إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن



    الْحَمْدَ للهِ الَّذِي أرْسَلَ خَاتَمَ النَّبِيينَ وإمَامَ المُرْسَلينَ، مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّم رحمَةً للعَالَمِين،
    بَشِيرًا لِمَنْ آمَنَ بهِ، واهْتَدَى بهَدْيهِ بالْفَوزِ الْمُبين،
    ونذيرًا لِمَن كَفَر بهِ وخَالَفَ سُنَّته بالعذابِ المُهين،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَائِلُ:



    {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ} المائدة: 48

    وصَلِّ الَّلهُمَّ على مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وَسَلَّمْ،

    أما بعد..


    فسبحان الذي أنزل القرآن على نبيه صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور؛ سبحانه القائل:


    {قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}
    المائدة: 15 ، 16



    كِـتـَــابٌ مُّـبِيــــــنٌ .. أنْــزَلَــهُ رَبُّ الْـعـَـالَمِيــن


    لكل ما يحتاج الخلق إليه من أمور دينهم ودنياهم. من العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن العلم بأحكامه الشرعية وأحكامه الجزائية.

    يَهْدِي بِهِ: من اجتهد وحرص على بلوغ مرضاته سبحانه؛ سُبل السَّلام التي تُسَلِّم صاحبها من العذاب، وتُوصِّله إلى دار السلام؛
    وهو العلم بالحقِّ والعمل به، إجمالا وتفصيلا.
    وَيُخْرِجُهُم مِّن: ظلمات الكفر والبدعة والمعصية، والجهل والغفلة؛ إلى نور الإيمان والسُنّة والطاعة والعلم، والذكر.


    وكل هذه الهداية بإذن الله..
    الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن. { وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ْ}


    كِـتـَــابٌ مُّـبِيــــــنٌ .. أنْــزَلَــهُ رَبُّ الْـعـَـالَمِيــن، هُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ


    فجعله سبحانه تبيانـــاً لكل شيء، كما قال:

    {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} النحل: 89

    وخَاطَبَ بِهِ خَاتَمَ الأنبياء والمُرسَلِين
    ، فقال:


    {وَكَذَٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ۚ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} الرعد: 37


    أي: كذلك أنزلنا عليك القرآن مُحكمًا مُعرَّبًا، شرَّفناك به وفضَّلناك على من سواك بهذا الكتاب المُبين الواضِح الجَلِيّ

    ويأتي التحذير: ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم)...

    فهذا توَّعُد من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم -مع أنه معصوم- لِيمتَنَ عليه بعصمته ولتكون أمَّته أسوته في الأحكام

    هذا التــوعـــد على سبيل الفرض؛ وكأنه سبحانه يقول:
    لو اتبع أهواءهم- على سبيل الفرض- أكرم الناس عندي لعاقبته، وأحق بهذا العقاب من كان دونه في الفضل والمنزلة،

    لكنَّه وعيـــد
    لأهل العلم أن يتبعوا سبل أهل الضلالة بعدما صاروا إليه من سلوك السنة النبوية والمحجَّة المحمدية،


    فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد الأمة
    ، والمقصود تحذير المسلمين من أن يركنوا إلى تمويهات المشركين، ومن الرجوع إلى دينهم.








    كِـتـَــابٌ مُّـبِيــــــنٌ .. أنْــزَلَــهُ رَبُّ الْـعـَـالَمِيــن، عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ الْأَوَلينَ والْآخِرين:



    {
    وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ} الشعراء: 192-194


    قال الآلوسى: وخُصَّ القلب بالإنزال، إشارة إلى كمال تعقُّلِه صلَّى الله عليه وسلم وفَهمه ذلك المنزل، حيث لم تَعْبُر واسطة فى وصوله إلى القلب..

    وقيل للإشارة إلى صلاح قلبه صلى الله عليه وسلم حيث كان مَنْزِلًا لكلام الله تعالى.

    وقال الزجاج:
    مَعْنَاه نَزَل عَلَيِك فوعاه قَلْبكَ وَثَبَتَ فلا تنساهُ أَبداً ولا شيئاً منه.


    وقال الشوكاني:
    تَلَاهُ عَلَى قَلْبِهِ؛ وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الْقَلْبِ، لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُدْرِكٍ مِنَ الْحَوَاسِّ الْبَاطِنَةِ.



    كِـتـَــابٌ مُّـبِيــــــنٌ .. أنْــزَلَــهُ رَبُّ الْـعـَـالَمِيــن


    عَلَى إِمَامِ الْمُفَسِّرين، وقُدْوَةِ الْخَلقِ أجْمَعِين،
    عَلَى قَلْبِهِ لِيَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ؛
    فوَعَاهُ قَلبهُ عليه الصَّلاة والسَّلام، وأوْلَعَ بحبِّه،

    خشع له قلبه، واهتزَّ له جسمه، ووقع في نفسِه القلق والخوف حتى قال لزوجته في مطلع نزوله: "زمِّلوني زمِّلوني"


    مما يجد في نفسه من عِظَم هذا المنزل، الذي قال الله عنه:
    {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} الحشر: 21

    حتى اطمأنَّت له نفسه وسكن له رَّوْعُه وانشرح له صدره؛ فعَلِمَ أنَّه من عند الله، وتيقَّن أنه
    :
    {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } فصلت: 42


    وتعهد الله لنبيه بحفظه وصيانته، فلا تَمَسُّهُ أيدي المحرفين والمغرضين
    {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر: 9






    كِـتـَــابٌ مُّـبِيــــــنٌ .. أنْــزَلَــهُ رَبُّ الْـعـَـالَمِيــن،عَلَى قَلْبِ سَيِّدِ الْأَوَلِينَ والْآخِرَين


    فكيف حال هذا القلب الطاهر الشريف الذي خصَّصه الله للقرآن؛ فخصَّه بتمام الحفظ والوعي، والخشوع التام والانشراح بالإيمان؟


    كيف يحيا صاحب هذا القلب -صلَّى الله عليه وسلَّم- إلا بالقرآن؟

    فلا شك أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو أول وأعظم من فهم القرآن الكريم؛

    فهو الذي بلَّغ الرسالة عن ربِّه المعبود العظيم، وهو أعظم من فسَّر هذا الكتاب الخالد الكريم؛

    فلم يُقتَصر تفسيره للقرآن على أقواله الشريفة -الأحاديث النبوية -؛ لكنه قدَّمَ للأمة تفسيرًا عمليًا للقرآن من خلال حياته اليومية والدعوية كلها،
    فكانت حياته صلى الله وعليه وسلم ترجمة فعلية للقرآن؛ كما قالت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)


    لقد كان حبه صلى الله عليه وسلم للقرآن، واهتمامه به لا يُوصف؛
    فقد سيطر القرآن على عقله، واستحوذ على مشاعره،
    وبلغت قوة تأثيره عليه أن شيَّب شعره،
    فقد دخل عليه يوما أبو بكر رضي الله عنه فقال له: يا رسولَ اللَّهِ قد شِبتَ، قالَ صلَّى الله عليه وسلَّم:
    «شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتَسَاءَلُونَ، وإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ » [1].


    وفي يوم من الأيام، قالَ صلَّى الله عليه وسلَّم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «اقرأ علىَّ»،
    فقال:
    آقرأُ عليك وعليك أُنْزِلَ؟!،
    قال: «فإني أحبُّ أن أَسْمَعَه مِن غيري».
    قال:
    فقرِأْتُ عليه سورةَ النساءِ، حتى بلَغْتُ:
    {
    فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيدًا} النساء:41.

    قال: «أَمْسِكْ»،
    قال: فإذا عيناه تَذْرِفان. [2]



    لقد تشبَّع صلى الله عليه وسلم بالقرآن تشبُّعًا تامًا، وتأثر به تأثرًا بالغًا؛ فاختلطت معاني القرآن بشخصيتة صلى الله عليه وسلم، وامتزجت بها،
    فصارت تتمثل واقعًا حيًا في شخصه؛
    لذلك عندما سُئِلَت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم، قالت:
    (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآن) [3]






    وكان للقرآن تأثير سريع عليه -صلى الله عليه وسلم- من الناحية العملية،
    وليس أدلُّ على ذلك من أن جُوده وإحسانه كان يزداد أكثر وأكثر بعد أن يُدارسه جبريل عليه السلام القرآن في رمضان.



    عن بن عباس رضي الله عنهما، قال:
    "
    كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ،
    فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
    " [4].



    يقول ابن حجر تعليقا على الحديث: وفيه أن مداومة التلاوة تُوجِبُ زيادة الخير.


    ومداومة تلاوة النبي للقرآن هي أول ما نستعرضه ونتناوله لنتعرف على صورة من صور حياته التي عاشها بالقرآن؛


    فكيف كانت قراءته للقرآن، صلَّى عليه
    الله وسلَّم، نبينا العدنان



    عندما كان صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن؛ كان يقرؤه قِراءة هَادِئـَة، مُتَرَسِّلَة (1)
    ، حزينة كما أمره ربه:
    {
    وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ} الإسراء: 106، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} المزمل: 4.



