إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رجال حول الرسول ، صاحب سر النبي صلى الله عليه ئسلم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رجال حول الرسول ، صاحب سر النبي صلى الله عليه ئسلم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، أما بعد :
    فهذه قصة صحابي من صحابة رسول الله التي لا نكاد نعرف عنه شئ مع إنه من صحابة رسول الله ، ألا وهو سيدنا
    عمرو بن الجموح





    أريد أن أخطر بعرجتي في الجنة





    انه صهر عبدالله بن حرام, اذ كان زوجا لأخته هند بن عمرو..


    وكان ابن الجموح واحدا من زعماء المدينة, وسيدا من سادات بني سلمة..


    سبقه الى الاسلام ابنه معاذ بن عمرو الذي كان أحد الأنصار السبعين, أصحاب البيعة الثانية..


    وكان معاذ بن عمرو وصديقه معاذ بن جبل يدعوان للاسلام بين أهل المدينة في حماسة الشباب المؤمن الجريء..


    وكان من عادة الناس هناك أن بتخذ الأشراف من بيوتهم أصناما رمزية غير تلك الأصنام الكبيرة المنصوبة في محافلها, والتي تؤمّها جموع الناس..


    وعمرو بن الجموح مع صديقه معاذ بن جبل على أن يجعلا من صنم عمرو بن جموح سخرية ولعبا..


    فكانا يدلجان عليه ليلا, ثم يحملانه ويطرحانه في حفرة يطرح الناس فيه فضلاتهم..


    ويصيح عمرو فلا يجد منافا في مكانه, ويبحث عنه حتى يجده طريح تلك الحفرة.. فيثور ويقول:


    ويلكم من عدا على آلهتنا الليلة..!؟


    ثم يغسله ويطهره ويطيّبه..


    فاذا جاء ليل جديد, صنع المعاذان معاذ بن عمرو ومعاذ بن جبل بالصنم مثل ما يفعلان به كل ليلة.


    حتى اذا سئم عمرو جاء بسيفه ووضعه في عنق مناف وقال له: ان كان فيك خير فدافع عن نفسك..!!


    فلما اصبح فلم يجده مكانه.. بل وجده في الحفرة ذاتها طريحا, بيد أن هذه المرة لم يكن في حفرته وحيدا, بل كان مشدودا مع كلب ميت في حبل وثيق.


    واذا هو في غضبه, وأسفه ودهشه, اقترب منه بعض أشراف المدينة الذين كانوا قد سبقوا الى الاسلام.. وراحوا, وهم يشيرون بأصابعهم الى الصنم المنكّس المقرون بكلب ميت, يخاطبون في عمرو بن الجموح عقله وقلبه ورشده, محدثينه عن الاله الحق, العلي الأعلى, الذي ليس كمثله شيء.


    وعن محمد الصادق الأمين, الذي جاء الحياة ليعطي لا ليأخذ.. ليهدي, لا ليضل..


    وعن الاسلام, الذي جاء يحرر البشر من الأعلال, جميع الأغلل, وجاء يحيى فيهم روح الله وينشر في قلوبهم نوره.


    وفي لحظات وجد عمرو نفسه ومصيره..


    وفي لحظات ذهب فطهر ثوبه, وبدنه.. ثم تطيّب وتأنق, وتألق, وذهب عالي الجبهة مشرق النفس, ليبايع خاتم المرسلين, وليأخذ مكانه مع المؤمنين.


    **


    قد يسأل سائل نفسه, كيف كان رجال من أمثال عمرو بن الجموح.. وهم زعماء قومهم وأشراف.. كيف كانوا يؤمنون بأصنام هازلة كل هذا الايمان..؟


    وكيف لم تعصمهم عقولهم عن مثل هذا الهراء.. وكيف نعدّهم اليوم, حتى مع اسلامهم وتضحياتهم, من عظماء الرجال..؟


    ومثل هذا السؤال يبدو ايراده سهلا في أيامنا هذه حيث لا نجد طفلا يسيغ عقله أن ينصب في بيته خشبة ثم يعبدها..


    لكن في أيام خلت, كانت عواطف البشر تتسع لمثل هذا الصنيع دون أن يكون لذكائهم ونبوغهم حيلة تجاه تلك التقاليد..!!


    وحسبنا لهذا مثلا أثينا..


    أثينا في عصر باركليز وفيتاغورس وسقراط..


    أثينا التي كانت قد بلغت رقيّا فكريا يبهر الأباب, كان أهلها جميعا: فلاسفة, وحكاما, وجماهير يؤمنون بأصنام منحوتة تناهي في البلاهة والسخرية!!


    ذلك أن الوجدان الديني في تلك العصور البعيدة, لم يكن يسير في خط مواز للتفوق العقلي...


    **


    أسلم عمرو بن الجموح قلبه, وحياته لله رب العالمين, وعلى الرغم من أنه كان مفطورا على الجود والسخاء, فان الاسلام زاد جوده مضاء, فوضع كل ماله في خدمة دينه واخوانه..


    سأل الرسول عليه الصلاة والسلام جماعة من بني سلمة قبيلة عمرو بن الجموح فقال:


    من سيّدكم يا بني سلمة..؟


    قالوا: الجدّ بن قيس, على بخل فيه..


    فقال عليه الصلاة والسلام:


    وأي داء أدوى من البخل!!


    بل سيّدكم الجعد الأبيض, عمرو بن الجموح..


    فكانت هذه الشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تكريما لابن الجموح, أي تكريم..!


    وفي هذا قال شاعر الأنصار:


    فسوّد عمرو بن الجموح لجوده


    وحق لعمرو بالنّدى أن يسوّدا


    اذا جاءه السؤال أذهب ماله


    وقال: خذوه, انه عائد غدا


    وبمثل ما كان عمرو بن الجموح يجود بماله في سبيل الله, أراد أن يجود بروحه وبحياته..


    ولكن كيف السبيل؟؟


    ان في ساقه عرجا يجعله غير صالح للاشتراك في قتال.


