إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأمثال في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رد: لأمثال في القرآن الكريم /

    المثل التاسع:

    قوله تعالى في سورة البقرة.

    {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ
    وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275)



    لما ذكر تعالى الأبرار المؤدين النفقات
    المخرجين الزكوات المتفضلين بالبر والصدقات
    لذوي الحاجات والقرابات في جميع الأحوال والأوقات

    شرع في ذكر أكلة الربا وأموال الناس بالباطل
    وأنواع الشبهات فأخبر عنهم يوم خروجهم من قبورهم
    وقيامهم منها إلى بعثهم ونشورهم
    فقال "الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس"
    أي لا يقومون من قبورهم يوم القيامة
    إلا كما يقوم المصروع حال صرعه وتخبط الشيطان له
    وذلك أنه يقوم قياما منكرا.

    قال ابن عباس: آكل الربا يبعث يوم القيامة
    مجنونا يخنق رواه ابن أبي حاتم



    جاء في تفسير السعدي:

    يخبر تعالى عن أكلة الربا وسوء مآلهم وشدة منقلبهم
    أنهم لا يقومون من قبورهم ليوم نشورهم
    { إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس }
    أي: يصرعه الشيطان بالجنون، فيقومون من قبورهم حيارى سكارى مضطربين، متوقعين لعظيم النكال وعسر الوبال

    فكما تقلبت عقولهم و { قالوا إنما البيع مثل الربا }
    وهذا لا يكون إلا من جاهل عظيم جهله أو متجاهل عظيم عناده
    جازاهم الله من جنس أحوالهم فصارت أحوالهم أحوال المجانين

    ويحتمل أن يكون قوله:
    {لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس }
    أنه لما انسلبت عقولهم في طلب المكاسب الربوية
    خفت أحلامهم وضعفت آراؤهم،
    وصاروا في هيئتهم وحركاتهم يشبهون المجانين
    في عدم انتظامها وانسلاخ العقل الأدبي عنهم.

    قال الله تعالى رادا عليهم ومبينا حكمته العظيمة
    { وأحل الله البيع }
    أي: لما فيه من عموم المصلحة وشدة الحاجة
    وحصول الضرر بتحريمه
    وهذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية
    حتى يرد ما يدل على المنع
    { وحرم الربا } لما فيه من الظلم وسوء العاقبة

    تعليق


    • #17
      رد: لأمثال في القرآن الكريم /

      والربا نوعان: ربا نسيئة كبيع الربا بما يشاركه في العلة نسيئة
      ومنه جعل ما في الذمة رأس مال، سلم
      وربا فضل، وهو بيع ما يجري فيه الربا بجنسه متفاضلا
      وكلاهما محرم بالكتاب والسنة
      والإجماع على ربا النسيئة،
      بل الربا من كبائر الذنوب وموبقاتها { فمن جاءه موعظة من ربه }
      أي: وعظ وتذكير وترهيب عن تعاطي الربا
      على يد من قيضه الله لموعظته رحمة من الله بالموعوظ
      وإقامة للحجة عليه { فانتهى } عن فعله وانزجر عن تعاطيه
      { فله ما سلف } أي: ما تقدم من المعاملات التي فعلها قبل أن تبلغه الموعظة جزاء لقبوله للنصيحة.

      دل مفهوم الآية أن من لم ينته جوزي بالأول والآخر
      { وأمره إلى الله } في مجازاته وفيما يستقبل من أموره
      { ومن عاد } إلى تعاطي الربا ولم تنفعه الموعظة
      بل أصر على ذلك
      { فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }
      اختلف العلماء رحمهم الله في نصوص الوعيد
      التي ظاهرها تخليد أهل الكبائر من الذنوب التي دون الشرك بالله
      والأحسن فيها أن يقال هذه الأمور التي رتب الله عليها الخلود في النار
      موجبات ومقتضيات لذلك
      ولكن الموجب إن لم يوجد ما يمنعه ترتب عليه مقتضاه،
      وقد علم بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن التوحيد والإيمان مانع من الخلود في النار
      فلولا ما مع الإنسان من التوحيد
      لصار عمله صالحا للخلود فيها بقطع النظر عن كفره.



      ولأهمية موضوع الرِّبا ربَّما وضعته في موضوع مستقل
      و باستفاضة إن شاء الله تعالى .

      وصلِّ اللهم و سلِّم على رسولنا الأمين .


      تعليق


      • #18
        رد: لأمثال في القرآن الكريم /

        المثل العاشر

        {وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} سورة آل عمران (الآية 103)


        من تفسير الطبري :

        قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه " وكنتم على شفا حفرة من النار "، وكنّتم، يا معشر المؤمنين، من الأوس والخزرج
        على حرف حُفرةٍ من النار.
        وإنما ذلك مثَلٌ لكفرهم الذي كانوا عليه قبل أن يهديهم الله للإسلام.

        أي وكنتم على طرَف جهنم بكفركم
        الذي كنتم عليه قبل أن يُنعم الله عليكم بالإسلام
        فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانًا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على ذلك من كفركم
        فتكونوا من الخالدين فيها
        فأنقذكم الله منها بالإيمان الذي هداكم له.

        و " شفا الحفرة "، طرفها وَحرفها، مثل " شفا الركيَّة والبئر ".

        حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: " وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها "، بمحمد صلى الله عليه وسلم يقول: كنتم على طرَف النار، من مات منكم أوبِقَ في النار فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فاستنقذكم به من تلك الحفرة.
        كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
        قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: " كذلك "،

        كما بيَّن لكم ربكم في هذه الآيات
        أيها المؤمنون من الأوس والخزرج
        من غِلّ اليهود الذي يضمرونه لكم
        وغشهم لكم، وأمره إياكم بما أمركم به فيها
        ونهيه لكم عما نهاكم عنه
        والحال التي كنتم عليها في جاهليتكم
        والتي صرتم إليها في إسلامكم
        مُعَرِّفَكم في كل ذلك مواقع نعمة قِبَلكم
        وصنائعه لديكم،فكذلك يبين سائر حججه لكم
        في تنـزيله وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

        " لعلكم تهتدون "، يعني: لتهتدوا إلى سبيل الرشاد وتسلكوها
        فلا تضِلوا عنها.

