إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة التفسير العقدي لسور القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #46
    التفسير العقدي لسورة العصر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

    التفسير العقدي لسورة العصر

    فضيلة الشيخ /أ.د أحمد بن عبد الرحمن القاضي
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
    وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
    تأتي سورة العصر في طليعة مجموعة من السور القصار في مبناها، العظيمة في معناها، ختم الله بها كتابه الكريم.
    وإن الإنسان ليعجب من حكمة الله - عز وجل – بختم المصحف، حسب العرضة الأخيرة، بهذه السور، السهلة الألفاظ، الجزلة المعانى، البديعة التراكيب، من قصار المفصل، التي يقرأها عامة المسلمين، ويحفظونها، ويرددونها، في صلواتهم؛ فرائضهم، ونوافلهم، لما تتضمنه من المعاني الكبيرة، التي تحيي القلوب، فلله الحكمة البالغة فيما حكم، وقضى، وقدر.
    ومع قصر سورة (العصر) إلا أن الإمام الشافعي - رحمه الله – قال عنها: "لو ما أنزل الله حجةً على خلقه، إلا هذه السورة، لكفتهم" أي: لكانت حجة عليهم، في بيان مقاصد الدين، وأركانه، وآدابه. وليس المراد تضمنها لتفاصيل الشريعة.
    مقصد السورة الرئيس:
    بيان المنهج الوحيد للنجاة؛ إذ أن الله - سبحانه وتعالى - حكم على الإنسان من حيث هو إنسان- بالخسار، واستثنى مَنْ جمع أربع خصال، يأتي بيانها.
    يقول الله تعالى: (وَالْعَصْرِ) هذا قسم من الله تعالى بـ (العصر). و(العصر):
    1) قيل: هو مطلق الدهر، يعني: الزمان.
    2) وقيل: هو ما بعد الزوال، الذي هو وقت العشي.
    3) وقيل: إن المراد الصلاة نفسها، صلاة العصر.
    والأولى حمل هذه المعاني على أولها، وهو الدهر؛ إذ أن ذلك يشمل ما بعد الزوال، وهو وقت العشي، ووقت صلاة العصر، والليل، والنهار، بمعنى أن الله - سبحانه وتعالى - أقسم بالعصر، الذي هو ظرف الأعمال، صالحها، وسيئها، والذي يترتب عليه إما النجاة، وإما الخسار، فمن المناسب جدًا، أن يقسم الله تعالى بالزمن، الذي هو مضمار الأعمال، وظرفها، لعظيم خطره.
    وبمقدار عقل الإنسان، وإيمانه، يكون اهتمامه بالوقت، قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) [البخاري:( 6412)، من حديث ابن عباس] فكثير من الناس يغبن في صحته، وفي فراغه، فيمضي عليه العمر سبهللا، فلا يبالي، وهو في حال الصحة والفراغ، فإذا ما مرض، أو شغل، تمنى أن لو كان صحيحاً، فارغًا، وهذا هو الغبن الحقيقي.
    وقد كان السلف الصالح - رحمهم الله- يعتنون بأوقاتهم غاية العناية، يحسبون الدقائق، والثواني، حتى حفظ عن بعضهم العجب:
    فقد ذكر عن المجد ابن تيمية - رحمه الله -: أنه كان يضن بوقته، حتى إنه كان إذا دخل بيت الخلاء، أمر قارئا أن يقرأ، من وراء الحائط، حتى لا يذهب عليه شيء من وقته، دون فائدة.
    ويذكر أن الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: كان يضن بوقته، فكان إذا حضره بعض أصحابه، الذين يتشاغلون بالأحاديث الدنيوية، ومجريات الحياة اليومية، يخصص للبقاء معهم، على أوراقاً يقطعها، ويرتبها، ويعدها لكتابته، ولا يدع مجلس أصحابه.
    فبمقدار ما يشعر المؤمن، باليوم الآخر، وتقوم في قلبه حقائق الإيمان، يشعر بأهمية الوقت، وإذا ضعف ذلك صار الوقت عنده أرخص ما يكون، حتى أنك تجد بعضهم يقول: "نقتل الوقت"، سبحان الله وهل الوقت يقتل؟!، الوقت أغلى الأثمان، وفي هؤلاء يقول الشاعر:
    والوقت أعظم ما عنيت بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيع
    (إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) هذا جواب القسم. والمقصود: جنس الإنسان. ووقعت اللام في جواب القسم، للتأكيد. والمعنى: أن الإنسان في نقص وهلاك؛ لأن في طبعه قصور، وتقصير، يستغلهما، الشيطان، والنفس، والهوى، وغير ذلك من المؤثرات، فتفضي به إلى الهلاك. فالأصل في الإنسان أن يؤول إلى خسار، إلا ما استثني. والمستثنى أقل من المستثنى منه، فلهذا قال تعالى، في مواضع:
    (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13]، (وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) [ص:24]، وقال عن إبليس (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83].
    فتجد أن المستثنى هم أهل الإيمان، مما يدل على أن الكثرة الكاثرة، تؤول إلى الخسار، والبوار، ويشهد لذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم – عند وصفه يوم القيامة، لأصحابه ، فقال: "ذَاكَ يَوْمٌ يُنَادِي اللَّهُ فِيهِ آدَمَ، فَيُنَادِيهِ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا آدَمُ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ، فَيَقُولُ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُ مِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ " [رواه الترمذي(3169)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي]
    (إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا): أي صدقوا بقلوبهم، وأيقنوا بخبر الله، وخبر رسوله، - صلى الله عليه وسلم -؛ كما قال ربنا - عز وجل -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا). فأصل الإيمان: التصديق المستلزم للقبول، والإقرار، والإذعان، والرضا. ولهذا ينبغي للعاقل قبل أن يشتغل بإصلاح الظاهر، والعناية بالسنن، والنوافل، أن يصلح قلبه، وأن يتعاهده، فإذا صلح قلبه، انقادت جوارحه، واستسهلت كل عمل صعب، بل وتلذذت به، كما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم -: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ: صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ: فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ: الْقَلْبُ) [متفق عليه، واللفظ للبخاري]
    ثم عطف عليه ما هو من لوازمه، التي لا تنفك عنه، ولا تتم إلا به، فقال:
    (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني: أنهم لم يقتصروا على الإيمان القلبي، بل اتبعوا ذلك بالعمل الصالح. و(الصَّالِحَاتِ): ما شرعه الله تعالى على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -، من الأقوال، والأعمال، فكل ذلك صالح.
