إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تدبر آية....(الكلم الطيب)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

    { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ (19) } . ينخلع قلبه لذكر الموت ، هناك أُناسٌ يكرهون القرآن ، لماذا ؟ لأنه يُتلى في مناسبات الحُزن ، كأن القرآن يذكِّرهم بالموت ، هناك أناسٌ يكرهون بعض النباتات لأنها توضع على القبور ، يكرهون كل شيءٍ يذكِّرهم بالآخرة من شدة تعلُّقهم بالدنيا ، حتى أنك لا ترى في بعض البلدان جنازة إطلاقاً ، من المستشفى بسيارة إسعاف إلى المقبرة لا ترى فيها نعياً على الجدران ، بلادٌ كثيرة إسلامية النعي فيها ممنوع ، الجنائز ممنوعة ، لا ترى الموت على الإطلاق

    { يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ (19) }
    . يحب ألا يسمع الكلام الذي يُزعجه ، يضع إصبعه في أُذنه ، وهذا واقع ، تتحدث حديثاً عن الآخرة تجده يتثاءب ، اعتذر لأن عنده موعد ، اجعل الحديث عن الدنيا تجده جلس معك حتى الساعة الواحدة ، ولم يقل لك : عندي موعد ، ما دام الحديث عن الدنيا هو مصغٍ إليه ، كتلة نشاط وحيوية ، حدثه عن الآخرة تجده تململ وتثاءب وتأفف واعتذر . يظنون إذا تجاهلوا ذكر الموت ، وإذا تجاهلوا الدار الآخرة ، أنهم لا تصيبهم الآخرة ولا يموتون

    { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا (20) } . إذا نجح ابنه بتفوق فإنه يحب الجامع الذي فيه ابنه ، وشيخ ابنه ، ويقول له : يا بني خذ أخاك معك إلى الجامع ، وإذا رسب ابنه عزا كل أخطاء ابنه للشيخ والجامع ، الجامع ليس له علاقة بالموضوع ، ابنك هو المقصِّر ، لا يوجد عنده حل موضوعي ، إنه يميل مع مصالحه .

    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (21) } .
    أيها الأخوة أكبر سؤالٍ يُطْرَحُ علينا هو : لماذا نحن في الدنيا ؟ لماذا خُلقنا ؟ صدقوني أيها الأخوة أن ملايين طائلة من الناس يتحركون كل يوم ، يعملون عملاً شاقاً ، يكسبون الأموال ، يسكنون البيوت ، يتزوَّجون ، يسافرون ، يتاجرون ، يفرحون ، يمرحون ، ولا يعلم أحدهم لماذا خلقه الله ؟

    { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ (21) }
    . تعرفوا إليه ، تعرف إليه من خلقه ، في القرآن الكريم ألفٌ وثلاثمئةٍ واثنتان وعشرون آية كونية ، ما الهدف منها ؟ لماذا جعل الله سُدُس القرآن آيات كونية ؟ للتسلية ؟! للقراءة ؟! أم لنتعرف على الله من خلالها ؟ جعل الله هذه الآيات منهجاً للتفكُّر

    { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً (22) } . السماء بناء ، والله سبحانه وتعالى هو الذي بنى هذا النظام وبنى هذه المجرَّات ، قد يسأل أحدكم : كم مجرة في الكون ؟ لا يزال الكون مجهولاً ، أما المعلومات المتواضعة التي وصل إليها العلماء مليون ملْيون مجرة ، وفي أكثر هذه المجرات مليون ملْيون كوكب ونجم ، وكل هذه المجرات مُترابطة مع بعضها البعض بقوى التجاذب ، ومتحرِّكة بمساراتٍ مغلقة حيث إن هذا الكون مبنيٌ بناءً رائعاً أساسه التوازن الحركي .


    { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) } أيها الأخوة الكرام ، تعارف الناس على أن البعوضة لا قيمة لها ، حشرةٌ حقيرة ، يضربها الإنسان ويقتلها يبدو أن هذه الحشرة هيَّنةٌ على الناس ، لكن الشيء الذي يلفت النظر هو أن الشيء كلما صَغُر كلما احتاج إلى صنعةٍ بارعة ، فقد تجد مذياعاً كبيراً فلا يثير دهشتك ، أما إن رأيته صغيراً فإنه يستأثر باهتمامك ، وأما إن رأيت ساعةً فيها مِذياع فإنك تزداد اهتماماً وانتباهاً ، وتدرك أن فيها دقة صُنع . أطلعني أخٌ كريم على جهاز كمبيوتر بحجم كف اليد فيه كل البرامج التي توضع في الكبير ، وفيه اتصال دولي ، وفيه إنترنت ـ شيء لا يُصدق ـ بحجمٍ صغير ، فكلَّما صغرت الآلة كان وراءها صنعةٌ بارعة

    تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى

    تعليق


    • #77
      رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

      { إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً (26) } البعوضة أيها الأخوة لها ثلاثة قلوب ، قلبٌ مركزي وقلبٌ لكل جناح ، هذا القلب يُمِدُّ الجناح بطاقةٍ تجعله يرِفُّ أربعة آلاف رفةٍ في الثانية ، هذه البعوضة عندها جهاز رادار ، ففي ظُلمة الليل ينام طفلان على سريرهما تتجه البعوضة إلى الطفل مباشرةً دون أن تتجه إلى وسادة أو إلى ركن في الغرفة ، الآن لديها جهاز رادار يكشف لها الكائن الحي فإذا وصلت إليه حلَّلت دمه ، هناك دمٌ لا يُناسبها ، قد ينام أخوان على سرير واحد ، يفيق أحدهما ، وقد أُصيب بمئات لدغات البعوض ، والثاني سليم ، إذاً عندها جهاز تحليل دم ، تأخذ الدم الذي يناسبها ، وتدع الذي لا يناسبها ، والبعوضة من أجل أن تأخذ هذا الدم لا بد أن تميَّعه لأن الكرية الحمراء أوسع من خرطوم البعوضة ، فلا بد من أن تميع الدم حتى يجري في خرطومها ، فإذا لدغت البعوضة هذا الطفل استيقظ وقتلها فلا بدّ أن تخدره ، متى يشعر الإنسان بلدغ البعوضة ؟ بعد أن تطير ، يضربها من دون فائدة لأنها تكون قد طارت ، فهذه البعوضة الصغيرة فيها جهاز رادار ، وجهاز تحليل ، وجهاز تمييع ، وجهاز تخدير ، ولها جناحان يرفَّان أربعة آلاف رفَّة في الثانية ، ولها ثلاثة قلوب ؛ قلبٌ مركَّزي ، وقلبٌ لكل جناح ، وبإمكان البعوضة أن تقف على سطحٍ أملس


      { يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ (26)
      } من هو الذي يستخف بهذه البعوضة التي هي من آيات الله الدالة على عظمته ؟ إنه الفاسق : ﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) ﴾ هناك علاقة رائعة بين السلوك وبين الاعتقاد ، الفاسق لا يعتقد والمؤمن يعتقد ، الفاسق يسخر والمؤمن يُعَظِّم ، معنى ذلك أن الإنسان حينما يفسُق يصبح منطقه تبريرياً تسويغياً ، منطقه مقيداً بشهواته ، لذلك إياك أن تناقش منتفعاً لأنه لا يقنع معك ، فهو يدافع عن المكاسب التي حَصَّلها ، هذا الذي ينتفع من الكفر لا يمكن أن يتخلَّى عن الكفر لأنه ينتفع منه ، منتفع ، المنتفع لا يُناقَش ، والغبي لا يُناقَش ، والقوي المغتر بقوته لا يُناقَش

      { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ (27) }
      عهد الله إلينا أن نأكل المال الحلال ، عهد الله إلينا أن نَقْصُرُ طرفنا على زوجاتنا وعلى محارمنا ، عَهْدَ الله إلينا أن نكون صادقين ، عهد الله إلينا أن نكون أُمناء ، عهد الله إلينا أن نؤدِّي الأمانات إلى أهلها ، عهد الله إلينا ألا نظلم بني البشر ، ألا نكذب ، ألا نأخذ ما ليس لنا ، أن نكون أمناء ، لذلك بعث الله عزَّ وجل النبي عليه الصلاة والسلام لهذه الأمة ليقوِّم أخلاقها

      { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) } هناك حقيقة واحدة في الكون هي الله ، أي عمل يقرِّبُك من الله هذا عمل عظيم ، وأي عمل يبعدك عن الله عزَّ وجل فهو عمل خسيس ، فشراء مجلة غير منضبطة مشكلة ، شاب يطَّلع على صور الفنانات في أوضاع مغرية في مجلة مشكلة ، وهذه المجلة ومثيلاتها ينبغي ألا تدخل هذا البيت ، هناك من يشتري هذه المجلاَّت ويضعها في عيادته من أجل أن يستمتع المرضى قبل الدخول إلى غرفة المعاينة ، هذا يقطع ما أمر الله به أن يوصل . أيها الأخوة ، هؤلاء يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، وبالمناسبة إذا وجدت إنساناً له شيخ في مسجد ، ملتزم ، متألِّق ، دَعْهُ لا تدخل بتفاصيل ، لا تقطعه عن هذا المسجد ، هذا مصدر سعادته ، مصدر انضباطه ، إلا بحالات نادرة جداً ، إذا كانت هناك عقيدة منحرفة خطيرة جداً في هذا المسجد ، هذا موضوع ثانٍ ، أما بشكل عام فلا يكن همُّك قطع إنسان موصول بالله عن طريق جماعة ، عن طريق مسجد ، عن طريق شيخ ، هذا عمل تخريبي

      { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ (27) } إيَّاك أن تكون أداة قطعٍ ، بل كن أداة وصلٍ ، لذلك : ليس منا من فَرَّق . حتى بعض المؤسسات مثلاً تعلق أنها تريد موظفاً يعمل لديها غير متزوج ، أو غير مصحوب بزوجته ، في دول الخليج أحياناً يطلبون موظفاً من دون زوجة ، زوجته أقرب الناس إليه ، ليس في الإمكان أن يعيش بعيداً عنها ، وليس في إمكانها أن تعيش بعيدةً عنه ، لا نقبلك بزوجة ، يبقى سنةً بأكملها في مكان ، وزوجته في بلد آخر ، هؤلاء يقطعون ما أمر الله به أن يوصل ، هؤلاء الذين يفرِّقون شمل الأسرة هؤلاء ليسوا على حق ، يأمرك القرآن والسنَّة أن تجمع شمل الأسرة ، هذه الآية واسعة جداً لا تنتهي

      { وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ (27) } سأل أحدهم أخته عندما جاءها مولود : ماذا قدَّم لكِ زوجكِ بمناسبة الولادة ؟ قالت له : لم يقدِّم لي شيئاً ، فأجابها متسائلاً : أمعقول هذا ؟ أليس لكِ قيمة عنده ؟ والله يليق بكِ شخص غيره أرقى منه ، ألقى بذلك قنبلة ومشى ، جاء زوجها ظهراً إلى البيت فوجدها غاضبة فتشاجرا ، وتلاسنا ، واصطدما ، فطلقها ، من أين بدأت المشكلة ؟ من كلمة قالها الأخ ، مثلاً قد يسأل أحدهم : هذا البيت كيف يتسع لكم ؟ إنه يتسع لنا ، ليس لك أنت علاقة ، إنه يحب أن يُعَكِّر صفو الأسرة ، هو شيطان ، داخل فيه شيطان ، وهذا هو الفساد


      { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ (34) } قال العلماء : " عِلَّةُ أي أمرٍ أنه أمر " ، مثلاً عندك لا سمح الله آلام بالمعدة ، ودخلت إلى أفضل طبيب في البلد ، معه أعلى شهادة ، ومعه أعلى خبرة ، إذا قال لك : دع الحوامض ، لا يخطر في بالك لحظة أن تفكر بأمره ، لأنك تثق بعلمه ، تنفذ لأنه أمرك ، أنا مرة قلت عن عالم من علماء هذه البلدة الطيبة كان بأمريكا ودخل بنقاش مع عالم كبير حديث العهد بالإسلام ـ عالم بالفيزياء أو الكيمياء ـ طُرِح موضوع لحم الخنزير ، بدأ هذا العالم يتحدث عن مضار الخنزير ، وعن الدودة الشريطية ، وعن تأثر طباع الإنسان بلحم الخنزير وطباع الخنزير ، وعن أن هذه الدودة لا تتأثر بالحرارة ، وتكلم كلاماً طيباً جداً سبحان الله ، فأجابه هذا المسلم الأمريكي قال له : يا أستاذ كان يكفيك أن تقول لي : إن الله حرمه ، فهذا يكفي ، يكفي إذا قال لك خالق الكون : لا تفعل هذا الشيء ، لذلك قال العلماء : علة أي أمرٍ أنه أمر


      تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى

      تعليق


      • #78
        رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

        جزاك الله خيرا ونفع الله بك

        تعليق


        • #79
          رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

          { فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ (34) } قد يقول قائل : الملائكة سجدوا ، وإبليس مستثنى منهم ، هل المعنى أنه مَلَك ؟ لا الاستثناء نوعان ؛ هناك استثناء متصل ، واستثناء منقطع ، إذا قلنا : دَخَلَ الطلاب إلا خالداً ، هذا استثناء متصل ، خالد طالب ، أما إذا قلنا : دخل الطلاب إلا المدرس ، هذا استثناء منقطع المدرس ليس من جنس الطُلاَّب ، لكن دخول الصف يشمل الجميع ، الطلاب والمدرس ، فهذا الاستثناء لا يعني أن إبليس مَلَك ، لا أبداً *! إبليس كان من الجن ، ولو كان مَلَكَاً لما عصى أبداً ، لما عصى ، لأنه مسيّر لا يستطيع أن يعصي

          { فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ (34) } معصية الكبر عند الله كبيرةٌ جداً : الكبر أن ترفض الحق ، ألا تقبله ، ألا تعبأ بالصلاة ، ألا تعبأ بالزكاة ، ألا تعبأ بالحج ، أن ترى نفسك فوق الشرع ، معصية الاستكبار كبيرة جداً ، إبليس استكبر

          { وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (35) } قال الله عزَّ وجل : اسكن ، وهذا فعل أمر ، لم يقل : اسكني ، وذلك حسب التغليب لأن كل أمر موجهٌ إلى الذكور هو حكماً موجهٌ إلى الإناث

          { فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ (36) } ما دام المرء بالمعاصي والآثام ترك الصلاة ، ما دام ماله حراماً ، ما دام يرتاد الملاهي ، تجده مرتاحاً ولا يوجد عنده مشكلة ، عندما يلتزم بجامع يقول له الشيطان أول شيء : قد يكون هذا القرآن ليس من عند الله ، بل هو كلام محمد ؟ متى بدأ الشيطان يوسوس لهذا الإنسان ؟ بعد أن التزم ، وطريق الفجور لا يوجد فيه شيطان ، الطريق سالك ونازل ، وبعد أن التزم المرء قعد الشيطان على طريق الصلاح

          { فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} أصعب الناس رجوعاً إلى الصواب ؛ أطولهم مكثاً على الخطأ!

