♥\ الأُخُــوَّةُ الإيمانِيَّــة \♥
- - - - - -
لا بُـدَّ مِن استشعار الآياتِ والأحاديثِ الدَّالَّةِ على أُخُوَّتِنا ، فليس لنا اختيارٌ في أنْ نكونَ إخـوَة ، ليس لنا اختيارٌ في هـذا أبـدًا ما دُمنا على الإسلام ، فما دُمنا على الإسلام نبيُّنا - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يقول : (( المُسلمُ أخو المُسلِم )) الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2564
خلاصة حكم المحدث: صحيح
، لا اختيارَ لي في ذلك ، شِئتُ ذلك أم أَبَيْتُه ، فأنا أخٌ للمُسلِم ، ولقـد قال تعالى - ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ النساء/122 – قال : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ الحجرات/10 ، هكذا قال رَبُّنا سُبحانه وتعالى .
فالذي أُريدُه لأخي مِن أُمِّي وأبي أريدُ أفضلَ منه لأخي في الله ، لأخي المُسلِم ، فأُخُـوَّةُ الإسلامِ تبقى ، أمَّا سائِرُ الأُخـوَّاتِ وأسبابِ التَّواصُل فلقـد قال اللهُ عنها : ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ الأنعام/94 ، أىْ : لقـد تقطَّعت الأوصالُ التي كنتم تتواصلون بها في دُنياكم ؛ أوصالُ النَّسَب ، أوصالُ الصَّداقات ، أوصالُ الصِّهْرِ والزَّوجات ، تقطَّعت كُلُّ الأوصال ، لم تبقَ إلَّا وَصْلَةٌ واحـدة ، وهِيَ " وَصْلَةُ الإيمان " ، فلا يَسوغُ لنا بحالٍ أنْ نُمَزِّقَ هـذه الأُخُـوَّة ، حتى لو قُتِلَ أخي مِن شخصٍ مُسلِم ، فالأُخُـوَّةُ ما زالت باقية ، قال تعالى في كتابه الكريم : ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ البقرة/178 ، فوُصِفَ بأنَّه ما زالَ أخًا .
وكذلك لا يَخفَى عليكم قولُ النبيِّ عليه الصلاةُ والسَّلام : 2032 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) ، (( لا يخطِب أحدُكم على خِطبةِ أخيه ))الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7666
خلاصة حكم المحدث: صحيح ، (( لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسِه ))الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] . النصوصُ تتوالى لإثباتِ هـذا الأصل ، (( لَعلَّ بعضَكم أنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِن بعض )) الراوي: أم سلمة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3583
خلاصة حكم المحدث: صحيح
، نُصوصٌ مُتواليةٌ تُذَكِّرُ بهـذه الأُخُـوَّة ، حتى لا يقطعَها عابِثٌ ، حتى لا يقطعَها شِرِّيرٌ مُفسِد ، فأُخُـوَّةُ الإسلامِ باقية ، ولا يجوزُ أنْ تُقطَعَ إلَّا بالكُفِرِ والعِيَاذُ بالله .
وإذا هَجرتُ أخي في اللهِ لِمعصيةٍ ارتُكِبَت ، فهُجراني له كالطبيبِ المُعالِجِ الذي يُعطي المريضَ إبرةً تُؤلِمُه ، لكنْ لراحَتِه ، فلا يكونُ هُجراني له تَشَفِّيًا ، إنَّما هُجراني لصالِحِهِ ، رِفقًا به مِن الجحيم ، خوفًا عليه مِن الزَّلَل ، خوفًا عليه مِن الضياع ، هكـذا ينبغي أنْ يكونَ الهُجران ، هُجرانًا لله ، ليس للنَّفْسِ منه حَظّ ، ليس للهَـوَى مِنه نصيب ، إنَّما وإذا هَجَرْتُ أخي المُسلمَ المُرتَكِب مُخالَفَةً أهْجُرُهُ رفيقًا به ، حَنونًا عليه ، سائِلاً اللهَ له الهِداية ، سائِلاً اللهَ له التَّوفيق ، سائِلاً اللهَ أنْ يتوبَ عَلَيَّ وأنْ يتوبَ عليه معي . هكـذا ينبغي أنْ تكونَ أُصولُ الهُجران ، هُجرانٌ للهِ كما سمَّاه العُلَماء ، فقـد ذَكَـرَ أَئِمَّتُنا وعُلَمَاؤنا أنَّ إغضابَ الأَخِ في اللهِ كبيرةٌ مِن