بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:-
التمكين في ميزان كتاب ربنا المبين
وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:-
التمكين في ميزان كتاب ربنا المبين
عناصر الموضوع
معنى التمكين
أنواع التمكين في القرآن الكريم
شروط التمكين في ضوء القرآن الكريم
معوقات التمكين في ضوء قصة بني إسرائيل
معنى التمكين
أنواع التمكين في القرآن الكريم
شروط التمكين في ضوء القرآن الكريم
معوقات التمكين في ضوء قصة بني إسرائيل
معنى التمكين
(المصدر: مأخوذ من كتاب فقه التمكين للدكتور علي الصلابي)
أ- التمكين في اللغة:
مصدر الفعل (مَكَّن) الذي يتكون من الحروف (م، ك، ن) ومنه (أمْكَنَه) منه بمعنى استمكن الرجل من الشيء،
وتمكّن فلان من الشيء، وفلان لا (يُمْكِنه) النهوض أي لا يقدر عليه (انظر: مختار الصحاح لأبي محمد الرازي، ص 635)
ومن التمكين المَكِنَة تقول العرب: إن بنى فلان لذو مَكِنة من السلطان أي تمكَّن (انظر: لسان العرب (ج13، فصل النون، باب مكن ص414).
وتسمى العرب موضع الطير مكنة لتمكن الطير فيه (نفس المصدر، (ج13، فصل النون، باب مكن ص414).
والمكانة عند العرب هي المنزلة عند الملك، والجمع مكانات، لا يجمع جمع تكسير، وقد مَكُن مَكانةً فهو مَكين،
والجمع مُكنَاء, ونُمكّن - تمكُّن.
والمتمكن من الأسماء: ما قبـِـلَ الرفع والنصب والجر لفظًا( نفس المصدر السابق، ص415.)
فالتمكين في اللغة: سلطان وملك.
وقد أشار المولى عَزَّ وَجَلَّ في قوله تعالى عن ذي القرنين: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا" [الكهف: 84].
والمعنى: أن الله مكن لهذا العبد الصالح في الأرض، فأعطاه سلطانًا قويًا، ويسر له كل الأسباب التي تدعم هذا السلطان،
وأعطاه من كل شيء مما يحكم السلطان ويقويه، وكذلك الشأن في حديث القرآن الكريم،
عن نبي الله يوسف بن يعقوب، عليهما السلام،
فقد مكن الله ليوسف في الأرض "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ *
وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" [يوسف: 56، 57].
ب- التمكين في الاصطلاح:
دراسة أنواع التمكين وشروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته من أجل رجوع الأمة إلى
ما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس.
وقد عرفه الشيخ الدكتور على عبد الحليم، بقوله:
(هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل من أجل الإسلام، فالدعوة بكل مراحلها وأهدافها ووسائلها، والحركة وكل ما يتصل بها
من جهود وأعمال، والتنظيم، وما يستهدفه في الدعوة والحركة، والتربية بكل أبعادها وأنواعها وأهدافها
ووسائلها بحيث لا يختلف
على ذلك الهدف الأكبر أحد العاملين من أجل الإسلام، كل العاملين مهما اختلفت برامجهم - بشرط أن تكون هذه البرامج من العاملين
نابعة من القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، وليس فيها شيء مما يغضب الله - لا يستطيعون أن يختلفوا في أن التمكين لدين الله في الأرض
هو الهدف الأكبر في كل عمل إسلامي(انظر: فقه المسئولية، ص358.)
حتى يكون سلطان الدين الإسلامي على كل دين, ونظام الحكم بهذا الدين على البشرية كلها
وهذا التمكين يسبقه الاستخلاف والملك والسلطان، ويعقبه أمن بعد خوف (انظر: فقه الدعوة إلى الله (2/713، 714).
وعرفه الأستاذ محمد السيد محمد يوسف بقوله:
(دراسة الأسباب التي أدت إلى زوال التمكين عن الأمة الإسلامية، والمقومات التي ترجع الأمة إلى التمكين،
والعوائق التي تعترض العمل للتمكين، دراسة طبيعة الطريق إلى التمكين، وكذلك المبشرات على هذاالطريق،
وذلك كله في ضوء القرآن الكريم مع الاستعانة بأحاديث النبي العظيم (التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، ص13.)
وعرفه الأستاذ فتحي يكن بقوله:
(بلوغ حال من النصر، وامتلاك قدر من القوة، وحيازة شيء من السلطة والسلطان، وتأييد الجماهير والأنصار والأتباع،
وهو لون من ألوان الترسيخ في الأرض، وعلو الشأن)( انظر: مجلة المجتمع العدد 1249- 6محرم 1418هـ 13/5/1997م.)
