إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير سورة الأنفال بأسلوب بسيط

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير سورة الأنفال بأسلوب بسيط


    سلسلة كيف نفهم القرآن؟(1)

    الربع الأول من سورة الأنفال

    الآية 1: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ﴾: أي يسألك أصحابك أيها النبي عن الغنائم - يوم بَدْر - كيف تقسمها بينهم؟ ﴿ قُلِ ﴾ لهم: ﴿ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾: أي إنَّ أمْرَها إلى الله ورسوله، فالرسولُ يَتولى قِسمتها بأمْر ربه، وقد حَكَمَ اللهُ تعالى فيها بقولِهِ في هذه السورة: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ...) وسيأتي تفسير الآية.

    ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ بترْك العداوة والمخاصمة بسبب هذه الأموال، ﴿ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾: أي وأصلِحوا العلاقات التي تربط بعضكم ببعض - من المحبة والأخُوّة -، وصَفُّوا قلوبكم مِن كل حِقدٍ أو غِلّ نشأ بينكم بسبب هذه الغنائم ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾.

    الآية 2، والآية 3، والآية 4: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ - أي أصحاب الإيمان الكامل - هم ﴿ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ أي خافت قلوبهم، خاصةً عند ذِكر وعيدِ اللهِ تعالى ووعده (فإذا ذُكِرَ الوعيد بالعذاب: خافوا أن يُصيبهم العذاب بسبب ذنوبهم وتقصيرهم، وإذا ذُكِرَ الوعد بالجنة: خافوا أن يُحرَموا منها إذا لم تُقبَل توبتهم وأعمالهم)، فعندئذٍ يُقلعون عن المعصية ويُكثِرونَ من الطاعة، ﴿ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ بسبب تَدَبُّرِهِم لمعاني الآيات، وبسبب تطبيقها عملياً في حياتهم، ﴿ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾: أي وعلى اللهِ وحده يعتمدون - هذا مع أخْذِهِم بالأسباب -، ولكنّ قلوبهم تتعلق بمُسَبب الأسباب وحده، المتصرف في كل شيء (فالجوارحُ تعمل والقلوبُ تتوكل)، وهم ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَأي يُداومون على أداءها - في أوقاتها - باطمئنانٍ وخشوع.

    واعلم أنّ مِن أصْدَق الحِكَم التي قرأتُها: (إذا لم تكن تعيشُ سعيداً، فأنت لا تصلي جيداً، فهناك فرقٌ بين مَن يُصلي لِيَرتاحَ بها، وبين مَن يُصلي لِيَرتاحَ منها).

    ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ - من أنواعالأموال - ﴿ يُنْفِقُونَ ﴾: أي يُخرِجون صَدَقة أموالهم الواجبة والمستحبة (وكذلك يُنفقون مِمَّا رزقهم اللهُ مِن عِلمٍ أو صِحَّةٍ أو سُلطة في خدمة المسلمين، فيُعَلِّمونَ الناس، ويَسعونَ في قضاء حوائجهم، وغير ذلك).

    ﴿ أُولَئِكَ المُتصفون بهذه الصفات ﴿ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا ﴾ ظاهرًا وباطنًا، ﴿ لَهُمْ دَرَجَاتٌ ﴾ أي منازل عالية ﴿ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾، ﴿ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ وهوالجنة.

    الآية 5، والآية 6: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ ﴾: يعني كما أنكم لمَّا اختلفتم في الغنائم: جعلَ اللهُ أمْرَ تقسيمهاإليه، كذلك أمَرَكَ ربك - أيها النبي - بالخروج من"المدينةِ" ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ أي بالوحي الذي أتاك به جبريل بالحق، وذلك للقاء قافلة قريش المُحَمَّلة بالخير الكثير (جزاءً للمشركين على إخراجهم للمؤمنين من ديارهم، وعلى أخْذِهِم أموالهم بغير حق)، ﴿ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾: أي وذلك مع كراهة بعض المؤمنين للخروج، عندما علموا بخروج قريش لِقتالهم (دِفاعاً عن القافلة)، وهؤلاء ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ ﴾ أي في شأن القتال ﴿ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ ﴾ لهم أنالقافلة قد نَجَتْ وأنه لابد من القتال، فتراهم ﴿ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إليه بأعينهم، وذلك مِن شدة كراهيتهم لقتالٍ لم يَستعِدُّوا له.

    الآية 7، والآية 8: ﴿ وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ﴾: يعني واذكروا - أيها المجادلون - وَعْدَ اللهِ لكم بالفوز بأحَد الأمرين: القافلةوما تحمله مِن أرزاق، أو قتال الأعداء والانتصار عليهم، ﴿ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ﴾: يعني وأنتمتحبون الفوز بالقافلة مِن غير قتال، ﴿ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ ﴾: أي ولكنّ اللهَ يريدُ أن يُظهِرَ الحقَّ بنصْر أوليائه وهزيمة أعدائه.

    وقولُهُ تعالى: ﴿ بِكَلِمَاتِهِ ﴾: أي بأمْرِهِ لكم بقتال الكفار، وبأمْرِهِ للملائكة بالقتال معكم، ﴿ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ﴾: أي ويريد سبحانه أن يَستأصل الكافرين بالهلاك، وذلك ﴿ لِيُحِقَّ الْحَقَّ ﴾: أي لِيَنصر الإسلامَ ويُعِزَّ أهله، ﴿ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ ﴾: أي ويُذهِب الشِركَ ويُذلّ أهله، ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾: يعني ولو كَرِهَ المشركون ذلك.

    الآية 9: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ ﴾: أي اذكروا نعمة الله عليكم يوم بدر، حين طلبتم مِن ربكم - بتضرُّعٍ - أن يَنصركم على عدوكم، ﴿ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ﴾ قائلاً ﴿ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ أي مُتتالِين، يَتْبَعُ بعضهم بعضًا.

    الآية 10: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ ﴾: أي وما جعل اللهُ هذا الإمداد بالملائكة ﴿ إِلَّا بُشْرَى ﴾ لكم بالنصر ﴿ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ويَذهب منها القلق والاضطراب، وتوقنوابنصر اللهِ لكم ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ لا يَغلبه أحد ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يَنصرُ مَن يَستحق النصر.

    الآية 11: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ ﴾: أي اذكروا نعمة اللهِ عليكم يوم بدر، حين ألقى عليكم النُعاس ﴿ أَمَنَةً مِنْهُ ﴾: أي أمانًا منه سبحانه، واطمئناناً لكم من الخوف الذي أصابكم لِكثرة عدوكم (فإنّ العبد إذا أصابه النُعاس: هدأ وثبت، فلا يخافُ ولا يَهرب).

    ثم ذكَّرَهُم سبحانهُ بنعمةٍ أخرى يوم بدر، وهي أنه أنزل على مُعَسكَرِهِم مطراً غزيراً شربوا منه وتطهروا، وذلك بعد أن كانوا عِطاشاً، مُحدِثين (أي ناقضِينَ لِوضوءهم)، قال تعالى:﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، ﴿ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ ﴾: يعني ولِيُزِيلَ عنكم وساوس الشيطان، فقد وسوس الشيطان لبعضهم قائلاً: (كيف تُنصَرون وأنتم مُحدِثين؟، وكيف تقاتلون وأنتم عِطاش؟)، ﴿ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ ﴾: يعني ولِيُطَمْئِنَ قلوبَكم بوجود الماء، لِكَوْنِكُم لا تخافونَ عطشاً أثناء القتال، ولِتزدادوا ثباتاً ويقيناً بأنّ اللهَ معكم (إذ أنزل المطر لِيُعِينَكم به على عدوكم)، ﴿ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾: أي ويُثبِّتَبالمطر أقدامكم، لأن المطر جعل الأرض الرملية - التي نزلتم بها - قويَّة متماسكة، حتى لا تغوص فيها الأقدام.

    الآية 12: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الذين أمَدَّ اللهُ بهم المسلمين فيغزوة "بدر" ﴿ أَنِّي مَعَكُمْ ﴾ بنَصْري وإعانتي، ﴿ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾: أي فقوُّوا عزائم الذين آمنوا، ﴿ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ﴾ ﴿ فَاضْرِبُوا ﴾ المشركين ﴿ فَوْقَ الْأَعْنَاقِ - وهو المكان الذي تُذبَح منه البَهيمة - ﴿ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ أي واضربوا أطراف أيْديهم وأرجُلِهِم، حتى لا يستطيعوا ضرباً بالسيف، ولا فِراراً بالأرجل.

    الآية 13: ﴿ ذَلِكَ الذي حدث للكفار - مِن ضَرْب أعناقهم وأطرافهم؛ ﴿ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: أي بسبب مخالفتهم لأمرالله ورسوله، ﴿ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: يعني ومَن يُعادِي اللهَ ورسوله: ينتقم اللهُ منه ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

    الآية 14: ﴿ ذَلِكُمْ العذاب الذي عجَّلتُهُ لكم أيها الكافرون يوم بدر ﴿ فَذُوقُوهُ ﴾ في الحياة الدنيا، ﴿ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ ﴾ جميعاً ﴿ عَذَابَ النَّارِيوم القيامة.

    الآية 15: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا أي زاحفين إليكم لِيُقاتلوكم ﴿ فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ﴾: أي فلا تُعطوهم ظهوركم فِراراً منهم، ولكن اثبُتوالهم، فإنّ الله معكم وناصركم عليهم.

    الآية 16: ﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾: يعني والذي يَفِرّ منهم وقت المعركة لا يكونُ ﴿ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ ﴾: أي مُصطنِعاً لحيلةٍ وخِداع، ليتمكن مِن محاصرة الكفار وقتالهم، ﴿ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ﴾: يعني أو كانَ يريدُ بفراره الانضمام إلى جماعةٍ من المؤمنين وهي تقاتل، فيقاتل معها لِيُقوِّيها أو يَقوَى بها، فمَن لم يكن كذلك، وفرَّ من المعركةِ جُبناً من القتال وخوفاً من المشركين ﴿ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ أي رجع من المعركة مُستحقاً لغضبٍ من الله، ﴿ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ﴾ في الآخرةِ ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.

    الآية 17: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ﴾: أي فلم تقتلوا المشركين يوم بدر ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ﴾ لأنه هو الذي أمركم بقتالهم وأعانكمعلى ذلك، ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ﴾: يعني ولستَ أنتَ الذي أصبتَ في رَمْيتِكَ - أيها النبي - حين رميتَ حِفنة التراب على المشركين أثناء المعركة ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾: أي ولكنَّ اللهَ هو الذي أصاب، حيثُ أوصل تلك الرَمْيَةإلى أغلب عيون المشركين، فعَوَّقتْهم عن القتال وتسَبَّبتْ في هزيمتهم، ولو أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم تُرِكَ لِقوَّتِه، لَمَا وصلتْ الرَمْيَةإلى أعْيُن الصف الأول من المشركين المقاتلين.

    وقد فعل اللهُ ذلك القتل بالمشركين، وأوصل تلك الرَمْيَةإلى أعينهم، لِيُذِلَّهم ويَكسر شَوكتهم ﴿ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ﴾: يعني ولِيَختبر صِدْق المؤمنين بالقتال، ويُنعِمَ عليهم بنصْرهم رغم قلة عددهم، ويُوصلهمبالجهاد إلى أعلى الدرجات، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لدعائكم عندما استغثتم به أثناء المعركة ﴿ عَلِيمٌ بضَعْفِكم يومَها وحاجتكم إليه، فأعانكم ونَصَرَكم.

    الآية 18: ﴿ ذَلِكُمْ - أي هزيمة المشركين ونصْر المؤمنين يومَ بدر - كانَ بقدرة اللهِ تعالى، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ أي إنه سبحانهُ سيُضعِفُ مَكْرَ الكافرين - في كل وقت - حتى يَذِلُّوا وينقادوا للحق، أو يَهلكوا على شِركهم.

    الآية 19، والآية 20، والآية 21: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا ﴾: يعني إنْ تطلبوا - أيها المشركون - مِن اللهِ أن يُوقِعَ عذابه على أهل الباطل - كما طلبتم ذلك يوم بدر: ﴿ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ ﴾: أي فقد أجابَ اللهُ طلبكم، حينَ أوقعَ بكم مِن عقابه ما كانَ عبرةًللمتقين، ﴿ وَإِنْ تَنْتَهُوا ﴾ عن الكُفر بالله ورسوله، وعن قِتال النبي وأصحابه، وتُسلِموا للهِ تعالى: ﴿ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ في دُنياكم وأُخراكم، ﴿ وَإِنْ تَعُودُوا ﴾ إلى قتال المؤمنين، وإلى طلب النَصر لِمَن على الحق في الفريقين: ﴿ نَعُدْ ﴾ في نَصْر المؤمنين عليكم، ﴿ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ ﴾: أي ولن يَدفع عنكم أعوانكم وأنصاركم شيئًا من العقاب، كما لم يَدفعوهُ عنكم يوم بدر، رغم كثرة عددكم وسلاحكم، ورغم قلة عدد المؤمنين وسلاحهم.

    هذا ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ بنصره وتأييده، فلن يتخلى عنهم ما داموا مستقيمين على طاعة الله ورسوله، ولهذا قال بعدها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ ﴾: أي ولا تُعرضوا عن هذا الأمر - وهو طاعة اللّه ورسوله - ﴿ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ﴾ ما يُتلَى عليكم مِن الحُجَج والبراهين فيالقرآن.

    إذ نَصْرُكُم - أيها المؤمنون في بدر - كانَ ثمرةً لإيمانكم وطاعتكم، فإنْ أعرضتم وعصيتم: لَأصبحتم كغيركم من أهل الإعراض والعِصيان، (ولذلك كانت هزيمة المسلمين في "أُحُد" - بعد أن كان الانتصار لهم في بداية المعركة - عقوبةً مِن اللهِ تعالى لهم بسبب معصيتهم لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم).

    ﴿ وَلَا تَكُونُوا في مخالفة أوامر الله ورسوله ﴿ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ﴾ وهم المشركون والمنافون الذين إذا سمعوا كتاب الله يُتلَى عليهم قالوا: سمعنابآذاننا، وهم في الحقيقة لا يتدبرون ما سَمِعوا، ولا يَتفكَّرون فيه لِيعتبروا، لِذا فهُم في سَماعهم كمن لم يَسمع، إذ العِبرةُ من السَماع: التفكُّر والانتفاع.







