إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

    سبب تقديم المال على الأولاد في القرآن
    دائما يرد ذكر المال مقدم على الأولاد في القرآن الكريم رغم أن الأولاد أغلى لدى الأب من ماله. فما هي الحكمة من ذلك؟

    الفتنة بالمال أكثر؛ لأنه يعين على تحصيل الشهوات المحرمة بخلاف الأولاد، فإن الإنسان قد يفتن بهم ويعصي الله من أجلهم، ولكن الفتنة بالمال أكثر وأشد، ولهذا بدأ سبحانه بالأموال قبل الأولاد كما في قوله تعالى: وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى[1] الآية، وقوله سبحانه: إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ[2] الآية، وقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ[3].
    [1] سورة سبأ من الآية 37.

    [2] سورة التغابن من الآية 15.

    [3] سورة المنافقون الآية 9.


    نشرت في المجلة العربية في باب (فاسألوا أهل الذكر) - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الخامس.

    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
    "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
    "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

    تعليق


    • #32
      رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

      معنى قول الله تعالى عن الكهنة:" وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ"
      نرجو إيضاح قول الله تعالى عن الكهنة ومن شابههم الذين تركوا طريق الله وذهبوا إلى الشياطين ليتعلموا منهم ما يفرقون به بين المرء وزوجه وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ[1] كيف يكون ذلك؟ وهل يحدث ذلك الضرر للمؤمنين الفاسقين؟ وما طريق الوقاية من هذه الشرور والأضرار حيث يروج كثير من الكهنة للعوام قدرتهم على ذلك؟


