إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأسس المنهجية للتربية الدعوية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأسس المنهجية للتربية الدعوية






    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده
    سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين
    سيدنا محمد
    صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
    أما بعــــد..


    فقد قال الله تعالى:
    { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات 56

    وعبادة الله فى هذه الحياة الدنيا تستوجب علينا إدراك حقيقة أمور كثيرة، بداية من إدراك حقيقة الدنيا..
    قال تعالى:
    {
    اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ
    وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ
    } الحديد: 20


    فالكُلّ يدور فى فلكٍ واحدٍ والأعمالُ تَخُفّ أو تَثقُل بالميزان
    فهنيئاً لمن أخذ من دنياه زاداً وترك زُخرُفها الزائل الفان



    الدعوة إلى الله تعالى،
    العمــل الـدعـــويّ،
    الداعية الإسلاميّ


    هذه كلها مرادفات تدور حول معنى واحدا ألا وهو الدّعوة الإسلاميّة:
    أي
    نشر الإسلام وشهادة أنَّ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله، ومن يقوم بها هو الداعية الإسلاميّ.

    ومعني الدَّاعِيَةُ : الذي يدعو إلى دين أو فكرة ، والهاء للمبالغة و الدَّاعِيَةُ الدعوة. يقال : دعاه بداعية الإسلام
    (المعجم الوسيط)

    فالداعية إذن هو المؤهل القائم بترغيب الناس في الإسلام وحثّهم على التزامه بالوسائل المشروعة.


    قال ابن تيمية في تعريف الدعوة:
    والدعوة إلى الله هي الدعوة إلى الإيمان به وبما جاءت به رسله وبتصديقهم فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا.
    (مجموع فتاوى ابن تيمية (15/157)،

    وعرَّفها بعض المعاصرين بقوله: تبليغ الإسلام للناس وتعليمه إياهم وتطبيقه في واقع الحياة.
    (المدخل إلى علم الدعوة (ص/17)
    ،
    وأوجز الطبري القول وأبلغ في المعنى حين قال عن الدعوة: هي دعوة الناس إلى الإسلام بالقول والعمل.
    (تفسير الطبري (11/53).


    وفضل الدعاة
    ومنزلتهم عند الله ورد فى آيات عديدة منها قوله تعالى:
    { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ
    إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة 71


    فالدعاة هم خير هذه الأمة على الإطلاق، شرَّفهم الله عزَّ وجلَّ:
    ــــ بأنهم المفلحون فى قوله تعالى:
    { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران 104
    ــــ وبأن قولهم في مضمار أحسن الأقوال ، وكلامهم في التبليغ أفضل الكلام حيث قال تعالى:
    { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } فصلت 33
    وبشَّرهم النبى صلى الله عليه وسلم بأن أجرهم مستمر ومثوبتهم دائمة حيث قال:
    " من دعا إلى هُدًى كانَ لَهُ منَ الأجرِ مثلُ أجورِ من يتَّبعُهُ ، لا ينقُصُ ذلِكَ من أجورِهم شيئًا .... " رواه مسلم والترمذي وصححه الألباني

    فالدعوة إلى الله تعالى وإقامة الحق والعدل في هذا الكون واجب على كل مسلم، كما أن استشعار المسلم لفريضة الدعوة،
    يبعث في النفس الهمة للعمل والحرص على التنفيذ، وذلك يعني أنه لا تراخٍ في الفريضة ولا نكوص عن أداء الواجب.


    ومن هذا المنطلق ولعظم شأن العمل الدعويّ، فينبغى أن يقوم على أسس سليمة وقواعد راسخة تصل بالداعية إلى بلوغ غايته،
    ووضع الناس فى مقام المعرفة الحقَّه لربِّ العالمين، وفى مقام عبوديتهم الخالصة لمالك يوم الدِّين..
    بلَّغنا الله وإياكم أعلى مقامات المعرفة به سبحانه العزيز الرحمن، ورزقنا وإياكم حسن عبادته وطاعته سبحانه هو المستعان.


    وتبدأ هذه الأسس والقواعد ب
    البناء التربوي الدعوي..

    أنقل لكم أيها الكرام الأفاضل وبتصريف شديد هذه المحاضرة للشيخ علي بن عمر بادحدح يتناول فيها هذه الأسس، أدعو الله سبحانه أن ينفعنا وإياكم بما فيها:


    الأسس المنهجية للتربية الدعوية



    لاشك أننا ندرك أن الدعوة مهمة سامية، فضلها كبير، وأثرها عظيم، وبالتالي فلا يصح فيها التخبط والارتجال، بل يجب أن تُؤسَّس على أسس صحيحة واضحة،
    وعلى معالم منهجية راسخة.

    فالأسس الصحيحة الواضحة ينبغي أن لا تُغْفَل في مسيره الدعوة على مستوى الأفراد، وعلى مستوى الجماعات، والمؤسسات والهيئات، وعلى كل المستويات.
    والحق إن بعض هذه الأسس قد غاب أو يغيب بصورة أو بأخرى في بعض الممارسات الدعوية، ومن خلال هذا الغياب والخلل، وما يترتب عليه من آثار سلبية،
    أحببت أن أشير إلى هذه الأسس، وأن أوجز القول فيها مستعيناً بالله سبحانه وتعالى.