    تفسير الربع الثاني من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط


    الآية 22، والآية 23: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني: إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ - مَنزِلةً - هم ﴿ الصُّمُّ ﴾ الذين امتنعتْآذانُهم عن سَماع الحق، ﴿ الْبُكْمُ ﴾ الذين خَرُسَتْ ألسنتهم عن النُطق به، وهؤلاء هم الذين ﴿ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ عن اللهِحُجَجه وبراهينه، ﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ ﴾ مواعظ القرآن سَماعَ تدبُّرٍ وقبول، ولكنه سبحانه عَلِمَ أنه لا خيرَ فيهم، لأنهم توَغَّلوا في الظلم والفساد والكِبر والعِناد، فحُرِموا بذلك هداية اللهِ تعالى، ﴿ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ ﴾ سبحانهُ - على سبيل الفرْض - ﴿ لَتَوَلَّوْا ﴾: أي لأعرضوا عن الإيمانِ بالقرآن - كِبراً وعِنادًا - مِن بعد فَهْمِهِملآياته، (﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾) دائماً عن الحق، فلا يَلتفتون إلاَّ لِما يُناسِبُ أهوائهم.

    الآية 24: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بالطاعة والانقياد ﴿ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾: أي إذا دعاكم للحق الذي فيه إصلاح حياتكم في الدنياوالآخرة ﴿ كالجهاد وغيره ﴾، ثم حَذَّرَ سبحانه مِن عدم الاستجابة للّه وللرسول فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ﴾ والمراد أنَّ اللهَ تعالى يَملِكُ قلبَ العبد، فإيّاكم أن ترُدُّوا أمْرَ اللّهِ أوَّلَ ما يأتيكم، حتى لا يُضِلَّ قلوبكم (فيجعلكم تكرهون الطاعة وتحبون المعصية، وترونَ الحقَّ باطلاً والباطلَ حقاً).

    فلهذا يجب أن يُكثِرَ العبدُ مِن قوْل: (يا مُقَلِّبَ القلوب ثبِّت قلبي على دينك)، و (يا مُصَرِّفَ القلوب صَرِّف قلبي إلى طاعتك)، لأنّ القلوب بين يَدَي اللهِ تعالى، يُقَلِّبُها ويُصَرِّفها حيث يشاء، ﴿ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ يومَ القيامة، لِيُجازِي كُلاًّ بما يَستحق (فالذي يَعلمُ أنه سيَرجِعُ إلى ربه، لابد أن يُسرعَ في تلبيةِ أمْرِه، حتى لا يُبتَلَى بفتنةٍ تُهلِكُهُ في دنياهُ وآخِرَتِه).

    الآية 25: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً ﴾: يعني واحذروا - أيها المؤمنون - عذاباً ومِحنةً ﴿ لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ﴾: أي لا يُخَصُّبها أهل المعاصي فقط، بل تُصيبُ الصالحين معهم إذا قدروا علىإنكار الظلم ولم يُنكِروه، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾، فعقابُهُ تعالى لا يُطاق ولا يُحتمَل.

    الآية 26: ﴿ وَاذْكُرُوا أيها المؤمنون نِعَمَ اللهِ عليكم ﴿ إِذْ أَنْتُمْ ﴾ أي حينَ كنتم بمكة ﴿ قَلِيلٌ ﴾ أي قليلوا العدد (﴿ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾) (﴿ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ﴾): أي تخافون أن يَخطفكم الكفار بسرعةٍ وسهولة (يعني بدون أن تقاوموهم) وذلك لِضَعفكم وقِلَّتِكم،﴿ فَآَوَاكُمْ ﴾: أي فجعل لكم مَأوى تأوونَ إليه وهو "المدينة"، فكَثَّرَكم فيها وقوَّاكم ﴿ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ ﴾ يوم بدر، ﴿ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ﴾ - التي مِنضِمنها الغنائم - (﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾) ربكم على ما أنعمَ به عليكم.

    الآية 27، والآية 28: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ بترْكما أوجَبَهُ اللهُ عليكم، وبفِعْل ما نهاكم عنه، ﴿ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ ﴾: أي ولا تخونوا أماناتكم التي ائتمنكم الناسُ عليها ﴿ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ عِظَم جريمة الخيانة، ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ أي اختبارٌ مِن الله لعباده; لِيَعلمَ سبحانه: أيَشكرونه عليهاويُطيعونه فيها، أم يَنشغلونَ بها عنه؟ ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ ﴾: أي واعلموا أن اللهَ ﴿ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ - وهو نعيم الجنة، الذي أعدَّهُ اللهُ لِمَناتقاه وأطاعه، ونَجَحَ في اختباره.

    الآية 29: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ بفِعل أوامرهواجتناب نواهيه: ﴿ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا ﴾ أي عِلماً ونوراً تُفَرِّقونَ بهِ بين الحق والباطل، ﴿ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾: أي ويَمحُ عنكم صغائر ذنوبكم، ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ كبائرَ ذنوبكم، فيسترها عليكم، ولا يؤاخذكم بها ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾.

    الآية 30: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾: يعني واذكر - أيها الرسول - نعمة ربك، حين كانَ المشركون بمكَّة يُبيّتون لك ما يَضرك، ﴿ لِيُثْبِتُوكَ ﴾: أي لِيَحبسوك ﴿ أَوْ يَقْتُلُوكَ ﴾ ﴿ أَوْ يُخْرِجُوكَ ﴾ مِن بَلدك، ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ﴾ بهم، حيثُ أخرجك مِن بين أيديهم سالماً، ﴿ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ(وفي هذا إثباتُصفةِ المَكْر للهِ تعالى على الوجه الذي يَليقُ بجلاله وكماله، لأنه مَكْرٌ بحق، وفي مقابلةمَكْر الماكرين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (وامكُر لي ولا تمْكُر عليّ)، ومِمَّا يَجب أن يُعلَم أنَّ أفعالَ اللهِ تعالى لا تُشبه أفعال العباد، لأنّ ذاتَهُ سبحانه لا تُشبه ذَواتِهم).

    الآية 31: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا ﴾: يعني وإذا تُتلَى على هؤلاء المشركين آيات القرآن الكريم: ﴿ قَالُوا ﴾ - جهلاً منهموعِنادًا للحق -: ﴿ قَدْ سَمِعْنَا ﴾ ما تَقرأ علينا، ﴿ لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ﴾ القرآن، ﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾: يعني ما هذاالقرآن الذي تتلوهُ علينا إلا أكاذيبُ الأوَّلين، وقد كذبوا في ذلك، فأين ما يَقُصُّهُ القرآن وما يُوسوسُ به الشيطان؟!

    الآية 32، والآية 33: ﴿ وَإِذْ قَالُوا ﴾: يعني واذكر أيها الرسول حين قال المشركون مِن قومك - داعينَ اللهَ تعالى -: ﴿ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا ﴾ القرآن ﴿ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾، وهذا دليلٌ على غباء أهل الباطل، إذ كانَ الأوْلَى بهم أن يقولوا: (اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فاهدِنا إليه وَوَفِّقنا لاتِّباعه)!

    ثم أخبر اللهُ رسوله بأنه قادرٌ على إنزال العذاب بهم، ولكنه أخبره أيضاً بأنه: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾ - أيها الرسول - لِمَكانَتِكَ عند ربك، ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ (وفي هذا دليلٌ على أن الاستغفار سببٌ للنجاة من عذاب الله تعالى)، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: (مَن أحَبَّ أنْ تَسُرَّهُ صَحِيفتَهُ: فليُكثِر فيها من الاستغفار)(انظر السلسلة الصحيحة:2299)، وقال أيضاً: (طُوبَى لمن وُجِدَ في صَحِيفتِهِ استغفارٌ كثيرٌ)(انظر صحيح الترغيب والترهيب: جـ 2 رقم 1618)، وطوبَى هي: (شجرة في الجنة، مَسِيرة مائة عام، تخرجُ ثيابُ أهل الجنة من أكمامها) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثٍ آخر(انظر صحيح الجامع حديث رقم: 3918).

    الآية 34: ﴿ وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ ﴾: يعني وكيف لا يَستحقُّون عذابَ اللهِ ﴿ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾: أي وهم يمنعون المؤمنين عن الطواف بالكعبةوالصلاة في المسجد الحرام؟، ﴿ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ﴾: يعني وما كان المشركون أولياءَ للهِ تعالى كما زعموا، ﴿ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ﴾: يعني إنما أولياءُ اللهِ حقاً هم الذينيتقونه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ أي أكثر الكفار ﴿ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ ذلك، فلهذازعموا لأنفسهم أمرًا غيرهم أوْلَى به.

    الآية 35: ﴿ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ ﴾: يعني وما كان صلاة المشركين عند المسجد الحرام ﴿ إِلَّا مُكَاءً ﴾: أي صَفيرًا بالفم ﴿ وَتَصْدِيَةً ﴾: أي تصفيقًا باليد ﴿ فَذُوقُوا الْعَذَابَ ﴾ أي عذاب القتلوالأسر يوم بدر، جزاءً ﴿ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ وبما كنتم تستهزئون بشعائر اللهِ تعالى.

    الآية 36، والآية 37: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فيُعطونها لأمثالهم منالمشركين وأهل الضلال ﴿ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي لِيمنعوا الناس عن الدخول في الإسلام، ﴿ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ ﴾)عاقبة إنفاقهم لهذه الأموال ﴿ (عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ﴾ لأن أموالهم تذهب هباءً، ولا يفوزون بما يريدون، ﴿ ثُمَّ يُغْلَبُونَ ﴾: أي ثم يَهزمهم المؤمنون في آخر الأمر، ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وماتوا على كُفرهم ﴿ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾.

    وقد أُدخِلَ هؤلاء الكفار جهنم ﴿ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ وهم أهل الشرك والمعاصي ﴿ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ وهم أهل التوحيد والصلاح، فيَجعل سبحانه الطيبين يتميزون عن الخبيثين بدخولهم دار النعيم ﴿ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ﴾ متراكمًا متراكبًا، ﴿ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا ﴾ كَوْماً واحداً ﴿ فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ في الدنيا والآخرة.

    الآية 38: ﴿ قُلْ - أيها الرسول - ﴿ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ مِن قومك: ﴿ إِنْ يَنْتَهُوا ﴾ عنالكُفر وعن قتالك وقتال المؤمنين، ويرجعوا إلى التوحيد الذي فطرهم اللهُ عليه: ﴿ يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ أي يَغفر اللهُ لهم ما سبق من الشرك والذنوب بسبب إسلامهم، ﴿ وَإِنْ يَعُودُوا ﴾ للجحود بوحدانية الله ورسالتك، وإلى قتالك وقتال المؤمنين: ﴿ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ ﴾:أي فقد سبقتْ طريقة اللهِ في الأولين، وهي إهلاك الظالمين إذا استمرواعلى تكذيبهم وعِنادهم، كما حدث مع عادٍ وثمود، وكما حدث مع كفار مكة يوم بدر (وفي هذا تهديدٌ عظيمٌ لهم).

    الآية 39، والآية 40: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ ﴾: أي وقاتِلوا - أيها المؤمنون - المشركين المحاربين ﴿ حَتَّى لَا تَكُونَ هناك ﴿ فِتْنَةٌ ﴾ أي صَدٌ للمسلمين عن دينهم (بالتعذيب والاضطهاد)، وحتى لا يكونَ هناك شركٌ باللهِ تعالى، ﴿ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾: أي ويَبقى الدينُ للهِ وحده - خالصًا - لا يُعْبَدُمعه غيرُه، فيرتفع البلاء عن أهلالأرض جميعاً، ﴿ فَإِنِ انْتَهَوْا ﴾ عن تعذيب المؤمنين وعن الشرك باللهِ تعالى، وصاروا إلى الدين الحق معكم: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا يَخفَى عليه ما يعملون، ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن أعرضوا عن الإسلام، وأصَرُّوا على قتالكم: ﴿ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ﴾: أي فأيقِنواأنَّ الله ناصركم عليهم، إذ هو سبحانه ﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى ﴾ أي نِعْمَ المُعين والحافظ ﴿ وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ لكم علىأعدائكم.

    (1) وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)،
    واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.

    رامي حنفي محمود
    شبكة الالوكة




  • #2
    تفسير الربع الثالث من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط






    الآية 41: ﴿ وَاعْلَمُوا أيها المؤمنون ﴿ أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: أي إنكم إذا فزتم بشيءٍ من الغنائم وأنتم تجاهدون في سبيل اللهِ: ﴿ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ﴾: يعني فإنّ خُمس هذه الغنيمة يُقسَّم كالآتي: (الجزء الأول لله وللرسول، فيُجعَل في مصالح المسلمين العامة ويُنفَق منه أيضاً على الكعبة وسائر المساجد، والجزء الثاني لأقرباء الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم وبنو عبد المُطَّلِب (فقد جُعِل لهمذلك الجزء من الغنيمة مكان الصدقة لأن الصدقة لا تَحِلُّ لهم)، والجزء الثالث لليتامى، والرابع للمساكين،والخامس للمسافر المحتاج للنفقة).







    وأما الأربعة أخماس الباقين من الغنيمة: فإنها توَزَّع على المقاتلين الذين حضروا المعركة، بحيثُ يُعطَى الفارس (وهو الذي كان يقاتل راكباً على فرسه) ضعف ما يأخذ الراجل (وهو الذي كان يقاتل واقفاً على رجليه)، وذلك لِمَا للفارس مِن تأثير في الحرب، ولأنّ فرسه يحتاج إلى نفقة علف.







    فارْضوا بهذه القسمة التي شرعها اللهُ لكم ﴿ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ﴾: يعني إن كنتم مقرِّين بتوحيد الله، مُطيعينَله، مؤمنين بما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والمَدَدوالنصر ﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ أي يوم بدر (الذي فَرَق اللهُ فيه بين الحق والباطل) ﴿ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ أي جَمْعُ المؤمنينوجَمْعُ المشركين، ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌفكما قدَرَ سبحانه على نَصْركم رغمَ قِلَّتِكُم، وعلى هزيمة عدوكم رغمَ كثرتهم، فكذلك هو قادرٌ على كل شيءٍ يريده.