    وانه له أربعة أولاد, كلهم مسلمون, وكلهم رجال كالأسود, كانوا يخرجون مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو, ويثابرون على فريضة الجهاد..


    ولقد حاول عمرو أن يخرج في غزوة بدر فتوسّل أبناؤه الى النبي صلى الله عليه وسلم كي يقنعه بعدم الخروج, أ, يأمره به اذا هو لم يقتنع..


    وفعلا, أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أن الاسلام يعفيه من الجهاد كفريضة, وذلك لعجزه الماثل في عرجه الشديد..


    بيد أنه راح يلحّ ويرجو.. فأمره الرسول بالبقاء في المدينة.


    **


    وجاءت غزوة أحد فذهب عمرو الى النبي صلى الله عليه وسلم يتوسل اليه أن يأذن له وقال له:


    " يا رسول الله انّ بنيّ يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك الى الجهاد..


    ووالله اني لأرجو أن, أخطر, بعرجتي هذه في الجنة"..


    وأمام اصراره العظيم أذن له النبي عليه السلام بالخروج, فأخذ سلاحه, وانطلق يخطر في حبور وغبطة, ودعا ربه بصوت ضارع:


    " اللهم ارزقني الشهادة ولا تردّني الى أهلي".


    والتقى الجمعان يوم أحد..


    وانطلق عمرو بن الجموح وأبناؤه الأربعة يضربون بسيوفهم جيوش الشرك والظلام..


    كان عمرو بن الجموح يخطر وسط المعمعة الصاحبة, ومع كل خطرة يقطف سيفه رأسا من رؤوس الوثنية..


    كان يضرب الضربة بيمينه, ثم يلتفت حواليه في الأفق الأعلى, كأنه يتعجل قدوم الملاك الذي سيقبض روحه, ثم يصحبها الى الجنة..


    أجل.. فلقد سأل ربه الشهادة, وهو واثق أن الله سبحانه وتعالى قد استجاب له..


    وهو مغرم بأن يخطر بساقه العرجاء في الجنة ليعلم أهلها أن محمدا رسول اله صلى الله عليه وسلم, يعرف كيف يختار الأصحاب, وكيف يربّي الرجال..!!


    **


    وجاء ما كان ينتظر.


    ضربةسيف أومضت, معلنة ساعة الزفاف..


    زفاف شهيد مجيد الى جنات الخلد, وفردوس الرحمن..!!


    **


    واذ كان المسلمون يدفنون شهداءهم قال الرسول عليه الصلاة والسلام أمره الذي سمعناه من قبل:


    " انظروا, فاجعلوا عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح في قبر واحد, فانهما كانا في الدنيا متحابين متصافيين"..!!


    **


    ودفن الحبيبان الشهيدان الصديقان في قبر واحد, تحت ثرى الأرض التي تلقت جثمانيهما الطاهرين, بعد أن شهدت بطولتهما الخارقة.


    وبعد مضي ست وأربعين سنة على دفنهما, نزل سيل شديد غطّى أرض القبور, بسبب عين من الماء أجراها هناك معاوية, فسارع المسلمون الى نقل رفات الشهداء, فاذا هم كما وصفهم الذين اشتركوا في نقل رفاتهم:


    " ليّنة أجسادهم..


    تتثنى أطرافهم"..!


    وكان جابر بن عبدالله لا يزال حيا, فذهب مع أهله لينقل رفات أبيه عبدالله بن عمرو بن حرام, ورفات زوج عمته عمرو بن الجموح..


    فوجدهما في قبرهما, كأنهما نائمان.. لم تأكل الأرض منهما شيئا, ولم تفارق شفاههما بسمة الرضا والغبطة التي كانت يوم دعيا للقاء الله..


    أتعجبون..؟


    كلا, لا تعجبوا..



    فان الأرواح الكبيرة, التقية, النقية, التي سيطرت على مصيرها.. تترك في الأجساد التي كانت موئلا لها, قدرا من المناعة يدرأ عنها عوامل التحلل, وسطوة التراب..
    إن لله عبــادا فـــطــــــنا *** طلقوا الدنيا وخافـوا الفتــنا
    نظــروا فيهـا فلما علموا *** أنـها ليـست لــحي وطنـــــا
    جــعلوها لجــة واتخــذوا *** صالح الأعمـال فيها سـفــنا

  • #2
    رد: سلسلة رجال حول الرسول

    أرجو لكل من استفاد من هذا الموضوع الدعاء لي بظهر الغيب لعل الله يرحمني ويقبلني في عباده الصالحين
    إن لله عبــادا فـــطــــــنا *** طلقوا الدنيا وخافـوا الفتــنا
    نظــروا فيهـا فلما علموا *** أنـها ليـست لــحي وطنـــــا
    جــعلوها لجــة واتخــذوا *** صالح الأعمـال فيها سـفــنا

    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة رجال حول الرسول

      ما شاء الله .... جزاكم الله خيرا
      أستغفر الله العظيم الذي لا اله الا هو الحي القيوم وأتوب إليه

      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة رجال حول الرسول

        جزاك الله خيرا اخى
        نسأل الله تعالى ان ينفع بك
        اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً

        تعليق


        • #6
          -ܓܨ((رجال حول الرسول -صلى الله عليه و سلم )). -ܓܨ



          بدأ النبي -صلى الله عليه و سلم- دعوته منذ أن نزل عليه الوحي الكريم يأمره بذلك ، واستجاب لدعوته عدد قليل من أهل "مكة" ، وشيئًا فشيئًا زاد عدد الداخلين في الإسلام ، وكان الرسول يجتمع بهم في دار "الأرقم بن أبى الأرقم"، يحفظهم القرآن، ويعلمهم أمور دينهم ، ويعدهم لنشر دعوة الإسلام . وتحمل المسلمون الأوائل في سبيل التمسك بدينهم كل ألوان التعذيبوالإيذاء، ولم يسلم النبي -صلى الله عليه و سلم- من ذلك .