    ومسألة الإيمان مسألة كبيرة:
    فالإيمان عند أهل السنة والجماعة: حقيقة مركبة من القول، والعمل. فالإيمان: قول القلب، واللسان، وعمل القلب، واللسان، والجوارح. ويرون أنه لا انفكاك بين العمل، والتصديق، وأن من زعم وجود تصديق في القلب لا يستلزم عملاً، فهو مخطئ.
    وأما من سواهم، فإنهم أرجئوا العمل عن مسمى الإيمان، ولذلك سموا مرجئة؛ يعني أخروا العمل، وأخرجوه عن حقيقة الإيمان، وحده، وتعريفه.
    وهؤلاء المرجئة على ثلاثة طبقات:
    1) فمنهم -وهم أشدهم –: [الجهمية]، المنسوبون إلى جهم بن صفوان السمرقندي، الذين يقولون: إن الإيمان هو "معرفة القلب"، وربما عبر بعضهم فقال: "تصديق القلب". فيلزم من ذلك إثبات الإيمان للمشركين، واليهود، والنصارى، بل وفرعون، بل وإبليس!
    2) الطائفة الثانية من المرجئة: [الكرامية] المنسوبون إلى محمد بن كرام السجستاني، الذين يقولون: "إن الإيمان هو قول اللسان". فيلزم على قولهم وصف المنافقين بالإيمان! ؛ وقد قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [المنافقون:1]، فكيف يجرؤون على تسمية من قال بلسانه فقط مؤمنا، والله قد أكذبه،
    3) الطائفة الثالثة من المرجئة: [مرجئة الفقهاء]، أصحاب أبي حنيفة، وشيخه حماد بن سليمان، وفقهاء الكوفة، وعبادها، الذين يقولون: "الإيمان: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، أو إقرار بالجنان، يعني بالقلب". فجعلوا الإيمان ركنين: اعتقاد القلب، وقول اللسان، ولكنهم أخرجوا الأعمال عن مسمى الإيمان، إلا أنهم قالوا إنه من ثمراته، وأن المطيع: محمود في الدنيا، مثاب في الآخرة، وأن العاصي: مذموم في الدنيا، مستحق للعقاب في الآخرة، ولم يخرجوا مرتكب الكبيرة عن حد الإيمان. ولهذا قال من قال: "إن الخلاف بين مرجئة الفقهاء، وأهل السنة، خلاف لفظي" صوري، والصحيح: أن منه ما هو حقيقي، ومنه ما هو صوري.
    فالحق أن الإيمان لابد معه من العمل، فإن قال قائل: إذاً لماذا عطف الله العمل على الإيمان في هذه الآية، وغيرها، والعطف يقتضي المغايرة؟ ، فدل ذلك على أن العمل ليس داخلاً في مسمى الإيمان. وهذا من أشهر حجج المرجئة.
    فعن ذلك جوابان :
    الجواب الأول: أن يقال أن هذا من باب عطف الخاص على العام، كما لو قلت: "جاء الطلبة ومحمد"، مع أن محمداً من الطلبة. فيكون من باب عطف الخاص على العام.
    الجواب الثاني: أن يقال إن هذا من باب اختلاف المعني: عند الاقتران، وعند الافتراق. فيكون للفظ الواحد معنيان: معنى إذا اقترن بغيره، ومعنى إذا انفرد. فالإيمان عند الانفراد يشمل الاعتقاد، والعمل. وعند الاقتران مع العمل: يختص بالاعتقاد. كما في حديث جبريل لما سأل عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، والإيمان بالعقائد الباطنة. ونظائر ذلك في اللغة والاصطلاح، كثير، كما في لفظ "الفقير" و"المسكين"، و"التوبة" و"الاستغفار"،"والبر" و"التقوى"، و"الإثم" و"العدوان".
    (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ): صيغة مفاعلة، أي: أنها تقع من الطرفين، فيوصي بعضهم بعضًا بالحق الذي جاء عن الله، ورسوله، ويحض بعضهم بعضًا على التمسك به. ولهذا جاء في بعض التفاسير أن (الحق) هو: كتاب الله،
    (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ): الصبر: في أصل اللغة: هو الحبس. وأنواعه ثلاثة:
    1) الصبر على طاعة الله،
    2) والصبر عن معصية الله،
    3) والصبر على أقدار الله المؤلمة.
    وهو من أعلى مراتب الدين، وورد ذكره في القرآن في نحو تسعين موضعاً. وجاء في الأثر " أن منزلة الصبر من الدين، كمنزلة الرأس من الجسد". وهو من أمهات الأخلاق، وأصولها.
    والتواصي بين أهل الإسلام، في هذه الأزمان، وللأسف، أندر من الكبريت الأحمر - كما يقال -، قل أن يتواصى الناس فيما بينهم، بل إنه يبلغ الحال عند بعض الناس، أن يغض بعضهم الطرف عن خطأ الآخر، حتى لا يقابله بالمثل!، وهذا علامة خذلان. والواجب على أهل الإيمان أن يتناصحوا، وأن يتواصوا كما أمر الله - سبحانه وتعالى، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان، والمؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى. ولو أن كل أحد صمت عن خطأ أخيه، لضاعت السنن، ووقع التساهل. لكن إذا قرعت سمع الإنسان نصيحة أخيه، فربما يندهش لأول وهلة، ويزعجه ذلك، لكنه يحمد العاقبة.
    فلو تأملنا في هذه الخصال الأربع، التي ذكر الله تعالى، لوجدناها أسباب النجاة، والفلاح، والفوز:
    1) إيمان يباشر القلب، ويرسخ فيه،
    2) عمل صالح باللسان، والجوارح، يصدقه.
    3) تواص بين المؤمنين بالحق، يثبته.
    4) تواص بينهم بالصبر، يقويه.
    ولو اختل شيء من هذه الأربعة، لوقع الاضطراب، والخلل، فلو فسد أصله، لفسد باقيه، وفرعه، ولو وجد معرفة لا يقترن بها عمل، لما كان ذلك تصديقا بحق، ولو وجد تصديق، وعمل، لكن بلا تواصٍ بالحق، ولا تواصٍ بالصبر، لنشأ عن ذلك ملل، وفتور، وضعف، وقصور. فلهذا كانت هذه السورة حجة من الله، على عباده، ولو لم ينزل الله - سبحانه وتعالى - حجة سواها، لكفتهم، كما قال الشافعي، وإنما أراد الشافعي - رحمه الله - الأصول الكبار، وإلا فإنه لا غنى للعباد عن معرفة التفاصيل.
    الفوائد المستنبطة
    الفائدة الأولى: أهمية الوقت، وأنه مضمار الأعمال، التي يترتب عليها الثواب، والعقاب.
    الفائدة الثانية: أن الأصل في الإنسان حصول الخسار، بسبب القصور، والتقصير المفضي إلى الهلاك، أما القصور: فإنه طبعي، وأما التقصير: فإنه كسبي، ولا يكاد أحد ينفك من هذين الوصفين إلا من رحم الله.
    الفائدة الثالثة: بيان أركان الفوز، والنجاة، وهي الخصال الأربعة المذكورة.
    الفائدة الرابعة: أن الإيمان أصل الدين، يعني ما يقوم في القلب، من العقائد الصحيحة، والمعارف النافعة، المصحوبة بالقبول، والرضا، والإذعان.
    الفائدة الخامسة: أن العمل داخل في حقيقة الإيمان، ومسماه، فلا يتحقق بدونه.
    الفائدة السادسة: أهمية التواصي بالحق، والصبر، بين أهل الإيمان.
    الفائدة السابعة: عظم منزلة الصبر من الدين.

