سلسلة كيف نفهم القرآن؟(1)
الربع الأول من سورة الأنفال
• الآية 1: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ﴾: أي يسألك أصحابك أيها النبي عن الغنائم - يوم بَدْر - كيف تقسمها بينهم؟ ﴿ قُلِ ﴾ لهم: ﴿ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: أي إنَّ أمْرَها إلى الله ورسوله، فالرسولُ يَتولى قِسمتها بأمْر ربه، وقد حَكَمَ اللهُ تعالى فيها بقولِهِ في هذه السورة: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...) وسيأتي تفسير الآية.
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بترْك العداوة والمخاصمة بسبب هذه الأموال، ﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾: أي وأصلِحوا العلاقات التي تربط بعضكم ببعض - من المحبة والأخُوّة -، وصَفُّوا قلوبكم مِن كل حِقدٍ أو غِلّ نشأ بينكم بسبب هذه الغنائم ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.
•الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ﴾ - أي أصحاب الإيمان الكامل - هم ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي خافت قلوبهم، خاصةً عند ذِكر وعيدِ اللهِ تعالى ووعده (فإذا ذُكِرَ الوعيد بالعذاب: خافوا أن يُصيبهم العذاب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم، وإذا ذُكِرَ الوعد بالجنة: خافوا أن يُحرَموا منها إذا لم تُقبَل توبتهم وأعمالهم)، فعندئذٍ يُقلعون عن المعصية ويُكثِرونَ من الطاعة، ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ بسبب تَدَبُّرِهِم لمعاني الآيات، وبسبب تطبيقها عملياً في حياتهم، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾: أي وعلى اللهِ وحده يعتمدون - هذا مع أخْذِهِم بالأسباب -، ولكنّ قلوبهم تتعلق بمُسَبب الأسباب وحده، المتصرف في كل شيء (فالجوارحُ تعمل والقلوبُ تتوكل)، وهم ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾أي يُداومون على أداءها - في أوقاتها - باطمئنانٍ وخشوع.
• واعلم أنّ مِن أصْدَق الحِكَم التي قرأتُها: (إذا لم تكن تعيشُ سعيداً، فأنت لا تصلي جيداً، فهناك فرقٌ بين مَن يُصلي لِيَرتاحَ بها، وبين مَن يُصلي لِيَرتاحَ منها).
﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ - من أنواعالأموال - ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمستحبة (وكذلك يُنفقون مِمَّا رزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَ الناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم، وغير ذلك).
﴿ أُولَئِكَ ﴾ المُتصفون بهذه الصفات ﴿ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ ظاهرًا وباطنًا، ﴿ لَهُمْ دَرَجَاتٌ ﴾ أي منازل عالية ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾، ﴿ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ وهوالجنة.
• الآية 5، والآية 6: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ ﴾: يعني كما أنكم لمَّا اختلفتم في الغنائم: جعلَ اللهُ أمْرَ تقسيمهاإليه، كذلك أمَرَكَ ربك - أيها النبي - بالخروج من"المدينةِ" ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ أي بالوحي الذي أتاك به جبريل بالحق، وذلك للقاء قافلة قريش المُحَمَّلة بالخير الكثير (جزاءً للمشركين على إخراجهم للمؤمنين من ديارهم، وعلى أخْذِهِم أموالهم بغير حق)، ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾: أي وذلك مع كراهة بعض المؤمنين للخروج، عندما علموا بخروج قريش لِقتالهم (دِفاعاً عن القافلة)، وهؤلاء ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ ﴾ أي في شأن القتال ﴿ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ﴾ لهم أنالقافلة قد نَجَتْ وأنه لابد من القتال، فتراهم ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ﴾ إليه بأعينهم، وذلك مِن شدة كراهيتهم لقتالٍ لم يَستعِدُّوا له.
• الآية 7، والآية 8: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾: يعني واذكروا - أيها المجادلون - وَعْدَ اللهِ لكم بالفوز بأحَد الأمرين: القافلةوما تحمله مِن أرزاق، أو قتال الأعداء والانتصار عليهم، ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾: يعني وأنتمتحبون الفوز بالقافلة مِن غير قتال، ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ ﴾: أي ولكنّ اللهَ يريدُ أن يُظهِرَ الحقَّ بنصْر أوليائه وهزيمة أعدائه.