          ولما اشتد إيذاء "قريش" أمرالنبي -صلى الله عليه و سلم-بعض أصحابه بالهجرة إلى "الحبشة"، فرارًا بدينهم، وليعبدوا ربهم في أمن وسلام .
          ثم هاجر النبي -صلى الله عليه و سلم- إلى "المدينة" ، ووجد فيها من يقف إلى جواره من أهلها الذين سموا بالأنصار ، وهؤلاء قاموا بالدفاع عن الإسلام وإيواء المهاجرين ، وتقاسموا معهم أموالهم ، وقد آخي النبي -صلى الله عليه و سلم- بينهم وبين المهاجرين .
          وفى الفترة التي انتقل فيها النبي -صلى الله عليه و سلم- إلى "المدينة" انتشر الإسلام ودخل فيه أعداد كبيرة، وخاض النبي -صلى الله عليه و سلم- معارك للدفاع عن الإسلام ضد هجمات "قريش" ومؤامرات اليهود وغدرهم، وقد كلل الله نجاحه بفتح مكة العظيم في العام الثامن من الهجرة ، وبعد ذلك بدأت الوفود من العرب تتوالى على "المدينة" لتعلن بيعتها وإسلامها للرسول -صلى الله عليه و سلم- .
          وخلال بعثة النبي -صلى الله عليه و سلم- التي استمرت ثلاثًا وعشرين سنة، صحب النبي -صلى الله عليه و سلم- ولازمه عدد من الرجال الكرام الذين حملوا على عاتقهم نشر الإسلام في كل مكان ، وهؤلاء الصحابة الذين أعدهم النبي -صلى الله عليه و سلم- كان فيهم الخلفاء والزعماء ، والقادة الفاتحون ، والفقهاء والعلماء ، وكتاب الوحي .. وسنحاول التعرف على بعض هؤلاء الرجال .
          · الخلفاء الراشدون :
          بعد وفاة النبي -صلى الله عليه و سلم- تولى أربعة من صحابته الكرام خلافة المسلمين، وتحملوا قيادة الدولة ونشر الإسلام ، وسمى عصرهم بعصر الخلافة الراشدة، وهم :

          1-"أبو بكر الصديق" :
          هو أول من آمن وأسلم من الرجال ، وقد وهب نفسه وماله لله ولرسوله ، فكان يشترى من أسلم من العبيد الذين كانت "قريش" تعذبهم ويعتقهم كبلال بن رباح . واختاره النبي -صلى الله عليه و سلم- ليرافقه دون غيره من الصحابة في هجرته إلى "المدينة"، ثم لازم النبي -صلى الله عليه و سلم- بعد الهجرة فلم يفارقه ، وشهد معه كل غزواته ولم يتخلف في واحدة منها . و"أبو بكر الصديق" هو أفضل المسلمين جميعًا بعد النبي -صلى الله عليه و سلم- .
          وبعد وفاة النبي تولى "أبو بكر" مسئولية الدولة وأصبح خليفة للمسلمين ، وقد واجهته منذ اللحظة الأولى مشكلة ارتداد كثير من القبائل العربية ، التي لم يكن الإسلام قد تمكن منها ، وامتناع بعضها عن دفع الزكاة ، وقد وقف "أبو بكر الصديق" موقفًا حازمًا من حركة الردة ، وأرسل إليها الجيوش حتى تمكن من القضاء عليها ، وأعاد الأمن إلى الجزيرة العربية، وبعد ذلك أرسل الجيوش لفتح "الشام" و"العراق" وأحرزت جيوشه انتصارات عظيمة على "الفرس" و"الروم" ، وفى عهد "الصديق" جمع القرآن الكريم في مصحف واحد ، وعهد بهذه المهمة إلى "زيد بن ثابت" الصحابي الجليل . وتوفى "أبو بكر الصديق" سنة (13 ﻫ) بعد أن قضى في الخلافة سنتين وثلاثة أشهر .
          2-"عمر بن الخطاب" :
          أسلم في العام الخامس من البعثة وعمره سبع وعشرون سنة ، وعرف بشخصية قوية وإرادة لا تلين ، وهيبة في القلوب ، ومنذ أن أسلم احتل المكانة التالية لمكانة "أبى بكر الصديق" ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- قد دعا بأن يعز الله الإسلام بعمر بن الخطاب وقد لازم النبي -صلى الله عليه و سلم- ملازمة تامة ، وشهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- الغزوات جميعها.
          ولحبه للحق وحرصه على إقامته قال فيه النبي -صلى الله عليه و سلم- " إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" . (رواه الترمذى)
          وبعد وفاة "أبى بكر الصديق" خلفه "عمر بن الخطاب" في منصب الخلافة ولقب بأمير المؤمنين ، فاستكمل ما كان بدأه "أبو بكر" في الفتوحات ففتح "العراق" و"الشام" و"مصر" ، واتسعت رقعة الدولة الإسلامية ، وانتشر الإسلام في كل المناطق التي فتحها المسلمون .
          وقد تميز عهد الخليفة "عمر بن الخطاب" بالعدل والأمن اللذين شعر بهما الناس جميعًا، وبتدوين الدواوين، وهى التي تشبه الوزارات في الوقت الحاضر ، مثل ديوان الجند (وزارة الدفاع حاليًا) وديوان الخراج (وزارة المالية) .
          وتوفى "عمر بن الخطاب" سنة (23 ﻫ) بعد أن طعنه "أبو لؤلؤة المجوسي" وهو يصلى الفجر في مسجد " النبوي " .
          3- "عثمان بن عفان" :
          أسلم مبكرًا ، وتزوج من ابنتي رسول الله -صلى الله عليه و سلم- ، "رقية" و"أم كلثوم" ، ولذلك سمى بذي النورين ، وجاهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- منذ أن أسلم بماله ونفسه ، وهاجر الهجرتين إلى "الحبشة" وإلى "المدينة" ، وبذل ماله في سبيل الله ونصرة دعوته ، وكان من أكثر "قريش" مالاً ، فاشترى بئر رومة بمبلغ (12) ألف درهم، وجعلها للمسلمين في "المدينة"، وكانوا يعانون من قلة المياه وارتفاع أسعارها، كما أنفق ماله في تجهيز ثلث جيش العسرة في غزوة "تبوك" ، وكان عدد الجيش نحو ثلاثين ألفًا .
          وشهد "عثمان" المشاهد كلها مع رسول الله عدا غزوة "بدر" التي تخلف عنها بأمر من رسول الله .
          وقد تولى الخلافة بعد استشهاد "عمر بن الخطاب" سنة (23 ﻫ) ، وفى عهده استكمل المسلمون الفتوحات في بلاد "فارس" ، وفى شمال "إفريقية" ، وبنوا أول أسطول إسلامي ، وقد حقق انتصارًا على "الروم" في موقعة "ذات الصوارى" سنة (34 ﻫ).
          ومن أعظم أعمال "عثمان بن عفان" أنه جمع الناس على مصحف واحد ، وأرسل منه نسخًا إلى الأمصار ليلتزموا به ، وهذا المصحف اشتهر بالمصحف العثماني ، وهو الأصل الذي لا يزال المسلمون يلتزمون به حتى الآن .
          واستشهد الخليفة "عثمان بن عفان" في سنة (35 ﻫ) ، بعد أن اقتحم داره مجموعة من الخارجين على الدولة ، وقتلوه وهو يقرأ القرآن في مصحفه .
          4-"على بن أبى طالب" :
          أسلم صغيرًا ، ولازم النبي -صلى الله عليه و سلم- لأنه كان يعيش معه في بيته ، اشتهر منذ صغره بالشجاعة والفروسية ، فشهد "بدرًا"مع الرسول الكريم ، وثبت معه في غزوة "أحد"، وقتل في غزوة "الخندق" "عمرو بن عبدود" فارس العرب ، وأعطاه النبي -صلى الله عليه و سلم- الراية في غزوة "خيبر" .
          وكان "على بن أبى طالب" واحد ممن حفظوا القرآن كله من الصحابة ، وعرضوه على النبي -صلى الله عليه و سلم- ، ومن أكثرهم معرفة بالقرآن وبتفسيره وأسباب نزوله وكان أيضًا من كتاب الوحي وقد زوجه الرسول- صلى الله عليه وسلم - ابنته "فاطمة الزهراء" وأنجب منها "الحسن" و"الحسين" وهما اللذان حفظا نسل الرسول -صلى الله عليه و سلم- .
          وكان "على بن أبى طالب" موضع ثقة الخلفاء الراشدين الذين سبقوه ، ومن أقرب المعاونين لهم ، وبعد وفاة "عثمان بن عفان" سنة (35 ﻫ) تولى الخلافة ، وكانت الفتنة قد اشتدت بالمسلمين بعد استشهاد عثمان , وفى أثناء ذلك تمكن "عبد الرحمن بن ملجم" أحد الخوارج من قتل "على بن أبى طالب"، وهو يصلى الفجر في مسجد "الكوفة"، وذلك في رمضان سنة (40ﻫ) .
          · القادة والفاتحون من الصحابة :


