حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب
لقد أحاط الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة بحماية كبيرة، لما تتميز به هذه العلاقة من خصوصية في التعامل، حيث جعل الله - عز وجل - كلاً من الطرفين ميالاً للآخر، محباً له، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولولا هذه الحماية لصار المجتمع مجتمعاً فوضويا، تسوده النوازع دون مراعاة لضوابط الشرع.
وربما كان هذا الوضع مشاهداً في المجتمعات الكافرة حيث يسود التحرر بين الجنسين فلا حدود للعلاقة بين الرجل والمرأة، بل يمكن أن تكون المرأة لها من الأصدقاء العدد الكثير، إلا أن هذا في الإسلام يُعد من المحرمات الكبائر.
ومن هذه الحماية التي تختص بها الشريعة الإسلامية دون غيرها أنها حرّمت على المرأة كل ما من شأنه أن يكون وسيلة إلى الفتنة وإلى وقوع الفساد، فقد مُنعت المرأة من الخلوة بالرجل الأجنبي، ومن السفر بدون محرم، ومنعت من الاختلاط بالرجال وغير ذلك.
وفي هذا الموضوع نتكلم عن مسألة مهمة، وهي حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب: يعني هل يجوز للمرأة إذا رأت رجلاً متلبسا بمنكر أن تنكر عليه وتقوم بنصحه؟
وقبل الشروع في بيان حكم هذه المسألة لا بد من معرفة حكم كلام المرأة مع الرجل الأجنبي، لأنه الأصل الذي يبنى عليه الحكم:
فنقول: الأصل أن كلام المرأة مع الأجنبي - لغير حاجة - لا يجوز، لما يترتب عليه من الفتنة والمحاذير؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولذا نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها، وجاء في الحديث: ((إذا نابكم شيء في صلاتكم أخذتم بالتصفيح [1]، إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله))[2]، مما يدل على أن الأصل في المرأة أن لا تسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم.
وقد اشترط العلماء لجواز كلام المرأة مع الرجل الأجنبي - إن احتاجت لذلك - شروطاً، منها:
1- أن يكون ذلك لحاجة، وبقدرها: فلا يجوز للمرأة التحدث مع الرجل الأجنبي لغير حاجة، والحاجة تقدر بقدرها، أي: إذا انتفت الحاجة فينتفي الجواز خشية الوقوع في الحرام.
والحاجة ما هي؟.
كأن تبيع أو تشتري، أو تسأل عالمًا، أو تصف مرضاً بها للطبيب، أو تشكو ظلما، ونحو ذلك.
ومما يدل على جواز ذلك أنّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- كانت تكلم الصحابة وتعلمهم أمور دينهم من وراء حجاب.
2- ألا يصحب ذلك خضوع بالقول وممازحة ومضاحكة وما شابه ذلك؛ لقوله - تعالى -: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [الأحزاب: 32]. فهذا النهي لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وهو لنساء الأمة عامة.
3- أمن الفتنة: فإذا لم تؤمن الفتنة فالأصل المنع من مخاطبة الرجال الأجانب، ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من فتنة النساء على الرجال في غير ما حديث، منها:
- عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))([3]).
- وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: ((يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار)) فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها))([4]).
قال ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: "إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله - تعالى -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء) [آل عمران: 14].
فجعلهن من عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"([5]) فالنساء فتنة للرجال؛ ولذلك فرض عليهن الحجاب والتستر وعدم إبداء الزينة للرجال.
4- ألا يكون في الكلام ريبة: أما الكلام المريب والذي يخشى منه الفتنة فإنه لا يجوز؛ لأنه وسيلة إلى الحرام، والله - تعالى - يقول: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32].
5- أن تلتزم المرأة بالضوابط الشرعية الأخرى أثناء مخاطبة الرجال: (الحجاب الشرعي، والحياء، والحشمة، وعدم الخلوة... وغيرها):
فإذا كان حديث المرأة للرجل الأجنبي بهذه الشروط فلا بأس به؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان تستفتيه النساء ويفتيهن، ويكلمهن ويكلمنه - عليه الصلاة والسلام -، وكان الصحابة يكلمون النساء ويردون على أسئلة النساء، ويسلمون عليهن، لكن مع الحشمة والحجاب والبعد عن الخلوة المحرمة، ونحو ذلك.