    الآية 42: ﴿ إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا (هذا تذكيرٌ للمؤمنين بساحة المعركة، التي ظهر فيها لُطف اللهِ تعالى بهم، حيثُ كان المشركون - في بادئ الأمر - يتميزون عنهم بحُسن الموقع، ثم قلَبَ اللهُ تعالى الكِفَّة لتكون في صالح المؤمنين، فقال لهم: اذكروا نعمة اللهِ عليكم حينما كنتم على حافة الوادي الأقرب إلى "المدينة" (وقد كانت أرضاً رملية تغوص فيها الأقدام﴿ وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى ﴾: يعني وكان عدوكم نازلاً بالحافة الأبعد عن "المدينة" (وكانت أرضاً صلبة)، فلمَّا سبقهم جيش المشركين إليها، اغتمَّ المسلمون، فلمَّا أرسل اللهُ المطر: أصبحت الأرض الرملية - التي نزل بها المسلمون - قويَّة متماسكة (فلم تَعُقْ المسلمين عن المَسير)، وأصبحت الأرض الصلبة - التي نزلتْ بهاقريش - زَلقة(فعَطَّلتْهم عن المَسير) فلم يبلغوابئر بدرإلا بعد أن وصل المسلمون إليه، فعندئذٍ اختار المسلمون أحسن موقع، واتخذوا حوضاً يكفيهم من الماء، فكان المسلمون يشربون، ولا يَجد المشركون ماءً.







    ﴿ وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ﴾: أي واذكروا حينما كانت قافلة قريش التجارية - التي خرجتم مِن أجلها - في مكانٍ أسفلَ منكم (ناحية شاطئ "البحر الأحمر") بقيادة أبي سفيان، وبالتالي فقد كنتم مُحاصَرين بجماعتين من المشركين (جيشأبي جهل مِن ناحية،وأبي سفيان ومَن معه مِن ناحيةٍ أخرى)، فلو فَطِنَ العدو لهذا الوضع، لَطَوَّقَ جيشالمسلمين من الناحيتين، ولكنَّ اللهَ صرفهم عن التَفَطُّن لذلك، وكذلك صَرَفَ المسلمين عن محاولة الهجوم على القافلة، حتى لا يقعوا بين جماعتين من العدو، فللهِ الحمدُ والمِنّة.







    ﴿ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ ﴾: يعني ولو حاولتم أيها المسلمون أن تضعوا موعدًا لهذا اللقاء بهذه الصورة لَتأخرتم - بل ولَتخلفتم - عن الميعاد، لأسبابٍ تقتضي ذلك (منها أنكم قِلَّة وهم كَثرة)، ﴿ وَلَكِنْ اللهُ جَمَعَكم في وادٍ واحد على غير ميعادٍ ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا - أي لابد مِن وقوعه - وهو نَصْر أوليائه وخِذْلان أعدائه، وذلك ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ من المشركين ﴿ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾: أي عن حُجَّةٍ ظهرتْ له وقطعتْ عُذره أمامَ الله، إذ اتضَّحَ له - بعدما رأى الآيات يوم بدر - أنّ المشركين على باطلٍ وضلال، ثم رَضِيَ بذلك الباطل واستمر عليه، ﴿ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾: يعني ولِيحيا مَننجا مِن المشركين عن حُجَّةٍ ظهرتْ له، فعَلِمَ ساعتَهَا أن الإسلامَ حق، وأن الرسولَ حق، وذلك بما أرَى اللّهُ الطائفتين من الأدلة والبراهين، ما يَتعظُ به المشركون، ويَزدادُ به الذين آمنوا إيماناً، ﴿ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ لأقوال الفريقين، ﴿ عَلِيمٌ بأفعالهم.







    الآية 43: ﴿ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ﴾: أي اذكر - أيها النبي - حينما أراكَ اللهُ قِلَّة عدد عدوك في منامك، فأخبرتَ المؤمنينبذلك، فقَوِيَتْ قلوبُهم، واجترؤوا على حَرْبهم، ﴿ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ أي لَترددأصحابك في مُلاقاتهم، ولَخافوا مِن لقائهم، ﴿ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾: أي ولاَختلفتم في أمر القتال، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ منالفشل، ونجَّاكم مِن عاقبةِ ذلك، ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ : أي إنه سبحانه عليمٌ بخفايا القلوب وطبائع النفوس.







    الآية 44: ﴿ وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا ﴾: يعني واذكروا أيضًا حينما ظهر أعداؤكم في أرض المعركة، فرأيتموهم قليلين فاجترأتمعليهم، ﴿ وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ ﴾:يعني وقلَّلكم ربكم - أيها المؤمنون - في أعين المشركين، ليتركوا الاستعداد لِحَربكم (هذا قبل الالتحام، أما بعد الالتحام فقد رأى المشركونَ المؤمنين مِثلَيْهِم - أي يَزيدون عليهم في العدد زيادة كبيرة تبلغالضِعف -، وذلك حتى تتم هزيمتهم).







    وقد كان ذلك التدبير الإلهي ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾: أي ليتحقق وَعْدُ اللهِ لكم بالنصر، فإنه سبحانه إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون، ﴿ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ ﴾: يعني وإلى اللهِ وحده تصير الأمور كلها، فما شاءَ منها كان، وما لم يَشأهُ لم يكن، فليس لأحدٍ فيها تأثير إلا بإذنهِ سبحانه.







    الآية 45: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً أي إذا لقيتم جماعةً مِن أهلالكفر قد استعدوا لقتالكم ﴿ فَاثْبُتُوا ولا تفِرُّوا منهم، وكونوا في صمودكم كالجبال الشامخة ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا مُكَبِّرين داعين مُتضَرِّعين لإنزال النصر عليكم؛ ﴿ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾: أي لكي تفوزوا بالنصر في الدنيا وبالجنة في الآخرة.







    الآية 46: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ والتزموا هذه الطاعة في جميع أحوالكم، ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾: أي ولا تختلفوا - وأنتم في مواجهة العدو - فتتفرق كلمتكموتختلف قلوبكم، وتذهب قوتكم، ﴿ وَاصْبِرُوا عند لقاء العدو ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ بِالعَوْن والنصر والتأييد.







    الآية 47: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا ﴾: أي ولا تكونوا مِثل المشركين الذين خرجوا ﴿ مِنْ دِيَارِهِمْ أي مِن بلدهم، وقد خرجوا ﴿ بَطَرًا ﴾: أي كِبرًا، مِن أجل العُلُوّ في الأرض، ﴿ وَرِئَاءَ النَّاسِ ﴾: يعني ولِيَراهم الناس ويَفتَخِروا بقوّتهم.







    ثم ذكر تعالى مقصودهم الأعظم من هذا الخروج فقال: ﴿ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي إنهم خرجوا لإظهار قوتهم أمام الناس لِيُخَوّفوهم من الدخول في دين الله، ولِيُرغِموهم على عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُعذبوا مَن أجابَ دَعْوَته، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ لا يَغيبُ عنه شيءٌ مِن أفعالهم وأقوالهم، وسيُعاقبهم على ذلك أشد العقوبة.







    الآية 48: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ﴾: يعني واذكروا حين حَسَّن الشيطانُ للمشركين أمْرَ إنقاذ القافلة وقتال المسلمين، ﴿ وَقَالَ لهم: ﴿ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ ﴾: يعني لنيَغلبكم اليوم أَحَد، فإني ناصركم عليهم، (وكان الشيطان في هذه الساعة في صورة رجل من أشراف القوم)، ﴿ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ ﴾: أي فلما تقابل الفريقان - المشركون ومعهمالشيطان، والمسلمون ومعهم الملائكة -: ﴿ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ﴾: أي رجع الشيطان إلى الوراءِ هارباً من المعركة، ﴿ وَقَالَ للمشركين: ﴿ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ من الملائكة الذين جاؤوا مَددًا للمسلمين﴿ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ﴾: أي أخافُ أن يُعاجلني بالعقوبة في الدنيا ﴿ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، فكانَ خِذلانُالشيطان للمشركين: تقديراً من اللهِ تعالى لِيُتِمّ النصرَ للمسلمين.







    الآية 49: ﴿ إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ - وهم ضِعاف الإيمان - عندما رأوا خروجَ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى بدر: ﴿ غَرَّ هَؤُلَاء المسلمين ﴿ دِينُهُمْ فعَرَّضهم للمَهالك، وجَرَّأهم على الخروج لقتال قريش وهي تفوقهم عدداً وسلاحاً.







    ولم يُدركهؤلاء المنافقون أنه ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ويَثِقْ بنصْره، ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لن يَخذله، إنه سبحانه ﴿ عَزِيزٌ لا يَغلبه أحد، ولا يمنعه أحد عن فِعل ما يريد ﴿ حَكِيمٌ يَضع النصر لِمَن يَستحقه.







    الآية 50، والآية 51: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ ﴾: يعني ولو أنك - أيها الرسول - أبْصَرتَهؤلاء الكفار يوم بدر - وقتَ انتزاع الملائكةِ لأرواحهم - لَرأيتَ أمرًا فظيعاً، إذ ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ أي يَضربونهم مِن أمامهم ومِن خلفِهم، ﴿ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾: أي ويقولون لهم: ذوقوا العذاب الشديد المُحرِق.







    وقد اختلف المفسرون في المُراد مِن قوْل الملائكة لهم - وهم في السَكَرات -: (وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) فمنهم مَن قال: (كان مع الملائكة يوم بدر مقامع من حديد،كلما ضربوا المشركين بها، التهبتْ النار في جراحاتهم فتحرق أجسادهم)، ومنهم مَن قال بأنّ المُراد هو إخبارُهُم بأنهم سيذوقون عذاب الحريق عندما يدخلون جهنم في الآخرة، وهذا كقوله تعالى:﴿ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ﴾، فهو بِشارةٌ لهم من الملائكة بعذابٍ أدهَى وأمَرّ مما هم فيهِ لِيَزدادوا حسرةً، واللهُ أعلم (واعلم أن هذا السِياق، وإن كان قد حدث في غزوة "بدر"، إلاَّ إنه عامٌّ في حق كلِّ كافر وقت السَكَرات).







    ثم تقول الملائكة لهم: ﴿ ذَلِكَ أي ذلك التعذيب هو ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾: أي بسبب كُفركم وأعمالكم السيئة في حياتكم الدنيا، وليس بظلمٍ مِن اللهِ لكم، لأنّ اللهَ تعالى هو الحَكَمُ العدل، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِفلايَظلم سبحانه أحدًا مِن خَلْقه مثقال ذرة، قال تعالى في الحديث القدسي - كما في صحيح مسلم -: "يا عبادي إني حرّمتُ الظلمَ على نفسي، وجعلتُهُ بينكم مُحَرَّماً فلا تَظَالَموا".







    الآية 52: ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ ﴾: يعني:إنّ شأنَ كفار قريش في تكذيبهم وما نزل بهم من العذاب، هي سُنَّة الله في عقاب الطغاة من الأمم السابقة، كما حدث لآل فرعون ﴿ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فقد ﴿ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِالواضحة ﴿ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ﴾: أي فعاجَلهم اللهُ بالعقوبة بسبب تكذيبهم وعِنادهم ﴿ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾.







    الآية 53، والآية 54: ﴿ ذَلِكَ العذاب الذي أصابَ الأمم الكافرة الظالمة، ﴿ بِأَنَّ أي بسبب أنّ ﴿ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا أي لم يَكُنْ مِن سُنَّتِهِ تعالى في خَلقه أن يكونَ مُغَيِّراً ﴿ نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ ولا أن يَسلبها منهم ﴿ حَتَّى يُغَيِّرُوا هم ﴿ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ويكونوا هم البادئين بالتكذيب والظلم، أو الفسوق والفجور، ﴿ وَأَنَّ ﴾: أي وذلك العذاب كانَ أيضاً بسبب أنّ ﴿ اللَّهَ سَمِيعٌ لأقوال عباده ﴿ عَلِيمٌ بأفعالهم، فلذلك كان الجزاءُ عادلاً لا ظلمَ فيه.







    ثم يُخبرُ تعالى بأنّ شأنَ الظالمين في تغيير نعمة اللهِ عليهم واستحقاقهم للعذاب، هو ﴿ كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْفقد ﴿ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ بعدما تيَقنوا أنها من عند الله، وتكَبَّروا عن الانقياد لها ﴿ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ ﴿ وَكُلٌّ مِن المُهلَكين المُعذَّبين ﴿ كَانُوا ظَالِمِينَ لعباد اللهِ تعالى، وظالمينَ لأنفسهم بتعريضها لِغضب اللهِ وعذابه.







    الآية 55، والآية 56: ﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ﴾: يعني إنَّ شر ما دَبَّ على الأرض ﴿ عِنْدَ اللَّهِ - مَنزِلةً - هم ﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا والسبب في ذلك: ﴿ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾: أي فهم لا يصَدِّقونرُسُلَ اللهِ تعالى، ولا يُقِرُّون بوحدانيته، بسبب عِنادهم واتِّباعهم لأهوائهم، مِن بعد ما تبين لهم الحق، فبذلك صاروا شرَّ الدوابّ.







    ومِن هؤلاء الكفار: اليهود ﴿ الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ﴾: أي الذين أخذتَ منهم عهداًبألاَّ يُحاربوك وألاَّيُعينوا عليك أعدائك، ﴿ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ ﴿ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ أي لا يَخافون عاقبة نقض المعاهدات والتلاعُب بها.







    الآية 57: ﴿ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ﴾: يعني فإن واجهتَ هؤلاء الناقضين للعهود في المعركة، وتمكنتَ منهم: ﴿ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ﴾: أي فأنزِلْ بهم مِنالعذاب ما يُدْخِلُ الرعب في قلوب الآخرين ويُشتت جُموعهم؛ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾: أي لعلهم يتعظون، فلا يُفَكِّروا في حَربك وقتالك بعد ذلك.