      قد تكون هذه الطرق الخبيثة من خدمة الشياطين، وخدمة من تعاطى هذه الأمور، وصحبتهم لهم، وتعلمهم منهم من أنواع السحرة والكهنة والرمالين والعرافين، وغيرهم من المشعوذين، فيتعاطون هذه الأمور من أجل المال، والاستحواذ على عقول الناس، وحتى يعظمهم الناس فيقولوا: إنهم يعرفون كذا ويعرفون كذا، وهذا واقع، والله يبتلي عباده بالسراء والضراء، ويبتلي عباده بالأشرار والأخيار، حتى يتميز الصادق من الكاذب، وحتى يتميز ولي الله من عدو الله، وحتى يتميز من يعبد الله، ويسعى في سلامة دينه، ويحارب الكفر والنفاق والمعاصي والخرافات، وبين من هو ضعيف في ذلك أو مخلد إلى الكسل والضعف، والله يميز الناس بما يبتليهم به من السراء والضراء، والشدة والرخاء، وتسليط الأعداء والجهاد؛ حتى يتبين أولياء الله من أعدائه المعاندين لدين الله، وحتى يتبين أهل القوة في الحق من الضعفاء والخاملين، وهذا واقع لا شك فيه، والتوقي لذلك مشروع بحمد الله، بل واجب، وقد شرع الله لعباده أن يتوقوا شرهم بما شرع سبحانه من التعوذات والأذكار الشرعية، وسائر الأسباب المباحة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك)) أخرجه مسلم في صحيحه، وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن من قال باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات في المساء لم يضره شيء حتى يصبح، ومن قالها ثلاث مرات في الصباح لم يضره شيء حتى يمسي)) وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن من قرأ على المسحور أو في إناء آية الكرسي وآيات السحر التي في سورة الأعراف، وفي سورة قرأ آية الكرسي حين ينام على فراشه لم يضره شيء حتى يصبح))، وهذا من فضل الله عز وجل، وأخبر صلى الله عليه وسلم: ((أن من قرأ سورة الإخلاص قُلْ هُوَ اللّه أحَدْ[2] وسورتي الفلق والناس ثلاث مرات عند نومه لم يضره شيء)) فهي من أسباب السلامة من كل سوء إذا قرأها المؤمن عند النوم (ثلاث مرات)، وهكذا بعد الصلوات الخمس، ويشرع تكرارها بعد صلاة الفجر والمغرب ثلاثاً، وذلك بعد أن ينتهي من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، وذلك من فضل الله سبحانه وتعالى على عباده، وإرشاده لهم إلى أسباب العافية والوقاية من شر الأعداء.
      وهكذا من الأسباب الشرعية الإكثار من الكلمات الأربع: ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر))، فهي من أسباب السلامة والعافية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)) أخرجه مسلم في صحيحه. وهكذا العناية بقراءة القرآن الكريم والإكثار منها بالتدبر والتعقل، والعناية بأمر الله عز وجل بطاعته، وترك معاصيه. وهكذا الإكثار من قول: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) كلها من أسباب السلامة، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكان في حرز من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من عمله)) متفق على صحته. ومما يجمع الخير كله للمسلم العناية بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، والأخذ بما أوصى به الله عباده وأمرهم به في كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين، ومن ذلك أنه أوصى عباده بالتقوى وأمرهم بها في آيات كثيرة، ولا شك أن التقوى هي أعظم الوصايا؛ فهي وصية الله عز وجل، ووصية رسوله عليه الصلاة والسلام، وهي جامعة للخير كله. ومن جملة التقوى العناية بكتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقد أوصى الله بذلك فقال جل وعلا: وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[3] وقال جل وعلا: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[4] ثم قال بعد ذلك: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[5] فقال أولاً: لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ثم قال: لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ثم قال: لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ، والحكمة في ذلك كما قال جمع من أهل التفسير: أن الإنسان إذا تعقل ما خلق له وما أمر به، وما خوطب به، ونظر فيه وتأمله حصل له به التذكر لما يجب عليه، ولما ينبغي له تركه، ثم بعد ذلك تكون التقوى بفعل الأوامر وترك النواهي، وبذلك يكمل للعبد العناية بما قرأ، أو بما سمع، فإنه يبدأ بالتعقل والتذكر ثم العمل وهو المقصود، فالوصية بكتاب الله قولاً وعملاً تشمل الدعوة إليه، والذب عنه، والعمل به؛ لأنه كتاب الله الذي من تمسك به نجا، ومن حاد عنه هلك، وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن أبي أوفى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله وذلك حينما سُئل عبد الله بن أبي أوفى: (هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بشيء؟ قال: نعم، أوصى بكتاب الله)، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله؛ لأنه يجمع الخير كله. وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه، أن النبي عليه الصلاة والسلام أوصى في حجة الوداع بكتاب الله، فقال: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله من تمسك به نجا ومن أعرض عنه هلك))، وفي صحيح مسلم أيضاً عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به)) فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي))، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله كما أوصى الله بكتابه، ثم الوصية بكتاب الله وصية بالسنة؛ لأن القرآن أوصى بالسنة وأمر بتعظيمها، فالوصية بكتاب الله وصية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما الثقلان، وهما الأصلان اللذان لا بد منهما، من تمسك بهما نجا، ومن حاد عنهما هلك، ومن أنكر واحداً منها كفر بالله وحل دمه وماله، وقد جاء في رواية أخرى: ((إني تارك فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به كتاب الله وسنتي)) أخرجها الحاكم بسند جيد. وقد عرفت أيها المسلم: أن الوصية بكتاب الله، والأمر بكتاب الله وصية بالسنة وأمر بالسنة؛ لأن الله تعالى يقول: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ[6]، ويقول سبحانه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[7] الآية، ويقول أيضاً: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا[8] الآية، وهناك آيات كثيرة يأمر فيها سبحانه بطاعته وطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، والعلم النافع هو المتلقى عنهما والمستنبط منهما، فهذا هو العلم، فالعلم قال الله سبحانه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم؛ لأنهم أعلم بكتاب الله وأعلم بالسنة، فاستنباطهم وأقوالهم يعين طالب العلم، ويرشد طالب العلم إلى الفهم الصحيح عن الله وعن رسوله عليه الصلاة والسلام، ثم الاستعانة بكلام أهل العلم بعد ذلك أئمة الهدى، كالتابعين، وأتباع التابعين، ومن بعدهم من علماء الهدى، وهكذا أئمة اللغة يستعان بكلامهم على فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فطالب العلم يعني بكتاب الله سبحانه، ويعنى بالسنة، ويستعين على ذلك بكلام أهل العلم المنقول عن الصحابة ومن بعدهم في كتب التفسير والحديث وكتب أهل العلم والهدى، لكي يعرف معاني كتاب الله، فيتعلمه ويعمل به ويعلمه للناس؛ لما في ذلك من الأجر العظيم والثواب الجزيل، ومن ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقاً إلى الجنة))،وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على المحافظة على كتاب الله عز وجل وتدبر معانيه؛ لما في ذلك من الأجر العظيم، مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام: ((من قرأ حرفاً من القرآن فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها)) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه))[9] خرجه مسلم في صحيحه، وأصحابه هم العاملون به، كما في الحديث الآخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوان بينهما شرق أو كأنهما حزقان من طير صواف تحاجان عن صاحبهما))[10] أخرجه مسلم في صحيحه والآيات والأحاديث في فضل القرآن والعمل به وفضل السنة والتمسك بها كثيرة جداً. فنسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا والمسلمين للتمسك بكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما، إنه جواد كريم.
      [1] سورة البقرة الآية 102.

      [2] سورة الإخلاص الآية 1.

      [3] سورة الأنعام الآية 155.

      [4] سورة الأنعام الآيتان 151 – 152.

      [5] سورة الأنعام الآية 153.

      [6] سورة النور الآية 56.

      [7] سورة الحشر الآية 7.

      [8] سورة النساء الآية 80.

      [9] صحيح مسلم بشرح النووي (6 / 78 )

      [10] المرجع السابق: (6 / 79 ).
      اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
      "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
      "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

      تعليق


      • #33
        رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

        تفسير قوله تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه الآية
        سائل يسأل عن تفسير قوله تعالى: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ[1].



        هذه الآية نزلت في آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى بعض المشركين عهداً معلوماً، وبعضهم بينه وبينهم عهد مطلق، وبعضهم لا عهد له، فأنزل الله هذه الآية فيها البراءة من المشركين، وفيها نبذ العهود إليهم؛ ولهذا قال سبحانه: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ[2] الآية. فالله سبحانه أمر رسوله أن يتبرأ منهم، ومن كان له عهد فهو إلى مدته، ومن كان عهده مطلق، أو لا عهد له جعله الله له أربعة أشهر، وبعث الصديق رضي الله عنه وعلياً رضي الله عنه ومن معهما في عام تسع من الهجرة ينادون في الموسم: من كان له عهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد أو له عهد مطلق فله أربعة أشهر، بعدها يكون حرباً للرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يدخلوا في الإسلام، هذا هو معنى الآية عند أهل العلم.
        [1] سورة التوبة الآية 1.

