إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تيسير المنان في فهم القرآن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تيسير المنان في فهم القرآن





    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا،
    والصَّلاةُ والسَّلامُ على مَنْ بَلَّغَ الرسَالة وأدَّى الأمَانة ونَصَح الأُمَّة وجاهد في الله حقَّ جِهادهِ حتَّى أتَاهُ اليَقِين،
    صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلِهِ وصحبهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.
    أما بعد..


    فالقرآن الكريم هو كِتابُ اللهِ الَّذي أنزَلهُ على رسُولهِ مُحمَّدٌ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، كِتابُ اللهِ الَّذي أنزَلَهُ ليُخرِجَ النَّاس مِن الظُلمَاتِ إلى النُّورِ بإذنِه،
    كِتابٌ لا رَيبَ فيهِ، هُدىً للمُتَّقين، كِتَابٌ أُحكِمَت آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَت مِن لّدُن حَكيمٍ خَبِير، كِتابٌ عزيٌز؛ لَّا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِن خَلفِهِ،
    تَنزِيلٌ مِن حَكيمٍ حَمِيد،
    كِتَابٌ مُّبِينٌ يَهدِي بهِ اللهُ كُلَّ مَنْ تأمَّل وتفَكَّر في معَانِيه، سُبْحَانَهُ القَائِلُ في مُحْكَمِ التَّنزِيل:

    {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} النساء: 82

    سبحانه جلَّ في علاه؛ أمر بتدبر كتابه؛ بالتأمل في معانيه، وتحديق الفكر فيه؛
    فإنَّ تدبر كتاب الله مِفتاحٌ للعلوم والمعارف، وبه يُستَنتَجُ كلّ خير وتُستَخرج منه جميع العلوم، وبه يزداد الإيمان في القلب وترسخ شجرته.
    سبحانه المُنعم الوهَّاب؛ أنعَم على عباده المخلصين باستخراج علوم الشرع من نصوص كتابه العزيز؛ فَوفَقَّ علماء أجلَّاء من السلف الصالح لجمع بحار زاخرة من أنوار العلوم الشرعية؛ فأضاءت للأمة طريق الإستقامة والهُدى والرَّشاد بحوله وقوته، إذ جعلهم يفهمون نصوص القرآن، وينقلون هذا الفهم إلى عامة العباد.

    والفهم له مفاتيح وأدوات وضوابط عند العلماء.

    وبعيدًا عن ذكر التفاصيل والتأصيل العلمي؛ هيا معًا نتناول بعض طرق ومفاتيح الفهم؛ إستدلالًا من كتاب الله تعالى،
    لنسعى جاهدين أن نضع أقدامنا على طريق الفهم والسعي الجادّ لتحصيل العلم؛
    فالعلم أوَّل ما أخبر به المولى تبارك وتعالى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى:

    {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} العلق: 5
    ..
    قيل: علم آدم الأسماء كلها، وقيل: الإنسان ها هنا محمد صلَّى الله عليه وسلم، وقيل هو عام لجنس الإنسان؛ لقوله تعالى:
    {وَاللَّـهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} النحل: ٧٨

    نسأل الله تعالى أن يفتح لنا ولكم أبواب العلم النافع، وأن يهبنا وإياكم فهمًا للقرآن، وتدبرًا لآيته، وعملًا به.






    إذًا؛ كيف نفهم القرآن، أو بالأحرى؛ دعونا نسأل، كيف نفهم النصوص الشرعية؟

    بـِـــدَايـَــــــًة؛
    فإنَّ تعريف النَّص الشرعي بإيجاز هو المرجِع وهو الحاكِم في حياة المسلمين.

    والنص الشرعي يأتي من مصدرين أساسيين؛ القــرآن والسُنـَّـة؛
    استدلالًا بآياتٍ مُتعددةٍ في القرآن الكريم؛ منها الآية 151 من سورة البقرة، في قوله تعالى:
    {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ}

    ..
    يُذكِّرُ تعالى عباده المؤمنين ما أنعم به عليهم من بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلَّم إليهم، يتلو عليهم آيات الله مُبينات ويزُكيهم،
    أي: يُطهرهم من رذائل الأخلاق ودَنَسِ النفوس وأفعال الجاهلية، ويُخرجهم من الظلمات إلى النور، ويُعلمهم الكتاب وهو القرآن والحكمة وهي السنة،
    ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون.


    فالكِتَاب والحِكمَة هُمـَـــــا: القُرْآن و
    السُنـَّـة

    {وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}
    أرسل
    الله تعالى للناس جميعًا رسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلم رحمة لهم، وليُـعـلِّـمـهـُـــم:
    ..
    الكـتــــــاب -وهو القرآن-،
    بتوضيح وبيان معانيه؛ وتعليم أحكام الشريعة.
    فيُعلِّم الناس إستنباط الأحكام من النصوص أو الأصول المستمدة منها، وأخبار الأمم الماضية، وقصص الأنبياء، وغير ذلك مما لم تستقل بعلمه عقولهم.

    والحكمـــة -وهي السنة-،
    بما يَصدُرُ عنه صلّى الله عليه وسلّم من الأقوال والأفعال التي جعل الله للناس فيها أسوة حسنة.
    وقيل أنَّ الحكمة هي معرفة أسرار الشريعة والفقه فيها، بما اشتملت عليه الشريعة من تهذيب الأخلاق وتقنين الأحكام؛
    لأنّ ذلك كلّه مانع للأنفس من سوء الحال واختلال النظام
    فيكون -على هذا- تعليم السنة داخلًا في تعليم الكتاب؛ لأنَّ السنة تُبيِّن القرآن وتُفسِّره وتُعبِّر عنه،
    {يُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} لأنهم كانوا قبل بعثته في ضلال مبين؛ لا عِلم ولا عَمل،
    فكلُّ علم أو عمل نالته هذه الأمة فعلى يده صلَّى الله عليه وسلم، وبسببه كان، وبهذا النوع من التعليم صار الدِّينُ كاملا قبل انتهاء عهد النبوة.

    فالحمد لله الذي جعلنا من أمَّةِ الإسلام، الحمد لله الذي جعلنا من أمَّة رسوله العدنان صلَّى الله عليه وسلم،
    الحمد لله الذي أنزل القرآن هدًى ونورًا مبينًا،
    هذا القرآن العظيم، الذي اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر،
    لنستضيئ بأنواره، ونهتدي بهديه، ونستبين معناه، فنحيا على مراد الله كما أمر سبحانه.





