اخواتى انقل اليكم هذا الموضوع وهو تجميع الاخ
أبوعبدالله الأزهري
قسم التفسير وعلوم القرآن ـ كلية أصول الدين ـ جامعة الأزهر الشريف
جزاه الله خير
الناظر للواقع العلمي في هذه الأيام يجد عزوف بعض طلاب العلم عن القرآن ــــ مع الأسف ـــ مع أنه أصل الأصول وطريق الوصول ، وأولي ما تصرف إليه الهمم العوالي ، وتبذل فيه المهج الغوالي ، لذا رأيت أن أجمع من كلام الأفاضل من أهل العلم المعاصرين ، نتفا من كلامهم في الحث علي القرآن والاهتمام به ، مع فوائد عامة لطلاب العلم ، وأول من أبدأ به ؛
الشيخ الفاضل العلامة / عبدالكريم الخضير ــــ حفظه الله وبارك فيه ـــ .
( 1 )
بسم الله الرحمن الرحيم
آيات ينبغي للمسلم تأملها
الله تعالى يقول : " فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ "[ (45) سورة ق ] ، فالذي يخاف الوعيد هو الذي يذكر بالقرآن ، أما الذي لا يخاف ممن مات قلبه ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ
مثل هذا يقرأ قرآن ، أو يسمع قرآن ، أو يسمع جريدة ، ويسمع تحليل صحفي أو غيره لا فرق عنده ، والله - تعالى – يقول : " وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ" [ (17) سورة القمر ] ، لكن لمن ؟ للغافل واللاهي والساهي ؟ أو كما قال الله - تعالى- : "فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ " [ (17) سورة القمر ] ؟ يعني هل من متذكر ؟ هل من متعظ ؟ هل من منزجر ؟
نعم إذا وجد هذا فالقرآن ميسر عليه ، يسرت قراءته ، يسر حفظه ، يسر فهمه ، يسر العمل به ؛ لكن لمن أراد أن يذكر ، لمن أراد أن يتذكر بالقرآن ، يتعظ بالقرآن يستفيد ، أما الذي لا يقرأ القرآن بهذه النية فإن فائدته وإن استفاد أجر قراءة الحروف فإنه لا يستفيد قلبه شيء من هذه القراءة إلا بقدر ما يعقل منها.
المقطع من تفسير الشيخ لسورة القارعة .
أعظم وسائل تحصيل العلم وتثبيته
** من أعظم وسائل تحصيل العلم تقوى الله - تعالى- : " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ "[ (282) سورة البقرة ] فالعلم بالعمل من أعظم وسائل تحصيله ، والذي لا يتقي الله - تعالى - ولا يحقق هذا الشرط في نفسه لا يحصل العلم ، ولو جمع من المسائل والأحكام ما جمع ، فإن هذا ليس بعلم ، شاء أم أبى ، وإن قال الناس إنه عالم ، فلا علم إلا بالتقوى ، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ،
العلماء استشهدهم الله - تعالى - على وحدانيته وألوهيته ، فكيف يكون ممن يتصدى لأعظم شهادة لأعظم مشهود له ، وهو ليس بأهل وليس بكفء يخالف الأوامر ، ويرتكب النواهي ؟ هذا جاهل وليس بعالم .
العلم الذي لا يورث الخشية لله - تعالى - ليس بعلم ، والحصر في الآية صريح " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ "[ (28) سورة فاطر ] ، وفي قوله - تعالى - : " إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ"[ (17) سورة النساء ] هل معنى هذا أن التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام ؟ ولو عرف الحكم أن هذا حلال وحرام وارتكبه فهو جاهل ، كل من عصى الله فهو جاهل .
فالتقوى هي المحقق للوصف الشريف وهو العلم ، وهي من أعظم ما يعين على تحصيله وتثبيته ، فعلينا أن نعمل بما نعلم ، وعلينا أن نطبق ، وأن نكون أسوة وقدوة في أفعالنا وأقوالنا .
أعمال خاصة على طالب العلم أن يلزمها
لا بد أن نعتبر ، لا بد أن نتذكر ، لا بد أن نذكر أنفسنا ونذكر غيرنا بالقرآن ، "فَذَكِّرْ بِالْقُرْآَنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ " [(45) سورة ق] لكن من الذي يتذكر؟ هو الذي يخاف الوعيد ، أما الإنسان الغافل الساهي اللاهي ، هذا نصيبه من هذا قليل ، ومع الأسف أن بعض من ينتسب إلى طلب العلم عنده شيء من الجفاء بالنسبة للقرآن ، فتجده إذا تيسر له أن يحضر إلى المسجد قبل الإقامة ، وصلى الركعتين إن بقي وقت أخذ مصحف ، وقرأ ما تيسر ورقة أو ورقتين ، ويكون القرآن عنده - على ما يقول الناس- على الفرغة ، إن وجد وقت و إلا فلا !!!!!!!!!!