• وقولُهُ تعالى: ﴿ بِكَلِمَاتِهِ ﴾: أي بأمْرِهِ لكم بقتال الكفار، وبأمْرِهِ للملائكة بالقتال معكم، ﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾: أي ويريد سبحانه أن يَستأصل الكافرين بالهلاك، وذلك ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ ﴾: أي لِيَنصر الإسلامَ ويُعِزَّ أهله، ﴿ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ﴾: أي ويُذهِب الشِركَ ويُذلّ أهله، ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾: يعني ولو كَرِهَ المشركون ذلك.
• الآية 9: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: أي اذكروا نعمة الله عليكم يوم بدر، حين طلبتم مِن ربكم - بتضرُّعٍ - أن يَنصركم على عدوكم، ﴿ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ قائلاً ﴿ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ أي مُتتالِين، يَتْبَعُ بعضهم بعضًا.
• الآية 10: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾: أي وما جعل اللهُ هذا الإمداد بالملائكة ﴿ إِلَّا بُشْرَى ﴾ لكم بالنصر ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ﴾ ويَذهب منها القلق والاضطراب، وتوقنوابنصر اللهِ لكم ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ لا يَغلبه أحد ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يَنصرُ مَن يَستحق النصر.
• الآية 11: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ ﴾: أي اذكروا نعمة اللهِ عليكم يوم بدر، حين ألقى عليكم النُعاس ﴿ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾: أي أمانًا منه سبحانه، واطمئناناً لكم من الخوف الذي أصابكم لِكثرة عدوكم (فإنّ العبد إذا أصابه النُعاس: هدأ وثبت، فلا يخافُ ولا يَهرب).
• ثم ذكَّرَهُم سبحانهُ بنعمةٍ أخرى يوم بدر، وهي أنه أنزل على مُعَسكَرِهِم مطراً غزيراً شربوا منه وتطهروا، وذلك بعد أن كانوا عِطاشاً، مُحدِثين (أي ناقضِينَ لِوضوءهم)، قال تعالى:﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ﴾، ﴿ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾: يعني ولِيُزِيلَ عنكم وساوس الشيطان، فقد وسوس الشيطان لبعضهم قائلاً: (كيف تُنصَرون وأنتم مُحدِثين؟، وكيف تقاتلون وأنتم عِطاش؟)، ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾: يعني ولِيُطَمْئِنَ قلوبَكم بوجود الماء، لِكَوْنِكُم لا تخافونَ عطشاً أثناء القتال، ولِتزدادوا ثباتاً ويقيناً بأنّ اللهَ معكم (إذ أنزل المطر لِيُعِينَكم به على عدوكم)، ﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾: أي ويُثبِّتَبالمطر أقدامكم، لأن المطر جعل الأرض الرملية - التي نزلتم بها - قويَّة متماسكة، حتى لا تغوص فيها الأقدام.
• الآية 12: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ ﴾ الذين أمَدَّ اللهُ بهم المسلمين فيغزوة "بدر" ﴿ أَنِّي مَعَكُمْ ﴾ بنَصْري وإعانتي، ﴿ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: أي فقوُّوا عزائم الذين آمنوا، ﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ ﴿ فَاضْرِبُوا ﴾ المشركين ﴿ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ ﴾ - وهو المكان الذي تُذبَح منه البَهيمة - ﴿ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ أي واضربوا أطراف أيْديهم وأرجُلِهِم، حتى لا يستطيعوا ضرباً بالسيف، ولا فِراراً بالأرجل.
• الآية 13: ﴿ ذَلِكَ ﴾ الذي حدث للكفار - مِن ضَرْب أعناقهم وأطرافهم؛ ﴿ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: أي بسبب مخالفتهم لأمرالله ورسوله، ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: يعني ومَن يُعادِي اللهَ ورسوله: ينتقم اللهُ منه ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.
• الآية 14: ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ العذاب الذي عجَّلتُهُ لكم أيها الكافرون يوم بدر ﴿ فَذُوقُوهُ ﴾ في الحياة الدنيا، ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ جميعاً ﴿ عَذَابَ النَّارِ ﴾ يوم القيامة.
• الآية 15: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا ﴾ أي زاحفين إليكم لِيُقاتلوكم ﴿ فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾: أي فلا تُعطوهم ظهوركم فِراراً منهم، ولكن اثبُتوالهم، فإنّ الله معكم وناصركم عليهم.