مسألة: احتساب المرأة على الرجال الأجانب:
بعد بيان ذلك الأصل المهم نأتي إلى حكم مسألتنا فنقول: إذا رأت المرأة في الطريق -مثلاً- رجلاً في منكر فهل لها أن تنكر عليه؟ كأن ترى رجلاً لا يُصلي في وقت الصلاة، فنصحته ووجهته إلى وجوب أداء الصلاة مع الجماعة، يعني إذا اضطرت إلى استخدام صوتها فهل يجوز ذلك؟.
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: لها أن تنكر عليه:
- لقوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 71].
وقوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
وجه الدلالة في الآية: أن الآية عامة وكلمة (منكم) تشمل الرجال والنساء على السواء، وأن على الرجال والنساء أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
- ولدخولها في عموم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره))([6]).
ولا يُعترض على هذا بحجة أن بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء لم تتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما اقتصرت على قوله - تعالى -: (ولا يعصينك في معروف) في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة: 12].
فلو استندنا إلى بيعة النساء لقلنا: إن المرأة ليس مطلوباً منها أن تصلي أو تزكي أو تصوم أو تدعو إلى الخير، أو تساعد المحتاجين، أو تأمر بالمعروف، أو تنهى عن المنكر؛ لأنه ليس في بيعة النساء شيء من هذا.
لأن الآية ذكرت الأمور السلبية (المحرمات): لا يفعلن كذا ولا يفعلن كذا، ولم تذكر الأمور الإيجابية (الواجبات) وإن كانت هي مطلوبة أيضاً.
وهذه الآية صريحة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[التوبة: 71].
وقد ثبتت القاعدة الراسخة الأساسية أن المرأة مثل الرجل مطالبةٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقابل: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة: 67].
فإذا كانت المنافقة تأمر بالمنكر، فالمؤمنة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذا بنص القرآن وكلنا مطالبون أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وفي قوله - تعالى -: (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 112].
هذا يشمل الرجال ويشمل النساء جميعاً، فكل خطابات الشارع حينما يقول: (يا أيها الذين آمنوا) هذه تشمل الرجال والنساء بإجماع الفقهاء.
- واستدل أصحاب هذا القول كذلك ببعض الآثار المروية عن السلف، مثل:
أ - ما ورد في الاستيعاب:
أن سمراء بنت نهيك أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها([7]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
ب - ما ورد في المحلى:
أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولَّى امرأة من قومه -يقال لها: الشفاء- أمر السوق([8]).
ووجه الدلالة في الأثرين:
الأثران واضحا الدلالة على جواز قيام المرأة بالحسبة على الرجال الأجانب، فالأول: ينص صراحة على أن سمراء بنت نهيك قد تولت الحسبة على الرجال، وأما الأثر الثاني ففيه: تولية من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب للشفاء أمر السوق، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
القول الثاني:
قالوا: لا يجوز لها أن تنكر على الرجال إلا بشروط، وهي:
1- ألا تجد رجالاً ينكرونه، فلتنكر، خاصة إذا كان المنكر لا يحتمل السكوت عليه؛ كأن يفوت به دم مسلم أو ماله أو عرضه.
2- أن تأمن الفتنة بها.
3- أن تأمن المرأة على نفسها من الضرر.
4- أن تحتسب على الرجل الأجنبي وهي محتجبة ومحتشمة.
5- ألا يكون هناك خضوع بالقول ولا تغنج.
6- أن تتحقق أن ما وقع فيه هذا الرجل منكر وذنب. إضافة إلى ما يشترطه الفقهاء في المحتسب عموما.
فبهذه الضوابط والشروط يجوز للمرأة أن تنكر على الرجل الأجنبي، وإلا فلا يجوز لها ذلك.
وهذا هو القول الصحيح؛ لأن إطلاق القول بالجواز يؤدي إلى بروز المرأة إلى الأسواق والمجالات المختلفة التي تقدم ذكرها في مجالات الحسبة، ومخالطة الرجال والاحتكاك المباشر مع أهل الصلاح وأهل الفساد، وشرع الله جاء بحفظ المرأة عن مثل هذا.
وأما الآية الأولى التي استدل بها أصحاب القول الأول فهي في غير محل النزاع، حيث إن الآية تبين أن على الأمة أن يكون منها طائفة تدعو إلى المعروف، وتنهى عن المنكر، وليست خاصة بموضوع قيام المرأة بالحسبة على الرجال.
والآية الأخرى: فيها أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم من بعض مأمورون بالأمر والنهي، لكن كل في المجال الذي يخصه، فالنساء يأمرن وينهين في بيئتهن وسط النساء.