    الأساس الأول: الله والاسلام لا الذات ولا الهيئات



    لا بد في مسيرة الدعوة وفي كل مرحلة من مراحلها، أن يكون الهدف واضحاً، والغاية محددة، لأنهما أعظم أساس.
    إن الغاية من هذه الحياة كلها، ومن الدعوة أيضاً على وجه الخصوص، هو رضوان الله سبحانه وتعالى، وإن الهدف هو تحقيقه، وتحصيل المصلحة الإسلامية،
    التي تعود على الأمة الإسلامية بالنفع العاجل والآجل.

    فلا دعوةٌ للأشخاص، ولا غايةٌ مقصودةٌ للهيئاتِ أو الجمعيات...

    بمعنى أنه ينبغي أن لا تكون الغاية هي الدعوة للشخص، أو الارتباط به، أو التزكية للنهج، دون أن نربط بأن هذه كلها إنما هي مجرد وسائل، وأن الغاية التي نسعى إليها
    من وراء ذلك، أن نُحصِّل رضوان الله، وأن نُحقِّق أو نُحصِّل المصلحة الإسلامية.

    فالإخلاص لله عز وجل هو جوهر هذا الدين، وعندما نمارس العمل الدعوي فلا بد أن نربط القلب بالخلاق سبحانه وتعالى، ولا بد أن نربط المشاعر، والغايات، والمطامع، والمطامح بما عنده سبحانه من الأجر والمثوبة؛ لأن ذلك يساعد على التجرد من حظوظ الدنيا.

    والإخلاص هو: أن تقصد أنت -أيها المسلم- بقولك، وعملك، وجهادك كله وجه الله سبحانه وتعالى، وابتغاء مرضاته، وحسن مثوبته، من غير أن تنظر إلى مغنم،
    أو مظهر أو تلتفت إلى جاه ولقب، أو تفكر في تقدم أو تأخر.

    وحسبك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أطلق فيه تزكية رائعة، تشتاق إليها نفوس المؤمنين عندما قال:
    ( ...طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله -أي إن هدفه نصره هذا الدين- إن كان في المقدمة كان في المقدمة، وإن كان في الساقة كان في الساقة ...)صحيح الجامع
    أي لا يهمه تقدّم أوتأخر .. حسبه أنه جندي في سبيل الله .. حسبه أنه سبب من الأسباب التي تبذل نصره دين الله -عز وجل- وإعلاء رايته، ونشر كلمته.


    والإخلاص في الدعوة له آثار:

    1ـ أنَّ المخلص الذي يَمحَضُ النُّصحُ للآخرين لا يبتغي من ورائهم كسباً، ولا جاهاً، ولا شهرة:
    يُفتحُ له في قلوبهم، وتُكسرُ له المقاليد المُغلَقة، وتُفتح له الأبواب المُوصَدة، وتجد كلماته طريقها إلى القلوب، وتجد أفعاله تأثيرها في النفوس،وما ذلك كله إلا لأن هدفه وغايته واضحة.

    عندما يتحقق هذا المعنى يحصل التجرد الذي نطقت به ألسنة الرسل عليهم الصلاة والسلام :
    {
    وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ }[الشعراء/109]،
    ولذلك ينبغي أن نلتفت إلى هذا المعنى أعظم التفات.

    2ـ كما أنَّ المخلص بإخلاصه:
    ينعم بتفريج الكربات، والخروج من المشكلات والأزمات ، فالله سبحانه وتعالى قال: {
    هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ } يونس 22
    فمع كونهم لم يكونوا على صلة بالله عز وجل صحيحة، ولكن عندما ادلَهَمَّ الْخَطْبُ، وجاء الكرب، خَلُصَتْ قلوبهم لله، وصدقوا في توجههم لله، وارتبطوا بالغاية،وهي الاغتنام والحصول على رضوان الله، ففرَّج الله ما بهم.
    ونعلم حديث النفر الثلاثة الذين قصّ النبي صلى الله عليه وسلم قصتهم، لمَّا آواهم الغار ثم سدّت صخرة مخرج الغار عليهم، فسألوا الله عز وجلبأخلص أعمالهم،فكان أن فرَّج الله عنهم، بما محضوا فيه النية الخالصة لوجهه الكريم.

    عندما يكون هذا المعنى واضحاً جليّاً في أصل التربية، يمكن أن يؤتي بشخصية إسلامية فيها الأساس المهم، وهو هذا الارتباط، ومن العلامات التي تتولد من ذلك:

    أولاً: إنَّ غير المنتبه هذا المعنى قد يفرح إذا وجد بعض المعالم والمعاني التي يعملها لله -عز وجل- أو بنصرة هذا الدين، فيغتَّرُ بها.