• الآية 16: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾: يعني والذي يَفِرّ منهم وقت المعركة لا يكونُ ﴿ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ ﴾: أي مُصطنِعاً لحيلةٍ وخِداع، ليتمكن مِن محاصرة الكفار وقتالهم، ﴿ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ﴾: يعني أو كانَ يريدُ بفراره الانضمام إلى جماعةٍ من المؤمنين وهي تقاتل، فيقاتل معها لِيُقوِّيها أو يَقوَى بها، فمَن لم يكن كذلك، وفرَّ من المعركةِ جُبناً من القتال وخوفاً من المشركين ﴿ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ أي رجع من المعركة مُستحقاً لغضبٍ من الله، ﴿ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ﴾ في الآخرةِ ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.
• الآية 17: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ﴾: أي فلم تقتلوا المشركين يوم بدر ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾ لأنه هو الذي أمركم بقتالهم وأعانكمعلى ذلك، ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾: يعني ولستَ أنتَ الذي أصبتَ في رَمْيتِكَ - أيها النبي - حين رميتَ حِفنة التراب على المشركين أثناء المعركة ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾: أي ولكنَّ اللهَ هو الذي أصاب، حيثُ أوصل تلك الرَمْيَةإلى أغلب عيون المشركين، فعَوَّقتْهم عن القتال وتسَبَّبتْ في هزيمتهم، ولو أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم تُرِكَ لِقوَّتِه، لَمَا وصلتْ الرَمْيَةإلى أعْيُن الصف الأول من المشركين المقاتلين.
• وقد فعل اللهُ ذلك القتل بالمشركين، وأوصل تلك الرَمْيَةإلى أعينهم، لِيُذِلَّهم ويَكسر شَوكتهم ﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ﴾: يعني ولِيَختبر صِدْق المؤمنين بالقتال، ويُنعِمَ عليهم بنصْرهم رغم قلة عددهم، ويُوصلهمبالجهاد إلى أعلى الدرجات، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ ﴾ لدعائكم عندما استغثتم به أثناء المعركة ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بضَعْفِكم يومَها وحاجتكم إليه، فأعانكم ونَصَرَكم.
• الآية 18: ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ - أي هزيمة المشركين ونصْر المؤمنين يومَ بدر - كانَ بقدرة اللهِ تعالى، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ أي إنه سبحانهُ سيُضعِفُ مَكْرَ الكافرين - في كل وقت - حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يَهلكوا على شِركهم.
• الآية 19، والآية 20، والآية 21: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ﴾: يعني إنْ تطلبوا - أيها المشركون - مِن اللهِ أن يُوقِعَ عذابه على أهل الباطل - كما طلبتم ذلك يوم بدر: ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾: أي فقد أجابَ اللهُ طلبكم، حينَ أوقعَ بكم مِن عقابه ما كانَ عبرةًللمتقين، ﴿ وَإِنْ تَنْتَهُوا ﴾ عن الكُفر بالله ورسوله، وعن قِتال النبي وأصحابه، وتُسلِموا للهِ تعالى: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ في دُنياكم وأُخراكم، ﴿ وَإِنْ تَعُودُوا ﴾ إلى قتال المؤمنين، وإلى طلب النَصر لِمَن على الحق في الفريقين: ﴿ نَعُدْ ﴾ في نَصْر المؤمنين عليكم، ﴿ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ ﴾: أي ولن يَدفع عنكم أعوانكم وأنصاركم شيئًا من العقاب، كما لم يَدفعوهُ عنكم يوم بدر، رغم كثرة عددكم وسلاحكم، ورغم قلة عدد المؤمنين وسلاحهم.
• هذا ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ بنصره وتأييده، فلن يتخلى عنهم ما داموا مستقيمين على طاعة الله ورسوله، ولهذا قال بعدها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ ﴿ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾: أي ولا تُعرضوا عن هذا الأمر - وهو طاعة اللّه ورسوله - ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ ما يُتلَى عليكم مِن الحُجَج والبراهين فيالقرآن.
• إذ نَصْرُكُم - أيها المؤمنون في بدر - كانَ ثمرةً لإيمانكم وطاعتكم، فإنْ أعرضتم وعصيتم: لَأصبحتم كغيركم من أهل الإعراض والعِصيان، (ولذلك كانت هزيمة المسلمين في "أُحُد" - بعد أن كان الانتصار لهم في بداية المعركة - عقوبةً مِن اللهِ تعالى لهم بسبب معصيتهم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم).