          (وأن أعمل صالحاً ( ترضاه ) } أن تعمل صالحاً فأنت موفق ، وأن يقبله الله منك فذلك الفوز العظيم ! اللهم وفقنا واقبل منا

          قال تعالى :" وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " الغافل يعيش هكذا ، ويموت هكذا ، وحتى لما قضي الأمر وقامت القيامة يظل غافلا لا يصدق ما يحدث

          قال تعالى : " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ " الموت قادم ، وقيامتك قريبة ، وللأسف مازلت غافلا ، لا تتعظ بالوقائع ، مازلت تلعب ، مازلت تلهو ، حذار فالله يقول : " وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا "

          الغفلة قرينة لحب الدنيا ، واليقظة قرينة " ذكرى الدار " تذكر الآخرة ، فالدنيا تلهي " ألهاكم التكاثر " والآخرة توقظ " حتى زرتم المقابر "

          تعليق


          • #80
            رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

            قال الله تعالى :" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " فكان علاج الضيق : الذكر " سبحان الله وبحمده " ، وكثرة الصلاة وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر يفزع للصلاة ، وكانت العبادة ولزوم المحراب حتى الموت

            " وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ " إن الماكرين مهما اشتد مكرهم ، والكائدين وإن بدا استعصاء كيدهم ، ينسون " إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا " يتغافلون عن " وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم " " ويمكرون ويمكر الله " فأحيانا يضيق صدر المؤمنين بمكر الماكرين ، حتى يظنوا أنَّه لا مفر من استعلاء الظلم والقهر . لكن الله بالمرصاد ، وهو يصنع بكم يا مؤمنون يا مؤمنات هذا لتزدادوا قربا ، فتترفعون عن الدنيا ، وتتعلقون بالآخرة

            " وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ "كذابون يدعون الإيمان وهم منه براء ، لذلك ذكر عقابهم الشديد " وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " والمشكلة الكبرى أن تكون كذابا ، ولا تشعر ، أو تصدق كذبك ، وتدعي أنك صالح أو مؤمن أو تقي أو من النخبة أو ....الخ ثم أعمالك تكذب أقوالك ، ثم أحوالك تفضح كذبك .

            قال الله تعالى : " إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " هل تخيلتم يوما ما أن " الغم " مثوبة ، الغم أجر ، لم يقل " فأصابكم " بل " فأثابكم " أيها المهموم ويا صاحب الغموم ، افهم عن الله تعالى ، إنه يبتلي ليهذب لا ليعذب ، إنَّ كل ما يصيبك من نكد هذه الحياة لكي تعلق قلبك بالله وحده ، فلا تفرح بموجود ولا تحزن على مفقود

            قال الله تعالى : " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ " [ آل عمران : 24 ] الشيطان من أسمائه ( الغَرور ) " ولا يغرنكم بالله الغرور " ومن أخطر طرائق الشيطان أن يغرر الإنسان بالدين ، فتجد الواحد مغرورا بالتزامه لبعض الشرع ، مغرورا بفهمه الخاص للدين ، مغرورا بظاهر لا وزن له في قلبه ، مغرورا بكلمات يحفظها ويتشدق بها ، مغرورا يشعر أنه من " النخبة " من " الصفوة " أنه من " الخاصة " .. لذلك لسان المغرور يقول : " لن تمسنا النار إلا أياما معدودات " أفيقوا ... وتخلصوا من داء الغرور القاتل ، فلا تنس ذنوبك ، ولا تنس ماضيك لذلك قال الله لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم :" وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ " لا تحكموا على الناس ، ولا تغتروا بأنفسكم ، وتذروا عيوبكم لتذلوا لله تعالى ، واعرفوا أن النعمة من الله ليس لكم فيها من شيء ، بل محض فضله سبحانه ...اليوم ارفع شعار " لا للغرور "

            استشعروا خطر الواقع فاستدفعوا النقم بالبكاء والتضرع
            " وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ " عليكم بالدعاء مع احتراق القلب ، تباكوا حتى تلين القلوب بالبكاء ، ابتعدوا عن مفسدات القلوب ،

            { وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) } هذه كلمة ﴿ إلى حين ﴾ إذا فهمها الإنسان ترتعد مفاصِلُه ، ﴿إلى حين﴾ ، عدة سنوات ، اعمل ما شئت لا بد من الموت ، إذا شيَّع الواحد جنازة ، ووقف على القبر ، وضع هذا الميت في القبر ، هذه الحادثة الرهيبة كلنا سوف نصل إليها ، كلنا ، مهما كان حجمك المالي ، مهما كان بيتك فخماً ، مهما كان لك هيمنة على الناس ، مهما كان لك أذواق رفيعة جداً في الاستمتاع ، مهما كنت أنيقاً عندك أذواق عالية ، مهما كان رصيدك كبيراً ، هذه اللحظة لا بد منها ، لذلك العاقل هو الذي يعد لهذه اللحظة التي لا بد منها عدتها

            تعليق


            • #81
              رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)




              { فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) } أيها الأخوة ، فرقٌ كبير بين معصية إبليس وبين معصية آدم ، معصية إبليس ردٌ لأمر الله ، معصية إبليس استكبارٌ عن طاعة الله ، معصية إبليس تنطلق من الكِبر ، وهذه في سُلَّمِ المعاصي تقع في أعلى درجة ، فأشد المعاصي إثماً وعقاباً وبعداً أن يَسْتَنْكِفَ الإنسان أن يطيع الله كبراً ، أما الذي يعصيه غَلَبَةً فهذا توبته سريعة ، إلا أن العلماء يقولون : إن الأنبياء معصومون ، ومعصية آدم ليست معصيةً بالمعنى الدقيق ، لأن الله سبحانه وتعالى أراد من الذي حصل لآدم أن يكون درساً بليغاً له ولذرِّيَتِه من بعده

              { فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) } الله عزَّ وجل توَّاب ، ومعنى توَّاب صيغة مبالغة ، وصِيَغ المبالغة مع أسماء الله الحسنى تعني أنه يتوب على الإنسان من أكبر ذنبٍ اقترفه ، ويتوب عليه من آلاف الذنوب ، فهنا مبالغة كَماً ونوعاً ، مهما كان الذنب في نظرك كبيراً يتوب الله عزَّ وجل عليك منه ، أي ذنبٍ مهما بدا لك كبيراً

              { قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعاً } الهبوط نزول مستوى ، كان الإنسان بحالة راقية صار بحالة متعبة ، تجد الإنسان يصل إلى ثلاثين سنة حتى يتزوج ، هذا يكون سبَّاقاً إلى الزواج ، حتى يستقر إلى أن يجد له بيتاً ، مأوى ، زوجة ، أولاداً ، ثلاثين عاماً فما بعد ، يحتاج إلى سنوات وسنوات حتى يستطيع أن يتحرك حركة معقولة ، فهؤلاء الذين كسبوا المال حصَّلوه بجهدٍ جهيد ، فلمَّا حصَّلوه ما بقي لهم كثير ولا قليل حتى يغادروا الدنيا ، فالدنيا دار تعب

              { فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } العبرة ليست في الشباب ولكن في الشيخوخة ، العبرة في خريف العمر ، هذه المرحلة من العمر متعلِّقة بالشباب ، أحد الصالحين هنا في الشام عَلَّم الطلاَّب ثمانين سنة ، بدأ بالتعليم في الثمانية عشر وتوفي في الثمانية والتسعين وهو قائم على التعليم ؛ التعليم الديني ، وكان يقول للطالب : يا بني أنت تلميذي ، وكان أبوك تلميذي ، وكان جدَّك تلميذي ، أي أنه علَّم ثلاثة أجيال ، وخرَّج آلافاً مؤلَّفة من أعلام هذه البلدة ، وكان في الثمانية والتسعين منتصب القامة ، حاد البصر ، مُرْهَف السمع ، أسنانه في فمه ، متَّعه الله بقوَّته ، فكان إذا سُئل : يا سيدي ما هذه الصحَّة التي أكرمك الله بها ؟! يقول : " يا بني حفظناها في الصِغَرْ فحفظها الله علينا في الكِبَرْ ، من عاش تقياً عاش قويَّاً " ، لذلك خريف العمر متعلِّق بالشباب

              فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } لا خوفٌ عليهم من المستقبل ، يضمن الله لهم مستقبلاً مريحاً ، ولا يحزنون على ما مضى لأنهم قادمون إلى الجنَّة ، إنسان يسكن في حيّ فقير ، في حي متواضع جداً ، وفي بيت صغير تحت الأرض ، مساحته ثمانون متراً ، عنده ثمانية أولاد ، فإذا انتقل إلى بيت مساحته أربعمئة متر له إطلالة جميلة جداً ، هل هناك ألم في أثناء نقل الأثاث ؟ هل هناك انقباض ؟ هل هناك ضيق ؟ بالعكس هناك فرح ، وسرور ، واستبشار ، الانتقال إلى الأحسن مسعد للنفس ، إذا عَمَّر الإنسان الآخرة سهُل عليه أن ينتقل إليها

              { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } هناك أيها الأخوة نعمةٌ وهناك مُنْعِم ، الكافر مع النعمة ، أما المؤمن مع المُنعم ، وما لم تنتقل من النعمة إلى المنعم فلست مؤمناً ، الكفَّار في كل مكان يستمتعون بنعم الله أَيَّما استمتاع ، بل إن الكفَّار أكثر من المؤمنين استمتاعاً بالنعم لأنها نصيبهم الوحيد من الله عزَّ وجل ، بلادهم جميلة ، وأموالهم طائلة ، وقوَّتهم مسيطرة ومع ذلك هم غارقون في المعاصي والآثام



              تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى

              تعليق


              • #82
                رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)


                { وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) } يمكن للإنسان أن يتاجر بالدين ، يمكن أن يستخدم القرآن لمصالحه ، ويمكن أن يستخدم العلوم الدينية لمصالحه ، ولكن هذا الإنسان هو أشقى الناس . إذا لعب الإنسان بدين الله يفرمه الله فرماً ، فهذا الدين دين الله عزَّ وجل لا تقربه بسوء ، فإذا أراد الإنسان أن يتاجر به ، أو أن يُضِل الناس ، فالله كبير وعقابه أليم وشديد . ادعى شخص من الباكستان النبوَّة ، وقال : " خاتم الأنبياء ليس معناه أنه آخر الأنبياء ، أي أن كلامه يصدِّق من يأتي بعده " ، وادَّعى أنه نبي ، وكانت هناك جائحة كبيرة جداً من مرض الكوليرا بالباكستان ، وزعم أنه لن يُصَاب بالكوليرا لأنه نبي ، فالذي حدث أنه أُصيب بالكوليرا ومات داخل المرحاض ، أي أن الله عزَّ وجل فضحه


                { وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) }هناك طُرْفَة ، أحد سماسرة البيوت دخل وصلَّى العشاء باتجاه الشمال ، ليوهمهم أن هذا البيت اتجاهه قبلي ، فمن أجل أن يبيع البيت باع دينه ، من أجل أن يبيع هذا البيت باع دينه كلَّه ، وهذا يحدث كل يوم ، طبعاً هذا مثل حاد ، يمكن لإنسان أن يحلف يمين كذب ، أو أن يشهد شهادة زور ، ممكن لمصلحة مُعَيَّنة أن يستعصي في بيت قد استأجره ، ويقول لك : أنا القانون معي ، أي أنه باع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل

                { وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) } بالمناسبة : أحياناً يفتي الإنسان فتوى فيأخذ ثمنها باهظاً ، ولكنها فتوى باطلة ، لذلك أخطر إنسان هو الذي يُفتي بخلاف ما يعلم ، الذي يُفتي وهو لا يعلم مُحاسَب ، أما الذي يُفتي بخلاف ما يعلم هذا اشترى بآيات الله ثمناً قليلاً ، أنت تفاجأ أن لكل معصية فتوى ، الآن في العالَم الإسلامي أيّ معصية لها فتوى كاملة ، فلا توجد مشكلة ، ولكن لم يبق شيء في الدين ، إذا كان الربا مسموحاً ، فتوى رسميَّة ، إذا كان هذا مسموحاً ، وهذا مسموح ، فما الذي بقى محرَّماً

                { وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) } العمليَّة عمليَّة تزوير ، الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمورٌ مشتبهات ، يأتي المنافق ويجمع شيئاً من الحق وشيئاً من الباطل كيف ؟ يقول لك : يا أخي الله عزَّ وجل قال : ﴿ لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً ﴾ . ( سورة آل عمران : آية " 130" ) معنى هذا ـ حسب مفهومه ـ إذا أخذ الإنسان أضعافاً قليلة فهو ليس مؤاخذاً

                { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ (44) } هذا أخطر شيء بالدعوة ، وأخطر شيء يصيب أهل الدين الازدواجيَّة ، أي هناك نصوص وهناك طقوس وعبادات ، أما المعاملة فهي شيءٌ آخر ، عندما تنفصل المعاملة عن العبادة انتهى الدين ، يوجد في الدين عبادة تعامليَّة ، وعبادة شعائريَّة ، وهما متكاملتان ، والعبادة الشعائريَّة لا قيمة لها إلا بالتعامليَّة ، فإذا ألغينا التعامليَّة ألغينا الدين كلَّه

                { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } يتعلم الناس بعيونهم لا بآذانهم ، ولغة العمل أبلغ من لغة القول ، والذي يشدُّ الناس إلى الدين المُثُل العُليا ، أما الكلام فلا يؤثِّر ، الكلام لا يُحرِّك ساكناً ، جاء الأنبياء بالكلمة فقط ، ولكن بالكلمة التي يؤكِّدها الواقع ، فلو سألتني : ما سر نجاح دعوة الأنبياء ، وإخفاق دعوة الدعاة في أيامنا ؟ لأنه لا توجد عند النبي ازدواجيَّة أبداً ، فالذي قاله فعله ، والذي فعله قاله ، فالانسجام تام بين أقواله وأفعاله ، ينبغي على المؤمن أن تكون سريرته كعلانيَّته ، وظاهره كباطنه ، وما في قلبه على لسانه

                { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } الإنسان له علاقتان ؛ علاقةٌ مع الخلق ، وعلاقةٌ مع الحق ، العلاقة مع الحق الاتصال به عن طريق الاستقامة على أمره ، وعلاقته مع الخلق الإحسان إليهم ، فإذا أردت أن تجمع الدين كلَّه ففي كلمتين : اتصالٌ بالخالق وإحسانٌ إلى المخلوق ، وإن أردت أن تبحث عن علاقةٍ بينهما ، فهناك علاقة ترابطيَّة بينهما ، فكل اتصالٍ بالخالق يعينك على أن تُحْسِنْ إلى المخلوق ، إنك بهذا الاتصال تشتقُّ من كمال الله ، وكل إحسانٍ إلى المخلوق يعينك على الاتصال بالخالق

                تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى

                تعليق


                • #83
                  رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                  { وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) } يتوهم الإنسان بالعُزلة أوهاماً مضحكة ، يبني قصوراً من الأوهام ، ولكنه يتحجم عندما يقيم مع الآخرين ، وهذا التحجيم صحِّي ، قد تتوهِّم أنك أكبر مؤمن ، فعندما تجلس مع مؤمن أكبر منك ترى أن عملك لا شيء أمام عمله ، إخلاصك أقل من إخلاصه ، طموحك أقل من طموحه ، تتحجَّم ، فهذا التحجيم ضروري جداً للإنسان ، هذا التحجيم منطلق العطاء ، منطلق التفوّق ، أما لو أنك توهَّمت أنك في مستوى رفيع جداً ، وأنت بعيد عن المجتمع هذا الوهم غير صحيح ، هذا يُقْعِدُكَ عن طلب العُلا

                  { أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ (44) } أن تأمر الناس بالبر قضيَّة لا تكلِّف شيئاً ، وسهلة جداً ، لاحظ الناس إذا أصيب إنسان بمصيبة كل من حوله يقولون له : بسيطة ، لا توجد مشكلة ، طوِّل بالك ، سهل عليك أن تُصَبِّره ، ولكن لو وقعت معك هذه المصيبة قد تفعل أكثر مما فعل ، فالتصبير سهل ، والكلام سهل ، أما أن تكون في مستوى كلامك هذا الشيء الذي يجعلك بطلاً

                  { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ (45) } الإنسان المتفلِّت يُطلق بصره في الحرام ، ماله حرام ، عمله سيِّئ ، فإذا وقف ليصلي تجد أنه محجوب عن الله عزَّ وجل ، فصلاته حركات ليس لها معنى بالنسبة له ، أحياناً تجد صلاة سريعة جداً غير معقولة إطلاقاً ، فالصلاة السريعة أو الصلاة التي لا يوجد فيها خشوع سببها الحجاب ، فإذا صلى الإنسان ولم يشعر بشيء ، قرأ القرآن ولـم يشعر بشيء ، ذكر الله ولم يشعر بشيء