        تعليق


        • #19
          رد: لأمثال في القرآن الكريم /

          من تفسير ابن عاشور:

          شَفا حفرة النَّار هنا تمثيل لحالهم في الجاهلية
          حين كانوا على وشك الهلاك والتَّفاني
          واختيار الحالة المشبَّه بها هنا لأن النَّار أشدّ المهلكات إهلاكاً ، وأسرعُها
          وهذا هو المناسب في حمل الآية ليكون الامتنان بنعمتين محسوستين هما : نعمة الأخوة بعد العداوة ، ونعمة السلامة بعد الخطر.

          وقوله : { كذلك يبين الله لكم آياته } نعمة أخرى وهي نعمة التَّعليم والإرشاد ، وإيضاح الحقائق حتَّى تكمل عقولهم ،
          ويَتَبَيَّنوا مَا فيه صلاحهم . والبيان هنا بمعنى الإظهار والإيضاح .
          والآيات يجوز أن يكون المراد بها النعم




          تعليق


          • #20
            رد: لأمثال في القرآن الكريم /

            المثل الحادي عشر :


            مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} سورة آل عمران (117)

            ضرب - سبحانه - في هذه الآية مثلا لبطلان ما كان ينفقه هؤلاء الكافرون
            من أموال في الدنيا فقال : { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذه الحياة الدنيا }
            أي من أموال فى وجوه الخير المختلفة
            كمواساة البائسين ، ودفع حاجة المحتاجين .

            { كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ } أي كمثل ريح فيها برد شديد قاتل للنبات
            وقيل : الصر الحر الشديدن
            وقيل الصر : صوت لهيب النار التى تحرق الثمار .

            وذكر - سبحانه - الصر على أنه فى الريح ، وأنها مشتملة عليه ، للاشعار بأنها ريح لا تحمل عوامل النماء للزرع ، وإنما هى تحمل معها ما يهلكه .


            وقوله : { أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظلموا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ }
            أي أصابت زرع قوم ظلموا أنفسهم بالكفر وارتكاب المعاصي
            فدمرته وأهلكت ما فيه من ثمار وهم أحوج ما يكونون إلى هذا الزرع
            وتلك الثمار .

            ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { وَمَا ظَلَمَهُمُ الله ولكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } أي أنَّ الله - تعالى - ما ظلمهم حين لم يقبل نفقاتهم
            ولكنهم هم الذين ظلموا أنفسهم بإيثارهم الكفر على الإيمان
            ومن كان كذلك فلن يقبل الله منه شيئاً
            لأن الله تعالى ، إنما يتقبل من المتقين .



            وفي هذه الآية الكريمة تشبيه بليغ
            فقد شبه - سبحانه - حال ما ينفقه الكفار في الدنيا -
            على سبيل القربة أو المفاخرة -
            شبه ذلك فى ضياعه وذهابه وقت الحاجة إليه في الآخرة
            من غير أن يعود عليهم بفائدة
            بحال زرع لقوم ظالمين ، أصابته ريح مهلكة فاستأصلته
            ولم ينتفع أصحابه منه بشىء ، وهم أحوج ما يكونون إليه .

            المصدر / التفسير الوسيط لطنطاوي .

            وجاء في تفسير ابن عثيمين رحمه الله .

            {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ}

            هذا تشبيه تمثيلي؛ لأن التشبيه يقولون إنه نوعان:
            تشبيه إفرادي مثل أن نقول: فلان كالبحر، فلان كالأسد.
            وتشبيه تمثيلي بمعنى أن تشبّه الهيئة بالهيئة
            يكون المشبه شيئاً مؤلفاً من عدة أمور
            والمشبه به كذلك يكون شيئاً مؤلفاً من عدة أمور
            فيسمَّى عند البلاغيين تشبيهاً تمثيلياً.

            والأول تشبيهاً إفرادياً {كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}

            الصورة الآن: ريح شديدة فيها برودة عظيمة
            ولها صرير من شدتها أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم
            فالتشبيه مركب الآن من ريح شديدة باردة أصابت حرث قوم
            يعني مصيبٌ ومُصاب، أي زرعهم.

            {ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} أي استحقوا أن يعذبهم الله عزَّ وجلَّ
            بهذه الريح فأهلكته
            فإذا هبت الريح العاصفة الباردة القوية انتقاماً من بني آدم
            فإنها سوف تهلك هذا الحرث
            ووجه الشبه ظاهر؛ لأنهم سُلطوا على أموالهم تسليطاً عظيماً
            لكن لم ينتفعوا بهذا التسليط وعادت هباءً .

            كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال: 36]

            هذه حال الكفار إذا أنفقوا أموالهم لن ينتفعوا بها إطلاقاً
            كمثل ريح فيها صِرٌّ أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته

            {فِيهَا صِرٌّ} أي أنها مشتملة على الصرِّ
            وفسرنا الصرَّ بأمرين: البرودة وشدة الصوت
            لها صرير من شدتها وباردة
            هذه لا تبقي على الزرع ولا تذر، فأهلكتهم.

            قال تعالى: {وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ}
            يعني ما ظلمهم الله عزّ وجل حين سلطهم على إهلاك أموالهم
            بدون أن ينتفعوا بها
            لأن الله تعالى لا يظلم الناس شيئاً.

            وصلِّ اللهم و سلِّم على رسولنا محمد
            عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم .

            تعليق


            • #21
              رد: لأمثال في القرآن الكريم /

              المثل الثاني عشر:

              {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا } سورة الأنعام 71

              جاء في التفسير الوسيط لطنطاوي :

              ساق القرآن صورة مؤثرة دقيقة للضلالة والحيرة
              التى تناسب من يشرك بعد التوحيد فقال
              { كالذي استهوته الشياطين فِي الأرض حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الهدى ائتنا } .
              { استهوته الشياطين } أي استغوته وزينت هواه ودعته إليه

              والعرب تقول : استهوته الشياطين ، لمن اختطف الجن عقله
              فسيرته كما تريد دون أن يعرف له وجهة فى الأرض .