﴿ وَلَا تَكُونُوا ﴾ في مخالفة أوامر الله ورسوله ﴿ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ وهم المشركون والمنافون الذين إذا سمعوا كتاب الله يُتلَى عليهم قالوا: سمعنابآذاننا، وهم في الحقيقة لا يتدبرون ما سَمِعوا، ولا يَتفكَّرون فيه لِيعتبروا، لِذا فهُم في سَماعهم كمن لم يَسمع، إذ العِبرةُ من السَماع: التفكُّر والانتفاع.
تفسير الربع الثاني من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط
الآية 22، والآية 23: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني: إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ - مَنزِلةً - هم ﴿ الصُّمُّ ﴾ الذين امتنعتْآذانُهم عن سَماع الحق، ﴿ الْبُكْمُ ﴾ الذين خَرُسَتْ ألسنتهم عن النُطق به، وهؤلاء هم الذين ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ عن اللهِحُجَجه وبراهينه، ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ مواعظ القرآن سَماعَ تدبُّرٍ وقبول، ولكنه سبحانه عَلِمَ أنه لا خيرَ فيهم، لأنهم توَغَّلوا في الظلم والفساد والكِبر والعِناد، فحُرِموا بذلك هداية اللهِ تعالى، ﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾ سبحانهُ - على سبيل الفرْض - ﴿ لَتَوَلَّوْا ﴾: أي لأعرضوا عن الإيمانِ بالقرآن - كِبراً وعِنادًا - مِن بعد فَهْمِهِملآياته، (﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾) دائماً عن الحق، فلا يَلتفتون إلاَّ لِما يُناسِبُ أهوائهم.
الآية 24: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ بالطاعة والانقياد ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: أي إذا دعاكم للحق الذي فيه إصلاح حياتكم في الدنياوالآخرة ﴿ كالجهاد وغيره ﴾، ثم حَذَّرَ سبحانه مِن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ والمراد أنَّ اللهَ تعالى يَملِكُ قلبَ العبد، فإيّاكم أن ترُدُّوا أمْرَ اللّهِ أوَّلَ ما يأتيكم، حتى لا يُضِلَّ قلوبكم (فيجعلكم تكرهون الطاعة وتحبون المعصية، وترونَ الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً).
فلهذا يجب أن يُكثِرَ العبدُ مِن قوْل: (يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، و (يا مُصَرِّفَ القلوب صَرِّف قلبي إلى طاعتك)، لأنّ القلوب بين يَدَي اللهِ تعالى، يُقَلِّبُها ويُصَرِّفها حيث يشاء، ﴿ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ يومَ القيامة، لِيُجازِي كُلاًّ بما يَستحق (فالذي يَعلمُ أنه سيَرجِعُ إلى ربه، لابد أن يُسرعَ في تلبيةِ أمْرِه، حتى لا يُبتَلَى بفتنةٍ تُهلِكُهُ في دنياهُ وآخِرَتِه).
الآية 25: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ﴾: يعني واحذروا - أيها المؤمنون - عذاباً ومِحنةً ﴿ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾: أي لا يُخَصُّبها أهل المعاصي فقط، بل تُصيبُ الصالحين معهم إذا قدروا علىإنكار الظلم ولم يُنكِروه، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، فعقابُهُ تعالى لا يُطاق ولا يُحتمَل.
الآية 26: ﴿ وَاذْكُرُوا ﴾ أيها المؤمنون نِعَمَ اللهِ عليكم ﴿ إِذْ أَنْتُمْ ﴾ أي حينَ كنتم بمكة ﴿ قَلِيلٌ ﴾ أي قليلوا العدد (﴿ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾) (﴿ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ﴾): أي تخافون أن يَخطفكم الكفار بسرعةٍ وسهولة (يعني بدون أن تقاوموهم) وذلك لِضَعفكم وقِلَّتِكم،﴿ فَآَوَاكُمْ ﴾: أي فجعل لكم مَأوى تأوونَ إليه وهو "المدينة"، فكَثَّرَكم فيها وقوَّاكم ﴿ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴾ يوم بدر، ﴿ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ - التي مِنضِمنها الغنائم - (﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾) ربكم على ما أنعمَ به عليكم.
الآية 27، والآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ بترْكما أوجَبَهُ اللهُ عليكم، وبفِعْل ما نهاكم عنه، ﴿ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾: أي ولا تخونوا أماناتكم التي ائتمنكم الناسُ عليها ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ عِظَم جريمة الخيانة، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي اختبارٌ مِن الله لعباده; لِيَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليهاويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عنه؟ ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾: أي واعلموا أن اللهَ ﴿ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ - وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَناتقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.