أما حديث: (من رأى منكم) فالمرأة تدخل فيه، لكن إذا رأت منكراً في أوساط النساء لا عند الرجال إلا بالضوابط المذكورة كما تقدم.
أما الآثار التي أوردوها فإنه لا دليل على صحتها، ولم يذكرها أحد من المحدثين الذين يروون بالسند فضلاً عن السند الصحيح.
إضافة إلى هذا فإن ابن حجر لم يجزم بصحة نقله لتلك الرواية عن الشفاء، بل قال: "وكان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق"[9].
ونفس الشيء في الاستيعاب حيث قال ابن عبد البر: "وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق"[10].
وكل ذلك يؤكد ضعف الأثرين، فإذا أضيف إلى ذلك تنبيه صاحب كتاب أحكام القرآن على خطورة الاعتماد على مثل هذه الآثار تصبح حجيتها ضعيفة جداً، فقد جاء في أحكام القرآن: "وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"[11].
وقال القرطبي - رحمه الله -: "إن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا أن تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولن يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده" [12].
أخيراً: فعلى فرض صحة الأثرين فإنهما يُحملان على تولية المرأة أمر خاص بالنساء حتى يتمشى هذا مع الأدلة الصحيحة السابقة، والله أعلم.
إذاً نقول: إن المنع إنما هو في احتساب المرأة على الرجال في الأماكن المختلطة كالأسواق والمساجد ومناطق العمل، أما احتسابها في الأماكن النسائية التي تخلو من الاختلاط فهو أمر مطلوب ومحمود، بل يتعين عليهن التعيين الكفائي والعيني؛ لما يصعب على الرجل من مداهمة أماكن النساء وتحرجه من الإنكار على أمور لا يستطيع رؤيتها، ومن الملاحظ أن هناك أموراً تقع بين النساء فقط كالشذوذ الجنسي أو مشاجرات النساء أو مبايعات النساء بالمحرمات وغير ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين - رحمه الله -: هل يجوز للمرأة إذا رأت رجلاً يقوم بأي عمل منكر أن تنصحه (مثلاً رجل لا يُصلي في وقت الصلاة ورأته امرأة فنصحته ووجهته إلى وجوب أداء الصلاة مع الجماعة) يعني إذا اضطرت إلى استخدام صوتها فهل يجوز ذلك إذا أمنت الفتنة؟
فأجاب: "يجوز ذلك إذا أمِنَت الفتنة، وكانت قادرة على إقناع ذلك الرجل، وبيان الحق بعبارة واضحة، ولم يكن في كلامها خضوع ولا تغنج، وبالأخص إذا كانت تعرف ذلك الرجل لقرابة بينهما أو لمجاورة وتحققت منه الوقوع في الذنب، أو فعل المعصية ويُفضل أن يكون كلامها معه بحضرة أحد محارمها أو أقارب الرجل من ذكور وإناث أو يكون مكالمة هاتفية أو تُهدي إليه أشرطة دينية أو كُتيِّبات إسلامية وتحثه على قراءتها فلعل ذلك يكون أوقع في التأثير عليه([13]).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(*) الكـاتب : صادق بن محمد الهادي
[1]: المراد به: التصفيق كما في بعض الروايات
[2] - أخرجه البخاري باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به أبواب العمل في الصلاة (1/407- 1160) ومسلم في الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم (2/25- 976).
البخاري (1/167)، وصحيح مسلم (1/316، 317)، و"موطأ مالك" (1/162، 163)، وسنن أبي داود (1/245، 246)، وسنن النسائي (2/82، 83)].
[3] - أخرجه مسلم في الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء (8/89- 7124).
[4] - أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم(1/314- 304).
[5] - فتح الباري لابن حجر (14/337).
[6] - أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (ج1/ص50- 186).
[7] - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/311- 785) والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، في باب في سمراء -رضي الله عنها-(9/219- 15440) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، ورجاله ثقات". وانظر: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر، باب السين (ج4، ص 419) دار الكتب العلمية.
[8] - المحلى (9/429).
[9] - الإصابة في تمييز الصحابة (7/728).
[10] - الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/104).
[11] - أحكام القرآن لابن العربي (6/212).
[12] - أحكام القرآن (3/1446) والجامع لأحكام القرآن (13/183).
