إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب

    حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب

    لقد أحاط الإسلام العلاقة بين الرجل والمرأة بحماية كبيرة، لما تتميز به هذه العلاقة من خصوصية في التعامل، حيث جعل الله - عز وجل - كلاً من الطرفين ميالاً للآخر، محباً له، وهذه فطرة الله التي فطر الناس عليها، ولولا هذه الحماية لصار المجتمع مجتمعاً فوضويا، تسوده النوازع دون مراعاة لضوابط الشرع.

    وربما كان هذا الوضع مشاهداً في المجتمعات الكافرة حيث يسود التحرر بين الجنسين فلا حدود للعلاقة بين الرجل والمرأة، بل يمكن أن تكون المرأة لها من الأصدقاء العدد الكثير، إلا أن هذا في الإسلام يُعد من المحرمات الكبائر.

    ومن هذه الحماية التي تختص بها الشريعة الإسلامية دون غيرها أنها حرّمت على المرأة كل ما من شأنه أن يكون وسيلة إلى الفتنة وإلى وقوع الفساد، فقد مُنعت المرأة من الخلوة بالرجل الأجنبي، ومن السفر بدون محرم، ومنعت من الاختلاط بالرجال وغير ذلك.

    وفي هذا الموضوع نتكلم عن مسألة مهمة، وهي حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب: يعني هل يجوز للمرأة إذا رأت رجلاً متلبسا بمنكر أن تنكر عليه وتقوم بنصحه؟

    وقبل الشروع في بيان حكم هذه المسألة لا بد من معرفة حكم كلام المرأة مع الرجل الأجنبي، لأنه الأصل الذي يبنى عليه الحكم:

    فنقول: الأصل أن كلام المرأة مع الأجنبي - لغير حاجة - لا يجوز، لما يترتب عليه من الفتنة والمحاذير؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ولذا نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها‏، وجاء في الحديث‏: ‏((‏إذا نابكم شيء في صلاتكم أخذتم بالتصفيح [1]، إنما التصفيح للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله))‏[2]، مما يدل على أن الأصل في المرأة أن لا تسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم.

    وقد اشترط العلماء لجواز كلام المرأة مع الرجل الأجنبي - إن احتاجت لذلك - شروطاً، منها:

    1- أن يكون ذلك لحاجة، وبقدرها: فلا يجوز للمرأة التحدث مع الرجل الأجنبي لغير حاجة، والحاجة تقدر بقدرها، أي: إذا انتفت الحاجة فينتفي الجواز خشية الوقوع في الحرام.

    والحاجة ما هي؟.

    كأن تبيع أو تشتري، أو تسأل عالمًا، أو تصف مرضاً بها للطبيب، أو تشكو ظلما، ونحو ذلك.

    ومما يدل على جواز ذلك أنّ أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- كانت تكلم الصحابة وتعلمهم أمور دينهم من وراء حجاب.

    2- ألا يصحب ذلك خضوع بالقول وممازحة ومضاحكة وما شابه ذلك؛ لقوله - تعالى -: (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) [الأحزاب: 32]. فهذا النهي لنساء النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وهو لنساء الأمة عامة.

    3- أمن الفتنة: فإذا لم تؤمن الفتنة فالأصل المنع من مخاطبة الرجال الأجانب، ولقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من فتنة النساء على الرجال في غير ما حديث، منها:

    - عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء))([3]).

    - وعن أبي سعيد الخدري قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء، فقال: ((يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار)) فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: ((تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: ((أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم؟)) قلن: بلى، قال: ((فذلك من نقصان دينها))([4]).

    قال ابن حجر - رحمه الله - في شرح هذا الحديث: "إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله - تعالى -: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء) [آل عمران: 14].

    فجعلهن من عين الشهوات، وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك"([5]) فالنساء فتنة للرجال؛ ولذلك فرض عليهن الحجاب والتستر وعدم إبداء الزينة للرجال.

    4- ألا يكون في الكلام ريبة: أما الكلام المريب والذي يخشى منه الفتنة فإنه لا يجوز؛ لأنه وسيلة إلى الحرام، والله - تعالى - يقول‏: ‏ ‏(‏فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ‏)‏ ‏[الأحزاب‏: ‏32‏].

    5- أن تلتزم المرأة بالضوابط الشرعية الأخرى أثناء مخاطبة الرجال: (الحجاب الشرعي، والحياء، والحشمة، وعدم الخلوة... وغيرها):

    فإذا كان حديث المرأة للرجل الأجنبي بهذه الشروط فلا بأس به؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان تستفتيه النساء ويفتيهن، ويكلمهن ويكلمنه - عليه الصلاة والسلام -، وكان الصحابة يكلمون النساء ويردون على أسئلة النساء، ويسلمون عليهن، لكن مع الحشمة والحجاب والبعد عن الخلوة المحرمة، ونحو ذلك.