    أمَّا من يلحظ هذا المعنى فيستوي عنده المدح والذم، مادام ينظر الى التقويم الالهي: { إِ
    نَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ }.
    ولقد ورد في ترجمه الامام البخاري رحمة الله أنه قال: " قد استوى عندي المادح والذام " أي ما دمت مرتبطا بالمنهج فلا يقدم ولا يؤخر لأجل هذه المطامح والمعالم.

    ثانياً: البعد عن الشهرة وعدم حب التصدر
    وكل ذلك من أهم الركائز المهمة، وإذا تأملنا في هذا المعنى، فإننا نجد أنه مَعلَم مهم من المعالم التي وردت في كثير من القصص القرآني، والهدي النبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    إن تحقيق هذا المعنى ينعكس أيضا على المدعو بأمر مهم، وهو أنك تدعوه لا لشخصك، ولا لمنفعتك، بل لمصلحته في هذه الدنيا، ومنفعته في الآخرة بين يدي الله عز وجل، كما قال سبحانه:
    {
    فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }، فهو يتأكد أنك رجل صاحب مبدأ، لا صاحب غاية محدودة، أو صاحب نظرة ضيّقة، هدفك من وراءها تحقيق بعض المصالح القريبة دون المصالح الكلية العامة.
    و من هنا جاءت قصـة بلقيس مـع سليمان -عليه السلام- لما جاءتها دعوته في كتابه {
    إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
    أرسلت إليه بهدية تختبره هل هو رجل هدف وغاية، أو رجل مصلحة ومطمح خاص، فلما وصلته الهدية قال: {
    بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ }، فعلمت ذلك المبدأ،فكان أثره في هذا الجانب مهماً.

    و آثار هذا المعنى والمعلم كثيرة جداً، لكننا نرى أيضاً في الواقع التطبيقي صوراً مخالفة لهذا، فأنت ترى من الملامح التي قد يقع فيها بعض الدعاة، والمحتسبين للدعوة، تجد أنهم قد يخطئون جهلاً ومن غير قصد، وقد تقع أحيانا فتنــة في القلب، وهوى في النفس، يجعلان المرء يمارس مخالفة لهذا الأصل، وتلك الغاية،فإذا به ينحرف انحرافاً عظيماً.



    الأساس الثاني: المنهج لا الأشخاص


    مهما كان للأشخاص من قدم راسخة في العلم، ومن كعب عالٍ في البلاء لهذا الدين، ومن رتبة متقدمة في البذل؛ فإن المنهج الرصين الأصيل الثابت هو في كتاب الله عزَّ وجلَّ، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

    لذا فمن أهم أسس التربية الدعوية إرتباط الدعاة بالمنهج لا بالأشخاص، فيسلم المتربى من خطأ الداعي إذا وقع في خطأ، ويسلم من ضعفه، وانتكاسه، وارتكاسة،إذا ضعف وتخلى عن أمر الدعوة؛ فإن حال الإنسان يتقلّب .. ( والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء )، ولقد كان أصحاب النبىّصلى الله عليه وسلـم يعلمـون هـذا التسليـم، ويبينون هذا البيان، ويذكرون أنهم مهما بلغت رتبتهم؛ فإن الحق أعظم منهم، وإن المنهج أولى بالارتباط منهـم.
    و الله عز وجل لم يتعبدنا باتباع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما بكتابه، وبسنة وسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم؛ لِما كتب الله له من العصمة،وأما ما سوى ذلك فكلٌ يؤخذ من قوله ويُرد.
    ومن هنا عَلِمَ الأئمة العظام المجتهدون الفقهاء، وعلَّموا الأمة هذا المنهج.

    ورد عن الإمام الشافعي -عليه رحمة الله- أنه قال : ( إذا صح الحديث فهو مذهبي، واضربوا بقولي عرض الحائط )،كما ورد عن الإمام مالك أنه قال: ( كل يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر ).
    وعندما كان نور الدين زنكي في إحدى غزواته الجهادية، وهو يخوض المعارك، أشفق بعض الجند عليه وقالوا: يا أمير، على رسلك؛ فإنك إن قُتِلتَ تفرّق الجيش وهُزِم الإسلام، فقال له: ( ما تقول!! قد نصر الله الاسلام قبلي وينصره بعدي )، هذا هو الربط المهم، أن يُربط الناس بالمنهج لا بالأشخاص.

    ومن الأخطاء الواقعة في هذا الميدان بصورة منظورة، أو غير منظورة، أن هناك من يبالغ في وصف من يحب، أو يقدّر من أشخاص الدعوة، أو العلماء مبالغة قد توجد في نفوس المدعوين من صغار الشباب المبتدئين في أول الطريق، أنهم يرتبطون بالاشخاص دون ارتباطهم بالمنهج والمبدأ،
    ولا ننكر أن للأشخاص والقدوات آثارهم، ونحن نعلم أن العلماء الربانيين، وأن الدعاة المخلصين، لهم أكبر الأثر في الناس كقدوة حسنة يقتدون بها، وككلمة حق يصدعون بها، وكمواقف مشرفة يعلنونها، لا شك أن لهذا كله آثاراً عظيمة، لكنها ينبغي أن لا تتجاوز الحد الذي يخرج بها عن هذا الإطار إلى إطار آخر، ينبغي أن لا تتجاوزه بحال من الأحوال.