[13] - موقع الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين:
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=3404&parent=786
لقد أحاط الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة بحماية كبيرة، لما تتميز به هذه العلاقة من خصوصية في التعامل، حيث جعل الله - عز وجل - كلاً من الطرفين ميالاً للآخر، محباً له، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولولا هذه الحماية لصار المجتمع مجتمعاً فوضويا، تسوده النوازع دون مراعاة لضوابط الشرع.
وربما كان هذا الوضع مشاهداً في المجتمعات الكافرة حيث يسود التحرر بين الجنسين فلا حدود للعلاقة بين الرجل والمرأة، بل يمكن أن تكون المرأة لها من الأصدقاء العدد الكثير، إلا أن هذا في الإسلام يُعد من المحرمات الكبائر.
ومن هذه الحماية التي تختص بها الشريعة الإسلامية دون غيرها أنها حرّمت على المرأة كل ما من شأنه أن يكون وسيلة إلى الفتنة وإلى وقوع الفساد، فقد مُنعت المرأة من الخلوة بالرجل الأجنبي، ومن السفر بدون محرم، ومنعت من الاختلاط بالرجال وغير ذلك.
وفي هذا الموضوع نتكلم عن مسألة مهمة، وهي حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب: يعني هل يجوز للمرأة إذا رأت رجلاً متلبسا بمنكر أن تنكر عليه وتقوم بنصحه؟
وقبل الشروع في بيان حكم هذه المسألة لا بد من معرفة حكم كلام المرأة مع الرجل الأجنبي، لأنه الأصل الذي يبنى عليه الحكم:
فنقول: الأصل أن كلام المرأة مع الأجنبي - لغير حاجة - لا يجوز، لما يترتب عليه من الفتنة والمحاذير؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولذا نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها، وجاء في الحديث: ((إذا نابكم شيء في صلاتكم أخذتم بالتصفيح [1]، إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله))[2]، مما يدل على أن الأصل في المرأة أن لا تسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم.
وقد اشترط العلماء لجواز كلام المرأة مع الرجل الأجنبي - إن احتاجت لذلك - شروطاً، منها:
1- أن يكون ذلك لحاجة، وبقدرها: فلا يجوز للمرأة التحدث مع الرجل الأجنبي لغير حاجة، والحاجة تقدر بقدرها، أي: إذا انتفت الحاجة فينتفي الجواز خشية الوقوع في الحرام.
والحاجة ما هي؟.
كأن تبيع أو تشتري، أو تسأل عالمًا، أو تصف مرضاً بها للطبيب، أو تشكو ظلما، ونحو ذلك.
ومما يدل على جواز ذلك أنّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- كانت تكلم الصحابة وتعلمهم أمور دينهم من وراء حجاب.
2- ألا يصحب ذلك خضوع بالقول وممازحة ومضاحكة وما شابه ذلك؛ لقوله - تعالى -: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [الأحزاب: 32]. فهذا النهي لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وهو لنساء الأمة عامة.
3- أمن الفتنة: فإذا لم تؤمن الفتنة فالأصل المنع من مخاطبة الرجال الأجانب، ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من فتنة النساء على الرجال في غير ما حديث، منها:
- عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))([3]).
- وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: ((يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار)) فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها))([4]).
قال ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: "إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله - تعالى -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء) [آل عمران: 14].
فجعلهن من عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"([5]) فالنساء فتنة للرجال؛ ولذلك فرض عليهن الحجاب والتستر وعدم إبداء الزينة للرجال.
4- ألا يكون في الكلام ريبة: أما الكلام المريب والذي يخشى منه الفتنة فإنه لا يجوز؛ لأنه وسيلة إلى الحرام، والله - تعالى - يقول: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ) [الأحزاب: 32].
5- أن تلتزم المرأة بالضوابط الشرعية الأخرى أثناء مخاطبة الرجال: (الحجاب الشرعي، والحياء، والحشمة، وعدم الخلوة... وغيرها):
فإذا كان حديث المرأة للرجل الأجنبي بهذه الشروط فلا بأس به؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان تستفتيه النساء ويفتيهن، ويكلمهن ويكلمنه - عليه الصلاة والسلام -، وكان الصحابة يكلمون النساء ويردون على أسئلة النساء، ويسلمون عليهن، لكن مع الحشمة والحجاب والبعد عن الخلوة المحرمة، ونحو ذلك.