    الآية 58: ﴿ وَإِمَّا تَخَافَنَّ ﴾: يعني وإن خِفتَ - أيها الرسول - ﴿ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً ظهرتْ علاماتها واضحةً أمامك: ﴿ فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ ﴾: أي فاطرح تلك المعاهدة، مُلغِياً لها، مُعلِناً ذلك لهم، لِيَكونالطرفان - أنتم وهم - مُسْتوِيَيْن في العِلم بإلغاء المعاهدة، وذلك حتى لا يتهموك بالغدر والخيانة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ﴾.


    تفسير الربع الأخير من سورة الأنفال كاملا بأسلوب بسيط

    الآية 59، والآية 60: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا - وهم الذين نَجَوا من القتل في غزوة بدر - أنهم ﴿ سَبَقُوا ﴾: أي نجَوْا مِن عذاب الله، ﴿ إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ اللهَ بحال، وإنهم لن يُفْلِتوا مِن عذابِهِ أبداً.

    وبعد انتهاء معركة بدر وهزيمة المشركين فيها، عادَ أبو سُفيان ومَن معه إلى مكة وكلهم غيظٌ على المؤمنين، فأخذوا يستعدون للانتقام، ولذلك أمَرَ اللهُ رسوله والمؤمنين بإعداد القوة وبَذل ما في الوسع والطاقة، فقال لهم: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ في العدد والسلاح والتدريب، وغير ذلك مما فيه زيادة للقوة البدنية والعِلمية للمجاهدين، ﴿ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ - هذا أمرٌ مِن اللهِ لهم بأن يَربطوا خيولهم ويَحبسوها أمام بيوتهم، لتكون مُعَدّة للجهاد عليها (ومِن ذلك أيضاً: الاستعداد بكل ما يُركَب أثناء القتال من المُعِدَّات الحديثة (البرية والهوائية))، ﴿ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾: أي واعلموا أن هذا الاستعداد تُدْخِلون به الخوف في قلوب أعداء اللهِ وأعدائكم، حتى لا يُفكِّروا في غزو المسلمين وقتالهم،﴿ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ ﴾: أي ولِتخيفوا أيضاً آخرين لا تظهر لكم عداوتهم الآن، ﴿ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ويعلم ما يُخفونه لكم في صدورهم.

    ﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي لتقوية المسلمين على جهاد الكفار: ﴿ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ ﴾: أي يُخلِفه اللهُ عليكم فيالدنيا، ويَدَّخِر ثوابه لكم إلى يوم القيامة، ﴿ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾: يعني وأنتم لا تُنْقَصون مِن أجر ذلكشيئًا.

    الآية 61، والآية 62، والآية 63: ﴿ وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ ﴾: يعني وإن مالَ أعدائكم إلى ترْك الحرب ورَغِبوا في مُسالَمَتِكم والصُلح معكم: ﴿ فَاجْنَحْ لَهَا ﴾: أي فمِلْ - أيها النبي- إلى تلك المُسالَمة، طالما أنهم رَغِبوا فيها بصِدق، لأنك رسولُ رحمة لا رسول عذاب، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ أي فَوِّض أمْرَك إليه وثِق به وحده، لِيَكفيك شرَّهم ويَنصرك عليهم ﴿ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ لأقوالهم ﴿ الْعَلِيمُ بنيَّاتهم.

    ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ بإظهار المَيْل إلى السلم - وهم في نِيَّتهم الغدر بك - فامضِ في صُلحِك ولا تَخَف منهم ﴿ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ﴾: يعني فإنّ اللهَ سيَكفيك خِداعهم ومَكرهم؛ إنه ﴿ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ أي أنزلعليك نصْره، وقوَّاك بالمؤمنين من المهاجرين والأنصار ﴿ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: أي وجَمَعَ بين قلوب الأنصار بعدما كانت متنافرة يُعادي بعضهم بعضاً، وتقوم بينهم الحروب لأتفه الأسباب، ﴿ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ﴾: يعني لو أنفقتَ - أيها النبي- مالَ الدنيا لِتجمع قلوبهم، ما استطعتَ إلى ذلك سبيلاً، ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ بأنْ جَمَعهم على الإيمان فأصبحوا إخوةً مُتحابين، ﴿ إِنَّهُ سبحانه ﴿ عَزِيزٌ أي غالبٌ على أمره، إذا أراد شيئاً، قال له: (كن فيكون)،﴿ حَكِيمٌ في فِعله وتدبير أمور خلقه.

    الآية 64: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾:يعني إن الله كافيك - وكافي الذين معك من المؤمنين - شرَّ أعدائكم.

    الآية 65، والآية 66، والآية 67: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ أي حُثَّ ﴿ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ، وأخبِرْهم بأنه: ﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ عندلقاء العدو (لا يَضعُفون ولا يَجبُنون، بل يَثبُتون ويُقاتلون)، فإنهم ﴿ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ منهم، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ مجاهدة صابرة: ﴿ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا، ذلك ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾: أي لأن الكافرين قومٌ لا عِلْمَ لهم - ولا فَهْم - لِمَا أعدَّهُ اللهُ في الجنةِ للمجاهدين فيسبيله، فهم يقاتلون فقط من أجل العُلُوّ في الأرض والفساد فيها، فلذلك هم لا يَصبرون على القتال، لأنهم إذا خافوا على حياتهم: تركوا القتال طلباً للحياة، أما أنتم فتفهمون المقصود من القتال، وهو إعلاء كلمة اللّهِ تعالى وإظهار دينه، وحصول الفوز الأكبر عند اللّه، فلذلك يجب أن تصبروا.

    ولَمَّا شَقَّ على المؤمنين ثبات العشرة أمام المائة، والعشرين أمام المائتين، والمائة أمام الألف، خفّف اللهُ عنهم ذلك الحُكم بقوله: ﴿ الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ أيها المؤمنون ﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾: أي وذلك التخفيف بسبب ما يَعلمه سبحانه فيكم مِن الضَعف، ﴿ فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ من الكافرين، ﴿ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ منهم ﴿ بِإِذْنِ اللَّهِ أي بمعونته، إذ لا نَصْرَ إلاَّ بعَوْنٍ من الله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بتأييده ونصره.

    واعلم أن هذه الآية تحمل وعداً من الله تعالى للمؤمنين بأنهم إذا بلغوا هذا العدد المُحَدَّد في الآية، فإنهم سيَغلبون ذلك العدد المُحَدَّد من الكفار (وهو أن الواحد من المؤمنين يَغلب اثنين من الكفار)، بشرط أن يَصبروا ويَثبُتوا أمام الأعداء، وفي هذا تقويةٌ لقلوب المؤمنين، وبشارةٌ لهم بالنصر، إذا حققوا الشروط الإيمانية والمادية.

    ثم عاتبَ اللهُ نبيَّه والمسلمين عندما أخذوا الفِداءمن أسْرَى بدر مقابل إطلاق سَراحهم، فقال لهم: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى مِن أعدائه الكفار ﴿ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾: أي حتى يَقتل جميع الأسْرَى، ولا يُبقِي مُشرِكاً في ساحة المعركة، لِيُدخل بذلك الرعبفي قلوب المشركين في أنحاء الأرض، لِيَكُفوا عن شَرِّهم وتَضعُف قوَّتهم.

    فما دامَ للمشركين شَرٌّ وقوَّة، فالأوْلَى ألاَّ يُؤسَروا، فإذا بَطُلَ شرُّهم وضَعُفتْ قوَّتهم: جازَ للمسلمين الإبقاء على الأسرى أحياءً، لِيَمُنُّوا عليهم بلا مقابل أو لِيُفادوهم بالمال، ﴿ تُرِيدُونَ يا معشر المسلمين - بأخْذكم الفداء منأسرى "بدر" - ﴿ عَرَضَ الدُّنْيَا أي المال (لأنه عارِض ويزول فلا يَبقى)، ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ﴾: يعني واللهُ يريد لكم النعيم الباقي في الآخرة إذا أظهرتم دينه، ﴿ وَاللَّهُ عَزِيزٌ يَنصر مَن توكل عليه، ﴿ حَكِيمٌ في شرعه وتدبيره، فاطلبوا أيها المؤمنون رضاهُ بتَرْكَ ما تريده أنفسكم لِمَا يريد هو سبحانه.

    واعلم أن هذا العتاب لم يَنَل عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ رضي الله عنهما، لأنهما كانا يريدان قتل الأسرَى وعدم أخْذ الفداء منهم.

    الآية 68، والآية 69: ﴿ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ ﴾: يعني لولا ما كَتبه اللهُ وقدَّره بإباحة الغنائم وفِداء الأسرى لهذهالأُمَّة: ﴿ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾: أي لَأصابكم عذابٌ عظيم بسبب أخْذِكم الفداء قبل أن ينزل بشأنِهِتشريع.

    ثم أذِنَ اللهُ تعالى لأهل بدر أن يأكلوا من الغنائم وفداء الأسرى، فقال لهم: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ بالمحافظة على أحكام دينه وتشريعاته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حيثُ غفر لكم ما وقع منكم، ﴿ رَحِيمٌ بكم، حيثُ أباحَ لكم الغنائم وجعلها حلالاً طيباً، وفي الحديث الصحيح: (لعلَّ اللهَ قد اطَّلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غُفِرَ لكم).

    الآية 70: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى الذين دفعوا المال فِداءً لهم من الأسر: لا تحزنوا على الفداء الذي أُخِذَ منكم، لأنه﴿ إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا أي إيماناً صادقاً وإسلاماً حقيقياً: ﴿ يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من المال، بأنيُيَسِّر لكم من فضله خيرًا كثيرًا ﴿ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبكم، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ لذنوب عباده التائبين، ﴿ رَحِيمٌ بهم حيثُ قَبِلَ توبتهم وأعانهم عليها.

    واعلم أنّ هذه الآية قد نزلتْ في العباس - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم -، وذلك لأنه بعد أن وقع في الأسْر، أسلَمَ وأظهَر إسلامه، ثم طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يَرُدَّ عليه ما أُخِذَ منه مِن فدية، فرفض الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، فأنزل اللهُ هذه الآية وأوْفَى بوعده للعباس رضي الله عنه، ففي صحيح مسلم أنه لَمَّا قَدِمَ على النبي صلى الله عليه وسلم مالٌ من البحرين، قال له العباس: (إني فادَيْتُ نفسي - أي مِن الأسر - وفادَيْتُ عُقَيْلاً)، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (خُذ)، فبَسَطَ العباس ثوبه وأخذ ما استطاع أن يَحمله، وقال: (هذا خيرٌ مما أُخِذَ مِنِّي، وأنا أرجو أن يَغفر اللهُ لي).

    الآية 71: ﴿ وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ ﴾: يعني وإن يُرِدْ هؤلاء - الذين أَطْلَقْتَ سَراحهم - أن يَخونوك، بأن يُظهروا إسلامهم لك، ثم إذا عادوا إلى ديارهم، عادوا إلى كُفرهم، فلا تهتم بهم ولا تخَف مِن كَيدهم ﴿ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ أي مِن قبل وقوعهم في الأسر، وذلك بكُفرهم في مكة ومحاربتك ﴿ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ المؤمنين، وجعلهم في قبضتهم، فقتلوهم وأسَرُوهم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بنِيَّات هؤلاء الأسرى، ﴿ حَكِيمٌ فيما يَحكمُ به عليهم، ألاَ فلْيَتقوه سبحانه، ولْيَصدقوا في إسلامهم، فإنّ ذلك خيرٌ لهم.

    الآية 72: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا من دار الكُفر إلى دار الإسلام - أو إلىبلدٍ يتمكنون فيه من عبادة ربهم - ﴿ وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي مِن أجل أن يُعبَدَ اللهُ وحده ولا يُعبَد معه غيره، ﴿ وَالَّذِينَ آَوَوْا ﴾: يعني وكذلك الأنصار الذينأنزلوا الرسول والمهاجرين في ديارهم، وأعطوهم مِن أموالهم، ﴿ وَنَصَرُوا دين الله تعالى ﴿ أُولَئِكَ - أي المهاجرون والأنصار - ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾: أي بعضهمنُصَراءُ بعض.

    فهذا هو الصِنف الأول من المؤمنين - وهم المهاجرون والأنصار - أكْمَلُ المؤمنينَ وأعلاهم درجة، وأما الصِنف الثاني من المؤمنين فهو المذكور في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أي باللهِ ورسوله والدار الآخرة، ولكنهم رَضُوا بالبقاء بين الكافرين ﴿ وَلَمْ يُهَاجِرُوا من دار الكُفر ويَلتحقوا بالمسلمين في "المدينة"، فهؤلاء ﴿ مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾: يعني لستم مُكَلَّفين بحمايتهمونُصرَتهم ﴿ حَتَّى يُهَاجِرُوا، ﴿ وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ ﴾: يعني وإن قوتِلوا وظُلِموا مِن أجل دينهم فطلبوا نُصْرَتكم:﴿ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ : أي فعليكم نَصْرَهم والقتال معهم (وأما إن قوتِلوا بسبب أمْرٍ من الأمور الدُنيوية، فليس عليكم نَصْرهم طالما أنهم لم يهاجروا).

    ثم اشترط تعالى شرطاً لِنُصْرتهم، وهو: ﴿ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ ﴾: يعني وإن كان المؤمنون - الذين لم يهاجرو - يقاتلون قوماً بينكم وبينهم مُعاهدة سِلم، ولم يَنقضوا عهدهم معكم، فعليكم أن توفوا بعهدكم ولا تقاتلوهم، ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ هذا تحذيرٌ للمسلمين لِئَلاّ يَحملهم العطف على المسلمين على أن يقاتلوا قوماً بينهم وبينهم ميثاق.

    الآية 73: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أي بعضهم نُصَراءُ بعض، ﴿ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾: يعني وإن لم تكونوا - أيها المؤمنون - نُصراءَ بعض: ﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ أي صدٌ للمسلمين عن دينهم، ﴿ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ بانتشار الشرك والفساد في الأرض، وتقويةركائز الكفر.

    الآية 74، والآية 75: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا هذا هو الصِنف الأول من المؤمنين، أعادَ اللهُ ذِكْرَهُ لِيَذكُر له جزاءه، فقال: ﴿ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لذنوبهم بسِترها وعدم المؤاخذة عليها، ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وهو نعيم الجنة، في جوار ربهم سبحانه وتعالى.