                  { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) } الصلاة كبيرة ، كبيرة على المنافق : كبيرة عليه ، يصعب عليه أن يصلي ، قد يمضي ساعات طويلة في كلام فارغ أما أن يصلي التراويح فهي صعبة عليه ، لا يحتمل ، أنا والله أعرف أناساً في التراويح كأنهم في جنَّة ، في جنَّة من جنَّات القُرب ، واقف يستمع إلى القرآن الكريم وكأن الله يحدِّثنا ، قال : " إن أردت أن تحدِّث الله فادعه ، وإن أردت أن يحدِّثك الله فاقرأ القرآن " ، أنت حينما تقرأ القرآن أو تستمع إليه تشعر وكأن الله يحَدِّثك ، فالتراويح فيها راحة للنفس ، والفرق بين صلاة المنافق وصلاة المؤمن أن صلاة المنافق أرحنا منها ، والمؤمن أرحنا بها ، هذا هو الفرق بين (من) وبين (الباء) ، المنافق يقول : أرحنا منها ، والمؤمن يقول : أرحنا بها


                  { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ (46) } كل عمل يعمله يتصوَّر أنه واقفٌ بين يدي الله عزَّ وجل ، لماذا فعلت كذا ؟ لماذا أعطيت ظلماً ؟ لماذا منعت ؟ لماذا غدرت ؟ لماذا كذبت ؟ لماذا احتلت ؟ لماذا اغتصبت هذا البيت ؟ لماذا لم تنصح فلاناً ؟ أما إذا كان كل يومه أخطاء ومعاصي وآثاماً فأي صلاة هذه ؟! نقول له : صل ، ولكن استقم من أجل أن تتصل بالله عزَّ وجل

                  { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) } المفتاح الدقيق للآية أن تؤمن بالآخرة ، أن تؤمن أنه لا بد أن تقف بين يدي الله عزَّ وجل ليسألك : لـماذا فعلت هذا ؟ دخلت زوجة سـيدنا عمر بن عبد العزيز عليه وهو يبكي في مصلاَّه ، فقالت له : " ما يبكيك ؟ قال لها : " دعيني وشأني " ، ألحَّت عليه ما يبكيك؟ فلمَّا ألحَّت عليه قال : " يا فلانة إني نـظرت إلى الفقير البائس ، والشيخ الكبير ، وذي العـيال الكثير ، وابن الـسبيل ، والمرأة الأرملة ، والشيخ الفاني ـ ذكَّر أصنافاً من المعذَّبين في الأرض ـ كل هؤلاء سيسألني الله عنهم جميعاً ." قال : " لو تعثَّرت بغلةٌ في العراق لحاسبني الله عنها : " لمَ لمْ تُصْلِح لها الطريق يا عمر ؟ " ، عمر حاسب نفسه على بغلة تعثَّرت في العراق ، لِمَ لمْ يصلح لها الطريق


                  تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى

                  تعليق


                  • #84
                    رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                    { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } أيها الأخوة ، بشكلٍ مختصرٍ مُرَكَّز خلق الله الإنسان ليسعده في الدنيا والآخرة ، فإذا انحرف عن منهج الله تقتضي رحمة الله أن يسوق له بعض الشدائد كي يعيده إليه ، هذا كل ما في الأمر لذلك العِلاجات التي يسوقها الله عزَّ وجل لعباده مُنَوَّعةٌ وكثيرةٌ ، وعلى درجات ، وعلى مستويات ، لعلَّ من أشدِّها أن يبتليهم الله عزَّ وجل بظالمٍ يُذَبِّح أبناءهم ويستحي نساءهم يؤكِّد هذا المعنى قوله تعالى : ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ (65) ﴾ ( سورة الأنعام : من آية " 65 " ) الصواعق ، والصواريخ : ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ ( سورة الأنعام : من آية " 65 " ) الزلازل ، والألغام : ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ ( سورة الأنعام : من آية " 65 " )


                    { وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ (49) } آل فرعون أي من كان على منهج فرعون ، من كان على شاكلة فرعون ، ليس معنى آل فرعون أقرباءه ، فآل النبي من سار على منهجه ، فهل يُعَدُّ أبو لهب من آل النبي ؟ لا ، هل يعدُّ أبو جهل من آل النبي ؟ لا ، ولكن يُعَدُّ سلمان الفارسي من آل بيت النبي ، ويعدُّ صُهَيْبُ الرومي من آل بيت النبي ، ويعد بلال الحبشي من آل بيت النبي ، كل من آمن بالنبي وسار على نهجه واتبع سنَّته القوليَّة والعمليَّة فهو من آله ، وكل من شاكل إنساناً وسار على نهجه فهو من آله


                    { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } مُعجزات مُدهشة ، صار البحر طريقاً , الله يتدخل أحياناً ، وإذا تدخَّل الله تنتهي كل مشاكلنا ، ولكن أنت اطلب منه موجبات رحمته ، إذا فعلت موجبات رحمته أوجب ذلك أن يتدخَّل الله لصالحك ، وتوجد بعض الشواهد في حياتنا ، شيء لا يُحتمل صرفه الله عزَّ وجل من عنده


                    { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (50) } أغرق الله فرعون ، ولكنه نَجَّاه ببدنه إلى الشَاطئ ، لأنه إذا أغرقه واستقرَّ في أعماق البحر لما صدَّق أحدٌ أنه غرق ، لأنه عندهم الإله ولكنَّ الله أراد أن يجعله عبرةً : ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ (92)﴾ . (سورة يونس : من آية " 92 " ) ما قال الله : لتكون آية أي لمن حولك ، لكنه قال : ﴿ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً (92) ﴾ .(سورة يونس : من آية " 92 "


                    { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) } أي أن الله أمر الذين لم يعبدوا العجل أن يقتلوا من عبد العجل جزاء ارتكابهم أكبر ذنب في الدين ، وهو أن تُشرك ، لكن الله عزَّ وجل رَحِمَ أمَّة محمِّد صلى الله عليه وسلَّم فجعل توبة المؤمنين لا تقتضي هذا القتل ، يكفي أن تقول : يا رب لقد تبت إليك ، يقول لك : عبدي وأنا قد قبلت ، هذه رحمةٌ كبيرة ، ولكن بني إسرائيل كُلِّفوا أن يقتلوا أنفسهم ، أن يقتل بعضهم بعضاً ، أن يقتل الذين لم يعبدوا العجل الذين عبدوا العجل


                    ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) } يُروى أن رجلاً سيق إلى سيدنا عمر متلبّساً بسرقة فقال : " والله يا أمير المؤمنين إنها أول مرَّةٍ أفعلها في حياتي " ، قال له : " كذبت إن الله لا يفضح من أول مرَّة " ، فكانت المرَّة الثامنة ، فالله عزَّ وجل يعطي مهلة ، هناك خطأ ، هناك معصية ، هناك تقصير يعطي مهلة إلى أن يُصِر على ذنبه


                    { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ (57) } من النِعَم التي امتنَّ الله بها على بني إسرائيل شمس الصحراء لا تُحتمل ، كانت تسير معهم غيمة أينما ساروا ، يقال أحياناً : "إذا أحبَّ الله قوماً أمطرهم ليلاً وأطلع عليهم الشمس نهاراً " ، تأتي أحياناً نسمات لطيفة في الصيف تلغي مكيِّفات ثمنها ألف مليون يقول : كم متراً غرفتك ؟ أنت تحسبها ، أربعة بثلاثة باثنين ونصف ، يقول لك : إذاً تحتاج لاثنين طن ليتم التكييف الجيد ، ثمن الطن مئة ألف وهذه الغرفة لا يتم تكيفها بطن واحد ، تأتي نسمات لطيفة من عند الله عزَّ وجل تلغي عمل المُكَيِّفات كلها ، أحياناً نستورد أعلافاً بألوف الملايين ، موسم مطير واحد يغني عن كل هذا الاستيراد ، قد نستورد بألوف الملايين قمحاً لنأكله ، موسم مطير واحد يُغني عن كل هذا الاستيراد ، فالله إذا أعطى أدهش ، وهو على كل شيء قدير