الكبائِر ، واستدَلَّ بعضُهم لذلك بالذي أخرجه مُسلِمٌ في صحيحِهِ ، وحاصِلُه أنَّ أبا سُفيان بن حَرْب مَرَّ عامَ الفتح على بِلالٍ وصُهَيْبٍ وعَمَّار وسَلْمان ، فرأَؤهُ يمشي آمِنًا ، وقبلُ كان يقول : " اعُلُ هُبَل " ، وكان يقول : " لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم " ، فلَمَّا رأَؤهُ يمشي آمِنًا يومَ الفَتْح ، قالوا : ( واللهِ ما بلَغَت سيوفُ اللهِ مِن عَـدُوِّ اللهِ مَبْلَغَها ) ؛ أىْ : كان ينبغي أنْ يُقتَلَ مِثْلُ هـذا . قال أبو بكر : أتقولون هـذا لِسَيِّدِ قُريش ؟ ثُمَّ انطلق أبو بكرٍ يُخبِرُ النبيَّ بأمرِهم صلواتُ اللهِ وسلامُهُ على رسولِه ، أبو بكرٍ ينتظِرُ أنْ يُؤَدِّبَ النبيُّ الصّحابةَ المذكورين ، وتعلمون منزلةَ أبي بكرٍ مِن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام ، ولكنْ ماذا قال ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( يا أبا بكر ، أغضبتَهم يا أبا بكر ؟ إنْ أغضبتَهم فقـد أغضبتَ رَبَّكَ عَزَّ وجلَّ )) ، فرَجَعَ أبو بكرٍ مُسرِعًا إليهم ، مُعتذِرًا عَمَّا سَلَف ، ( أغضبتُكم يا إخوَتاه ؟ ) قالوا : لا ( غَفَرَ اللهُ لَكَ يا أُخَيَّ )الراوي: عائذ بن عمرو المزني أبو هبيرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2504
خلاصة حكم المحدث: صحيح ، فلهـذا ذَكَرَ فريقٌ مِن العُلَماءِ أنَّ إغضابَ الأخِ في اللهِ بغيرِ سببٍ ما كبيرةٌ مِن الكبائِر .
ولقـد تعلمون ما يَدُلُّ على قُـوَّةِ الأخُـوَّةِ الإيمانيَّـةِ ، تعلمون مَن الذين بارَزُوا يومَ بَـدْر ، بارَزَ عُتبةُ بنُ رَبيعة وشَيْبَةُ بنُ رَبيعة والوليدُ بنُ عُتْبَة – ثلاثَتُهم مِن أهل الكُفْرِ – بارَزُوا مَن ؟ عَلِيًّا وحَمزةَ وعَبِيدةَ بنَ الحارِث ، ليس شاهدي مِن المُبارزة ، إنَّما الشَّاهِدُ مِن أنَّه كان في صفوفِ المُسلمين رجلٌ لا يَخفَى عليكم اسمُه ، مَن هُو ؟ هو أبو حُذَيْفَـة ، الذي نقولُ عنه سالِم مَوْلَى أبي حُذَيْفَة ، زَوْجُ سَهْلَة ، فأبو حُذَيْفَـة هـذا الذي هو زَوْجُ سَهْلَةَ - صاحِبة حديث : (( جاءت سهلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! إن سالما يدخل علينا ، وقد عقل ما يعقل الرجال ؟ وعلم ما يعلم الرجال ؟ ! قال : أرضعيه تحرمي عليه بذلك فمكثت حولا لا أحدث به ، ولقيت القاسم ، فقال : حدث به ، ولا تهابه)) الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3322
خلاصة حكم المحدث: صحيح
– كان في صفوفِ المُسلمين . مَن أبوه ؟ أبُوهُ عُتْبَةُ بنُ رَبيعة ، عَمُّهُ شَيْبَةُ بنُ رَبيعَة ، أخوهُ الوليدُ بنُ عُتْبَة ، تَخَيَّـلْ هـذا . هو في صُفوفِ المُسلمين مُسلِمٌ وللهِ الحمد ، ومُسلِمٌ قوىُّ الإيمان ، أبو حُذَيْفَـة بنُ عُتْبَـة بنُ رَبِيعَـة ، يتمنَّى نُصرةَ مَن ؟ أبوهُ وأخوهُ وعَمُّه يُقاتِلُون ، وأُخُـوَّةُ الإيمانِ باقيـة ، عَلِيٌّ وحَمزةُ وعَبِيـدَة يُقاتِلُون ، وهو في صَفِّ عَلِيٍّ وحَمْزَةَ وعَبِيـدة ، يسألُ اللهَ النَّصرَ لأهلِ الإسلام ، وإنْ كان المُحارِبُ أبوهُ أو أخوهُ أو عَمُّه ، قُتِلَ ثلاثَتُهم ، قُتِلَ أبوه ، وقُتِلَ أخوه ، وقُتِلَ عَمُّه ، قُتِلَ ثلاثَتُهم ولم يَحْتَجُّ لذلك ما دام مُؤمِنًا ، بل أقبلَ على المَوْلَى مِن الموالي الذي ليس له في العربِ كبيرُ نَسَبٍ ، وزَوَّجَ سالِمًا – مَوْلاهُ الذي كان عبدًا عِنده ، فأعتقَه – زَوَّجَهُ لأُختِه ، فهكـذا الأُخُـوَّةُ الإيمانيَّـةُ تصنع .