    فكان يُرتِّل السورة حتى تبدو وكأنها أطول من أطول منها.

    وكان يمُد الحروف في نهاية الآية ليَسمَحَ للعقل بتفَّهُم الخطاب الإلهي، وللقلب بالتجاوب معه، والاتعاظ به،
    فإذا ما مرَّ بآية فيها ذِكْرُ الجنَّة دعا واستبشر، وإذا مرَّ بآية فيها ذِكْرُ النَّار استعاذ منها بالله.



    ولقد وصفت السيدة أم سلمة رضي الله عنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها (قراءة مُفسَّرةً حرفًا حرفًا) [5].

    كما وصفت رضي الله عنها في رواية أخرى لها:
    "كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ: بسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ . الحمدُ للَّهِ ربِّ العالمينَ . الرَّحمنِ الرَّحيمِ . مالِكِ يومِ الدِّينِ" [6].

    قال الإمام القرطبي:
    قول أمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها (
    يَقطعُ قراءتَهُ) يدخل فيه جميع ما كان يقرؤه عليه الصلاة والسلام من القرآن، وإنَّما ذَكَرت فاتحة الكتاب لتُبيِّن صفة التقطيع,
    أو لأنها أمُّ القرآن فيُغنِي ذِكرها عن ذكر ما بعدها، كما يُغنِي قراءتها في الصلاة عن قراءة غيرها لجواز الصلاة بها؛
    وإلَّا فالتقطيع عام لجميع القراءة لظاهر الحديث، وتقطيع القراءة آية آية أولى عندنا...
    أ.هـ


    وفي حديث للسيدة حفصة رضي الله عنها، قالت:
    " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي سُبْحَتِهِ (2) قَاعِدًا ، حَتَّى كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِعَامٍ ، فَكَانَ يُصَلِّي فِي سُبْحَتِهِ قَاعِدًا ،
    وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا
    " [7].

    قال الإمام الشوكاني:
    (سُبْحَتِهِ): أَيْ نَافِلَته، وَالْحَدِيثُ يَدُلّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ قُعُودٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ.
    وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهَا (
    حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا): أَنَّ مُدَّةَ قِرَاءَتِهِ لَهَا أَطْوَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى أَطْوَلَ مِنْهَا إذَا قُرِئَتْ غَيْرَ مُرَتَّلَةٍ،
    وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ نَفْسُهَا أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالتَّرْتِيلِ وَالْإِسْرَاعِ،
    وَالتَّقْيِيدُ قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَامٍ لَا يُنَافِي قَوْلَ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا فِي الْحَدِيثِ:
    "
    لَمَّا بَدَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَقُلَ كَانَ أَكْثَرُ صَلَاتِهِ جَالِسًا". (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
    لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَّنَ وَثَقُلَ قَبْل مَوْتِهِ بِمِقْدَارِ عَامٍ
    . أ.هـ


    صَلَّى عليك الله نبينا المُجتَبَى ... يا خـير خـلــق الله أجمعــــين
    صَلَّى عليك
    اللهُ يا خَيرَ الْوَرَى ... يا من بُعِثتَ رَحمَةً للعالمين
    أرسلك ربُّك لِلنَّاس بالهُدَى ... ودين الحق وبالكتاب المبين





    هكــذا نتـعــلــــم
    ؛
    من روايات أمهاتنا رضي عنهنَّ، ونتعرف أكثر؛ كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
    يُطيل في القراءة، فيقِف
    عند رأس كل آية،
    ويرتل القرآن ترتيلًا -كما أمره الله تعالى-، فيقرؤه قراءةً هادئةً مُترَسِّلةً؛ في كل أحواله صلى الله عليه وسلم.

    فبعدما كان يصلِّي الليل قائمًا ويُطيل في القراءة، ويتكَّلف ويتَحَمَّل في ذلك ما كان أعظم أجرا؛ لمَّا شقَّ عليه القيام الطويل؛
    صلَّى قاعدًا، وظلَّ يُطِيلُ في القراءة بتأنِّي وتدَبُّر.




    وهكذا نتعلم ونتعرف؛
    كيف كان صلَّى الله عليه وسلَّم يحيا بالقرآن؛ تعبُّدًا وتقرُّبًا لرَبِّهِ سبحَانه، وتعلمًا وتطبيقًا عمليًا للتلاوة والتدبر، ورصيدًا من الثواب الجزيل،
    وكيف ساعدته صلى الله عليه وسلَّم هذه القراءة المُتأَنيِّة -التي تطول بها السورة- على مزيد من الفهم ثم العمل.

    وأيضًا؛ فإنَّ هذه القراءة المُرتَّلة التي تمسُّ شِغاف القلب؛ كان لها الأثر الفاعل في تعليم الصحابة رضوان الله عليهم علم التفسير وعلم التدبُّر.

    فقد ظلَّ صلى الله عليه وسلم ليلة كاملة يُردِّد آية واحدة،
    ويصف لنا أبو ذر رضي الله عنه هذه الليلة، فيقول:

    صلَّى النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ذاتَ ليلةٍ فقرأَ بآيةٍ حتَّى أصبحَ ، يركعُ بِها ويسجدُ بِها:
    {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} المائدة: 118.

    فلمَّا أصبحَ قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، ما زلتَ تقرأُ هذِهِ الآيةَ حتَّى أصبحتَ تركعُ بِها وتسجدُ بِها؟، قالَ:
    «
    إنِّي سألتُ ربِّي ، عزَّ وجلَّ ، الشَّفاعةَ لأمَّتي ، فأعطانيها ، وَهيَ نائلةٌ
    (3) إن شاءَ اللَّهُ لمن لا يشرِكُ باللَّهِ شيئًا» [8].






    وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على قراءة القرآن كل يوم، وكيف لا وقد أمره الله بذلك:
    {
    إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} النمل:91، 92.



    لما جاء وفد ثقيف إلى المدينة أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في قُبَّةٍ بين المسجد وبين أهله، فكان يأتيهم ويُحدِّثهم بعد العشاء،
    وفي ليلة من الليالي تأخر عليهم ثم أتاهم فقالوا له: يا رسول الله لبثت عنا الليلة أكثر مما كنت تلبث؛
    فقال: «نعم، طرأ علىَّ حِزْبي من القرآن، فكرهت أن أخرج من المسجد حتى أقضيه» [9].

    ومع ذلك فلم يُؤثّر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قرأ القرآن كله في ليلة واحدة.


    تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: ولا أعلمُ أنَّ نبيَّ اللَّهِ قرأَ القرآنَ كلَّهُ في ليلةٍ ولا قامَ ليلةً كاملةً حتَّى الصَّباحَ. [10].

    ومما يؤكد هذا المعنى ما أخرجه الإمام أبو داوود، وصححه الإمام الألباني
    :
    عَنْ عَلْقَمَةَ ، وَالْأَسْوَدِ ، قَالَا:
    أَتَى ابْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ ، فَقَالَ : إِنِّي أَقْرَأُ الْمُفَصَّلَ
    (4) فِي رَكْعَةٍ ،
    فَقَالَ :
    أَهَذًّا
    (5) كَهَذِّ الشِّعْرِ وَنَثْرًا كَنَثْرِ الدَّقَلِ (6) ؟ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ النَّظَائِرَ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ:
    النَّجْمَ وَالرَّحْمَنَ فِي رَكْعَةٍ ، وَاقْتَرَبَتْ وَالْحَاقَّةَ فِي رَكْعَةٍ ، وَالطُّورَ وَالذَّارِيَاتِ فِي رَكْعَةٍ ، وَإِذَا وَقَعَتْ وَنُونَ فِي رَكْعَةٍ ، وَسَأَلَ سَائِلٌ وَالنَّازِعَاتِ فِي رَكْعَةٍ ،
    وَوَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَعَبَسَ فِي رَكْعَةٍ ، وَالْمُدَّثِّرَ وَالْمُزَّمِّلَ فِي رَكْعَةٍ ، وَهَلْ أَتَى وَلَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فِي رَكْعَةٍ ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَالْمُرْسَلَاتِ فِي رَكْعَةٍ ،
    وَالدُّخَانَ وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ فِي رَكْعَةٍ
    ".
    [11]

    وقد ثبُتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قراءة سورتين بعد الفاتحة في كثير من الصلوات، وسُمِّيَت هذه السور بـ "
    النظائر "
    وقد جاء في الأحاديث الصحيحة ذِكرها وبيانها.

    وقد قرأ النبي صلى الله عليه وسلم في ركعة واحدة في قيام الليل "
    البقرة والنساء وآل عمران "
    كما نقله عنه حُذيفة رضي الله ، وقد رواه عنه الإمام مسلم (772).