    لكـــــــن!!

    كيف نفهم النصوص الشرعية؟
    الجواب:
    بفهم القرآن كما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم وأقرَّهُم عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؛
    وبفهم أقواله صلى الله عليه وسلم وتطبيقها؛ كما فعل السلف الصالح من الصحابة والتابعين.

    فلا يجوز لأحد أن يأخذ نصًا شرعيًا -من القرآن أو السنة- ثم بعد ذلك يفهمه ويُطبقه
    بغير الفهم والتطبيق الذي كان عليه صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.


    وللفهم أدوات ومفاتيح لا تخفى عن الخاصَّة من أهل العلم والمعرفة، ولا يجب أيضًا أن يخفى بعضها عن العامَّة من المسلمين.

    فتعالوا بنا معًا يا أهل الخيرات -مستعينين بالله المستعان- نضع أيدينا على بعضٍ من مفاتيح الفهم للنصوص الشرعية:

    أولا:- دراسة وتعلم اللغة العربية:

    أنزل الله القرآن العظيم على رسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلم بلغة العرب في شبه الجزيرة العربية، لأن لسانهم وكلامهم عربي،
    فأنـزله سبحانه بلسانهم ليعقلوه ويفقهوا منه. فالناس يرتفعون لفهمهم كلام الله جلَّ في عُلاه ومُراد الله في كتابه، وهذا لا يكون إلا باللغة العربية.
    قال عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: " تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها من دينِكم، وتعلَّموا الفرائضَ؛ فإنها من دينكم ". [1]

    فاللغة العربية هي أشرف اللغات؛ لأنها لغة القرآن،
    نتدبر معًا لأمثلة من الآيات الكريمة كإستدلال، في قوله تعالى:
    {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}
    يوسف: 2
    أي : أنزلناه بلغتكم، لكي تعلموا معانيه، وتفهموا ما فيه.
    وذلك لأن لغة العرب هي أفصح اللغات وأبينها وأوسعها، وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس؛ فلهذا أنزل الله أشرف الكتب بأشرف اللغات،
    على أشرف الرسل، بسفارة أشرف الملائكة، وكان ذلك في أشرف بقاع الأرض، وابتُدِئَ إنزاله في أشرف شهور السنة وهو رمضان، فكَمُلَ من كلِّ الوجوه.
    فالقرآن الكريم أنزله الله باللسان العربي ليُبيِّنَ كلّ ما يحتاجه الناس من الحقائق النافعة،
    كل هذا الإيضاح والتبيين {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي: لتعقلوا حدوده وأصوله وفروعه، وأوامره ونواهيه.






    وفي قوله تعالى:
    {
    وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٩٢﴾ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴿١٩٥﴾} الشعراء
    في هذه الآيات الكريمة؛ يُخاطب الله تعالى رسوله الكريم صلَّى الله عليه وسلم، بهذه المعاني:
    وإنَّ هذا القرآن مُنزَّل مِن خالق الخلق، ومالك الأمر كله، نزل به جبريل الأمين، فتلاه عليك -أيها الرسول- لتنذر بهذا التنزيل الإنس والجن أجمعين.
    نزل به جبريل عليك بلغة عربية واضحة المعنى، ظاهرة الدلالة، فيما يحتاجون إليه في إصلاح شؤون دينهم ودنياهم.


    نزل هذا القرآن باللسان العربى ليكون أوضح فى البلاغ والبيان لقومك؛ لأنه لو نزل بلسان أعجمى أو بلغة أعجمية لتعلَّلوا بعدم فهمه وقلة إدراكهم لمعناه؛ فيقولوا لسنا نفهم ما تقول. وهذا تقريع لكفار قريش من العرب، ذلك أنه تعالى ذِكْرُهُ قال:
    {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ} الشعراء: 5.

    فهم لم يُعرضوا عنه لأنهم لا يفهمون معانيه، بل يفهمونها؛ لكنَّهم أعرضوا عن استماعه، وتركوا إعمال الفكر فيه وتدبره.
    أمَّا مَنْ فَهِموا مِنَ الَّذينَ آمنوا؛ فقد جعل الله مِنهُم حَمَلـًة للقرآن وضَّحوا معانيه إلى الأمم بفصاحتِهم وبيانِهم، فأصبحتِ الأمَّةَ أمَّةٌ واحِدةٌ،
    كِيَانُهُمْ واحِدٌ، قَائِمٌ مُتمَاسِكٌ باتِّحَادِ الدِّينِ واللُّغَة.






    وفي قوله تعالى:
    {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
    فصلت: 3
    أثنى المولى تبارك وتعالى على الكتاب بتمام البيان فقال:
    {فُصِّلَتْ آيَاتُهُ} أي: فصَّل كلّ شيء من أنواعه على حدته، وهذا يستلزم البيان التام، والتفريق بين كل شيء، وتمييز الحقائق.
    {قُرْآنًا عَرَبِيًّا} أي: باللغة الفصحى أكمل اللغات، فُصِّلت آياته وجُعِل عربيًا.
    {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} أي: لأجل أن يتبين لهم معناه، كما تبين لفظه، ويتضح لهم الهدى من الضلال، والْغَيِّ من الرشاد
    فالجاهلون، الذين لا يزيدهم الهدى إلا ضلالاً، ولا البيان إلا عَمًى؛ فهؤلاء لم يُسَق الكلام لأجلهم،
    لكنَّه خصَّ سبحانه الذين يعلمون بالذكر؛ لأنهم هم الذين ينتفعون بما اشتمل عليه هذا الكتاب من تفصيل لآياته شامل لألفاظها ومعانيها.





