سيرة الشيخ ومعلومات عن حياته :
الشيخ الدكتور أحمدفريد يروي قصة التزامه المنهج السلفي واعتقاله داخل الجيش و طرده منه وتاريخ الدعوة السلفية في الاسكندرية ولدت في شهر يوليو سنة اثنين وخمسين وغالب ظني في تحديد اليوم أنه يوم الثورة أو قبلها بيوم أو يومين أو بعدها كذلك، وذلك بمدينة منيا القمح ووالدي رحمه الله كان يعمل بإحدى الدوائر التابعة للأمراء وذلك قبل قانون الإصلاح الزراعي ثم عين كغيره ممن كان يعمل بهذه الدوائر موظفاً في الإصلاح الزراعي، ووالدتي رحمهاالله لم تكن تعمل وكانت بنت أحد التجار بالقاهرة، وكان والدي يعمل موظف عنده قبل أن يتزوج والدتي. كان والدي رحمه الله رجلاً صلاحاً محافظاً على الصلاة في المسجد وقيام الليل وكان يختم القرآن كل أسبوع تقريباً، وكان محبوباً بين جيرانه وأصدقائه وتردد على مكة لأداء العمرة عدة سنوات ومات على أحسن أحواله بعد أن أطلق لحيته. والوالدة رحمها الله كانت طيبة السيرة والسريرة محافظة على الصلاةهادئة الطباع محبة للخير وفقت لأداء فريضة الحج في آخر سنة من عمرها وطلبت مني أن أصحبها إلى العمرة كل عام في رمضان ولكنها لم يدركها رمضان لأنها بعد عودتها من الحج بشهر أو شهرين أصابها داء السرطان وتوفيت في أقل من شهرين بداء البطن فأرجو أن تكون شهيدة وقد رأيتها في المنام في حالة طيبة وكذلك والدي رحمهما الله وجميع أموات المسلمين. وقد أخبرت بأنني أصابني مرض في الصغر أوشكت منه على الهلاك وكان في هذا العام خروج والدي إلى الحج وودعني على أنني سوف أموت وهو في رحلة الحج فرزقني الله عز وجل العافية ثم انتقلت تبعاً لوالدي رحمه الله في بعض البلاد ثم أقمت بمدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية فأمضيت بها دراستي حتى الثانوية العامة ثم التحقت بكلية طب المنصورة فأمضيت بها السنة التمهيدية (إعدادي طب) وخلال هذه المدة من حياتي كنت بحمد الله مستقيماً محافظاً على الصلاة أحس بعاطفة دينية وكنت أتطلع كما يتطلع كثير من الناس إلى تحقيق المجد فكنت أفكر في حياتي وما أتمناه لنفسي وماكانت لي رغبة قوية في مجد دنيوي فلم أكن أتمنى أن أكون طبيباً مشهوراً أو مهندساً ناجحاً أو أديباً ولكن الأمل الذي كان يراودني في الصبا أن أكون خطيباً في المساجد فكنت أرى أرفع الناس منزلة هذا الخطيب الذي ينتظره الناس حين يصعد درجات المنبر و يذكر الناس بالله عز وجل. ولم أكن أعرف عند ذلك قول سفيان: أشرف الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء، فكنت أخرج من خطبة الجمعة بشحنة إيمانية قوية استمر عليها أياماً. وكنت أجد رقة طبيعية في قلبي فإذاسمعت طفلاً يبكي أكاد أبكي لبكائه، وكنت بحمد الله باراً بوالدي محبوباً من أصدقائي وأقاربي وأذكر أنني يوماً ذهبت إلى أحد أصدقائي في المرحلة فلم أجده، فقالت له أختهالصغيرة: (صاحبك أبو وش سمح سأل عنك) ولله الحمد والمنة. وبعد أن قضيت السنةالتمهيدية بطب المنصورة انتقلت تبعاً لوالدي وأسرتي إلى الإسكندرية والتحقت بطبالإسكندرية وذلك في بداية السبعينيات. وتعرفت في هذه الفترة على إخواني في اللهالذين بدأو الدعوة إلى الله عز وجل