          -"خالد بن الوليد" :
          واحد من أعظم القادة المسلمين ، أسلم متأخرًا في العام السابع من الهجرة ، هو و"عمرو بن العاص" و"عثمان بن طلحة" في يوم واحد .
          ومنذ أن أسلم أخذ يقاتل في سبيل الله بكل قوة وإيمان ، وكانت معركة "مؤتة" أول معركة خاضها مع المسلمين في العام الثامن من الهجرة ، وقد نجح بفضل مهارته العسكرية من إنقاذ جيش المسلمين ، وهو يواجه جيش "الروم" الذي كان يفوقه أضعافًا مضاعفة في العدد والعتاد، وبعد هذه المعركة سماه الرسول -صلى الله عليه و سلم- سيف الله، وبعد وفاة الرسول -صلى الله عليه و سلم- ولاه الخليفة "أبو بكر الصديق" أكبر الجيوش التي خصصت لحرب المرتدين ، وقد حقق انتصارات عظيمة ، وقضى على "مسيلمة" الكذاب في أكبر معارك حروب الردة المعروفة بمعركة "اليمامة" .
          ثم قاد "خالد بن الوليد" أكبر معارك الفتوحات الإسلامية على جبهتي "فارس" و"الشام" ، وحقق أعظم انتصاراته على "الروم" في معركة "اليرموك" سنة (13 ﻫ) ، وتوفى "خالد بن الوليد" في مدينة "حمص" سنة (21 ﻫ) في خلافة "عمر بن الخطاب" .
          2- "سعد بن أبى وقاص" :
          أحد العشرة الذين بشرهم النبي -صلى الله عليه و سلم- بالجنة مع الخلفاء الراشدين الأربعة و"أبى عبيدة بن الجراح" ، و"عبد الرحمن بن عوف" ، و"طلحة بن عبيد الله" ، و"الزبير بن العوام" ، و"سعيد بن زيد" .
          أسلم قديمًا وهو في السابعة عشرة من عمره ، وهو أول من أراق دمًا في سبيل الله ، وأول من رمى بسهم في سبيل الله . وقد شهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- "بدرًا" و"أحد" و"الخندق"، وغيرها من المشاهد ، وأبلى يوم "أحد" بلاءً عظيمًا .
          ويحكى هو عن قصة إراقته لأول دم في سبيل الله فيقول : إن أصحاب رسول الله في "مكة" كانوا يذهبون إلى خارجها بعيدًا عن عيون "قريش" لأداء الصلاة ، فبينما هم كذلك إذ رآهم نفر من المشركين ، فعابوا عليهم دينهم وصلاتهم فتشاجروا واقتتلوا ، فضرب "سعد بن أبى وقاص" رجلاً من المشركين بعظمة كبيرة فأسالت دمه ، فكان هذا أول دم أريق في الإسلام .
          وفى خلافة "عمر بن الخطاب" ولاه قيادة الجيوش المتجهة لحرب "فارس"، وقد حقق نصرًا عظيمًا في معركة "القادسية" التي استمرت أربعة أيام ، وفى هذه المعركة العظيمة قتل "رستم" قائد "الفرس" وتشتت من نجا منهم ، وقد حسمت الجيوش أمر "العراق" وأخرجته من السيطرة الفارسية التي دامت قرونًا طويلة ، وأعادته إلى أهله العرب المسلمين . وبعد هذا النصر تمكن "سعد بن أبى وقاص" من فتح "المدائن" عاصمة "الفرس"، وانتهت بذلك دولة "فارس" تمامًا ولم يعد لها وجود .
          وقد توفى "سعد بن أبى وقاص" في المدينة سنة (55 ) .
          · الفقهاء والعلماء :