فهذه مشكلة يعايشها كثير من طلاب العلم حتى من الحفاظ ، بعض الطلاب إذا ضمن حفظ القرآن انتهى ، نقول له : لا يا أخي الآن جاء دورك ، الآن جاء دور التلاوة التي رتب عليها أجر الحروف ، وجاء دور الترتيل والتدبر والاستنباط والتذكر والتذكير بالقرآن ، فأهل القرآن لهم هذه الخاصية ، هم أهل الله ، وهم خاصته ، وينبغي أن يعرفوا بما لا يعرف به غيرهم ،
كما قال ابن مسعود : يعرف بصيامه ، يعرف بصلاته ، يعرف بقيامه ، يعرف بتلاوته ، يعرف بنفعه الخاص والعام ، يعرف بإقباله على الله إذا غفل الناس ، فصاحب القرآن له شأن عظيم.
أمر يحتاجه كثير من طلاب العلم !
** (( لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا ، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ)) صحيح مسلم، تلقى أخاك بوجه سهل منبسط ، وهذا مع الأسف كثير من طلاب العلم يحتاج إليه ، بعض العامة قد يكشر في وجه من يعمل عمله من أمور الدنيا ، أو ينافسه في شيء من أمور الدنيا ؛ لكن ما عذر طالب العلم إذا كشر في وجه أخيه ؟!
والرسول - عليه الصلاة والسلام – يقول : ((لا تحقرَنَّ من المعروفِ شيئًا ، ولو أن تلقَى أخاك بوجهٍ طلِقٍ)) صحيح مسلم، سهل ، مبتسم ، تبش في وجهه ، تدخل السرور إلى قلبه ؛ أما أن تلقاه بوجه مكشر ، مقطب ؛ هذا لا شك أنه ليس من المعروف ، وإذا لم يكن من المعروف ؛ فيكون حينئذ من المنكر نسأل الله السلامة والعافية ، من المنكر ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمور مهمة لا بد أن يحذرها طالب العلم
** العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها ، في طلبها فضلا عن أن تطلب بغير نية أو رياء أو سمعة أو ليقال ..... ، وقد جاء التحذير من ذلك أشد التحذير ، وأبلغ التنفير ، ففي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار منهم من تعلم العلم وعلمه ، قد يمضي عمره كله مئة سنة نصفها في التعلم والنصف الثاني في التعليم ؛
ثم يكون بعد ذلك أحد الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار ، ماذا صنعت يا فلان ؟! تعلمت العلم وعلمته الناس - لا - إنما تعلمت ليقال وقد قيل !!! ومثله المجاهد الذي يبذل نفسه ومهجته فيما يبدو للناس ويظهر للناس أنه يقدمها لإعلاء كلمة الله والأمر خلاف ذلك ، إنما ليقال شجاع ، وثالثهم الذي يتصدق بالأموال الطائلة ليقال جواد ، والله المستعان .
يقول الشيخ حافظ الحكمي في ميميته في الوصية بالعلم وطلبه ، وهي منظومة جدير بطالب العلم أن يحفظها ويعنى بها ، يقول :
ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم
فالإنسان عليه أن يتفقد هذه النية ، فالنية شرود ، يأتي ليطلب العلم ، ثم يغفل عن هذه النية فتشرد
ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندم
فليطلب العلم طالبه مخلصا لله ، مبتغيا به وجه الله والدار الآخرة ، وليحذر من المراءاة ، والمماراة ،
يقول الشيخ حافظ أيضا :
إياك واحذر مماراة السفيه به ... كذا مباهاة أهل العلم لا ترم
ليحذر طالب العلم أيضا الكبر ، يعني إذا كان ممن أوتي مزيد من حفظ أو فهم لا يترفع على الآخرين ، لا يتكبر على غيره ؛ لأن المتكبر يصرف عن الإفادة من العلم الشرعي لا سيما ما يتعلق بالقرآن الكريم الذي هو أصل العلوم كلها " سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ "[الأعراف/ 146]
المتكبر يصرف عن الاستفادة ،
وبهذا رد مفتي حضرموت الشيخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف رد على من اتهم شيخ الإسلام ابن تيمية بالكبر ؛ لأن بعض من ترجم له نبزه بالكبر ، شيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين ، إمام علم وعمل وتواضع وتقوى ونشر للعلم وجهاد في سبيل الله ، ويأتيك من ينبزه بمثل هذا!!! ماذا قال مفتي حضرموت عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف ؟! له محاضرة ألقاها في تحقيق الفرق بين العامل بعلمه وغيره نفى الكبر عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، قد يكون ممن يختلف مع شيخ الإسلام في بعض الأمور ؛ لكنها كلمة حق ، نفى الكبر عن شيخ الإسلام ابن تيمية ، واستند في نقض كلامه الكلام الذي ادعى هذه الدعوى إلى أنه رأى القرآن على طرف لسانه ، وأسلة قلمه ...
