الحمد لله الحليم الكريم غافر الذنب الجسيم وواهب الأجر العظيم الحمد لله إحسانه قديم ، وفضله عميم .
أشهد أن لا إله هو الرب الرحيم ، وهو بكل شيء عليم ، وأصلى وأسلم على المبعوث بالهدى والذكر الحكيم نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين .
أحبتي :
يقول الله عز وجل " وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ... " (الحج - 27:28)
إنه الحج دعنا إليه الخليل إبراهيم ـ عليه السلام ـ ، وجدد هذه الدعوة محمد صلى الله عليه وسلم .
أورد الإمامان ابن جرير الطبري و ابن أبي حاتم آثارا ً عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعدد ٍمن السلف في تفسير آية الحج المتقدمة أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قال : يارب ، وكيف أبلغ وصوتي لا ينفذهم ؟ فقال ناد وعلينا البلاغ ، فقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ على مقامه ، وقيل على الحجر ، وقيل على الصفا ، وقيل على جبل أبي قبيس ، وقال يا أيها الناس إن ربكم قد اتخذ بيتا ً فحجوه .
فيا لله من جموع حجت بيت الله منذ ذلك النداء إلي يومنا هذا ، إن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد نادى أما كيف وصل النداء فربك هو خالق الكون ، ومدبر أمره إنه أمر الله ناد وعلينا البلاغ .
ثم انظر ـ رحمك الله ـ إلى مشهد ٍ آخر رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ ، وهو يصف حجة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال جابر : ( ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء فنظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماش ، وعن يمينه مثل ذلك ، وعن يساره مثل ذلك ، ومن خلفه مثل ذلك 000 ) .
الله أكبر إنها الجموع الغفيرة تحج مع المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقد حج معه مائة ألف إنها مكة أم القرى كم وكم لها من محب ؟ .
ثم أعد البصر إلى زماننا كم يحج بيت الله في كل عام ؟ .
لكن اسمح لي إن هذا العدد الذي يقدر بالملايين هم جزء يسير إلى ملايين أخرى عبر بقاع العالم تمني نفسها بحج بيت الله الحرام .
ألم تعلموا ـ أدام الله عليكم نعمه وفضله ـ أن هناك من المسلمين عبر بقاع الأرض أناسا ً من الناس يجمعون الدرهم إلى الدرهم والدينار إلى الدينار ، وكل مناهم أن تكتحل أعينهم برؤية كعبة المسجد الحرام حتى إذا جاء الموسم وأذن المؤذن بالحج ، ولمَّا يكتمل الجمع بعد تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ً ألا يجدوا ما يبلغهم بيت الله وكعبة الله مع أنهم معذورون بل مأجورون من الله على نياتهم .
كيف وصل النداء عبر الأعصار والأمصار ؟ !
إنه أمر الله أن ناد وعلينا البلاغ .
، وإنهم وفد الله يتتابع فرادا وجماعات قد يممت وجوهها شطر بيت الله وعلقت قلوبها بالله .
يقول الإمام الصنعاني ـ رحمه الله ـ :
ومازال وفـد الله يقـصد مــــــكة * إلى أن يـرى البيت العتيق وركناه
يطــوف به الجاني فيغــفـر ذنبـه * ويسقـط عنه جـــرمه وخطـايـــاه
فمولى المـوالي للزيارة قـد دعى * أنقعـد عنها ؟ ! والمزور هو الله
نحـج لبيت حجه الرســل قبـلنــــا * لنشهد نفعا في الكتــاب وعـدنـاه
فيامن أسى يامن عصى لو رأيتنا * وأزارنا تـرمى ويرحمنـــــــا الله
نعم إنهم وفد الله وهم الموعودون بكرم الله روى ابن ماجة في سننه عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم .
، وعند الطبراني في الكبير والترمذي في سننه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة .
فبشراكم يا حجيج بيت الله وهنيئا ً لكم .
بشراكم إجابة الدعوة ، وهنيئا ً لكم سقوط الذنوب أما الفقر فقد أوغل في الهروب .
إنها الذنوب تغسل فلا يبقى للجسد بعدها من درن .
في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
أما إن فضل الله الواسع لم يقف عند حد الدنيا بل تعداها إلى الآخرة تأملوا ـ يا رعاكم الله ـ في هذا الحديث الذي رواه الشيخان من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم قال : الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة .
فيا لكرم الله جنة عرضها السماوات والأرض تنال بحجة مبرورة اللهم لا تحرمنا الجنة .
أحبتي :
عجبا ً لقاعدٍ بعد الذي ذكرنا لم يحركه فضل الله وكرم الله لحج بيت الله .
لكن الأمر أعجل من ذلك وملك الموت لا يطرق بابا ً ولا يهاب حجابا ً فإلى متى التهاون والتأخر عن فرائض الله .
إن كلا ً سيرحل عن هذه الدار لكن شتان بين من يخرج منها على طاعة مولاه وآخر قد اتبع هواه .
بخ ٍ بخ ٍ يوم يموت الإنسان على طاعة لله عز وجل .
جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلا ً وقصته دابته وهو محرم فمات فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : اغسلوه بماء وسدر ولا تمسوه بطيب ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا .
نعم لقد مات هذا الرجل وهو محرم ويبعث يوم القيامة ملبيا ً ، فهل تراه لو قعد كما قعدت أيحصل له نفس الفضل ؟
فهلا أعملت عقلك ؟ وأرضيت ربك ؟ ولبيت : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك لا شريك لك .
اللهم إنا نسألك حجا ً مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا .
اللهم سلم الحجاج والمعتمرين في برك وبحرك وجوك اللهم أعدهم إلى أهليهم سالمين غانمين .
لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك .
كتبها من يرجو عفو ربه /
تعليق