          - "عبد الله بن مسعود" : كان من السابقين الذين دخلوا الإسلام مبكرا فهو سادس من أسلموا ، وهو أول من جهر بالقرآن في "مكة" ،وحين قرأه على مرأى من قريش قاموا بضربه ولطمه.
          واشتهر "عبد الله بن مسعود" بإتقانه للقرآن ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- يقول عنه : "من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- يحب أن يسمع القرآن من "ابن مسعود" فيقول له "عبد الله بن مسعود" : أقرأ عليك وعليك أنزل ؟! فيقول له النبي -صلى الله عليه و سلم- : "إني أحب أن أسمعه من غيري" .
          وبلغ من تمكن "ابن مسعود" من القرآن وتفسيره أنه قال : والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأعلم متى أنزل ، وفيم أنزل، وأين أنزل .
          وكان "عمر بن الخطاب" يحبه ويستشيره في كثير من الأمور ، ولما أرسله إلى "الكوفة" ليتولى بيت المال بها ، قال : والله لقد آثرتكم به على نفسي فخذوا منه وتعلموا .
          هاجر ابن مسعود الهجرتين إلى "الحبشة" وإلى "المدينة" ، وشهد "بدرًا" و"أحد" و"الخندق" و"بيعة الرضوان" ، وسائر المشاهد مع رسول الله -صلى الله عليه و سلم- ، وشهد "اليرموك" بعد النبي -صلى الله عليه و سلم- ، وهو الذي أجهز على "أبى جهل" في غزوة "بدر" ، وشهد له النبي -صلى الله عليه و سلم- بالجنة .
          وتوفى "ابن مسعود" بالمدينة سنة (32 ﻫ) .
          2-"زيد بن ثابت" :


          كان عمره لما قدم النبي -صلى الله عليه و سلم- "المدينة" إحدى عشرة سنة ، وأمره النبي -صلى الله عليه و سلم- لما رأى شدة ذكائه أن يتعلم لغة اليهود حتى يقرأ له كتبهم وقال له :"إني لا آمنهم" ، وقد تعلم "زيد بن ثابت" السريانية في مدة قصيرة لا تتجاوز شهرًا .
          وقد شهد مع النبي -صلى الله عليه و سلم- غزوة "الخندق"، وكان قد رده من قبل في غزوتي "بدر" و"أحد" لصغر سنه .
          وكان "زيد بن ثابت" من كتاب الوحي ، وإذا نزل الوحي على رسول الله بعث إليه ، فجاء فكتب ما نزل من القرآن .
          وكان "زيد بن ثابت" من فقهاء الصحابة على حداثة سنه ، وكان النبي -صلى الله عليه و سلم- يقول عنه: "إنه أعلم الناس بالفرائض" . (رواه أحمد)
          وقد تولى "زيد بن ثابت" جمع القرآن ، كلفه بذلك الخليفة "أبو بكر الصديق" وقال له:
          إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله -صلى الله عليه و سلم- ، فتتبع القرآن فاجمعه.
          فقام "زيد بن ثابت" بهذه المهمة على خير وجه حتى أتمها ، وجمع القرآن كله في مصحف واحد.
          وكان "عمر" و"عثمان" لايقدمان على "زيد" أحدًا في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء.
          وتوفى "زيد بن ثابت" سنة (45 ﻫ).
          اللهم ارحم ابي برحمتك الواسعة وغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
          اللهم إجعل قبره روضه من رياض الجنه

          تعليق


          • #7
            رد: -ܓܨ((رجال حول الرسول -صلى الله عليه و سلم )). -ܓܨ

            نفع الله بكم واحسن اليكم
            نقل الموضوع الى قسم "اولئك ابائي"
            "إذا وجدت الأيام تمر عليك ، و ليس لكتاب الله حظ من أيامك و ساعات ليلك و نهارك ، فابك على نفسك ، و اسأل الله العافية، و انطرح بين يدي الله منيبا مستغفرا ، فما ذلك إلا لذنب بينك و بين الله ، فوالله ما حرم عبد الطاعة إلا دل ذلك على بعده من الله عز وجل"

            تعليق


            • #8
              رد: -ܓܨ((رجال حول الرسول -صلى الله عليه و سلم )). -ܓܨ

              جزاكم الله خيرا
              اللهم ارحم ابي برحمتك الواسعة وغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس
              اللهم إجعل قبره روضه من رياض الجنه

              تعليق


              • #9
                رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم // خبيب بن عدي//

                جزاكم الله خيرا

                سيتم النقل لقسم أولئك آبائى.

                تعليق


                • #10
                  رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ...متجدد باذن الله

                  رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم



                  نبذة : عرض لسير بعض صحابة رسول الله : أيامهم ومواقفهم في خدمة الدين ، بأسلوب أدبي راق ، وسرد مشوق ، يثير النفس لعزائم الأمور ويقوي روابطها بالصحب الكرام ، وينمي فيها روح العمل والتضحية لهذا الدين .



                  مصعب بن عمير


                  أول سفراء الاسلام


                  هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث.
                  غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..
                  يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..
                  ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.
                  ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..
                  ذلك الفتر الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة، ولؤلؤة ندواتها ومجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة من أساطير الايمان والفداء..؟
                  بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.
                  انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..
                  ولكن أي واحد كان..؟
                  ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..
                  لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم..
                  "محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا. وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.

                  وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه، كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.
                  ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال "ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب..