                    { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (63) } يتابع الله جلَّ جلاله الحديث عن بني إسرائيل ، وقد بيَّنت لكم من قبل أن كل الأمراض التي وقع فيها بنو إسرائيل قد تزل قدم المسلمين فيقعوا في مثلها ، فلذلك من الأسلوب الحكيم أن تُعْرَض علينا أمراض الذين من قبلنا كي نتعظ بغيرنا فلا نقع فيما وقعوا فيه ، كل امتنانٍ من الله على بني إسرائيل في عهد موسى هو امتنانٌ على ذريَّتهم في عهد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلَّم ، لأن الكاف للخطاب


                    تفسير الدكتور محمد راتب النابلسى

                    تعليق


                    • #85
                      رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                      {تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون}! هكذا بكوا لفوات قربة من القربات التي كانوا معذورين فيها لفقرهم! فكم بكينا لفوات قربات لسنا معذورين فيها؟! بل فتش فستجد في الناس من يبكي لفوات شهوة، أو معصية، أو هزيمة ناديه المفضل!! [د.عمر المقبل]


                      شجرة الإخلاص أصلها ثابت، لا يضرها زعازع: {أين شركائي الذي كنتم تزعمون} وأما شجرة الرياء؛ فإنها تجتث عند نسمة: "من كان يعبد شيئا فليتبعه". [ابن القيم]

                      نظرت في هذه الآية: {ألم تر أن الله يسجد له من في السموات...}، ثم قال: {وكثير من الناس} فرأيت الجمادات كلها قد وصفت بالسجود، واستثنى من العقلاء، فقلت: هذه قدرة عظيمة، يوهب عقل الشخص، ثم يسلب فائدته! وإلا فكيف يحسن من عاقل ألا يعرف بوجوده، وجود من أوجده؟ غير أنه سبحانه وهب لأقوام من العقل ما يثبت عليهم الحجة، وأعمى قلوبهم كما شاء عن المحجة. [ابن الجوزي]

                      أن يخضع لك عدوك كأنه صديق؛ فهذا انتصار! وأن يعصمك الله من الشيطان؛ فهذا انتصار أكبر! تدبر: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم} فقد "أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك: عصمهم الله من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم". [ابن عباس]

                      {ليس عليكم جناح...} لما أمر تعالى بالتقوى، أخبر تعالى أن ابتغاء فضل الله بالتكسب في مواسم الحج وغيره؛ ليس فيه حرج إذا لم يشغل عما يجب، إذا كان المقصود هو الحج، وكان الكسب حلالاً منسوباً إلى فضل الله، لا منسوباً إلى حذق العبد، والوقوف مع السبب، ونسيان المسبب؛ فإن هذا هو الحرج بعينه. [السعدي].

                      أبلغ الله تعالى صوت إبراهيم حينما نادى بالحج، وحفظ هذا الأذانَ فجعله قرآنًا يردد في الصلوات، ويتلى في المحاريب {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا}. إنها إشارة قوية إلى أن على العبد أن يفعل الأسباب التي يستطيعها، ثم يترك ما وراء ذلك للقادر الكبير المتعال. [د.سلمان العودة].

                      { مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} إنها إحدى صور عظمة الحج؛ فلا تجد مشهدا يجمع الناس من كل جنسية وبلد، كما يكون في الحج، إنه مشهد يطلعك على عظمة هذا الدين، وعمقه في الأرض؛ بما لا يشهده دين آخر. [د.محمد الربيعة].

                      يا له من شرف! قال تعالى عن خيار رسله: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار}، تذكر الدار الآخرة والتذكير بها، والعمل لها؛ من نعم الله الخالصة على أوليائه المصطفين الأخيار. قال قتادة: كانوا يذكرون الناس الدار الآخرة والعمل لها. [ينظر: تفسير ابن كثير]

                      تعليق


                      • #86
                        رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                        حدث بيني وبين أحد إخوتي سوء تفاهم؛ فأرسل رسالة جوال تحمل: اتهامات باطلة، وظنونا سيئة، وكلمات مؤلمة؛ فغضبت وكدت أن أدفع الإساءة بمثلها، فقرأت قول أحد ابني آدم: {لئن بسطت إلي يدك...} الآية، فعلمت أن المؤمن يجب أن يجعل خوف الله نصب عينيه، ولا تغلبه حظوظ النفس، وتأخذه العزة بالإثم؛ فآثرت كظم غيظي، والعفو عنه، والإحسان إليه.

                        من علق أمره بعزة مخلوق أذله الله، تأمل قوله تعالى: {وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون - فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ...} -إلى قوله- {ثم أغرقنا الآخرين}. [د.محمد الربيعة]

                        تدبر هذه الآية: {فما لكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا} ثم تأمل في الجدل الإعلامي حول أشخاص أشربوا الفتنة وأركسوا فيها؛ تدرك مدى البعد عن هدي القرآن ودلالته، وتنزيل واقع الناس عليه. [أ.د.ناصر العمر]

                        عن أنس -رضي الله عنه-، أن ثابتا قال له: إن إخوانك يحبون أن تدعو لهم، فقال: اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فأعاد عليه! فقال: تريدون أن أشقق لكم الأمور؟! إذا آتاكم الله في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ووقاكم عذاب النار؛ فقد آتاكم الخير كله. [الدر المنثور]

                        قد تمر أوقات تنهزم فيها الأمة وتضعف، لكن لا يمكن أن تمر لحظة واحدة ينهزم فيها هذا الكتاب؛ لأن الله يقول: {وإنه لكتاب عزيز}. [محمد الراوي]

                        {إإِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } ومن لطائف القرآن: الاقتصار في وصف (سريع العقاب) على مؤكد واحد، وتعزيز وصف (الغفور الرحيم) بمؤكدات ثلاثة وهي: إن، ولام الابتداء، والتوكيد اللفظي؛ لأن (الرحيم) يؤكد معنى (الغفور): ليطمئن أهل العمل الصالح إلى مغفرة الله ورحمته، وليستدعي أهل الإعراض والصدوف إلى الإقلاع عما هم فيه

                        قال ابن تيمية: "وصف الله أهل الفواحش -الذين لا يغضون أبصارهم ولا يحفظون فروجهم- بخمسة عشر وصفا: السكرة، والعَمَه، والجهالة، وعدم العقل، وعدم الرشد، والبغض، وطمس الأبصار، والخبث، والفسوق، والعدوان، والإسراف، والسوء، والفحش، والفساد، والإجرام..."ا.هـ. ثم ذكر الآيات. أليس وصف واحد من هذه الأوصاف كاف في البعد عنها؟

                        منهج القرآن في بناء التفاؤل الذاتي في نفوس المؤمنين – مهما كانت الظروف والأحوال المحيطة به– يؤسس حصانة متينة دون التردي في الهزيمة النفسية، وآثارها السلبية على الفرد والأمة، والآيات في ذلك متعددة متواترة، تدبر -مثلا-: {االَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا...} الآيات، ثم انظر كيف كانت النتيجة! (
                        فَانقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ) [أ.د.ناصر العمر]


                        {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} رأيت أحد المدخنين عندما أراد الدخول للمسجد وضع علبة الدخان داخل حذائه! فماذا يعني هذا؟ الخبيث ترفضه الفطر السليمة. [من متدبر]

                        تعليق


                        • #87
                          رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)



                          {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ}
                          "من رضي عمل قوم حُشر معهم، كما حُشرت امرأة لوط معهم؛ ولم تكن تعمل فاحشة اللواط، فإن ذلك لا يقع من المرأة! لكنها لما رضيت فعلهم؛ عمَّها العذاب معهم". [ابن تيمية]



                          من أعظم أسباب انحراف بعض الدعاة عن الطريق المستقيم: جعل كثرة الأتباع مقياس النجاح والفشل؛ فأتباع الشيطان وحده أكثر من أتباع الأنبياء والمرسلين مجتمعين! تدبر: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} فمن اغتر بالكثرة، واعتبرها مقياسه؛ أصبح تابعا ومطيعا لها، شاء أم أبى. [أ.د.ناصر العمر]


                          {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ- إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}
                          قال قتادة: أهل رحمة الله: أهل الجماعة وإن تفرقت ديارهم وأبدانهم، وأهل معصيته أهل فرقة، وإن اجتمعت ديارهم وأبدانهم.