الآية 29: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بفِعل أوامرهواجتناب نواهيه: ﴿ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ أي عِلماً ونوراً تُفَرِّقونَ بهِ بين الحق والباطل، ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾: أي ويَمحُ عنكم صغائر ذنوبكم، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ كبائرَ ذنوبكم، فيسترها عليكم، ولا يؤاخذكم بها ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.
الآية 30: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني واذكر - أيها الرسول - نعمة ربك، حين كانَ المشركون بمكَّة يُبيّتون لك ما يَضرك، ﴿ لِيُثْبِتُوكَ ﴾: أي لِيَحبسوك ﴿ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴾ ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ مِن بَلدك، ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ بهم، حيثُ أخرجك مِن بين أيديهم سالماً، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ (وفي هذا إثباتُصفةِ المَكْر للهِ تعالى على الوجه الذي يَليقُ بجلاله وكماله، لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلةمَكْر الماكرين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (وامكُر لي ولا تمْكُر عليّ)، ومِمَّا يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ اللهِ تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم).
الآية 31: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا ﴾: يعني وإذا تُتلَى على هؤلاء المشركين آيات القرآن الكريم: ﴿ قَالُوا ﴾ - جهلاً منهموعِنادًا للحق -: ﴿ قَدْ سَمِعْنَا ﴾ ما تَقرأ علينا، ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ﴾ القرآن، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني ما هذاالقرآن الذي تتلوهُ علينا إلا أكاذيبُ الأوَّلين، وقد كذبوا في ذلك، فأين ما يَقُصُّهُ القرآن وما يُوسوسُ به الشيطان؟!
الآية 32، والآية 33: ﴿ وَإِذْ قَالُوا ﴾: يعني واذكر أيها الرسول حين قال المشركون مِن قومك - داعينَ اللهَ تعالى -: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا ﴾ القرآن ﴿ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، وهذا دليلٌ على غباء أهل الباطل، إذ كانَ الأوْلَى بهم أن يقولوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فاهدِنا إليه وَوَفِّقنا لاتِّباعه)!
ثم أخبر اللهُ رسوله بأنه قادرٌ على إنزال العذاب بهم، ولكنه أخبره أيضاً بأنه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ - أيها الرسول - لِمَكانَتِكَ عند ربك، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (وفي هذا دليلٌ على أن الاستغفار سببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى)، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مَن أحَبَّ أنْ تَسُرَّهُ صَحِيفتَهُ: فليُكثِر فيها من الاستغفار)(انظر السلسلة الصحيحة:2299)، وقال أيضاً: (طُوبَى لمن وُجِدَ في صَحِيفتِهِ استغفارٌ كثيرٌ)(انظر صحيح الترغيب والترهيب: جـ 2 رقم 1618)، وطوبَى هي: (شجرة في الجنة، مَسِيرة مائة عام، تخرجُ ثيابُ أهل الجنة من أكمامها) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ آخر(انظر صحيح الجامع حديث رقم: 3918).
الآية 34: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾: يعني وكيف لا يَستحقُّون عذابَ اللهِ ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالكعبةوالصلاة في المسجد الحرام؟، ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ﴾: يعني وما كان المشركون أولياءَ للهِ تعالى كما زعموا، ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾: يعني إنما أولياءُ اللهِ حقاً هم الذينيتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ أي أكثر الكفار ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ذلك، فلهذازعموا لأنفسهم أمرًا غيرهم أوْلَى به.
الآية 35: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ﴾: يعني وما كان صلاة المشركين عند المسجد الحرام ﴿ إِلَّا مُكَاءً ﴾: أي صَفيرًا بالفم ﴿ وَتَصْدِيَةً ﴾: أي تصفيقًا باليد ﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ أي عذاب القتلوالأسر يوم بدر، جزاءً ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ وبما كنتم تستهزئون بشعائر اللهِ تعالى.
الآية 36، والآية 37: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ﴾ فيُعطونها لأمثالهم منالمشركين وأهل الضلال ﴿ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي لِيمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ ﴾)عاقبة إنفاقهم لهذه الأموال ﴿ (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾ لأن أموالهم تذهب هباءً، ولا يفوزون بما يريدون، ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾: أي ثم يَهزمهم المؤمنون في آخر الأمر، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وماتوا على كُفرهم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾.