                  ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا عن فضول قريش وأذاها.. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم" فلم يطل به التردد، ولا التلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه...
                  هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير.

                  ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه، ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!
                  ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.
                  ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج، والفؤاد المتوثب، فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!


                  **


                  كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب الى حد الرهبة..
                  ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه.
                  فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها، استحالت هولا يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب الى حين..
                  أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!
                  ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.
                  وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بايمانه، وبتفاديه غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا..

                  ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على كل طريق، ووراء كل بصمة قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية..
                  ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو سصلي كصلاة محمد صلى الله عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء وزوابعها، شاخصا الى أم مصعب، حيث ألقى عليها النبأ الذي طار بصوابها...

                  ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق وثباته، القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم، ويملؤها به حكمة وشرفا، وعدلا وتقى.
                  وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أم استرخت وتنحّت أمام النور الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع..
                  ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في مقدرتها أ، تثأر للآلهة التي هجرها بأسلوب آخر..
                  وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك، حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه، ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا..

                  ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين، ثم يعود معهم الى مكة، ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
                  ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان، ولقد فرغ من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب الى أن حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم..

                  خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..
                  ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا..
                  وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال:
                  " لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!

                  لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر الآلهة وحاقت به لعنتها، حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها..!!
                  ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
                  وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فودعته باكية، وودعها باكيا..
                  وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن.. فحين قالت له وهي تخرجهمن بيتها: اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:"يا أمّه اني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"...
                  أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف غقلي"..!!
                  وخرج مصعب من العنمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر، لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما، ويجوع أياماو ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، والمتألقة بنور الله، كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة...

                  **


                  وآنئذ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا الرسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم..
                  كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها، وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول اختار مصعب الخير، وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة التي ستكون دار الهجرة، ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب..
                  وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق، ولقد غزا أفئدة المدينة وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه، فدخلوا في دين الله أفواجا..

                  لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة العقبة، ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!
                  وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم "مصعب ابن عمير".
                  لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار..
                  فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها.ز عرف أنه داعية الى الله تعالى، ومبشر بدينه الذي يدعوا الناس الى الهدى، والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به، ليس عليه الا البلاغ..

                  هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبويت والمجالس، تاليا على الناس ما كان معه من كتاب ربه، هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد)..
                  ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه..

                  ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، فاجأه شاهرا حربتهو يتوهج غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم، ويحدثهم عن اله واحد لم يعرفوه من قبل، ولم يألفوه من قبل..!
                  ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمهاو اذا حتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها، فتكشف ضرّه وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..

                  أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم، فما أحد يعرف مكانه، ولا أحد يستطيع أن يراه..!!
                  وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي، وثورته المتحفزة، حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متهللا..
                  وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:
                  "ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..!!
                  وفي مثل هدوء البحر وقوته..
                  وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك بالحديث الطيب لسانه فقال:
                  "أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".
                  الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..!!

                  كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير.. فان اقتنع، تركه لاقتناعهو وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم، وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى غير ضارّ ولا مضارّ..
                  هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..
                  ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، حتى أخذت أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله..!!
                  ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:
                  "ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين"..؟؟
                  وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا، ثم قال له مصعب:
                  "يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله".
                  فعاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه، ووقف يعلن أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله..
                  وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت باسلامهم النعمة، وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ، وسعد بن عبادة قد أسلموا، ففيم تخلفنا..؟ هيا الى مصعب، فلنؤمن معه، فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!


                  **


                  لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاه\حا هو له أهل، وبه جدير..
                  وتمضي الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة، وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها، لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر، قيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم ويسعون الى الثأر،و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم، ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية.. ويدعو مصعب الخير، فيتقدم ويحمل اللواء..
                  وتشب المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويغادرون موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين، لكن عملهم هذا، سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم من أعلى الجبل، وتعمل فيهم على حين غرّة، السيوف الظامئة المجنونة..
                  حين رأوا الفوضى والذعر في صفوف المسلمين، ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..
                  وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر، فرفع اللواء عاليا، وأطلق تكبيرة كالزئير، ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل، ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..
                  يد تحمل الراية في تقديس..
                  ويد تضرب بالسيف في عنفزان..
                  ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول..

                  لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!
                  يقول ابن سعد: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال:
                  [حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس، فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
                  وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره وهو يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
                  ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء].
                  وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!
                  وقع حلية الشهادة، وكوكب الشهداء..!!
                  وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..
                  كان يظن أنه اذا سقط، فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين والحماة..
                  ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا:
                  (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل)
                  هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها، ويكملها، ويجعلها، قرآنا يتلى..


                  **


                  وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا، وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ بدمائه الزكية..
                  لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء، فأخفى وجهه حتى لا يرى هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!
                  أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبلأن يطمئن على نجاة رسول الله، وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب حمايته والدفاع عنه..!!
                  لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!


                  **


                  وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..
                  وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفيّة غزيرة..
                  يقوا خبّاب بن الأرت:
                  [هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه الا نمرة.. فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر"..]..
                  وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة، وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام، وأوجع فؤاده..
                  وعلى الرغم م امتاتء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما من الصدق والطهر والنور..
                  على الرغم من كل هذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه..
                  أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما:
                  (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
                  ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي مفن بها وقاللقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمّة منك. "ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة"..؟!
                  وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب وقال:
                  "ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".
                  ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:
                  "أيها الناس زوروهم،وأتوهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة، الا ردوا عليه السلام"..


                  **


                  السلام عليك يا مصعب..
                  السلام عليكم يا معشر الشهداء..
                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..