    العقيدة والحياة

    قال الحسن البصري - رحمه الله :
    استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
    [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


    تعليق


    • #47
      رد: التفسير العقدي لسورة العصر

      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا وبارك في جهودكم


      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق


      • #48
        رد: التفسير العقدي لسورة العصر

        المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا وبارك في جهودكم

        اللهم آمين
        وأنتم من أهل الجزاء أختنا الفاضلة
        وفقكم الله لما يُحِب ويرضى


        قال الحسن البصري - رحمه الله :
        استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
        [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


        تعليق


        • #49
          التفسير العقدي لسورة الزلزلة

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

          التفسير العقدي لسورة الزلزلة

          بقلم فضيلة الشيخ أ/ د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
          أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
          بسم الله الرحمن الرحيم
          (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4)
          بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)
          وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)
          )
          إن سورة الزلزلة مع السور الثلاثة التالية لها( العاديات – القارعة – التكاثر ) تكاد أن تكون موضوعاتها متقاربة؛ إذ أنها تتكلم عن البعث، وهي قضية يركز عليه القرآن المكي، وتبدو أهميتها في باب الإيمان بالله - عز وجل -، أو في باب الإيمان عموما على درجة كبيرة؛ ذلك أن الإيمان باليوم الآخر هو الذي يضبط العمل، ويحمل الإنسان على التقوى، ويحجزه عن غشيان محارم الله تعالى.
          مقصد السورة:
          سورة (الزلزلة) مقصدها العام هو: تقرير الإيمان باليوم الآخر وما يتضمنه
          (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا):
          (إِذَا) هذه ظرفية
          (زُلْزِلَتِ) أي: حركت تحريكا شديدا، ورجت، كما قال في الآية الأخرى (رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) فالزلزلة هي التحريك الشديد؛ بدليل قوله (زلزالها)، وكأن هذا أمر معروف بَيِّن، فعرفه بالإضافة إليها (زلزالها)
          (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) وذلك أنه في يوم القيامة يقع تغيرات كونية، فمن ذلك: أن الأرض تبدل غير الأرض، فهذه الأرض الممتدة الساكنة يقع لها اهتزاز عظيم، حتى أنه تبدل الأرض غير الأرض، وتعود الأرض وليس فيها معلم لأحد، لا جبل يشرف عليه، ولا وادي يكن من فيه، ولكن تعود كالقرصة، كالخبزة، أرض لم يسفك عليها دم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وتُمدُّ مدَّ الأديمِ)
          لراوي: عبدالله بن مسعود المحدث: أحمد شاكر - المصدر: عمدة التفسير - الصفحة أو الرقم: 2/84 خلاصة حكم المحدث: [أشار في المقدمة إلى صحته]
          وذلك لكي تتسع للمحشر العظيم.
          (وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) الأرض هي التي ذكرت قبل قليل
          وما أثقالها؟ أي: ما في بطنها من الموتى المقبورين.
          وعبر بعض المفسرين بقولهم: كنوزها ونحو ذلك، ولكن المقصود هو ما في بطنها من المقبورين؛ إذ أن المقصود ها هنا هو إثبات البعث، ولا شك أن الأرض قد امتلأت بالقبور، والأجداث، كما قال المعري:
          رب قبر قد صـار قبرا مرارا ضاحكا من تزاحم الأضداد
          سر إن استعط في الهواء رويدا لا اختيالا على رفات العباد
          إلى أخر ما قال.
          فلا شك أن هذه الأرض من لدن آدم - عليه السلام - إلى يومنا هذا إلى من يموت من آخر الناس يملئون جوفها، فهي بمنزلة الأم لهم، ثم هي يوم القيامة تلفظ ما فيها، وتخرج ما في رحمها، فمن كان في بطنها خرج على ظهرها.
          (وَقَالَ الْإِنْسَانُ) من الإنسان ها هنا؟
          - يحتمل أن يكون جنس الإنسان.
          - ويحتمل أن يكون المكذب والمنكر بالبعث؛ وربما يؤيد هذا الثاني كون هذا الاستفهام استفهام إنكاري (وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا) فهذا الاستنكار إنما يقع من الكفار؛ كما أخبر الله - سبحانه وتعالى – بقوله: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ(51) قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) فهذا التعجب والاستنكار منهم يؤيد أن المراد بالإنسان ها هنا منكر البعث على وجه الخصوص
          (مَا لَهَا) يعني: ما الذي جرى لها؟ ماذا حل بها؟
          (يَوْمَئِذٍ) أي: في ذلك اليوم الموصوف.
          (تُحَدِّثُ) أي: الأرض هي التي تحدث، كيف ذلك؟ انطقها الله الذي انطق كل شيء؛ فإن الله - سبحانه وتعالى - قادر على إنطاق الجماد، وقادر على إنطاق أعضاء الإنسان يوم القيامة (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) فالله على كل شيء قدير، فمن قدرته أن تخبر هذه الأرض بما عمل عليها من خير أو شر
          (تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) أي تخبر بما عمل عليها من خير أو شر.
          (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) الباء هنا للسببية، والتقدير: لأن رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، أو بسبب أن رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا.
          والمقصود بـ (أَوْحَى لَهَا) يعني: أعلمها، وأمرها بالتحديث.
          ***وقد ورد في ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - قَالَ : قرأ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا } [ الزلزلة : 4 ] ثُمَّ قَالَ : ((أتَدْرونَ مَا أخْبَارهَا )) ؟ قالوا : الله وَرَسُولُهُ أعْلَمُ . قَالَ : (( فإنَّ أخْبَارَهَا أنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلّ عَبْدٍ أَوْ أمَةٍ بما عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا تَقُولُ : عَملْتَ كَذَا وكَذَا في يَومِ كَذَا وكَذَا فَهذِهِ أخْبَارُهَا )) [رواه أحمد (8854) والترمذي (2429) وغيرهما]، إلا أن هذا الحديث قد ضعفه بعض العلماء ومنهم الألباني - رحمه الله –
          وقد جاءت أيضا أثارا أخرى في أن البقاع تشهد لمن مر عليها، أو عمل عليها عملا.
          وهذه الآية أصلا لرأسه في أن الأرض تحدث وتخبر بما جرى على ظهرها، وهي من شهود الله.
          فإن شهود الله كثر:
          - فمما يقيم الله تعالى به الحجة على الظالم وعلى الكافر: أن تشهد عليه الملائكة الكرام، (بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ
          - ومن إقامة الله الحجة: أن تشهد عليهم جوارحهم؛ كما جاء في حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَضَحِكَ ، فَقَالَ : هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ ؟ قَالَ : قُلْنَا : اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ، يَقُولُ : يَا رَبِّ ، أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ ؟ قَالَ : يَقُولُ : بَلَى ، قَالَ : فَيَقُولُ : فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلاَّ شَاهِدًا مِنِّي ، قَالَ : فَيَقُولُ : كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا ، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا ، قَالَ : فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ ، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ : انْطِقِى ، قَالَ : فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ ، قَالَ : ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ ، قَالَ : فَيَقُولُ : بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا ، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ.
          [رواه مسلم: 2969 ] فهذا سبب ضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -
          -ومن شهود الله تعالى: هذه الأرض، فإنها تشهد أيضا بما عمل على ظهرها؛ فحجة الله بالغة
          (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ) (يَصْدُرُ) أي: ينصرف، ويرجع. فالناس يصدرون من موقف الحساب، بمعنى أنهم ينصرفون إلى مآلاتهم
          (أَشْتَاتًا) أي: متفرقين بحسب ما أسلفوا من العمل، فهم ليسوا على نسق واحد، ولا يساقون مساقا واحدا، بل لكل وجه ولكل طريق
          (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) أي:
          - لِيُرَوْا نتائج وجزاء أعمالهم؛ لأنه بعد صدورهم يكون قد قضي بينهم (فريق في الجنة وفريق في السعير)، وهذا الراجح في المعنى المراد.
          - ويحتمل أن يكون أن يكون المعنى: لكي يروا ما قدموا من خير، أو شر، ويجازوا عليه، فتشمل: رؤية العمل، والمجازاة عليه. تشمل رؤية العمل بمعنى: أن الله يوقفهم عليه، والمجازاة عليه
          وربما يؤيد الأول أنه جعلها بعد قوله: (يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا)؛ فصدورهم هذا يكون بعد أن أروا أعمالهم، فبقي أن يروا جزاء أعمالهم.
          (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ):
          (الفاء) للتفريع.
          والمقصود بـ (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) يعني: وزن ذرة، والذرة: هي النملة الصغيرة، ويضرب بها المثل في دقة الشيء، وحقارته، وصغره.
          وهذا هو الذي تفهمه العرب من لغتها، ودعك من قوم أرادوا أن يحملوا القرآن على غير مراده، فزعموا أن الذرة هنا هي الذرة المعروفة في علم الفيزياء الآن، (الذرة الفيزيائية) فإن هذا لم يكن معروفا عند المخاطبين، ولا يمكن أن يخاطب الله الناس بغير ما يعلمون، وهم إنما قالوا ذلك؛ لأنهم لاحظوا أن هذه الذرة التي عند (الفيزيائيين) هي أصغر ما يكون.
          إذا الحساب على مثاقيل الذر، وهذا يدل على أن كل ما يصدر من الإنسان من خير، أو شر، فهو محفوظ كما قال قائلهم (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) فهناك دقة في الإحصاء وعدل في الأحكام
          الفوائد المستنبطة
          الفائدة الأولى: هول يوم القيامة، وانقلاب الأرض.
          الفائدة الثانية: إثبات البعث.
          الفائدة الثالثة: مفاجئة منكري البعث - أجارنا الله وإياكم من هذه الفجئة -؛ قارنوا بين هذين القولين:
          - قول من يقول (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا)
          - وبين من يقول (هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)
          الأول: مدهوش، مفزوع، مصدوم، مفجوء.
          والثاني: مطمئن، مصدق، مستوعب لما جرى.
          الفائدة الرابعة: قدرة الله على إنطاق كل شيء، وهذا رد على هؤلاء المادين والعقلانيين، الذين حجروا عقولهم في الشيء المادي المحسوس، الذي يقع تحت الحواس، ولا تتسع أفاقهم، لأن يخلف الله تعالى هذه السنن، ويجري الأمور على غير النسق الذي هو عليه.
          الفائدة الخامسة: إثبات الجزاء
          الفائدة السادسة: كمال عدل الله، وإحاطته، وإحصائه؛ حيث انه لم يترك صغيرة، ولا كبيرة، من خير، أو شر، إلا أحصاها، وأحاط بها، وجازى عليها بالعدل.