              والمعنى : قل يا محمد لهؤلاء المشركين :
              أتريدون منا أن نعود إلى الكفر بعد أن نجانا الله منه
              فيكون مثلنا كمثل الذى ذهبت به مردة الشياطين
              فألقته فى صحراء مقفرة وتركته تائها ضالا
              عن الطريق القويم ولا يدرى ماذا يصنع
              وله أصحاب يدعونه إلى الطريق المستقيم
              قائلين له : ائتنا لكى تنجو من الهلاك
              ولكنه لحيرته وضلاله لا يجيبهم ولا يأتيهم .


              قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية :

              " إن مثل من يكفر بالله بعد إيمانه
              كمثل رجل خرج مع قوم على الطريق فضل الطريق
              فحيرته الشياطين واستهوته فى الأرض
              وأصحابه على الطريق فجعلوا يدعونه إليهم
              ويقولون : ائتنا فإنا على الطريق فأبى أن يأتيهم
              فذلك مثل من يتبعهم بعد المعرفة بمحمد صلى الله عليه وسلم .

              ومحمد صلى الله عليه وسلم هو الذى يدعو إلى الطريق ،
              والطريق هو الإسلام "




              وجاء في تفسير ابن كثير أيضا.

              هذا مثل ضربه الله للآلهة ومن يدعو إليها
              والدعاة الذِّين يدعون إلى هدى الله عزَّ وجلَّ
              كمثل رجل ضلَّ عن طريق تائها إذ ناداه مناد يا فلان ابن فلان
              هلم إلى الطريق، وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق
              فان اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة
              وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى اهتدى إلى الطريق
              وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان
              يقول مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله
              فإنه يرى أنه في شيء حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة
              وقوله "كالذي استهوته الشياطين في الأرض" هم الغيلان "
              يدعونه باسمه واسم أبيه وجده فيتبعها
              وهو يرى أنه في شيء فيصبح وقد رمته في هلكة
              وربما أكلته أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا
              فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله عز وجل رواه ابن جرير

              الغيلان هي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتلون لهم
              ذكر ذلك النووي، وفي مسند الإمام أحمد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
              أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
              : وإذا تغولت لكم الغيلان فنادوا بالأذان... الحديث.
              وفي فتح الباري: أخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن الغيلان ذكروا عند عمر، فقال: إن أحدا لا يستطيع أن يتحول عن صورته التي خلقه الله عليها، ولكن لهم سحرة كسحرتكم، فإذا رأيتم ذلك فأذنوا.


              تعليق


              • #22
                رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران"قال رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق وذلك مثل من يضل بعد أن هدي.

                وقال العوفي عن ابن عباس قوله
                "كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب"
                هو الذِّي لا يستجيب لهدى الله وهو رجل أطاع الشيطان وعمل في الأرض بالمعصية وحاد عن الحق وضل عنه وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس "إن الهدى هدى الله" والضلال ما يدعو إليه الجن.


                قال أبو جعفر:

                وهذا مثل ضربه الله تعالى ذكره لمن كفَر بالله بعد إيمانه
                فاتبع الشياطين، من أهل الشرك بالله
                وأصحابه الذِّين كانوا أصحابه في حال إسلامه
                المقيمون على الدين الحق، يدعونه إلى الهدى الذِّي هم عليه مقيمون
                والصواب الذي هم به متمسكون
                وهو له مفارق وعنه زائل
                يقولون له: " ائتنا فكن معنا على استقامة وهدى "!
                وهو يأبى ذلك, ويتبع دواعي الشيطان، ويعبد الآلهة والأوثان.

                وصلِّ اللَّهم و سلِّم على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه.


                تعليق


                • #23
                  رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                  المثل الثالث عشر.


                  {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} الأعراف (176)


                  وقوله ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكلب إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ) .
                  اللهث : إدلاع اللسان بالنفس الشديد . يقال : لهث الكلب يلهث - كسمع ومنع - لهثا ولهاثا ، إذا أخرج لسانه فى التنفس .

                  والمعنى : فمثل هذا الإنسان الذى آتيناه فانسلخ منها
                  وأصبح إيتاء الآيات وعدمها بالنسبة له سواء
                  مثله كمثل الكلب إن شددت عليه وأتبعته لهث
                  وإن تركته على حاله لهث - أيضا -
                  فهو دائم اللهث فى الحالين .
                  لأن اللهث طبيعة فيه ، وكذلك حال الحريص على الدنيا
                  المعرض عن الآيات بعد إيتائها
                  إن وعظته فهو لإيثاره الدنيا على الآخرة لا يقبل الوعظ
                  وإن تركت وعظه فهو حريص - أيضا - على الدنيا وشهواتها .




                  والإشارة فى قوله ( ذَّلِكَ مَثَلُ القوم ) إلى وصف الكلب أو إلى المنسلخ من الآيات ،
                  أي : ذلك المثل البعيد الشأن فى الغرابة
                  مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا من الجاحدين المستكبرين
                  المنسلخين عن الهدى بعد أن كان فى حوزتهم .



                  وقوله ( اقصص القصص لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )
                  أي : إذا ثبت ذلك ، فاقصص على قومك أيها الرسول الكريم
                  المقصوص عليك من جهتنا لعلهم يتفكرون فينزجرون
                  عما هم عليه من الكفر والضلال .


                  وقال أبو محمد بن قتيبة
                  كل شيء يلهث إنما يلهث من إعياء أو عطش إلا الكلب
                  فإنه يلهث في حال الكلال وفي حال الراحة وفي حال العطش
                  فضربه الله مثلاً لمن كذب بآياته
                  فقال : إن وعظته فهو ضال وإن تركته فهو ضال
                  كالكلب إن طردته لهث ، وإن تركته على حاله لهث
                  نظيره قوله تعالى : " وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون " ( الأعراف - 193 )

                  ثم عم بهذا التمثيل جميع من يكذب بآيات الله
                  فقال " ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون



                  وفي تشبيه ذلك الضال في حال لهفه على الدنيا بالكلب
                  في حال لهثه سر بديع
                  وهو أن الذي حاله ما ذكره الله من انسلاخه من آياته
                  واتباعه هواه؛
                  إنما كان لشدة لهفه على الدنيا لانقطاع قلبه عن الله والدار الآخرة
                  فهو شديد اللهف عليها.