    صَلَّى عليك الله نبينا المُجتَبَى ... يا خـير خـلــق الله أجمعــــين
    صَلَّى عليك اللهُ يا خَيرَ الْوَرَى ... يا من بُعِثتَ رَحمَةً للعالمين
    أرسلك ربُّك لِلنَّاس بالهُدَى ... ودين الحق وبالكتاب المبين



    كِـتـَــابٌ مُّـبِيــــــنٌ .. أنْــزَلَــهُ رَبُّ الْـعـَـالَمِيــن،

    عَلَى إِمَامِ الْمُفَسِّرين وقُدْوَةِ الْخَلقِ أجْمَعِين، عَلَى قَلْبِهِ لِيَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ...





    وما زال الكلام موصولا لبيان.. كيف عاش نبينا صلى الله عليه وسلم حياته بالقرآن...




    بأمــر الـرحمـــن


    _______________________________

    (1)
    التَّرسُّل: صوت الإنسان فيه التَّوقُّر والتفهم والترفق من غير أَن يرفع
    (2) معنى السُّبْحَةُ في الحديث: صلاة التطوع . والجمع : سُبَحٌ
    (3)
    نائلة: ( اسم ) ، صيغة المؤنَّث لفاعل نالَ / نالَ من
    النَّائِلُ: ما يُنَال ويُدْرَك ، أصبتُ منه نائلاً: معروفًا
    النَّائِلُ : الجُودُ ، النَّائِلُ: العطيَّةُ ، نَائِلُ الْمَكَارِمِ: أَيْ يَتَلَقَّى الْمَكَارِمَ وَيَحْصُلُ عَلَيْهَا

    (4) المفصل: هي السور الغير طويلة وتبدأ من سورة الحجرات أو سورة ق حتى سورة الناس.
    (5) الهذَّ: شدة الإسراع، والإفراط في العجلة.
    (6) الدَّقَل : رديء التمر
    ..............
    [1] رواه الترمذي وصححه الألباني
    [2] رواه الإمام
    البخاري
    [3] صححه الألباني في: صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 4811
    [4] رواه الإمام البخاري
    [5] رواه الترمذي وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ.
    ....عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَاتِهِ،
    فَقَالَتْ: مَا لَكُمْ وَصَلَاتَهُ، "
    كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ، ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ ، ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ ،
    ثُمَّ نَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا

    [6] صححه الإمام أحمد شاكر في: عمدة التفسير-الصفحة أو الرقم: 1/57
    [7] رواه الإمام مسلم في صحيحه
    [8] حققه الإمام
    أحمد شاكر في: عمدة التفسير-الصفحة أو الرقم: 1/759 ، وقال إسناده جيد
    [9] رواه الإمام أحمد في مسنده، رقم: 15827، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ جَدِّهِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ:
    كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ مِنْ بَنِي مَالِكٍ، أَنْزَلَنَا فِي قُبَّةٍ لَهُ،

    فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْنَا بَيْنَ بُيُوتِهِ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ،
    فَإِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ، انْصَرَفَ إِلَيْنَا وَلَا نَبْرَحُ حَتَّى يُحَدِّثَنَا، وَيَشْتَكِي قُرَيْشًا، وَيَشْتَكِي أَهْلَ مَكَّة، ثُمَّ يَقُولُ:
    "
    لَا سَوَاءَ ، كُنَّا بِمَكَّةَ مُسْتَذَلِّينَ وَمُسْتَضْعَفِينَ ، فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ سِجَالُ الْحَرْبِ عَلَيْنَا وَلَنَا ".
    فَمَكَثَ عَنَّا لَيْلَةً لَمْ يَأْتِنَا حَتَّى طَالَ ذَلِكَ عَلَيْنَا بَعْدَ الْعِشَاءِ، قَالَ: قُلْنَا: مَا أَمْكَثَكَ عَنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

    قَالَ: "
    طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ لَا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَهُ " ،
    قَالَ: فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ ؟ ،
    قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلَاثَ سُوَرٍ ، وَخَمْسَ سُوَرٍ، وَسَبْعَ سُوَرٍ، وَتِسْعَ سُوَرٍ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سُورَةً، وَحِزْبَ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَافْ حَتَّى يُخْتَمَ.
    [10] من حديث مُطَّول رواه سعد بن هشام رضي الله عنه، وصححه الإمام الألباني في: صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 1600
    [11] رواه الإمام أبو داود في صحيحه-الصفحة أو الرقم: 1396 ، وقال الإمام الألباني: صحيح دون سرد السور.

    ......
    المراجع:
    ________
    ..

    - تحقيق الوصال بين القلب والقرآن، لمجدي الهلالي
    - دَرْجُ الدُّرر في تَفِسيِر الآيِ والسُّوَر، لأبي بكر الفارسي
    - نيل الأوطار، للإمام الشوكاني

    - التذكار أفضل الأذكار، للإمام القرطبي
    تفسير السعدي
    تفسير ابن كثير
    تفسير الوسيط (سيد طنطاوي)
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 01-06-2015, 04:10 PM.
    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

  • #2
    رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن





    عباد الرَّحمَن.. يا من تحبون الله، وتحبون النبي العدنان؛
    تعالوا بنا نستكمل معًا ونتعرف كيف كانت حياته صلى الله عليه وسلم بالقرآن؛
    وكيف كانت كلها تطبيقًا عمليًا للقرآن؛ فكما تعرضنا بإيجاز لبعض أمثلة توضح كيف كانت قراءته للقرآن؛
    هيا بنا نتعرف معًا؛ كيف كانت:
    دعوته صلى الله عليه وسلم للناس بالقرآن


    بـدايــةً؛ فلنقِفُ
    أولًا عند معنى في غايةِ الأهمِّيَّة، ألا وهو:
    إنَّ أعظم مُقَـــوٍّ للإيمان هو القرآن؛
    فالقرآن هو المنبع العظيم للإيمان والذي لا يوجد له مثيل، قال الله تعالى:
    {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّاۚ..} آل عمران: 193

    وقد اختلف أهل التأويل في تأويل "المُنَادِي
    فقال بعضهم:
    المُنَادِي في هذا الموضع هو القرآن، وقال أغلبهم: هو محمد صلى الله عليه وسلم.
    وبعض من قال أنه القرآن إستدل بقول:
    قتادة ومحمد بن كعب القرظي: ليس كل الناس سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن المُنادِي القرآن.

    وقول الغالب من العلماء يوضِّح -
    بقَدرِ ما فَهِمتُ، والله أعلم- أنَّ الذي بلَّغ الأمة الإسلامية عامَّــةً، ونادَىَ للإيمان؛
    هو نبينا المصطفي صلى الله عليه وسلم؛ الذي أُنزِل عليه القرآن،
    فنادَىَ للإيمان بالقرآن؛ سواء سمعه منه من سمعه، أو لم يسمع منه آخرون؛
    لكن النداء قائِمٌ بحول الله وقوته منذ بعثته صلى الله عليه وسلم؛ بنزول الوحي عليه وتكليفه بالرسالة إلى يوم المعاد، فهو خاتم المرسلين،
    بَلَّغَ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.




    كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الناس بالقرآن لإدراكه ويقينه بأهميته وأثره العظيم في النفوس،
    كيف لا وقد نَزَل القرآن على قلبه الطاهر الشريف مباشرةً، و
    جعله الله منزِلًا للقرآن، ذلك القلب الخاشع لربه خشوعًا وخضوعًا وتصديقًا ويقينًا.
    ثمَّ كيف لا يتأثر بالقرآن كلّ من سمعه منه صلى الله عليه وسلم.


    فكلّ ما ينطق به لسانه الشريف؛
    يصل مباشرةً إلى القلوب عبر الآذان إذا وَعَتْ ما سَمِعَت..

    وكيف لا تعي الآذان كلام ربنا الرحمن، وكيف لا تتأثر القلوب بالقرآن؛ سبحانه علَّام الغيوب الوهَّاب المنَّان
    سُــبْـحـَـــــانـَــــهُ و
    تَـعَــالَـــىٰ..
    شاء لمن شاء الهداية والإيمان؛ فصاروا عبادًا مخلصين لربهم الرحمن، وعمروا الأرض
    بطاعة الله فدانت
    لهم، ومَدُّ الإسلام خير بُرهان.
    وشاء لمن شاء بصَمَمِ الآذان؛ فانغلقت قلوبهم وصُمَّت آذانهم إلَّا على قول الشيطان، فازدادوا كفرًا ونفاقًا وفسادًا في الأرض وطغيان.


    لذا حينما نستعرض دعوة نبينا العدنان للناس في بادئ الأمر؛ نجد في مرحلة دعوته الأولى بمكة وقبل هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛
    أنَّ الجميع من أهل مكة قد تأثروا بالقرآن الكريم..

    فَـــ تـأثَـــرَ بالـقـــــرآن مُشرِكي مكة المُعاندِين،
    برغم أنهم ظلَُوا على كفرهم وعنادهم؛ لكنَّ قلوبهم تأثرت به، ولم يستطيعوا السيطرة على أنفسهم التوَّاقة للاستماع إليه.

    وَ
    تـأثَـرَ بالقـــرآن صحابته رضوان الله عليهم،
    قبل دخولهم الإسلام؛ فتأثرت قلوبهم النقيّة ولم تتحمَّل انتظارًا وتأخُرًا، فسارعوا لنداء الإيمان، وآمنوا بربهم العزيز الرحمن.