                  خالد محمد خالد

                  تعليق


                  • #11
                    رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ...متجدد باذن الله

                    جزاك الله خيرا

                    إنا لله و إنا إليه راجعون وفاة أحد المصلين اسمه(عبد اللطيف) (ادعوا له )
                    اللهم اغفر لإبراهيم و لأبا أحمد و لجميع موتى المسلمين


                    تعليق


                    • #12
                      رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ...متجدد باذن الله

                      سلمان الفارسي
                      الباحث عن الحقيقة

                      من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة..
                      ومن بلاد فارس، عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان، وفي العلم.. في الدين، وفي الدنيا..

                      وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمائه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في اعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّ: كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فاذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..
                      واذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل، والارادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد..!!
                      ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها..
                      وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى.

                      كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.
                      ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى..!
                      وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
                      وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.
                      وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى:
                      (اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).

                      أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه..
                      وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها.
                      انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح..
                      ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..
                      وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..
                      وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟
                      هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا.

                      تقدّم سلمان الفارسي وألأقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.
                      وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.
                      والله يعلم ، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة، حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها..
                      ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!

                      **

                      خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية..
                      كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا، ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!
                      وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.
                      وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..
                      وحين رآها دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلاعن مرمى الشظايا..
                      وسمّى بالله، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وهوى به على الصخرة، فاذا بها تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.
                      ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها، أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:
                      "الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاهرة عليها"..

                      ثم رفع المعول، وهوت ضربته الثانية، فتكررت لظاهرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع، وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:
                      "الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء، وان أمتيظاهرة عليها".

                      ثم ضري ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها، وأضاء برقها الشديد الباهر، وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما، وصاح المسلمون في ايمان عظيم:
                      هذا ما وعدنا الله ورسوله.ز
                      وصدق الله ورسوله..!!

                      كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير، حين استعان عليها برسول الله صلى الله عيه وسلم، وكان قائما الى جوار الرسول يرى الضوء، ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها، وواقعا يحياه، فرأى مداءن الفرس والروم..
                      رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..
                      رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!

                      **

                      وها هو ذا، جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة، ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس الى المسيحية، ثم الى الاسلام..
                      كيف غادر ثراء أبيه الباذخ، ورمى نفسه في أحضان الفاقة، بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!
                      كيف بيع في سوق الرقيق، وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟
                      كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
                      تعالوا نقترب من مجلسه الجليل، ونصغ الى النبأ الباهر الذي يرويه..

                      **

                      [كنت رجلا من أهل أصبهان، من قرية يقال لها "جي"..
                      وكان أبي دهقان أرضه.
                      وكنت من أحب عباد الله اليه..
                      وقد اجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار التي نوقدها، ولا نتركها نخبو..
                      وكان لأبي ضيعة، أرسلني اليها يوما، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمهتهم يصلون، فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه، فما برحتهم حتى غابت الشمس، ولا ذهبت الى ضيعة أبي، ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري...
                      وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا في الشام..
                      وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم خير من ديننا..
                      فحازرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..
                      وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام، أن يخبروني قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشام معهم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معهم الى الشام..
                      وهناك سألت عن عالمهم، فقيل لي هو الأسقف، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم، وأصلي وأتعلم..
                      وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، اذ كان يجمع الصدقات من الانس ليوزعها، ثم يكتنزها لنفسه.
                      ثم مات..
                      وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه، ولا أعظم منه رغبة في الآخرة، وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..
                      وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى، فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟
                      قال: أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه الا رجلا بالموصل..
                      فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم، فرحلت اليه، وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..
                      ثم حضرته الوفاة، فقلت له: الى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا.. يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص اليه فافعل.
                      وان له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة، اذا رأيته عرفته.

                      ومر بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم، فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم الى أرضكم؟.. قالوا: نعم.
                      واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني، وباعوني الى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.
                      وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فوالله ما هو الا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..
                      وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.
                      واني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها اذ أقبل رجل من يهود، من بني عمه، فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة اهنم ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي..
                      فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا، أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟
                      فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا..؟
                      أقبل على عملك..
                      فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له: انكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..
                      ثم وضعته، فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا..
                      فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!
                      ثم رجعت وعدت الى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له عليه السلام: اني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يديه، فقال لأصحابه كلوا باسم الله..
                      وأكل معهم..
                      قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!
                      ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتلن مؤتزرا بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن كاهله، فاذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي..
                      فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..
                      ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..
                      وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك"، فكاتبته، وأمر الرسولأصحابه كي يعونوني. وحرر الله رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق، والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.

                      **

                      بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله، وترسم له دوره في الحياة..
                      فأي انسان شامخ كان هذا الانسان..؟
                      أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة، وفرضته ارادته الغلابة على المصاعب فقهرتها، وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟
                      أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه الى المجهول بكل أعبائه، ومشاقه، ينتقل من أرض الى أرض.. ومن بلد الى بلد.. ناصبا، كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس، والمذاهب والحياة.. ويظل في اصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى، فيجمعه بالحق، ويلاقيه برسوله، ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض، وعباده المسلمون يملؤن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!

                      **

                      ماذا نتوقع أن يكون اسلام رجل هذه همته، وهذا صدقه؟
                      لقد كان اسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده، وفطنته، وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.
                      أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.
                      وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم، وكان نافلة..
                      فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له..؟ّ
                      فأجابه سلمان قائلا:
                      ان لعينك عليك حقا، وان لأهلك عليك حقا، صم وافطر، وصل ونم..
                      فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
                      " لقد أشبع سلمان علما ".
                      وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا، كما كان يطري خلقه ودينه..
                      ويوم الخندق، وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..
                      وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".