          العقيدة والحياة
          __________________________

          هامش: ***هذا الحديث له رواية أخرى: "للتوضيح"
          "قَرَأَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ هذه الآيَةَ : يَومَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَهَا قال : أتَدْرُون ما أخبارُها ؟ قالُوا : اللهُ ورسولُه أعلَمُ . قال : فإِنَّ أخبارَها أنْ تَشهدَ على كلِّ عبدٍ وأمَةٍ بِما عَمِلَ على ظَهرِها ، تَقولُ : عَمِلَ يومَ كذا ، كَذا وكذا ، فهذِهِ أخبارُها"
          الراوي: أبو هريرة المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 3353
          خلاصة حكم المحدث: حسن صحيح



          التعديل الأخير تم بواسطة بذور الزهور; الساعة 15-02-2014, 08:55 PM. سبب آخر: مراجعة حديث

          قال الحسن البصري - رحمه الله :
          استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
          [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


          تعليق


          • #50
            رد: التفسير العقدي لسورة الزلزلة

            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا وجعله في ميزان حسناتكم
            وجزى الشيخ عنا خير الجزاء


            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
            وتولني فيمن توليت"

            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

            تعليق


            • #51
              رد: التفسير العقدي لسورة الزلزلة

              المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاكم الله خيرًا وجعله في ميزان حسناتكم
              وجزى الشيخ عنا خير الجزاء

              اللهم آمين
              وأنتم من أهل الجزاء أختنا الفاضلة
              وفقكم الله لما يُحِب ويرضى


              قال الحسن البصري - رحمه الله :
              استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
              [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


              تعليق


              • #52
                رد: التفسير العقدي لسورة الزلزلة

                جميل جدا اخي شكرا لك

                تعليق


                • #53
                  رد: التفسير العقدي لسورة الزلزلة

                  المشاركة الأصلية بواسطة الباحت الرشيدي مشاهدة المشاركة
                  جميل جدا اخي شكرا لك
                  جزاك الله خيراً أخي الباحث الرشيدي
                  نسأل الله الإخلاص والقَبول
                  وفقك الله لما يُحِب ويرضى


                  قال الحسن البصري - رحمه الله :
                  استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                  [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                  تعليق