فلا ينبغي أبـدًا أنْ تُقطَعَ الأُخُـوَّةُ الإيمانيَّـة ، وإلَّا فقطعُها مُؤذِنٌ بالفَشَل ، وقَطْعُها مُؤْذِنٌ بالهزيمة ، ولقـد قال اللهُ تعالى في كتابه الكريم : ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ الأنفال/46 ، وقال تعالى : ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ آل عمران/105 . فالتَّنَازُعُ يأتي بالفَشَل ، التَّنَازُعُ يأتي بالعـذابِ العظيم ، التَّنَازُعُ يرفعُ الخيرات ، ويذهَبُ بالبركات ، لقـد قال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - لأصحابِه وهو في مرض الموت : (( هَلُمُّـوا أكتُبُ لكم كِتابًا لا تَضِلُّوا بعـدَهُ أبـدًا )) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4432
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
، وهو يحتضِرُ أو بين يَدَيْ الاحتِضار ، (( هَلُمُّـوا أكتُبُ لكم كِتابًا لا تَضِلُّوا بعـدَهُ أبـدًا )) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4432
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
، فقال قائِلُهم : قَرِّبُوا لرسولِ يكتُبُ لنا كِتابًا لا نَضِلُّ بعـدَهُ أبـدًا ، وقال آخَـر : إنَّ الرسولَ قـد هَجَر ( أىْ تكلَّمَ بكلماتٍ مِن شِدَّةِ المرض ) ، وعِندنا كِتابُ اللهِ كافِينا وحَسْبُنا ، واختلفوا ، وماينبغي عند نبيٍّ الاختلاف ، فقال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - لَمَّا رأى مِن اختلافِهِم ولَغَطِهم : (( قُوموا عَنِّي ، فَوَاللهِ لَلَّذِي أنا فيه خَيْرٌ مِمَّا أنتم فيه )) ، ومات صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ولم يكتُب لأصحابِهِ ذلك الكِتاب ، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما : ‹‹ إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّة – أىْ المُصيبة كُلّ المُصيبة – ما حال بين رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – وبين أنْ يكتُبَ لأصحابِهِ هـذا الكِتاب ›› ، بسببِ الاختلافِ والَّلغَط .
فلا يَـدُبُّ الاختلافُ ولا تَدُبُّ الفُرْقَةُ في مكانٍ إلَّا مَزَّقَته . فجديرٌ بنا أنْ نُراعِيَ أواصِـرَ الأُخُـوَّةِ الإيمانِيَّـة ، ولا نسعى أبـدًا في تقطيعِها ، فالقاطِعون يقطعُهم الله ، والواصِلون يَصِلُهم الله ، ومِن أَوْكَـدِ ما يُوصَلُ الأُخُـوَّةُ الإيمانِيَّـة ، فجديرٌ بِنا أنْ نَحْرِصَ عليها ، وأىُّ ساعٍ لِقَطْعِها علينا أنْ نُجابِهَهُ بكُلِّ سبيلٍ وبكُلِّ طريق ، بالحِكمةِ والموعظةِ الحسنة ، إنْ أَجْدَتْ فلِلَّهِ الحمد ، بالزَّجْرِ رِفقًا به ، بالزَّجْرِ خوفًا عليه ، وحِفاظًا على وِحـدةِ أهل الإسلام ، ذلك أمرُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلومًا )) ، كيف أنصرُه ظالِمًا يا رسولَ الله ؟ قال : (( تمنعُه مِن الظُّلْمِ ، فذاك نصرُكَ له )) .