                          {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} و: {كتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ضع هاتين الجملتين: {فَاتَّبِعُوهُ} و{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} بين قوسين، لعل قارئها يستشعر أن هاتين الآيتين هما جواز الداخل إلى أقطار القرآن، ويعرف حق القرآن عليه! ووظيفته التي يجب أن يقوم بها نحوه، وهي: التدبر لمعانيه واتباعه. [البشير الإبراهيمي].

                          ما سر تخصيص الناصية بالأخذ دون سائر الجسد في قول هود لقومه: {إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا}؟ يجيب ابن جرير: "لأن العرب كانت تستعمل ذلك فيمن وصفته بالذلة والخضوع؛ فتقول: "ما ناصية فلان إلا بيد فلان"، أي: هو له مطيع يصرفه كيف شاء، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا إطلاقه والمن عليه، جزوا ناصيته؛ ليعتدوا بذلك عليه فخرا عند المفاخرة".

                          إذا قارف العبد الذنب، ولم يبادر إلى التوبة؛ فلا يأمن أن يسلط الله عليه الشيطان؛ فيستزله ويغويه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ }.[د.عبدالله السكاكر]

                          قول الملأ من قوم نوح: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } ليس بمذمة ولا عيب؛ لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال، بل لا بد من اتباع الحق -والحالة هذه- لكل ذي زكاء وذكاء، بل لا يفكر ههنا إلا غبي أو عيي. [ابن كثير]


                          فيما قصّه اللهُ -في سورة سبأ- من شأن داود واشتغاله بالصناعات عبرة! ذلك أن "الفقه في الدنيا جزء من العقل الذي يفقه الآخرة، ولن يستطيع نصرة الإيمان أبله ولا قاعد! وعندما تحوّل المسلمون إلى عالم ثالث أو رابع، نال منهم خصومُهم، وأمسوا معرة لدينهم!!". [محمد الغزالي]

                          تعليق


                          • #88
                            رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                            {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَاباً مَّسْتُوراً- وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُوراً } فتدبر ما ذكره الله عن أعداء الرسل من نفي فقههم وتكذيبهم تجد بعض ذلك فيمن أعرض عن ذكر الله، وعن تدبر كتابه واتبع ما تتلوه الشياطين وما توحيه إلى أوليائها. [ابن تيمية]


                            يقول سعيد بن جبير: كنت لا أسمع بحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجهه إلا وجدت تصديقه في القرآن، فبلغني حديث: "لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار"، فجعلت أقول أين مصداقه في كتاب الله؟ حتى وجدت هذه الآية {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ}

                            أركان الأخلاق: 1 - حفظ المراتب: كحفظ مرتبة النبي صلى الله عليه وسلم: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}. 2 - مراعاة العواقب: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم}. 3 - تحري المناقب، وتجنب المثالب: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}.[د.مصطفى البحياوي]

                            (إذا انغلق عليك أمر مشروع، أو ترددت فيه؛ شكاً في عدم قدرتك عليه؛ فاعزم وتوكل: "فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ". [أ.د. ناصر العمر].)

                            (من أقبح الخلال: تعنيف المذنبين والمخطئين بعد اعترافهم وتوبتهم، وقد يدعوهم ذلك إلى معاودة الذنب أو الخطأ {فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما}. [د.محمد الخضيري]

                            قال تعالى عن عباده : ( يحبهم ويحبونه ) سبحان من سبقت محبته لأحبائه ، فمدحهم على ما وهب لهم ، واشترى منهم ما أعطاهم وقدم المتأخر من أوصافهم لموضع إيثارهم ، فباهى بهم في صومهم ، وأحب خلوف أفواههم . فيالها من حالة مصونة لا يقدر عليها كل طالب ! ولا يبلغ كنه وصفها كل خاطب . ابن الجوزي ـ صيد الخاطر .

                            قال تعالى : ( وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً ) . لم يقل تعالى : كلوا ما رزقكم ، ولكن قال : ( كلوا مما رزقكم الله ) وكلمة ( من ) للتبعيض ، فكأنه قال : اقتصروا في الأكل على البعض واصرفوا البقية إلى الصدقات و الخيرات . الفخر الرازي ـ التفسير الكبير .

                            قال تعالى ذاكراً وعيد الشيطان : ( ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ). أتاك الشيطان يا ابن آدم من كل وجه ، غير أنه لم يأتك من فوقك ، لم يستطع أن يحول بينك وبين رحمة الله . قتادة السدوسي ـ إغاثة اللهفان لابن القيم .

                            قال تعالى عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم : ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) فأشارت هذه الآية إلى أن محبة الرسول ، وحقيقة ما جاء به ، إذا كان في القلب ؛ فإن الله لا يعذبه في الدنيا ولا في الآخرة . وإذا كان وجود الرسول في القلب مانعاً من تعذيبه ، فكيف بوجود الرب تعالى في القلب ! ! ابن القيم ـ الكلام في مسألة السماع

                            قال تعالى في قصة يوسف ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً ) . ولا يزال لطف الله بعبده ، فبعد أن حجب الشيطان في قلوب إخوته معاني الأخوة ، قذف الله في قلب عزيز مصر معاني الأبوة . ناصر العمر ـ

                            يا منقطعين عن القوم ، سيروا في بادية الدجى ، وانتحبوا بواد الذل ، فإذا فتح باب للواصلين ، فدونكم ، فاهجموا هجوم اللوانين ، وابسطوا أكف : ( وتصدق علينا ) لعل هاتف الرحمة يقول : ( لا تثريب عليكم ) . ابن القيم ـ بدائع الفوائد .

                            قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) ولم يقل: (علينا) لأن أمر المؤمن كله له خير؛ فإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا. قال ابن رجب في "ذيل طبقات الحنابلة" نقلاً عن ابن الجوزي في "المقتبس في الفوائد العونية" -نسبة إلى الوزير عون الدين ابن هبيرة-: (وسمعته -أي ابن هبيرة- يقول في قوله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، قَالَ: إنما لم يقل: ما كتب علينا لأنه أمر يتعلق بالمؤمن، ولا يصيب المؤمن شيء إلا وهو له، إن كان خيرًا فهو له في العاجل، وإن كان شرًا فهو ثواب له في الآجل)

                            قالت النملة ناصحة قومها: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون)، فلم تكتف بالنصح والتحذير من حطم سليمان وجنوده لقومها؛ بل قالت: (وهم لا يشعرون) فإذا نَصحتَ فاحذر أن تضمّن نصحك لمزًا وغمزًا بأحد، بل احترز أيضًا أن يُفهم هذا منك -وإن لم تقصده- كما احترزت النملة

                            "القرآن حدائق ذات بهجة فإذا أتممت سورة وبدأت بأخرى فقد انتقلت من شجرة يانعة الثمرة إلى أخرى، ومن حزب إلى حزب فمن حديقة غناء إلى مثلها ، فـ (السبع الطوال) و (ذوات الراء) (المسبحات السبع) و (الطواسيم) و (الم) و (الحواميم) و (المفصل) لكل حزب لونه وطعمه الخاص به ، ولكل سورة ذوقها الخاص بها .فتذوقها برفق كأغلى حلوى بين يديك ،


                            لمن سأل عن فتح القلب بالقرآن: القلب له باب لا يُفتح إلا مع كثرة الطرق ، في أول الأمر إذا مررت بالآية مما تحرك القلوب فقف عندها طويلا كررها ساعةً وأكثر ، تباكى معها واعرض واقعك عليها ، والرحمن الذي أنزل القرآن لن ترجع خائباً (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69

                            كيف نجد لذة وحلاوة القرآن ؟ افتح قلبك كلما فتحت أوراق المصحف . هذا سر التدبر الأكبر الذي تتغير معه الحياة كلياً ، ستشعر بعدها كأنك كنت ميتا فأحياك الله.