                  • #54
                    التفسير العقدي لسورة الشرح

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

                    التفسير العقدي لسورة الشرح

                    بقلم د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
                    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
                    بسم الله الرحمن الرحيم
                    (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)
                    فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
                    )
                    * من مقاصد هذه السورة المباركة:
                    - بيان منة الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -.
                    - وجوب شكر المنعم.
                    (ألم): هذا الاستفهام: استفهام تقريري، تقديره: "شرحنا لك صدرك"
                    (نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ): الشرح : هو التوسعة، كما قال الله - عز وجل -: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)، وفي الآية الأخرى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ).
                    والمقصود بالشرح هنا، الشرح المعنوي، كما في الآيتين السابقتين.
                    ويحتمل أن يشمل الشرح الحسي، أي فلق ألأضلاع، كما في حادثة شق الصدر ،
                    فقد روى ابن إسحاق، بسنده عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا له : أخبرنا عن نفسك، قال: (نعم! أنا دعوة أبي إبراهيم، و بشرى عيسى عليهما السلام، و رأت أمي، حين حملت بي، أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا في ُبهمٍ لنا، أتاني رجلان، عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجاً، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي، فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء، فألقياها، ثم غسلا قلبي، وبطني، بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه، رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته، فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزنني بمائة فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم). قال الحافظ ابن كثير في " البداية والنهاية " ( 2 / 275 ):"وهذا إسناد جيد قوي".
                    وروى مسلم، وأحمد، عن أنس أيضاً، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل و هو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، واستخرج القلب، و استخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه، ثم أعاده في مكانه. و جاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمداً قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: و قد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره).
                    لكن المقصود الأعظم: الشرح المعنوي؛ وذلك أن الله – تعالى – امتن على نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن جعل صدره متسعاً، أريحيا، مستوعباً لكل ما يرد عليه من أمور العلم، والإيمان، والأخلاق. وشرح الصدر أمر يتفاوت فيه الناس، فيقال: فلان ما أوسع صدره!، يعني يحتمل، ولا ينفعل. وفلان ضيق الصدر، لكونه سريع الانفعال، لا يصبر. فلنبينا - صلى الله عليه وسلم - من شرح الصدر، القدر الأعظم، الذي حصل به قبول خصال الإيمان، وإدراك العلم، والتحلي بالأخلاق الكريمة، التي وسع بها الناس، على اختلاف فئاتهم، وطبقاتهم.
                    (وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ): هذه المنة الثانية؛ أي: حططنا عنك وزرك. والوزر هو: الذنب، والإثم، وكل ما يهمه، ويغمه، ويثقله. والنبي صلى الله عليه وسلم بشر، يلحقه الذنب. فقد قال الله - تعالى - في سورة (الفتح): (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا . لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)، وقال في سورة (محمد): (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ). فالصحيح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ربما وقع منه الخطأ، والذنب؛ وذلك لبشريته. وهكذا القول في جميع أنبياء الله.
                    لكن فرق ما بين الأنبياء، وغيرهم، من جهتين:
                    أولا: أن الله – تعالى - يغفر لهم الذنوب.
                    ثانيا: أن الله – تعالى - لا يقرهم على الخطأ.
                    بينما غير الأنبياء: قد يغفر لهم، وقد لا يغفر. وإذا أخطئوا، لا ينزل وحي ينبههم على أخطائهم. وهذا هو المعنى الصحيح لعصمة الأنبياء. فأنبياء الله - تعالى - وعلى رأسهم نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - معصومون في باب التحمل، والبلاغ؛ فهم إذا تحملوا عن الله، وأدوا إلى عباد الله، معصومون، لا يمكن أن يُدرج، أو يدخل فيما يبلغونه عن الله - عز وجل – شيء سواه؛ لا من قبل أنفسهم، ولا من قبل غيرهم. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)، وقال الله تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) أي لا يحمله غضب، ولا انفعال، ولا حمية، ولا رغبة، ولا رهبة، أن يقول في دين الله ما ليس منه. فلا يخرج من فكيه إلا الحق.
                    كما أنه لا يدرج فيه، ولا يدخل، شيء من قِبَل غيرهم، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يعني ما أرسل الله – تعالى - قبل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - من رسول، ولا نبي، إلا إذا تلا ما أوحي إليه، حاول الشيطان أن يدخل في قراءته ما ليس منها، لكن الله يمحو، ويزيل إلقاء الشيطان، وينفيه، ويحكم آياته، فلا يختلط بها شيء ليس منها، والله عليم حكيم.
                    حتى حين سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في صحيح البخاري، لم يكن ذلك السحر مؤثراً في تبليغه، وإنما كان مؤثراً في مجريات حياته، فيظن أنه قد فعل الشيء، ولم يفعله، ونحو ذلك. أما جانب التشريع، والوحي فمحفوظ. قال الله تعالى (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
                    وأما الكبائر: فإن أنبياء الله معصومون منها، وأما الصغائر، والخطأ: فجمهور العلماء على أنها تجوز في حقهم. ولهذا أمثلة كثيرة:
                    -منها: نسيان آدم - عليه السلام - (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا).
                    -ومنها: سؤال نوح ربه بقوله: (ابْنِي مِنْ أَهْلِي).
                    -ومنها: أن موسى - عليه السلام - وكز القبطي، قال تعالى: (فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ولكنه لم يرد قتله؛ لأن القتل كبيرة، وإنما وكز هذا القبطي؛ حمية، ونصرة، للإسرائيلي الضعيف.
                    -ومنها: أن ذا النون خرج مغاضبا.