    ثم ذكَرَ تعالى الصِنف الثالث من أصناف المؤمنين بقوله: ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ أي مِن بعد الهجرة، ﴿ وَهَاجَرُوا إلى المدينة بعد صُلْح الحُدَيْبِيَة، ﴿ وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فيسبيل الله، ﴿ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ أيها المؤمنون، لهم ما لكم وعليهم ما عليكم.

    فهذه النُصرة الإيمانية كانَ لها شأنٌ عظيم، حتى إنّ النبي صلى الله عليه وسلم آخَى بين المهاجرين والأنصار أُخُوَّةً خاصة - غير الأُخُوّة الإيمانية العامَّة - حتى كانوا يتوارثون بها، فنسَخَ اللّهُ ذلك بقوله: ﴿ وَأُولُو الْأَرْحَامِ أي وأصحابُالقرابة ﴿ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في التوارث مِن عامَّة المسلمين، وذلك ﴿ فِي كِتَابِ اللَّهِ أي في حُكمِ اللهِ تعالى وشَرْعِه، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إذ يَعلمُ سبحانه ما يُصلِحُ عبادهُ مِن توريث بعضهم مِن بعض في القرابة والنسب،دونَ التوارث بالحِلفوالنُصرة، وغير ذلك مما كان في أول الإسلام.




    تعليق


    • #3

      تفسير الربع الخامس من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط

      الآية 60:﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ﴾: يعني إنما تُعطَى الزَكَوَات الواجبة ﴿ لِلْفُقَرَاءِ ﴾ وهم المُحتاجون الذين لا يَملكون شيئًا، ﴿ وَالْمَسَاكِينِ ﴾ وهم الذينلا يَملكون كفايتهم وكفاية مَن يَعُولونهم، ﴿ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾ وهم الذين يُرسلهم الحاكم لِجَمْع الزكاة، وكذلك الذين يقومون على حراسة أموال الزكاة، وكذلك الذين يقومون بتقسيمها وتوزيعها على مُستحِقيها، ﴿ وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾ وهم الذين تُؤَلِّفون قلوبهم بالزكاة، مِمَّنيُرْجَى إسلامه أو قوة إيمانه أو نفْعُهُ للمسلمين، أو دفْعُ شَرِّهِ عنالمسلمين، ﴿ وَفِي الرِّقَابِ ﴾: أي وتُعطَى الزكاة لِعِتق رقاب العبيد والإماء من الأَسْر.

      ﴿ وَالْغَارِمِينَ ﴾: أي وتُعطَى الزكاة لمن اقترض في غير معصيةٍ أو تبذير، ثم أثقلَتْه الديون فلم يَستطع سَدادها، (وكذلك تُعطَى الزكاة لمن يُلزِم نفسه بمالٍ معين من أجل الإصلاح بين القبائل والعائلات المتشاجرة، كأنْ يَدفع - مثلاً - مَبلغاً من المال لإرضاء إحداهما مقابل الإصلاح بينهما، أو يَدفع نقوداً مِن أجل إعداد طعام لِجَمْع القبيلتين عليه حتى يَصطلحا، فهؤلاء يُعْطَوْنَ مِن الزكاة - مِن أجل هذا الإصلاح - ولو كانوا أغنياء).

      ﴿ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾: أي وتُعطَى الزكاة للمجاهدين فيسبيل الله، واعلم أنّ بعض العلماء قد ذهبوا إلى أنَّ الحج يَدخل في هذا الباب أيضاً، لأنّ الحج يُعتَبَر نوعٌ من أنواع الجهاد في سبيل الله، كما ثبتَ في الحديث: (أفضلَ الجهاد حَجٌّ مبرور) (البخاري: 1520)، قالَ ابن تَيْمِيَة رحمه الله: (وَمَن لم يَحُجّ حَجَّة الإسلام وهو فقير، أعْطِيَ ما يَحُجّ به)، ﴿ وَاِبْنِ السَّبِيلِ ﴾: أي وتُعطَى للمسافر الذي فَقَدَ ماله - أو نَفَذ ماله - واحتاجَ للنفقة.

      وقد كانت هذه القِسمة ﴿ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ﴾ فرَضَها عليكم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بمصالح عباده، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبيره وشرعه.

      الآية 61، والآية 62:﴿ وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ﴾: يعني ومن المنافقين قومٌ يُؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بالكلام ﴿ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ ﴾: أي ويقولون عنه: (إنهيستمع لكل ما يُقالُ له فيُصَدِّقه)، ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها النبي -: ﴿ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ﴾: يعني إنَّ محمدًا يَسمعُ مِن كل مَن يقول له، فلا يَتكبر على أحد، ولكن لا يُقِرّ إلا الحق ولا يَقبل إلا الخير والمعروف، وهو ﴿ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ﴾ ﴿ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾: أي ويُصَدِّقُ المؤمنين فيما يُخبرونه، ويُحسِنُ الظنّ بمَن يُحَدِّثه (ما لم يَصدُر مِن أحدهم خِلافَ ذلك)، فإذا عَلِمَ أنّ مَن يُحَدِّثُه كاذب، فإنه يَسمع منه ولا يُصَدِّقه، ﴿ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ ﴾: أي وهو رحمةٌ لمن اتَّبَعه واهتدىبهُداه، ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﴾ - بأي نوع من أنواعالإيذاء - ﴿ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

      واعلموا أن هؤلاء المنافقين﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ كَذِباً بأنهم ما طَعَنوا في الرسول ولا قالوا فيه شيئاً، وذلك ﴿ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ أيها المؤمنون، حتى لا تَبْطِشوا بهم انتقاماً لِكَرامة نَبِيِّكم، ﴿ وَاللَّهُ ﴾ أحق أن يُرضوه بالتوبة إليه والاستغفار، ﴿ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ﴾ بطاعته واتِّباعه ﴿ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ ﴾ حقًاً كما يَزعمون.

      الآية 63:﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾: يعني ألم يَعلم هؤلاء المنافقون ﴿ أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ ﴾ أي مَن يُحارب ﴿ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ وذلك بأن يَسُبَّ الرسول صلى الله عليه وسلم أو يَذمّ فيه: ﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ﴾ ﴿ ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ ﴾: أي ذلك المصير هو الذل العظيم.

      الآية 64:﴿ يَحْذَرُ أي يَخاف ﴿ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي تُنَزَّلَ في شأنهم ﴿ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا ﴾ يُخفونه ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ منالكُفر، ﴿ قُلِ ﴾ لهم - أيها النبي -: ﴿ اسْتَهْزِئُوا ﴾: أي استمِروا على ما أنتم عليه من السخرية والطعن في الإسلام وأهله، فـ ﴿ إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ﴾ أي مُخْرِجُهُ من نفوسكم ومُظهِرُهُ للناس أجمعين (وبالفِعل، فقد أخرج سبحانه ما في قلوبهم وفضحهم في هذه السورة، التي سُمِّيَتْ بـ "الفاضحة").

      الآية 65، والآية 66:﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ - أيها النبي - عما قالوا في حقك وحق أصحابك: ﴿ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ﴾: يعني إنما كنا نتحدث بكلامٍ لا قصدَ لنا به، ونلعب تقصيراً للوقت ودفعاً للملل.

      واعلم أنّ سبب نزول هذه الآية أن بعض المنافقين - في غزوة "تَبُوك" - قالوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَظن هذا أنه يَفتح قصور الشام وحصونها)، واتهموا أصحابه بالجُبن ومِلْء البطون، فأطْلَعَ اللهُ نَبِيَّهُ عليهم، فدعاهم، فجاءوا واعتذروا له، فأنزل تعالى: ﴿ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾؟ ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا ﴾: أي لا فائدة مِن اعتذاركم، فـ ﴿ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ بسبب هذه المَقولةالتي استهزأتم بها، ﴿ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ ﴾ طلبتْ العفو وأخلصتْ في توبتها: ﴿ نُعَذِّبْ طَائِفَةً ﴾ أخرى ﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ﴾: أي بسبب إجرامهم بهذه المقالة الفاجرة وعدم توبتهم من النفاق.

      الآية 67:﴿ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يعني إنهم صِنفٌ واحد في إظهارهم للإيمان وإخفائهم للكفر، ومتشابهون في قولهم وعملهم، فمِن صفاتهم أنهم ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ ﴾: أي يأمرون الناسبالكُفر ومعصية الرسول، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ﴾: أي ويَنهونهم عن الإيمان والطاعة، ﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾: أي ويُمسكون أيديهم عنالإنفاق في سبيل الله.

      وقوله تعالى: ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾: أي تركوا اللهَ فلم يؤمنوا به ولم يؤمنوا برسوله، فتَرَكهم تعالى محرومين من هدايته ورحمته ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾.

      الآية 68، والآية 69:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ﴿ هِيَ حَسْبُهُمْ ﴾:أي يَكفيهِم عذابُ جهنم، عقابًا لهم على كُفرهم، ﴿ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ أي طردهم مِن رحمته، ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ لا يُفارقهم لحظة.

      ثم وَضَّحَ لهم سبحانه بعض الصفات والأفعال التي استحقوا بها هذا العذاب فقال لهم: ﴿ كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ﴾: يعني إنَّ أفعالكم - أيها المنافقون - هي نفس أفعال المُكَذِّبين من الأمم السابقة (كالاستهزاء والكُفر والاغترار بالمال والأولاد)، فقد ﴿ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ﴾ فرَضُوا بحياتهمالدنيا عِوَضاً عن الآخرة ﴿ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ ﴾: أي فتَمتَّعوا بنصيبهم من المَلَذَّات الرخيصة، ﴿ فَاسْتَمْتَعْتُمْ ﴾ أيها المنافقون ﴿ بِخَلَاقِكُمْ ﴾ أي بنصيبكم من الشهوات الفانية ﴿ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ ﴾، وتركتم العمل للآخرة، ﴿ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا ﴾: أي وخُضتمفي الباطل والشر والفساد كَخَوْض تلك الأمم قبلكم، ﴿ أُولَئِكَ ﴾ المتصفون بهذه الصفات همالذين ﴿ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ أي ذهبتْ حسناتهم ﴿ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ لأنها لم تكن خالصة لِوَجه اللهِ تعالى، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ بِبَيْعِهم نعيمالآخرة الأبدي مقابل حظوظهم العاجلة.

      الآية 70: ﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ﴾: يعني ألم يأت هؤلاء المنافقين خبرُ ﴿ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ كـ ﴿ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ﴾ - وهم الذين أرسل اللهُ إليهم شعيباً - ﴿ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ ﴾ - وهي قرى قوم لوط ﴿ وهي ثلاث مدن، ومعنى المُؤتَفِكات أي المُنقلِبات، حيثُ صارَ عالِيها سافلها) - فهؤلاء الأمم قد ﴿ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾ أي بالآيات الدالَّة على صِدقهم في رسالاتهم فكذَّبوهم، فأنزل اللهُ بهم عذابه; انتقامًا منهم لِسُوء أعمالهم ﴿ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾، (وقد كَذَّبتم أيها المنافقون رَسولنا عندما جاءكم بالبينات - كما كَذَّبَ الذين من قبلكم رُسُلَهم -، فتوبوا حتى لا يُصيبكم ما أصابهم).

      الآية 71:﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ أي بعضهم أنصارُ بعض، ومِن صفاتهم أنهم ﴿ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾: أي يأمرون الناس بالإيمانوالعمل الصالح، ﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾: أي ويَنهونهم عن الكُفر والمعاصي، ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾: أي يُؤَدُّونها - بشروطها وأركانها - في خشوعٍ واطمئنان ﴿ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ ﴿ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ﴾ فيُنقِذهم منعذابه ويُدخلهم جنته،﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي غالبٌ على أمْره في تحقيق وَعْده ووعيده ﴿ حَكِيمٌ ﴾ يَضع كل شيء في مَوضعه اللائق به، فيُعذب المنافقين ويُنَعِّم المؤمنين.

      الآية 72:﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أي تجري الأنهار من خلال قصورها وأشجارها ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾: أي وَوَعَدَهم سبحانه مساكنَ حَسَنَة البناء، طَيِّبة الرائحة (كالقصور والخِيام المصنوعة من اللؤلؤ)، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: "إنّ للمؤمن في الجنة لَخَيْمةً مِن لؤلؤة واحدةمُجَوَّفة، طُولها سِتُّونَ مِيلاً، للمؤمن فيها أهْلُون، يطوفُ عليهم المؤمن فلا يَرى بعضهم بعضاً"، ﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾: أي فيجناتالخلود، ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ يُحِلُّهُ عليهم: ﴿ أَكْبَرُ ﴾ - أي أعظم مِمَّا هم فيه من النعيم - ﴿ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

      الآية 73:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ المُحارِبين بالقتال، ﴿ وَالْمُنَافِقِينَ ﴾: أي وجاهِد المنافقين باللسان والحُجَّة، ﴿ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾: أي واشدُد على كِلاالفريقين في القول والفعل، ﴿ وَمَأْوَاهُمْ ﴾ - أي ومَقرُّهم - ﴿ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾.

      الآية 74:﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا ﴾: أي يَحلف المنافقون باللهِ إنهم ما قالوا شيئًا يُسِيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وإنهم لَكاذبون في ذلك، ﴿ وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ ﴾: أي ولقد قالوا كلمةً يَكفُرُ بها مَن قالها، وهي قول أحدهم: (إنْ كانَ ما جاء به محمدٌ حقاً: لَنحن شرّ مِن الحَمير)، ﴿ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ ﴾: أي وارتَدُّوا بهذه الكلمة عن الإسلام، ﴿ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ﴾: أي وحاولوا قتْلالرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يُمَكِّنَهم اللهُ من ذلك.

      ﴿ وَمَا نَقَمُوا ﴾: يعني: وما وجدالمنافقون شيئًا يَعيبونه ويَنتقدونه في الإسلام ﴿ إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾: يعني إلا أن كانوا فقراء، فأغناهم اللهُ بما فتح على نَبِيِّهِ من الخير والغنائم! (وهذا على سبيل السُخرية منهم)، وإلاَّ، فهل الغِنَى بعد الفقر مما يَكرهه المَرء؟!، والجواب لا، ولكنّ الكُفر والنفاق يُفسدان العقل والفِطرة.