    مسألة: احتساب المرأة على الرجال الأجانب:

    بعد بيان ذلك الأصل المهم نأتي إلى حكم مسألتنا فنقول: إذا رأت المرأة في الطريق -مثلاً- رجلاً في منكر فهل لها أن تنكر عليه؟ كأن ترى رجلاً لا يُصلي في وقت الصلاة، فنصحته ووجهته إلى وجوب أداء الصلاة مع الجماعة، يعني إذا اضطرت إلى استخدام صوتها فهل يجوز ذلك؟.

    اختلف العلماء في ذلك على قولين:

    القول الأول: لها أن تنكر عليه:

    - لقوله - تعالى -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 71].

    وقوله: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[آل عمران: 104].

    وجه الدلالة في الآية: أن الآية عامة وكلمة (منكم) تشمل الرجال والنساء على السواء، وأن على الرجال والنساء أن يقوموا بواجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

    - ولدخولها في عموم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره))([6]).

    ولا يُعترض على هذا بحجة أن بيعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - للنساء لم تتضمن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما اقتصرت على قوله - تعالى -: (ولا يعصينك في معروف) في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الممتحنة: 12].

    فلو استندنا إلى بيعة النساء لقلنا: إن المرأة ليس مطلوباً منها أن تصلي أو تزكي أو تصوم أو تدعو إلى الخير، أو تساعد المحتاجين، أو تأمر بالمعروف، أو تنهى عن المنكر؛ لأنه ليس في بيعة النساء شيء من هذا.

    لأن الآية ذكرت الأمور السلبية (المحرمات): لا يفعلن كذا ولا يفعلن كذا، ولم تذكر الأمور الإيجابية (الواجبات) وإن كانت هي مطلوبة أيضاً.

    وهذه الآية صريحة: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)[التوبة: 71].

    وقد ثبتت القاعدة الراسخة الأساسية أن المرأة مثل الرجل مطالبةٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مقابل: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ) [التوبة: 67].

    فإذا كانت المنافقة تأمر بالمنكر، فالمؤمنة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذا بنص القرآن وكلنا مطالبون أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وفي قوله - تعالى -: (الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ) [التوبة: 112].

    هذا يشمل الرجال ويشمل النساء جميعاً، فكل خطابات الشارع حينما يقول: (يا أيها الذين آمنوا) هذه تشمل الرجال والنساء بإجماع الفقهاء.

    - واستدل أصحاب هذا القول كذلك ببعض الآثار المروية عن السلف، مثل:

    أ - ما ورد في الاستيعاب:

    أن سمراء بنت نهيك أدركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت تمر في الأسواق، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها([7]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير.

    ب - ما ورد في المحلى:

    أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولَّى امرأة من قومه -يقال لها: الشفاء- أمر السوق([8]).

    ووجه الدلالة في الأثرين:

    الأثران واضحا الدلالة على جواز قيام المرأة بالحسبة على الرجال الأجانب، فالأول: ينص صراحة على أن سمراء بنت نهيك قد تولت الحسبة على الرجال، وأما الأثر الثاني ففيه: تولية من الخليفة الراشد عمر بن الخطاب للشفاء أمر السوق، ونحن مأمورون باتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين.

    القول الثاني:

    قالوا: لا يجوز لها أن تنكر على الرجال إلا بشروط، وهي:

    1- ألا تجد رجالاً ينكرونه، فلتنكر، خاصة إذا كان المنكر لا يحتمل السكوت عليه؛ كأن يفوت به دم مسلم أو ماله أو عرضه.

    2- أن تأمن الفتنة بها.

    3- أن تأمن المرأة على نفسها من الضرر.

    4- أن تحتسب على الرجل الأجنبي وهي محتجبة ومحتشمة.

    5- ألا يكون هناك خضوع بالقول ولا تغنج.

    6- أن تتحقق أن ما وقع فيه هذا الرجل منكر وذنب. إضافة إلى ما يشترطه الفقهاء في المحتسب عموما.

    فبهذه الضوابط والشروط يجوز للمرأة أن تنكر على الرجل الأجنبي، وإلا فلا يجوز لها ذلك.

    وهذا هو القول الصحيح؛ لأن إطلاق القول بالجواز يؤدي إلى بروز المرأة إلى الأسواق والمجالات المختلفة التي تقدم ذكرها في مجالات الحسبة، ومخالطة الرجال والاحتكاك المباشر مع أهل الصلاح وأهل الفساد، وشرع الله جاء بحفظ المرأة عن مثل هذا.

    وأما الآية الأولى التي استدل بها أصحاب القول الأول فهي في غير محل النزاع، حيث إن الآية تبين أن على الأمة أن يكون منها طائفة تدعو إلى المعروف، وتنهى عن المنكر، وليست خاصة بموضوع قيام المرأة بالحسبة على الرجال.

    والآية الأخرى: فيها أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم من بعض مأمورون بالأمر والنهي، لكن كل في المجال الذي يخصه، فالنساء يأمرن وينهين في بيئتهن وسط النساء.