    ولأن الكلام كله عن حياة رسولنا الكريم بالقرآن، ودرجة تأثُّره به صلى الله عليه وسلم؛ فلابد من معرفة مدى هذا التأثُّر حينما دعا الناس بالقرآن
    فلا شك أن كل من سمعه منه قد تأثَّرَ أيضًا، ولا شك أن هناك اختلاف بين تَأثُّرِ كلَّ واحدٍ منهم.

    لذا يمكننا تقسيم من دعاهم صلى الله عليه وسلم بالقرآن إلى صنفين من الناس:

    أولا: مشركي مكة المُعاندِين ومدى تأثرهم بالقرآن.
    ثانيًا: أصحابه رضوان الله عليهم. وسيأتي الكلام عنهم فيما بعد إن شاء الله

    لكن دعونا نقف قليلًا مع مشركي مكة، ونستعرض نموذجين منهم:
    1- الذين سمعوا آياتٍ من القرآن يتلوها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدون مواجهة:

    فها هو الأخنس بن شريق ومعه أَبو سُفيان بن حرب، وأبو جَهل بن هشام،
    ذهبوا ثلاثتهم يستمعون لآيات من القرآن تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل، فحرص الأخنس بعد سماعه لمعرفة معناها،
    فراح يبحث ويسأل عن المعنى؛ مما يدل على تأثره الشديد بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعض العلماء أنه أسلم فيما بعد.
    *

    أما أبو سفيان رضي الله عنه فقد أسلم يوم الفتح وحسُن إسلامه بعد ذلك، كما ورد في قصة إسلامه.


    * للفائدة؛ يرجى قراءة هذا الموضوع:
    الأخنس بن شريق! .. هل اخْتُلِفَ في إسلامه؟

    [فيه متن الرواية، وترجمة الأخنس، وعرض آراء بعض العلماء في حقيقة إسلامه.]


    2- الذين سمعوا آيات من القرآن يتلوها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة:

    ولنقف قليلًا مع أحد مشركي مكة؛ حينما تحاور مع النبي صلى الله عليه وسلَّم، فردَّ عليه بآيات من القرآن.
    وذلك حينما ذهب إليه عتبة بن ربيعة
    -أحد أئمة الكفر في مكة-،
    عارضًا عليه ثروة ضخمة، وجاهاً لا يساويه فيه أحد من العرب، مُقابل أن يترك الدعوة إلى الإسلام.

    فعندما قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم آيات من القرآن الكريم، أمسك عتبة بفم رسول الله مناشداً إياه أن يكُفّ.
    كما ورد قوله في أحد الروايات:
    (فأمسكتُ بفِيه وناشدتُه الرحمَ أن يكُفَّ. وقد علمتُم أنَّ محمدًا إذا قال شيئًا لم يكذِبْ فخِفتُ أن ينزلَ بِكُم العذابُ.). [1].
    وفي رواية أخرى، قال عتبة:

    (مَا فَهِمْتُ شَيْئًا مِمَّا قَالَ، غَيْرَ ذِكْرِ الصَّاعِقَةِ). [2].

    ولا يوجد تعارض بين الروايتين -
    كما فهمت، والله أعلم- من حيث تأثر عُتبة بما سمع من آيات قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
    من أول سور فصلت وحتى الآية الثالثة عشر!
    ثلاث عشرة آية سمعها عتبة.. فهِمَ منها ما فَهِم، أو لم يفهم؛
    لكنَّه فهم جيدًا آخر آية سمعها، وأدرك وعيد الله له ولمن معه بالعذاب لتكذيبهم النبي وإعراضهم عن الحق!!

    وهذا الفهم يُعدُّ تأثُرًا شديدًا وقع على قلبه حينما سمع القرآن؛ إلَّا أنَّ قلبهُ الخَرِب دلَّهُ فقط إلى توجيه مشركي قريش بهذه النصيحة:
    (
    سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللهِ مَا سَمِعْت مِثْلَهُ قَطّ، وَاَللهِ مَا هُوَ بِالشّعْرِ، ولا بالسّحر، وَلَا بِالْكِهَانَةِ.
    يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي، وَخَلّوا بَيْنَ هَذَا الرّجُلِ، وَبَيْنَ مَا هو فيه، فاعتزلوه، فو الله لَيَكُونَنّ لِقَوْلِهِ الّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ،
    فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ، فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وَعِزّهُ عِزّكُمْ، وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ.
    ) [3].


    للفائدة؛ يرجى قراءة هذا الموضوع: فن الإصغاء [ومصدره: موقع المقالات-إسلام ويب]
    وللفائدة أيضًا؛ يرجى قراءة هذا الموضوع: حوار النبي صلى الله عليه وسلم ... خلق عال ودعوة رابحة [على موقع المسلم]

    وما زال الكلام موصولا لبيان.. كيف عاش نبينا صلى الله عليه وسلم حياته بالقرآن...




    بأمــر الـرحمـــن

    ___________________________


    [1]
    الراوي : جابر بن عبدالله ، المحدث : الزيلعي
    المصدر : تخريج الكشاف الصفحة أو الرقم: 3/228 ، خلاصة حكم المحدث : إسناده صالح
    [2] حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ . [المستدرك على الصحيحين]
    [3]
    الروض الآنف للسهيلي (2/46) ، وسيرة ابن هشام (1/293) ، والسيرة لابن إسحاق صـ 92

    المراجع
    _______
    - تحقيق الوصال بين القلب والقرآن، لمجدي الهلالي
    تفسير السعدي
    تفسير القرطبي
    تفسير ابن كثير

    تفسير الوسيط
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 01-06-2015, 04:19 PM.
    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

    تعليق


    • #3
      رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن




      والآن يحلو عبير الكلام، ويزداد أريجه شذًا بذكر نبينا عليه الصلاة والسلام
      حينما نَعرُجُ بالحديث إلى دعوته بالقرآن، لمن آمن به من أصحابه الأطهار الكرام




      فهيا معًا ننْهَلُ من سيرته العطرة صلَّى الله عليه وسلَّم، وسيرة صحابته رضوان الله عليهم؛
      كيف كان يدعوهم إلى الله تعالى بالقرآن، وكيف استقبلوا كلامه بكلِّ خضوعٍ وإذْعَان.








      لقد كان القرآن هو شُغلهُ
      الشَّاغِل صلى الله عليه وسلم، ولِمَ لا وهو أكثر الخَلْقِ إدراكًا لأهميته وقدرته على التغيير، ألم يقل له ربه:
      {
      وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} الشورى: 52.

      أى: ولكن جعلنا هذا القرآن العظيم نورا ساطعًا، نهدي به من نشاء هدايته من عبادنا.
      وَإِنَّكَ أيها الرسول الكريم لَتَهْدِي من أرسلناك إليهم إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ،
      أى: طريق واضح قويم لا اعوجاج فيه ولا التواء.

      لذلك كان صلى الله عليه وسلم حريصًا على عدم انشغال الصحابة بشيء آخر غير كتاب الله، ليقوم بوظيفته كاملة في:
      تغيير قلوبهم وعقولهم ونفوسهم، ومن ثَمَّ سلوكهم تغييرًا جذريًا.

      من هذا المنطلق كانت دعوته للصحابة بالقرآن، لتستقيم حياتهم على القرآن؛
      بتشويقهم إليه وترغيبهم فيه، موضحًا لهم معانيه، ثم بتوجيههم إلى تدبره وتفهمه والعمل بما فيه.

      أمَّـــــا ترغيبه صلى الله عليه وسلم للصحابة في تعلُّمِ القرآن:
      فكان يستخدم معهم أساليب التشويق المختلفة ليدفعهم للإقبال على القرآن والانشغال به.

      فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قال:
      خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ (1)،
      فَقَالَ:
      «
      أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنْ يَغْدُوَ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى بُطْحَانَ (2)، أَوْ إِلَى الْعَقِيقِ (3) فَيَأْتِيَ مِنْهُ بِنَاقَتَيْنِ كَوْمَاوَيْنِ (4)، فِي غَيْرِ إِثمٍ، وَلَا قَطْعِ رَحِمٍ؟»
      فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نُحِبُّ ذَلِكَ ،
      قَالَ:
      «
      أَفَلَا يَغْدُو أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَيَعْلَمُ، أَوْ يَقْرَأُ آيَتَيْنِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ نَاقَتَيْنِ، وَثَلَاثٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ ثَلَاثٍ، وَأَرْبَعٌ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَرْبَعٍ،
      وَمِنْ أَعْدَادِهِنَّ مِنَ الإِبِلِ ؟
      » [1].

      لذلك فقد حثَّ الصحابة على كَثرة تلاوة القرآن بالقراءة الهادئة المُرتلة المُتفَّهِمة للخطاب، والتى من خلالها يتعرض القلب لأنوار القرآن،
      ثم شيئًا فشيئًا يحيا حياة كاملة بالقرآن.


      وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم الصحابة معاني القرآن إضافة إلى ألفاظه، إمتثالًا لقوله تعالى:
      {
      يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} آل عمران: 164.
      أي:
      يقرأ عليهم القرآن،
      ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لِتزكُو نفوسهم، ثم يُعلِّمهُم القرآن والسنة النبوية، والتعليم أخصّ من التلاوة.

      قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:
      [ يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِأَصْحَابِهِ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَلْفَاظَهُ،
      فَقَوْلُهُ تَعَالَى:
      {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} يَتَنَاوَلُ هَذَا وَهَذَا ]. [2]

      وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال:
      "
      كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ
      يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ، فَإِذَا مَرَّ بِسُجُودِ الْقُرْآنِ سَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ " [3].


      وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه الآية، أو الآيتان، أو الخمس أو العشر، أو السورة، يقرأها على أصحابه، ويُحفِّظُهم إيَّاها،
      ويُفقِّهُهُم بها ويُبيِّنُ لهم طريقة أدائها، وآداب تلاوتها، كي يحفظوا اللفظ، ويفقهوا المعنى، ويلتزموا ما نزل عملا، وسلوكا، ويستقيموا عليه.

      فكان اعتمادهم -رضوان الله عليهم- في الحفظ على التلقي والسماع من النبي صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعه من النبي من الصحابة.

      وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يُحصَى من الأحاديث في الترغيب في قراءة القرآن، وتلاوته كما ينبغي، وحفظه، والوصاية به.




      ومع استمرار دعوته لصحابته وتعليمهم القرآن في كل مجالسه معهم؛ كان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يخطب الجمعة بالقرآن،

      فيبدأ أولًا خطبته
      صلى الله عليه وسلم بما رواه عنه جابر بن عبد الله:
      ..
      كانَ رسولُ اللَّهِ يقولُ في خُطبتِهِ ، يحمدُ اللَّهَ ويثني عليْهِ بما هوَ أَهلُهُ ثمَّ يقولُ:

      «...إنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ ، وأحسنَ الْهديِ هديُ محمَّدٍ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها...» [4]

      وهذا التنبيه في أول خطبته صلى الله عليه وسلم على أنَّ القرآن الكريم أصدق الحديث وأحسنه؛
      لهو أبلغ أسلوب لتعليم الصحابة الأخذ بالقرآن وتمسكهم به والعمل بما فيه.


      ثم يُواصِل
      صلى الله عليه وسلم أكثر خُطبه بالقرآن، قال بن القيم في زاد المعاد:
      وَكَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا، وإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، وَكَانَ كَثِيرًا يَخْطُبُ بِالْقُرْآنِ.
      وَفِي صَحِيحِ مسلم عَنْ أم هشام بنت حارثة قَالَتْ:

      «
      مَا أَخَذْتُ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} إِلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَؤُهَا كُلَّ يَوْمِ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذَا خَطَبَ النَّاسَ»
      أ.هـ


      كما ورد أنَّه صلى الله عليه وسلَّم خطب الجمعة يومًا بسورة تبارك، قال الامام الشوكاني في نيل الأوطار:
      ..
      وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ:
      (
      أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَبَارَكَ وَهُوَ قَائِمٌ
      (5) يُذَكِّرُ بِأَيَّامِ اللَّهِ (6)، وَكَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ) أ.هـ


      * وقد اختلف
      بعض العلماء على تحديد السورة؛
      فمنهم من قال باحتمال؛ إما أن تكون سورة الفرقان: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ) ، أو سورة الملك: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ
      ..
      * ورجَّح الإمام البيهقي أنها سورة براءة، فقال:
      [
      وَلَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَا إِسْنَادَهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.] [5].


      كما ورد في رواية أخرى لأُبيّ بن كعب رضي الله عنه:
      "
      أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ قرأَ يومَ الجمعةِ براءةً وهوَ قائمٌ يُذَكِّرُ بأيَّامِ اللَّه " [6]

      والله أعلم.





      وإذا انشغلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مباشرته تعليم الصحابة القرآن؛ وَكَّلَ بعض أصحابه للقيام بهذه المهمة.

      فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:
      «
      كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ» [7].






      وأمَّـــــا توجيهَهُ صلى الله عليه وسلم الصحابة لتفهم وتدبر القرآن؛ فكان بمتابعتهم دائمًا:

      فقد كان دائم التحذير لصحابته -ولأمته من بعده- من قراءة القرآن قراءة حنجرية فقط؛ طلبًا للأجر والثواب دون الانتفاع الحقيقي به،
      فعندما سأله عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن ختم القرآن في أقل من ثلاثة أيام قال له:
      «
      لَا يَفْقَهُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ» [8].

      وكان صلى الله عليه وسلم دائم النصح لأصحابه -ولأمته من بعده- بدوام قراءة القرآن وتعاهده؛
      وكان يُحفزُّهم على الإقبال على القرآن بتذكيرهم بالأجر العظيم المترتب على تلاوته،
      وفي نفس الوقت كان يحذرهم من تركه وعدم المداومة على قراءته؛
      حتى لا تتفلت معانيه من العقل والقلب.. ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:
      «
      اقرأُوا القرآنَ ، ولا تَغْلوا فيهِ ، ولا تَجْفُوا عنهُ ، ولا تَأْكُلوا بهِ ، ولا تَسْتَكْثِرُوا بِه» [9].


      ولحرصه صلى الله عليه وسلم على استمرار إمداد قلوب أصحابه بالمعاني الإيمانية، لتتم تذكرتهم وتبصرتهم؛ كان يتابعهم في أمر القرآن ومدى تعاهدهم له،
      وكان حريصا على ألا يمر عليهم يوم دون أن يقرأوا القرآن. تأملوا معي قوله صلى الله عليه وسلم:
      «
      مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ» [10].


      ومع هذه المتابعة والحث على تعاهد القرآن فإنه صلى الله عليه وسلم كان يتابع أثر القرآن على الصحابة ومدى تمثل ثمرته الحقيقية فيهم،
      فلنتأمل معًا جيدًا هذا المعنى فيما رواه جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أنَّه قَالَ:
      كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ،
      ثُمَّ قَالَ:

      «هَذَا أَوَانُ يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ» ،
      فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ:
      كَيْفَ يُخْتَلَسُ مِنَّا وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ؟ فَوَاللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ ، وَلَنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا ، وَأَبْنَاءَنَا ،

      فَقَالَ:

      «
      ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا زِيَادُ إِنْ كُنْتُ لَأَعُدُّكَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، هَذِهِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ عِنْدَ الْيَهُودِ , وَالنَّصَارَى فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ
      »
      قَالَ جُبَيْرٌ:
      فَلَقِيتُ
      عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قُلْتُ: أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يَقُولُ أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ؟ فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ،
      قَالَ
      :
      "
      صَدَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، إِنْ شِئْتَ لَأُحَدِّثَنَّكَ بِأَوَّلِ عِلْمٍ يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ: الْخُشُوعُ ، يُوشِكُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَلَا تَرَى فِيهِ رَجُلًا خَاشِعًا "
      [11].








      لقد كان صلى الله عليه وسلم شديد الحرص على ألا تكون قراءة القرآن بالألسنة والحناجر فقط،
      فلكي يتم الوصال بين القلب والقرآن وينعكس ذلك على السلوك؛ لا بد من التفهم والتأثر والتجاوب مع الآيات،
      فإن لم يحدث ذلك، واكتفى المرء بالقراءة التي لا تتجاوز حنجرته فإن هذه القراءة ستكون في واد، بينما يكون عمله وسلوكه في واد آخر.











      وما زال الكلام موصولا لبيان.. كيف عاش نبينا صلى الله عليه وسلم حياته بالقرآن...




      بأمــر الـرحمـــن




      _______________________

      (1) وَنَحْنُ فِي الصُّفَّةِ: أَهْلُ الصُّفَّةِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ كَانُوا يَأْوُونَ إِلَى مَوْضِعٍ مُظَلَّلٍ فِي الْمَسْجِدِ.
      وَفِي الْقَامُوسِ: أَهْلُ الصُّفَّةِ كَانُوا أَضْيَافَ الْإِسْلَامِ يَبِيتُونَ فِي صُفَّةِ مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. (
      عون المعبود شرح سنن أبي داود)
      وَفِي
      حَاشِيَةِ السُّيُوطِيِّ عَلَى الْبُخَارِيِّ
      عَدَّهُمْ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةٍ، وَالصُّفَّةُ مَكَانٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ أُعِدَّ لِنُزُولِ الْغُرَبَاءِ فِيهِ مَنْ لَا مَأْوَى لَهُ وَلَا أَهْلَ.
      (2)
      بُطْحَانَ: اسم واد بالمدينة سمي بذلك لسعته وانبساطه من البطح وهو البسط
      (3) الْعَقِيقِ: قيل أراد العقيق الأصغر وهو على ثلاثة أميال أو ميلين من المدينة ،
      وخصهما بالذكر لأنهما أقرب المواضع التي يقام فيها أسواق الإبل إلى المدينة.
      (4) الناقة الكوماء: هي الناقة العظيمة السمنة.
      (5) وهو قائم: أي وهو يخطب على المنبر.
      (6) بأيام الله: أي بوقائعه العظيمة الواقعة في الأيام.