وقد أُدخِلَ هؤلاء الكفار جهنم ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ ﴾ وهم أهل الشرك والمعاصي ﴿ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ وهم أهل التوحيد والصلاح، فيَجعل سبحانه الطيبين يتميزون عن الخبيثين بدخولهم دار النعيم ﴿ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ﴾ متراكمًا متراكبًا، ﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا ﴾ كَوْماً واحداً ﴿ فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ في الدنيا والآخرة.
الآية 38: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مِن قومك: ﴿ إِنْ يَنْتَهُوا ﴾ عنالكُفر وعن قتالك وقتال المؤمنين، ويرجعوا إلى التوحيد الذي فطرهم اللهُ عليه: ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ أي يَغفر اللهُ لهم ما سبق من الشرك والذنوب بسبب إسلامهم، ﴿ وَإِنْ يَعُودُوا ﴾ للجحود بوحدانية الله ورسالتك، وإلى قتالك وقتال المؤمنين: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾:أي فقد سبقتْ طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذا استمرواعلى تكذيبهم وعِنادهم، كما حدث مع عادٍ وثمود، وكما حدث مع كفار مكة يوم بدر (وفي هذا تهديدٌ عظيمٌ لهم).
الآية 39، والآية 40: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾: أي وقاتِلوا - أيها المؤمنون - المشركين المحاربين ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ ﴾ هناك ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ أي صَدٌ للمسلمين عن دينهم (بالتعذيب والاضطهاد)، وحتى لا يكونَ هناك شركٌ باللهِ تعالى، ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾: أي ويَبقى الدينُ للهِ وحده - خالصًا - لا يُعْبَدُمعه غيرُه، فيرتفع البلاء عن أهلالأرض جميعاً، ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا ﴾ عن تعذيب المؤمنين وعن الشرك باللهِ تعالى، وصاروا إلى الدين الحق معكم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا يَخفَى عليه ما يعملون، ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن أعرضوا عن الإسلام، وأصَرُّوا على قتالكم: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ﴾: أي فأيقِنواأنَّ الله ناصركم عليهم، إذ هو سبحانه ﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى ﴾ أي نِعْمَ المُعين والحافظ ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ لكم علىأعدائكم.
(1) وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)،
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
الآية 22، والآية 23: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني: إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ - مَنزِلةً - هم ﴿ الصُّمُّ ﴾ الذين امتنعتْآذانُهم عن سَماع الحق، ﴿ الْبُكْمُ ﴾ الذين خَرُسَتْ ألسنتهم عن النُطق به، وهؤلاء هم الذين ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ عن اللهِحُجَجه وبراهينه، ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ مواعظ القرآن سَماعَ تدبُّرٍ وقبول، ولكنه سبحانه عَلِمَ أنه لا خيرَ فيهم، لأنهم توَغَّلوا في الظلم والفساد والكِبر والعِناد، فحُرِموا بذلك هداية اللهِ تعالى، ﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾ سبحانهُ - على سبيل الفرْض - ﴿ لَتَوَلَّوْا ﴾: أي لأعرضوا عن الإيمانِ بالقرآن - كِبراً وعِنادًا - مِن بعد فَهْمِهِملآياته، (﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾) دائماً عن الحق، فلا يَلتفتون إلاَّ لِما يُناسِبُ أهوائهم.
الآية 24: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ بالطاعة والانقياد ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: أي إذا دعاكم للحق الذي فيه إصلاح حياتكم في الدنياوالآخرة ﴿ كالجهاد وغيره ﴾، ثم حَذَّرَ سبحانه مِن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ والمراد أنَّ اللهَ تعالى يَملِكُ قلبَ العبد، فإيّاكم أن ترُدُّوا أمْرَ اللّهِ أوَّلَ ما يأتيكم، حتى لا يُضِلَّ قلوبكم (فيجعلكم تكرهون الطاعة وتحبون المعصية، وترونَ الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً).