فجديرٌ بِنا أنْ نحفظَ تلكَ الأُخُـوَّة ، وأنْ نَدَعَ الاختلافاتِ جانبًا ، وأنْ نتعلَّمَ الصَّوابَ مِن الخطأِ مِن خلال كتابِ الله ، وسُنَّةِ رسولِ الله ، فذاكُمُ الحَكَمُ على الأشياء ، وذاكمُ الحَكَمُ على الأشخاص ، فالذي يجهلُ يُعادي بجَهْلِهِ ، الذي لا يعلمُ يُعادي بسببِ عـدمِ عِلْمِه ، قال تعالى : ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ الأنبياء/24 ، فإعراضُهم بسببِ الجَهْل ، فلندفع عن أنفُسِنا الجَهْلَ قَـدْرَ الاستطاعة ، حتى لا نقعَ في شِقاقٍ وعِناد ، وقـد نكونُ على باطِـل ، وقـد نكونُ على خطأٍ في شِقاقِنا وفي عِنادِنا بسببِ الجَهْلِ بالأُمور ، سَمِعتُم : ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ الأنبياء/24 ، وقال الخَضر لمُوسى : ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ الكهف/67-68 .
ولا تقِفُ الأُخُـوَّةُ الإيمانيَّـةُ على أُخُـوَّةِ المِصريين لبعضِهم ، ولا أُخُـوَّةِ السعوديين لبعضِهم ، ولا الفلسطنيين لبعضِهم ، إنَّما الأُخُـوَّةُ الإيمانِيَّـةُ تشملُ كُلَّ مُؤمِن ، ولِذا كان شعارُ القوميةِ العربيةِ شعارًا باطِلاً ؛ لأنَّها حَجَبَت المُسلمين العربَ عن غيرِهم ، وكان الذين يُنادون بها يُنادون بنِداءٍ جاهِليٍّ ، وإنْ زَيَّنوا له ، وأثنَت عليه شُعراؤهم ، وسَطَّرَت له صُحُفُهم ، فشعارٌ باطِلٌ شعارُ القومية العربية ، سَوَّوْا فيه بين المُسلِمِ العربِيِّ والكافِرِ العربِيِّ والمُلْحِدِ العربِيِّ ، ومَزَّقوا آصِرَةً مِن أعظمِ الأواصِر ؛ أَلَا وهِيَ " آصِرة الإيمان " ، فآصِـرةُ الإيمان تقتضي أنَّ المُسلِمَ الباكِستانِيِّ أَحَبُّ إليَّ مِن اليهودِيِّ المِصريِّ أو النَّصرانِيِّ المِصريِّ ، فعُقـدةُ الإسلامِ أَوْثَق ، وعُرْوَتُهُ أَوْثَقُ وأَجَلُّ ، فَلِذا والذي يُسْعَى إليه في هـذا الزَّمَن – سَلَّمنا اللهُ وإيَّاكم مِن كُلِّ مكروهٍ وسُوء – وما يُوَطَّـأُ له في الصُّحُفِ أحيانًا ، وفي دهاليزِ المحاكِمِ أحيانًا أُخَر ، وعند مَن يُرتِّبون القوانينَ في هـذه البِلادِ مِن شعارٍ يُطلِقون عليه ( المُوَاطَنَـة ) ، يُسَوُّون فيه في الحقوقِ بين كُلِّ المِصريين - كافِرِهم ومُؤمِنِهم – شعارٌ باطِـل ، لا بُـدَّ وأنْ يُشْجَبَ مِن كُلِّ طريقٍ وكُلِّ اتِّجاه ، ورَبُّ العِـزَّةِ يقول : ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ السجدة/18 ، ويقول : ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ الرعد/19 ، ويقول : ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ فاطر/19-22 .
فلا نُقِـرُّ بقَوْمِيَّـةٍ عربيَّـة ، ولا نُقِـرُّ بمُواطنَـة ، إنَّما نُقِـرُّ بأُخُـوَّةِ الإسلامِ الباقية التي رَضِيَها لنا رَبُّنا ، إذْ اللهُ قال : ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ الحج/78 ، وقال رسولُه محمدٌ صلواتُ اللهِ وتسليماتُه عليه : (( فادعو بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله )) الراوي: الحارث بن الحارث الأشعري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1724
خلاصة حكم المحدث: صحيح
عِبادَ الله .. فنقُولُها وبِمِلءِ الفَم مُتَقَرِّبين بها إلى الله : إنَّ المُسلِمَ الباكِستانِيَّ أو المُسلِمَ العِراقِيَّ أَحَبُّ إلينا – ولا مُقارنة – مِن كافِرٍ مِصريٍّ ، مِن يهودِيٍّ مِصريٍّ ، مِن نصرانِيٍّ مِصريٍّ .. الأُخُـوَّةُ الإيمانِيَّـةُ أبقى ، ولِذا قَـرَّبَ النبيُّ سَلْمان وصُهَيْبًا وعَمَّارًا وعَمَّارًا وبِلالاً – رَضِيَ اللهُ عنهم – على الهاشِمِيِّ القُرَشِيِّ أبي لَهَب ، الذي نَزَلَ فيه : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ المسد .
