
تأملات في البناء الدعوي
عبد الله المحتسب/ صيد الفوائد
(( دعوة إلى الدعوة ... ))
دعوة إلى الدعوة إلى الله ... دعوة إلى الإحتساب ... دعوة إلى المبادرة والعمل في الأنشطة التطوعية ....
الدعوة إلى الله وظيفة الرسل صلوات الله وسلامه عليهم ... ((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ ... ))فصلت:33
كل الكلمات تسقط وتبقى كلمة الداعية .... وكل العبارات تهوي وتسمو كلمة الداعية .... كل كل الأقوال تتوقف وتستمر كلمة الداعية ...
فيا رجال ويا نساء إن أبواب الدعوة مفتحة فكونوا أول السالكين .... وإن حبالها مرخاة فكونوا أول الصاعدين ...
الدعوة إلى الله من أعظم مايتقرب به إلى الله ...يقول بن القيم رحمه الله (( مقام الدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد ))
وقال بن تيمية رحمه الله (( الدعوة إلى الله واجبة على من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم وهم أمته يدعون إلى الله كما دعا إلى الله وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة وهو ما يسميه العلماء فرض كفاية ...))
قال تعالى (( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ...))آل عمران:110
فمنزلة الدعوة إلى الله منزلة عظيمة حري على كل من له همة وسمو أن يسمو بنفسه
وروحه لنيل هذه الشامة العلية ...

(( تسخير الطاقات ))
قال الله عز وجل (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ))الذاريات:56 فالحكمة من وجودنا هو عبادة الله سبحانه وتعالى , وتحقيق هذه الحكمة والعمل بمقتضاها , وأن نسير سيراً صحيحاً على وسائلها وطرقها المؤدية إليها .
ومن هذه الوسائل الدعوة إلى الله جل في علاه , فعلينا أن نسخر طاقاتنا وجهودنا لتحقيق هذه الوسيلة التي بتحقيقها تحقيق للغاية التي من أجلها خلقنا.
أيها الإخوة ... إن لكل واحدٍ منا طاقة عظيمة وقوة لايستهان بها , فشتان بين من يسخرها لرضا الله عز وجل وبين من يسخرها في أنواع الظلم ... شتان بين من يسخرها في الخير والصلاح والدعوة إلى الله وبين من يسخرها في المعاصي والفجور والصد عن سبيل الله .
فوالله ما من عبدٍ سخّر جهده وبذل نفسه وضحى بحياته للدعوة إلى الله ولرضاه سبحانه وتعالى إلا قذف الله في قلبه نوراً وسعادةً وحبورا لايجد مثله ألبته .
لماذا أيها الإخوة ؟
لأنه آثر الله على كل من سواه , فهنيئاً لقوم وفقهم الله لذكره وشكره وحسن عبادته ...
فسخروا طاقاتكم وجهودكم وأموالكم وأفكاركم لله وللدعوة إلى الله .

(( هل نحن بحاجة إلى قدوات ؟ ))
إن الدعوة القائمة على ثوابت وركائز وأبنية قوية هذه التي تدوم , وأما الأخرى المتمثلة بالفوضوية هذه هي التي تجثو وتتوقف .
ساعدٌ مهم _ نشكو من الإفتقار إليه في هذه الآونة الأخيرة _ ألا وهو ذهاب القدوات .
أفردت هذه القضية بالحديث ... لإن تفسير وجود قدوة في أي عمل دليل نتاجها واستمراريتها ودوامها .
وهو من أقوى الدعائم للأعمال الدعوية (( وجود القدوة )) بكل مايحمله اسم القدوة من مسمى .
ولنعلم أن الدين الإسلامي قائم على أسس وأركان ... ولايقبل الله عمل عبدٍ حتى يكون عمله محيطاً بالتوجه الخالص لربه سبحانه وتعالى ومتبعاً وموافقاً لنهج النبي صلوات الله وسلامه عليه .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وأسوتنا (( لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ...))الأحزاب:21, نتأسى به في أقوالنا وفي أفعالنا وفي جميع أمورنا .
فالقدوة ركن هام لنجاح الأعمال الدعوية , هو الذي يصحح المسار إذا حاد ... ويقومه إذا اعوج ... وينظمه إذا اختلطت الأمور وتشعبت .
كنت مع أحد الإخوة المربين نتناقش بعض القضايا الدعوية فقال لي : يا أخي نحن بحاجة ماسة إلى قدوات .. يقول .. العاملين كُثُر ولكن أين القدوات ؟
فيا أخي هل أعددت نفسك لتكون قدوة ؟