    الأساس الثالث: الصواب لا الأخطاء


    وهذه مهمة جداً؛ فإنه ينبغي علينا عندما نربي في محاضن الدعوة الواردين إليها والمقبلين عليها، أن نعلمهم الصواب، وأنه واحد لا يتعدد، بشكل مفصل، ودقيق ومعمق.
    بمعرفة الصواب تكفي مؤنه أعداد الأخطاء، إلا ما يحتاج إليه، بمعنى كما يقول أهل العلم في العلم: بأن نعلّمه في أول الأمر قولا وحدا يعرفه، ويعرّف دليله،
    ويعرّف استنباطه، ثم له بعد ذلك أن يعرف أقوالاً أخرى، فيُحْسِن التمييز، ويُتقِن التقويم.

    أما إن جئته في المسألة لأول وهلة بأقوال أربعة أو خمسة، ولكل منها دليل، وأصحاب المنهج الأول ينقضون أدلة أصحاب المنهج الثاني، وأصحاب المنهج الثاني ينقضون أدلة المنهج الثالث؛ فإنه يخرج مشوّش الفكر، لم يقع في المسألة على شيء يعمل به، أو يطمئن إليه، أو يحفظه ويفقهه.
    فالإثبات دائما أقوى في تحقيق العلم من النقل، و قد ذكـر الشـاطبي في الموافقـات: أن النبي صلى الله عليه وسلم سار على هذا المنهج، فبيَّن الأصول الكلية الجامعة، والمنهج الصحيح الصائب، وعندما جاء الى ذِكر الاخطاء والانحرافات، إنما ذكرها على سبيل الإجمال في أصولها الكليّة الجامعة، التي تُفنِّد ما يتفرع تحتها. لمـــــــــــــــــاذا؟
    لأن الأخطاء متكاثرة، وأسبابها متعددة، ويمكن أن تكون في بعض الصور لا نهائية، ونحن نعلم أن المذاهب العقلية المنحرفة والوضعية، والانحرافـات الخُلقيّة،لا حصر لها، فلا بد إذن أن نُطبّق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خط خطاً واحداً، وخط على جنبيه خطوطاً مائلةً، وتلى قول الله عز وجل:
    {
    وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ... }، السُبُل كثيرة.. والأصل أن يعلم الناس هذا الدين، وكلياته، وفرائضه، وواجباته، وآدابه، فيعرفوا من خلال ذلك أن كل ما خرج من هذا هو خطأ، لا ينبغي التأثر به، ولا الاتباع له.
    و إذا أردت أن تعرفه بالأخطاء فليكن ذلك على طريقتين:
    أولا: القواعد الجامعة المعرفة بالأخطاء والانحرافات
    فإن أمر الأخطاء لا نهاية له، لكنها ترجع إلى قواعد جامعة مانعة، يجمعها في أمر صحة الاعتقاد، وسلامة العبادة، فلا انحراف في الاعتقاد، ولا ابتداع في العبادة،وتجمع هذه الكليات كما ورد تفصيلها في الآيات، والأحاديث من كلام أهل العلم الذين أشاروا إلى ذلك.
    ثانياً: أن يعرف بما يظن أنه متعرض له
    فان كان على سبيل المثال سيغادر الى بلد يُرَوَّجُ فيها مذهب شيوعي، أو اشتراكي، أو رأسمالي، أو كذا، أو أنه في بيئة يشيع فيها مذهب كذا أو كذا،أو سلوك كذا أو كذا، حينئذ يمكن تنبيهه على الأخطاء.


    يتبع بأمر الله تعالى
    هنـــــا
    التعديل الأخير تم بواسطة نبض داعية; الساعة 16-03-2013, 03:12 AM. سبب آخر: تخريج بعض الآيات والأحاديث وتنسيق بسيط
    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

  • #2
    رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

    موضوع مميز جداً ما شاء الله .

    جعله الله في ميزان حسناتكم أخونا الفاضل.

    في أنتظار التكملة بإذن الله تعالى .

    وفقكم الله .
    القمم .. لأهل الهمم ، ومن هجر الرقاد سبق العباد

    ----
    من نذر نفسه لخدمة دين الله سيعيش متعبًا ولكن سيحيا كبيرًا؛
    فالحياة في سبيل الله أصعب من الموت في سبيل الله .
    ________

    خاب وخسر من أبتعد عن خدمة دين الله .






    تعليق


    • #3
      رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية


      الأساس الرابع : الاستقلالية لا التبعية


      مشكله يقع فيها كثير من الشباب أيضاًعند المتابعة للمدعو، والحرص عليه، فتجده يحوطه من كل جانب!!
      لا يجعله يسمع إلا ما يريد، ولا يقرأ إلا ما يختـار له، ووو...، وهكذا،،،

      فمــــــاذا يقصد؟
      يقول: أريد أن اعمق فيه معاني الدعوة، وأن أُجَنِّبَه ما قد يقع له من الأخطاء، أو ما قد يتأثر به من الانحرافات، أو السلوكيات،
      أو ما قد يلقيه له غيري من أمور لا أحبها، أو منهج لا ارتضيه.