منقووول
خلاصة حكم المحدث: صحيح
، لا اختيارَ لي في ذلك ، شِئتُ ذلك أم أَبَيْتُه ، فأنا أخٌ للمُسلِم ، ولقـد قال تعالى - ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ النساء/122 – قال : ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ الحجرات/10 ، هكذا قال رَبُّنا سُبحانه وتعالى .
فالذي أُريدُه لأخي مِن أُمِّي وأبي أريدُ أفضلَ منه لأخي في الله ، لأخي المُسلِم ، فأُخُـوَّةُ الإسلامِ تبقى ، أمَّا سائِرُ الأُخـوَّاتِ وأسبابِ التَّواصُل فلقـد قال اللهُ عنها : ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ ﴾ الأنعام/94 ، أىْ : لقـد تقطَّعت الأوصالُ التي كنتم تتواصلون بها في دُنياكم ؛ أوصالُ النَّسَب ، أوصالُ الصَّداقات ، أوصالُ الصِّهْرِ والزَّوجات ، تقطَّعت كُلُّ الأوصال ، لم تبقَ إلَّا وَصْلَةٌ واحـدة ، وهِيَ " وَصْلَةُ الإيمان " ، فلا يَسوغُ لنا بحالٍ أنْ نُمَزِّقَ هـذه الأُخُـوَّة ، حتى لو قُتِلَ أخي مِن شخصٍ مُسلِم ، فالأُخُـوَّةُ ما زالت باقية ، قال تعالى في كتابه الكريم : ﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ البقرة/178 ، فوُصِفَ بأنَّه ما زالَ أخًا .
وكذلك لا يَخفَى عليكم قولُ النبيِّ عليه الصلاةُ والسَّلام : 2032 حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((لا يبيع بعضكم على بيع أخيه)) ، (( لا يخطِب أحدُكم على خِطبةِ أخيه ))الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 7666
خلاصة حكم المحدث: صحيح ، (( لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسِه ))الراوي: أنس بن مالك المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 13
خلاصة حكم المحدث: [صحيح] . النصوصُ تتوالى لإثباتِ هـذا الأصل ، (( لَعلَّ بعضَكم أنْ يكونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِن بعض )) الراوي: أم سلمة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 3583
خلاصة حكم المحدث: صحيح
، نُصوصٌ مُتواليةٌ تُذَكِّرُ بهـذه الأُخُـوَّة ، حتى لا يقطعَها عابِثٌ ، حتى لا يقطعَها شِرِّيرٌ مُفسِد ، فأُخُـوَّةُ الإسلامِ باقية ، ولا يجوزُ أنْ تُقطَعَ إلَّا بالكُفِرِ والعِيَاذُ بالله .
وإذا هَجرتُ أخي في اللهِ لِمعصيةٍ ارتُكِبَت ، فهُجراني له كالطبيبِ المُعالِجِ الذي يُعطي المريضَ إبرةً تُؤلِمُه ، لكنْ لراحَتِه ، فلا يكونُ هُجراني له تَشَفِّيًا ، إنَّما هُجراني لصالِحِهِ ، رِفقًا به مِن الجحيم ، خوفًا عليه مِن الزَّلَل ، خوفًا عليه مِن الضياع ، هكـذا ينبغي أنْ يكونَ الهُجران ، هُجرانًا لله ، ليس للنَّفْسِ منه حَظّ ، ليس للهَـوَى مِنه نصيب ، إنَّما وإذا هَجَرْتُ أخي المُسلمَ المُرتَكِب مُخالَفَةً أهْجُرُهُ رفيقًا به ، حَنونًا عليه ، سائِلاً اللهَ له الهِداية ، سائِلاً اللهَ له التَّوفيق ، سائِلاً اللهَ أنْ يتوبَ عَلَيَّ وأنْ يتوبَ عليه معي . هكـذا ينبغي أنْ تكونَ أُصولُ الهُجران ، هُجرانٌ للهِ كما سمَّاه العُلَماء ، فقـد ذَكَـرَ أَئِمَّتُنا وعُلَمَاؤنا أنَّ إغضابَ الأَخِ في اللهِ كبيرةٌ مِن الكبائِر ، واستدَلَّ بعضُهم لذلك بالذي أخرجه مُسلِمٌ في صحيحِهِ ، وحاصِلُه أنَّ أبا سُفيان بن حَرْب مَرَّ عامَ الفتح على بِلالٍ وصُهَيْبٍ وعَمَّار وسَلْمان ، فرأَؤهُ يمشي آمِنًا ، وقبلُ كان يقول : " اعُلُ هُبَل " ، وكان يقول : " لنا العُزَّى ولا عُزَّى لكم " ، فلَمَّا رأَؤهُ يمشي آمِنًا يومَ الفَتْح ، قالوا : ( واللهِ ما بلَغَت سيوفُ اللهِ مِن عَـدُوِّ اللهِ مَبْلَغَها ) ؛ أىْ : كان ينبغي أنْ يُقتَلَ مِثْلُ هـذا . قال أبو بكر : أتقولون هـذا لِسَيِّدِ قُريش ؟ ثُمَّ انطلق أبو بكرٍ يُخبِرُ النبيَّ بأمرِهم صلواتُ اللهِ وسلامُهُ على رسولِه ، أبو بكرٍ ينتظِرُ أنْ يُؤَدِّبَ النبيُّ الصّحابةَ المذكورين ، وتعلمون منزلةَ أبي بكرٍ مِن النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلام ، ولكنْ ماذا قال ؟ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : (( يا أبا بكر ، أغضبتَهم يا أبا بكر ؟ إنْ أغضبتَهم فقـد أغضبتَ رَبَّكَ عَزَّ وجلَّ )) ، فرَجَعَ أبو بكرٍ مُسرِعًا إليهم ، مُعتذِرًا عَمَّا سَلَف ، ( أغضبتُكم يا إخوَتاه ؟ ) قالوا : لا ( غَفَرَ اللهُ لَكَ يا أُخَيَّ )الراوي: عائذ بن عمرو المزني أبو هبيرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2504
خلاصة حكم المحدث: صحيح ، فلهـذا ذَكَرَ فريقٌ مِن العُلَماءِ أنَّ إغضابَ الأخِ في اللهِ بغيرِ سببٍ ما كبيرةٌ مِن الكبائِر .
ولقـد تعلمون ما يَدُلُّ على قُـوَّةِ الأخُـوَّةِ الإيمانيَّـةِ ، تعلمون مَن الذين بارَزُوا يومَ بَـدْر ، بارَزَ عُتبةُ بنُ رَبيعة وشَيْبَةُ بنُ رَبيعة والوليدُ بنُ عُتْبَة – ثلاثَتُهم مِن أهل الكُفْرِ – بارَزُوا مَن ؟ عَلِيًّا وحَمزةَ وعَبِيدةَ بنَ الحارِث ، ليس شاهدي مِن المُبارزة ، إنَّما الشَّاهِدُ مِن أنَّه كان في صفوفِ المُسلمين رجلٌ لا يَخفَى عليكم اسمُه ، مَن هُو ؟ هو أبو حُذَيْفَـة ، الذي نقولُ عنه سالِم مَوْلَى أبي حُذَيْفَة ، زَوْجُ سَهْلَة ، فأبو حُذَيْفَـة هـذا الذي هو زَوْجُ سَهْلَةَ - صاحِبة حديث : (( جاءت سهلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ! إن سالما يدخل علينا ، وقد عقل ما يعقل الرجال ؟ وعلم ما يعلم الرجال ؟ ! قال : أرضعيه تحرمي عليه بذلك فمكثت حولا لا أحدث به ، ولقيت القاسم ، فقال : حدث به ، ولا تهابه)) الراوي: عائشة المحدث: الألباني - المصدر: صحيح النسائي - الصفحة أو الرقم: 3322
خلاصة حكم المحدث: صحيح
– كان في صفوفِ المُسلمين . مَن أبوه ؟ أبُوهُ عُتْبَةُ بنُ رَبيعة ، عَمُّهُ شَيْبَةُ بنُ رَبيعَة ، أخوهُ الوليدُ بنُ عُتْبَة ، تَخَيَّـلْ هـذا . هو في صُفوفِ المُسلمين مُسلِمٌ وللهِ الحمد ، ومُسلِمٌ قوىُّ الإيمان ، أبو حُذَيْفَـة بنُ عُتْبَـة بنُ رَبِيعَـة ، يتمنَّى نُصرةَ مَن ؟ أبوهُ وأخوهُ وعَمُّه يُقاتِلُون ، وأُخُـوَّةُ الإيمانِ باقيـة ، عَلِيٌّ وحَمزةُ وعَبِيـدَة يُقاتِلُون ، وهو في صَفِّ عَلِيٍّ وحَمْزَةَ وعَبِيـدة ، يسألُ اللهَ النَّصرَ لأهلِ الإسلام ، وإنْ كان المُحارِبُ أبوهُ أو أخوهُ أو عَمُّه ، قُتِلَ ثلاثَتُهم ، قُتِلَ أبوه ، وقُتِلَ أخوه ، وقُتِلَ عَمُّه ، قُتِلَ ثلاثَتُهم ولم يَحْتَجُّ لذلك ما دام مُؤمِنًا ، بل أقبلَ على المَوْلَى مِن الموالي الذي ليس له في العربِ كبيرُ نَسَبٍ ، وزَوَّجَ سالِمًا – مَوْلاهُ الذي كان عبدًا عِنده ، فأعتقَه – زَوَّجَهُ لأُختِه ، فهكـذا الأُخُـوَّةُ الإيمانيَّـةُ تصنع .