                    -ومنها: أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في مسألة الأسرى، مال إلى الفداء، حتى أنزل الله تعالى عليه: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
                    -وفي قصة الأعمى: (عبس وتولى أن جاءه الأعمى).
                    -وفي قصة التحريم، حينما حرم على نفسه شيئا من المباح : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
                    -وقد استدرك الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - في غزوة (تبوك) بقوله: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ).
                    -ونهاه الله أن يصلى على المنافقين: (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)
                    والمقصود أنه ربما وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن غيره من الأنبياء، ما يستدرك، من ذنب، أو الخطأ،
                    لكن العصمة تكون من جهتين؛ أولا: أن ذنبهم مغفور. وثانيا: أن خطئهم لا يقرون عليه، بل ينبهون عليه. وهذا هو القول الفاصل في مسألة العصمة .
                    واعلموا أن بعض المتكلفين، ظنوا أنه لا يجوز أن ينسب إلى نبي أي خطأ بشري، فقالوا في قوله تعالى (ولقد هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا): همت به تريده على الفجور، وهم بها يضربها! وهذا من التكلف. والحقيقة، أنه قام عنده ما يقوم عند بني آدم، من الشهوة الغريزية، لكن إيمانه رده إلى الجادة، كما قال تعالى: (لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ)، فهذه منقبة له. لكن بوصفه بشر يمكن أن يقع في قلبه، ما يقع في قلوب بني آدم.
                    وكذلك تكلفوا في قوله تعالى: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ):
                    - فقال بعضهم: ذنب أبيك آدم.
                    - وقال بعضهم: ذنب أمتك.
                    فمن قال ذنب أبيك آدم، فقد ضاهى قول النصارى في الخطيئة، أن البشر مدينون بخطيئة آدم! وقد قال الله تعالى: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى).
                    وأما من قال: ذنوب أمتك، فقد غفل عن قوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) فَفَرَّقَ بين ذنبه، وذنوب المؤمنين، والمؤمنات. لكن نقول - كما قال الله - إنه ذنب، لكنه ذنب مغفور، وخطأ لا يقر عليه.
                    (الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ): يعني أثقل، وأكهل. ذلك أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - لشفافيته الإيمانية، تكون هذه الذنوب، وإن صغرت، ثقيلة جداً على نفسه، لكماله الإنساني، والإيماني.
                    (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ): بقرن اسمك مع اسم الله، في الأذان، والخطبة، والتشهد. فلا يكاد يذكر اسم الله - عز وجل - إلا ويقرن به ذكر نبيه - صلى الله عليه وسلم – كما يقول المؤذن: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد رسول الله) وكذلك الخطيب، وغيرهما. فلا تكاد تجد قرية، ولا بلدة، فضلا عن المدن، والحواضر، في أرجاء الأرض، وقاراتها المختلفة، إلا وذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلجل على المنابر، وفي المنائر، وفي المناسبات.
                    (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (العسر) هو: الشدة، و(اليسر) هو: الفرج والسهولة.
                    (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) فائدة هذا التكرار، المعنى المذكور حديث (لن يغلب عسر يسرين) إلا إنه أعلَّ بالإرسال. وصح عن عمر، وعلي، رضي الله عنهما.
                    فهذه الآية وقعها في النفوس وقع حميد، فهي كالبلسم للجروح، فكلما وقع الإنسان في ضائقة، وذكر قول الله تعالى (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) سري عنه. فما من شدة إلا سيأتي لها من بعد شدتها رخاء، وما من عسر في هذه الدنيا وإلا يكتنفه يسر. فلا تيأس، ولا تحبط، ولا يضق صدرك، فإن الله - سبحانه وتعالى - له نفحات تخفف هذه السحابة، فعما قليل تقشع. فاصبر.
                    (فَإِذَا فَرَغْتَ) اختلفت عبارات المفسرين في ذلك:
                    -فقيل: فإذا فرغت من صلاتك.
                    -وقيل: فإذا فرغت من جهاد عدوك. وكأن هذا لا يستقيم، والسورة مكية.
                    -وقيل: فإذا فرغت أي: من أمور دنياك
                    والأولى ما ذهب إليه ابن جرير الطبري - رحمه الله - من حمل الآية على العموم، وأن المقصود إذا فرغت من كل ما يشغلك، من أمر دينك، ودنياك. والمقصود بأمر دينك، الولايات اللازمة، والوظائف الراتبة.
                    (فَانْصَبْ): أي: اتعب في عبادة ربك، ودعائه، ففي هذا أمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوفر على طاعة الله، كلما أمكنه ذلك، وقد كان، فإنه سيد الذاكرين، وإمام المتعبدين.
                    (وَإِلَى رَبِّكَ): قدم الجار والمجرور؛ لكي يحصل به الاختصاص، والحصر.
                    (فَارْغَبْ): اطلب، وتضرع.
                    الفوائد المستنبطة
                    §الفائدة الأولى: انشراح صدر النبي - صلى الله عليه وسلم – بالإسلام، علما ودعوة، وخلقا. وهكذا ينبغي أن يكون الداعي إلى دينه.
                    §الفائدة الثانية: مغفرة ذنبه - صلى الله عليه وسلم -، ووضع جميع ما يثقله.
                    §الفائدة الثالثة: إمكان وقوع الذنب منه - صلى الله عليه وسلم -، وأن ذلك لا ينافي العصمة.
                    §الفائدة الرابعة: تحقق وعد الله - تعالى - برفع ذكر نبيه في الخافقين.
                    §الفائدة الخامسة: لطف الله تعالى الظاهر، والخفي. فاللطف الظاهر: هو ما تدركه من الأمور، والحوادث، التي يخفف الله تعالى عنك بها المصاب، ويجلب لك الرحمة.
                    واللطف الخفي: هو مالا تدركه من الأمور التي يقضيها الله تعالى، ولا تشعر بها. فاشكر الله على لطفه الظاهر، والخفي. ولذلك كان من أسماء الله الحسنى (اللطيف). واللطف هو ما دق، وخفي.
                    §الفائدة السادسة: الأمر بالاشتغال بعبادة الله تعالى، والاجتهاد في ذلك.
                    §الفائدة السابعة: الأمر بالرغبة إليه سبحانه. ومقام الرغبة: أن تطلب الرب، وتضرع إليه، وتتوجه نحوه.
                    §الفائدة الثامنة: فائدة أصولية وهي: أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطاب لجميع الأمة، ما لم يرد دليل على التخصيص. وذلك في قوله (فإذا فرغت فانصب* وإلى ربك فارغب) فلا يقال هذا من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -فالأصل أن ما أمر الله تعالى به نبيه ينسحب على عموم الأمة، كما في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ). إلا أن يرد مخصص، كما في قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ).