    وبذلك نَخْلُصُ أيها الكرام الأفاضل إلى أنَّ اللغة العربية تُعدُّ مفتاح الأصلين العظيمين؛

    الكتاب والسنة

    فهي الوسيلة إلى فهمهما. قال شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    "إنَّ الله لما أنزل كتابَه باللسان العربي، وجعل رسولَه مُبلِّغًا عنه الكتاب والحكمة بلسانه العربي، وجعل السَّابقين إلى هذا الدين متكلِّمين به،
    ولم يكن سبيل إلى ضبط الدِّينِ ومعرفته إلا بضبط هذا اللسان؛ صارت معرفته من الدِّين، وأقرب إلى إقامةِ شعائر الدين
    " [2]

    وكلام الإمام رحمه الله يدلّ على أنَّ بين اللغة العربية والعقيدة الإسلامية ارتباطًا وثيقًا؛
    فاللغة العربية هي لغةُ الإسلام، ولغة كتابه العزيز، ولغة رسوله محمد صلَّى الله عليه وسلَّم
    لذا فإن الاهتمامَ والعناية بها إنما هو استكمال لمقوم من مقومات العقيدة الإسلامية، التي نجتمعُ جميعًا على إعزازِها، والدعوة إليها.


    ولذلك؛ فإنَّ تعلُّم اللغة العربية والاهتمام بها ليس مهنة تعليمية، أو قضية تعليمية فحسب؛ وإنما هو قضية عقدية، ورسالة سامية نعتز بها.

    قد يقول قائل مُستَصعِبًا الأمر: إنَّ تعلُّم اللغة العربية أمرٌ شاقٌّ وفيه صعوبة!!
    والجواب:
    كيف تجدون تعلم اللغة العربية بالأمر الشاق، وماهي صعوبته؟!
    لماذا سهُل على أبناء الأمة الإسلامية دراسة سائر اللغات، وصعُب عليهم دراسة اللغة العربية؟!
    لماذا تُفرط الأمة الإسلامية في هويتها؛ فيتكالب عليها من يريد طمس الهوية بجملتها دينًا ولغًة؟!
    متى نفيق من غفلتنا؟.. هلَّا تنبهنا!!
    إلى متى أيها الكرام الأفاضل سنظل نبحث عمَّن يشرح لنا نصًا قرآنيًا نريد فهمه وفي متناولنا تفاسير كبار العلماء؟!
    إلى متى سنظل نحتاج لمن يشرح لنا قول المفسرين الذي في كتبهم هو الشرح والإيضاح بعينه؟!

    لا أعني بذلك عدم حاجتنا إلى علمائنا الأجلّاء المعاصرين -حفظهم الله وجزاهم عنا خير الجزاء-؛ لكن ما أعنيه هو حاجتنا المُلِحَّة إلى ضرورة تعلم اللغة العربية بما يساعدنا على فهم أقوال العلماء حينما نقرأ كتبهم النفيسة، إضافة إلى -وهو الأساس- الرجوع إلى علمائنا الفضلاء..
    فليس مِنَ المعقول أَنْ نَحتاجَ تفسِيرٌ لتفسير، وشَرحٌ لشرحِ آيةٍ قرآنيةٍ أو حديثٍ شريفٍ.

    الكرام الأفاضل..
    ومع تعلمنا للغة العربية بتوفيق من الله تعالى، نحرص أيضًا على تدريب أنفسنا على القراءة بتأني وتأمل؛ سائلين الله تعالى تحقيق مراده فينا بالتدبر،

    فتابعونا بأمر الله تعالى لنستوضح معًا كيف نصل إلى ذلك إن شاء الله...



    _____________________________________________
    [1] للفائدة إقرأ: تعلم اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب
    [2] مجموع فتاوى ابن تيمية، ج8 (ص343).
    مراجع التفاسير:
    السعدي
    البغوي
    القرطبي
    ابن كثير
    ابن عاشور

    الوسيط للشيخ سيد طنطاوي
    التعديل الأخير تم بواسطة م/ جيهان; الساعة 14-10-2017, 09:28 PM. سبب آخر: إضافة فواصل القسم
    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

  • #2
    رد: تيسير المنان في فهم القرآن

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم

    اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

    تعليق


    • #3
      رد: تيسير المنان في فهم القرآن

      المشاركة الأصلية بواسطة لؤلؤة باسلامي مشاهدة المشاركة
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيراً وبارك الله فيكم

      وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      وجزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم ورفع قدركم
      إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
      والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
      يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

      الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

      تعليق


      • #4
        رد: تيسير المنان في فهم القرآن

        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        موضوع طيب جعله الله في ميزان حسناتكم
        وجزاكم الله خير الجزاء


        تعليق


        • #5
          رد: تيسير المنان في فهم القرآن

          المشاركة الأصلية بواسطة عطر الفجر مشاهدة المشاركة
          عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
          موضوع طيب جعله الله في ميزان حسناتكم
          وجزاكم الله خير الجزاء

          اللهم آمين
          جزاكم الله كل الخير ونفع بكم ورفع قدركم وحفظكم
          إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
          والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
          يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

          الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

          تعليق


          • #6
            رد: تيسير المنان في فهم القرآن

            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            جزاك الله خيرًا والدنا الكريم
            موضوع قيم جعله الله في ميزان حسناتك
            متابع
            رحمك الله يا أمي
            ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
            وظني بكـَ لايخيبُ

            تعليق


            • #7
              رد: تيسير المنان في فهم القرآن

              المشاركة الأصلية بواسطة أبوالدرداء إبراهيم مشاهدة المشاركة
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              جزاك الله خيرًا والدنا الكريم
              موضوع قيم جعله الله في ميزان حسناتك
              متابع
              بارك الله فيك يا ولدي الفاضل وجزاك كل الخير
              إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
              والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
              يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

              الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

              تعليق


              • #8
                رد: تيسير المنان في فهم القرآن



                ثانيًا: التدريب على قراءة القرآن بتأني وتأمُّل، والبحث عن معانيه؛ ليتحقق لنا تدبُّره بأمر الله:
                __________________________________________________ __________________________________________________ __________________________________________________ ___

                إنَّ قراءة القرآن؛ قُربًة وطاعًة للعزيزِ الرَّحمَن، ومن أحبِّ الطَّاعاتِ إلى الرَّحيمِ المنَّان..

