محمد حسان
في مدينة العريش مصر
بتاريخ21ذو القعدة 1431هـ
الموافق29 /10/2010
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله." يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " سورة آل عمران : 12 , وقال تعالى "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيـراً ونساءً واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً" سورة النساء : 1وقال تعالى "يا أيها الناس آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً" سورة الأحزاب : 7-71 , أما بعد:, فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. ,حياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء وأيها الأخوة الأحباب الكرام الأعزاء حيا الله أهل سيناء أهل البطولة والرجولة أهل المروءة والكرم أهل الشرف طبتم وطاب سعيكم وممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلا وأسأل الله الحليم الكريم الذي جمعنا بحضراتكم في هذه الأرض الطيبة المباركة على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ودار مقامته إنه ولي ذلك ومولاه. , أحبتي في الله , الدنيا دار ابتلاء وبوتقة اختبار ولذا أخبرنا العزيز الغفار أننا سنبتلى في هذه الدار فقال _جل وعلى_:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ* أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ" سورة البقرة: 155 - 157, يظن كثير من الناس أن الإيمان... كصائب نكص على عقبيه وتخلى عن الطريق لأنه يتوهم أن الطريق إلى الله جل وعلى مفروش بالورد والزهور والرياح ويظن أن الإيمان كلمة يرددها لسانه فحسب كلا ..كلا.. الإيمان قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان, الإيمان أمانة ثقيلة ذات أعباء كبيرة فلا ينبغي أن يتوهم أو يتصور مسلم أو مسلمة أنه سيردد كلمة الإيمان ويُشهد الله _جل وعلى_ على ما في قلبه ثم لا يتعرض للمحن والفتن والابتلاءات بل لا بد من الابتلاء ولا بد من المحن والمصائب لأنها تصفي الصف وتميز المؤمنين الصادقين من المنافقين الخبثاء الذين يندسون في صفوف المؤمنين يرفعون معهم الراية ويهتفون معهم حين يحققون الأرباح والمكاسب يقول جل وعلى: "الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " سورة العنكبوت: 1 – 3 , وقد يسأل الآن سائل ويقول: وهل لا يعلم الله ربنا _جل وعلى_ المؤمنين الصادقين من المنافقين الكاذبين إلا بعد المحن والابتلاء؟ والجواب كلا.. كلا.. الله _جل وعلى_ يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون بل وما لم يكن لو قدر له _جل وعلى_ أن يكون لعلم كيف يكون قال الله تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ " سورة الأنعام: 59 , ولكن الله _جل وعلى_ يبتلى أهل الإيمان لماذا؟ ليختبر المؤمن إيمانه أمام نفسه فقد أظن أنني حققت الإيمان في وقت الدعة والرخاء وأتصور أنني قد بلغت منتهى الإيمان فإذا جاءت الفتنة وجاءت المحنة ووقع البلاء انكشفت حقيقة إيماني أمام نفسي أعرف قدر إيماني وأعرف قدر توكلي وأعرف قدر يقيني وثقتي بربي _جل وعلى_ فلإيمان حين تعرض الفتن على أهله يكتشف أهل الإيمان حقيقة إيمانهم وحقيقة ثباتهم على المحن والفتن والابتلاءات ثم يُظهر هذا الابتلاء المنافقين للصف المؤمن لأن عدوك الظاهر أنت تعرفه أما المنافق فهو مندس في الصف يرفع الراية معك وربما يحضر معك الجماعات وربما يشهد معك الأفراح والأتراح لكنه عدو لدود خطير فتأتي المحن والفتن والابتلاءات لتميز المؤمنين الصادقين من الخبثاء المنافين قال الله تعالى: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ " سورة العنكبوت: 2 -3 ليحاسب الله العباد بما يصدر عنهم من أقوال وأفعال لا بمقتضى سابق علمه فيهم وهذا تمام العدل منه _جل وعلى_ قال الله سبحانه:" أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ " سورة البقرة: 214 وقال _جل وعلى_: " أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ " سورة آل عمران: 142 فلا ينبغي أن تتوهم أو تتصور أيها الحبيب الكريم أن سيرك على درب نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد _صلوات الله عليهم أجمعين_ ستمشي فيه على الورد والزهور كلا.. بل هو طريق طويل حافل بالعقبات والأشواك محفوف بالمحن والابتلاءات ولا بد أن توطن نفسك على هذه المحن وعلى هذه الابتلاءات بالإيمان بالله _جل وعلى_ وبالصبر على بلاءه _تبارك وتعالى_ وبالإيمان بأقداره كلها خيرها وشرها فالإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان بالله لا يصح إيماننا إلا إن حققنا هذا الركن مع سائر أركان الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره بل لو أنفقت مثل أحد ذهباً في سبيل الله دون أن تحقق الإيمان بالقدر خيره وشره لا يقبل الله_جل وعلى_ منك هذه النفقة., روى مسلم في صحيحه قال: " حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب. حدثنا وكيع، عن كهمس، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر؛ قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني. فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر. فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد. فاكتنفته أنا وصاحبي. أحدنا عن يمينه والأخر عن شماله. فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي. فقلت: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم. وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر. وأن الأمر أنف. قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما_وهذا محل الشاهد_ : فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم برآء مني. والذي يحلف به عبد الله بن عمر! لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه، ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر..." ,نعم أيها الأفاضل الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان بالله _جل وعلى_ إذن لا بد من أن توطن نفسك على الابتلاءات لأن الله _تبارك وتعالى_ أخبرنا قبل أن تقع بنا المحن والابتلاءات قال _جل وتعالى_: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " سورة البقرة: 155, وانظروا إلى هذا التعداد وإلى هذه الأنواع من أنواع الابتلاءات. ,ما معنى الابتلاء؟ الابتلاء لغة هو الاختبار والامتحان. ,حبيبي في الله هنا أنت هنا في بوتقة امتحان في بوتقة اختبار في دار ابتلاء, أنت في دار الدنيا في دار ابتلاء قال تعالى: " تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... " سورة الملك: 1-2 , ولم يقل الله _جل وعلى_ أيكم أكثر عملاً بل أيكم أحسن عملاً وأحسن العمل أخلصه وأصوبه ما كان لله _جل وعلى_ على سنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال الله تعالى:" اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ" سورة الحديد: 20_والمراد بالكفار هنا هم الزّراع الفلاحون_ , فالابتلاء معناه الاختبار والامتحان ولنبونكم أي ولنمتحننكم أي ولنختبركم, بماذا يا رب؟ بشيء من الخوف والجوع ما أرحمه! وما أكرمه! تدبر القرآن فالقرآن كنز معان ونهر حقائق تدبر قول الله ولنبونكم بشيء ولم يقل ولنبونكم بالخوف والجوع الى آخر الآية... إنما قال بشيء من الخوف والجوع أي بشيء قليل من الخوف وأنا أعجب لماذا قدم الله الخوف على الجوع وعلى الابتلاء بنقص الأنفس والأموال والثمرات؟ لأن الخائف لا يشعر بلذة لطعام ولا يشعر بلذة لشراب ولا يشعر بلذة لصحة وعافية ,الخوف لغة واصطلاحاً حالة من الذعر والرعب تصيب النفس وتصيب الإنسان بحالة من القلق والاضطراب تشل فكره فضلاً عن شلل حركته لذا قدم الله الخوف على الابتلاء بغيره من أنواع الابتلاءات تصور أنني الآن أتيت برجل جائع جداً يشتاق إلى ألوان الطعام ووضعت له مائدة طويلة ووضعت عليها كل ألوان الطعام والشراب, ثم قلت له: هيا تفضل كل هذا الطعام كله ولكن أعلم يقيناً أنه بعد أن تصل من أول هذه المائدة إلى آخرها سترى هذا الرجل ينتظرك ليقطع رقبتك أسألكم بالله هل سيأكل شيئاً؟ هل سيشعر بنعيم؟ هل سيشعر بسعادة؟ لا... لا يشعر الخائف بأي لون آخر من ألوان النعم لذا أقول أن نعمة الأمن أيها الأفاضل من أجل نعم الله علينا أسأل الله ألا يحرمني وإياكم نعمة المن والآمان وألا يحرم بلادنا وبلاد المسلمين جميعا نعمة الأمن والآمان, والله الذي لا إله إلا غيره أبكي بدمع العين بعد بكاء قلبي وأنا أرى حال إخواني وأخواتي الذين سلبوا نعمة الأمن في فلسطين أو في العراق أو في السودان أو في الصومال وأتضرع إلى الله _جل وعلى_ ألا يحرمهم هذه النعمة العظيمة الجليلة التي ربما لا نعرف قدرها أسأل الله ألا يحرمنا وبلادنا منها إنه وليذلك والقادر عليه, لذا يمتن ربنا _جل وعلى_ علينا بنعمة الأمن كما أمتن بها على القرشيين فقال _جل وعلى_: " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" سورة قريش: 3-4وقدم الجوع هنا على الآمن لأنهم كانوا يشعرون بأمن في جوار بيت الله الحرام فقال _جل وعلى_: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً ..." سورة العنكبوت : 67 فلقد أمنهم الله _جل وعلى_ ولذا أمتن عليهم بنعمة الشبع بعد الجوع في هذه الآية "فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ" . سورة قريش: 3-4 , والآن... كنت منذ سنوات قليلة لا أتصور أن أحداً يموت من الجوع حتى فجاءتنا وكالات الأنباء وفضائيات الأخبار بأنه يوجد الآن على ظهر الأرض ما يزيد على مليار جائع حرموا من نعمة الأمن وحرموا من نعمة الشبع فوالله الذي لا إله غيره من انعم الله _عز وجل_ عليه بقوت يومه وبنعمة الصحة وبنعمة العافية وبنعمة الأمن لقد أنعم عليه بأجل النعم بعد نعمة الإسلام ولله در القائل:
و ومما زادني فـخرا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن سيرت أحـمد لي نبيا
اسمع وتدبر ماذا قال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمناً في سربه معافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ". في سربه: أي في نفسه وأهله وماله. , هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يا من تتقلب الآن في النعم ومع ذلك لا تشكر المنعم _جل وعلى_... والله أننا نتقلب في النعيم... والله لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً كما في صحيح مسلم فمر على أبي بكر وعمر انتبه معي أيها الحبيب اللبيب! فقال لهما سيدنا رسول الله ما الذي أخرجكم؟ فقالا: والله ما أخرجنا إلا الجوع يا رسول الله... _يا من تلقي كل يوم في سلة القمامة ما تلقي يا من تتقلبون في النعيم وإخواننا وأخواتنا لا يجدون ورب الكعبة لقمة الخبز_ فقال بأمي وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الذي أخرجكما الحقا بي" فتبع الصديق والفاروق رضي الله عنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب النبي إلى بيت من الأنصار الأطهار الأبرار الخيار وقد صرحت رواية الترمذي باسمه إنه أبو الهيثم أبو التيهان رضي الله عنه, وكان أبو الهيثم خارج المنزل ذهب ليستعذب الماء لأهله, فلما علمت زوجه المباركة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على باب داره مع صاحبيه الجليلين الخيرين الكريمين, قالت المرأة التقية النقية الوفية: مرحباً وأهلاً, فقال لها صلى الله عليه وسلم: أين فلان؟ قالت: قالت ذهب يستعذب لنا الماء يا رسول الله, وإذ بهذا الأنصاري يأتي فلما رأى النبي وصاحبيه قال: الحمد لله... الحمد لله... ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني ثم قدم لهم عذقاً فيه بصر وتمر ورطب وقال: كلوا, ثم أخذ المدية _أي السكين_ وذهب ليذبح لهم شاتاً _هذا هو الكرم_ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إياك والحلوب" _يعني لا تذبح الحلوب_ فذبح أبو الهيثم شاتاً بعدما قدم عذقاً _أي غصناً من جريد النخيل_ فيه بصر وتمر ورطب وجاء بالشاة وقدم الماء, فأكل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التمر واللحم وشربوا الماء البارد الذي استعذبه هذا الأنصاري المبارك, ولما شبعوا ورووا _أي أمتلؤا بالري والشبع_ نظر إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: "والذي نفسي بيده لتسئلن يوم القيامة عن هذا النعيم خرجتم من بيوتكم ما أخرجكم إلا الجوع حتى رزقكم الله _جل وعلى_ فأكلتم وشربتم" ,أي نعمة نحن فيها والله الذي لا إله غيره مجرد جلوسك بين يدي توحد الله _جل وعلى_ وتشهد أن محمداً رسول الله نعمة من أجل النعم لو خرجت لتضع أنفك على الرمل أو على التراب شكراً للملك الوهاب على هذه النعمة ما وفيت الله _جل وعلى_ شكر هذه النعمة الواحدة فما ظنك بنعم الله التي تتوالى عليك تترا, أنت اليوم دخلت إلى الخلاء _أعزك الله_ على قدميك وطهرت نفسك بيديك بخن.. بخن.. يا لها من نعمة منسية غفل عن شكرها كثير من الناس. , يتصل بي رجل من أهل الفضل في مدينة القاهرة قال: يا شيخ محمد, قلت: نعم, قال: والله لنا رجل فاضل من أهل الخير ومن أهل الفضل وهو في فراش المرض يريد أن يراك قلت أذهب له على عيني وذهبت إلى الرجل, هذا الرجل يا إخواني رزق بولد وبنت سافر ولده إلى الكويت وتزوجت ابنته برجل لا خلاق له وفي طريق عودته من الإسكندرية إلى القاهرة انقلبت به السيارة فماتت زوجته وأصيب هذا الرجل بشلل كلي لا يتحرك فيه إلا رأسه, يسمع ويرى ويتكلم لكن شلت كل أعضائه ونجا الله سائقه الخاص لم يصب بأي أذى فذهبت إلى زيارته في بيته ودخلت عليه حجرة نومه فنظر إلى السرير الآخر وقال لي: يا شيخ محمد أنا أملك طائلاً.. نقدا أكثر من ستمائة مليون دولار وأشار إلى سرير بجواره وقال: هذا السرير للسائق, ويخبرني أنه يستيقظ في منتصف الليل يتمنى أن يحك ظهره _بلغتنا في مصر أهرش_ وأستحي أن أوقظ السائق وهو بجانبي من الفجر فيقول لي: أبكي وأتألم غاية الألم وأقول: يا سلام من يأخذ الستمائة مليون دولار التي في البنك ويرجع لي يد واحدة أحك _أهرش_ بها المكان الذي أريده, ثم ابتسم لي وقال:تصدق يا شيخ محمد إن حكة واحدة تساوي ستمائة مليون دولار, أنت في غفلة عن النعم, والله أنت في غفلة..., أنا ذهبت لأزور إخواننا وأخواتنا في مستشفى الأمراض العقلية,ذهبت بنفسي, وقدر الله وأدخلونا إلى قسم للنساء وكان أول قسم أدخله, وجاءت فتاه يا أخواني من أجمل ما خلق ربك علمت أنها من أسرة مرموقة, وتخرجت من كلية الطب إلى مستشفى الأمراض العقلية, جاءت هذه الفتاة وأخذت المنديل من على رأسي ووضعتها على رأسها ثم أرجعتها على رأسي مرة أخرى ثم ألقته على الأرض ثم ضحكت بطريقة هستيرية ثم بكت بعدها بلحظات ثم وقفت أمامنا لتخلع ملابسها كما ولدتها أمها... فخرجت مسرعاً أبكي وأبكي وأبكي وأنا أقول لإخواني الذين معي أشهد الله ثم أشهدكم أنني ما شكرت الله على نعمة العقل قبل هذه اللحظة... , من فينا شكر الله على نعمة العقل ... أن تعقل الأشياء من حولك... نعم عظيمة... فإن جاء الابتلاء بشيء من هذه النعم... بشيء من الخوف وقد من الله علينا بنعمة الأمان... بشيء من الجوع وقدمن الله علينا بنعم وفيرة... بنعم كثيرة... بشيء من نقص الأموال ولطالما رزقنا الله الأموال... أعلم كثيراً قد خسروا أموالهم في البورصة مثلاً... فأصيبوا بأزمة قلبية فقدوا فيها حياتهم وفقدوا فيها عقولهم وأصيب منهم من أصيب بأمراض كثيرة لا زالت تحبسه الآن في فراش المرض... إن ابتليت بنقص في الأمن وقد من الله عليك بالأمن سنوات عددا... ابتليت بنقص في الطعام أو في الشراب وقد من الله عليك بنعمة الصحة أو بنعمة الطعام والشراب سنين طويلة... ابتلاك الله بنقص في مالك... خسرت في تجارة, خسرت في صفقة ما... فلا تيأس ولا تقنط ولا تنقص على عقبيك ولا تتهم الله _جل وعلى_ في قضاءه وكن على يقين أن تقدير الله لك هو الخير و والله لو علمت الغيب لاخترت ما أختاره لك ربك ومولاك _سبحانه وتعالى_ فقد يرى العبد قدراً من الأقدار من منظوره أن هذا القدر شر محض, ولا يوجد شر محض أبدا بل فيه من الخير ما فيه ولقد ذكرت لإخوانكم في الأمس في حادثة الإفك أن الله _جل وعلى_ قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: " لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ..." سورة النور : 11 , وقد يستعجب الكثيرون وأين الخير؟ في محنة أصيب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه ورميت فيها أم المؤمنين الطاهرة في شرفها ورمي فيها الصديق في شرفه وبيته ورمي فيها صفوان بن المعطل السلمي في عقيدته بل ورمي فيها المجتمع المسلم كله حين ترمى أمهم أم المؤمنين الحصان الرزان بهذه التهمة النكراء, قلت الله _عز وجل_ قال فيها" بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ" سورة النور : 11 , فيها من الخير مالا تعلمون أنتم يعلمه الله جل وعلى الذي قدر وابتلى سبحانه وتعالى, لو لم يكن فيها من الخير أن الله _جل وعلى_ أراد أن يثبت للأمة أن نبينا صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب لكفى, لو لم يكن فيها من الخير أن الله _جل وعلى_ أراد أن يبرئ أم المؤمنين عائشة وأن يظهر مكانتها عند الله لكفى, لو لم يكن فيها من الخير أن الله _جل وعلى_ أراد أن يظهر المنافقين المندسين في الصف المسلم لكفى, إلى غير ذلك " لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ " سورة النور : 11 ,قال الله تعالى: " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ " سورة البقرة: 155 لقد ابتلي رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل هذه الأنواع من الابتلاءات, ابتلي بالخوف _بأبي وأمي وقلبي وروحي_, ابتلي بالجوع, ابتلي بنقص المال حتى أكل ورق الشجر مع أصحابه, ابتلي بموت أحبابه بموت خديجة بموت أولاده بموت كل بنيه في حياته إلا الزهراء, وابتلي بقص الثمرات, ابتلي بكل أنواع الابتلاءات. , لأن بعض الناس يتصور أن المؤمن لا يبتلى, كيف يبتلى أهل الدين؟ بل لا يبتلى إلا أهل الإيمان, سُأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي بسند صحيح من حديث سعد ابن أبي وقاص, " يا رسول الله أي الناس أشد بلاءاً؟ قال: "الأنبياء" " , الله أكبر! لم يقل الكافرون لم يقل المنافقون لم يقل المذنبون وإنما الأنبياء ثم قال صلى الله عليه وسلم: "ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة زيد له في البلاء وإن كان في دينه رقه ابتلي على حسب دينه وما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة".
فالابتلاء يا أحبابي له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: التمحيص
قال الله تعالى: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " سورة العنكبوت: 2 فهذه المرتبة الأولى من مراتب الابتلاء أن تمحص أن تختبر أن تبتلى هل ستثبت على طريق الله_جل وعلى_ أم ستنقص على عقبيك وتتخلى عن الطريق فإن ثبت ووقعت المرتبة الثانية من مراتب الابتلاء ألا وهي مرتبة التطهير إن ثبت وصبرت رقيت إلى المرتبة الثانية وهي:
المرتبة الثانية: التطهير
روى مسلم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما يصيب المسلم من هم ولا غم ولا حزن ولا أذى, حتى الشوكة التي يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه"وفي رواية البخاري من حديث أبن مسعود" دخل ابن مسعود على النبي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوعك يرتجف من الحمى _بأبي وأمي_ فقال له عبد الله بن مسعود: يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديدا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجل يا عبد الله إني لأوعك كما يوعك الرجلان منكم", فقال بن مسعود: ذلك وإن لك لأجرين يا رسول الله, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أجل يا عبد الله ... " إلى آخر الحديث, فمرتبة التمحيص إن ثبت تنتقل إلى مرتبة التطهير.
تعليق