بالجامعة. وكان سبب ذلك أن كتب أحد طلاب الكلية الذين يسبقوننا على سبورة المدرج من أراد أن ينضم إلى الجماعة الدينية فعليه أن يذهب إلى جمعية الشبان المسلمين بالشاطئ يوم كذا بعد صلاة كذا، فذهبت إلى الجمعية والتقيت بهم، وكان على رأسهم أخي الحبيب الدكتور إبراهيم الزعفراني، ثم كثرت اللقاءات بيننا بالكلية وخاصة إبراهيم الزعفراني حيث كان معي في نفس المجموعة للقرب بين أحمد وإبراهيم واشتراكهم في حرف الألف، وكان الدكتور إبراهيم ذو لحية طيبة وكان من أسرة طيبة، يغلب عليه التمسك بالسنة، وكان يرتدي ملاب س تشبه ملابسالباكستانيين، وترددت عليه كثيراً في بيته، وصارت بيننا صداقة وأخوة ومحبة، وبدأنا سوياً طريق الدعوة، وكانت هذه بداية الصحوة بالنسبة لنا، وكذا بجامعة الإسكندرية،وبدأ النشاط بالجامعة بعد تكوين الجماعة الإسلامية التي كانت في الظاهر خاصة بالجامعة وفي الواقع ممتدة إلى خارج الجامعة. ثم في السنة الأخيرة في كلية الطب رشحت لاتحاد طلاب الجامعة لجنة خدمة الطلاب ورشح أخي إبراهيم في اللجنة الثقافية ثم تم ترشيحنا أيضاً للجنة العليا لطلاب الجامعة. وكان من لجنة نشاط خدمةالطلاب أنني استأجرت أتوبيساً من هيئة النقل العام لنقل طالبات الكلية وكنت أعطي موعظة قبل نزول الطلبات من الأتوبيس وأحضهم على الصدقة والبذل في الدعوة فكان من وراء ذلك خير كثير بحمد الله وأعطي دروساً بالمدرج قبل دخول المحاضرين وكذا درس للنساء ودروس بمسجد الكلية وغرفة الجماعة الإسلامية حيث أننا تمكنا بفضل الله عزوجل من الاستيلاء على غرفة التمثيل والموسيقى بالكلية وتحويلها إلى مسجد وغرفة للجماعة الإسلامية. وكان أول مؤتمر تم بمبنى اتحاد الجامعة رداً على بعض المضايقات للجامعة بكلية الطب، وتكلم فيه بعض الإخوة وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم الزعفراني وألقيت قرارات المؤتمر وكانت الجماعة الإسلامية حديث جديد وكأنه مولود جديد الكل خرج به محتفل وكان أول عمل بعد أن نجحنا في الانتخابات هو إنشاء جماعةإسلامية بكل كلية من كليات جامعة الإسكندرية. وفي هذه الأثناء تعرفنا على الشيخ محمد بن إسماعيل وكان في السنة الثالثة أو الرابعة وكان الشيخ محمد نابهاً من صغره حريصاً على طلب العلم إلا أنه لم يبدأ الدعوة حتى وصل إلى مرحلة معينة من العلم. وكنت دونه في العلم والعمل ولكنني كنت قد بدأت الدعوة إلى الله عزوجل بعاطفتي الإسلامية وبضاعتي المزجاة من العلم ويكفي في إثبات هذه العاطفة شهادةأحد أعداء الدعوة في هذا الوقت وهو الأستاذ صبري نور رحمه الله فقد كان في هذاالوقت يخالف الجماعة الإسلامية في الفكر ويميل إلى فكر التكفير وأرجو أن يكون رجع عن ذلك فقد رأيته في مساجد الدعوة قبل وفاته بقليل واستقبلني استقبالاً حسناً. فقال في هذه الأثناء: الأخ أحمد فريد قلبه ينبض بحب الإسلام والحمد لله الواحدالعلام. وبعد أن نجحت الجماعة الإسلامية في الحصول على جميع اللجان في اتحادكلية طب الإسكندرية نما إلى علمنا أن عميد الكلية قد ألغى الاتحاد وهو بصدد تعيين أمراء جدد نتيجة لضغوط معينة معروفة فصمم الإخوة على عمل مؤتمر بساحة كلية