    أما حديث: (من رأى منكم) فالمرأة تدخل فيه، لكن إذا رأت منكراً في أوساط النساء لا عند الرجال إلا بالضوابط المذكورة كما تقدم.

    أما الآثار التي أوردوها فإنه لا دليل على صحتها، ولم يذكرها أحد من المحدثين الذين يروون بالسند فضلاً عن السند الصحيح.

    إضافة إلى هذا فإن ابن حجر لم يجزم بصحة نقله لتلك الرواية عن الشفاء، بل قال: "وكان عمر يقدمها في الرأي ويرعاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق"[9].

    ونفس الشيء في الاستيعاب حيث قال ابن عبد البر: "وكان عمر يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها، وربما ولاها شيئاً من أمر السوق"[10].

    وكل ذلك يؤكد ضعف الأثرين، فإذا أضيف إلى ذلك تنبيه صاحب كتاب أحكام القرآن على خطورة الاعتماد على مثل هذه الآثار تصبح حجيتها ضعيفة جداً، فقد جاء في أحكام القرآن: "وقد روي أن عمر قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه، وإنما هو من دسائس المبتدعة في الأحاديث"[11].

    وقال القرطبي - رحمه الله -: "إن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجالس، ولا أن تخالط الرجال، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها، وإن كانت متجالة برزة لم يجمعها والرجال مجلس تزدحم فيه معهم، وتكون منظرة لهم، ولن يفلح قط من تصور هذا، ولا من اعتقده" [12].

    أخيراً: فعلى فرض صحة الأثرين فإنهما يُحملان على تولية المرأة أمر خاص بالنساء حتى يتمشى هذا مع الأدلة الصحيحة السابقة، والله أعلم.

    إذاً نقول: إن المنع إنما هو في احتساب المرأة على الرجال في الأماكن المختلطة كالأسواق والمساجد ومناطق العمل، أما احتسابها في الأماكن النسائية التي تخلو من الاختلاط فهو أمر مطلوب ومحمود، بل يتعين عليهن التعيين الكفائي والعيني؛ لما يصعب على الرجل من مداهمة أماكن النساء وتحرجه من الإنكار على أمور لا يستطيع رؤيتها، ومن الملاحظ أن هناك أموراً تقع بين النساء فقط كالشذوذ الجنسي أو مشاجرات النساء أو مبايعات النساء بالمحرمات وغير ذلك.

    وقد سئل الشيخ ابن جبرين - رحمه الله -: هل يجوز للمرأة إذا رأت رجلاً يقوم بأي عمل منكر أن تنصحه (مثلاً رجل لا يُصلي في وقت الصلاة ورأته امرأة فنصحته ووجهته إلى وجوب أداء الصلاة مع الجماعة) يعني إذا اضطرت إلى استخدام صوتها فهل يجوز ذلك إذا أمنت الفتنة؟

    فأجاب: "يجوز ذلك إذا أمِنَت الفتنة، وكانت قادرة على إقناع ذلك الرجل، وبيان الحق بعبارة واضحة، ولم يكن في كلامها خضوع ولا تغنج، وبالأخص إذا كانت تعرف ذلك الرجل لقرابة بينهما أو لمجاورة وتحققت منه الوقوع في الذنب، أو فعل المعصية ويُفضل أن يكون كلامها معه بحضرة أحد محارمها أو أقارب الرجل من ذكور وإناث أو يكون مكالمة هاتفية أو تُهدي إليه أشرطة دينية أو كُتيِّبات إسلامية وتحثه على قراءتها فلعل ذلك يكون أوقع في التأثير عليه([13]).

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    _________
    (*) الكـاتب : صادق بن محمد الهادي
    [1]: المراد به: التصفيق كما في بعض الروايات
    [2] - ‏أخرجه البخاري باب رفع الأيدي في الصلاة لأمر ينزل به أبواب العمل في الصلاة (1/407- 1160) ومسلم في الصلاة، باب تقديم الجماعة من يصلى بهم إذا تأخر الإمام ولم يخافوا مفسدة بالتقديم (2/25- 976).
    البخاري‏‏ ‏(‏1/167‏)‏، و‏صحيح مسلم‏ ‏(‏1/316، 317‏)‏، و‏"‏موطأ مالك‏"‏ ‏(‏1/162، 163‏)‏، و‏سنن أبي داود‏‏ ‏(‏1/245، 246‏)‏، و‏سنن النسائي‏ ‏(‏2/82، 83‏)‏‏]‏‏. ‏
    [3] - أخرجه مسلم في الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء وبيان الفتنة بالنساء (8/89- 7124).
    [4] - أخرجه البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم(1/314- 304).
    [5] - فتح الباري لابن حجر (14/337).
    [6] - أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان (ج1/ص50- 186).
    [7] - أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (24/311- 785) والهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، في باب في سمراء -رضي الله عنها-(9/219- 15440) وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، ورجاله ثقات". وانظر: (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لابن عبد البر، باب السين (ج4، ص 419) دار الكتب العلمية.
    [8] - المحلى (9/429).
    [9] - الإصابة في تمييز الصحابة (7/728).
    [10] - الاستيعاب في معرفة الأصحاب (2/104).
    [11] - أحكام القرآن لابن العربي (6/212).
    [12] - أحكام القرآن (3/1446) والجامع لأحكام القرآن (13/183).
    [13] - موقع الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين:
    http://ibn-jebreen.com/ftawa.php?view=vmasal&subid=3404&parent=786