        [2] سورة التوبة الآيتان 1 – 2.
        اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
        "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
        "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

        تعليق


        • #34
          رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

          تفسير قوله تعالى: فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ الآيات
          من الآية رقم 76 إلى الآية رقم 78 من سورة التوبة، إن أمكن تفسير مركز للآيات، وهل ينطبق ذلك على عبد قد عاهد الله على ترك معصية ما وأغلظ في القول بأن يسخط الله ويغضب عليه إن هو عاد إليها؟


          الآيات المشار إليها، وهي قوله تعالى في حق المنافقين: فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ[1] هي دالة على أن من عاهد الله أن يفعل شيئاً ثم أخلف عهده أنه بذلك قد تخلق بأخلاق المنافقين، وأنه على خطر عظيم من أن يعاقب بالنفاق في قلبه جزاءً له على إخلافه الوعد وكذبه، وهو سبحانه بذلك يحذر عباده من أخلاق المنافقين، ويحثهم سبحانه على الصدق والوفاء بالعهود، ويوضح لهم سبحانه أنه يعلم سرهم ونجواهم، ولا يخفى عليه شيء من شئونهم، وهذا لا يمنع التوبة، فمن تاب إلى الله سبحانه توبة نصوحاً تاب الله عليه من جميع الذنوب، سواء كانت كفراً أو نفاقاً أو دونهما، كما قال سبحانه: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى[2]، وقال عز وجل: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[3] وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[4] وقد أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين.
          وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) وصح أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإسلام يهدم ما كان قبله والتوبة تهدم ما كان قبلها)).
          [1] سورة التوبة الآيات 76 – 78.

          [2] سورة طه الآية 82.

          [3] سورة النور الآية 31.

          [4] سورة الزمر الآية 53.
          اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
          "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
          "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

          تعليق


          • #35
            رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

            تفسير قوله تعالى: "الم * غُلِبَتِ الرُّومُ"

            ما تفسير هذه الآيات الكريمات منها قوله تعالى: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ[1]؟ أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآية الكريمة، ومن هم الروم المذكورون فيها؟



            الروم: هم النصارى المعروفون، وكانت الحرب بينهم وبين الفرس سجالاً تارة يدال هؤلاء على هؤلاء، وتارة هؤلاء على هؤلاء، أخبر الله سبحانه وتعالى أنهم غلبوا، غلبتهم الفرس فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ[2]، فوقع ذلك فغلبت الروم الفرس، وكان ذلك في أول مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حين كان الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة، وكان ذلك من الآيات والدلائل على صدقه صلى الله عليه وسلم، وأنه رسول الله حقاً؛ لوقوع الأمر، كما أخبر الله به في كتابه العظيم. فالله جل وعلا هو العالم بالمغيبات، ويخبر نبيه بما يشاء منها سبحانه وتعالى، كما أخبره عن الكثير مما يكون في آخر الزمان، كما أخبره فيما مضى من الزمان؛ من أخبار عاد، وثمود، وقوم نوح، وفرعون وغيرهم، وكما أخبره أيضاً عليه الصلاة والسلام عما يكون يوم القيامة، ومن حال أهل الجنة وأهل النار إلى غير ذلك، فهذا من جملة الأخبار الغيبية التي أخبر بها القرآن ووقعت كما أخبر، وكان ذلك من علامة صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وقد فرح المسلمون بذلك؛ لأن الروم أقرب إلى المسلمين من الفرس؛ لأنهم أهل كتاب، والفرس عباد أوثان؛ ولهذا قال عز وجل: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ[3] الآية.
            [1] سورة الروم الآيات 1 – 3.

            [2] سورة الروم الآيتان 3 – 4.

            [3] سورة الروم الآيتان 4 – 5.
            اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
            "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
            "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

            تعليق


            • #36
              رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

              تفسير قوله تعالى: إِلا اللَّمَم
              ما هو المراد بكلمة (اللمم) في قوله تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ[1]... الآية؟


              إن علماء التفسير - يرحمهم الله - اختلفوا في تفسير ذلك، وذكروا أقوالاً في معناه، أحسنها قولان: أحدهما: أن المراد به: ما يلم به الإنسان من صغائر الذنوب، كالنظرة والاستماع لبعض ما لا يجوز من محقرات الذنوب وصغائرها ونحو ذلك، وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة من السلف، واحتجوا على ذلك بقوله سبحانه في سورة النساء: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا[2] قالوا: المراد بالسيئات المذكورة في هذه الآية هي صغائر الذنوب، وهي: اللمم؛ لأن كل إنسان يصعب عليه التحرز من ذلك، فمن رحمة الله سبحانه أن وعد المؤمنين بغفران ذلك لهم إذا اجتنبوا الكبائر، ولم يصروا على الصغائر. وأحسن ما قيل في ثبوت الكبائر إنها المعاصي التي فيها حد في الدنيا؛ كالسرقة، والزنى، والقذف، وشرب المسكر، أو فيها وعيد في الآخرة بغضب من الله أو لعنة أو نار؛ كالربا، والغيبة، والنميمة، وعقوق الوالدين. ومما يدل على غفران الصغائر باجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا ، أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العين النظر ، وزنا اللسان المنطق ، والنفس تتمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه ))،
              الراوي: أبو هريرة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6243
              خلاصة حكم المحدث: [صحيح]