                فبالقرآن ومع القرآن؛ تأنَسُ النُّفوس وتطمَئنُ القلوب وتزكو الأرواح؛ فيزداد العبد تعلقًا بالخالق المعبود؛
                لذا فإنَّ قراءة القرآن بالتدبُّر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود.
                والتدَبُّر أمرنا به سبحانه، وجاء في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:
                {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ} ص: 29

                فلنَجعَل هذه الآية الكريمة من الآن شُغلنَا الشَّاغل؛
                نحفَظُها جيدًا، نَجعَلها في قلوبنا وأمام أعيننا، ونسعى جاهدين فيما تبقى من أعمارنا أن نحقق مراد الله فينا بتدبر القرآن والعمل بما فيه؛


                فالقرآن كِتَابٌ مُبَارَكٌ فيه خيرٌ كثير، وعلمٌ غزير، ليتدبَّر الناس آياته، فيستخرجوا عِلمها ويتأملوا أسرارها وحكمها،
                فإنَّه بالتدبر فيه والتأمُّل لمعانيه، وإعادة الفِكر في آياته مرة بعد مرة، تُدركُ بركته وخيره،
                وهذا يدل على الحثِّ على تدبُّرِ القرآن، وأنَّه من أفضل الأعمال،
                فأصحاب العقول الصحيحة، يتذكرون بتدبرهم لآيات القرآن كلّ عِلم ومطلوب،
                كما قال تعالى: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}

                فدَّل هذا على أنَّه بحَسبِ لُبِّ الإنسان وعقله يَحصُلُ له التذكُّر والانتفاع بهذا الكتاب.
                فالحمد لله الذي تفضَّل علينا بنعمة العقل والتفكُّر عن سائر مخلوقاته.




                قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

                (وَأَمَّا التَّأَمُّلُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ تَحْدِيقُ نَاظِرِ الْقَلْبِ إِلَى مَعَانِيهِ، وَجَمْعُ الْفِكْرِ عَلَى تَدَبُّرِهِ وَتَعَقُّلِهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِإِنْزَالِهِ، لَا مُجَرَّدُ تِلَاوَتِهِ بِلَا فَهْمٍ وَلَا تَدَبُّرٍ،
                قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:

                {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} ص: 29
                وَقَالَ تَعَالَى:
                {
                أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} محمد: 24
                وَقَالَ تَعَالَى:
                {
                أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} المؤمنون: 68
                وَقَالَ تَعَالَى:
                {
                إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الزخرف: 3

                وَقَالَ الْحَسَنُ: (
                نَزَلَ الْقُرْآنُ لِيُتَدَبَّرَ وَيُعْمَلَ بِهِ. فَاتَّخِذُوا تِلَاوَتَهُ عَمَلًا).

                فَلَيْسَ شَيْءٌ أَنْفَعَ لِلْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ، وَأَقْرَبَ إِلَى نَجَاتِهِ مِنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، وَإِطَالَةِ التَّأَمُّلِ فِيهِ، وَجَمْعِ الْفِكْرِ عَلَى مَعَانِي آيَاتِهِ،
                فَإِنَّهَا تُطْلِعُ الْعَبْدَ عَلَى مَعَالِمِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ بِحَذَافِيرِهِمَا، ...


                ويستطرد الإمام كلامه عن فضل التفكر في معاني آيات القرآن؛ إلى أن يصل لقوله:
                ..
                وَبِالْجُمْلَةِ
                تُعَرِّفُهُ الــرَّبَّ الْمَدْعُوَّ إِلَيْهِ، وَطَرِيقَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ، وَمَا لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِ.
                وَ تُعَرِّفُهُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ ثَلَاثَةً أُخْرَى:
                مَا يَدْعُو إِلَيْهِ
                الشَّيْطَانُ، وَالطَّرِيقَ الْمُوصِلَةَ إِلَيْهِ، وَمَا لِلْمُسْتَجِيبِ لِدَعْوَتِهِ مِنَ الْإِهَانَةِ وَالْعَذَابِ بَعْدَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ.
                فَهَذِهِ سِتَّةُ أُمُورٍ ضَرُورِيٌّ لِلْعَبْدِ مَعْرِفَتُهَا، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمُطَالَعَتُهَا،...) انتهى. [1]




                إنَّ تدبُّر القرآن أمر يسير بتوفيق الله سبحانه لمن يَسَّره لذلك، نحصُلُ عليه بالتدريب إن شاء الله؛ بداية من تهيئة أنفسنا، ثم تخصيص الوقت المناسب؛
                فليس لعاقل أن يسعى لفهم ما يقرأه وهو مُشوَش الفكر، مُجهَد البدن ويحتاج للراحة بعض الوقت!



                والتدريب يأتي بعون الله على عدة خطوات، منها هذه النقاط:

                أولًا: الإخلاص وتعلق القلب بالقرآن؛

                فإذا عمل الإنسان وبذل الجهد دون إخلاص في عمله، وبلا توكل على الله تعالى؛ يكون العمل ناقصاً.

                ..
                و الإخــلاص لــهُ زِرٌّ في القلـــب!
                ففي أي لحظة وبدون أن يراك أحد إضغط هنا على القلب، وقل في نفسك:

                ( الإخلاص .. الإخلاص .. الإخلاص) [2]


                ومع الإخلاص تكون المجاهدة؛
                فإنَّ فَهمَ القرآن وتدبره مواهِب من الكريم الوهَّاب، يُعطيها لمن صَدَق في طلبها وسَلَك الأسباب المُوصِّلَة إليها بِجدٍّ واجتهاد،
                أما المُتَّكئُ على أريكتهِ، المُشتَغلُ بشهواتِ الدُّنيا ويُريد فهم القرآن؛ فهيهات هيهات!! ولو تمَنَّى على الله الأمانيّ.






                ثانيًا: تقوى الله هي بداية الإنطلاق؛


                إنَّ العبد إذا تعلق قلبه بكتاب ربِّه فتيقن أن نجاحه و نجاته و سعادته و قوته في قراءته و تدبره؛
                فتكون هذه البداية للانطلاق في مراقي النجاح، وسلم الفلاح في الدنيا والآخرة.


                واعلم أنَّ تقديرك وتعظيمك للقرآن هو تقديرك وتعظيمك لله لأنَّة كلام الله سبحانه وتعالي.

                واعلم أن كل ما تكتسبه من علم هو فتح من الله عليك وتوفيق منه سبحانه إذا اتقيته؛
                فتقوى الله عليها مدار حياة السعداء في الدارين؛
                فاجعل أمام عينك هذه الآية، قال تعالي:

                {وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة: 282

                وهذه خاتمة لآية الدَّيْن التي هي أطول آية في القرآن والتي اشتملت على أدق التشريعات وأحكم التوجيهات لحفظ الحقوق وضبطها وتوثيقها بمختلف الوسائل.
                والمعنى: أي إتقوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فهو سبحانه الذي يُعلمكم ما يُصلِح لكم أمر دنياكم وما يُصلِح لكم أمر دينكم متى اتقيتموه واستجبتم له.