أنواع التمكين في القرآن الكريم
(المصدر: مأخوذ بتلخيص من كتاب فقه التمكين للدكتور علي الصلابي)
إن النصر والتمكين للمؤمنين له وجوه عدة، وصور متنوعة من أهمها؛ تبليغ الرسالة، وهزيمة الأعداء، وإقامة الدولة.
أولًا تبليغ الرسالة وأداء الأمانة
إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم، تمكين الله تعالى للدعاة، بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة،
واستجابة الخلق لهم، وقد أشار القرآن إلى عدة نماذج من ذلك:
أصحاب القرية وقصة أصحاب الأخدود وتمكين الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتبليغ الرسالة في مكة
ثانيًا: هلاك الكفار ونجاة المؤمنين أو نصرهم في المعارك
إن قصة نوح وموسى عليهما السلام نموذج رفيع للتدليل على أن من أنواع التمكين هلاك الكفار ونجاة المؤمنين،
وقصة نوح مع قومه منهج عظيم للدعاة إلى الله, وقصته مليئة بالدروس والعبر،
ومما يكسبها أهمية خاصة ما تميزت به، ومن ذلك:
1- أن نوحًا عليه السلام أول رسول إلى البشر، وكل أول له خصوصيته وميزته.
2- امتداد الزمن الذي قضاه في دعوة قومه (950 سنة).
3- كونه من أولى العزم الذين ذكروا في القرآن.
4- ورد اسمه كثيرًا في القرآن الكريم حيث بلغ (43) مرة في (29) سورة من سور القرآن، أي في ربع سور القرآن تقريبًا، مع ورود سورة باسمه في القرآن.
وأما قصة موسى عليه السلام مع فرعون، فتبين ضراوة الصراع بين الحق والباطل, والهدى والضلال، والإيمان والكفر،
والنور والظلام, وتسلط الأضواء على استكبار فرعون وتجبره واستعباده عباد الله واستضعافهم واتخاذهم خدمًا وحشمًا وعبيدًا،
وكيف أراد الله لبنى إسرائيل أن يرد إليهم
حريتهم المسلوبة وكرامتهم المغصوبة, ومجدهم الضائع وعزهم المفقود، إن من يقف أمام إرادة الله فهو عاجز ضعيف،
وهو فاشل مهزوم, وإن أعداء الله أينما كانوا هم إلى هزيمة وخسارة وهوان، وتبين لنا كيف انتقم الله من فرعون
ونصر وليه موسى عليه السلام وقومه.
وأما قصة طالوت، فتوضح مرحلة مرت بها أمة بنى إسرائيل،
فبعد أن وقعوا في المعاصي، وانحرفوا عن منهج الله وسلط الله عليهم الأعداء وأصاب بني إسرائيل ذل وخيم،
ومرارة أليمة، وهزيمة عظيمة, وأرادوا أن يغيروا واقعهم المهين، وأن يبدلوا ذلهم عزة وهزيمتهم نصرًا، وعلموا أن السبيل لذلك
هو الجهاد والقتال، فطلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملكًا يتولى أمورهم، ويقودهم إلى العزة والنصر، ويقاتل لهم أعداءهم، في سبيل الله،
فوقع خيار الله على طالوت ليكون ملكًا عليهم، ومن ثم يقودهم إلى النصر والعزة والتحرير،
فاعترض الملأ على نبيهم قائلين: "أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ"،
فبين لهم نبيهم أن الله اصطفاه عليهم، والله حكيم خبير، وإن الله زاده بسطة في العلم والجسم، وتسلم طالوت قيادة بنى إسرائيل
وكانت قصة طالوت مع بنى إسرائيل من أروع القصص القرآني في بيان سنن الله في النهوض بالأمم المستضعفة،
وما هي السمات والصفات المطلوبة للقيادة التي تتصدى لمثل هذه الأعمال العظيمة لتقوية الشعوب والنهوض بها نحو المعالي،
وفق منهج رباني ووسائل عملية وتربوية عميقة على معاني الطاعة والثبات والتضحية والفداء من أجل العقيدة الصحيحة.
ثالثًا المشاركة في الحكم
إن تولى أهل التوحيد والإيمان أعباء الحكم لدولة غير مؤمنة نوع من أنواع التمكين، وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع من التمكين
في قصة يوسف عليه السلام, قال تعالى:"اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" [يوسف: 55].
لقد تقدم يوسف عليه السلام بهذا الطلب إلى ملك مصر المشرك من أجل عقيدته ودعوته وتقديم الخير للناس،
ولقد تحرك يوسف عليه السلام وفق الإمكانات والظروف التي مرّ بها واستفاد من الفرصة التي سنحت له.