      ورغم كل ما قاموا بهِ من كُفرٍ وفساد، فإنّ الربَّ الرحيم قد فتح لهم باب التوبة، فقال: ﴿ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ﴾ ﴿ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا ﴾: يعني وإن يُعرضوا عن التوبة ويستمروا علىحالهم: ﴿ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ﴾ ﴿ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾: أي وليس لهم - في الأرض جميعاً - مِن مُنقذ يُنقذهم، ولا ناصر يَدفع عنهم عذابَ الله.



      تفسير الربع السادس من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط

      الآية 75، والآية 76، والآية 77: ﴿ وَمِنْهُمْ ﴾: أي ومِن فقراء المنافقين ﴿ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ ﴾ فقال: ﴿ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾: أي لئن أعطانا اللهُ مالاً كثيراًلَنَتصدَّقنَّ منه ﴿ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾: أي ولَنعمَلنَّ مِثل ما يَعمل الصالحون في أموالهم، ولَنَسيرَنَّ في طريقالصلاح، ﴿ فَلَمَّا آَتَاهُمْ ﴾: أي فلَمَّا أعطاهم اللهُ ﴿ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ ﴾ أي لم يُؤدوا زكاة هذا المال، وبَخِلوا بإنفاقه في الخير، ﴿ وَتَوَلَّوْا﴾:أي وأعرضوا عن الإسلام، ﴿ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾: يعني وَهُم دائمًا مُعرضون عن الحق، غير مُلتفتين إلى ما يَنفعهم.
      فلَمَّا لم يَفوا بما عاهَدوا اللّهَ عليه، عاقبهم سبحانه ﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾: أي فجعل عاقبة فِعلهم أَنْ زادهم نفاقًا على نفاقهم، وجعل النفاق مُلازِماً لقلوبهم لا يُفارقها ﴿ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾ سبحانه، وذلك ﴿ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾: أي بسبب إخلافهم الوعد الذي قطعوه على أنفسهم، وبسببنفاقهم وكَذِبهم.

      فليَحذر المؤمن من هذه الصفة القبيحة، وهي أن يُعاهد ربه بأنه إن حصل شيئاً يَتمناه: لَيَفعلنَّ كذا وكذا، ثم لا يَفي بذلك (وعلى مَن وقع في ذلك أن يُسارِع إلى التوبة، حتى لا يُعاقِبَهُ اللهُ بالنفاق كما عاقب هؤلاء).

      الآية 78، والآية 79، والآية 80: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾: يعني ألم يَعلم هؤلاء المنافقون ﴿ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ ﴾ أي يَعلم ما يُخفونه في أنفسهم وما يَتحدثون بهفي مجالسهم من الكيد للمسلمين ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾؟ وأنه سبحانه سوف يُجازيهم على أعمالهم الخبيثة؟

      ورغم بُخل المنافقين: فإنّ المُتصدقين لا يَسلَمون مِن أذاهم، ولذلك أخبر سبحانه بأن هؤلاء المنافقين هم ﴿ الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾: أي يَعيبون على الأغنياء إذا تصدقوا بالمال الكثير ويَتهمونهم بالرياء، ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ﴾: يعني وكذلك إذا تصدق الفقراء بما يَقدرون عليه: سَخِروا منهم، وقالوا: (ماذا تنفع صدقتهم هذه؟)، ﴿ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ﴾ أي من هؤلاء المنافقين ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

      واعلم أن كلمة (الْمُطَّوِّعِينَ) أصلها: (المُتطوعين)، ولكنْ أُدْغِمَتْ التاء في الطاء لِقُرْب مَخرَجَيْهِما، (والمُتطوعون: هم الذين يفعلون الشيء تبرُّعاً منهم مِن غير أن يَجب عليهم).

      ولَمَّا نزلت هذه الآيات الفاضحة للمنافقين، جاء بعضهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يَطلبون منه أن يَستغفر لهم، فاستغفر لهم الرسول رحمةً بهم، فأعْلَمَهُ ربّه أنّ استغفاره لهؤلاء المنافقين لا يَنفعهم، وذلك لإصرارهم على الكُفر والنفاق، فقال تعالى: ﴿ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ ﴿ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ﴾: يعني مَهماكَثُرَ استغفارك لهم وتَكَرَّر: ﴿ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ وهذا السبب كافي في عدم المغفرة لهم، لأنهم كفروا ولم يتوبوا مِن كُفرهم، والكافر مُخَلَّد في النار عِياذاً بالله تعالى، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾.

      الآية 81، والآية 82: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ الذين تخلفوا عن الجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم، وَسُرّوا ﴿ بِمَقْعَدِهِمْ ﴾ أي بقعودهم في"المدينة" ﴿ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾: أي فرحوا بمخالفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا ﴾ معه ﴿ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ - وذلك فيغزوة "تَبُوك" (التي كانت في شدة الحرِّ) -، ﴿ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ ﴾: أي وقال بعضهم لبعض: (لا تخرجوا للجهاد في هذا الحرِّ الشديد)، ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها الرسول -: ﴿ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ أي لوكانوا يَفهمون (فإذا كانوا يخافون من الحر، فلماذا لا يَخرجون في سبيل الله حتى يَتَّقوا حر جهنم؟!).

      ﴿ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا فيحياتهم الدنيا بما يَحصل لهم من المَسَرّات، ﴿ وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا ﴾ في نار جهنم (لِمَا يُصيبهم من العذاب، وتَحَسُّراً على حِرمانهم من النعيم)، وذلك ﴿ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ في الدنيا من الشر والفساد.

      واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (واللهِ لو تعلمون ما أعلم لضَحِكتم قليلاً ولَبَكَيْتم كثيراً، ولَخَرَجتم إلى الصُّعُدات - أي إلى الطُرُقات - تَجأرون إلى اللهِ تعالى) (أي تتضرعون إليه بالدعاء ليَدفع عنكم العذاب) (والحديث في صحيح الجامع برقم: 5262 ).

      الآية 83: ﴿ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ - أيها الرسول - مِن غَزْوَتِك ﴿ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ ﴾: أي إلى جماعةٍ من المنافقين المُصِرّينعلى نفاقهم ﴿ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ معك إلى غزوةٍ أخرى بعد غزوة "تَبُوك" ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا ﴾ في غزوةٍ من الغزوات ﴿ وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّامن الأعداء; ﴿ إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ ﴿ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ﴾ من النساء والأطفال (فهذا القول يُعَظِّم حَسْرتهم، ويَحمل لهم سَبَّاً وعَيباً جزاءَ تَخَلُّفِهم عن الجهاد).

      الآية 84، والآية 85: ﴿ وَلَا تُصَلِّ - أيها الرسول - ﴿ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ ﴾ أي من المنافقين ﴿ مَاتَ أَبَدًا ﴾ ﴿ وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ لِتَتَوَلَّى دَفْنَهُ وتدعو له بالرحمة والمغفرة وبالتثبيت عند السؤال كما تفعل مع المؤمنين، والسبب في ذلك: ﴿ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ ﴿ وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ ﴾ ولا تظن أنّ اللهَ قد أعطاهم ذلك كرامةً لهم فيكون ذلك سبباً في أن تُصَلِّي عليهم ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا ﴾ وذلك بالهَمّ في تحصيلها، وبالمصائب التي تقع فيها (مع عدم صَبْرِهِم على تلك المصائب، فهم لا يَحتسبونَ الأجرَ عند الله).

      ﴿ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾: أي ويريد سبحانهأن تخرج أرواحهم فيموتوا على كُفرهم، لِيَنتقلوا إلى عذابٍ أبدي لا يخرجون منه، عقوبةً لهم على إصرارهم وعِنادهم مِن بعد ما تَبَيَّنَ لهم الحق.

      الآية 86، والآية 87: ﴿ وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ على محمد صلى الله عليه وسلم تأمر الناس بـ ﴿ أَنْ آَمِنُوا بِاللَّهِ ﴾ وأخلِصوا له العبادة ﴿ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ ﴾ فإنك تَجِدُ المنافقين وقد ﴿ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ ﴾: أي استأذنك الأغنياء منهم في التخلف عن الجهاد ﴿ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ ﴾ أي اتركنا مع القاعدين العاجزين عن الخروج، ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾: أي لقد رَضِيَ هؤلاء الجُبَناء لأنفسهم بالعار، وهو أن يَقعدوا في البيوت مع النساءوالصبيان وأصحاب الأعذار، ﴿ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾: أي وختم اللهُ على قلوبهم; بسبب نفاقهم وتخلفهم عنالجهادِ ﴿ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ ما فيه رُشدهم وصَلاحهم.

      الآية 88، والآية 89: ﴿ لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ أي لهم النصر والغنيمة في الدنيا،ولهم الجنة في الآخرة، ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ الفائزون برضا اللهِ تعالى، وقد ﴿ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ ﴾ أي حدائق وبساتين عجيبة المَنظر ﴿ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ ﴿ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

      الآية 90: ﴿ وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ ﴾: أي وجاء جماعة من سُكَّان البادية (وهم البَدْو الذين كانوا يعيشون حول "المدينة") فجاءوا يعتذرون إلى الرسول صلى اللهعليه وسلم، ويُبَيِّنونَ له ما هم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج للجهاد ﴿ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ في القعود (وقد يكونون معذورين حقاً، وقد لا يكونون كذلك).

      ﴿ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: أي وقعد قومٌ آخرون بغير عُذرٍ (وهؤلاء هم مُنافقوا الأعراب الذين ادّعَوا الإيمان بالله ورسوله، وما هم بمؤمنين، بل هم كافرون منافقون)، ولذلك قال تعالى فيهم: ﴿ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾.

      واعلم أن لفظ: (المُعَذِّرون) معناه المُعتذرون، فأُدغِمَتْ التاء في الذال فصارت: (المُعَذِّرون)، وهذا اللفظ يَصِحّ أن يكون المُراد به: (المعتذرون لأسبابٍ صحيحة)، ويَصِحّ أن يكون المُراد به: (الذين لا عُذرَ لهم ولكنهم يعتذرون بأعذارٍ كاذبة)، وهذا من بلاغة القرآن الكريم، أنّ اللفظ الواحد منه يَحتمل أكثر مِن معنى.

      الآية 91: ﴿ لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الفقراء ﴿ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ﴾: أي الذين لا يَملكون المالالذي يَتجهزون به للخروج، فليس على هؤلاء ﴿ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: أي ليس عليهم إثم في التخلف إذا صَدَقوا في إيمانهم بالله ورسوله، وأخلَصوا النَيّة للهِ تعالى بأنهم لو قَدَروا لَجَاهَدوا (إذ النُصح: هو إخلاص العمل من الغِش)، وكذلك إذا نصحوا المسلمين القادرين (وذلك بترغيبهم في الجهاد وتشجيعهم عليه).

      ﴿ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ﴾: أي ليسعلى المحسنين - الذين مَنَعَهم العذر - مِن طريقٍ إلى مؤاخذتهم وعقابهم، لأنهم صَدَقوا في اعتذارهم، وسَعَوا فيما يُرضِي اللهَ ورسوله وفيما يَنفع المسلمين، ﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ومِن مَغفرتِهِ سبحانه ورحمته أنه عفا عن العاجزين، وأثابهم بنيّتهم ثواب القادرين الفاعلين، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهم في غزوة "تَبُوك": (لقد تَرَكتم بالمدينةِ أقواماً ما سِرتم مَسيراً، ولا أنفقتم مِن نفقةٍ، ولا قطعتم مِن وادٍ إلاّ وهُم معكم فيه، قالوا: يا رسول الله، وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟! قال: حَبَسهم العُذر" (انظر صحيح سنن أبي داوود: ج 3 /12).

      وفي هذا دليلٌ على ما كان عليه الصحابة مِن الإيمان واليقين والسمع والطاعة والمحبة والولاء ورقة القلوب وصفاء الأرواح، فاللهم إنا نحبهم بِحُبِّكَ لهم، فاجمعنا معهم في جنتك ودار كرامتك.

      الآية 92: ﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ﴾: يعني وكذلك لا إثم على الذين إذا ما جاؤوك يَطلبونَ منك أن تُعِينهم بحَمْلِهم إلى الجهاد ﴿ قُلْتَ ﴾ لهم: ﴿ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾ من الدَوَابِّ، فحِينَها ﴿ تَوَلَّوْا ﴾ أي انصرفوا إلى بيوتهم ﴿ وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ﴾ أي تسيل دموعهم أسفًا على ما فاتهم من شرف الجهاد وثوابه; ﴿ أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾ أي لأنهم لم يجدوا ما يُنفِقون،ولم يَجدوا ما يَحملهم للخروج في سبيل الله.
      تفسير الربع السابع من سورة التوبة كاملا بأسلوب بسيط

      الآية 93: ﴿ إِنَّمَا السَّبِيلُ ﴾: يعني إنما الطريق إلى المعاقبة، (والمعنى: إنما الإثم والعقاب) ﴿ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ ﴾ في التخلف عن الجهاد ﴿ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ﴾ أيقادرون على الجهاد بأموالهم وأنفسهم، ومع ذلك فقد ﴿ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ ﴾ من النساء وأهلالأعذار، ﴿ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ بالنفاق فلا يَدخلها إيمان، لذلك ﴿ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ سُوءَعاقبة تخلفهم عن الجهاد.

      الآية 94: ﴿ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ ﴾ أي يعتذر لكم هؤلاء المتخلفون عن الجهاد بالأعذار الكاذبة ﴿ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ﴾ مِن غزوة "تَبُوك"، ﴿ قُلْ ﴾ لهم - أيها الرسول -: ﴿ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ ﴾ أي لن نُصَدِّقكم فيما تقولون، فـ ﴿ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ ﴾: أي قد أخبَرَنا اللهُ مِن أمْركم ما أكَّدَ لنا كذبكم، ﴿ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ﴾ إن كنتم تتوبون مِن نفاقكم، أو تُصِرُّون عليه، وسيُظهِرُ سبحانه للناسأعمالكم في الدنيا ﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ ﴾ بعد مماتكم ﴿ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي إلى الذي لا تَخفى عليه بَواطن أموركموظَواهرها ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ثم يُجازيكم على أعمالكم.