              ومن الأدلة على وجوب الحذر من الصغائر والكبائر جميعاً وعدم الإصرار عليها قوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ[3].
              القول الثاني: أن المراد باللمم: هو ما يلم به الإنسان من المعاصي ثم يتوب إلى الله من ذلك، كما قال في الآية السابقة وهي قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً...[4] الآية، وقوله سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[5] وما جاء في معنى ذلك من الآيات الكريمات، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون))، ولأن كل إنسان معرض للخطأ، والتوبة النصوح يمحو الله بها الذنوب، وهي المشتملة على الندم على ما وقع من المعصية، والإقلاع عنها، والعزيمة الصادقة على ألا يعود إليها خوفاً من الله سبحانه، وتعظيماً له، ورجاء مغفرته.
              ومن تمام التوبة إذا كانت المعصية تتعلق بحق الآدميين؛ كالسرقة، والغضب، والقذف، والضرب، والسب، والغيبة، ونحو ذلك أن يعطيهم حقوقهم، أو يستحلهم منها إلا إذا كانت المعصية غيبة - وهي الكلام في العرض - ولم يتيسر استحلال صاحبها؛ حذراً من وقوع شر أكثر فإنه يكفي في ذلك أن يدعو له بظهر الغيب، وأن يذكره بما يعلم من صفاته الطيبة، وأعماله الحسنة في الأماكن التي اغتابه فيها، ولا حاجة إلى إخباره بغيبته إذا كان يخشى الوقوع في شر أكثر. وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء، وأن يمن علينا جميعاً بالاستقامة على دينه، والسلامة من أسباب غضبه، والتوبة إليه سبحانه من جميع ما يخالف شرعه، إنه جواد كريم.
              [1] سورة النجم الآية 32.

              [2] سورة النساء الآية 31.

              [3] سورة آل عمران الآيتان 135 – 136.

              [4] سورة آل عمران الآية 135.

              [5] سورة النور الآية 31.


              نشر السؤال والجواب في جريدة المسلمون في العدد (530) بتاريخ 30/10/1415 هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن.

              اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
              "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
              "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

              تعليق


              • #37
                رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                تفسير قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه... الآيات
                أرجو تفسير قوله تعالى من سورة النازعات: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[1]، وما هذي الأمور التي تنهى النفس عن الهوى؟ وهل يكون عمل المرأة من هذه الأمور التي يجب نهي النفس عنها في حالة عدم احتياجها للعمل مادياً؟



                هذه الآية آية عظيمة ومعناها واضح، وقبلها يقول تعالى: فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ[2] الآية، أي خاف القيام بين يدي الله؛ فلهذا نهى نفسه عن هواها المحرم، أي نهاها عن المعاصي التي تهواها النفس، وهذا هو الذي له الجنة والكرامة، فإن النفس قد تميل إلى الزنا والخمر والربا، وإلى أشياء أخرى مما حرم الله، وتهوى ذلك لأسباب، فإذا وفق الله المؤمن أو المؤمنة لمحاربة هذا الهوى ومخالفته وعدم الانصياع إليه صار هذا من أسباب دخول الجنة. وعمل المرأة لا بأس به إذا كان مباحاً أو مشروعاً، ولا يترتب عليه شيء من المعاصي كالخلوة بالرجل الأجنبي، أو عصيان الزوج، أو نحو ذلك مما حرم الله عليها.
                [1] سورة النازعات الآيتان 40 – 41.

                [2] سورة النازعات الآيات 37 – 40.
                اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                تعليق


                • #38
                  رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                  تفسير قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الآيات
                  أرجو تفسير قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[1].



                  الآية الكريمة المذكورة على ظاهرها، والويل إشارة إلى شدة العذاب، والله سبحانه يتوعد المصلين الموصوفين بهذه الصفات التي ذكرها عز وجل وهي قوله: الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ[2] السهو عن الصلاة: هو الغفلة عنها والتهاون بشأنها، وليس المراد تركها؛ لأن الترك كفر أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء، نسأل الله العافية. أما التساهل عنها فهو التهاون ببعض ما أوجب الله فيها كالتأخر عن أدائها في الجماعة في أصح قولي العلماء، وهذا فيه الوعيد المذكور. أما إن تركها عمداً فإنه يكون كافراً كفراً أكبر وإن لم يجحد وجوبها في أصح قولي العلماء كما تقدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) خرجه الإمام أحمد، وأهل السنن بإسناد صحيح، ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) خرجه الإمام مسلم في صحيحه، فهذان الحديثان وما جاء بمعناهما حجة قائمة وبرهان ساطع على كفر تارك الصلاة وإن لم يجحد وجوبها. أما إن جحد وجوبها فإنه يكفر بإجماع العلماء ولو صلى.
                  أما السهو فيها فليس هو المراد في هذه الآية، وليس فيه الوعيد المذكور؛ لأنه ليس في مقدور الإنسان السلامة منه، وقد سها النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة غير مرة، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، وهكذا غيره من الناس يقع منه السهو من باب أولى، ومن السهو عنها الرياء فيها كفعل المنافقين. فالواجب أن يصلي المؤمن لله وحده، يريد وجهه الكريم، ويريد الثواب عنده سبحانه وتعالى؛ لعلمه بأن الله فرض عليه الصلوات الخمس فيؤديها إخلاصاً لله، وتعظيماً له، وطلباً لمرضاته عز وجل، وحذراً من عقابه.
                  ومن صفات المصلين الموعودين بالويل أنهم يمنعون الماعون، والماعون فسر بالزكاة، وأنهم يمنعون الزكاة؛ لأن الزكاة قرينة الصلاة كما قال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ[3]، وقال تعالى وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ[4]، وقال آخرون من أهل العلم: إنه العارية، وهي التي يحتاج إليها الناس ويضطرون إليها. وفسره قوم بالدلو لجلب الماء، وبالقدر للطبخ ونحوه. ولكن منع الزكاة أعظم وأكبر، فينبغي للمسلم أن يكون حريصاً على أداء ما أوجب الله عليه وعلى مساعدة إخوانه عند الحاجة للعارية؛ لأنها تنفعهم وتنفعه أيضاً ولا تضره.
                  [1] سورة الماعون الآيات 4 – 7.