                قوله تعالى: {
                وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}؛ كقــوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا} الأنفال: 29 ، ...
                الفرقان معناه هنا‏: هو العِلم والهُدى الَّذي يُفرِّقُ بهِ صاحبهُ بين الهُدى والضَّلال، والحقُّ والباطِل، والحلالُ والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة‏،‏

                و كقــوله: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} الحديد: 28
                أي: يعطيكم عِلمَا وهُدىً ونورًا تمشون به في ظُلماتِ الجهل، ويغفر لكم السيئات.





                ثالثًا: الدعاء في كل وقت بأن يُيَسِّر الله لك الفهم،


                فتذكر دائمًا وَرَدِّد قوله تعالى:

                {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} القمر: 17

                أي: ولقد يسرنا وسهلنا هذا القرآن الكريم، ألفاظه للحفظ والأداء، ومعانيه للفهم والعلم، لأنه أحسن الكلام لفظا، وأصدقه معنى، وأبينه تفسيرا،
                فكل من أقبل عليه يسَّر الله عليه مطلوبه غاية التيسير، وسهله عليه، والذكر شامل لكل ما يتذكر به العاملون من الحلال والحرام، وأحكام الأمر والنهي،
                وأحكام الجزاء والمواعظ والعبر، والعقائد النافعة والأخبار الصادقة، ولهذا كان علم القرآن حفظا وتفسيرا، أسهل العلوم، وأجلَّها على الإطلاق،
                وهو العلم النافع الذي إذا طلبه العبد أُعِينَ عليه،
                ولهذا يدعو الله عباده إلى الإقبال عليه والتذكر بقوله:
                {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ}

                أي: فهل من مُعتَبِر و مُتَّعِظ، بقصصه، ووعده، ووعيده، وأمره، ونهيه؟





                رابعًا: إختيار الوقت المناسب


                فاختيار الوقت من مفاتيح تدبر القرآن؛ لكنَّ هذا لا يعني -مثلًا- ؛
                إذا قلنا:

                أَنْ تكونَ القراءة في ليلٍ؛ أنَّ قراءة النهار لا تُفيد ومُلغاة،
                وإذا قلنا:
                أَنْ تكونَ القراءة في صلاةٍ؛ أنَّ القراءة خارج الصلاة لا تُحقِّق التدبر،

                فالحصر والقصر غير صحيح، فلكل مفتاح وظيفة متى وُجِد؛ فُتِح لك درجًة في تدبر القرآن، ومتى اجتمعت كل المفاتيح وبأعلى مستوى؛
                كان التدبر أعلى وأقوى، وإذا تخلَّف بعضها نقص التدبر بحسب هذا النقص.


                و يُرَاعَى إختيار الوقت المناسب دون وجود مؤثرات خارجيه تُشوِش على التفكر؛ بحيث تجتمع كل العوامل المؤدية للتركيز والقراءة بفهم وتدبر.

                يقول الإمام ابن جماعة ..
                أحد علماء الإسلام المربّين الرائعين في رسالة ماجستير له بعنوان ( فنّ التعليم عند ابن جماعة )، يقول:

                " أجود الأوقات للحفظ الأسحار ، وأجودها للبحث الأبكار ، وللتأليف وسط النهار ، وللمراجعة والمطالعة الليل ".[3]


                وقال شيخنا أبو إسحق الحويني -حفظه الله، وأطال في عمره- فيما معناه:
                أنَّ القراءة من المصحف في صلاة الليل وإن كانت جائزةً؛ لكنَّ القراءة من حِفظك أولى وأفضل،
                لأنَّك تشعر حينها بشعور مختلف تمامًا عن قرائتك من المصحف.

                وما فهمته من كلام شيخنا -ألبسه الله ثوب الصحة والعافية- حينما كنت أستمع لكلماته الرقراقة؛
                أنَّ وقت السحر فيه صفاءٌ للذِهن، وأنَّ القراءةَ من الحِفظ في صلاة التهجُد أدْعَى للتَّفكُر والتدَّبُر لحرصِك على القراءةِ بغير أخطاء؛
                بما يجعلك دائمًا متيقظَ الفِكر فهمًا وتأمُّلًا، تربِط بين الآية وما قبلها، وما تليها، فعند نسيانك آية ستتذكرها من التي قبلها أو التي بعدها،
                وكلُّ ذلك مبني على فهمك لما تتلوه من قرآن؛
                ناهيك عن محاولتك التركيز الشديد حتَّى لا تتفلَّت منك آية أو كلمة، وهذا أدعى للتفكر والتدبر؛ بخلاف القراءة من المصحف،
                ذلك أنك تقرأ معتمدًا على المصحف دون قلقٍ منك أن تنسي كلمة أو آية؛ فيضيع عليك فضل التدبر!








                خامسًا: أهمية اختيار وانتقاء كتب التفاسير لعلماء موثوقٌ في عِلمهم ونَهجِهم


                مِمَّا يُعين على فهم كتاب الله تعالى وتدبره هو معرفة معاني الآيات وأسباب نزولها؛
                وقد كان لعلماء التفسير فضل كبير في توضيح ذلك وتجليته للأمة، ومن أجَلِّ هذه التفاسير التي ينبغي للمسلم اقتناؤها ما يلي:


                1- جامع البيان وتأويل القرآن لشيخ المفسرين ابن جرير الطبري...................................
                2- تفسير ابن كثير................................................... .................................................. .............................
                3- الجامع لأحكام القرآن الكريم؛ للقرطبي................................................... ............................
                ومن التفاسير المعاصرة المختصرة، تفسير عبد الرحمن ناصر السعدي،......
                المُسمى "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان".
                والله أعلم. [4]

                وللتيسير في بداية الإطلاع والقراءة؛ إقرأ من التفسير المُيسَّر؛ كبداية للفهم بشكل عام أوَّلي،
                ثم أرشح لكم كتاب الإمام عبد الرحمن ناصر السعدي رحمه الله؛ لما فيه من فوائد هامَّة، ويُعدُّ من أفضل الكتب المعاصرة.
                وللتيسر أيضًا؛ يمكن الجمع بين مزايا كثيرة وفوائد بالغة عند الإطلاع على أحد أمتع وأروع برامج القرآن الإلكترونية الموثوق فيها:
                برنامج آيات؛ على هذا الموقع:
                مشــروع المصحــف الإلكترونــي

                والتحميل على جهازك من داخله؛ هذا البرنامج يحتوي على سبعةٍ من أهم كتب التفاسير لكبار العلماء، إضافة إلى التفسير المُيسَّر؛
                بخلاف مزايا أخرى عظيمة تجدونها بأمر الله.. نفعنا الله وإياكم بما فيها.