      الآية 95: ﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ ﴾ كاذبينَ مُعتذرينَ ﴿ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ ﴾: أي إذا رجعتم إليهم مِن جهادكم، وسبب هذا الحَلِف الكاذب: ﴿ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ ﴾: أي لِتتركوهم ولا تعاقبوهم، ﴿ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ ﴾ احتقارًا لهم، ولا تهتموا بشأنهم، ولا تُعاتبوهم على تَخلفهم، ﴿ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ﴾: يعني إنهم خُبَثاءالبَواطن ﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ من الكُفر والنفاق.

      الآية 96، والآية 97: ﴿ يَحْلِفُونَ لَكُمْ ﴾ كَذِبًا ﴿ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ ﴾ ﴿ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ ﴾ - لأنكم لا تعلمون كَذِبَهم - ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾: أي فإنّ اللهَ لا يَرضى عن هؤلاء - ولا عن غيرهم - مِمّن استمرواعلى الخروج عن طاعة الله.

      ولَمَّا ذَكَرَ تعالى حال مُنافِقي المدينة، ذَكَرَ هنا حال مُنافِقي البادية (الصحراء) وذلك ليُعرَفَ المنافقون جميعاً، فقال: ﴿ الْأَعْرَابُ ﴾ أي مُنافِقوا الأعراب هم ﴿ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ﴾ مِن مُنافِقي أهل المُدُن، وذلك لِجَفاء الأعراب وغِلظتهم، ﴿ وَأَجْدَرُ ﴾: أي وهم أحَقّ وأقرَب ﴿ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ من الأحكام والشرائع، فقد استحقوا ذلك الجَهل لِبُعدهم عن العلم والعلماء وعن مجالس الوعظ والذِكر (عِلماً بأنهم لا يُعذَرونَ بِجَهْلِهم في ذلك، لأنّ عليهم أن يَتركوا البادية ويَنتقلوا إلى الحَضَر)، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بحالالمنافقين جميعًا، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تشريعه وفي تدبير أمور عباده.

      الآية 98: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا ﴾: يعني: مِن الأعراب مَن يَرى أنّ ما يَتصدق به أمام الناس يَعودُ عليه بالغَرامة والخُسارة، لأنه لا يرجو بصدقته ثوابًا،ولا يَدفع بها عن نفسه عقابًا، ﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ﴾: أي ويَنتظر نزول المَصائب والبَلايا بالمسلمين لِيَتخلص منهم ومن الإنفاق لهم، ﴿ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ﴾: يعني ولكنّ الهلاك والشقاء دائرٌ عليهملا على المسلمين، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لِمَا يقولون ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بنِيَّاتهم الفاسدة وبِبُغضهم للمسلمين.

      الآية 99: ﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ﴾ وما فيه من الثوابوالعقاب ﴿ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ﴾: يعني ويَنوي بنفقته الوصول إلى رضا اللهِتعالى، ويَجعل صدقته وسيلة للحصول على دعاء الرسول له، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه المؤمن بزكاته أو صدقته: يَدعو له بخير (واعلم أن القُرُبات: جمع قُرْبة، وهي المَنزلة المحمودة)، ﴿ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ ﴾: يعني ألاَ إنّ هذهالصدقات تُقرِّبهم إلى اللهِ تعالى، و﴿ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾ أي في جنته ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لِمَافعلوا من السيئات، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم.

      الآية 100: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ ﴾: يعني: والذين سَبَقوا الناسَ أولاً إلى الإيمان والنُصرة والجهاد ﴿ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ﴾ الذين هجرواقومهم الكُفار، وانتقلوا إلى دار الإسلام، ﴿ وَالْأَنْصَارِ ﴾ الذين نصروا رسول اللهصلى الله عليه وسلم على أعدائه، ﴿ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﴾ - في العقيدةوالأقوال والأعمال وفَهم الدين -، أولئك ﴿ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ بسبب طاعتهم لله ورسوله، ﴿ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ سبحانه لِمَا أعطاهم من الثواب العظيم، ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ (ولعل نَزْع حرف الجر: (مِن) - وذلك في قوله تعالى: ﴿ تجري تَحْتَهَا ﴾ - خِلافاً لباقي مواضع القرآن الكريم: للدلالة على كثرة ماء هذه الأنهار، ولأنه سبحانه خَصَّ هذه الطائفة المذكورة في الآية بجنةٍ هي أعظم الجَنَّات ريَّاً وحُسنًا، واللهُ أعلم)، (وفي هذه الآية ثناءٌ على الصحابة رضي الله عنهم،وتَزكيةٌ لهم، ولهذا فإنّ توقيرهم من أصول الإيمان).

      فَيَا مَن تسُبُّون أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، باللهِ عليكم أخبرونا: (هل تزعمون كَذِباً أن الله تعالى لم يُحسِن اختيار أصحاب نَبِيِّهِ الخاتم صلى الله عليه وسلم، معَ عِلمهِ سبحانه أنّ هؤلاء الصحابة هم الذين سيَحملون دينه - الذي ارتضاهُ للناس - ويُوصلونه لجميع الخلق إلى قيام الساعة؟!)، وقد خالفتم إجماع المسلمين - واخترعتم ديناً جديداً ما أنزل اللهُ به من سلطان - وكل ذلك بسبب اتِّباعكم لأهوائكم، وبسبب إضلال اليهود لكم، كما أضلوا النَصارَى.

      ومِن لطيف ما يُذكَر أن أحد علماء المسلمين كان على مَوعد مع علماء الشيعة لِيُناظرهم، فجاء إلى المُناظرة وهو يضع حذائه تحت إبِطِه، فسألوه: (لماذا تدخل المُناظرة وأنت تحمل حذائك؟!)، فقال لهم: (لقد سمعتُ أن الشيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يَسرقون الأحذية)، فقالوا له: (لم يكن هناك شيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)، فقال لهم: (إذَن انتهت المُناظرة، مِن أين أتيتم بدينكم ومَذهبكم؟!)، فهَدَمَ دينهم - الذي اخترعوه - بهذه الكلمة.

      الآية 101: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾ ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ﴾ أيضاً منافقونَ ﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾: أي اعتادوا على النفاق، وتدرَّبوا عليه.

      وأنت أيها الرسول ﴿ لَا تَعْلَمُهُمْ ﴾ لأنهم تَفَنَّنوا في إخفاء نفاقهم حتى صَعُبَ عليك تمييزهم مِن بين المسلمين، ولكننا ﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ﴾ و﴿ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ﴾ مرة بالقتل والأسر والفضيحة في الدنيا، ومرة بعذابالقبر بعد الموت، ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ في نار جهنم يوم القيامة.

      الآية 102، والآية 103: ﴿ وَآَخَرُونَ ﴾ يعني وهناك أُناسٌ آخرون ﴿ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ ﴾ ونَدِموا عليها، وهؤلاء قد ﴿ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا ﴾ - وهو توبتهم واعترافهم بالذنب وغير ذلك منالأعمال الصالحة - ﴿ وَآَخَرَ سَيِّئًا ﴾ - وهو تخلفهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلموغير ذلك من الأعمال السيئة - ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾ (هذا إعلامٌ من الله تعالى بقبول توبتهم، لأنّ كلمة (عسى) إذاجاءت من اللهِ تعالى، فإنها تفيد التأكيد ووجوب الوقوع)، ﴿ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ ﴾ لذنوب التائبين، ﴿ رَحِيمٌ ﴾ بهم، حيث وفقهم للتوبة وقَبِلَها منهم.

      ثم جاء هؤلاء التائبون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بأموالهم وقالوا له: (هذه أموالنا التي تَخَلَّفنا بسببها صدقةً، فخُذها يا رسول الله)، فقال لهم: (إني لم أُؤْمَر بذلك)، فأنزلَ اللهُ تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾ مِن ذنوبهم ﴿ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾: أي وتَرفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المُخلِصين،﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾: أي وادعُ اللهَ أن يَغفر ذنوبهم ﴿ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾: يعني إنّ دعاءك واستغفارك رحمةٌوطمأنينةًٌ لهم، ﴿ وَاللَّهُ سَمِيعٌ ﴾ لكل دعاءٍ وقول، ﴿ عَلِيمٌ ﴾ بأحوال العباد ونِيَّاتهم،وسيُجازي كلَّ عاملٍ بعمله.

      الآية 104: ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوا ﴾: يعني ألم يعلم هؤلاء التائبون ﴿ أَنَّ اللَّهَ هُوَ ﴾ وحده الذي ﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ إذا صَدَقوا في توبتهم ﴿ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ ﴾ منهم، فيَقبلها ويُضاعِف ثوابها لهم حتى تكون أعظم من الجبل (كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم)، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ ﴾ أي كثير قَبول التوبة من التائبين، ﴿ الرَّحِيمُ ﴾ بعباده المؤمنين.

      الآية 105: ﴿ وَقُلِ ﴾ - أيها النبي - لهؤلاء التائبين: ﴿ اعْمَلُوا ﴾ الأعمال التي تُرضِي اللهَ تعالى من أداء الفرائض واجتناب المعاصي، تطهيراً لكم وتزكيةً لنفوسكم ﴿ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ وسوف يُثنون عليكم بعملكم في الدنيا ﴿ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾: أي وستُرجَعون يوم القيامة إلى مَن يَعلمُ سِرَّكُم وجَهْرَكم ﴿ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ويُجازيكم على أعمالكم الصالحة أحسنَ الجزاء.

      الآية 106: ﴿ وَآَخَرُونَ ﴾: يعني ومِن هؤلاء المتخلفين عن غزوة "تَبُوك" آخرونَ ﴿ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ ﴾: أي مُؤَخَّرونلِحُكم الله وقضائه فيهم: ﴿ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾ ويَعفوعنهم.

      وهؤلاء هم الذين ندموا على ما فعلوا، وهم: (مُرارةبن الربيع، وكَعْب بن مالك، وهلال بن أُميَّة)، فهؤلاء الثلاثة قد تأخروا في توبتهم، فأمَرَ الرسول صلى الله عليه وسلم بهَجْرهم (أي بمقاطعتهم) حتى يَحكم اللهُ فيهم ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بمن يَستحق العقوبة أو العفو، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في قضائه وشرعه.

      الآية 107: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ﴾: يعني وهناك منافقون قد بَنوا مَسجدًا مِن أجل الإضرار بالمسلمين وإيجاد عداوات بينهم، وتشكيكاً لهم في دينهم، ﴿ وَكُفْرًا ﴾ بالله ورسوله ﴿ وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ لِيُصلي فيه بعضهم ويَترك مسجد "قِباء" الذي يصلي فيه النبي والمسلمون، فحينئذٍ يَخْتلفالمسلمون ويَتفرقوا، ﴿ وَإِرْصَادًا ﴾ أي وانتظاراً ﴿ لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ - وهو أبوعامر - ذلك الراهب الفاسق الذي ذهب إلى الروم لِيُحَرِّضهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانتظره المنافقون ليأتي إليهم في ذلك المسجد، ليكون مكانًا للكيد للمسلمين، ﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ ﴾ هؤلاء المنافقون كذباً ويقولون: ﴿ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى ﴾ أي ما أردنا ببناء هذا المسجد إلا الخير للمسلمين، والرِّفق بالعاجزين عن السير إلى مسجد "قِباء"، ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ فيما يَحلفونعليه.

      الآية 108: ﴿ لَا تَقُمْ فِيهِ ﴾: أي لا تقم - أيها النبي - للصلاة في ذلك المسجد ﴿ أَبَدًا ﴾، إذ إنّه ﴿ لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ﴾ - وهو مسجد "قِباء" - ﴿ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ﴾ للصلاة، فإنّ مسجد "قِباء" ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾ بالماء من النجاسات والأقذار، كما يتطهرون من ذنوبهمبالتوبة والاستغفار، ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾ أي المتطهرين، (ولكنْ أُدغِمَت التاء في الطاء فصارت: ﴿ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾)، (واعلم أن هذا المسجد الذي بناه المنافقون قد هَدَمَهُ المسلمون وأحرقوه، بأمْرٍ من النبي صلى الله عليه وسلم).

      الآية 109: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَه ﴾ أي مَسجده ﴿ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ﴾ أي على خوفٍ من اللهِ وطلباً لرضاه ﴿ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ ﴾ أي مسجده (عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) أي على طرف حفرة قاربتْ على السقوط ﴿ فَانْهَارَ بِهِ ﴾ ذلك البُنيان الخبيث ﴿ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾ ليُعَذَبَ فيها؟ لا يستويان أبداً، ﴿ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ المتجاوزينَ لحدوده.

      الآية 110: ﴿ لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ والمعنى: أنّ المنافقين عندما بَنوا ذلك المسجد لغرضٍ فاسد، جعل اللهُ ذلك المسجد سبباً لبقاء النفاق في قلوبهم ﴿ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ يعني إلا أن تتقطع قلوبهم، وذلك بقتلهم أو موتهم، أو بندمهم غاية الندم،وخوفهم من ربهم غاية الخوف، حتى َيقبل اللهُ توبتهم، ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمٌ ﴾ بما في صدور هؤلاءالمنافقين، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ في تدبيره وقضائه، وفي فتح باب التوبةِ لعباده.

      الربع الأخير من سورة التوبة

      الآية 111، والآية 112: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ﴾ في مُقابل ذلك: ﴿ الْجَنَّةَ ﴾ وما أعَدَّ اللهُ لهم فيها من النعيم، فهُم ﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ويُقَدِّمون أرواحهم وأموالهم قرباناً إلى ربهم لإعلاء كلمته، بأنْ يُعبَدَ وحده ولا يُعبَد غيره، ﴿ فَيَقْتُلُونَ ﴾ الكفار والمشركين ﴿ وَيُقْتَلُونَ ﴾ أي يَموتون شهداء في سبيل الله.