  • #2
    رد: حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب

    جزاكم الله خيرا


    (اللهم ارزقنى شهادة فى سبيلك واجعل موتى فى بلد رسولك)


    تعليق


    • #3
      حكم احتساب المرأة ودعوتها الرجال عبر شبكة الإنترنت

      حكم احتساب المرأة ودعوتها الرجال عبر شبكة الإنترنت


      إن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أجل الطاعات، وأعظم القربات، فنفعها متعدٍ للخلق، بها ينتشر الإسلام، وتُحفظ شرائعه، ويوقظ الغافل، ويُرشد الجاهل، ويهدى الضال، ويتبصر الناس بدينهم، فثوابها جزيل، وأجرها عظيم، وعاقبتها حسنة في الدنيا والآخرة، وفضائلها كثيرة ومشهورة، قال - تعالى -: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [فصلت: (33)]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فو الله لأن يُهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم))[2] متفق عليه.

      والدعوة إلى الله تتجدد في كل مكان وزمان من حيث الأسلوب والوسائل والمجالات، ومن أعظم المجالات المعاصرة وأهمها مجال الإنترنت، فالدعوة إلى الله من خلاله لها مزايا وخصائص عديدة، قلّ أن توجد في غيرها، ومن أبرزها:

      - عالمية الدعوة، فالداعية يخاطب مشارق الأرض ومغاربها.

      - سهولة الانتشار بإجراءات وخطوات بسيطة.

      - حرية الكلمة، فالدعوة في هذا المجال بلا قيود ولا حدود.

      - قلة التكلفة المادية في إعداد البرامج والأنشطة الدعوية.

      - الدعوة فيها ذات طابع تفاعلي بين الداعية والمتلقين.

      - توثيق المعلومات وحفظها سواء كانت المادة صوتية أو مكتوبة أو مرئية.

      - سهولة الإطلاع والوصول على نتاج الدعاة، وبحوث العلماء وفتاواهم، والاستفادة منها في أي وقت، ولو طالت المدة.

      وفي هذا الموضوع نتناول حكم دعوة النساء للرجال والاحتساب عليهم عبر هذه الشبكة: يعني هل يجوز أن تأمر الفتاة الرجل وتنهاه عن المنكر وتستمر في نصحه في المواقع الشبكية عن طريق إجراء حوارات وردود ومناقشات معه عبر شبكة الانترنت سواء كان ذلك (بالمراسلة عن طريق البريد، أو بالتخاطب عبر الشات، أو بالمحادثة الصوتية أو غير ذلك)؟ فنقول وبالله التوفيق:

      أولاً: لا حرج على المرأة المسلمة من الاستفادة من الإنترنت، ما لم يؤدِ ذلك إلى محذور شرعي؛ لأن الإنترنت وسيلة في تحصيل الخير والعلوم النافعة، وقد تكون هذه الشبكة أيضاً سبباً للمفاسد والشرور، لاسيما وأن هذه الشبكة تُعد كما يقال: سلاحاً ذا حدين، ووسيلة ذات وجهين متعارضين؛ وذلك راجعٌ إلى أن فيها عوامل الهدم، وعوامل البناء، وأسباب الهداية، ودواعي الغواية.

      ولا شك أنه قد أصبح للمرأة وجود ملموس على هذه الشبكة -بغض النظر عن مدى أهمية وجودها من عدمه- المقصود أنه أصبح لها تواجد على هذه الشبكة، بل إن بعض الدراسات تفيد أن مستخدمي الإنترنت من النساء يفوق عدد المستخدمين للانترنت من الرجال.

      ولهذا فلا بأس أن تقوم المرأة بالدعوة عبر الانترنت، لكن بشرط أن يكون ذلك في مجالات وضوابط معينة، أهمها أن يكون ذلك في أوساط النساء لا في أوساط الرجال.