الطب،وعلق الميكرفون فوق حجرة الجماعة ونزل عميد الكلية وحاشيته لإنزال الميكرفون وإلغاءالمؤتمر فوقفت له تحت الميكرفون وصممت على أن الميكرفون لن يزال، وكنت في هذا اليوم في غاية الشدة وكان أخي إبراهيم في غاية اللين، عكس طبيعتنا في غير هذا الموقف،المهم لم ينزع الميكرفون وبدأ المؤتمر وكنت آخر المتكلمين وأذكر أنني قلت في خطبتي: "نحن نعلم مستقبلنا جيداً مستقبلنا بين جدران الزنازين وعلى خشبات المشانق أما مستقبلهم.. وتلوت خواتيم سورة إبراهيم (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَيَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىأَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواأَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَاتَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُوانْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)). لقد اشتقنا إلى إخواننا الشهداء اشتقنا إلى سيد الشهداء حمزة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وحسن البنا وصالح سريه وكارم الأناضولي. وارتجت الكلية رجة عنيفة وكنت أرى الطالبات المتبرجات يبكين وكذاإخواننا في الجماعة الإسلامية، وقد هزت كلمتي حتى عميد الكلية فأعاد الإتحادالمنتخب مرة ثانية وأرسل إلينا يقول: اعتبروني واحد منكم، وانضم في هذا الوقت كثيرمن الطلاب إلى الجماعة الإسلامية لما وجدوا من هذه الروح. وكان أعداء الجماعة يتهمونها بأنها تحرك عواطف الناس وبذلك ينجحون في الانتخابات والله الموفق رب الأرض والسماوات. وعاشت الجماعة الإسلامية أزهى عصورها في الجامعة وخارج الجامعة وأقيمت المعسكرات الإسلامية وكانت من اتحاد الجامعة واشتراكات الطلاب، وكان ذلك قبلخروج الإخوان من السجون فكان الذي يضع برنامج المعسكرات الشيخ محمد بن إسماعيل، فقدكان ومازال أعلمنا ونحسبه أتقانا لله عز وجل، ولم يكن ظهر اسم السلفية وكذا لم يكنهناك تواجد لمنهج الإخوان، فكان العمل تحت اسم الجماعة الإسلامية، ولكن الكتب التينَدْرُسُهَا ونُدَرِّسُهَا سلفية كتب ابن تيمية وابن القيم، وأذكر أنه في سنة منالسنوات تم تدريس كتاب: الأصول العلمية للدعوة السلفية للشيخ عبد الرحمن عبدالخالق. استمر النشاط بالجامعة وخارجها، وكان أول ظهور للإخوان في معسكر إسلاميبرشيد وكان القائم عليه الأستاذ عباس السيسي كبير الإخوان بالإسكندرية وهو رجل فاضلكريم من الرعيل الأول للإخوان وقد دعيت لهذا المعسكر وكذا الشيخ محمد بن إسماعيلوالشيخ أبو إدريس محمد عبد الفتاح، وكان الإخوان يرسلون كل يوم أحد الإخوة للإشرافعلى المعسكر وكان في اليوم الأول الأستاذ محمد عبد المنعم وكان مع إخوة الجماعةالإسلامية عناصر ضعيفة جداً علمياً وعملياً من الإخوان الجدد وللأسف كانوا همالمسئولين عن الحجرات وكذا إعطاء الدروس وإدارة المعسكر، في اليوم التالي كانالمبعوث من الإخوة الأستاذ جمعة أمين حفظه الله، وكان يعرفنا حيث اعتكفت معه بمسجدالحمام بالظاهرية، وكان يعطي موعظة يومية في التفسير فشكوت إليه ما نعانيه فيالمعسكر فقال: أنت غداً أمير المعسكر أو الشيخ محمد إسماعيل فقلت له: بل الشيخ محمدإسماعيل وكان الأمر كذلك فتغيرت الأحوال بالمعسكر تماماً. وفي اليوم التالي كنت أناأمير المعسكر، ثم حضر إلينا الدكتور مصطفى حلمي وكانت رسالته الدكتوراه أوالماجستير عن شيخ الإسلام ابن تيمية وهو وإن كان حركياً من جماعة الإخوان إلا أندراسته وكتاباته سلفية ثم ازداد المعسكر حلاوة بحضور الأستاذ محمد حسين في اليومالأخير وكان المعسكر على شاطئ رشيد وكنا نلعب الكرة وننزل البحر فكان من أمتعالمعسكرات، وفي نهاية المعسكر أراد الإخوان مني ومن الشيخ محمد إسماعيل المبيتفاستأذنت الأستاذ محمد حسين فرفض وقال كان ينبغي أن يستأذنوني، وأعطونا عدة مذكراتعن الدعوة لتوزيعها فرفض الأستاذ محمد حسين ذلك. واستمر نشاط الجماعةالإسلامية بالجامعة يقودها من خارج الجامعة الأستاذ محمد حسين وكان طبيعة العاملينشخصيات إدارية كإبراهيم الزعفراني وكان أميراً، وشخصيات دعوية تتحمل الدعوة العامةوكذا المجموعات الدراسية. وقبل أن أنتقل إلى بداية تأثير الإخوان علىالجماعة الإسلامية أحب أن أشير كيف تعرفنا على إخواننا بجامعة القاهرة وهم الدكتورعبد المنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان والدكتور محمد عبد اللطيف وقد تمبمعسكر عقد بكلية الهندسة بشبين الكوم لانتخاب رئيس اتحاد طلابالجمهورية. فتعرفنا على هؤلاء الإخوة الكرام ووجدنا أن ظروف نشأتهم ونشاطهمتشبه ظروفنا إلى حد كبير فحصل تآلف عجيب معهم وتواصل وتناصح وتناصر وكان المعسكرمهيأً لانتخاب شخصية معينة لها ولاء معين معروف في مثل هذه المعسكرات فقمنا بعملتكتل إسلامي وهددنا بترشيح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وكان كما أذكر رئيس اتحادطب القاهرة، المهم حصلنا على بعض المقاعد في اتحاد الجمهورية وإلى هذا الوقت لم يكنللإخوان أثر على الصحوة الإسلامية سواء بالإسكندرية أو القاهرة وكان ذلك سنة (1976) أو (1977) وكانت الصحوة تعمل تحت اسم الجماعة الإسلامية أما الاتجاه هو على الفطرةوالفطرة في اتجاهات الدعوة هي السلفية كما أن الإسلام هو دين الفطرة بالنسبةللشرائع المختلفة. لأن السلفية هي إتباع سلف الأمة وهم الصحابة ومن بعدهم منأهل القرون الخيرية الثلاثة الأول عدا أهل البدع الذين يرون ظلام الظلم نور واعتقادالحق ثبور وسيصلون سعيراً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولانصيراً: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاوَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108] وكان نشاط الدعوة يتمثل في المعسكرات السنوية حيث تم أكثر من معسكربمبنى اتحاد الجامعة أمام كلية الهندسة. وكان آخرها بأبي قير. وكذلك خروج رحلاتللعمرة يتفق عليها اتحاد الجامعة واشتراكات الطلاب، وكذا عمل الأيام الإسلاميةواعتكافات رمضان وطبع بعض الكتيبات باسم الجامعة الإسلامية كرسالة "يا قومنا أجيبواداعي الله" للشيخ محمد إسماعيل ورسالة "دقائق الأخبار في رقائق الأخيار" للعبدالفقير. وكانت أول رسالة بعنوان "العقل وثلاثة أسئلة" وكان من نشاط الدعوة أيضاً فيهذه المرحلة قوافل الدعوة على طريقة التبليغ داخل الجامعة.. والجدير بالذكر