                  [2] سورة الماعون الآيات 4 – 7.

                  [3] سورة البينة الآية 5.

                  [4] سورة البقرة الآية 43
                  اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                  "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                  "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                  تعليق


                  • #39
                    رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                    الهَمُّ بالسيئة
                    سؤال من (أ.ع.ح) من الرياض: تحدثني نفسي أحياناً بفعل منكر أو قول سوء ولكني في أحيان كثيرة لا أظهر القول أو الفعل، فهل علي إثم في ذلك؟ وما المقصود بقوله عز وجل: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ[1]؟



                    هذه الآية الكريمة نسخها الله سبحانه وتعالى بقوله: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا[2] الآية، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل قال: ((قد فعلت)) خرجه مسلم في صحيحه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) متفق على صحته. وبذلك يعلم أن ما يقع في النفس من الوساوس والهم ببعض السيئات معفوٌ عنه ما لم يتكلم به صاحبه، أو يعمل به، ومتى ترك ذلك خوفاً من الله سبحانه كتب الله له بذلك حسنة؛ لأنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك، والله ولي التوفيق.
                    [1] سورة البقرة الآية 284.

                    [2] سورة البقرة الآية 286.


                    نشرت في مجلة الدعوة في العدد (1307) بتاريخ 4/3/1412 هـ - مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء الثامن
                    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                    "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                    "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                    تعليق


                    • #40
                      رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                      قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ...
                      سائل يقول: قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ[1]. نعلم أن الخمر هو: كل ما خامر العقل وأسكره. لكن ما معنى الأنصاب والأزلام؟ أفيدونا بارك الله فيكم.



                      الخمر معروف وهو كل مسكر، والأنصاب والأزلام أشياء كانت في الجاهلية، والأنصاب كانوا ينصبونها وكانوا يذبحون عندها لأصنامهم، فأنكر الله عليهم ذلك وأمر بإزالتها والقضاء عليها.
                      وأما الأزلام فكانت أشياء يستقسمون بها لحاجتهم، وهي ثلاثة: يكتب على واحد افعل، والثاني لا تفعل، والثالث غفل ليس فيه شيء، فإذا أرادوا سفرا أو حاجة مهمة أجالوا هذه الأزلام، فإن خرج افعل فعلوا، وإن خرج لا تفعل تركوا، وإن خرج غفل أعادوا إجالة هذه الأزلام، فنسخ الله ذلك ونهى عنه سبحانه وتعالى، وأرشد المسلمين بدلاً من ذلك إلى الاستخارة الشرعية، وهي الدعاء الشرعي بعد صلاة ركعتين بدلاً من هذه الأزلام.
                      وأما الميسر: فهو القمار المعروف، وهو معاملة (يانصيب) التي يتعاطاها بعض الناس بالمخاطرة في سائر الألعاب، وهي منكر، فالميسر منكر وهو القمار، وحرمه الله عز وجل لما فيه من أكل المال بالباطل.
                      [1] المائدة: 90.
                      اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                      "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                      "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                      تعليق


                      • #41
                        رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                        تفسير قوله – تعالى - : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له


                        من عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير المكرم / سلمان بن عبد العزيز - أمير منطقة الرياض - وفقه الله ، وزاده من العلم والإيمان آمين- [1] .
                        سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
                        فأشير إلى سؤالكم الشفهي عن تفسير قوله – تعالى
                        - :وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون
                        [2]ورغبة سموكم في أن يكون الجواب خطياً .
                        وأفيدكم
                        : أن علماء التفسير - رحمهم الله - ذكروا أن الله - سبحانه - لما شرع صيام شهر رمضان شرعه مخيراً بين الفطر والإطعام وبين الصوم ، والصوم أفضل ، فمن أفطر وهو قادر على الصيام فعليهإطعام مسكين ، وإن أطعم أكثر فهو خير له ، وليس عليه قضاء ، وإن صام فهو أفضل ؛ لقوله - عز وجل - : وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون.