                  ولهفُه نظير لهث الكلب الدائم في حال إزعاجه وتركه
                  فإنه في الكلاب طبع لا تقدر على نفض الهواء المتسخن
                  وجلب الهواء البارد بسهولة
                  لضعف قلبها وانقطاع فؤادها، بخلاف سائر الحيوانات
                  فإنها لا تحتاج إلى التنفس الشديد
                  ولا يلحقها الكرب والمضايقة إلا عند التعب والإعياء.



                  وفي الدر المنثور للسيوطي:” أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج،
                  قال: الكلب منقطع الفؤاد، لا فؤاد له، مثل الذي يترك الهدى، لا فؤاد له؛ إنما فؤاده منقطع، كان ضالاًّ قبل وبعد“.

                  قال ابن قيِّم الجوزيَّة:
                  ” مراده بانقطاع فؤاده أنه ليس له فؤاد يحمله على الصبر
                  وترك اللهث؛ وهكذا الذي انسلخ من آيات الله
                  لم يبق معه فؤاد يحمله على الصبر عن الدنيا
                  وترك اللهف عليها.
                  فهذا يلهف على الدنيا من قلة صبره عنها
                  وهذا يلهث من قلة صبره عن الماء،
                  فالكلب من أقل الحيوانات صبرًا عن الماء،
                  وإذا عطش أكل الثرى من العطش،
                  وإن كان فيه صبر على الجوع.
                  وعلى كل حال فهو من أشد الحيوانات لهثًا
                  يلهث قائمًا وقاعدًا وماشيًا وواقفًا
                  وذلك لشدة حرصه
                  فحرارة الحرص في كبده توجب له دوام اللهث
                  فهكذا مشبهه، شدة الحرص وحرارة الشهوة في قلبه توجب له دوام اللهف
                  فإن حملت عليه الموعظة والنصيحة فهو يلهف
                  وإن تركته ولم تعظه فهو يلهف“.
                  المصدر/ تفسير الوسيط و موقع اهل التفسير

                  وصلِّ اللَّهم و سلِّم على سيِّدنا محمد عليه أفضل الصلاة و أزكى التسليم .




                  تعليق


                  • #24
                    رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                    المثل الرابع عشر:


                    قوله تعالى

                    {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}سورة يونس الآية (24)

                    هذا مثل أخواتي ضربه الله لهذه الدنيا التي نحيا فيها
                    نتسابق فيها على جمع الأموال و بناء الفيلات
                    و المناصب وو و إلا من رحم ربي
                    وهي في الحقيقة -أي الدنيا-
                    لا تُساوي عند الله جناح بعوضة

                    وددتُ لو وضعت لكنَّ كل تفاسير أهل العلم لأهميتها
                    و للفوائد التي وجدتها فيها
                    لكِن اكتفيتُ ببعضها عسى أن ينفعني الله و إياكنَّ بها .

                    يقول أبو بكر الجزائري في تفسيره :

                    في هذه الآية يضرب الله مثلًا للحياة الدنيا
                    التي يتكالب الغافلون عليها ويبيعون آخرتهم بها
                    فيكذبون ويظلمون من أجلها
                    إنما مثلها في نضارتها الغارة بها وجمالها الخادعة به
                    كمثل ماء نزل من السماء فاختلط بالماء نبات الأرض
                    فسقى به ونما وازدهر وأورَق وأثمر
                    وفرح به أهله وغلب على ظنهم أنهم منتفعون به فائزون به
                    وإذا بقضاء الله فيه تأتيه فجأه في ساعة من ليل أو نهار
                    فإذا هو حصيد ليس فيه ما هو قائم على ساق
                    هشيم تذروه الرياح كأن لم لم يغْن بالأمس
                    أي كأن لم يكن موجوداً أمس قائماً يعمُر مكانه
                    أتاه أمر الله لأن أهله ظلموا فعاقبهم بجائحة
                    أفسدت عليهم زرعهم فأمسوا يائسين حزينين.

                    هذه الصورة المثالية للحياة الدنيا فهلا يتنبه الغافلون أمثالي!!
                    أو هلا يستيقظ النائمون من حالهم كحالي؟؟.





                    تعليق


                    • #25
                      رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                      ويقول السعدي في تفسير هذه الآية :

                      هذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا
                      فإن لذاتها وشهواتها وجاهها ونحو ذلك
                      يزهو لصاحبه إن زها وقتًا قصيرًا،
                      فإذا استكمل وتم اضمحل، وزال عن صاحبه
                      أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها
                      ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها‏.‏

                      فذلك ‏{‏كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ‏}
                      أي‏:‏ نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج ‏{‏مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ‏}‏ كالحبوب والثمار ‏{‏و‏}‏ مما تأكل ‏{‏الْأَنْعَامِ‏}‏ كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف‏.‏

                      ‏{‏حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ‏}‏
                      أي‏:‏ تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها
                      فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين،
                      وآية للمتبصرين، فصرتَ ترى لها منظرًا عجيبًا
                      ما بين أخضر، وأصفر، وأبيض وغيره‏.‏

                      ‏{‏وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا‏}‏
                      أي‏:‏ حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم،
                      لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه‏.‏

                      فبينما هم في تلك الحالة ‏{‏أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ‏}‏
                      أي‏:‏ كأنها ما كانت فهذه حالة الدنيا، سواء بسواء‏.‏

                      ‏{‏كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ‏}‏
                      أي‏:‏ نبينها ونوضحها، بتقريب المعاني إلى الأذهان، وضرب الأمثال ‏{‏لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ أي‏:‏ يعملون أفكارهم فيما ينفعهم‏.‏
                      وأما الغافل المعرض، فهذا لا تنفعه الآيات
                      ولا يزيل عنه الشك البيان‏.