      ثانياً: أما دخول المرأة الشبكة من أجل أن تأمر وتنهى الرجال، أو تدعوهم إلى الله عن طريق محادثتهم، وتكوين صداقات معهم عبر هذه الوسائل فإنه لا يجوز - ولو كان ذلك بقصد الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- للأسباب التالية:

      1- أن هذه المحادثات الخاصة بين الرجل والمرأة من أعظم أسباب الفتنة؛ لأن الله قد جعل المرأة ميالة إلى الرجل والرجل ميال لها؛ ولذا سـدّ الله - تعالى -الطرق المفضية والمؤدّية إلى الوقوع في الحرام، فجاءت الشريعة بسد كل الأبواب المفضية إلى الفتنة، فحُرّم نظر الرجال إلى النساء، وأمر بغض البصر، وحرّم الخلوة، ومنع الاختلاط بين الجنسين، وحرّم على النساء النظر إلى الرجال نظر شهوة وريبة، ومنع المصافحة بين الجنسين إلا في المحارم، ومنع من الخضوع بالقول، كل هذه الأمور يصح أن نُسمّيها: احتياطات شرعية لمنع وقوع الفاحشة، فلا يصحّ أن تُرتكب هذه الأشياء تحت شعار "حُسن النية" أو "براءة المقصد" أو تحت أي شعار من هذه الشعارات، وقد كان عطاء بن أبي رباح يقول: "لو ائتمنت على بيت مال لكنت أميناً، ولا آمن نفسي على أمةٍ شوهاء" وعلّق عليه الإمام الذهبي بقوله: "صدق - رحمه الله - ففي الحديث: ((لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان)) [3][4].

      ومن المعلوم في دين الله - تعالى -تحريم إتباع خطوات الشيطان، وتحريم كل ما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرام، حتى لو كان أصله مباحاً، وهو ما يسمِّيها العلماء "قاعدة سد الذرائع" وفي هذا يقول الله - عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [النــور: (21)]، ويقول الله - تعالى -: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) [الأنعام: (108)]، ففي هذه الآية ينهى الله - تعالى - المؤمنين عن سبِّ المشركين؛ لئلا يفضي ذلك إلى سبهم الربَّ - عز وجل -، وأمثلة هذه القاعدة في الشريعة كثيرة، ومسألتنا هذه من هذا الباب، فالمحادثة -بالصوت أو الكتابة- بين الرجل والمرأة طريقاً للوقوع في حبائل الشيطان، فيجب على المرأة الكف عن محادثة الرجال ولو بقصد الدعوة؛ لأن إنقاذ نفسها أولى من إنقاذ غيرها.

      2- أنه يترتب على هذه المحادثات الكثير من التساهل في الحديث والذي يؤدي إلى الإعجاب والافتتان غالباً؛ ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك ابتغاء مرضاة الله، وحذراً من عقابه.

      3- أن محادثة النساء للرجال عبر الإنترنت ذريعة إلى الوقوع في كثير من المحظورات، بداية من اللغو في الكلام، ومروراً بالكلام في الأمور الجنسية وما شابهها، وختاماً بتخريب البيوت، وانتهاك الأعراض، والواقع يشهد بذلك.

      4- أن هذا قد يُعد من اتخاذ الأخدان الذي نهى الله - عز وجل - عنه في كتابه الكريم، حيث حرم الله - سبحانه وتعالى - اتخاذ الأخدان، أي: الأصدقاء والصديقات على كلٍ من الرجال والنساء، فقال في خصوص النساء: (مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) [النساء: (25)]، وقال - تعالى -في خصوص الرجال: (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) [المائدة: 5]، فاتخاذ الأخدان محرم سواء كان عبر الهاتف، أو الدردشة في الإنترنت، أو اللقاء المباشر، وغيرها من وسائل الاتصال المحرمة بين الرجل والمرأة.

      وما يعرف اليوم بمواقع الدردشة هي في معظمها أوكار فساد ومصايد للشيطان أفسدت دين ودنيا كثير من أبناء وبنات المسلمين، فعلى المسلم أن يحذر منها، وأن يستغل وقته ويبذل جهده فيما يعود عليه بالنفع في دينه ودنياه، ولا يجوز أن ننسى أبداً شهادة الواقع لما قاله الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء)[5] متفق عليه.

      5- أنه موطن تنعدم فيه الرقابة، ولا توجد فيه متابعة ولا ملاحقة، فيفضي كلا الطرفين إلى صاحبه بما يشاء دون خوف من رقيب، ولا حذر من عتيد، فهو أبلغ أثراً، وأعظم خطراً من الحديث المباشر.

      6- أنه يستلزم الكذب إن عاجلاً أو لاحقاً، فإذا دخل الأب على ابنته، وسألها ماذا تصنع فلا شك في أنها ستلوذ بالكذب وتقول: إنني أحدث إحدى صديقاتي، وإذا سألها زوجها في المستقبل عما إذا كانت مرت بهذه التجربة فإنها لا شك ستكذب عليه.

      7- أنه يدعو إلى تعلق القلوب بالخيال والمثالية حيث يصور كل طرف لصاحبه أنه بصفة كذا وكذا، ويخفي عنه معايبه وقبائحه حيث الجدران الكثيفة، والحجب المنيعة التي تحول دون معرفة الحقائق، فإذا بالرجل والمرأة وقد تعلق كل منهما بالوهم والخيال، ولا يزال يعقد المقارنات بين الصورة التي طبعت في ذهنه وبين من يتقدم إلى الزواج به وفي هذا ما فيه.