فلهذا يجب أن يُكثِرَ العبدُ مِن قوْل: (يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، و (يا مُصَرِّفَ القلوب صَرِّف قلبي إلى طاعتك)، لأنّ القلوب بين يَدَي اللهِ تعالى، يُقَلِّبُها ويُصَرِّفها حيث يشاء، ﴿ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ يومَ القيامة، لِيُجازِي كُلاًّ بما يَستحق (فالذي يَعلمُ أنه سيَرجِعُ إلى ربه، لابد أن يُسرعَ في تلبيةِ أمْرِه، حتى لا يُبتَلَى بفتنةٍ تُهلِكُهُ في دنياهُ وآخِرَتِه).
الآية 25: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ﴾: يعني واحذروا - أيها المؤمنون - عذاباً ومِحنةً ﴿ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾: أي لا يُخَصُّبها أهل المعاصي فقط، بل تُصيبُ الصالحين معهم إذا قدروا علىإنكار الظلم ولم يُنكِروه، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، فعقابُهُ تعالى لا يُطاق ولا يُحتمَل.
الآية 26: ﴿ وَاذْكُرُوا ﴾ أيها المؤمنون نِعَمَ اللهِ عليكم ﴿ إِذْ أَنْتُمْ ﴾ أي حينَ كنتم بمكة ﴿ قَلِيلٌ ﴾ أي قليلوا العدد (﴿ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾) (﴿ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ﴾): أي تخافون أن يَخطفكم الكفار بسرعةٍ وسهولة (يعني بدون أن تقاوموهم) وذلك لِضَعفكم وقِلَّتِكم،﴿ فَآَوَاكُمْ ﴾: أي فجعل لكم مَأوى تأوونَ إليه وهو "المدينة"، فكَثَّرَكم فيها وقوَّاكم ﴿ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴾ يوم بدر، ﴿ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ - التي مِنضِمنها الغنائم - (﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾) ربكم على ما أنعمَ به عليكم.
الآية 27، والآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ﴾ بترْكما أوجَبَهُ اللهُ عليكم، وبفِعْل ما نهاكم عنه، ﴿ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾: أي ولا تخونوا أماناتكم التي ائتمنكم الناسُ عليها ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ عِظَم جريمة الخيانة، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ أي اختبارٌ مِن الله لعباده; لِيَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليهاويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عنه؟ ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾: أي واعلموا أن اللهَ ﴿ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ - وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَناتقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.
الآية 29: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ ﴾ بفِعل أوامرهواجتناب نواهيه: ﴿ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ أي عِلماً ونوراً تُفَرِّقونَ بهِ بين الحق والباطل، ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾: أي ويَمحُ عنكم صغائر ذنوبكم، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ كبائرَ ذنوبكم، فيسترها عليكم، ولا يؤاخذكم بها ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.
الآية 30: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني واذكر - أيها الرسول - نعمة ربك، حين كانَ المشركون بمكَّة يُبيّتون لك ما يَضرك، ﴿ لِيُثْبِتُوكَ ﴾: أي لِيَحبسوك ﴿ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴾ ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ مِن بَلدك، ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ بهم، حيثُ أخرجك مِن بين أيديهم سالماً، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ (وفي هذا إثباتُصفةِ المَكْر للهِ تعالى على الوجه الذي يَليقُ بجلاله وكماله، لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلةمَكْر الماكرين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (وامكُر لي ولا تمْكُر عليّ)، ومِمَّا يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ اللهِ تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم).
الآية 31: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا ﴾: يعني وإذا تُتلَى على هؤلاء المشركين آيات القرآن الكريم: ﴿ قَالُوا ﴾ - جهلاً منهموعِنادًا للحق -: ﴿ قَدْ سَمِعْنَا ﴾ ما تَقرأ علينا، ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ﴾ القرآن، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني ما هذاالقرآن الذي تتلوهُ علينا إلا أكاذيبُ الأوَّلين، وقد كذبوا في ذلك، فأين ما يَقُصُّهُ القرآن وما يُوسوسُ به الشيطان؟!
الآية 32، والآية 33: ﴿ وَإِذْ قَالُوا ﴾: يعني واذكر أيها الرسول حين قال المشركون مِن قومك - داعينَ اللهَ تعالى -: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا ﴾ القرآن ﴿ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، وهذا دليلٌ على غباء أهل الباطل، إذ كانَ الأوْلَى بهم أن يقولوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فاهدِنا إليه وَوَفِّقنا لاتِّباعه)!