                        فأما المريض والمسافر فلهما أن يفطرا ويقضيا ؛ لقوله - سبحانه - :
                        فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر[3].
                        ثم نسخ الله ذلك
                        ، وأوجب سبحانه الصيام على المكلف الصحيح المقيم ، ورخص للمريض والمسافر في الإفطار وعليه القضاء ، وذلك بقوله - سبحانه - : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون)[4].
                        وبقي الإطعام في حق الشيخ الكبير العاجز والعجوز الكبيرة العاجزة عن الصوم
                        ، كما ثبت ذلك عن ابن عباس - رضي الله عنهما -
                        وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - وجماعة من الصحابة والسلف - رضي الله عنهم - .
                        وقد روى البخاري في صحيحه عن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - معنى ما ذكرنا من الن
                        ّسْخ للآية المذكورة ، وهي قوله - تعالى- : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين. الآية ، وروي ذلك عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - وجماعة من السلف - رحمهم الله -
                        .
                        ومثل الشيخ الكبير والعجوز الكبير
                        ، والمريض الذي لا يرجى برؤه والمريضة التي لا يرجى برؤها ، فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما ؛ كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة .ويجوز إخراج الإطعام في أول الشهر وفي وسطه وفي آخره . أما الحامل والمرضع فيلزمهما الصيام ، إلا أن يشق عليهما فإنه يشرع لهما الإفطار ، وعليهما القضاء كالمريض والمسافر . هذا هو الصحيح من قولي العلماء في حقهما .وقال جماعة من السلف : يطعمان ولا يقضيان ؛ كالشيخ الكبير والعجوز الكبيرة .والصحيح أنهما كالمريض والمسافر ؛
                        تفطران وتقضيان ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك الكعبي ما يدل على أنهما كالمريض والمسافر .

                        وأسأل الله - عز وجل - أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من الهداة المهتدين
                        ؛ إنه سميع قريب . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


                        [1] صدرت من مكتب سماحته برقم : 1563 / خ ، في 23/9/1410هـ .
                        [2] سورة البقرة ، الآية 184 .
                        [3] سورة البقرة ، الآية 184 .
                        [4] سورة البقرة ، الآية 185 .


                        اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                        "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                        "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                        تعليق