      وقد سئل الشيخ ابن جبرين - رحمه الله -: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علماً بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟

      فأجاب: "لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه لما في ذلك من الفتنة، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به، وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - من سمع بالدجال أن يبتعد عنه، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن، ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه[6] ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة، وخطر كبير يجب الابتعاد عنها، وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام" [7] انتهى.

      وسئل الشيخ خالد السبت: هل يجوز أن تأمر الفتاة وتنهى عن المنكر لرجل وتستمر في نصحه في المواقع الشبكية؟

      فأجاب - حفظه الله -: "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب في كثير من الأحوال على المرأة والرجل، ولكن المرأة تأمر النساء من جنسها، وتأمر الرجال من محارمها، وأما غير هؤلاء فينتدب لأمرهم ونهيهم الرجال؛ لأن المقصود من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو تكثير الخير وتقليل الشر، ودخول المرأة آمرة وناهيةً للرجال الأجانب مظنة لوقوع المنكر، والارتباط بهؤلاء الرجال بحيل لا تخفى على العاقل، فقد يظهر لها القبول والإذعان والمحبة لما تقدمه وتذكره من النصائح، ثم يبدي لها فقره الشديد إلى مثل هذه التوجيهات؛ ولربما غرر بها، وضحك عليها بأنه يسكن في محل بعيد لا يوجد فيه من يعلمه الإسلام، ولا يوجد فيه من الكتب والمحاضرات والبرامج الدعوية وما إلى ذلك، وأن هذا السبيل الوحيد الذي أنقذه الله - عز وجل - به من الظلام، فتصدقه المسكينة وتتحمس، وتظن أن هذا من الرزق الذي ساقه الله إليها أن هدى الله - عز وجل - بها أحداً من الخلق، وقد يكون هذا الذئب المتلصص من جيرانها، وفي حيها، فهو يذكر لها أنه يعيش في جزيرة بعيدة منقطعة عن العالم، وهذا شيء مشاهد، وسمعته من الكثيرين، حتى أولئك الذين يدخلون على من يستمعن المحاضرات عن طريق البالتوك؛ لربما يسحبها بحديث جانبي، وهي جاءت لسماع المحاضرة، فيتحدث معها أنه لم يفهم كلام الشيخ في القضية الفلانية، أو أنه بحاجة إلى أن يعرف الإسلام، وله رغبة في الدخول فيه، فتتحمس المسكينة، وتتراسل معه، وتتواصل بالمكاتبات، ولربما بالصوت شيئاً فشيئاً، ثم يخدعها بعد ذلك ويمنيها؛ ولربما هيأت له بعض المحاضرات وبعض الكتب والمطويات، وذكر أنه سيأتي مع وفد من الشركة بعد مدة من الزمن إلى بلادها وهو لربما يسكن في حيها في واقع الأمر، ثم تتلهف متى يأتي هذا الإنسان فتواعده في مكان، ثم بعد ذلك تقع أمور لا تحمد عقباها.

      هذه من خطوات الشيطان، وهؤلاء الذين يستجرون النساء في الواقع من الشياطين، بل أخبرت عن أحد هؤلاء الشياطين الذي كان يقول بكل بجاحة لأصحابه: "لو كانت أطهر من ماء السماء وهي ممن يكتب في المنتديات فأنني استطيع أن أوقع بها" وكان يراهن على هذا ويتحدى أصحابه.

      إن دخول المرأة لهذه الشبكة لا شك أنه أمر محفوف بالمخاطر، بما يحصل بسبب ذلك من كثرة اشتغالها به، وتعطليها لما هي بصدده من القيام بحقوق الزوج إن كانت متزوجة، والأولاد إن كان لها أولاد، والقيام على شؤون المنزل، أو ما يتصل بها من تعلم ودراسة وما شابه ذلك...وكذلك أيضاً ما يعترض هذه المنتديات خاصة وإن كانت إسلامية إذا كان يتحدث فيها الرجل إلى المرأة والمرأة إلى الرجل، وكتابات متبادلة، وتشجيع -كما سبق- وتأييد، فإن ذلك يؤدي إلى الإيقاع بالمرأة، وتكوين الروابط والعلائق والتعلق القلبي الذي لا تستطيع دفعه، والمرأة قلبها ضعيف، والإنسان قلبه ضعيف! فتجد أن ذلك يعلق في قلبها؛ ولربما استرسلت معه، ولربما حاولت دفعه، ولكنها لا تتمكن، وهذا شيء مشاهد، وكم من امرأة وقعت بسبب مثل هذه الكتابات والمداخلات والمحاورات والتأييد لهذا أو ذاك! فصارت تحب هذا الإنسان أو ذاك محبة سيطرت على قلبها، وخالطت أعماقها، وصار هذا الإنسان أحب إليها من زوجها، ومن ولدها ومن نفسها، فأصبحت لا تجد طعماً للحياة من دونه ومن دون محادثته ومداخلته ومكاتبته، وإذا أطل عليها بالكتابة والمداخلة فإنها تعبر عن ذلك الإطلال بعبارات تدل على شغف عظيم، وانتظار ولهف لمحادثته، والخلوة به، وإذا كانت المرأة وصلت إلى هذه المثابة فمن السهولة بمكان أن تواعد وأن تخرج؛ لأن قلبها صار معبداً لهذا الإنسان، متيماً بمحبته، فهي مولعة به، فتكون عبدة رقيقة لا ترد له طلباً، وإن أظهرت في أول الأمر التمنع، وحاولت أن تبدي شيئاً من الصيانة، وما إلى ذلك إلا أن قلبها يدفعها إليه دفعاً لا قبل لها به، ولا تستطيع الثبات معه، فتخرج معه وتواعده وتحادثه وتخلو به، إلى غير ذلك من الأمور التي يزينها الشيطان!.