مسألة: احتساب المرأة على الرجال الأجانب:
بعد بيان ذلك الأصل المهم نأتي إلى حكم مسألتنا فنقول: إذا رأت المرأة في الطريق -مثلاً- رجلاً في منكر فهل لها أن تنكر عليه؟ كأن ترى رجلاً لا يُصلي في وقت الصلاة، فنصحته ووجهته إلى وجوب أداء الصلاة مع الجماعة، يعني إذا اضطرت إلى استخدام صوتها فهل يجوز ذلك؟.
اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: لها أن تنكر عليه:
- لقوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 71].
وقوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].
وجه الدلالة في الآية: أن الآية عامة وكلمة (منكم) تشمل الرجال والنساء على السواء، وأن على الرجال والنساء أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
- ولدخولها في عموم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره))([6]).
ولا يُعترض على هذا بحجة أن بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء لم تتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما اقتصرت على قوله - تعالى -: (ولا يعصينك في معروف) في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة: 12].
فلو استندنا إلى بيعة النساء لقلنا: إن المرأة ليس مطلوباً منها أن تصلي أو تزكي أو تصوم أو تدعو إلى الخير، أو تساعد المحتاجين، أو تأمر بالمعروف، أو تنهى عن المنكر؛ لأنه ليس في بيعة النساء شيء من هذا.
لأن الآية ذكرت الأمور السلبية (المحرمات): لا يفعلن كذا ولا يفعلن كذا، ولم تذكر الأمور الإيجابية (الواجبات) وإن كانت هي مطلوبة أيضاً.
وهذه الآية صريحة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[التوبة: 71].
وقد ثبتت القاعدة الراسخة الأساسية أن المرأة مثل الرجل مطالبةٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقابل: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة: 67].
فإذا كانت المنافقة تأمر بالمنكر، فالمؤمنة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذا بنص القرآن وكلنا مطالبون أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وفي قوله - تعالى -: (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 112].
هذا يشمل الرجال ويشمل النساء جميعاً، فكل خطابات الشارع حينما يقول: (يا أيها الذين آمنوا) هذه تشمل الرجال والنساء بإجماع الفقهاء.
- واستدل أصحاب هذا القول كذلك ببعض الآثار المروية عن السلف، مثل:
أ - ما ورد في الاستيعاب:
أن سمراء بنت نهيك أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها([7]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.
ب - ما ورد في المحلى:
أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولَّى امرأة من قومه -يقال لها: الشفاء- أمر السوق([8]).
ووجه الدلالة في الأثرين:
الأثران واضحا الدلالة على جواز قيام المرأة بالحسبة على الرجال الأجانب، فالأول: ينص صراحة على أن سمراء بنت نهيك قد تولت الحسبة على الرجال، وأما الأثر الثاني ففيه: تولية من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب للشفاء أمر السوق، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.
القول الثاني:
قالوا: لا يجوز لها أن تنكر على الرجال إلا بشروط، وهي:
1- ألا تجد رجالاً ينكرونه، فلتنكر، خاصة إذا كان المنكر لا يحتمل السكوت عليه؛ كأن يفوت به دم مسلم أو ماله أو عرضه.
2- أن تأمن الفتنة بها.
3- أن تأمن المرأة على نفسها من الضرر.
4- أن تحتسب على الرجل الأجنبي وهي محتجبة ومحتشمة.
5- ألا يكون هناك خضوع بالقول ولا تغنج.
6- أن تتحقق أن ما وقع فيه هذا الرجل منكر وذنب. إضافة إلى ما يشترطه الفقهاء في المحتسب عموما.
فبهذه الضوابط والشروط يجوز للمرأة أن تنكر على الرجل الأجنبي، وإلا فلا يجوز لها ذلك.
وهذا هو القول الصحيح؛ لأن إطلاق القول بالجواز يؤدي إلى بروز المرأة إلى الأسواق والمجالات المختلفة التي تقدم ذكرها في مجالات الحسبة، ومخالطة الرجال والاحتكاك المباشر مع أهل الصلاح وأهل الفساد، وشرع الله جاء بحفظ المرأة عن مثل هذا.
وأما الآية الأولى التي استدل بها أصحاب القول الأول فهي في غير محل النزاع، حيث إن الآية تبين أن على الأمة أن يكون منها طائفة تدعو إلى المعروف، وتنهى عن المنكر، وليست خاصة بموضوع قيام المرأة بالحسبة على الرجال.
والآية الأخرى: فيها أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم من بعض مأمورون بالأمر والنهي، لكن كل في المجال الذي يخصه، فالنساء يأمرن وينهين في بيئتهن وسط النساء.