      ..........
      [1] رواه الإمام مسلم (
      1870).
      [2] مجموع الفتاوى
      [3] صححه الإمام أحمد شاكر في: مسند الإمام أحمد-الصفحة أو الرقم:
      9/179
      [4] صححه الإمام الألباني في: صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم:
      1577.
      متن الحديث:
      كانَ رسولُ اللَّهِ يقولُ في خُطبتِهِ ، يحمدُ اللَّهَ ويثني عليْهِ بما هوَ أَهلُهُ ثمَّ يقولُ:
      "
      من يَهدِهِ اللَّهُ فلا مضلَّ لَهُ ومن يضللْهُ فلا هاديَ لَهُ إنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ ، وأحسنَ الْهديِ هديُ محمَّدٍ وشرَّ الأمورِ محدثاتُها وَكلَّ محدثةٍ بدعةٌ
      وَكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وَكلَّ ضلالةٍ في النَّارِ
      "، ثمَّ يقولُ " بُعثتُ أنا والسَّاعةُ كَهاتين "
      وَكانَ إذا ذَكرَ السَّاعةَ احمرَّت وجنتاهُ وعلا صوتُهُ واشتدَّ غضبُهُ كأنَّهُ نذيرُ جيشٍ، يقولُ:
      "
      صبَّحَكم مسَّاكُمثمَّ قالَ: "من ترَكَ مالًا فلأَهلِهِ ومن ترَكَ دَينًا أو ضَياعًا فإليَّ أو عليَّ وأنا أولى بالمؤمنينَ"
      [5] السنن الكبرى للبيهقي رقم: (
      5832) ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ:
      دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسْتُ قَرِيبًا مِنْ أُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَقَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَةَ بَرَاءَةَ،
      فَقُلْتُ لِأُبَيٍّ: مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟
      فَحَصَرَ وَلَمْ يُكَلِّمْنِي، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قُلْتُ لِأُبَيٍّ:
      إِنِّي سَأَلْتُكَ فَنَجَهْتَنِي وَلَمْ تُكَلِّمْنِي، فَقَالَ أُبَيٌّ: مَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا لَغَوْتَ، فَذَهَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
      فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ كُنْتُ بِجَنْبِ أُبِيِّ وَأَنْتَ تَقْرَأُ بَرَاءَةَ فَسَأَلْتُهُ: مَتَى أُنْزِلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ؟ فَنَجَهَنِي وَلَمْ يُكَلِّمْنِي، ثُمَّ قَالَ: مَا لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا لَغَوْتَ،
      فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " صَدَقَ أُبَيٌّ ".
      [6] صححه الإمام الهيثمي في: مجمع الزوائد-الصفحة أو الرقم:
      2/193 ، وقال رجاله رجال الصحيح
      [7] رواه الإمام أحمد في مسنده، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
      متن الحديث:
      كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْغَلُ، فَإِذَا قَدِمَ رَجُلٌ مُهَاجِرٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا يُعَلِّمُهُ الْقُرْآنَ،
      فَدَفَعَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا، فَكَانَ مَعِي فِي الْبَيْتِ أُعَشِّيهِ عَشَاءَ أَهْلِ الْبَيْتِ، فَكُنْتُ أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ فَانْصَرَفَ انْصِرَافَةً إِلَى أَهْلِهِ،
      فَرَأَى أَنَّ عَلَيْهِ حَقًّا فَأَهْدَى إِلَيَّ قَوْسًا لَمْ أَرَ أَجْوَدَ مِنْهَا عُودًا وَلَا أَحْسَنَ مِنْهَا عِطْفًا، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: مَا تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فِيهَا؟

      قَالَ:
      «جَمْرَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْكَ تَقَلَّدْتَهَا» أَوْ «تَعَلَّقْتَهَا».
      [8] رواه الإمام أحمد في مسنده، وإسناده صحيح على شرط الشيخين بتحقيق: شعيب الأرنؤوط-عادل مرشد، وآخرون.
      متن الحديث:
      عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ:
      قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ فِي كَمْ أَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: " اقْرَأْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ
      قَالَ: قُلْتُ: " إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "
      اقْرَأْهُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ
      قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ: "
      اقْرَأْهُ فِي عِشْرِينَ
      قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: "
      اقْرَأْهُ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ
      قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ: "
      اقْرَأْهُ فِي عشر
      قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ: "
      اقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ
      قَالَ: قُلْتُ: إِنِّي أَقْوَى عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، قَالَ: "
      لَا يَفْقَهُهُ مَنْ يَقْرَؤُهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ "
      [9] صححه الإمام الألباني في
      : السلسلة الصحيحة-الصفحة أو الرقم:
      3057
      [10] رواه الإمام مسلم في صحيحه-الصفحة أو الرقم:
      747
      [11] أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريب، وصححه الألباني في صحيح الجامع (
      6990).
      ............
      المراجع
      ________


      - تحقيق الوصال بين القلب والقرآن، لمجدي الهلالي
      - المدخل لدراسة القرآن الكريم، للشيخ محمد أبو شُهبة
      - تفسير ابن كثير

      - تفسير الوسيط
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 01-06-2015, 03:52 PM.
      إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
      والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
      يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

      الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

      تعليق


      • #4
        رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم
        موضوع قيم وطيب


        "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
        وتولني فيمن توليت"

        "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

        تعليق


        • #5
          رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن






          وفي سياق الكلام عن حياة النبي بالقرآن؛ لابد أن نتطرق إلى أهم وظائفه صلى الله عليه وسلم، ألا وهي الإمامة في الصلاة؛
          فقد كانت وظيفته طيلة حياته، ولم يتولَّها أحد في حياته إلا بإذن منه أو باستخلاف إذا سافر أو خرج في غزوة أو نحوها.

          والإمامة في الصلاة وظيفة من وظائف النبي صلى الله عليه وسلم التي هي الدعوة إلى التوحيد، وإنقاذ الناس من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد،
          ومن ظلمات المعاصي والسيئات إلى نور الطاعات والأعمال الصالحات، ومن الجهل إلى المعرفة والعلم؛
          فلا خيرَ إلا دلَّ أُمَّته عليه، ولا شرَّ إلا حذَّرها منه صلى الله عليه وسلم.

          وكذلك تولَّى
          الإمامة في الصلاة الخلفاء الراشدون من بعده رضوان الله عليهم، وتولَّاها الوُلاة، والأمُراء في الأمصار، والأقاليم،
          وكذلك تولَّاها أُمرَاء المؤمنين بعد الخلافة الراشدة.

          لأنَّ الإمامة في الصلاة بجميع أنواعها من المناصب الدينية الهامة، ولا يتولَّاها إلا أولوا الفقه والعلم، والفضل.


          والإمامة: مصدر أمَّ الناس، أي: صار لهم إماماً يتبعونه في صلاته. والإمامة: رياسة المسلمين، والإمامة الكبرى: رياسة عامة في الدِّين والدنيا،
          خلافةً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالخلافة هي الإمامة الكبرى، وإمام المسلمين: الخليفة ومن جرى مجراه.

          والإمامة الصغرى: ربط صلاة المؤتم بالإمام بشروط.
          فالإمام هو كل من اقتُدِي به، وقُدِّم في الأمور..
          والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم هو إمام الأئمة، فهو الإمام الأعظم والرئيس المُقدَّم

          إمامَ المُرسلينَ فداكَ رُوحـــي ... وأرواحُ الأئمةِ والدُّعــــاةِ
          رُفِعْتَ منازلاً.. وشُرحت صدرا ... ودينُكَ ظاهرٌ رغمَ العُداةِ
          وأعلى اللهُ شأنكَ في البَرَايا ... وتلكَ اليومَ أجلى المُعجزاتِ
          وفي الإسراءِ والمعراج ِ معنى ... لقدركَ في عناقِ المكرماتِ
          بُعثتَ إلى المَلا بِرّاً ونُعمى ... ورُحمى.. يا نبيَ المَرْحَمَاتِ
          رسولَ الحُبِّ في ذكراك قُربى ... وتحتَ لواكَ أطواقُ النجـــاةِ
          عليك صلاةُ ربِّكَ ما تجلـّـــى .. ضياءٌ .. واعتلى صوتُ الهُداةِ [1]







          هو إمام المُرسلينَ وإمام المسلمين وإمام العالمين، هو ال
          نبي المصطفى والمجتبى الصادق الأمين، صلَّى عليه الله وسلَّم، وآله وصحبه أجمعين.

          شرَّفَهُ الله تعالى على جميع الأنبياء والرسل، فقد صلَّى بهم إمامًا، وفيهم من فيهم من أولي العزم من الرسل، إبراهيم وموسى وعيسى،
          صلوات الله وسلامه عليهم جميعا.


          حدث ذلك في رحلة ومعجزة الإسراء والمعراج التي اشتملت على معانٍ ودروسٍ كثيرةٍ، وأظهرت بشكل واضح فضْلَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم.