ثم أخبر اللهُ رسوله بأنه قادرٌ على إنزال العذاب بهم، ولكنه أخبره أيضاً بأنه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ - أيها الرسول - لِمَكانَتِكَ عند ربك، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (وفي هذا دليلٌ على أن الاستغفار سببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى)، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مَن أحَبَّ أنْ تَسُرَّهُ صَحِيفتَهُ: فليُكثِر فيها من الاستغفار)(انظر السلسلة الصحيحة:2299)، وقال أيضاً: (طُوبَى لمن وُجِدَ في صَحِيفتِهِ استغفارٌ كثيرٌ)(انظر صحيح الترغيب والترهيب: جـ 2 رقم 1618)، وطوبَى هي: (شجرة في الجنة، مَسِيرة مائة عام، تخرجُ ثيابُ أهل الجنة من أكمامها) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ آخر(انظر صحيح الجامع حديث رقم: 3918).
الآية 34: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾: يعني وكيف لا يَستحقُّون عذابَ اللهِ ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالكعبةوالصلاة في المسجد الحرام؟، ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ﴾: يعني وما كان المشركون أولياءَ للهِ تعالى كما زعموا، ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾: يعني إنما أولياءُ اللهِ حقاً هم الذينيتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ أي أكثر الكفار ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ذلك، فلهذازعموا لأنفسهم أمرًا غيرهم أوْلَى به.
الآية 35: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ﴾: يعني وما كان صلاة المشركين عند المسجد الحرام ﴿ إِلَّا مُكَاءً ﴾: أي صَفيرًا بالفم ﴿ وَتَصْدِيَةً ﴾: أي تصفيقًا باليد ﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ أي عذاب القتلوالأسر يوم بدر، جزاءً ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ وبما كنتم تستهزئون بشعائر اللهِ تعالى.
الآية 36، والآية 37: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ ﴾ فيُعطونها لأمثالهم منالمشركين وأهل الضلال ﴿ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي لِيمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ ﴾)عاقبة إنفاقهم لهذه الأموال ﴿ (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾ لأن أموالهم تذهب هباءً، ولا يفوزون بما يريدون، ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾: أي ثم يَهزمهم المؤمنون في آخر الأمر، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وماتوا على كُفرهم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾.
وقد أُدخِلَ هؤلاء الكفار جهنم ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ ﴾ وهم أهل الشرك والمعاصي ﴿ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ وهم أهل التوحيد والصلاح، فيَجعل سبحانه الطيبين يتميزون عن الخبيثين بدخولهم دار النعيم ﴿ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ﴾ متراكمًا متراكبًا، ﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا ﴾ كَوْماً واحداً ﴿ فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ﴾ ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ في الدنيا والآخرة.
الآية 38: ﴿ قُلْ ﴾ - أيها الرسول - ﴿ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مِن قومك: ﴿ إِنْ يَنْتَهُوا ﴾ عنالكُفر وعن قتالك وقتال المؤمنين، ويرجعوا إلى التوحيد الذي فطرهم اللهُ عليه: ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ أي يَغفر اللهُ لهم ما سبق من الشرك والذنوب بسبب إسلامهم، ﴿ وَإِنْ يَعُودُوا ﴾ للجحود بوحدانية الله ورسالتك، وإلى قتالك وقتال المؤمنين: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾:أي فقد سبقتْ طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذا استمرواعلى تكذيبهم وعِنادهم، كما حدث مع عادٍ وثمود، وكما حدث مع كفار مكة يوم بدر (وفي هذا تهديدٌ عظيمٌ لهم).
الآية 39، والآية 40: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾: أي وقاتِلوا - أيها المؤمنون - المشركين المحاربين ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ ﴾ هناك ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ أي صَدٌ للمسلمين عن دينهم (بالتعذيب والاضطهاد)، وحتى لا يكونَ هناك شركٌ باللهِ تعالى، ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾: أي ويَبقى الدينُ للهِ وحده - خالصًا - لا يُعْبَدُمعه غيرُه، فيرتفع البلاء عن أهلالأرض جميعاً، ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا ﴾ عن تعذيب المؤمنين وعن الشرك باللهِ تعالى، وصاروا إلى الدين الحق معكم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا يَخفَى عليه ما يعملون، ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن أعرضوا عن الإسلام، وأصَرُّوا على قتالكم: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ﴾: أي فأيقِنواأنَّ الله ناصركم عليهم، إذ هو سبحانه ﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى ﴾ أي نِعْمَ المُعين والحافظ ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ لكم علىأعدائكم.
(1) وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)،
واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.
رامي حنفي محمود
شبكة الالوكة
تعليق