وهذا المسلك الذي اتخذه يوسف عليه السلام يدلنا على أن طرائق نشر الإسلام، ودعوة المجتمعات إلى الإيمان له أكثر من سبيل،
كما أن هذا المسلك لا يوجد فيه تناقض بين المبدأ الذي يحمل رايته، وهو أن الحكم لله والعبودية المطلقة للواحد الديان وبين توليه الوزارة،
ليجعل المجتمع أقرب إلى دعوة الله، وهذا أمر لا شك فيه، لأن يوسف عليه السلام نشر دعوة التوحيد في السجن فكيف به وهو في سُدّة الحكم.
رابعًا: إقامة الدولة
من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم وصول أهل التوحيد والإيمان الصحيح إلى سُدَّة الحكم وتوليهم لمقاليد الدولة,
لقد تحدث القرآن الكريم عمن قادوا دولاً وساسوا شعوبًا بشرع الله, من أمثال داود وسليمان عليهما السلام,
والحاكم المؤمن والفاتح الصالح, والقائد العادل (ذي القرنين) وجعلهم قدوة ومثلاً رائعًا لأهل الإيمان على مر الدهور وكر العصور وتوالي الأزمان,
وسلط القرآن الكريم الأضواء على جوانب هامة من أعمالهم وجهادهم العظيم الذي استهدفوا به التمكين لمثل عليا, ومبادئ رفيعة,
وقيم سامية, وأخلاق فاضلة انبثقت من الإيمان بالله واليوم الآخر, بعيدة كل البعد عن الكبرياء الوطنية,
والأمجاد القومية, والنزعات العرقية,
وتقديس التراب والزعماء, ولم تكن فتوحاتهم وأعمالهم المجيدة تستهدف سيادة عسكرية أو مغانم اقتصادية, أو تطلعات توسعية
أو نزوات عنصرية التي يبعث عليها حب التسلط والرغبة في العلو.
إنما خاضوا حروبًا وقادوا جيوشًا استهدفت كرامة الإنسان وتخليصه من الشرك والأوهام والانحرافات العقدية,
وإزالة الظلم عن البشر وإقامة العدل, ودعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة, والمنهج السليم, والتصور الرباني.
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حظ وافر من هذا النوع
(المصدر: مأخوذ من كتاب فقه التمكين للدكتور علي الصلابي)
أ- التمكين في اللغة:
مصدر الفعل (مَكَّن) الذي يتكون من الحروف (م، ك، ن) ومنه (أمْكَنَه) منه بمعنى استمكن الرجل من الشيء،
وتمكّن فلان من الشيء، وفلان لا (يُمْكِنه) النهوض أي لا يقدر عليه (انظر: مختار الصحاح لأبي محمد الرازي، ص 635)
ومن التمكين المَكِنَة تقول العرب: إن بنى فلان لذو مَكِنة من السلطان أي تمكَّن (انظر: لسان العرب (ج13، فصل النون، باب مكن ص414).
وتسمى العرب موضع الطير مكنة لتمكن الطير فيه (نفس المصدر، (ج13، فصل النون، باب مكن ص414).
والمكانة عند العرب هي المنزلة عند الملك، والجمع مكانات، لا يجمع جمع تكسير، وقد مَكُن مَكانةً فهو مَكين،
والجمع مُكنَاء, ونُمكّن - تمكُّن.
والمتمكن من الأسماء: ما قبـِـلَ الرفع والنصب والجر لفظًا( نفس المصدر السابق، ص415.)
فالتمكين في اللغة: سلطان وملك.
وقد أشار المولى عَزَّ وَجَلَّ في قوله تعالى عن ذي القرنين: "إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا" [الكهف: 84].
والمعنى: أن الله مكن لهذا العبد الصالح في الأرض، فأعطاه سلطانًا قويًا، ويسر له كل الأسباب التي تدعم هذا السلطان،
وأعطاه من كل شيء مما يحكم السلطان ويقويه، وكذلك الشأن في حديث القرآن الكريم،
عن نبي الله يوسف بن يعقوب، عليهما السلام،
فقد مكن الله ليوسف في الأرض "وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ *
وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" [يوسف: 56، 57].
ب- التمكين في الاصطلاح:
دراسة أنواع التمكين وشروطه وأسبابه ومراحله وأهدافه ومعوقاته ومقوماته من أجل رجوع الأمة إلى
ما كانت عليه من السلطة والنفوذ والمكانة في دنيا الناس.