                      ويقول ابن كثير :

                      ضرب تبارك وتعالى مثلا لزهرة الحياة الدنيا وزينتها
                      وسرعة انقضائها وزوالها بالنبات الذِّي أخرجه الله من الأرض
                      بماء أنزل من السَّماء مما يأكل النَّاس من زروع وثمار
                      على اختلاف أنواعها وأصنافها وما تأكل الأنعام من أب وقضب وغير ذلك

                      "حتى إذا أخذت الأرض زخرفها" أي زينتها الفانية
                      "وازينت" أي حسنت بما خرج في رباها من زهور نضرة
                      مختلفة الأشكال والألوان
                      "وظن أهلها" الذين زرعوها وغرسوها "أنهم قادرون عليها"
                      أي على جذاذها وحصادها
                      فبينما هم كذلك إذ جاءتها صاعقة أو ريح شديدة باردة
                      فأيبست أوراقها وأتلفت ثمارها

                      ولهذا قال تعالى: "أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا"
                      أي يابسا بعد الخضرة والنضارة
                      "كأن لم تغن بالأمس" أي كأنها ما كانت حينا قبل ذلك



                      وقال قتادة: كأن لم تغن كأن لم تنعم
                      وهكذا الأمور بعد زوالها كأنها لم تكن.

                      ولهذا جاء في الحديث:عن أنس بن مالك أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه و سلّضم قال : [يؤتى بأنعم أهل الدنيا فيغمس في النار غمسة فيقال له هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط ؟
                      فيقول لا ويؤتى بأشد الناس عذابا في الدنيا
                      فيغمس في النعيم غمسة ثم يقال له هل رأيت بؤسا قط؟ فيقول لا"]رواه مسلم


                      و اترككم أخيرًا مع هذا التعبير الجميل
                      الذي راقني كثيرًا نقلته لكم من كتاب
                      في ظلال القرآن للسيِّد قطب :

                      ذلك مثل الحياة الدنيا التي لا يملك النَّاس إلا متاعها
                      حين يرضون بها، ويقفون عندها
                      ولا يتطلعون منها إلى ما هو أكرم وأبقى..

                      هذا هو الماء ينزل من السماء،

                      وهذا هو النبات يمتصه ويختلط به فيمرع ويزدهر.
                      وها هي ذي الأرض كأنها عروس مجلوة تتزين لعرس وتتبرج
                      وأهلها مزهوون بها، يظنون أنها بجهدهم ازدهرت
                      وبإرادتهم تزينت، وأنهم أصحاب الأمر فيها،
                      لا يغيرها عليهم مغير، ولا ينازعهم فيها منازع.

                      وفي وسط هذا الخصب الممرع،

                      وفي نشوة هذا الفرح الملعلع،
                      وفي غمرة هذا الاطمئنان الواثق..

                      { أتاها أمرنا ليلاً أو نهاراً فجعلناها حصيداً كأن لم تغن بالأمس }..

                      في ومضة، وفي جملة، وفي خطفة.. وذلك مقصود في التعبير بعد الإطالة في عرض مشهد الخصب والزينة والاطمئنان.

                      وهذه هي الدنيا التي يستغرق فيها بعض الناس

                      ويضيعون الآخرة كلها لينالوا بعض المتاع.

                      هذه هي.


                      لا أمن فيها ولا اطمئنان، ولا ثبات فيها ولا استقرار
                      ولا يملك النَّاس من أمرها شيئاً إلا بمقدار.

                      هذه هي..


                      وصلِّ اللَّهم وسلِّم على رسولنا محمد عليه أفضل الصلاة و أزكى التَّسليم
                      والحمد لله ربِّ العالمين .

                      تعليق


                      • #26
                        رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                        المثل الخامس عشر :

                        قوله تعالى :

                        { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ
                        هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }
                        سورة هود الآية (24)


                        ضرب - سبحانه - مثلا لفريق الكافرين ولفريق المؤمنين
                        فقال : ( مَثَلُ الفريقين كالأعمى والأصم
                        والبصير والسميع هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) .
                        قوله : ( مَثَلُ الفريقين . . . ) أي : حالهم وصفتهم .

                        والمعنى : حال الفريقين المذكورين قبل ذلك

                        وهما الكافرون والمؤمنون
                        كحال الضدين المختلفين كل الاختلاف .

                        أما الكافرون فحالهم وصفتهم كحال وصِفَة من جمع بين العمى والصمم .
                        لأنهم مع كونهم يرون ويسمعون لكنهم لم ينتفعوا بذلك فصاروا كالفاقد لهما .

                        وأمَّا المؤمنون فحالهم وصفتهم كحال وصفة من جمع بين البصر السليم والسمع الواعى لأنهم انتفعوا بما رأوا من دلائل تدل على وحدانية الله
                        وقدرته وبما سمعوا من توجيهات تدل على صحة تعاليم الإِسلام .

                        قال أبو جعفر:
                        يقول تعالى ذكره: مثل فريقي الكفر والإيمان
                        كمثل الأعمى الذي لا يرى بعينه شيئًا
                        والأصم الذي لا يسمع شيئًا
                        فكذلك فريق الكفر لا يبصر الحق فيتبعه ويعمل به
                        لشغله بكفره بالله وغلبة خذلان الله عليه
                        لا يسمع داعي الله إلى الرشاد،
                        فيجيبه إلى الهدى فيهتدي به، فهو مقيمٌ في ضلالته
                        يتردَّد في حيرته.

                        والسميع والبصير فذلك فريق الإيمان ، أبصرَ حجج الله
                        وأقر بما دلت عليه من توحيد الله
                        والبراءة من الآلهة والأنداد ، ونبوة الأنبياء عليهم السلام
                        وسمعَ داعي الله فأجابه وعمل بطاعة الله



                        والمقصود من هذا التمثيل .

                        تنبيه الكافرين إلى ما هم عليه من ضلال وجهالة
                        لعلهم بهذا التنبيه يتداركون أمرهم
                        فيدخلون فى دين الإِسلام وتثبيت المؤمنين على ما هم عليه من حق
                        وبذلك يزدادون إيمانا على إيمانهم .

                        والاستفهام في قوله ( هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ) للإِنكار والنفي
                        أي : هل يستوي في الصفة والحال من كان ذا سمع وبصر بمن فقدهما؟
                        كَلَّا إنهما لا يستويان حتى عند أقل العقلاء عقلا .

                        قال الفراء:

                        لم يقل هل يستوون، لأن الأعمى والأصم في حيز كأنهما واحد
                        لأنهما من وصف الكافر
                        والبصير والسميع في حيز كأنهما واحد
                        لأنهما من وصف المؤمن.