                        • #42
                          رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                          - تفسير قوله تعالى - : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}
                          من عبد العزيز بن عبد الله بن باز، إلى حضرة الأخ المكرم
                          سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد[1]:
                          فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم: 3137، في 11/7/1408هـ، الذي نصه:
                          لقد كنا في حلقة تفسير في مسجد بمنطقة الصليبية في الكويت، وقد تعرض إمام المسجد إلى تفسير قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[2] فقال: قيل معناها: منة الله عليهم، وقيل: قوة الله معهم، وقيل: الله عليم بحالهم ونياتهم.
                          فتكلم أحد الشباب من إخواننا في الله بعد الدرس، وقال: تفسيرك هذا ليس من عقيدة أهل السنة والجماعة، بل هو من كلام الأشاعرة؛ فغضب الإمام وقال: إن هذا موجود في كتاب الماوردي وابن كثير، فرد الشاب وقال: ليس هذا في ابن كثير وإنما هو عند الماوردي الأشعري.
                          فلما رأى العامة الشيخ غضبان غضبوا له، ورمى بعضهم الشاب بكلمة أنت مسيحي أنت بوذي، وكادوا أن يضربوه لولا أن بعضهم حماه.
                          والله يعلم أن هذا الشاب لم يتكلم إلا غيرة على عقيدة المسلمين، ومن باب أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فأشار الشاب أن يقضي فضيلتكم بينهم، فوافق العوام على ذلك، فأفيدونا، ونحن بانتظار ردكم، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
                          الجواب: وأفيدك أن ما نعتقده في إثبات صفة اليد لله تبارك وتعالى وغيرها في الصفات التي وصف الله بها نفسه في كتابه العزيز، أو وصفه بها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة هو: إثباتها لله تبارك وتعالى إثباتاً حقيقياً على ما يليق بجلال الله سبحانه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، ونؤمن بأن الله ليس كمثله شيء، وهو السميع البصير.
                          فلا ننفي عنه ما وصف به نفسه، ولا نحرف الكلم عن مواضعه، ولا نكيف ولا نمثل صفاته بصفات خلقه؛ لأنه سبحانه لا سميَّ له، ولا كفؤ له ولا ند له، ولا يقاس بخلقه سبحانه وتعالى.
                          فكما أن له سبحانه ذاتاً حقيقية لا تشبه ذوات خلقه، فكذلك له صفات حقيقية لا تشبه صفات خلقه، ولا يلزم من إثبات الصفة للخالق سبحانه مشابهتها لصفة المخلوق، وهذا هو مذهب سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن سار على نهجهم في القرون الثلاثة المفضلة، ومن سلك سبيلهم من الخلف إلى يومنا هذا.
                          قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (حكى غير واحد إجماع السلف: أن صفات الباري - جل وعلا - تجري على ظاهرها، مع نفي الكيفية والتشبيه عنه، وذلك أن الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، يحتذى حذوه ويتبع فيه مثاله؛ فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية، فنقول: إن لله سبحانه يداً وسمعاً، ولا نقول: إن معنى اليد القدرة، ومعنى السمع العلم).
                          ثم استدل رحمه الله على إثبات صفة اليد لله سبحانه من القرآن بقول الله سبحانه: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ}[3]، وقال تعالى لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[4]، وقال سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[5]، وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[6]، وقال تعالى: {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[7].
                          ثم قال رحمه الله تعالى: (فالمفهوم من هذا الكلام: أن لله تعالى يدين مختصتين به، ذاتيتين له كما يليق بجلاله، وأنه سبحانه خلق آدم بيده دون الملائكة وإبليس، وأنه سبحانه يقبض الأرض ويطوي السماوات بيده اليمنى، وأن يديه مبسوطتان، ومعنى بسطهما: بذل الجود وسعة العطاء؛ لأن الإعطاء والجود في الغالب يكون ببسط اليد ومدّها، وتركه يكون ضماً لليد على العنق، كما قال تعالى: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}[8]، وصار من الحقائق العرفية أنه إذا قيل هو مبسوط اليد فهم منه يد حقيقية).
                          وقال رحمه الله تعالى: (إن لفظ اليدين بصيغة التثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة؛ لأن استعمال لفظ الواحد في الاثنين أو الاثنين في الواحد لا أصل له في لغة العرب التي نزل بها القرآن، فقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[9]، لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد، ولا يجوز أن يراد به النعمة؛ لأن نعم الله لا تحصى، فلا يجوز أن يعبر عن النعم التي لا تحصى بصيغة التثنية).
                          ثم استدل رحمه الله تعالى على إثبات صفة اليد لله سبحانه من السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((المقسطون عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن؛ وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلوا))[10] رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، والقسط بيده الأخرى يرفع ويخفض إلى يوم القيامة))[11] رواه مسلم.
                          وفي الصحيح - أيضاً - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفؤ أحدكم بيده خبزته في السفر))[12].
                          وفي الصحيح - أيضاً - عن ابن عمر رضي الله عنهما يحكي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يأخذ الرب عز وجل سماواته وأرضه بيديه، وجعل يقبض يديه ويبسطهما، ويقول: أنا الرحمن[13]، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك أسفل منه، حتى أني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟!)) وفي رواية أنه قرأ هذه الآية على المنبر: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[14] قال: ((يقول الله: أنا الله. أنا الجبار))[15] وذكره، وفي الصحيح أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك. أين ملوك الأرض؟!))[16]. وفي حديث صحيح: ((أن الله لمَّا خلق آدم قال له ويداه مقبوضتان: اختر أيهما شئت[17]، قال: اخترت يمين ربي - وكلتا يدي ربي يمين مباركة - ثم بسطها، فإذا فيها آدم وذريته))، وفي الصحيح: ((إن الله كتب بيده على نفسه لما خلق الخلق: إن رحمتي تغلب غضبي))[18]. وفي الصحيح: أنه لما تحاجَّ آدم وموسى، قال آدم: ((يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده))، وقد قال موسى: ((أنت آدم الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه))[19]. وفي حديث آخر: أنه قال سبحانه: ((وعزتي وجلالي لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له كن فكان))[20]، وفي حديث آخر في السنن: ((لما خلق الله آدم ومسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذريته، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره بيده الأخرى، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون))[21].
                          قال شيخ الإسلام رحمه الله: فهذه الأحاديث وغيرها نصوص قاطعة لا تقبل التأويل، وقد تلقتها الأمة بالقبول والتصديق.
                          ثم قال رحمه الله تعالى: (فهل يجوز أن يملأ الكتاب والسنة من ذكر اليد، وأن الله تعالى خلق بيده، وأن يديه مبسوطتان، وأن الملك بيده، وفي الحديث ما لا يحصى، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولي الأمر لا يبينون للناس أن هذا الكلام لا يراد به حقيقته ولا ظاهره، حتى ينشأ جهم بن صفوان - بعد انقراض عهد الصحابة - فيبين للناس ما نزل إليهم على نبيهم، ويتبعه عليه بشر بن غياث، ومن سلكوا سبيلهم من كل مغموص عليه بالنفاق؟ وكيف يجوز أن يعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة؟! ويقول: ((ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وحدثتكم به، تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك))[22]، ثم يترك الكتاب المنزل عليه وسنته الغراء مملوءة مما يزعم الخصم أن ظاهره تشبيه وتجسيم، وأن اعتقاده ظاهره ضلال، وهو لا يبين ذلك ولا يوضحه؟
                          وكيف يجوز للسلف أن يقولوا: أمروها كما جاءت، مع أن معناها المجازي هو المراد، وهو شيء لا يفهمه العرب، حتى يكون أبناء الفرس والروم أعلم بلغة العرب من أبناء المهاجرين والأنصار؟!. اهـ. باختصار من مجموع الفتاوى، ج6، ص: 351 إلى 373.
                          وبما ذكرنا، يتضح للجميع أن ما ذكره الشاب هو الصواب.
                          ونسأل الله أن يهدي الجميع لإصابة الحق في القول والعمل؛ إنه سميع مجيب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
                          [1] صدرت من مكتب سماحته برقم: 2823 / 2، في 17/9/1408هـ.

                          [2] سورة الفتح، الآية 10.

                          [3] سورة المائدة، الآية 64.

                          [4] سورة ص، الآية 75.