      ففى أول طريق الدعوة وعند التعليم، لا بد أن نترك له الفرصة حتى يأخذ من هذا الذي استقاه من العلم، واستقاه من سلوك وممارسه من التجربة ما يكون به مستقلا،
      وربما فاق تلميذٌ أستاذه، وبزغ نجم مدعو فوق من دعاه، وهذا في دنيا الناس كثير.



      الأساس الخامس : وجوب لا نفي



      يجب أن يتربي الداعية على أن الدعوة أمر واجب وحتم لازم،
      ليست مجرد نفل أو تطوع، أو مجرد إضافة في التطوعات التي يبتغي بها رضـوان الله عـز وجـل، وتأكيد ذلـك وتأصيله، لا شـك أن له تفصيـلات كثيرة،
      فالله عـز وجـل قـال :
      {
      وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ
      وقال الله عز وجل:
      {
      كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ }.
      وقد ذكر أهل العلم أن الدعوة وجوبها فرض كفائي، إذا تحقق الكفاية سقط عن الباقين، أما إذا لم تتحقق الكفاية وجب على الجميع، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه
      في فتاويه - في المجلد الخامس عشر- :
      ( إن الحقيقة في واجب الأمر الكفائي في الدعوة، أنه أمر عيني يتفاوت بتفاوت أربابه ) ،
      قال في معنى كلامه: إن الأمر وجوب كفائي على مجموع الأمة لكنه يتجزأ، فيكون على كل فرد من الأمة جزءا واجباً عينياً عليه،
      ويجب عليه ما لا يجب على غيره من أهل العلم، وما لا يجب على غيره من أهل السلطان، لكن لا يخلو أحد أن يكون عليه وجوب.

      كما ذكر ابن كثير تعليقاً على هذه الآية قال:
      والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يكون أحيانا كثيرة فرض عيني كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
      " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ؛ فإن لم يستطيع فبلسانه ؛ فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ".

      إذن لا بد أن نركّز على هذا الجانب حتى ينهض المدعو نهضة قوية.



      الأساس السادس : قوة لا رخاوة


      إن الرسالة الدعوية وجهود الدعوة في هذا الدين ليست أمرا سهلاً، والله عز وجل قال: {
      يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ }، والله سبحانه - ذكر لنا في قصه بني إسرائيل:
      أنَّ مـوسى خاطبهـم أن يأخذوا الكتـاب بقـوة، وقال الله سبحانه وتعالى أيضاً:
      {
      إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا }.

      فلا بد إذن أن يتربي الداعية على أهمية الدعوة وإعطائها الأولوية، فلا يطمئن له قلب، ولا يغمض له جفن، ولا يرتاح له جنب، ولا يهنأ له طعام، حتى يؤدي الدعوة لله عز وجل .. يمحو بها الغشاوة والجهل عن عقول المسلمـين، ويدفـع بها الأذى والمنكر عن مجتمعاتهم، ويرفع بها الصد والترس الذي يدفع به عنهـم أذى أعدائهم، وسهامهم المتوالية .. إن لم يكن عنده ما يؤرقه في ليله ونهاره، ويجعله مهموماً يحمل الدعوة فوق عاتقه، مع كل نَفَس من أنفاسه، يذكرها ويجعل لها في كل كلمة من كلماته حظاً، وفي كل أمواله نصيـب، وفي كـل خطـوة من خطـواته حظاً..
      إن لم نكن كذلك نكون غير ناجحين في تمكين هذه الدعوة في نفوس أولئك المدعوين.


      الأساس السابع : حكمه لا تهور



      ولأن صور الحماس المندفع في صفوف الشباب كثيرة، وبخاصة في أول الأمر وابتدائه عندما يقبل المرء على الخير بعد إدبار، وبعد أن ينضم إلى صفوف الدعوة والدعاة.. فتجده مندفعاً اندفاعاً يفقد فيه كثير من الأمور المهمة، دون أن ينظر أيضا إلى الآثار المترتبة على تلك الكلمة، هل يعقبها خير أكبر منها، أم يترتب عليها مفسدة أعظم.

      انظروا
      إلى الحكمة العظيمة التى قالها النبيّ صلى الله عليه وسلم : " إنَّا لم نؤمر بذلك " حينما قال أصحابه في بيعه العقبة وقد صدقوا بيعتهم وظهرت حماستهم:
      لئن شئت أن نميل على أهل هذا الوادي ميلة واحدة لفعلنا. (أي لو أردت أن نناجز القوم ونصبحهم ميتين قتلى لفعلنا)

      وأمر الحكمة شأن يطول جدا، من أساسياته:

      1- مراعاة الأولويات
      فلا تُقدِّم المهم على الأهم، ولا الفرع على الأصل، ولا الجزئيات على الكُليَّات ؛ فإنَّ هذا بمنأى عن الحكمة، وليس منها من قريب ولا بعيد.