                سادسًا: إختيار عدد من الآيات دون زيادة للوقوف على معانيها وفهمها فهمًا كافيًا


                بهذه الطريقة أخذ الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي :
                (إنَّا أخذنا القرآن عن قومٍ –يعني الصحابة- فأخبرونا:
                أنَّهم كانوا إذا تعلَّموا عَشْرَ آياتٍ لم يُجَاوِزوهُنَّ إلى العَشْرِ الأخَر حتَّى يعملوا ما فِيهنَّ من العِلم، قال: فتعلَّمنَا العِلم والعَمَل جميعًا
                ) [5]






                سابعًا: تعرف على هذه المفاتيح العشر:


                ومن مفاتيح تدبر القرآن عشرة ، تجدها مجموعة في قولك:

                ( لإِصْــلَاحٍ تـَــرْتـَـــــجِ )

                (ل) لُبّ وهو القلب:
                والمعنى أن حب القرآن هو المفتاح الأول للتدبر ، فالقلب هو آلة فهم القرآن ، والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء ،
                والعبد مفتقر إلى ربه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على خزائنه وكنوزه


                (أ) أهداف ، أو أهمية:
                أي استحضار أهداف قراءة القرآن ؟ أي لماذا تقرأ القرآن


                (ص) صــــــــــــلاة:
                أن تكون القراءة في صلاة.


                (ل) ليـــــــل:
                أن تكون القراءة والصلاة في ليل، أي وقت الصفاء والتركيز.


                (أ) أسبــوع:
                أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل أسبوع، حتى لو لجزء منه.


                (ح) حفظا:
                أن تكون القراءة حفظا عن ظهر قلب بحيث يحصل التركيز التام وانطباع الآيات عند القراءة .


                (ت) تكرار:
                تكرار الآيات وترديدها لتحقيق مزيد من التثبيت .


                (ر) ربـــط:
                ربط الآيات بواقعك اليومي وبنظرتك للحياة .


                (ت) تـرتيـل:
                الترتيل والترسل في القراءة، وعدم العجلة، إذ المقصود هو الفهم وليس الكم، وهذه مشكلة الكثيرين، وهم بهذا الاستعجال يُفوِّتون على أنفسهم خيرا عظيما.


                (ج) جهــرًا:
                الجهر بالقراءة ؛ ليقوى التركيز ويكون التوصيل بجهتين بدلا من واحدة؛ أي الصورة والصوت.


                فهذه وسائل وأدوات يُكَمِّل بعضها بعضا في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدبر آيات القرآن الكريم، والانتفاع والتأثر بها،
                هذه المفاتيح هي التي تفتح الطريق للقرآن ليصل إلى قلب الإنسان وروحه بعون الله المُستعان.







                والتدبر له علامات؛ ذَكَر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن وتُوضحه بجَلاء، من ذلك:
                قوله تعالى:
                {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} المائدة: 83

                وقوله تعالى:
                {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} الأنفال: 2

                وقوله تعالى:
                {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} التوبة: 124

                وقوله تعالى:
                {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ﴿١٠٧﴾ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ﴿١٠٨﴾
                وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا
                ﴿١٠٩﴾} الإسراء


                وقوله تعالى:
                {إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَـٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} مريم: 58

                وقوله تعالى:
                {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} الفرقان: 73

                وقوله تعالى:
                {وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} القصص: ٥٣

                وقوله تعالى:
                {اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} الزمر: ٢٣


                فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
                1- اجتماع القلب والفِكر حين القراءة ، ودلِيلهُ التَّوقُف تَعجُبا وتعظيما.
                2- البكاء من خشية الله................................................... ..............................................
                3- زيادة الخشوع................................................... .................................................. ...........
                4- زيادة الإيمان ، ودليله التكرار العفوي للآيات............................................
                5- الفرح والاستبشار................................................... .................................................. .
                6-القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غَلبة الرَّجاء والسكينة............................
                7- السجود تعظيمًا لله عزَّ وجَلَّ................................................... ...............................

                فمن وجد واحدة من هذه الصفات، أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكـــر،
                أما من لم يُحصِّل أياً من هذه العلامات فهو محرومٌ من تدبر القرآن، ولم يصل بعد إلى شيء من كنوزه وذخائره.
                فلنُسارع ونبدأ بإذن الله تعالى كي لا نُحرم من هذه الخيرات والكنوز
                .


                قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره:
                "عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت:
                [كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا قُرِئ عليهم القرآن كما نَعتَهُم الله تدمع أعينهم وتقشَعِّر جلودهم
                ]"



                إنَّ كل يوم يمرُّ بك ولا يكون لك نصيبٌ ورزقٌ من هذه العلامات، فقد فاتك فيه ربحٌ عظيم، وهو يومٌ حَريٌّ أن يُبْكَى على خسارته.






                الكرام الأفاضل؛ أعزَّكم الله جميعًا بالإسلام..

                هذا ما أنعم الله به عليَّ من فهمٍ لما جمعته من أقوال بعض العلماء. هذه المفاتيح للفهم مجرد جزء من كلِّ ما تناوله علماؤنا الأجلَّاء الأفاضل؛
                فجزاهم الله عنَّا خير الجزاء، وكتَبَ أعمالهم في موازين حسناتهم؛
                اللهم ارحم من مات منهم، واجعل قبورهم روضة من رياض الجنة،
                وأدخلهم الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، واجعلهم في أعلى عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
                اللهم بارك في أعمار من هم معنا الآن، واحفظهم وأطِل في أعمارهم؛ في طاعتك، وفي تزويدنا بكل علمٍ نافع.
                أسأل الله لي ولكم أن نخرج بفائدة مما سبق طرحه، وأسأله جلَّ وعلا أن يُنعِم علينا بفتحٍ من عِنده لنفهم ونتدبر القرآن الكريم،
                تابعونا بأمر الله تعالى وعرض بعض الأمثلة من أي الذكر الحكيم؛
                كيف نفهمها، وكيف نصل بفائدة الفهم إلى تحقيق التدبر بإذن الله العزيز الوهَّاب...