          قال ابن كثير -رحمه الله- في بداية تفسيره لقول الله تعالى:

          {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} الإسراء: 1
          يُمجَّد تعالى نفسه، ويُعَظِّم شأنه، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه، فلا إله غيره،
          {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} يعني: محمدًا صلوات الله وسلامه عليه، {ليْلاً} أي: في جنح الليل، {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} وهو مسجد مكة،
          {إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} وهو بيت المقدس الذي هو بإيلياء، معدن الأنبياء من لدن إبراهيم الخليل، ولهذا جُمِعوا له هنالك كلهم، فأمَّهُم في محلِّهم ودارهِم،
          فدَلَّ على أنه هو الإمام الأعظم، والرئيس المُقَدَّم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
          أ.هـ.



          وقال أيضًا -رحمه الله-:
          ثُمَّ أَظْهَرَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ عَلَيْهِمْ بِتَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ ، وَذَلِكَ عَنْ إِشَارَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ. أ.هـ.

          تلك دلالة على أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم
          هو الإمام الأعظم والرئيس المقدم،
          ولا شك أنَّه هو مقدم الأنبياء وأفضلهم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:
          «
          أنَا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يومَ القِيامَةِ و لا فَخْرَ ، و بيدِي لِواءُ الحَمْدِ و لا فَخْرَ ، و ما من نَبيٍّ يومَئِذٍ آدَمَ فمَنْ سِواهُ إلا تحتَ لِوائِي ،
          وأنا أوَّلُ شافِعٍ ، و أوَّلُ مُشَفَّعٍ ، ولا فَخْرَ
          »
          [2].

          وقد التمس بعض العلماء حكمة أخرى من تقدمه عليه الصلاة والسلام إماماً للأنبياء فقال:
          قوله في الحديث: (
          فحانتِ الصلاةُ فأممتهُم) [3].
          فيه –والله أعلم– إشارة إلى تولِّي هذه الأمة أمر قيادة البشرية.








          وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابه دائمًا ويوجِّهَهُم إلى أنَّ حِفْظَ القرآن، واستظهاره، وإجادته، والعلم به، والتفَقُّه فيه؛
          هو المُرشِح الأول لمنصب الإمامة، فكان الأحقُّ بها أقرأ الناس لكتاب الله، كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم:
          «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَةً، فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا،
          وَلَا تَؤُمَّنَّ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلَا فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا تَجْلِسْ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ، إِلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَكَ أَوْ بِإِذْنِهِ
          » [4].

          والمراد بالأقرأ: الأحفظ والأعلم -وقد كان القراء هكذا في الصدر الأول-، ويُقدَّم الأقرأ إذا كان عارفاً فِقهَ صلاته.

          فالإمامة فضلها مشهور، تولَّاها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بنفسه، وكذلك خلفاؤه الراشدون، وما زال يتولَّاها أفضل المسلمين علماً وعملاً،
          وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يدعو للأئمة بالإرشاد، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
          قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

          «الإِمَامُ ضَامِنٌ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ؛ اللَّهُمَّ ارْشِدِ الأَئِمَّةَ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ» [5].

          واختلف العلماء في أيهما أفضل: الأذان أم الإمامة؟ .. فمنهم من قال: الإمامة أفضل، ومنهم من قال: الأذان
          واختار شيخ الإسلام رحمه الله:

          أنَّ الأذان أفضل من الإمامة. وأمَّا إمامة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وإمامة الخلفاء الراشدين -رضي الله عنهم- فكانت مُتعيَّنة عليهم؛
          فإنَّها وظيفة الإمام الأعظم ولم يُمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقهم أفضل من الأذان؛ لخصوص أحوالهم،
          وإن كان لِأكثر الناس الأذان أفضل
          [6].

          وقد علَّم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم الصحابة عِظَم شأن الإمامة وخطره على من استهان بأمرها،
          كما قال:
          «يُصَلُّونَ لَكُمْ ، فَإِنْ أَصَابُوا فَلَكُمْ ، وَإِنْ أَخْطَئُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ» [7].

          والمعنى:
          (
          يُصَلُّونَ) أي الأئمة (لَكُمْ) أي لأجلكم، (فَإِنْ أَصَابُوا) في الأركان والشروط، والواجبات، والسنن (فَلَكُمْ) ثواب صلاتكم، ولهم ثواب صلاتهم،
          (
          وَإِنْ أَخْطَئُوا) أي ارتكبوا الخطيئة في صلاتهم، ككونهم مُحْدِثِين (فَلَكُمْ)، ثوابها، (وَعَلَيْهِمْ) عقابها.





          صلَّى عليه الله وسلَّم أزكى صلاة
          خير الأنام .. محمد .. خير خلق الله
          خاطبه المولى جلَّ في عُلاه
          بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} النحل: 44 ،
          فقام صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذه الوظيفة حقَّ القيام، وكانت الصلاة من أعظم ما بيَّنه للناس قولاً وفعلاً؛ فأدَّاهَا حَقَّ أدَائِها،
          إمَــامَــــًا ومُـعَـلِّـمَــــًا

          حتى إنَّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- صلَّى مرة على المنبر؛ يقوم عليه ويركع، ثم قال لهم:
          «أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي ، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي» [8].






          صلَّى عليك الله وسلَّم أزكى صلاة

          يا خير الأنام ..
          محمد .. يا خير خلق الله
          بهذا الاسم الكريم تنطق ملايين الشفاه، وتهتز له ملايين القلوب؛ ومَـنْ سِــوَاه؟
          منذ بعثته وإلى يوم الدِّين وما دامت الحياة؛ يُذكَر اسمه الشريف كل يوم مع الإله

          ذلك الفضل من الله؛ أن جعلنا من أمة الحبيب محمد نبيه ومصطفاه

          صلَّى عليه الله وسلَّم أزكى صلاة

          فقد عاش بالقرآن خُلُقًا وتعبُدَّاً لله، وبالقرآن دعا الناس إلى ربِّه ومولاه.



          فعاش بالقرآن سيد العابدين، وأفضل الداعين إلى رب العالمين، وخير معلما للناس أجمعين،
          ووصَّاهم من بعده والمسلمين أن يظلُّوا به متمسكين
          ...
          إنها وصية غالية
          من النبي محمد رسول الله .. عليه أفضل وأزكى السلام والصلاة


          فــ في حياته كان صلى الله عليه وسلَّم يقول لأصحابه:
          «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً
          » [9].
          وكانت هذه وصيته الدائمة لأصحابه؛ يُوصيهم ويُطالبهم بالدعوة إلى الله بما يسمعوه منه من قرآن يتلوه عليهم


          وعندما أخبر صلَّى الله عليه وسلَّم حذيفة بن اليمان بالاختلاف والفرقة التي ستحدث بعده، فيما رواه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ رضي الله عنه، قَالَ:
          دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا حَلْقَةٌ كَأَنَّمَا قُطِعَتْ رُءُوسُهُمْ، وَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ يُحَدِّثُ، فَإِذَا حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
          كَانُوا يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ كَيْمَا أَعْرِفَهُ، فَأَتَّقِيَهُ، وَعَلِمْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لا يَفُوتَنِي، قَالَ: فَقُلْتُ:
          "
          يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ مِنْ شَرٍّ ؟
          قَالَ:
          «يَا حُذَيْفَةُ ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ» ،
          فَأَعَدْتُ قُولِي عَلَيْهِ، فَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ: «فِتْنَةٌ وَاخْتِلافٌ» ،
          قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟
          قَالَ: «يَا حُذَيْفَةُ ، تَعَلَّمْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَاعْمَلْ بِمَا فِيهِ» ،
          فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ
          ؟
          قَالَ: «فِتَنٌ عَلَى أَبْوَابِهَا دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ ، فَلأَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ ، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ» [10].




          و من بعده صلى الله عليه وسلَّم كانت وصيته لأُمَّتِهِ القرآن،
          فعن طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ رضي الله عنه، قَالَ:
          سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى؟
          فَقَالَ:لَا ،
          فَقُلْتُ: كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ؟
          قَالَ:أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ
          [11].

          والمراد بالوصية بكتاب اللَّه:
          حِفظَهُ حِسَّــًا ومعنى؛ فيُكْرَمُ ويُصَان، ويُتَّبع ما فيه؛ فيُعمَلُ بأوامره، ويُجتَنبُ نواهيه، ويُداوَمُ على تلاوته وتعلُّمه وتعلِّيمه، ونحو ذلك.