      2- عدم الانشغال بالمعارك الجانبية
      فإن الأعداء يتوقون لصرف الدعوة والدعاة، ومجتمعاتهم إلى قضايا كثيرة شائكة، لا يمكن أن تنتهي، وإذا انتهت واحدة جاءوا بالثانية، وهكذا...،
      وكل همهم أن لا تخرجوا من هذه الجزئيات والخلافيات الصغيرة، خشية توحيد صفوفكم، والتوجه نحو الأعداء،

      انظر إلى حوار إبراهيم عليه السلام مع النمرود حينما قال: أنا أحي وأميت.. ما جادله في هذه القضية، ولا عارض فيها،
      بل قال: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب.
      هذه الحكمة تأتى عن علم، وتأتى عن سكينة إيمانية.. هذه الحكمة التي لا تستفزها الأحداث العارضة.

      3- فهم قيمة المداراة مع الناس
      والمداراة لون من الحكمة، بخلاف المداهنة التي هى نوع من التخلي عن المبدأ والمنهج...

      فَعَنْ عَائِشَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ:
      " ائْذَنُوا لَهُ فَبِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ " فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْكَلَامَ، فَقُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ مَا قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ فِي الْقَوْلِ
      فَقَالَ:" أَيْ عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ تَرَكَهُ أَوْ وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ "
      رواه البخاري

      هذه حكمة بالغة يعلمنا إياها معلم البشرية كلها صلى الله عليه وسلم،

      فلا بد أن يعرف الشباب أن الأمور لها موازين، وأن المصلحة الشرعية التي ذكرتها في أول الأمر، هي التي نحرص عليها، فليس لنا حرص على ذوات أنفسنا،
      ولا على مصالحنا الشخصية، ولا هيبة ولا خوف مـن أن تُمَسَّ هذه الممتلكات والمصالح بسوء، ولكنّ أعظَمُ الأمر وأَوْكَدهُ أن تُمَسَّ مصالح الإسلام بشيء هنا أو هناك
      .




      الأساس الثامن: فقه لا جمود



      يجب أن يتربى الداعية ــ إذا أراد أن يُشيع العلم ــ أن يكون
      صاحب فقه وبصيرة، ولا يكون هَمّه نقل الأمور كما هي؛ فإن ذلك ليس من الحكمة، ولا من الفقه بمكان.
      ينبغي أن نحيى في مجالات الدعوة الفقه والبصيرة، لا الجمود والتحجر، وعدم معرفـة الأشياء إلا في الزوايـا الحادة، ليست قضايا المعايشة والدعوة، والمصلحة الإسلامية الراجحة، قضايا محسومة، وإنما فيها كثير من مراتب الاجتهاد، فينبغي أن نعرف هذه المراتب ونفقهها، فلا يكون عندنا هذا الخلط الذي يُخشى منه، وتترتب عليه الكثير من الآثار الغير محمودة، ولذلك قد ورد في تراجم البخاري: كتمان بعض العلم خوفاً من الجور والقتل، شرط أن يكون هذا العلم ليس من الأحكام.
      أورد فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه : حفظت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - وعائين فأما أحدهما فبثثته وأما الآخر فلو بثته لقطع هذا البلعوم أو الحلقوم .

      إذن فهناك فقه يحسن العرض، ويحسن في الوقت نفسه الفهم والاستنباط، حتى لا يكون هناك نوع من الخلط،
      ومـــن ذلك:

      أ - مراعاة الأرجح والأكثر منفعة دون ما هو أقل منه.
      ب - مراعاة ما قد يكون مفاجئاً للناس وغير مألوف لديهم،
      كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام في مسالة بناء الكعبة.
      ج - أن يكون هناك فقه، فليس عندنا قوالب جاهزة، عندنا أحكام ومقالات نلقيها، وإن كان الناس لا يفهمونها، أو لا يحتاجونا، أو موضوع علمي بحت يلقى
      على من ليسوا بطلبه علم، ولا يفهمون مصطلحات هذا العلم، ولا شيء منه، إذن ما فائدة ذلك.