                _____________________________
                [1] مدارج السالكين، فَصْل: [فَوَائِدُ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ وَتَأَمُّلِ مَعَانِيهِ]
                [2] ، [3] طرق إبداعية في حفظ القرآن الكريم، للدكتور يحيى الغوثاني
                [4] المصدر:
                من أفضل الكتب في تفسير القرآن الكريم
                [5] أخرجه ابن جرير الطبري وصححه أحمد شاكر.
                المراجع:
                ________
                مفاتح تدبر القرآن، د.خالد بن عبد الكريم اللاحم
                تفسير السعدي
                تفسير الوسيط
                التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 26-01-2015, 02:38 PM.
                إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                تعليق


                • #9
                  رد: تيسير المنان في فهم القرآن

                  المشاركة الأصلية بواسطة أبو أحمد خالد المصرى مشاهدة المشاركة
                  إنَّ كل يوم يمرُّ بك ولا يكون لك نصيبٌ ورزقٌ من هذه العلامات، فقد فاتك فيه ربحٌ عظيم، وهو يومٌ حَريٌّ أن يُبْكَى على خسارته.
                  أسأل الله أن يهدينا وأن يرزقنا الفهم والتدبر
                  بارك الله فيك ونفع بك والدنا الكريم
                  جمع طيب مبارك جعله الله في ميزان حسناتك
                  جزيت خيرًا
                  رحمك الله يا أمي
                  ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتفق!".الشافعي رحمه الله
                  وظني بكـَ لايخيبُ

                  تعليق


                  • #10
                    رد: تيسير المنان في فهم القرآن

                    المشاركة الأصلية بواسطة أبوالدرداء إبراهيم مشاهدة المشاركة

                    أسأل الله أن يهدينا وأن يرزقنا الفهم والتدبر
                    بارك الله فيك ونفع بك والدنا الكريم
                    جمع طيب مبارك جعله الله في ميزان حسناتك
                    جزيت خيرًا
                    اللهم آمين آمين
                    جزاك الله خير الجزاء يا ولدي الفاضل على مرورك وطيب كلامك العطر
                    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 26-01-2015, 03:08 PM.
                    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                    تعليق


                    • #11
                      رد: تيسير المنان في فهم القرآن

                      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                      جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
                      موضوع قيم


                      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                      وتولني فيمن توليت"

                      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                      تعليق


                      • #12
                        رد: تيسير المنان في فهم القرآن

                        المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
                        عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
                        جزاكم الله خيرًا ونفع بكم
                        موضوع قيم

                        أعزَّكم الله وبارك فيكم وجزاكم خير الجزاء
                        إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                        والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                        يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                        الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                        تعليق


                        • #13
                          رد: تيسير المنان في فهم القرآن

                          الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله مالِكُ المُلكِ بديع الأرض والسموات، الحمد لله واهب الخيرات والأُعْطِيات،
                          والصلاة والسلام
                          أزكى التسليمات على سيد البريات، وعلى آلة وصحبة وسلَّم تسليمات مباركات.
                          أما بعــــــد..


                          فأسأل الله تعالى لي ولكم إن يُلهمنا فهمًا عاليًا لمعاني القرآن، ولأقوال النبي المصطفى العدنان، صلَّى الله عليه وسلَّم،
                          وأسأله جلَّ وعلا أن يوفقني في عرض بعض ما فهمته -بتوفيق منه سبحانه- من أقوال أهل التأويل،
                          فبنيت عليه فهمًا جامعًا قدر ما استطعت لبعض الفوائد إن شاء الله؛
                          فما كان فيها من صوابٍ فمن الله وحده الوهَّاب المنَّان، وما كان من سهوٍ أو خطأ أو نسيانٍ فمنِّي ومن الشيطان؛
                          فأدعوه سبحانه وتعالى أن يتجاوز عن أي أخطاء مني في الفهم، أعاذنا الله وإياكم من شرِّ الشيطان وشِرْكِهِ وشَرَكِهِ.





                          أقول وبالله التوفيق، مادمنا نتكلم عن التأمل والتدبر كأداةٍ من أدوات فهم القرآن؛ فأوَّلُ ما نبدأ به من الآياتِ البيِّنات،
                          هذه الآية، التي هي الأَوْلَىَ والأَهَمُّ الأخذ بها والتنبه إليها، قوله تعالى:

                          {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} الفرقان: 30
                          فدعونا نقف معًا وقفة تأمُّليّة، ونقرأ بإمعانٍ وتفكُّر؛ تفسيرًا لهذه الآية:

                          قال الرسول شاكيًا ما صنع قومه:
                          يا ربِّ إن قومي تركوا هذا القرآن وهجروه، متمادين في إعراضهم عنه وتَرْكِ تدبُّره والعمل به وتبليغه.
                          وذلك أن المشركين كانوا لا يصغون للقرآن ولا يسمعونه، فهذا من هجرانه.


                          وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على التخويف العظيم لمن يهجُر القرآن الكريم -عافانا الله وإياكم أن نكون منهم-،
                          وهجر القرآن أنواع كما ذكر العلماء؛ منها: العدول عنه إلى غيره -
                          من شِعرٍ أو قَوْلٍ أو غِنَاءٍ أو لَهْوٍ- من هجرانه.

                          وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أنواع هجر القرآن، فقال:
                          هجـــر القـــرآن أنـــــواع:
                          أحـدهمــا: هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه................................................... ................................................................................................ ......
                          والثــــــانــي: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وإن قرأه وآمن به................................................... .................................................. .....
                          والثــالـــث: هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين, وأنَّ أدلَّته لفظية لا تحصّل العلم.
                          والـــرابـــــــع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم................................................... .......................................................................................... ......
                          والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به......