                        وقوله : ( أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ) حض على التذكر والتدبر والتفكر .
                        أي : أتشكُّون فى عدم استواء الفريقين؟

                        لا إنَّ الشك في عدم استوائهما لا يليق بعاقل
                        وإنما اللائق به هو اعتقاد تباين صفتيهما
                        والدخول في صفوف المؤمنين الذِّين عملوا الأعمال الصالحات
                        وأخبتوا إلى ربهم .

                        المصدر / تفسير الطنطاوي و تفسير الطبري .

                        وصلِّ اللَّهم و سلِّم وبارك على سيِّدنا و حبيبنا محمد
                        صلَّى الله عليه وسلَّم .





                        تعليق


                        • #27
                          رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                          المثل السادس عشر:


                          {إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِه وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ...} سورة الرَّعد الآية 14.


                          قال القرطبى :

                          " وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه :
                          أحدها : أنَّ الذِّي يدعو إلها من دون الله

                          كالظمآن الذِّي يدعو الماء إلى فيه من بعيد
                          يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه
                          ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا لأن الماء لا يستجيب
                          وما الماء ببالغ إليهقاله مجاهد .
                          الثاني : أنه كالظمآن الذِّي يرى خياله فى الماء

                          وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه
                          لكذب ظنه وفساد توهمه . قاله ابن عباس .

                          الثالث : أنه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه
                          فلا يجد في كفه شيئا منه .


                          وقد ضربت العرب مثلا لمن سعى فيما لا يدركه ، بالقبض على الماء


                          كما قال الشاعر :
                          ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء ، خانته فروج الأصابع



                          قال علي بن أبي طالب:

                          كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده
                          وهو لا يناله أبدا بيده فكيف يبلغ فاه ؟
                          وقال مجاهد " كباسط كفيه " يدعو الماء بلسانه ويشير إليه
                          فلا يأتيه أبدا وقيل المراد كقابض يده على الماء
                          فإنه لا يحكم منه على شيء

                          كما قال الشاعر:
                          فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أنامله
                          وقال الآخر:
                          فأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليد

                          ومعنى هذا الكلام أنَّ الذِّي يبسط يده إلى الماء
                          إما قابضا وإما متناولا له من بعيد
                          كما أنه لا ينتفع بالماء الذِّي لم يصل إلى فيه
                          الذِّي جعله محلا للشرب

                          فكذلك هؤلاء المشركون الذِّين يعبدون مع الله إلها غيره
                          لا ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ولا في الآخرة
                          ولهذا قال " وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ".

                          يقول السعدي في تفسيره .

                          تشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه
                          من أحسن الأمثلة؛ فإن ذلك تشبيه بأمر محال،
                          فكما أن هذا محال، فالمشبه به محال،
                          والتعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء

                          كما قال تعالى: { إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط }

                          وصلِّ اللَّهم و سلِّم و بارك على رسولنا و حبيبنا و شفيعنا محمد عليه أفضل الصَّلاة و أزكى التَّسليم .



                          تعليق


                          • #28
                            رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                            المثل السابع عشر.


                            { أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }سورة الرعد (الآية 17)





                            اشتملت هذه الآية الكريمة على مثلين مضروبين للحق في ثباته وبقائه

                            والباطل في اضمحلاله وفنائه، مثل مائيا وآخر ناريا.


                            المثل الأول: " أنزل من السماء ماء " أي مطرا " فسالت أودية بقدرها "

                            أي أخذ كل واحد بحسبه فهذا كبير وسع كثيرا من الماء

                            وهذا صغير فوسع بقدره .


                            والأودية : جمع واد وهو الموضع المتسع الممتد من الأرض

                            الذى يسيل فيه الماء بكثرة .
                            والسيل : الماء الجارى فى تلك الأودية .
                            والزبد : هو الغثاء الذي يعلو على وجه الماء

                            عند اشتداد حركته واضطرابه أو ما يعلو القدر عند الغليان

                            ويسمى بالرغوة والوضر والخبث لعدم فائدته ،


                            ورابيا : من الربو بمعنى العلو والارتفاع .



                            وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها فمنها ما يسع علما كثيرا

                            ومنها ما لا يتسع لكثير من العلوم بل يضيق عنها.

                            " فاحتمل السيل زبدا رابيا "

                            أي فجاء على وجه الماء

                            الذِّي سال في هذه الأودية زبد عال عليه.

                            المثل الثاني: قوله تعالى: " ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع ".


                            والحلية : ما يتحلى به الإِنسان من الذهب والفضة وغيرهما .
                            والمتاع : ما يتمتع به فى حياته من الأوانى والآلات المتخذة

                            من الحديد والرصاص وأشباههما .

                            يعني أن مما يوقد عليه بنو أدم من الذهب والفضة والنحاس والحديد

                            يخرج منه خبثه وهو الزبد الذِّي تلقيه النار

                            وتخرجه من ذلك الجوهر بسبب مخالطتها

                            فإنه يقف ويلقى به ويستقر الجوهر الخالص وحده

                            وضرب سبحانه مثلا بالماء لما فيه الحياة والتبريد والمنفعة

                            ومثلا بالنار لما فيها من الإضاءة والإشراق والإحراق

                            فآيات القران تحيي القلوب كما تحيا الأرض بالماء

                            وتحرق خبثها وشبهاتها وشهواتها وسخامهما

                            كما تحرق النار ماتلقي فيها وتميز جيدها من زبدها

                            كما تميز النار الخبث من الذهب والفضة والنحاس ونحوه منه




                            " كذلك يضرب الله الحق والباطل " أي إذا اجتمعا لا ثبات للباطل ولا دوام له

                            كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع الذهب والفضة

                            ونحوهما مما يسبك فى النار بل يذهب ويضمحل

                            ولهذا قال " فأما الزبد فيذهب جفاء " أي لا ينتفع به بل يتفرق

                            ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي

                            ويعلق بالشجر وتنسفه الرياح

                            وكذلك خبث الذهب والفضة والحديد والنحاس

                            يذهب ولا يرجع منه شيء ولا يبقى إلا الماء

                            وذلك الذهب ونحو ينتفع به ولهذا قال

                            " وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

                            كذلك يضرب الله الأمثال "


                            قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس

                            في قوله تعالى " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها " الآية

                            هذا مثل ضربه الله احتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها

                            فأما الشك فلا ينفع معه العمل

                            وأما اليقين فينفع الله به أهله وهو قوله

                            " فأما الزبد

                            " وهو الشك " فيذهب جفاء

                            "وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض " وهو اليقين .