      وقد أوقفني بعض الإخوان على أمور كثيرة في هذا الباب: فهذه امرأة لربما كانت داعية، ولربما كان هذا الإنسان في هذا الموقع، ولربما كان مشرفاً على جانب من جوانبه تقع بينها وبينه من العلاقات والمحبة والعشق والمهاتفات كان في أول الأمر إيقاظاً للصلاة، وما إلى ذلك مما يزعمون أنه من التعاون على البر والتقوى، ثم مراسلات بالجوال فيها غرام، وهذه أمور واقعة الذي يردها إما إنه جاهل بحقيقة الحال، أو أنه مكابر... وكم من امرأة أوقع بها بسبب الصور التي ترسل إليها، وقد وقفت على بعض الحالات التي أدت لبعض النساء اللاتي كنا يتمازحن إرسال هذه الصور عن طريق هذه الشبكة أو في خارجها، يأخذن من هذه الشبكة ثم تعطي صاحبتها فبعد ذلك تضطرم الشهوات، ثم تخرج تلك المرأة لتفرغ هذه الشهوة، ولربما ابتليت إحداهن بمرض مستعصٍ لا يعرف له برء كان سبباً لموتها، وأعرف بعض الحالات التي وقعت بسبب هذا، وقد كانت السائلة التي أوقعتها بهذا تسأل هل لها من توبة؟ حيث أوقعت بتلك المرأة وكانت البداية هي مزاح ومضاحكة وما أشبه ذلك...

      فأقول: هذا خطر عظيم، فإن استطاعت المرأة أن تتجنب هذا الشبكة بالكلية فهو خير لها، فإن أبت فلتدخل في بعض المواقع المعروفة النظيفة التي لا حوار فيها أصلاً، وتقرأ الأخبار، أو ما أشبه ذلك، وما ينفعها وبعض الأبحاث التي تكتب، وما إلى ذلك من الفتاوى ونحو هذا، فإن أبت فإنها تدخل في المواقع التي تستطيع أن تكتب فيها دون أن تكون هناك مداخلات فتسلم بهذا" [8] انتهى كلامه.

      إذن نقول: إن الأولى للمرأة الابتعاد عن ذلك حتى لا تنجر إلى ما بعده؛ من التدرج في موضوعات المراسلة إلى ما نهى الله عنه، وإذا كان لا بد للمرأة أحياناً من المراسلة بغرض السؤال عن العلم في هذا الزمن الذي بدأت فيه وسيلة الإنترنت تحتل حيزاً كبيراً في حياة الناس، فالأولى أن تكون المراسلة بين أفراد من جنس واحد، ما لم يكن هناك ضرورة خاصة تقتضي المراسلة مع الجنس الآخر، وفي هذه الحالة يجب التأدب والاحتياط خشية الوقوع فيما يغضب الله، والالتزام بالشروط الآتية:

      1- عدم الإكثار من الكلام خارج موضوع المسألة المطروحة من العلم أو الدعوة، بل لا بد أن يكون الحوار دائراً حول إظهار حق وإبطال باطل، وتعليم العلم وتعلمه: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: (43)].

      2- أن لا يخرجا عن دائرة آداب الإسلام في استعمال الألفاظ، واختيار التعابير غير المريبة، أو المستكرهة الممقوتة، كما هو شأن كثير من أهل الأهواء والشهوات، بمعنى عدم ترقيق الصوت أو تليين العبارة.

      3- عدم السؤال عن المسائل الشخصية التي لا تتعلق بالبحث، كالسؤال عن العمر، أو الطول، أو السكن…الخ.

      4- أن يكون الحوار عبر ساحات عامة، يشارك فيها جمع من الناس، وليس حواراً خاصاً بين الرجل والمرأة لا يطلع عليه غيرهما، حتى لا يترك للشيطان سبيل إلى قلوب المخاطِبين، فإن هذا باب من أبواب الفتنة، فإذا توافر في الحوار هذه الأصول، وكان جارياً مع عدم الرؤية والخطاب المباشر فإنه قد يتسامح فيه، والأولى ترك ذلك وسد هذا الباب؛ لأنه قد يجر الإنسان إلى المحرم، فالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

      5- الكف المباشر عن التخاطب إذا بدأ القلب يتحرك نحو الشهوة [9].