                      وانه بهذا الشرف لجدير..
                      وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:
                      [ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟
                      أوتي العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف].
                      ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.
                      ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا، فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا، اذ جمع أصحابه وقال لهم:
                      "هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!
                      وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.
                      لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا، ومجاهدا وعابدا.
                      وعاش مع خليفته أبي بكر، ثم أمير المؤمنين عمر، ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.
                      وفي معظم هذه السنوات، كانت رايات الاسلام تملأ الأفق، وكانت الكنوز والأموال تحمل الى المدينة فيئا وجزية، فتورّع الانس في صورة أعطيت منتظمة، ومرتبات ثابتة.
                      وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها، فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..
                      فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟

                      **

                      افتحوا ابصاركم جيدا..
                      أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟
                      انه سلمان..
                      انظروه جيدا..
                      انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد الى ركبته..
                      انه هو، في جلال مشيبه، وبساطة اهابه.
                      لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه جميعا، ويرفض أن يناله منه درهم واحد، ويقول:
                      "أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"!

                      **

                      ثم ماذا يا أتباع محمد..؟
                      ثم ماذا يا شرف الانسانية في كل عصورها وواطنها..؟؟
                      لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم، مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر واخوانهم، أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..
                      فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية، ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروة والنعيم، ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟
                      ما باله يرفض اامارة ويهرب منها ويقول:
                      "ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".
                      ما باله يهرب من الامارة والمنصب، الا أن تكون امارة على سريّة ذاهبة الى الجهاد.. والا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه، فيكره عليها اكراها، ويمضي اليها باكيا وجلا..؟
                      ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليه فرضا يأبى أنيأخذ عطاءها الحلال..؟؟
                      روى هشام عن حسان عن الحسن:
                      " كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها.."
                      "وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من عمل يديه..".
                      ما باله يصنع كل هذا الصنيع، ويزهد كل ذلك الزهد، وه الفارسي، ابن النعمة، وربيب الحضارة..؟
                      لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم.
                      دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..
                      قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".
                      فأجابه سلمان:
                      " والله ما أبكي جزعا من الموت، ولاحرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا عهدا، فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وهأنذا حولي هذه الأساود"!!

                      يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!
                      قال سعد فنظرت، فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة، فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد الينا بعهد نأخذه عنك، فقال:
                      " يا سعد:
                      اذكر عند الله همّتك اذا هممت..
                      وعند حكمتك اذا حكمت..
                      وعند يدك اذا قسمت.."

                      هذا هو اذن الذي ملأ نفسه غنى، بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها، ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم، وألا يأخذ أحدهم منها الا مثل زاد الركب..
                      ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل، مخافة أن يكون قد جاوز المدى.
                      ليس حوله الا جفنة يأكل فيها، ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..
                      ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟

                      وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن، لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الامارة درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس الا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..
                      وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..
                      كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه، فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم، حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله، حتى اذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..
                      وأشار للرجل فأقبل عليه، وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.
                      واذ هما على الطريق بلغا جماعة من الانس، فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..
                      وعلى الأمير السلام..؟
                      أي أمير يعنون..؟!!
                      هكذا سأل الشامي نفسه..
                      ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:
                      عنك أيها الأمير..!!
                      فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي، فسقط في يده، وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه، واقترب ينتزع الحمل. ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:
                      " لا، حتى أبلغك منزلك"..!!

                      **

                      سئل يوما: ما الذي يبغض الامارة الى نفسك.؟
                      فأجاب: " حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها"..
                      ويدخل عليه صاحبه يوما بيته، فاذا هو يعجن، فيسأله:
                      أين الخادم..؟
                      فيجيبه قائلا:
                      " لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."

                      وحين نقول بيته فلنذكر تماما، ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا، سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟
                      وكان البنّاء حصيفا ذكيا، يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. انها بناية تستظل بها من الحر، وتسكن فيها من البرد، اذا وقفت فيها أصابت رأسك، واذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..!
                      فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".

                      لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لحظة، أو تتعلق به نفسه اثارة، الا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص، ولقد ائتمن عليه زوجته، وطلب اليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.
                      وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه، ناداها:
                      "هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!
                      فجاءت بها، واذا هي صرة مسك، كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.
                      ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه، ثم ماثه بيده، وقال لزوجته:
                      "انضجيه حولي.. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وانما يحبون الطيب".
                      فلما فعلت قال لها:" اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..
                      وبعد حين صعدت اليه، فاذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.
                      قد لحقت بالملأ الأعلى، وصعدت على أجنحة الشوق اليه، اذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد، وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.

                      **

                      لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..
                      وآن اليوم أن يرتوي، وينهل..

                      تعليق


                      • #13
                        رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ...متجدد باذن الله

                        بوركت أخى الحبيب
                        وشكر الله لكم هذا الجهد الطيب
                        لكن يجب عليك الرجوع الى كتب اهل السنة المعروفة الموثوقة
                        واحذر كل الحذر من خالد محمد خالد هذا
                        فله مخالفات كثيرة ... وكتابه رجال حول الرسول
                        به بعضها ...فلينتبه !!!
                        ولى عودة ان شاء الله
                        جزاكم الله خيرااا
                        ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




                        تعليق


                        • #14
                          رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ...متجدد باذن الله


                          جزاك الله خيرا على هذا التنبيه

                          وبارك الله في امثالكم

                          احبك في الله

                          تعليق


                          • #15
                            رد: رجال حول الرسول صلى الله عليه وسلم ...متجدد باذن الله

                            أحبك الله الذي أحببتنى له أخى الحبيب
                            رضوان ...
                            وجزاك الله خيرااا
                            ولضيق الوقت جئتك بكتاب من ضمن الكتب التى توضح منهج
                            خالد محمد خالد ...
                            وفكره ووو...

                            اسم الكتاب : ( خالد محمد خالد في الميزان )

                            المؤلف : الشيخ ( سليمان بن صالح الخراشي - أثابه الله - )



                            رابط التحميل :




                            نفع الله بكم
                            وجزاكم الله خيراااا
                            ... جرِّد الحجة من قائلها، ومن كثرة القائلين وقلّتهم بها، ومن ضغط الواقع وهوى النفس، واخلُ بها والله ثالثكما، تعرف الحق من الباطل . ( الطريفي )




                            تعليق

                            يعمل...
                            X