                    العقيدة والحياة

                    قال الحسن البصري - رحمه الله :
                    استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                    [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                    تعليق


                    • #55
                      رد: التفسير العقدي لسورة الشرح

                      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                      جزاكم الله خيرًا وبارك في جهودكم


                      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                      وتولني فيمن توليت"

                      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                      تعليق


                      • #56
                        رد: التفسير العقدي لسورة الشرح

                        المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
                        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خيرًا وبارك في جهودكم

                        وأنتم من أهل الجزاء أختنا الفاضلة
                        وفقكم الله لما يُحِب ويرضى


                        قال الحسن البصري - رحمه الله :
                        استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                        [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                        تعليق


                        • #57
                          التفسير العقدي سورة القدر

                          السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

                          التفسير العقدي سورة القدر


                          بقلم فضيلة الشيخ أ.د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي
                          أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
                          بسم الله الرحمن الرحيم
                          (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)
                          تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ
                          (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5))
                          سورة (القدر): سورة مكية.
                          سميت بهذا الاسم: نسبة إلى ذكر الليلة المباركة، (ليلة القدر).
                          ولهذه السورة مقصدان :
                          - أحدهما: الإيمان بالقرآن، بوصفه كلام الله. وهو أمر كان ينازع فيه كفار قريش، وكفار العرب، ويأبون التصديق بأن هذا الكلام الذي يأتي به محمد - صلى الله عليه وسلم - من عند الله! ويزعمون أنه كهانة، أو أنه أساطير الأولين، أو أنه من كلام بعض أهل الكتاب، ألقاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو غير ذلك من الدعاوى، فجاءت هذه السورة لتبين مصدر هذا القرآن، وأنه من عند الله.
                          - أما المقصد الثاني: فهو شرف هذه الليلة العظيمة، (ليلة القدر).
                          (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (إِنَّا) هذا ضمير للدلالة على الله - عز وجل -، أتى بصيغة الجمع، للتعظيم، فإن من شأن العظيم أن يعبر عن نفسه بصيغة الجمع، كما يقع من بعض سلاطين الدنيا، يقول: "نحن" و "أمرنا" و "نهينا" و "قضينا" و "رسمنا" وغير ذلك، وهو شخص واحد. فالله - سبحانه وتعالى - أحق بالتعظيم، فلذلك يقول عن نفسه – سبحانه - (إِنَّا).
                          (أَنْزَلْنَاهُ) ولم يصرح بذلك المبهم، وذلك لمزيد تعظيمه، وإجلاله، وهو القرآن.
                          وهل المراد أن الله - سبحانه وتعالى - أنزل القرآن جملة واحدة، في ليلة القدر؟ أم المراد ابتدأ تنزيله؟ قولان للعلماء:
                          -فمنهم من قال: إن المراد: ابتداء تنزيله؛ لأن القرآن العظيم لم ينزل جملة واحدة؛ بل نزل منجمًا، حتى إن المشركين احتجوا وشبهوا وقالوا:(لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً)، فرد الله تعالى عليهم بقوله: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).
                          -والقول الثاني: أنه أنزل إلى السماء الدنيا، من اللوح المحفوظ، جملة واحدة، وأن في السماء الدنيا بيت يقال له "بيت العزة"، أنزل الله فيه القرآن جملة واحدة، ليلة القدر، ثم صار ينزل منجما، على حسب الوقائع، على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم -.
                          وعند التأمل في القولين نجد أن القول الأول، يتوافق مع ما دلت عليه آية الفرقان (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)، ويتوافق مع عقيدة أهل السنة والجماعة، في أن الله - سبحانه وتعالى - يتكلم بالوحي على حسب الوقائع، ثم ينزل به جبريل على قلب محمد - صلى الله عليه وسلم -، والعبارة تحتمل ذلك؛فقد يعبر بالجزء عن الكل.
                          والقول الثاني يعضده أثر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - وهذا الأثر قد صح إليه، من أن الله - سبحانه وتعالى - أنزل القرآن جملة واحدةً إلى السماء الدنيا، ثم صار ينزل منجمًا، على النبي - صلى الله عليه وسلم - على حسب الحوادث. ومثل هذا، لا يمكن أن يقوله ابن عباس، من عند نفسه، بل ينبغي أن يكون له حكم الرفع. ولا يمكن – أيضا - أن يقوله بناءً على ما قرأ في كتب أهل الكتاب؛ لأن هذا أمر يتعلق بهذه الأمة، لا بأخبار الأولين.
                          ويمكن الجمع بين القولين، فيقال: إن الله - سبحانه وتعالى - أنزل القرآن من اللوح المحفوظ، إلى السماء الدنيا، وذلك أن اللوح المحفوظ متضمن للقرآن؛ كما قال الله - عز وجل - (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) الواقعة: 75-77 . فهذا القرآن العظيم، مسطور في اللوح المحفوظ، ولا يمنع أن يكون الله - سبحانه وتعالى - أنزله مكتوبا إلى السماء الدنيا، ثم تكلم الله به حسب الوقائع، وأنزله وحياً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم، متى شاء، بما شاء، كيف شاء.
                          ولتقريب ذلك للأذهان، ولله المثل الأعلى: ربما كتب الخطيب خطبة الجمعة، أو المحاضر نص المحاضرة، وبقيت محفوظة في الأوراق، لكنه يتكلم بها إذا صعد المنبر، أو اعتلى المنصة. فلا يمنع أن يكون الله - سبحانه وتعالى - قد أودع كلامه الذي سيتكلم به، في اللوح المحفوظ؛ لأن اللوح المحفوظ هو أم الكتاب، فيه كل شيء، حتى القرآن، كما قال تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ) [الواقعة : 77 ، 78]، وقال: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ. فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) [البروج : 21 ، 22]. وليس المقصود، على الراجح، مجرد ذكره فيه، بل هو بحروفه، فيه. ثم إن الله - سبحانه وتعالى - إذا تكلم بالوحي، حسب مشيئته، نزل به جبريل، وهذا الوحي الذي يتكلم به يكون مطابقاً للمكتوب في اللوح المحفوظ، وبهذا يزول التعارض، إن شاء الله.
                          (فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ): هذا بيان لزمن الإنزال، وهو ليلة القدر.
                          (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) يعني: ما أعلمك؟، والمخاطب هو: النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمقصود من هذا الاستفهام هو: التفخيم، والتعظيم،. والمراد بالقدر:
                          -الشرف، والرفعة. حينما تقول: "فلان ذو قدر" فالمقصود: أنه شريف، رفيع.
                          -التقدير: لأن الله يقدر فيها مقادير السنة القادمة. قال - سبحانه وتعالى - في مستهل سورة (الدخان) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ)
                          ولا تنافي بين المعنيين؛ فهذه الليلة، ليلة شريفة، عظيمة، جليلة، ومن شرفها، وقدرها، أن الله تعالى يقدر فيها ما يكون في العام التالي، من حياة، وموت، وصحة، ومرض، وعز، وذل، وكرب، وفرج.
                          (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ): هذا جواب الاستفهام. يعني أن العمل الصالح فيها، خير من العمل في ألف شهر، ليست فيه؛ فلو قدرنا ألف شهر، خالياً من ليلة القدر، فإن ليلة القدر خير منه.
                          ولا شك أن هذا يدل على عظم قدرها. فكم يعادل ألف شهر؟ ثلاث وثمانين سنة، يعني أنه عمر إنسان معمر، فلو أن هذا الإنسان المعمر عمل طوال عمره، لقابل ذلك عمل ليلة قدر واحدة! والله ذو الفضل العظيم.