كيف ييسر له القرآن لمثل هذا وفيه شيء من الكبر؟! وعلق الإمام البخاري عن مجاهد : "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر " ومستحي بالياء بياءين مستحيي ولا مستكبر، لا شك أن الذي يستحي ، والمراد بالحياء الحياء العرفي لا الحياء الشرعي ؛ لأن الحياء في الشرع خير كله ، والحياء لا يأتي إلا بخير ؛ لكن الحياء في عرف الناس الذي يمنع من تحصيل العلم ، ويمنع من إنكار المنكر ، ويمنع من توجيه الناس ونصحهم ، وإرشادهم ، مثل هذا مذموم ،
وحينئذ لا يدرك من العلم من اتصف بهذا الوصف ، وهو الحياء الذي يمنعه ، قد يجلس الطالب وفي نفسه أشياء مشكلة فيستحي يسأل الشيخ ، أو بلفظ آخر يخجل أن يسأل الشيخ ، فتستمر هذه الإشكالات عنده ... فكيف تنجلي هذه المشكلات إلا بالسؤال ، ولا مستكبر ، قد يستكبر ويستنكف ويترفع عن أن يسأل هذا السؤال بين الناس ، ويظهر للناس أنه فوق مثل هذا السؤال ، وبهذا يحرم العلم .
ومما يتعين على طالب العلم الحذر منه : العجب والإعجاب ورؤية النفس ، ولا شك أن هذا من الأمراض المقيتة ؛ فإذا كان الإنسان إذا أعجب بما أوتي من أمور الدنيا قد يعطى الإنسان من هذه الدنيا الشيء الكثير ويستفيد منه في أمور دينه ودنياه ؛ لكن متى يذم ؟! إذا طغى ، ومتى يطغى ؟! أن رآه استغنى ، يعني إذا رأى أنه استغنى ، وهنا طالب العلم إذا رأى أنه حصل ما يغنيه عن غيره ، وأعجب بنفسه ، حينئذ يهلك ، إذا وصل إلى هذه المرحلة لا شك أنه وصل إلى مرض مزمن يحتاج إلى علاج قوي ، ماحق لبركة العلم والعمل ، يقول الشيخ حافظ في ميميته التي أشرت إليها :
والعجب فاحذره إن العجب مجترف ... أعمال صاحبه في سيله العرم
طالب العلم ينبغي أن يتفقد القلب ، والقلب لا يخفى عليكم أنه جميع الخطابات الشرعية جاءت موجهة إلى إيش ؟! إلى القلب ، (( ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ .))صحيح البخاري "يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ "[الشعراء/ 88 -89] ،
فالقلب على طالب العلم أن يعنى به ، ويترفع عن هذه الأمراض والأدواء ، أيضا على طالب العلم أن يطرح الكسل ، ويشمر عن ساعد الجد في الطلب ؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم نقله الإمام مسلم عن يحيى بن أبي كثير : " العلم لا يستطاع براحة الجسم " ما هو بتمني المسألة وإلا كان كل الناس علماء ، كل يعرف منزلة العلماء ؛ لكن دونه خرط القتاد ! لا بد من الجد والاجتهاد ، لا بد من ثني النفس وغسلها عن شهواتها ، وما حصل أهل العلم ما حصلوا إلا بالسهر ،
إذا أراد الطالب سلوك هذا الطريق بعد أن يبذل الأسباب ، ويسعى في البراءة من هذه الموانع التي أشرنا إلى بعضها ، يسلك أسباب التحصيل ، ويبرأ من الموانع ، فليسلك الجواد المعروفة عند أهل التحقيق من العلماء الراسخين الذين يربون طلابهم على العلم النافع والعمل الصالح على الكتاب والسنة ، وعقيدة أهل السنة والجماعة .
يتبع
تعليق