                          وإن كان بعض الهجر أهون من بعض، وكذلك الحرج الذي في الصدر منه.
                          فكل هؤلاء في صدورهم حرج من القرآن, وهم يعلمون ذلك من نفوسهم ويجدونه في صدورهم.
                          ولا تجد مبتدعا في دينه قط إلا وفي قلبه حرج من الآيات التي تخالف بدعته.
                          كما أنك لا تجد ظالما فاجرا إلا وفي صدره حرج من الآيات التي تحول بينه وبين إرادته.
                          فتدَبَّر هذا المعنى ثُمَّ ارضَ لنفْسِكَ بمَا تشَاء.
                          [1]




                          وبعد التأمُّل في المعنى أيها الكرام الأفاضل؛
                          فلا أعتقد أن أحدنا يقرأ هذا الكلام ويظلّ على حاله؛ هــاجـِـرًا للقُرْآن!!

                          قال الإمام ابن القيم رحمه الله عن الإستشفاء بالقرآن:
                          ولو أحسن العبد التداوي بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء،
                          ويقول الإمام مستطردًا:
                          ومكَثْتُ بمكةَ مُدَّةً يعتريني أدواء ولا أجد طبيبًا ولا دواءً، فكُنْتُ أُعَالِج نفسي بالفاتحة فأرى لها تأثيراً عجيباً،
                          فكُنْتُ أصف ذلك لمن يشتكي ألمًا، وكان كثيرٌ منهم يَبرأُ سريعًا... [2]


                          وفي آخر هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري في
                          بَاب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ضَحِكَ وقالَ:
                          (
                          ومَا أدراكَ أنها رُقيةٌ ، خذُوهَا واضرِبوا لي بِسَهْمٍ ).


                          فإنَّ الرقية بفاتحة الكتاب رقية عظيمة، وأنها سبب في الشفاء كما في الحديث، لكن تكون بإذن الله شفاء بشرطين:
                          أحدهما:
                          أن يقرأها الراقي بصدق وإيمان وإخلاص وتدبر، وثقه بالله، وتوكل عليه في حصول الشفاء.
                          .................................................. ......
                          الثــــــانـــي: أن تكون نفس المرقي منفعلة مع الرقية في الثقة بالله، والإيمان به، والتوكل عليه، وحسن الظن به في حصول الشفاء،
                          لا عن شك أو تجربة الرقية هل تنفع أم لا، وكثير من الناس يرقون ويسترقون ولا يستفيدون لعدم توفر هذين الشرطين.
                          [3]





                          والآيات القرآنية كثيرة، تلك التي ذكر فيها ربنا تبارك وتعالى وجوب الأخذ بالقرآن، مثالًا لذلك هذه الآيات الكريمة،

                          لو أخذنا بها -فهمًا وعملًا- سنجد أننا بعون الله المستعان سنحقق خمس مراتب:

                          1- مرتبة التلاوة، في قوله تعالى:
                          {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} البقرة: 121.
                          وفي قوله تعالى:
                          {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ} فاطر: 29.

                          2- مرتبة الإستماع، في قوله تعالى:
                          {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الأعراف: 204.

                          3- مرتبة الحفظ، في قوله تعالى:
                          {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} العنكبوت: 49.

                          4- مرتبة التدبر، في قوله تعالى:

                          {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} ص: 29.

                          5- مرتبة العمل، في قوله تعالى:
                          {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} الزمر: 18.

                          هذه خمس مراتب للأخذ بالقرآن، إستدلالًا من أيّ الذكر الحكيم، فتأمّلوا معي لمعانيها،
                          ويا ليت الجميع يقرأ في التفاسير لنصل بأمر الله تعالى إلى توضيح أكثر لمعاني هذه الآيات؛ حتى لو كنا فهمناها من قبل؛ فلا بأس من التكرار
                          فهذه الآيات الكريمة لو فهمناها جيدًا وفهمنا معانيها وعملنا بها؛ سيتحقق لنا بعون الله عدم الهجر؛
                          ناهيكم عن مرتبة التدبر
                          إذا حققناها؛ سنصل بتوفيق الله لفهم آيات القرآن، وتحقيق هذه المراتب الخمس.

                          وهذا ماعنيته من الاستدلال بأي الذكر الحكيم فيما سبق؛ أنه بتدبر القرآن وفهمه سيوفقنا الله تعالى لمراتب أخرى في الأخذ بالقرآن.
                          نحن أحوج ما نكون إلى الوصول إليها؛ لنحيا بالقرآن كما يحب ربنا ويرضى.



                          فأقول لمن يداوم بفضل الله على السماع والتلاوة والحفظ بدون فهم وتدبر؛
                          آن الأوان لتنتقل إلى رتبة التدبر ورتبة العمل؛ فقد أصبح واجبٌ عليك وجوب الفرض،

                          وأقول لمن لم يبدأ حتى الآن أو مازال متعثرًا في طريق الحياة بالقرآن، هاجرًا له؛
                          كفاك هجرًا للقرآن وسارع بالتلاوة مع التدبر لتصل إلى باقي المراتب بعون الله؛ وإلا فأنت على خطر عظيم، عافانا الله وإياكم منه.

                          هدانا الله وإياكم لما يحب ويرضى، وجعلنا وإياكم من أهل القرآن وخاصته.

                          تابعونا بأمر الله تعالى لنستزيد بالخير من فهمٍ وتدبرٍ لآيات أخرى من القرآن الكريم...


                          __________________
                          [1] الفوائد
                          [2] الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي
                          [3] بَاب الرُّقَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ - متن الحديث وشرحه

                          المراجع:

                          التفسير الميسر

                          تفسير ابن كثير


                          التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 27-01-2015, 02:58 PM.
                          إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                          والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                          يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                          الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                          تعليق


                          • #14
                            جزاكم الله خيرًا


                            التعديل الأخير تم بواسطة أبوالدرداء إبراهيم; الساعة 30-01-2015, 04:53 PM.
                            .

                            تعليق


                            • #15
                              رد: تيسير المنان في فهم القرآن

                              المشاركة الأصلية بواسطة روعة القران مشاهدة المشاركة
                              جزاكم الله خيراً
                              جزانا وجزاكم الله خير الجزاء
                              إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                              والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                              يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                              الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                              تعليق

                              يعمل...
                              X