وقد عرفه الشيخ الدكتور على عبد الحليم، بقوله:
(هو الهدف الأكبر لكل مفردات العمل من أجل الإسلام، فالدعوة بكل مراحلها وأهدافها ووسائلها، والحركة وكل ما يتصل بها
من جهود وأعمال، والتنظيم، وما يستهدفه في الدعوة والحركة، والتربية بكل أبعادها وأنواعها وأهدافها
ووسائلها بحيث لا يختلف
على ذلك الهدف الأكبر أحد العاملين من أجل الإسلام، كل العاملين مهما اختلفت برامجهم - بشرط أن تكون هذه البرامج من العاملين
نابعة من القرآن الكريم والسنَّة المطهرة، وليس فيها شيء مما يغضب الله - لا يستطيعون أن يختلفوا في أن التمكين لدين الله في الأرض
هو الهدف الأكبر في كل عمل إسلامي(انظر: فقه المسئولية، ص358.)
حتى يكون سلطان الدين الإسلامي على كل دين, ونظام الحكم بهذا الدين على البشرية كلها
وهذا التمكين يسبقه الاستخلاف والملك والسلطان، ويعقبه أمن بعد خوف (انظر: فقه الدعوة إلى الله (2/713، 714).
وعرفه الأستاذ محمد السيد محمد يوسف بقوله:
(دراسة الأسباب التي أدت إلى زوال التمكين عن الأمة الإسلامية، والمقومات التي ترجع الأمة إلى التمكين،
والعوائق التي تعترض العمل للتمكين، دراسة طبيعة الطريق إلى التمكين، وكذلك المبشرات على هذاالطريق،
وذلك كله في ضوء القرآن الكريم مع الاستعانة بأحاديث النبي العظيم (التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، ص13.)
وعرفه الأستاذ فتحي يكن بقوله:
(بلوغ حال من النصر، وامتلاك قدر من القوة، وحيازة شيء من السلطة والسلطان، وتأييد الجماهير والأنصار والأتباع،
وهو لون من ألوان الترسيخ في الأرض، وعلو الشأن)( انظر: مجلة المجتمع العدد 1249- 6محرم 1418هـ 13/5/1997م.)
أنواع التمكين في القرآن الكريم
(المصدر: مأخوذ بتلخيص من كتاب فقه التمكين للدكتور علي الصلابي)
إن النصر والتمكين للمؤمنين له وجوه عدة، وصور متنوعة من أهمها؛ تبليغ الرسالة، وهزيمة الأعداء، وإقامة الدولة.
أولًا تبليغ الرسالة وأداء الأمانة
إن من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم، تمكين الله تعالى للدعاة، بتبليغ الرسالة وأداء الأمانة،
واستجابة الخلق لهم، وقد أشار القرآن إلى عدة نماذج من ذلك:
أصحاب القرية وقصة أصحاب الأخدود وتمكين الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتبليغ الرسالة في مكة
ثانيًا: هلاك الكفار ونجاة المؤمنين أو نصرهم في المعارك
إن قصة نوح وموسى عليهما السلام نموذج رفيع للتدليل على أن من أنواع التمكين هلاك الكفار ونجاة المؤمنين،
وقصة نوح مع قومه منهج عظيم للدعاة إلى الله, وقصته مليئة بالدروس والعبر،
ومما يكسبها أهمية خاصة ما تميزت به، ومن ذلك:
1- أن نوحًا عليه السلام أول رسول إلى البشر، وكل أول له خصوصيته وميزته.
2- امتداد الزمن الذي قضاه في دعوة قومه (950 سنة).
3- كونه من أولى العزم الذين ذكروا في القرآن.
4- ورد اسمه كثيرًا في القرآن الكريم حيث بلغ (43) مرة في (29) سورة من سور القرآن، أي في ربع سور القرآن تقريبًا، مع ورود سورة باسمه في القرآن.
وأما قصة موسى عليه السلام مع فرعون، فتبين ضراوة الصراع بين الحق والباطل, والهدى والضلال، والإيمان والكفر،
والنور والظلام, وتسلط الأضواء على استكبار فرعون وتجبره واستعباده عباد الله واستضعافهم واتخاذهم خدمًا وحشمًا وعبيدًا،
وكيف أراد الله لبنى إسرائيل أن يرد إليهم
حريتهم المسلوبة وكرامتهم المغصوبة, ومجدهم الضائع وعزهم المفقود، إن من يقف أمام إرادة الله فهو عاجز ضعيف،
وهو فاشل مهزوم, وإن أعداء الله أينما كانوا هم إلى هزيمة وخسارة وهوان، وتبين لنا كيف انتقم الله من فرعون
ونصر وليه موسى عليه السلام وقومه.