          وقد أوصى قبل موته صلى الله عليه وسلم بكتاب اللَّه تعالى في مناسبات كثيرة، منها:
          أنَّه صلى الله عليه وسلم أوصى به في خطبتيه في
          عرفات، فقال:
          «وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللَّهِ» [12]،

          وفي خطبته في
          مِنَى،
          عَنْ يَحْيَى بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُهَا تَقُولُ:
          حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ فَرَأَيْتُهُ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَانْصَرَفَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَأُسَامَةُ
          أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ وَالْآخَرُ رَافِعٌ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الشَّمْسِ، قَالَتْ:
          فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا كَثِيرًا ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ:
          «إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ (حَسِبْتُهَا قَالَتْ أَسْوَدُ) يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا» [13]،

          الْمُجَدَّعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ، وَ ( الْجَدْعُ ) الْقَطْعُ مِنْ أَصْلِ الْعُضْوِ، وَمَقْصُودُهُ: التَّنْبِيهُ عَلَى نِهَايَةِ خِسَّتِهِ،
          فَإِنَّ الْعَبْدَ خَسِيسٌ فِي الْعَادَةِ، ثُمَّ سَوَادُهُ نَقْصٌ آخَرُ، وَجَدْعُهُ نَقْصٌ آخَرُ، وَالْعَادَةُ أَنْ يَكُونَ مُمْتَهَنًا فِي أَرْذَلِ الْأَعْمَالِ،
          فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ وَلَوْ كَانَ بِهَذِهِ الْخَسَاسَةِ مَا دَامَ يَقُودُنَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى،
          قَالَ الْعُلَمَاءُ:
          مَعْنَاهُ مَا دَامُوا مُتَمَسِّكِينَ بِالْإِسْلَامِ وَالدُّعَاءِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَلَا يُشَقُّ عَلَيْهِمُ الْعَصَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
          [14]









          فالقرآن كان كُلُّ حياته صلَّى الله عليه وسلَّم، وكانت حياته كلُّها القرآن
          خُلُقًا ، وتعبُّدًا ، ودعوةً ، وتعليمًا ، ووصيةً لأصحابه ولأمته ، وميراثــًا من بعده.

          مَـرَّ أَعْرَابِيٌّ بـــ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُقْرِئُ قَوْمًا الْقُرْآنَ، أَوْ (وَعِنْدَهُ قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ)،
          فَقَالَ: مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟
          فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»
          [15].







          ذلك الفضل من الله؛ أن جعلنا من أمة الحبيب محمد نبيه ومصطفاه



          صلَّى عليك الله وسلَّم يا سيدي يا رسول الله
          كلما تنفَّس في الكون كائن دبَّت فيه الحياه
          وكلما نبضت قلوب العباد و نطقت بالشفاه

          وكلما أذَّن مُؤذن في خمس أوقات الصلاة

          بعدد كُلّ ذِكر لله ضراعةً، وبذِكرِ مُصطفاه

          بعدد من كان من العباد وسيكون بأمر الله

          كلما ذَكَر ذَاكِرٌ لربِّه حمدا وشكرًا وناجاه

          صلَّى عليك الله وسلَّم يا سيدي يا رسول الله

          رسولًا ونبيًا نُشهِدُ ربنا به رضينا وارتضيناه

          و قد رضينا من قبل بالله ربَّا وحده الإله

          وبالاسلام دينًا؛ فحمدًا لله مولانا ورُحمَاه

          حمدًا لمن هدانا للتوحيد جلَّ في عُلاه

          سبحانك نُشْهِدُكَ والخلائق أنَّك أنت الله

          فَنَشْهَدُ ألَّا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله


          الكلام يطول ويطول؛ ومهما قيل أو كتب؛ فلن نوفيك حقك يا سيدي يارسول الله



          كما قال أحد السلف:
          فإنّ فضْلَ رسول الله ليسَ لهُ ... حدٌّ فيُعرِبُ عنهُ ناطِقٌ بفَمِ

          صلَّى الله عليه وسلَّم، فإنَّ الكلام عن فضله ليس لها نهاية، ومهما قيل أو كُتِب؛ فلن يستطيع مُتكلِّمٌ أو كاتِبٌ
          وصفَ فضائل النبي، أو بيان مناقبه صلى الله عليه وسلم.




          فَسُبْحَانَ مَنْ فَضْلُهُ عَلَى الْعَالَمِين، الَّذي فَضَّلَ نَبيّهُ ورسُولهَ مُحَمَّدٌ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ أجْمَعِين


          لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وفِي الْآخِرَةِ وإلَى يَوْمِ الدِّين.


          _______________________
          [1] لصالح بن علي العمري-الظهران، بتصرف
          [2]
          صححه الإمام الألباني في: صحيح الجامع-الصفحة أو الرقم: 1468
          [3] رواه الإمام مسلم في صحيحه-الصفحة أو الرقم: 172، متن الحديث:
          «
          لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا، فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ، قَالَ:
          فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؛ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ،
          وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ، يَعْنِي نَفْسَهُ،
          فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ، فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ قَالَ قَائِلٌ: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ
          »
          [4] رواه الإمام
          مسلم في صحيحه-الصفحة أو الرقم: 673
          [5]صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 105
          [6] الاختيارات الفقهية، لشيخ الإسلام ابن تيمية ص56، وشرح العمدة له، 2/ 139.
          [7] البخاري، كتاب الأذان، باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، برقم 694
          [8] السنن الكبرى للنسائي:
          (حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمِ بْنُ دِينَارٍ ،
          أَنَّ رِجَالا أَتَوْا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ ، وَقَدِ امْتَرَوْا فِي الْمِنْبَرِ مِمَّ عُودُهُ ؟

          فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ ، فَقَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لأَعْرِفُ مِمَّا هُوَ ، " وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَوَّلَ يَوْمٍ وُضِعَ ، وَأَوَّلَ يَوْمٍ جَلَسَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فُلانَةٍ ،
          امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ ، أَنْ مُرِي غُلامَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ ، فَأَمَرَتْهُ فَعَمِلَهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
          فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ هَا هُنَا ، ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا وَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ رَكَعَ وَهُوَ عَلَيْهَا ، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ فِي أَصْلِ الْمِنْبَرِ ثُمَّ عَادَ ،
          فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ ، فَقَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي صَنَعْتُ هَذَا لِتَأْتَمُّوا بِي ، وَلِتَعَلَّمُوا صَلاتِي " .
          [9] رواه الإمام البخاري. متن الحديث: "بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ"
          [10] صححه ووافقه الإمام الذهبي في المستدرك، وقال:
          هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ.
          [11] رواه الإمام البخاري.
          [12] صحيح مسلم، حديث مطوَّل رقم 1218، متن الحديث: هنــا.
          [13] صحيح مسلم، حديث رقم 1298
          [14] شرح النووي على مسلم
          [15] فضائل القرآن لأبي عبيد - ص 51.
          ............
          المراجع
          _________
          - موقع الاسلام سؤال وجواب
          - تحقيق الوصال بين القلب والقرآن، لمجدي الهلالي
          - المدخل لدراسة القرآن الكريم، للشيخ محمد أبو شُهبة

          - الإمامة في الصلاة، للدكتور سعيد القحطاني
          - وداع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته، للدكتور سعيد القحطاني
          التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 01-06-2015, 04:52 PM.
          إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
          والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
          يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

          الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

          تعليق


          • #6
            رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

            المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم
            موضوع قيم وطيب

            بارك الله فيكم وجزاكم كل الخير
            إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
            والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
            يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

            الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

            تعليق


            • #7
              رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

              بارك الله فيكم وجزاكم كل الخير على الطرح القيم

              تعليق


              • #8
                رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

                المشاركة الأصلية بواسطة حوراء الجنان مشاهدة المشاركة
                بارك الله فيكم وجزاكم كل الخير على الطرح القيم
                وفيكم بارك الله وجزاكم خير الجزاء
                إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                تعليق


                • #9
                  رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

                  وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                  جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم
                  موضوع قيم جعله الله في ميزان حسناتكم
                  وكل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته ادوم


                  تعليق


                  • #10
                    رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

                    المشاركة الأصلية بواسطة عطر الفجر مشاهدة المشاركة
                    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                    جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم
                    موضوع قيم جعله الله في ميزان حسناتكم
                    وكل عام وأنتم إلى الله أقرب وعلى طاعته ادوم




                    بارك الله فيكم وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال
                    وجزاكم خير الجزاء
                    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                    تعليق


                    • #11
                      رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

                      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                      ما شاء الله مجهود طيب ومبارك ،
                      جزاك الله عنا خير الجزاء والدنا
                      وجعلنا من أتباع النبي محمد
                      صلى الله عليه وسلم

                      تعليق


                      • #12
                        رد: تعرف إلى نبينا العدنان .. كيف كانت حياته بالقرآن

                        المشاركة الأصلية بواسطة متبع أهل السنة والجماعة مشاهدة المشاركة
                        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                        ما شاء الله مجهود طيب ومبارك ،
                        جزاك الله عنا خير الجزاء والدنا
                        وجعلنا من أتباع النبي محمد
                        صلى الله عليه وسلم


                        اللهم آمين آمين، ولكم بمثل يا ولدي الفاضل

                        وجزاك الرحمن كل الخير وبارك فيك وحفظك ورفع قدرك

                        إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                        والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                        يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                        الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                        تعليق


                        • #13
                          جزاكم الله خيرًا ونفع الله بكم

                          تعليق

                          يعمل...
                          X