فلا ينبغي أبـدًا أنْ تُقطَعَ الأُخُـوَّةُ الإيمانيَّـة ، وإلَّا فقطعُها مُؤذِنٌ بالفَشَل ، وقَطْعُها مُؤْذِنٌ بالهزيمة ، ولقـد قال اللهُ تعالى في كتابه الكريم : ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ الأنفال/46 ، وقال تعالى : ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ آل عمران/105 . فالتَّنَازُعُ يأتي بالفَشَل ، التَّنَازُعُ يأتي بالعـذابِ العظيم ، التَّنَازُعُ يرفعُ الخيرات ، ويذهَبُ بالبركات ، لقـد قال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - لأصحابِه وهو في مرض الموت : (( هَلُمُّـوا أكتُبُ لكم كِتابًا لا تَضِلُّوا بعـدَهُ أبـدًا )) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4432
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
، وهو يحتضِرُ أو بين يَدَيْ الاحتِضار ، (( هَلُمُّـوا أكتُبُ لكم كِتابًا لا تَضِلُّوا بعـدَهُ أبـدًا )) الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 4432
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
، فقال قائِلُهم : قَرِّبُوا لرسولِ يكتُبُ لنا كِتابًا لا نَضِلُّ بعـدَهُ أبـدًا ، وقال آخَـر : إنَّ الرسولَ قـد هَجَر ( أىْ تكلَّمَ بكلماتٍ مِن شِدَّةِ المرض ) ، وعِندنا كِتابُ اللهِ كافِينا وحَسْبُنا ، واختلفوا ، وماينبغي عند نبيٍّ الاختلاف ، فقال النبيُّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - لَمَّا رأى مِن اختلافِهِم ولَغَطِهم : (( قُوموا عَنِّي ، فَوَاللهِ لَلَّذِي أنا فيه خَيْرٌ مِمَّا أنتم فيه )) ، ومات صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ولم يكتُب لأصحابِهِ ذلك الكِتاب ، قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما : ‹‹ إنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ الرَّزِيَّة – أىْ المُصيبة كُلّ المُصيبة – ما حال بين رسولِ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – وبين أنْ يكتُبَ لأصحابِهِ هـذا الكِتاب ›› ، بسببِ الاختلافِ والَّلغَط .
فلا يَـدُبُّ الاختلافُ ولا تَدُبُّ الفُرْقَةُ في مكانٍ إلَّا مَزَّقَته . فجديرٌ بنا أنْ نُراعِيَ أواصِـرَ الأُخُـوَّةِ الإيمانِيَّـة ، ولا نسعى أبـدًا في تقطيعِها ، فالقاطِعون يقطعُهم الله ، والواصِلون يَصِلُهم الله ، ومِن أَوْكَـدِ ما يُوصَلُ الأُخُـوَّةُ الإيمانِيَّـة ، فجديرٌ بِنا أنْ نَحْرِصَ عليها ، وأىُّ ساعٍ لِقَطْعِها علينا أنْ نُجابِهَهُ بكُلِّ سبيلٍ وبكُلِّ طريق ، بالحِكمةِ والموعظةِ الحسنة ، إنْ أَجْدَتْ فلِلَّهِ الحمد ، بالزَّجْرِ رِفقًا به ، بالزَّجْرِ خوفًا عليه ، وحِفاظًا على وِحـدةِ أهل الإسلام ، ذلك أمرُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : (( انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلومًا )) ، كيف أنصرُه ظالِمًا يا رسولَ الله ؟ قال : (( تمنعُه مِن الظُّلْمِ ، فذاك نصرُكَ له )) .
فجديرٌ بِنا أنْ نحفظَ تلكَ الأُخُـوَّة ، وأنْ نَدَعَ الاختلافاتِ جانبًا ، وأنْ نتعلَّمَ الصَّوابَ مِن الخطأِ مِن خلال كتابِ الله ، وسُنَّةِ رسولِ الله ، فذاكُمُ الحَكَمُ على الأشياء ، وذاكمُ الحَكَمُ على الأشخاص ، فالذي يجهلُ يُعادي بجَهْلِهِ ، الذي لا يعلمُ يُعادي بسببِ عـدمِ عِلْمِه ، قال تعالى : ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ الأنبياء/24 ، فإعراضُهم بسببِ الجَهْل ، فلندفع عن أنفُسِنا الجَهْلَ قَـدْرَ الاستطاعة ، حتى لا نقعَ في شِقاقٍ وعِناد ، وقـد نكونُ على باطِـل ، وقـد نكونُ على خطأٍ في شِقاقِنا وفي عِنادِنا بسببِ الجَهْلِ بالأُمور ، سَمِعتُم : ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ الأنبياء/24 ، وقال الخَضر لمُوسى : ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ﴾ الكهف/67-68 .