                          ومحلها في شهر رمضان، كما دل على ذلك القرآن العظيم، بدليل مركب من قوله - تعالى - (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، وقوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أنزل فِيهِ الْقُرْآَنُ)، وبهذا جاءت السنة النبوية. فعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: انْطَلَقْتُ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقُلْتُ: أَلاَ تَخْرُجُ بِنَا إِلَى النَّخْلِ، نَتَحَدَّثْ، فَخَرَجَ، فَقَالَ: قُلْتُ: حَدِّثْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ الأُوَلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَاعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ، فَاعْتَكَفْنَا مَعَهُ. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُ أَمَامَكَ. فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا، صَبِيحَةَ عِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَلْيَرْجِعْ، فَإِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا، وَإِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فِي وِتْرٍ، وَإِنِّي رَأَيْتُ كَأَنِّي أَسْجُدُ فِي طِينٍ وَمَاءٍ. وَكَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ جَرِيدَ النَّخْلِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ شَيْئًا، فَجَاءَتْ قَزْعَةٌ، فَأُمْطِرْنَا، فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ، وَالْمَاءِ، عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمن وَأَرْنَبَتِهِ، تَصْدِيقَ رُؤْيَاهُ) [رواه البخاري].
                          فاتفق تلك السنة، أن وقعت ليلة إحدى وعشرين. وليلة القدر لا تختص بليلة سبع وعشرين - كما يعتقد كثير من الناس - وإن كانت أرجاها، لكنها – على الصحيح- تتنقل في ليالي العشر، لا سيما ليالي الوتر منه، وأرجاها ليلة سبعة وعشرين.
                          وإنما أخفيت لحكمة! ومن حكمة الله في إخفائها، وعدم القطع بموعدها: أن يجتهد الناس في إصابتها؛ بطول القيام، ليالي العشر كلها. ولهذا ترى المسلمين يحرصون على التهجد في ليالي عشر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا، وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) [متفق عليه].
                          الله أكبر! يقوم الإنسان ليلة واحدة، فيبيض الله صحائفه! فلا شك أنها ليلة شريفة، عظيمة، جليلة.
                          (تنزل): أي تتنزل، فأدغمت التاءان
                          (الْمَلَائِكَةُ): جمع ملَك، وأصله: مألك، من الألوكة، وهي الرسالة. وهم عالم غيبي كريم، خلقهم الله من نور، واستعملهم في طاعته، وعبادته، وتسبيحه، وأعطاهم القوة على ذلك؛ فهم يسبحون الليل والنهار، (لا يفترون) (لا يسئمون) (لا يستحسرون). وليس لهم من خصائص الربوبية، والألوهية شيء، قال تعالى: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : 26 - 29]
                          (وَالرُّوحُ فِيهَا) الروح هنا هو: جبريل - عليه السلام -، وهو سيد الملائكة؛ لكونه - عليه الصلاة والسلام - الموكل بحياة القلوب؛ إذا أنه ينزل بالوحي. ولهذا خصه بالذكر، مع أنه أحدهم ، وهذا من عطف الخاص على العام.
                          (فِيهَا) أي في تلك الليلة؛ لأن هذا هو المقصود.
                          (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بأمره، فمن أمره الله أن ينزل من الملائكة نُزل، فلا يلزم أن يكون جميع ملائكة الرحمن ينزلون؛ إذ أن ملائكة الرحمن لا يحصيهم كثرة إلا هو، كما قال: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) [المدثر : 31]. وفي الحديث عن أبي ذر، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (إني أرى ما لا ترون! وأسمع ما لا تسمعون! أطَّت السماء، وحق لها أن تئط؛ ما فيها موضع أربع أصابع، إلا وملك واضع جبهته، ساجدًا لله. لو تعلمون ما أعلم، لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات، تجأرون إلى الله. لوددت أني كنت شجرة تعضد) رواه الترمذي، وحسنه الألباني. والجملة الأخيرة، تروى من كلام أبي ذر. وأطت يعني: ثقلت، وسمع لها أطيط، وهو الصوت الذي يسمع من سيور الرحل إذا ثقل بالراكب.
                          (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ): (مِنْ) هنا سببية، أي بسبب، يعني بسبب تقدير الله لكل أمر. والمقصود: من قضاء الله إلى السنة القادمة، ثم وصفها بوصف آخر، فقال:
                          (سَلَامٌ هِيَ): قال (سَلَامٌ هِيَ)، ولم يقل هي سلام، فقدم الخبر، وأخر المبتدأ، لبيان الاختصاص، أي أنها موصوفة بذلك. وقيل في معناها:
                          - لكثرة السلام فيها؛ فإن الملائكة لا تمر على طائفة من المؤمنين، إلا وألقت عليهم السلام، فيكثر السلام فيها. وإن كان المؤمنون لا يشعرون، ولا يسمعون هذا السلام، لكن هذا لا يضر، فإنه نوع دعاء.
                          -وقيل : أي أنها سالمة من الشر.
                          (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (حتى) للغاية. يعني: وقت طلوعه، فهذه الليلة المباركة يبتدئ زمانها من مغيب الشمس، وينتهي بطلوع الفجر؛ لأن هذا هو زمان الليل، فتتنزل ملائكة الرحمن، وتغمر الأرض بالسلام، والسلامة، إلى أن يطلع الفجر، ثم تشرع في العروج إلى ربها. قال بعض العلماء: إن معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذكر علامات ليلة القدر: تُصْبِحُ الشَّمْسُ صَبِيحَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِثْلَ الطَّسْتِ، لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ، حَتَّى تَرْتَفِعَ) رواه الترمذي، بسبب كثرة عروج الملائكة، إلى السموات، وحيلولتهم دونها، لا يكاد يرى لها شعاع، بل ترى بيضاء، كالطست.
                          وهي ليلة مطمئنة، معتدلة، ليست باردة، ولا حارة، بل متوسطة بالنسبة لليالي التي حواليها. وإلا فمن المعلوم أن رمضان قد يوافق شدة البرد، وقد يوافق شدة الحر، ولكن المقصود مقارنةً بما قبلها، وما بعدها من الليالي.
                          الفوائد المستنبطة
                          الفائدة الأولى: القرآن كلام الله، منزل من عند الله، غير مخلوق، فهو صفة للخالق، وصفات الخالق لا يمكن أن تكون مخلوقة، وفي هذا رد على المعتزلة الذين زعموا خلق القرآن.
                          الفائدة الثانية: إثبات علو الله، لأن التنزيل يكون من الأعلى. فالله - سبحانه وتعالى - فوق جميع خلائقه، مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، ليس فيه شيء من خلقه، ولا في خلقه شيء منه.
                          الفائدة الثالثة: شرف تلك الليلة.
                          الفائدة الرابعة: اصطفاء الله واختياره لما يشاء من الأزمنة، والأمكنة، والذوات، والأحوال، (وربك يخلق ما يشاء ويختار).
                          الفائدة الخامسة: إثبات الملائكة، ونزولها، وعروجها؛ لأن الذي ينزل يعرج.
                          الفائدة السادسة: شرف جبريل - عليه السلام -؛ لأنه خصه بالذكر.
                          الفائدة السابعة: إثبات القدر السابق، وإثبات التقدير السنوي.

                          قال الحسن البصري - رحمه الله :
                          استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                          [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                          تعليق


                          • #58
                            رد: التفسير العقدي سورة القدر

                            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                            جزاكم الله خيرًا
                            وجعله في ميزان حسناتكم


                            "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                            وتولني فيمن توليت"

                            "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                            تعليق


                            • #59
                              رد: التفسير العقدي سورة القدر

                              المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
                              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                              جزاكم الله خيرًا
                              وجعله في ميزان حسناتكم

                              اللهم آمين
                              وأنتم من أهل الجزاء أختنا الفاضلة
                              وفقكم الله لكل خير


                              قال الحسن البصري - رحمه الله :
                              استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
                              [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


                              تعليق


                              • #60
                                رد: التفسير العقدي لسورة الفلق

                                وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

                                جزاكم الله خيرًا ونفع بكم



                                التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 18-03-2014, 08:22 AM.

                                تعليق

                                يعمل...
                                X