      الأساس التاسع : الائتلاف لا الاختلاف


      إن أساس هذا الدين، وأعظم أسسه أنه يجمع أصحابه وأتباعه، ويؤلف بين قلوبهم، ويعقد بينهم برباط وثيق لا تنفصم عراة، ولا ينبغي أن تكون الاختلافات الفقهية
      أو النظرات الاجتهادية ناقضة لعُـرى هـذه الرابطة الوثيقـة التي تجمع.
      فَقِهَ سلف الأمة هذا الأمر جيداً،
      وضربوا أمثلة عمليه في ذلك، فعرفوا أن الاختلاف في الجزئيات، أو أن تباين النظر في الاجتهادات أو أنَّ تبّنى الآراء،
      مع تحري الصواب، كل ذلك لا ينقـض عُرَى المحبة والائتلاف.
      من ذلك في سيرة ابن تيميه -عليه رحمة الله- عندما وشى به الواشون، وتعرض له بعض من كان يخالفه، حتى أودع السجن، فقال بعض أصحابه: لو شئت أن ننتصر لك منهم، فقال: ( ما أحب أن يؤذى أحد بسببي، وإنَّ أولئك قد اجتهدوا، وقد غفر الله لهم، فكيف يغفر الله لهم ولا أغفر أنا لهم! ) وقد ذكر في الرسالة التي بعث بها من سجنه لأصحابه: ( إنَّ الائتلاف على هذا الدين، وإنَّ الأُخُوَّة الجامعة بين المؤمنين، أعظم أسس هذا الدين ).
      و ذكر أيضاً: ( والتباين في وجهات النظر من غير معرفة آداب الحوار والمناظرة، كل ذلك لا يؤسس الا فُرْقَة في الصفوف، والتنفير في القلوب ).
      لا شك أن هذا ينبغي أن ينأى عنه المسلمون كلهم، فضلاً عن الدعاة والصالحين من شباب الصحوة، ومن أرباب الدعوة،

      فيجب أن يتربوا تربية دعوية على:

      ـــ سعه الصدر
      ـــ إلتماس العـذر
      ـــ إحسـان الظنّ
      ـــ قبول الرجوع إلى الحق،
      ـــ وفي الوقت نفسه إتاحة الفرصة للمخطئ أن يعتـذر،

      دون أن يكون هدفنا هو أن نُقيم عليه الحُجَّة، أو أن نلبسه ثوب الخطيئة، وأن لابد أن يبرأ منها، ويتوب عنها، ونظلّ نصمه بها كأننا نريد أن تبقى معه الدهـر كله.


      الأساس العاشر: الورع لا الاعتداء




      تربية أجيال الدعوة على الورع يعصمهم من الجراءة في الفتوى، ويعصمهم من التجرؤ في الاجتهـاد، والقـول على الله بغير علم، ويعصمهم أيضاً من نقد الأشخاص، والهيئات، والمؤسسات، كما يعصمهم من النظرة المتشائمة التي لا ترى خيراً بل تكرس دائما نظرة السوء.

      كل ذلك لا يوجد عندما تتربى النفس على الورع، فيحجم الإنسان عن الاعتداء، وعن كل شيء يمكـن أن يعتدي عليه.



      الأساس الحادي عشر : دوام لا انقطاع



      قال الله عزَّ وجلّ: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }

      طبَّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، امتثالاً لأمر ربه، فلم يزل دائباً في العبادة، حتى أتاه اليقين من ربِّه صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا،
      أيضا
      ينبغي من خلال التربية الدعوية أن يعى الداعية ويتعلم أنَّ الدعوة معه إلى القبر، ولنا القدوة الحسنة فى معلمنا وإمامنا رسول الله صلى عليه وسلم، وفي آخر لحظات حياته لم يُوصِ بأهله ولا بماله، ولا بزوجاته، ولا بِدُورِه، ولا بشيء من ذلك، وإنما كان يقول: " الصلاة الصلاة وما ملكت إيمانكم "... و " لا تجعلوا قبري عيداً "
      إلى غير ذلك مما كان يوصى به إلى آخر نفـس وآخر لحظه مـن لحظـات الحياة،


      كذلك فعل الصحابة -رضوان الله عليهم- وسلف الأمة، عندما تأتى إلى لحظاتهـم الأخيرة، تجد أنهم بعدما فقهوا هذا الدين ارتبطوا بالدعوة، ولم ينفصلوا عنها.
      والاستمرارية هنا تعتمد علـى كثير من الأسس التي سبقت؛ فكلها أمور مساعدة معينة في هذا الباب، وليس ذلك فحسب، بل يرى الداعية نفسه مطالَباً بأن يُورِّث الدعوة من وراءه من خلال الجيل الذي يربيه، ومن خلال الجيل الذي يدعوه، فيختار من بين أولئك من يجد فيه النجابة، والذكاء، وصفاء السريرة، وذكاء القريحة،
      فيعطيه ما لا يعطي غيره، ويُحمِّله من المهمات، والواجبات ما لا يحمل غيره، فكأنه يريد أن يصل أسباب الدعوة وجهودها، بعد أن يقضي نحبـه
      .

      قال الله تعالى: {
      مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }




      أدعو الله تبارك وتعالى أن تجدوا الفائدة والنفع فى هذا الموضوع
      أسألكم الدعاء يا أهل الخيرات كلها
      بارك الله فيكم، وأعزكم بالإسلام
      وأدام علينا وعليكم نعمة التقرب إليه سبحانه
      ودوام طاعته وحسن عبادته
      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
      والصلاة والسلام على نبينا الصادق الأمين
      صلى عليه الله وسلم فى الأولين وفى الآخرين
      وفى الملأ الأعلى إلى يوم الدين
      وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
      إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
      والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
      يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

      الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

      تعليق


      • #4
        رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

        المشاركة الأصلية بواسطة أم عبد الرحمن . مشاهدة المشاركة
        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته

        موضوع مميز جداً ما شاء الله .

