الحمد لله وحده و الصلاة و السلام علي من لا بني بعده,
نكمل ان شاء الله مع سلسلة مدرسة القران..
الشهداء في القرآن الكريم
منزلتهم وما أعد الله لهم
وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى الله تُحْشَرُونَ (158) ( آل عمران)
أخبرالله تعالى أن القتل في سبيله أو الموت فيه ليس فيه نقص ولا محذور وإنما هو مما ينبغي أن يتنافس فيه المتنافسون لأنه سبب مفض وموصل إلى مغفرة الله ورحمته وذلك خير مما يجمع أهل الدنيا من دنياهم وأن الخلق أيضا إذا ماتوا أو قتلوا بأي : حالة كانت فإنما مرجعهم إلى الله ومآلهم إليه فيجازي كلا بعمله فأين الفرار إلا إلى الله وما للخلق عاصم إلا الاعتصام بحبل الله ؟ ! !
فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) ( آل عمران)
لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد إلى المدينة ندب أصحابه إلى الخروج فخرجوا - على ما بهم من الجراح - استجابة لله ولرسوله فوصلوا إلى حمراء الأسد وجاءهم من جاءهم وقال لهم :
" إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ "
وهموا باستئصالكم تخويفا لهم وترهيبا فلم يزدهم ذلك إلا إيمانا بالله واتكالا عليه
"وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ "
أي : كافينا كل ما أهمنا
" وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "
المفوض إليه تدبير عباده والقائم بمصالحهم
" فَانقَلَبُواْ "
أي : رجعوا
" بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ "
وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم وندم من تخلف منهم فألقى الله الرعب في قلوبهم واستمروا راجعين إلى مكة ورجع المؤمنون بنعمة من الله وفضل حيث من عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة والاتكال على ربهم ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة فسبب إحسانهم بطاعة ربهم وتقواهم عن معصيته لهم أجر عظيم
فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) ( آل عمران)
فاستجاب لهم ربهم "
الآية أي : أجاب الله دعاءهم دعاء العبادة ودعاء الطلب وقال : إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا
" بعضكم من بعض "
أي : كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب
" فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا "
فجمعوا بين الإيمان والهجرة ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال طلبا لمرضاة ربهم وجاهدوا في سبيل الله
" لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله "
الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل
" والله عنده حسن الثواب "
مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فمن أراد بذلك فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه بما يقدر عليه العبد
وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (73) ( النساء)
" ولئن أصابكم فضل من الله "
أي : نصر وغنيمة ما يحصل للمجاهدين
" ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما "
. أي : يتمنى أنه حاضر ، لينال من المغانم . ليس له رغبة ، ولا قصد ، في غير ذلك . كأنه ليس منكم ، يا معشر المؤمنين ـ ولا بينكم ، وبينه المودة الإيمانية ، التي من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ، ودفع مضارهم ، يفرحون بحصولها ، ولو على يد غيرهم ، من إخوانهم المؤمنين ، ويألمون بفقدها ، ويسعون جميعا ، في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم . فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط ، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة . ومن لطف الله بعباده ، أن لا يقطع عنهم رحمته ، ولا يغلق عنهم أبوابها . بل من حصل على غير ما يليق أمره ، دعاه إلى جبر نقصه ، وتكميل نفسه . فلهذا أمر هؤلاء ، بالإخلاص ، والخروج في سبيله فقال :
" فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة "
فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) ( محمد)
يقول تعالى ـ مرشدا عباده إلى ما فيه صلاحهم ، ونصرهم على أعدائهم ـ :
" فإذا لقيتم الذين كفروا "
فى الحرب والقتال ، فاصدقوهم القتال ، واضربوا منهم الأعناق .
" حتى إذا أثخنتموهم "
وكسرتم شوكتهم ، ورأيتم الأسر أولى وأصلح ،
" فشدوا الوثاق "
، أي : الرباط ، وهذا احتياط لأسرهم لئلا يهربوا ، فإذا اشتد منهم الوثاق اطمأن المسلمون من حربهم ، ومن شرهم . فإذا كانوا تحت أسركم ، فأنتم بالخيار بين المن عليهم ، وإطلاقهم بلا مال .
" فإما منا بعد وإما فداء "
بأن لا تطلقوهم حتى يشتروا أنفسهم ، أو يشتريهم أصحابهم بمال ، أو بأسير مسلم عندهم . وهذا الأمر مستمر
" حتى تضع الحرب أوزارها "
، أي : حتى لا يبقى حرب ، وتبقون في المسالمة والمهادنة ، فإن لكل مقام مقالا ، ولكل حال حكما ، فالحال المتقدمة ، إنما هي إذا كان قتال وحرب . فإذا كان في بعض الأوقات ، لا حرب فيه لسبب من الأسباب ، فلا قتل ولا أسر .
" ذلك "
الحكم المذكور في ابتلاء المؤمنين بالكافرين ، ومداولة الايام بينهم ، وانتصار بعضهم على بعض
" ولو يشاء الله لانتصر منهم "
، فإنه تعالى على كل شيء قدير ، وقادر على أن لا ينتصر الكفار في موضع واحد أبدا ، حتى يبيد المسلمون خضراءهم .
" ولكن ليبلو بعضكم ببعض "
ليقوم سوق الجهاد ، وتتبين بذلك أحوال العباد ، الصادق من الكاذب ، وليؤمن من آمن إيمانا صحيحا ، عن تبصرة ، لا إيمانا مبنيا على متابعة أهل الغلبة ، فإنه إيمان ضعيف جدا ، لا يستمر لصاحبه عند المحن والبلايا .
" والذين قتلوا في سبيل الله "
لهم ثواب جزيل ، وأجر جميل ، وهم الذين قاتلوا من أمروا بقتالهم ، لتكون كلمة الله هي العليا .
" فلن يضل "
الله
" أعمالهم "
، أي : لن يحبطها ويبطلها ، بل يتقبلها وينميها لهم ، ويظهر من أعمالهم نتائجها ، في الدنيا والآخرة .
" سيهديهم "
إلى سلوك الطريق الموصلة إلى الجنة ،
" ويصلح بالهم "
، أي : حالهم وأمورهم ، وثوابهم يكون صالحا كاملا لا نكد فيه ، ولا تنغيص ، بوجه من الوجوه .
" ويدخلهم الجنة عرفها لهم "
، أي : عرفها أولا ، بأن شوقهم إليها ، ونعتها لهم ، وذكر لهم الأعمال الموصلة إليه ، التي من جملتها الشهادة في سبيل الله ، ووفقهم للقيام بما أمرهم به ورغبهم فيه ، ثم إذا دخلوا الجنة ، عرفهم منازلهم ، وما احتوت عليه من النعيم المقيم ، والعيش السليم .
تعليق