                            كيف نستمع لسورة الفاتحة ؟ هذا هو اسمها الأشهر وقد أجمعت عليه أمة القرآن ، فالسورة هي مفتاحك الأعظم الذي تفتح به لنفسك كل أبواب الخير ، فهي مفتاح الحُجُب بينك وبين الله ، قد كنت بعيدا غائبا فلهج قلبك ولسانك بالحمد ففتح لك ، ثم أثنيت بهما ثانية ففتح ، ثم خضعت في الثالثة ففتح ، قد وصلت فخاطب مخاطبة من حضر (إياك) ، بعدها سل وأبشر (اهدنا) قال الله : هذه لعبدي ولعبدي ما سأل.


                            كيف نقرأ ونستمع لسورة البقرة ؟ هي في الأوامر والنواهي وموقف الناس منها فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر ، تردد قوم موسى في الاستجابة لأمره عليه السلام في شأن (البقرة) فكانت العاقبة (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ) ، أمة محمد صلى الله عليه وسلم إن فهمت أوامر ونواهي (البقرة) فامتثلت نجت ، وإن أعرضت لا تدري ماذا تقرأ ولا تستجيب لما تسمع فالعاقبة قلب كالحجر ، ضع يدك على قلبك أخي.




                            كيف نقرأ ونستمع لسورة آل عمران ؟ السورة من أولها إلى قريب من الآية التسعين (90)نزلت في وفد نجران أي في محاجة النصارى ، فذكرت نموذجا لـ (الضالين) ,ونموذجا للمهتدين (آل عمران) ، وبما أن السبب الأول في ضلال النصارى هو الجهل وعدم بذل الوسع في الوصول للعلم الحق ، هو البحث في (المتشابهات) للروغان عن (المحكمات) ، هو الانشغال باللذات (النساء والبنين ..) ونسيان التفكر في أول الأمر وآخره ، فهي تفصيل لكلمة واحدة من أم الكتاب (وَلاَ الضَّالِّينَ) كما أن سورة البقرة شرح لـ (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ) ، جاءت السورة لترسم منهجا محكما للوصول للعلم النافع ، حقيقته .. ثمرته .. أهله .. سبل تحصيله .. أسباب الزيغ عن طريقه ، عواقب نقصانه أو زواله ، ولما كان أنفع العلم هو العلم بالله وموعوده وسبيل رضاه ؛ ختمت "ال عمران" بالعشر الأخيرة التي قال فيها صلى الله عليه وسلم "ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها" .


                            تعليق


                            • #89
                              رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                              سورة (ق) : ما من أحد يرددها فيفتح مسامع قلبه لها إلا فتحت كل السدود التي تراكمت بسبب الذنوب ، إن الآمر بقوله (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ) هو نفسه القائل (ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ) هو أيضاً من أمر فقال (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) ،فيا قارئ (ق) قد لا تنجو من (الأولى) وتظفر (بالثانية) إلا (بالثالثة).


                              سورة "الكهف" كهفك من الفتن عشر آيات منها كفتك فتنة المسيح الدجال فكيف بها جميعا ؟ فيها الفتن الأربع والنجاة منها ... فيها الآية المروعة التي حذرتنا من أعظم فتنة ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا...) فيها الوسيلة العظمى للنجاة من كل فتنة .. والحسنة العظمى التي لا يبقى معها أثر لأي فتنة.


                              قال الإمام الفخر: آمن فرعون ثلاث مرات أولها قوله (آمنت) وثانيها (لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل) وثالثها (وأنا من المسلمين) فما السبب في عدم قبول إيمانه؟ والجواب أنه إنما آمن عند نزول العذاب والإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأنه يصير الحال حال إلجاء فلا تنفع التوبة ولا الإيمان قال تعالى (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا).


                              لم ينج الهدهد من وعيد سليمان عليه السلام، ولا تجرأ ـ مع ضعفه ـ على مخاطبة سليمان ـ مع قوته وسلطانه ـ بمثل هذا الخطاب: { أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ } لولا سلطان العِلْم.
                              [ابن القيم]



                              كل غني إذا طمعت فيه مقتك وحرمك وأقصاك إلا الله، فإنك إذا طمعت فيه ظفرت منه بالقرب والرضا والعطاء، فزكريا حين رأى لطف الله بمريم طمع فيما عنده : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى } فقرّبه ربه وأثنى عليه وأعطاه عطاء لا يليق إلا به سبحانه.
                              [ د. عبدالله السكاكر ]



                              لو أن شخصا نظر إلى ماضيه فوجده مثقلا بالآلام ـ كما وقع ليوسف عليه السلام ـ لضاقت به الأرض إلا أن يوسف الصديق بقي متألق اليقين وراء جدران السجن يذكر بالله من جهلوه، ويبصر بفضله من جحدوه وذلك شأن أولي الفضل من الناس، لا يفقدون صفاء دينهم إن فقدوا صفاء دنياهم، ولا يهونون أمام أنفسهم لنكبة حلّت بهم.
                              [ محمد الغزالي ]



                              لما سافر موسى للخضر وجد في طريقه مس الجوع و النصب فقال لفتاه:
                              { آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا } ولما واعده ربه 30 ليلة وأتمها بعشر، فلم يأكل فيها لم يجد مس الجوعِ والنصب فالأول سفر لمخلوق والثاني سفر للخالق وهكذا سفر القلب وسيره إلى ربه، لا يجد فيه من الشقاء والنصب ما يجده في سفره إلى بعض المخلوقين.
                              [ابن القيم]

                              تعليق


                              • #90
                                رد: تدبر آية....(الكلم الطيب)

                                ما علّق العبد رجاءه وتوكله بغير الله إلا خاب من تلك الجهة، ولا استنصر بغير الله إلا خُذل كما قال الله تعالى : { وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا } [ابن تيمية]


                                قال إبراهيم عليه السلام : { إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي } و لم يقل إلا الله؛ لفائدتين :
                                1) الإشارة إلى علة إفراد الله بالعبادة؛ لأنه كما أنه منفرد بالخلق؛ فيجب أن يُفرد بالعبادة.
                                2) الإشارة إلى بطلان عبادة الأصنام؛ لأنها لم تفطركم حتى تعبدوها،
                                وهذه من البلاغة التامة في تعبير إبراهيم عليه السلام. [ ابن عثيمين ]


                                { وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ * يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ } ففي أمر الملائكة لها بالقنوت والركوع والسجود، إشارة إلى أنه كلما منّ الله سبحانه وتعالى على إنسان بشيء، وازدادت عليه النعم أن يزداد على ذلك شكرا بالقنوت لله والركوع والسجود وسائر العبادات. [ ابن عثيمين ]

                                من تدبر القرآن علم أن الصالحين لا يخافون من شيء أعظم من خوفهم من أمرين:
                                - الخوف من أعمالهم الصالحة أن لا تقبل:
                                { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ }.
                                - الخوف من زيغ القلب بعد هدايته:
                                { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا }. [صالح المغامسي]


                                الحيوان البهيم يتأمل العواقب، وأنت لا ترى إلا الحاضر! ما تكاد تهتم بمؤونة الشتاء حتى يقوى البرد، ولا بمؤونة الصيف حتى يقوى الحر، والذر يدخر الزاد من الصيف لأيام الشتاء، أفتراك ما علمت قرب رحيلك إلى القبر، فهلا هيأت لنفسك فراشا تمهد به الطريق؟ { وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ }. [ينظر: بدائع الفوائد لابن القيم]


                                {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّـهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} هدي الأنبياء أن المواهب الربانية توجب لأصحابها الشكر لا الفخر. [د. عبدالله السكاكر]

                                ليس من شرط الإصلاح إدراك النجاح
                                {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّـهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [د. محمد الحمد]


                                {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ} مئات القتلى في تشيلي، ومئات الآلاف يجلون من مساكنهم في اليابان، ورعب في عدة دول من تسونامي جديد .. لكن {وَمَا يَتَذَكَّرُ} أي : ما يتعظ بهذه الآيات {إِلَّا مَن يُنِيبُ} "والإنابة: الرجوع عن الكفر والمعاصي، إلى الإيمان والطاعة" [الشنقيطي]

                                تعليق

                                يعمل...
                                X