        بارك الله فيكم وجزك كل الخير

        جعله الله في ميزان حسناتكم أخونا الفاضل.

        اللهم آمين آمين يارب العالمين

        في أنتظار التكملة بإذن الله تعالى .

        الحمد لله فقد أكملته بفضله سبحانه،
        وكنت أتمنى نقله بالكامل لكنه مطول إلى حد ما فآثرت نقله بتصريف،
        وللفائدة -لمن يود قراءته كاملا- أنقل لكم مصدره
        هنــــــــــــــــــــــــــــــا

        وفقكم الله .

        اللهم آمين،
        وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير والنفع للناس جميعا


        إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
        والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
        يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

        الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

        تعليق


        • #5
          رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

          جهد فوق الرائع والدي الغالى
          أحبك فى الله وبارك الله جهدك
          التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن .; الساعة 16-03-2013, 10:30 AM. سبب آخر: تعديل املائي بسيط .
          كلماتك أخلاق تظهر *** وكلامك عنوانك فانظر
          في ذاتك كيف ستبديها***في أي مقام تجعلها

          تعليق


          • #6
            رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

            المشاركة الأصلية بواسطة أبو الدحداح السلفى مشاهدة المشاركة
            جهد فوق الرائع والدي الغالى
            أحبك فى الله وبارك الله جهدك
            بارك الله فيك يا ولدى الحبيب الغالى، وجزاك عنّى كل الخير
            أحبك الله الذى احببتنى فيه، وأدام علينا هذه النعمة
            زادك الله علما ونورا وفهما وعملا، ونفع بك
            أُحبُّـكَ فى الله يــــــا حبيبى فى الله
            وأســألك الـدعـــــاء
            أعــــزَّك الله
            التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن .; الساعة 16-03-2013, 10:29 AM. سبب آخر: تعديل أملائي في الأقتباس .
            إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
            والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
            يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

            الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

            تعليق


            • #7
              رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

              وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرا ونفع بكم
              رحمك الله يا أمي
              ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
              وظني بكـَ لايخيبُ

              تعليق


              • #8
                رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

                المشاركة الأصلية بواسطة ابراهيم السلفى مشاهدة المشاركة
                وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                جزاكم الله خيرا ونفع بكم

                وجزاك ربى خير الجزاء ياولدى الحبيب الغالى
                وزادك علما ونورا ويقينا وخلقا وأدبا ونفع بك
                أسعدنى مرورك العطر
                أسعد الله قلبك
                إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                تعليق


                • #9
                  رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

                  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                  موضوع قيم
                  جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                  وجعله الله في ميزان حسناتكم

                  استغُفِركَ ربّي مِن كُل نية سيئة جَالت في صُدورنا
                  ومِن كُل عًمل سئ تَضيقُ به قبورنًا




                  تعليق


                  • #10
                    رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

                    المشاركة الأصلية بواسطة نبض داعية مشاهدة المشاركة
                    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                    موضوع قيم
                    جزاكم الله خيرا ونفع بكم
                    وجعله الله في ميزان حسناتكم



                    اللهم آمين آمين
                    ولكم بمثل إن شاء الله
                    بارك الله فيكم وأعزكم بالإسلام
                    وجزاكم خير الجزاء




                    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                    تعليق


                    • #11
                      رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

                      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                      جزاكم الله خيرًا ورفع قدركم
                      موضوع قييييييم جدااااااا
                      جعله الله فى موازين حسناتكم
                      [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#FF0000][SIZE=36px][FONT=times new roman]مشروع تحفيظ القرآن الكريم للشباب بشبكة الطريق إلى الله[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]
                      [CENTER][B][URL="https://forums.way2allah.com/forum/%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85/%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8/4455003-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%AA%D8%AD%D9%81%D9%8A%D8%B8-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A8%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D8%B4%D8%A8%D9%83%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86-%D8%AD%D9%8A%D8%A7%D8%AA%D9%8A"][COLOR=#0000CD][SIZE=36px][FONT=times new roman](القرآن حياتي)[/FONT][/SIZE][/COLOR][/URL][/B][/CENTER]

                      تعليق


                      • #12
                        رد: الأسس المنهجية للتربية الدعوية

                        المشاركة الأصلية بواسطة أبومصعب محمود ابراهيم مشاهدة المشاركة
                        وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خيرًا ورفع قدركم

                        اللهم آآآآمين آآآآآمين
                        ولكم بمثل

                        موضوع قييييييم جدااااااا

                        جزاك الله خيرا
                        أسأل الله تعالى أن يكون فيه النفع لنا جميعا

                        جعله الله فى موازين حسناتكم

                        اللهم آآآآمين آآآآآمين
                        إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                        والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                        يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                        الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                        تعليق

                        يعمل...
                        X