      6- لا يجوز أن يخاطب الرجل المرأة بالمنتدى بعبارة: عزيزتي، أو هي تخاطبه: بعزيزي أو غيرها من العبارات المتلطفة أو تبادل الضحكات التي ربما كسرت قلوب القوارير، وقد قال - عليه الصلاة والسلام -: ((رويدك سوقك بالقوارير))[10] قال ذلك لمن يحدو ويُنشد بصوت حسن، ويكتفي بالتخاطب بمثل عبارة: أختي الفاضلة، الكريمة، ونحو ذلك؛ لأن المرأة المسلمة يجب عليها أن تحافظ على ثلاث مسافات بينها وبين الرجل الأجنبي، وهي:

      - مسافة من الحجاب الشرعي.

      - مسافة من الأدب في الخطاب عند الحاجة فقط.

      - مسافة ثالثة تبعدها من تكوين أي علاقة حب قبل الزواج.

      7- أن لا يكون الحوار مضراً بالإسلام والمسلمين بل عوناً لهم، ليتعلموا دينهم عن طريق القنوات الجديدة، فكما أن الكفار يصرفون أوقاتهم لنشر الباطل، فإن المسلم يصرف كل جهوده في سبيل نشر الفضيلة والخير والصلاح.

      هذا هو أدب الإسلام، وبه يحفظ الرجل دينه وعفته، وتحفظ المرأة المسلمة كرامتها وعفتها وشخصيتها، وترفع قدرها، وتصون شرفها، وتعلو منزلتها.

      وكم حدثت من مآسٍ ومصائب بسبب المحادثات عبر الإنترنت، وكم أدت إلى الوقوع في الحرام، وكم خدعت به شابة مسكينة، وكم سقط فيها شاب في حبائل الشيطان، وكم استطاع أهل الفجور ابتزاز بنت جاهلة وقعت في حبائلهم، ومعلوم أن هذه العلاقات غالباً ما تؤدي إلا إلى الإثم والخسران، حتى لو أدت إلى الزواج فهي طريق غير مشروع؛ ولهذا فغالباً ما يستمر مع الزوج الشك بعد الزواج في هذه الزوجة التي كانت تحادث الرجال بلا حياء، ويتساءل ما الذي يمنعها من محادثتهم بعد الزواج؟ وكذلك تشك الزوجة في هذا الزواج الذي لم يمنعه دينه ولا عفته أن يقيم علاقات مع النساء قبل الزواج، فما الذي يمنعه من فعل ذلك بعد الزواج؟ والشك يهدم الأسر.

      ولهذا فنصيحتنا لكل فتاة أن تقطع أي علاقة لها مع الرجال -ولو كان الهدف الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-، والله أعلم.

      وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
      ____________
      الكـاتب : صادق بن محمد الهادي
      [1]: باحث بوحدة البحوث والدراسات في مركز المحتسب للاستشارات
      [2] - أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب فضل من أسلم على يديه رجل (3/1096- 2847) ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل على بن أبى طالب -رضي الله عنه- (7/121- 6376).
      [3] - أخرجه أحمد(ج3/ص446) (15734) وصححه الألباني في صحيح الجامع (2546) ومعناه متفق عليه بلفظ: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم)).
      [4] - سير أعلام النبلاء (9/96).
      [5] - أخرجه البخاري في كتاب النكاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة (5/195-4808) ومسلم في الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء(8/89- 7121).
      [6] - أخرجه أبو داود في الملاحم، باب خروج الدجال(4/197- 4321) وأحمد (33/107- 19875) وصححه الألباني في صحيح الجامع انظر حديث رقم: (6301) ولفظه: ((من سمع بالدجال فلينأ عنه، فو الله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به الشبهات)).
      [7] - فتاوى المرأة جمع محمد المسند (ص 96).
      [8] - المصدر: موقع فجر الإسلام.
      [9] - ينظر: فتاوى الشيخ عبد الرحمن السحيم، بتصرف.
      [10] - أخرجه البخاري في كتاب الأدب، باب من دعا صاحبه فنقص من اسمه حرفاً (5/2291- 5849) وفي غيره. ومسلم في الفضائل، باب في رحمة النبي - صلى الله عليه وسلم - للنساء، وأمر السواق مطاياهن بالرفق بهن(7/78- 6180).
      التعديل الأخير تم بواسطة راجية جنة الرحمن; الساعة 01-12-2012, 06:09 PM. سبب آخر: تعديل إملائي

      تعليق


      • #4
        رد: حكم احتساب المرأة على الرجال الأجانب

        جزاكم الله خيرا
        استغُفِركَ ربّي مِن كُل نية سيئة جَالت في صُدورنا
        ومِن كُل عًمل سئ تَضيقُ به قبورنًا




        تعليق

        يعمل...
        X