      فبهذا وَعَدَهم ربهم بالجنةِ ﴿ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ﴾ الوفاءَ به، ثم أخبر تعالى بأنّ هذا الوعد موجودٌ في أشرف كُتُبِهِ المُنَزَّلة، فهو مَذكورٌ ﴿ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ ﴾ التي جاء بها أكْمَل الرسل ﴿ أولو العَزم ﴾، وكلها اتفقتْ على هذا الوعد الصادق، ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ﴾: يعني ولا أحد أصْدَق - ولا أقدَر - مِن اللهِ تعالى في الوفاء بما وَعَدَ به، ﴿ فَاسْتَبْشِرُوا ﴾ أي فافرَحوا - أيها المؤمنون - ﴿ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ ﴾ اللهَ ﴿ بِهِ ﴾، وبما وَعَدَكم به تعالى من النعيم الأبدي، ﴿ وَذَلِكَ ﴾ البيع ﴿ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾.

      ومن صفات هؤلاء المؤمنين الذين بَشَّرَهم اللهُ بالجنة أنهم هم ﴿ التَّائِبُونَ ﴾ الذين رجعوا عَمَّا كَرِهَهُ الله إلى ما يحبه ويرضاه، ﴿ الْعَابِدُونَ ﴾ الذين أخلصوا العبادةَ للهِ وحده،واجتهدوا في طاعته (بِحُبٍّ كامل مع ذلٍ تام، وذلك باستشعار نِعَمِهِ وذنوبهم)، ﴿ الْحَامِدُونَ ﴾ الذين يَحمدون اللهَ على كل ما امتحنهم به من خيرٍ أو شر، قال النبي صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: (عَجَباً لأمْر المؤمن، إنّ أمْرَهُ كله خير، وليس ذاكَ لأحدٍ إلا للمؤمن، إنْ أصابتْهُ سَرَّاءُ شَكَر، فكان خيراً له، وإنْ أصابتْهُ ضَرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له).

      وهم﴿ السَّائِحُونَ ﴾ أي الصائمون، ﴿ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ ﴾ أي المقيمون الصلاة، المُكثِرون من نوافلها (فكأنهم دائماً في ركوع وسجود)، وهم ﴿ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ بالحكمة والموعظة الحسنة ﴿ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ بشرط ألاَّ يتسبب إنكارهم للمُنكَر في مُنكرٍ أكبر منه، ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ ﴾ أي القائمون على طاعة الله، الواقفون عند حدوده، ﴿ وَبَشِّرِ ﴾- أيها النبي - هؤلاء ﴿ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ المتصفين بهذه الصفات بالنصر والتأييد في الدنيا، وبدخول الجنة في الآخرة.

      الآية 113: ﴿ مَا كَانَ ﴾ ينبغي ﴿ لِلنَّبِيِّ ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ معه ﴿ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ﴾ أي ولو كانوا أصحابَ قرابةٍ لهم ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا ﴾ ماتوا على الشِرك، و﴿ تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾، فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ .

      الآية 114: ﴿ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ ﴾ المُشرك ﴿ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ ﴾ وهي قوله له: ﴿ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾، ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ ﴾: أي فلماتبيَّن لإبراهيم أنَّ أباه يُعادِي اللهَ تعالى، وأنه لن ينفع معه الوعظ والتذكير، وأنه سيموتُكافرًا: ﴿ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ وتَرَك الاستغفار له، ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ ﴾ أي كثيرالتضرع إلى اللهِ تعالى، فلذلك وَعَدَ أباه بالاستغفار له، ﴿ حَلِيمٌ ﴾ أي كثير العفو عن أذى الناس وأخطائهم.

      الآية 115: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ﴾ ولا يُعذبهم بأفعالهم ﴿ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ﴾ أي حتى يُبيِّنلهم الحلال والحرام لكي يتقوه، فإذا لم يتقوه - بعد أن عَلَّمَهم وأقامَ الحُجَّة عليهم- أضَلَّهم سبحانه بِعَدْلِهِ وحِكمته، ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ فلا يُضِلُّ سبحانه إلا مَن عَلِمَ أنه يَستحق الضلال، كما أنه لا يَهدي إلا مَن عَلِمَ أنه يَستحق الهداية.

      الآية 116: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ وما فيهنّ، لا شريك له في الخلق والتدبير والعبادةوالتشريع، ﴿ يُحْيِي ﴾ مَن يشاء ﴿ وَيُمِيتُ ﴾ مَن يشاء، وذلك لِكَمَال قدرته وعظيمِ سُلطانه ﴿ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ ﴾ يتولىأموركم ﴿ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ يَنصركم على عَدُوِّكم، فلِذا وَجَبَتْ طاعته والتوكل عليه وحده، وحَرُمَ تَعَلُّق القلب بغيرهِ مِن سائر خَلقه.

      الآية 117: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ ﴾ أي الذين خرجوا معه لقتال الأعداء في غزوة "تَبُوك" في شدة الحر والجوع والعطش، فلقد تاب سبحانه على هؤلاء المؤمنين ﴿ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ﴾: أي مِن بعد ماكاد يَميل قلوب بعضهم إلى التكاسل عن الجهاد والتخلف عنه، وذلك لشدة الحال وصعوبة الموقف، ولكنّ اللهَ ثبَّتهموقوَّاهم، ووفقهم للتوبة والرجوع عن ذلك.

      قال ابن عباس رضي الله عنهما - ما مُختَصَره -: (كانت التوبة على النبي صلى الله عليه وسلم بسبب إذنه للمنافقين في القعود، ودليل ذلك قوله تعالى:﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾؟، وكانت التوبة على المؤمنين مِن مَيل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه ﴾،﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾ أي ثم قَبِلَ سبحانه توبتهم بعد أن وفقهم إليها وأعانهم عليها ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.

      الآية 118، والآية 119: ﴿ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ ﴾: يعني وكذلك تاب سبحانه على الثلاثة ﴿ الَّذِينَ خُلِّفُوا ﴾: أي الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليهوسلم بغير عُذر - وهم كعب بن مالكوهلال بن أُميَّة ومُرَارة بن الربيع - وقد تأخر هؤلاء الثلاثة في توبتهم ﴿ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: أي حتى إذا ضاقت عليهم الأرض رغم اتِّساعها، وذلك بسبب هَجْر الناس لهم (حتى زوجاتهم)، وذلك بأمْرٍ من النبي صلى الله عليه وسلم حتى يَحكم اللهُ فيهم، ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ ﴾: أي وضاقت صدورهم لِمَا أصابها من الحُزن والغمًّ بسبب تخلفهم عن الجهاد، ﴿ وَظَنُّوا ﴾ يعني وأيْقَنوا ﴿ أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ﴾ فحينئذٍ تعلقتْ قلوبهم بخالقهم وحده، وظلوا على هذه الشِدَّة نَحْوَ خمسين ليلة، ﴿ ثُمَّ تَابَ ﴾ سبحانه ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ أي أَذِنَ لهم بالتوبة ووفقهم لها ﴿ لِيَتُوبُوا ﴾ أي لِتَقَع منهم فيَقبلها ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾.

      إذ التوبة مِن اللهِ على العبد تتضمن إذنَهُ له بالتوبة، وأن يُوَفقه إلى فِعلها على الوجه الذي يحبه سبحانه، وأن يُعينه عليها ويُثبته، وأن يُكَرِّهَ إليه المعاصي ويُحَبِّبَ إليه الطاعات، ثم يَقبلها منه (فاللهم تُب علينا توبةً نَصوحاً تُرضيك عنا).

      واعلم أنّ هؤلاء الثلاثة لم يَعتذروا للنبي صلى الله عليه وسلم عن تخلفهم خوفاً من الكذب، فلَمَّا تابَ اللهُ عليهم: جعلهم مثلاً للصِدق، ودعا المؤمنين أن يكونوا معهم فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ﴿ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ في توبتهم ونيَّاتهم وأقوالهم وأعمالهم، لتكونوا معهم في جنات النعيم.

      الآية 120: ﴿ مَا كَانَ ﴾ ينبغي ﴿ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا ﴾ في أهلهم وديارهم ﴿ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ﴾: يعني ولاينبغي أن يَرضوا لأنفسهم بالراحة والرسول في تعبٍ ومَشَقة؛ ﴿ ذَلِكَ ﴾ - أي نَهْي المؤمنين عن التخلف والراحة - ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾ أي بسبب أنهم ﴿ لَا يُصِيبُهُمْ ﴾ في سَفرهم وجهادهم ﴿ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ ﴾: أي عطش ولا تعب ولا جُوع ﴿ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ﴿ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ ﴾: أي ولا يَنزلونأرضًاً من أرض العدو يَغتاظ الكفارُ لنزولهم فيها، ﴿ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا ﴾: أي ولا يُصيبون مِن عَدُوّ اللهِ قتلاً أو أَسْراً أوهزيمةً ﴿ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾ فلهذا لا ينبغي لهم أن يَتخلفوا حتى لا يَفوتهم هذا الأجر العظيم، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾.

      الآية 121: ﴿ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً ﴾ في سبيل الله، ﴿ وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا ﴾ في سَيْرِهِممع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاده (ذاهبين إلى العدو أو راجعين): ﴿ إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ﴾ أجْرُ عملهم ﴿ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ ﴾ في الآخرة - على نفقتهم وتعبهم في جهادهم - ﴿ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ أي بمِثل جزاء أحسن عمل كانوا يعملونه قبل خروجهم في سبيل الله.

      الآية 122: ﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾: يعني وما كان ينبغي للمؤمنين أن يَخرجوا جميعًا لقتال عدوِّهم، كما لا يَصِحّ لهمأن يقعدوا جميعًا، ﴿ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ ﴾: يعني أفلا يَخْرُج مِن كل قبيلةٍ منهم جماعة واحدة تحصل بها الكفاية والمقصود؟،و﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ﴾: أي ولِيَتعلم هؤلاء المجاهدون أحكام الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثناء جهادهم معه، ﴿ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ﴾ عَواقب الشِرك والمعاصي ﴿ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ ﴾ من الجهاد ﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ عذابَ الله بامتثال أوامره واجتنابنواهيه (فهذا خيرٌ للمسلمين مِن أن يَخرجوا جميعاً ).

      واعلم أن هذه الآية نزلت عندما عَلِمَ المسلمون نتائج التخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: (لن نتخلف بعد اليوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبداً)، فأنزل اللهُ تعالى هذه الآية يُرشدهم إلى ما هو خيرٌ لهم في دينهم ودُنياهم.

      الآية 123: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ ﴾ أي ابدؤوا بقتال الأقربفالأقرب إلى دار الإسلام من الكفار، ﴿ وَلْيَجِدُوا ﴾ يعني ولْيَجِد الكفار ﴿ فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾ وشدة، حتى تُدخِلوا بذلك الرعبفي قلوب المشركين في أنحاء الأرض، لِيَكُفوا عن شَرِّهم وفسادهم وتضعف قوتهم ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ بنصره وتأييده، ألاَ فاتقوهُ سبحانه لِيَنصركم على أعدائكم.

      الآية 124، والآية 125: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ﴾ على الرسول صلى الله عليه وسلم، ﴿ فَمِنْهُمْ ﴾: يعني فمِن هؤلاء المنافقين ﴿ مَنْ يَقُولُ ﴾ - إنكارًا واستهزاءً -: ﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ ﴾ السورة ﴿ إِيمَانًا ﴾ باللهِ وآياته؟﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ بتعَلُّمِهاوتَدَبُّرها وتلاوتها والعمل بها، ﴿ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾: أي وهم يَفرحون بما أعطاهم اللهُ من الإيمانواليقين، ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ﴾ أي نفاق وشك في دين الله ﴿ فَزَادَتْهُمْ ﴾ هذه السورة ﴿ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ ﴾ أي نفاقًاوشَكّاً إلى ما هم عليه من النفاق والشك، ﴿ وَ ﴾ طبع اللهُ على قلوبهم حتى ﴿ مَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾.

      الآية 126: ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ ﴾: يعني أوَلاَ يرى هؤلاء المنافقون أنّ اللهَ يَمتحنهم بالجهاد، ويَبتليهم بالفتن، ويَفضح نفاقهم ﴿ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ﴾؟ ﴿ ثُمَّ ﴾ هم مع ذلك ﴿ لَا يَتُوبُونَ ﴾ مِن كُفرهم ونفاقهم،﴿ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾: أي ولا هم يَتعظون بما يُشاهدونه من آيات الله تعالى، وبما يَرونه من تحقيق وَعْدِ اللهِ بالنصر للمسلمين على أعدائهم.

      الآية 127: ﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ ﴾ أي تغَامَزَ المنافقون بالعيون سُخريَةً بنزولها، وغيظًاً مِمَا نزل فيها مِن ذِكْر عيوبهم وأفعالهم، ثم يقولون لبعضهم: ﴿ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ﴾ إن قمتم مِن عند محمد؟ فإن لم يَرَهم أحد: قاموا ﴿ ثُمَّ انْصَرَفُوا ﴾ مِن عِنده عليهالصلاة والسلام خوفاً من الفضيحة، فكانَ جزاؤهم أنْ ﴿ صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ عن الهدى؛ ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾: أي بسبب أنهم لايريدون أن يَفهموا آيات القرآن وما تهدي إليه، وذلك لِظُلمة قلوبهم وخُبث نفوسهم.

      الآية 128: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ ﴾ أيها المؤمنون ﴿ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ﴾ أي عَرَبيٌ مِن جِنسِكُم، ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾: أي يَشُقّ عليه ما تَلقَوْنَ مِن المَكروهوالمَشقة، ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾: أي حريصٌ على هِدايتكم وصَلاح شأنكم في الدنيا والآخرة، وهو ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾.

      الآية 129: ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾: يعني فإن أعرض المشركون والمنافقون عن الإيمان بك - أيها الرسول - ﴿ فَقُلْ ﴾ لهم: ﴿ حَسْبِيَ اللَّهُ ﴾: أي يَكفيني سبحانه جميع ما أهمَّني، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴾: أي لا معبود بحقٍ إلا هو، ﴿ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾ يعني عليه وحده اعتمدت، وإليهفَوَّضْتُ جميع أموري، فإنه ناصري ومُعيني ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾.



      سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرةمن (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي"، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبو بكر الجزائري) (بتصرف)
      • واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍيَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذاالأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنىواضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلماتالتي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.








      رامي حنفى محمود


      شبكة الالوكة

      تعليق


      • #4
        جزاكم الله خيرَا
        وينقل لقسم التفسير فهو الأنسب له

        "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
        وتولني فيمن توليت"

        "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

        تعليق

        يعمل...
        X