ولا تقِفُ الأُخُـوَّةُ الإيمانيَّـةُ على أُخُـوَّةِ المِصريين لبعضِهم ، ولا أُخُـوَّةِ السعوديين لبعضِهم ، ولا الفلسطنيين لبعضِهم ، إنَّما الأُخُـوَّةُ الإيمانِيَّـةُ تشملُ كُلَّ مُؤمِن ، ولِذا كان شعارُ القوميةِ العربيةِ شعارًا باطِلاً ؛ لأنَّها حَجَبَت المُسلمين العربَ عن غيرِهم ، وكان الذين يُنادون بها يُنادون بنِداءٍ جاهِليٍّ ، وإنْ زَيَّنوا له ، وأثنَت عليه شُعراؤهم ، وسَطَّرَت له صُحُفُهم ، فشعارٌ باطِلٌ شعارُ القومية العربية ، سَوَّوْا فيه بين المُسلِمِ العربِيِّ والكافِرِ العربِيِّ والمُلْحِدِ العربِيِّ ، ومَزَّقوا آصِرَةً مِن أعظمِ الأواصِر ؛ أَلَا وهِيَ " آصِرة الإيمان " ، فآصِـرةُ الإيمان تقتضي أنَّ المُسلِمَ الباكِستانِيِّ أَحَبُّ إليَّ مِن اليهودِيِّ المِصريِّ أو النَّصرانِيِّ المِصريِّ ، فعُقـدةُ الإسلامِ أَوْثَق ، وعُرْوَتُهُ أَوْثَقُ وأَجَلُّ ، فَلِذا والذي يُسْعَى إليه في هـذا الزَّمَن – سَلَّمنا اللهُ وإيَّاكم مِن كُلِّ مكروهٍ وسُوء – وما يُوَطَّـأُ له في الصُّحُفِ أحيانًا ، وفي دهاليزِ المحاكِمِ أحيانًا أُخَر ، وعند مَن يُرتِّبون القوانينَ في هـذه البِلادِ مِن شعارٍ يُطلِقون عليه ( المُوَاطَنَـة ) ، يُسَوُّون فيه في الحقوقِ بين كُلِّ المِصريين - كافِرِهم ومُؤمِنِهم – شعارٌ باطِـل ، لا بُـدَّ وأنْ يُشْجَبَ مِن كُلِّ طريقٍ وكُلِّ اتِّجاه ، ورَبُّ العِـزَّةِ يقول : ﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ ﴾ السجدة/18 ، ويقول : ﴿ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ الرعد/19 ، ويقول : ﴿ وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾ فاطر/19-22 .
فلا نُقِـرُّ بقَوْمِيَّـةٍ عربيَّـة ، ولا نُقِـرُّ بمُواطنَـة ، إنَّما نُقِـرُّ بأُخُـوَّةِ الإسلامِ الباقية التي رَضِيَها لنا رَبُّنا ، إذْ اللهُ قال : ﴿ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ﴾ الحج/78 ، وقال رسولُه محمدٌ صلواتُ اللهِ وتسليماتُه عليه : (( فادعو بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله )) الراوي: الحارث بن الحارث الأشعري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 1724
خلاصة حكم المحدث: صحيح
عِبادَ الله .. فنقُولُها وبِمِلءِ الفَم مُتَقَرِّبين بها إلى الله : إنَّ المُسلِمَ الباكِستانِيَّ أو المُسلِمَ العِراقِيَّ أَحَبُّ إلينا – ولا مُقارنة – مِن كافِرٍ مِصريٍّ ، مِن يهودِيٍّ مِصريٍّ ، مِن نصرانِيٍّ مِصريٍّ .. الأُخُـوَّةُ الإيمانِيَّـةُ أبقى ، ولِذا قَـرَّبَ النبيُّ سَلْمان وصُهَيْبًا وعَمَّارًا وعَمَّارًا وبِلالاً – رَضِيَ اللهُ عنهم – على الهاشِمِيِّ القُرَشِيِّ أبي لَهَب ، الذي نَزَلَ فيه : ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ﴾ المسد .
منقووول
تعليق