(( كيف أكون قدوة ؟ ))
سؤالٌ وإن كان مكوّن من ثلاث كلمات إلا أنه يحوي معنىً كبير... يحمل في طياته الصفحات والصفحات ... وكما قلنا هذه ليست إلا تأملات ولن أكتفي إلا بإشارات ... وكما قيل اللبيب بالإشارة يفهم .
كيف أكون قدوة ؟
سؤالٌ وإن كان قليل في مبناه إلا أنه كبير في معناه ... وجوابه سهل ... ولكن بعد قراءتك لما أقول ... إياك أن تتفحص في ركاكة ألفاظي ... أو تتمعن في قبيح أسلوبي ... دعك من هذا ... ولكن أريدك أن تجلس مع نفسك وتعزم عزيمة صادقة على أن تعمل وتطبق ما سأذكره ... لالشيء إلا لكي تكون أمة في قومك ... وقدوة لبني جلدتك .
أولاً : توجه إلى الله بإعمالك وأقوالك واجعلها خالصة له سبحانه وتعالى .
ثانياً : اتبع هدي نبيك صلى الله عليه وسلم في أقواله وأعماله وآدابه .
ثالثاً : اجعل بينك وبين الله خبيئة تتقرب بها إليه جل جلاله .
رابعاً : احرص على تربية نفسك وتزكيتها . (1)
خامساً : اطلب العلم الشرعي فهو سفينة النجاة .
سادساً : كن حسن الخلق .
سابعاً : كن لبقاً في تعاملك مع الناس .
ثامناً : كن متواضعاً ( لين الجانب ) .
تاسعاً : شارك أو أسس أعمال خيرية ( دعوية أو علمية أو إغاثية ) .
عاشراً : كن رجلاً مبادراً أو إيجابياً .
وما ذكرته هنا هو قليل من كثير ... وقطرة من بحر ... عشرة نقاط كافية _ إن شاء
الله _أن توصلك إلى ما تصبو وتأمل ... فانزعها وضعها في ميدان عملك واجتهادك ...
فبعدها سترى الثمار اليانعة ... والبساتين النضرة ... وبعدها ستكون قدوة إن شاء
الله .

(( وللعاطفة ميزان ))
إن مما يزعزع الجُدُرالدعوية تلك العاطفة الباردة التي تنساب على بعض المسؤلين خاصة والعاملين .(2)
العاطفة إحساس داخلي وشعور بالميل لشيء أثر فيه .... هي مما تمدح .... ولابد أن ينمي الإنسان مخزونه العاطفي في تعامله مع الأمور ...ولكن للعاطفة ميزان وقدر لا تتعداه وخاصة في العمل الإسلامي .
إن العمل الإسلامي بحاجة إلى عقول مفكرة , العمل الإسلامي بحاجة إلى تأني وتعقل في إرسال الأوامر والنواهي , العمل الإسلامي بحاجة إلى حزم في المشاركة في الأعمال الدعوية .
فلا نغرق في بحر العاطفة ولا نخرج ونعتكف عند شواطئها ... وكما قيل (( كلا طرفي قصد الأمور ذميم )) , بل بين بين وما أجمل التوسط والاعتدال في الأمور .
ومن الخطأ عند عند بعض الأفراد العاملة في الدعوة أن يغلبوا عاطفتهم على المصالح الدعوية المثمرة ؛ فمثلاً تجد مسؤولاً وقد اتفق مع أهل الحل والعقد في أمر من الأمور الدعوية وبعد حينٍ إلا وترى ما قد اتُفق عليه قد سافر إلى بلاد الأحلام .
ما السبب في ذلك ؟ هو أن المسؤول بعد جلسة الشورى تلك ... ذهب إلى بيته وزاره أحد أصدقائه وشحنه وحمسه لعمل آخر .... فألغى ذانك المسؤول العمل الأول .... أو أنه راكم العمل الثاني بالأول فقلل من الإنتاج المرجو .. والله المستعان .
فالعاطفة لابد أن توزن وأن تكبح ... والعاقل من يعرف مداخل نفسه ومخارجها فيظبط كل بحسبه .... وهنا أذكّر بالقاعدة الفقهية المعروفة وهي عند تزاحم المصالح في العمل أنه ( يُرَجح خير الخيرين بتفويت أدناهما ... وقد يقدّم المفضول على الفاضل في مواطن ...ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع فتاواه )
أقول فلنضبط عواطفنا وحماسنا .... ولا تهيجنا بعض المواقف والأحداث فنتصرف بتصرفات هي عارية عن الصواب .
فلنعبىء أرصدتنا من العواطف ولكن لنجعلها في مكانها الصحيح العائد على أعمالنا الدعوية بالنجاح .

(( حقيبة الداعية ))
إن من نعم الله على عباده الصالحين العاملين أنِ اصطفاهم من بين خلقه ليذودوا عن حياض دينه ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة .
أولئك هم الرجال حقاً ... باعوا دنياهم لأجل دينهم فأكسبهم الله عزاً ومجداً وشرفا .
ولأنهم حافظوا على حقائبهم .... ففتح الله عليهم سبل الخيرات ...
أو تدرون ماهي الحقائب ؟ ..
أما عن حقيبة الداعية فهي مستودعه .. هي روحه .. هي زاده .. لا يستغني عنها .
منها الحسية والمعنوية ..
فأما الحقيبة المعنوية ... فهو أن يكون للداعية قلب رحب واسع ... يحب الخير ...
منافس على الطاعات ... غيور على دينه ... ينصح هذا ويوجه ذاك ... قد أشغل وقته
بما يعود عليه بالنفع والخير ..
أن يكون للداعية قلب مليء بزاد من التقى والعلم والهدى والحق ليدعوَ إلى الله
على بصيرة ...
أن يكون للداعية قلب شفاف يحترق على حال أمته ... فيبذل ... ويضحي ... لأجل
إعلاء كلمة الله .
هذه هي حقيبة الداعية وهي الأصل .
وهناك حقيبة حقيقية حسية يحملها الداعية معه للدعوة ولنشر الخير ..
أن تحتوي الحقيبة الدعوية على أشرطة وعظية ..ونشرات ومطويات وكتيبات ... وغيرها
مما تصلح للنشر والتوزيع .
وليس شرطاً أن تكون الآلة حقيبة ... لأن المقصد هو أن تكون الدعوة هم للإنسان وديدن له ..
لماذا؟
حتى نرقى بحال أمتنا الإسلامية ونعيدها إلى أن تتمسك بدينها ومن ثم تنال البشارة بالعز والشرف والسناء والمجد .
والحمد لله رب العالمين .
يتبع بإذن الله

تعليق