                          [5] سورة الزمر، الآية 67.

                          [6] سورة الملك، الآية 1.

                          [7] سورة آل عمران، الآية 26.

                          [8] سورة الإسراء، الآية 29.

                          [9] سورة ص، الآية 75.

                          [10] أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، برقم: 3406.

                          [11] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: لما خلقت بيدي، برقم:6862، ومسلم في كتاب الزكاة، باب: الحث على النفقة وتبشير المنفق، برقم: 1659.

                          [12] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض، برقم: 6039، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب نزل أهل الجنة، برقم: 5000.

                          [13] أخرجه مسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، برقم: 4996.

                          [14] سورة الزمر، الآية 67.

                          [15] أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - برقم: 5157.

                          [16] أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب يقبض الله الأرض يوم القيامة، برقم: 6038، ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، برقم: 4994.

                          [17] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المعوذتين، برقم: 3290.

                          [18] أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، برقم: 6855، ومسلم في كتاب التوبة، في سعة رحمة الله تعالى، برقم: 4939.

                          [19] أخرجه الإمام مسلم في كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى - عليهما السلام -، برقم: 4795.

                          [20] تفسير ابن كثير، ج3، ص: 52.

                          [21] أخرجه الترمذي في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة الأعراف، برقم: 3001.

                          [22] أخرجه ابن ماجة في سننه، كتاب المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين، برقم: 43.
                          اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                          "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                          "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                          تعليق


                          • #43
                            رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                            يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: (( وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ))[يس:38]؟

                            قد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- مستقرها، وأنها تسجد تحت العرش، فإذا حاذت العرش سجدت سجوداً يليق بها الله يعلم كيفيته -سبحانه وتعالى-، وهي لا تزال دائمة ماشية حتى يوم القيامة، تطلع من المشرق وتغرب من المغرب،
                            اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                            "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                            "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                            تعليق


                            • #44
                              رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                              يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: (( لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ))[البقرة:226]؟


                              الآية في الإيلاء، والإيلاء اليمين، يؤلون يعني يحلفون، للذين يؤلون من نسائهم يحلفون بنسائهم ألا يطئوهن فوق أربعة أشهر، فإذا قال والله لا أطؤك أربعة أشهر أو سنة فإنه يوقف بعد مرور الأربعة أشهر، له تربص أربعة أشهر فقط فإن فاء رجع ووطأها فالحمد لله وعليه كفارة اليمين، وإن لم يرجع وطلبت إيقافه فالحاكم الشرعي يوقفه، يقول له إما أن تفي وإما أن تطلق حسب طلبها وإن سمحت وتركته حتى يتمم يمينه فلا بأس فإذا قال والله لا أطؤك خمسة أشهر أو ستة أشهر يعني أكثر من أربعة أشهر هي بالخيار إن صبرت فلا بأس ولا كفارة عليه وإن لم تصبر فلها أن تطالب بأن يفي بعد أربعة أشهر يعني بأن يطأها فإذا وطأها كفر عن يمينه لأنه وطأها قبل أن تتم المدة وعليه كفارة يمين.
                              اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                              "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                              "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                              تعليق


                              • #45
                                رد: سؤال عن معنى آية والجواب لابن باز رحمه الله

                                يسأل تفسير بعض الآيات: ففي سؤاله الأول يسأل عن تفسير قوله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (( أَنِ اعْمَلْ سَابِغَات وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير ))[سبأ:11]؟


                                هذا توجيه من الله سبحانه إلى داود عليه الصلاة والسلام أن يعمل السابغات وهي الدروع التي تلبس في الحرب، وأن يقدر في السرد يعني حلق الدرع تكون الحلقة بقدر ما يدخل فيها حتى لا يسقط الدرع فهو تعليم من الله -جل وعلا- لداود أن يحسن صناعة السابغات التي هي الدروع التي ينتفع الناس حتى يستفيد منها الناس وينتفعون بها في الجهاد ثم أمره بالعمل الصالح ، العمل الصالح يشمل جميع طاعة الله ورسوله، وترك ما نهى الله عنه ورسوله. فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح وهو ترك معصية الله والقيام بأمر الله من شرع -سبحانه وتعالى-، هذا هو المشروع للجميع في عهد داود وفي عهد الأنبياء قبله، وفي عهد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، و بعده، فالمشروع للأمة العمل الصالح ولهذا قال: (واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير). والله يعلم أحوال عباده ويبصر أحوالهم وأعمالهم ولا تخفى عليه خافية -جل وعلا-، فالمشروع للجميع أتباع الرسل أن يعملوا صالحا، ولأتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- أن يجتهدوا في عمل الصالح، قال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) (8) سورة لقمان. فالمؤمن مأمور بالعمل الصالح، وهو طاعة الله ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسله، والصالح مأمور بالعناية بالصنعة، وإتقانها وعدم الخيانة فيها سواء كان يصنع الدروع، أو السيوف، أو البنادق، أو المدافع، أو غير ذلك، كل صالح مأمور بالعناية بإتقان الصنعة وعدم الخيانة والغش.
                                اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على آل إبراهيم"
                                "اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا "
                                "اللهم اجعل مصر أمنا سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين وجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن"

                                تعليق

                                يعمل...
                                X