                            وكما يجعل الحلى في النار

                            فيؤخذ خالصه ويترك خبثه في النار

                            فكذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك

                            وقال العوفي عن ابن عباس

                            قوله " أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها

                            فاحتمل السيل زبدا رابيا "

                            يقول احتمل السيل ما في الوادي من عود ودمنة

                            "ومما يوقدون عليه في النار " فهو الذهب والفضة والحلية والمتاع والنحاس

                            والحديد

                            فللنحاس والحديد خبث

                            فجعل الله مثل خبثه كزبد الماء

                            فأما ما ينفع الناس فالذهب والفضة

                            وأما ما ينفع الأرض فما شربت من الماء فأنبتت

                            فجعل ذاك مثل العمل الصالح يبقى لأهله

                            والعمل السيء يضمحل عن أهله كما يذهب هذا الزبد

                            وكذلك الهدى والحق جاءا من عند الله

                            فمن عمل بالحق كان له وبقي كما بقي ما ينفع الناس في الأرض

                            وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف

                            حتى يدخل في النار فتأكل خبثه ويخرج جيده فينتفع به

                            فكذلك يضمحل الباطل.


                            فإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال


                            فيزيغ الباطل ويهلك ، وينتفع أهل الحق بالحق


                            وهكذا روي في تفسيرها عن مجاهد والحسن البصري

                            وعطاء وقتادة وغير واحد من السلف والخلف.



                            المصدر/ التفاسير .

                            وصلِّ اللهم و سلِّم على سيِّدنا محمد و على آله و صحبه

                            تعليق


                            • #29
                              رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                              المثل الثامن عشر

                              {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}سورة إبراهيم الآية (18)



                              ضرب - سبحانه - مثلاً لأعمال الكافرين
                              في حبوطها وذهابها يوم القيامة
                              وساق الأدلة الدالة على قدرته القاهرة
                              وصور أحوال الكافرين يوم يقوم الناس لرب العالمين
                              وحكى ما يقوله الضعفاء للمستكبرين
                              وما يقوله الشيطان لأتباعه فى هذا اليوم العصيب
                              وما أعده الله للمؤمنين الصادقين في هذا اليوم

                              فقال - تعالى - :
                              ( مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ . . . ) .

                              قال الإِمام الرازي :

                              " بين سبحانه في هذه الآية أنَّ أعمالهم بأسرها ضائعة باطلة
                              لا ينتفعون بشئ منها .
                              وعند هذا يظهر كمال خسرانهم
                              لأنهم لا يجدون فى القيامة إلا العقاب الشديد
                              وكل ما عملوه في الدنيا وجدوه ضائعاً باطلاً " .




                              والمراد بأعمال الذِّين كفروا فى الآية الكريمة :
                              ما كانوا يقومون به فى الدنيا من أعمال حسنة كإطعام الطعام ، ومساعدة المحتاجين ، وإكرام الضيف ، إلى غير ذلك من الأعمال الطيبة .


                              والرماد : ما يتبقى من الشئ بعد احتراق أصله
                              كالمتبقى من الخشب أو الحطب بعد احتراقهما .

                              والعاصف : من العصف وهو اشتداد الريح ، وقوة هبوبها

                              فكما أن الريح العاصف تجعل الرماد هباء منثورا ، فكذلك أعمال الكافرين فى الآخرة تصير هباء منثوراً ، لأنها أعمال بنيت على غير أساس من الإِيمان وإخلاص العبادة لله - تعالى - .

                              وقال الإِمام ابن كثير ما ملخصه :

                              " هذا مثل ضربة الله - تعالى - لأعمال الكفار
                              الذِّين عبدوا مع الله غيره ، وكذبوا رسله ،
                              وبنوا أعمالهم على غير أساس صحيح
                              فانهارت وعدموها وهم أحوج ما كانوا إليها . . .

                              ( ذلك هُوَ الضلال البعيد )

                              أي : ذلك الحبوط لأعمالهم ، وعدم انتفاعهم بشئ منها
                              هو الضلال البعيد .
                              أي : البالغ أقصى نهايته
                              والذِّي ينتهى بصاحبه إلى الهلاك والعذاب المهين .

                              ووصف - سبحانه - الضلال بالبعد ، لأنه يؤدى إلى خسران لا يمكن تداركه ، ولا يرجى الخلاص منه .


                              وصلِّ اللهم على سيِّدنا محمد عليه أفضل الصَّلاة و أزكى التَّسليم .

                              تعليق


                              • #30
                                رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                                المثل التَّاسع عشر .


                                {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} سورة إبراهيم الآية (24)



                                :::: التفسيرمن كتاب إعلام الموقعين لابن القيم::::



                                شبه -سبحانه وتعالى- الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة

                                لأنَّ الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع
                                وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذِّين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله
                                فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة.
                                فكل عمل صالح مرضي لله ثمرة هذه الكلمة

                                وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال:


                                كلمة طيبة شهادة أن لا إله إلا الله كشجرة طيبة وهو المؤمن
                                أصلها ثابت قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن
                                وفرعها في السماء يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء .

                                وقال -الربيع بن أنس-
                                كلمة طيبة هذا مثل الإيمان فالإيمان الشجرة الطيبة
                                وأصلها الثابت الذِّي لا يزول الإخلاص فيه
                                وفرعه في السماء خشية الله

                                والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن
                                فإنَّه سبحانه شبَّه شجرة التوحيد في القلب
                                بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا
                                التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين


                                وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد
                                الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة
                                الصاعدة إلى السماء
                                ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة
                                كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها
                                ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقوقها ومراعاتها حق رعايتها

                                فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها
                                واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها
                                فعرف حقيقة الإلهية التي يثبتها قلبه لله
                                ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه
                                ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله
                                وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات
                                وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية
                                طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها
                                ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا

                                فلا ريب أنَّ هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان
                                لا تزال تؤتي ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الله كل وقت



                                فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل الصالح إلى الرب -تعالى-
                                وهذه الكلمة الطيبة تثمركلاما كثيرا طيِّبا يقارنه عمل صالح
                                فيرفع العمل الصالح إلى الكلم الطيِّب
                                قال -تعالى- {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}فاطر10
                                فأخبر- سبحانه- أنَّ العمل الصالح يرفع الكلم الطيب
                                وأخبر أنَّ الكلمة الطيبة تثمر لقائلها عملا صالحا كل وقت

                                والمقصود أنَّ كلمة التوحيد إذا شهد بها المؤمن
                                عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا متصفا بموجبها
                                قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته
                                فهذه الكلمة الطيبة هي التي رفعت هذا العمل
                                من هذا الشاهد أصلها ثابت راسخ في قلبه
                                وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت.

                                ومن السلف من قال إن الشجرة الطيبة هي النخلة
                                ويدل عليه حديث ابن عمر الصحيح ،ومنهم من قال هي المؤمن نفسه

                                كما قال محمد بن سعد
                                حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس
                                قوله[ ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة]
                                يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض
                                والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم
                                فيبلغ عمله وقوله السماء وهو في الأرض.

                                وقال عطية العوفي في قوله ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة
                                قال ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله.

                                وقال الربيع بن أنس :أصلها ثابت وفرعها في السماء
                                قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده
                                وعبادته وحده لا شريك له
                                أصلها ثابت قال أصل عمله ثابت في الأرض
                                وفرعها في السَّماء قال ذكره في السماء ولا اختلاف بين القولين

                                والمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها
                                وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك
                                ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة

                                فالصواب في ذلك قول من قال أنَّ الشجرة هي النخلة
                                لصحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ذلك .


                                يُتبع إن شاء الله بذكر الحكمة من تشبيه المؤمن بالنخلة و أوجه الشبه بينهما .



                                وجه الشبه بين المؤمن و النخلة .

                                ففي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه قال:
                                قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
                                [ إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم،
                                فحدثوني ما هي؟
                                فوقع الناس في شجر البوادي
                                قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييت.
                                ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟
                                قال: فقال: هي النخلة.
                                قال فذكرت ذلك لعمر، قال لأن تكون قلت هي النخلة
                                أحب إلي من كذا وكذا. اهـ




                                ووجه الشبه بيان بركتها، وكثرة خيرها، ودوام ظلها
                                وطيب ثمرها، ووجوده على الدوام
                                وكون أَصْلهَا ثَابِتا وَفَرْعهَا فِي السَّمَاء
                                وعدم سقوط شيء منها لا يستفاد به، تشبيها ببركة المسلم، واستجابة دعائه، وثبات الايمان في قلبه، وكثرة عمله الصالحات



                                قال النووي في شرح مسلم في بيان وجه التشبيه:
                                قال العلماء: وشبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها
                                وطيب ثمرها ووجوده على الدوام
                                فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس
                                وبعد أن ييبس يتخذ منه منافع كثيرة
                                ومن خشبها وورقها وأغصانها فيستعمل جذوعا وحطبا
                                وعصيا ومخاصر وحصرا وحبالا وأواني وغير ذلك

                                ثم آخر شيء منها نواها وينتفع به علفا للإبل،
                                ثم جمال نباتها وحسن هيئة ثمرها فهي منافع كلها وخير وجمال

                                كما أن المؤمن خير كله من كثرة طاعاته ومكارم أخلاقه
                                ويواظب على صلاته وصيامه وقراءته وذكره
                                والصدقة والصلة وسائر الطاعات وغير ذلك
                                فهذا هو الصحيح في وجه التشبيه



                                وقال ابن حجر في الفتح:
                                وَوَجْه الشَّبَه بَيْن النَّخْلَة وَالْمُسْلِم مِنْ جِهَة عَدَم سُقُوط الْوَرَق
                                مَا رَوَاهُ الْحَارِث بْن أَبِي أُسَامَة فِي هَذَا الْحَدِيث
                                مِنْ وَجْه آخَر عَنْ اِبْن عُمَر وَلَفْظه

                                " قَالَ: كُنَّا عِنْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات يَوْم
                                فَقَالَ: إِنَّ مِثْل الْمُؤْمِن كَمِثْلِ شَجَرَة لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة
                                أَتَدْرُونَ مَا هِيَ ؟ قَالُوا: لَا.
                                قَالَ: هِيَ النَّخْلَة لَا تَسْقُط لَهَا أُنْمُلَة، وَلَا تَسْقُط لِمُؤْمِنٍ دَعْوَة ".

                                وَوَقَعَ عِنْد الْمُصَنِّف فِي الْأَطْعِمَة مِنْ طَرِيق الْأَعْمَش قَالَ:
                                حَدَّثَنِي مُجَاهِد عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ
                                " بَيْنَا نَحْنُ عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ
                                فَقَالَ: إِنَّ مِنْ الشَّجَر لَمَا بَرَكَته كَبَرَكَةِ الْمُسْلِم "
                                وَهَذَا أَعَمّ مِنْ الَّذِي قَبْله
                                وَبَرَكَة النَّخْلَة مَوْجُودَة فِي جَمِيع أَجْزَائِهَا
                                مُسْتَمِرَّة فِي جَمِيع أَحْوَالهَا، فَمِنْ حِين تَطْلُع إِلَى أَنْ تَيْبَس تُؤْكَل أَنْوَاعًا
                                ثُمَّ بَعْد ذَلِكَ يُنْتَفَع بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا
                                حَتَّى النَّوَى فِي عَلْف الدَّوَابّ وَاللِّيف فِي الْحِبَال وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفي
                                وَكَذَلِكَ بَرَكَة الْمُسْلِم عَامَّة فِي جَمِيع الْأَحْوَال
                                وَنَفْعه مُسْتَمِرّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْد مَوْته.








                                تعليق

                                يعمل...
                                X