وأما قصة طالوت، فتوضح مرحلة مرت بها أمة بنى إسرائيل،
فبعد أن وقعوا في المعاصي، وانحرفوا عن منهج الله وسلط الله عليهم الأعداء وأصاب بني إسرائيل ذل وخيم،
ومرارة أليمة، وهزيمة عظيمة, وأرادوا أن يغيروا واقعهم المهين، وأن يبدلوا ذلهم عزة وهزيمتهم نصرًا، وعلموا أن السبيل لذلك
هو الجهاد والقتال، فطلبوا من نبيهم أن يختار لهم ملكًا يتولى أمورهم، ويقودهم إلى العزة والنصر، ويقاتل لهم أعداءهم، في سبيل الله،
فوقع خيار الله على طالوت ليكون ملكًا عليهم، ومن ثم يقودهم إلى النصر والعزة والتحرير،
فاعترض الملأ على نبيهم قائلين: "أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ"،
فبين لهم نبيهم أن الله اصطفاه عليهم، والله حكيم خبير، وإن الله زاده بسطة في العلم والجسم، وتسلم طالوت قيادة بنى إسرائيل
وكانت قصة طالوت مع بنى إسرائيل من أروع القصص القرآني في بيان سنن الله في النهوض بالأمم المستضعفة،
وما هي السمات والصفات المطلوبة للقيادة التي تتصدى لمثل هذه الأعمال العظيمة لتقوية الشعوب والنهوض بها نحو المعالي،
وفق منهج رباني ووسائل عملية وتربوية عميقة على معاني الطاعة والثبات والتضحية والفداء من أجل العقيدة الصحيحة.
ثالثًا المشاركة في الحكم
إن تولى أهل التوحيد والإيمان أعباء الحكم لدولة غير مؤمنة نوع من أنواع التمكين، وقد أشار القرآن الكريم لهذا النوع من التمكين
في قصة يوسف عليه السلام, قال تعالى:"اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ" [يوسف: 55].
لقد تقدم يوسف عليه السلام بهذا الطلب إلى ملك مصر المشرك من أجل عقيدته ودعوته وتقديم الخير للناس،
ولقد تحرك يوسف عليه السلام وفق الإمكانات والظروف التي مرّ بها واستفاد من الفرصة التي سنحت له.
وهذا المسلك الذي اتخذه يوسف عليه السلام يدلنا على أن طرائق نشر الإسلام، ودعوة المجتمعات إلى الإيمان له أكثر من سبيل،
كما أن هذا المسلك لا يوجد فيه تناقض بين المبدأ الذي يحمل رايته، وهو أن الحكم لله والعبودية المطلقة للواحد الديان وبين توليه الوزارة،
ليجعل المجتمع أقرب إلى دعوة الله، وهذا أمر لا شك فيه، لأن يوسف عليه السلام نشر دعوة التوحيد في السجن فكيف به وهو في سُدّة الحكم.
رابعًا: إقامة الدولة
من أنواع التمكين التي ذكرت في القرآن الكريم وصول أهل التوحيد والإيمان الصحيح إلى سُدَّة الحكم وتوليهم لمقاليد الدولة,
لقد تحدث القرآن الكريم عمن قادوا دولاً وساسوا شعوبًا بشرع الله, من أمثال داود وسليمان عليهما السلام,
والحاكم المؤمن والفاتح الصالح, والقائد العادل (ذي القرنين) وجعلهم قدوة ومثلاً رائعًا لأهل الإيمان على مر الدهور وكر العصور وتوالي الأزمان,
وسلط القرآن الكريم الأضواء على جوانب هامة من أعمالهم وجهادهم العظيم الذي استهدفوا به التمكين لمثل عليا, ومبادئ رفيعة,
وقيم سامية, وأخلاق فاضلة انبثقت من الإيمان بالله واليوم الآخر, بعيدة كل البعد عن الكبرياء الوطنية,
والأمجاد القومية, والنزعات العرقية,
وتقديس التراب والزعماء, ولم تكن فتوحاتهم وأعمالهم المجيدة تستهدف سيادة عسكرية أو مغانم اقتصادية, أو تطلعات توسعية
أو نزوات عنصرية التي يبعث عليها حب التسلط والرغبة في العلو.
إنما خاضوا حروبًا وقادوا جيوشًا استهدفت كرامة الإنسان وتخليصه من الشرك والأوهام والانحرافات العقدية,
وإزالة الظلم عن البشر وإقامة العدل, ودعوة الناس إلى العقيدة الصحيحة, والمنهج السليم, والتصور الرباني.
وكان للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده حظ وافر من هذا النوع
تعليق