أما حديث: (من رأى منكم) فالمرأة تدخل فيه، لكن إذا رأت منكراً في أوساط النساء لا عند الرجال إلا بالضوابط المذكورة كما تقدم.
أما الآثار التي أوردوها فإنه لا دليل على صحتها، ولم يذكرها أحد من المحدثين الذين يروون بالسند فضلاً عن السند الصحيح.
إضافة إلى هذا فإن ابن حجر لم يجزم بصحة نقله لتلك الرواية عن الشفاء، بل قال: "وكان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق"[9].
ونفس الشيء في الاستيعاب حيث قال ابن عبد البر: "وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق"[10].
وكل ذلك يؤكد ضعف الأثرين، فإذا أضيف إلى ذلك تنبيه صاحب كتاب أحكام القرآن على خطورة الاعتماد على مثل هذه الآثار تصبح حجيتها ضعيفة جداً، فقد جاء في أحكام القرآن: "وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"[11].
وقال القرطبي - رحمه الله -: "إن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا أن تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولن يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده" [12].
أخيراً: فعلى فرض صحة الأثرين فإنهما يُحملان على تولية المرأة أمر خاص بالنساء حتى يتمشى هذا مع الأدلة الصحيحة السابقة، والله أعلم.
إذاً نقول: إن المنع إنما هو في احتساب المرأة على الرجال في الأماكن المختلطة كالأسواق والمساجد ومناطق العمل، أما احتسابها في الأماكن النسائية التي تخلو من الاختلاط فهو أمر مطلوب ومحمود، بل يتعين عليهن التعيين الكفائي والعيني؛ لما يصعب على الرجل من مداهمة أماكن النساء وتحرجه من الإنكار على أمور لا يستطيع رؤيتها، ومن الملاحظ أن هناك أموراً تقع بين النساء فقط كالشذوذ الجنسي أو مشاجرات النساء أو مبايعات النساء بالمحرمات وغير ذلك.
وقد سئل الشيخ ابن جبرين - رحمه الله -: هل يجوز للمرأة إذا رأت رجلاً يقوم بأي عمل منكر أن تنصحه (مثلاً رجل لا يُصلي في وقت الصلاة ورأته امرأة فنصحته ووجهته إلى وجوب أداء الصلاة مع الجماعة) يعني إذا اضطرت إلى استخدام صوتها فهل يجوز ذلك إذا أمنت الفتنة؟
فأجاب: "يجوز ذلك إذا أمِنَت الفتنة، وكانت قادرة على إقناع ذلك الرجل، وبيان الحق بعبارة واضحة، ولم يكن في كلامها خضوع ولا تغنج، وبالأخص إذا كانت تعرف ذلك الرجل لقرابة بينهما أو لمجاورة وتحققت منه الوقوع في الذنب، أو فعل المعصية ويُفضل أن يكون كلامها معه بحضرة أحد محارمها أو أقارب الرجل من ذكور وإناث أو يكون مكالمة هاتفية أو تُهدي إليه أشرطة دينية أو كُتيِّبات إسلامية وتحثه على قراءتها فلعل ذلك يكون أوقع في التأثير عليه([13]).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
_________
(*) الكـاتب : صادق بن محمد الهادي
[1]: المراد به: التصفيق كما في بعض الروايات
[2] - أخرجه البخاري باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به أبواب العمل في الصلاة (1/407- 1160) ومسلم في الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم (2/25- 976).
البخاري (1/167)، وصحيح مسلم (1/316، 317)، و"موطأ مالك" (1/162، 163)، وسنن أبي داود (1/245، 246)، وسنن النسائي (2/82، 83)].
[3] - أخرجه مسلم في الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء (8/89- 7124).
[4] - أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم(1/314- 304).
[5] - فتح الباري لابن حجر (14/337).
[6] - أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (ج1/ص50- 186).
[7] - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/311- 785) والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، في باب في سمراء -رضي الله عنها-(9/219- 15440) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، ورجاله ثقات". وانظر: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر، باب السين (ج4، ص 419) دار الكتب العلمية.
[8] - المحلى (9/429).
[9] - الإصابة في تمييز الصحابة (7/728).
[10] - الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/104).
[11] - أحكام القرآن لابن العربي (6/212).
[12] - أحكام القرآن (3/1446) والجامع لأحكام القرآن (13/183).
[13] - موقع الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين:
http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=3404&parent=786
تعليق