أن هذهالفترة لم يكن بها حرس جامعي وأراد الرئيس أنور السادات أن يضرب الاتجاه الشيوعيداخل الجامعة بالجماعة الإسلامية وبالفعل انتقل بعض اليساريين إلى صفوف الجماعةالإسلامية. وفي هذه الفترة كانت حادثة الفنية العسكرية كما أذكر سنة 75 وكانفيها عدد ليس بالقليل من الإسكندرية وكانت هذه أول تصفية فبعض من انضم إلى صفوفالجماعة الإسلامية حرصاً على دراسته وعلى دنياه حلق لحيته ومارس حياته بالجامعةكإنسان عادي حريص على العبادة وحرم من شرف الدعوة إلى الله عز وجل. كذلك حدث في هذهالفترة ظهور جماعة التكفير على يد شكري مصطفى وكان فتنة بالفعل حيث اغتر بفكرهوذكائه كثير من الناس وقتل الذهبي وزير الأوقاف المصري وكان ذلك ونحن في أحدالمعسكرات الإسلامية فخرجنا إلى المواصلات العامة ونحن نرتدي فانلة مكتوب عليهاالجامعة الإسلامية ندعو الله عز وجل ونتبرأ من جماعة التكفير وقتل الذهبي. حتى لاتستغل الفرصة لضرب الصحوة. وكان مؤسس هذه الجماعة الإسلامية بالجامعة الأخإبراهيم الزعفراني وكنت أقرب الناس إليه والمدرسة السلفية لم تولد بعد وتزامن تأثيرالإخوان على قيادات الجماعة الإدارية وميلاد المدرسة السلفية ففوجئنا بالإخوةالإداريين يطلبون الاستخارة للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وأذكر أنني قلتنحن نحب السلف وعلماء السلف وسوف نشتكيكم إلى الله عز وجل. وكان الشيخ محمدإسماعيل مسئولاً عن منطقة محرم بيه وكان بها الشيخ أبو إدريس محمد عبد الفتاح وكذاالشيخ سعيد عبد العظيم. وكان المرشد للإخوان في هذا الوقت غير معلن وهو الأستاذ عمرالتلمساني حيث جمع صفوف الإخوان بعد الأستاذ الهضيبي. وجدير بالذكر أيضاً أننا فينشاط الجامعة دعونا الأستاذ التلمساني لمحاضرة بمدرج كلية الطب وأنكر علينا بعضقيادات الإخوان ولعله الدكتور حتحوت وقال: إن عمر التلمساني لا يمثل الإخوان وقدأعلن بعد ذلك أن المرشد العام للإخوان المسلمين في ذلك الوقت. في هذا الوقتكنت أمارس الدعوة إلى الله عز وجل داخل الجامعة وخارجها وكنت أخطب في مساجدالإسكندرية بروح قوية بفضل الله عز وجل، وأذكر أن أول خطبة خطبتها كانت بمسجد أهاليالعصافرة وهو مسجد كبير لا يقل عن 400 متر وخطبت ساعة عن يوم القيامة وأبكيت الناسمع أنها كانت أول خطبة. أما عن حياتي الخاصة في هذه الفترة –وهي آخر فتراتالدراسة- فقد استأذنت أبواي في أن أسكن في غرفة عرضت عليهم بأنها بجوار مسجد السلامبأرض الحمرة بسيدي بشر القطار وكان باني المسجد عرض علي المسجد للخطابة فاشترطتعليه أن يتحول المسجد من البدعة إلى السنة فأذن لي في ذلك، فكنت أبيت في هذه الحجرةوأذهب إلى البيت كل يومين أو ثلاثة وكان ذلك يرضي والداي، حيث كانت الوالدة هادئةالطبع محبة للخير وكذا الوالد رحمه الله كان محب للإخوة مستعداً للترقي حتى ختم لهعمره في أحسن أحواله، واجتهدت في هذه الفترة في تعريف أهل المسجد معنى السنةوحذرتهم من البدع وصار هناك محبة وولاء شديد بيني وبينهم. وفي بعض الجُمعات أعلنتأن الأذان سيكون واحداً بعد ذلك وليس هناك قراءة قرآن قبل الأذان. وتقبل الناس ذلكبفضل الله وكانت مساجد السنة في الإسكندرية قليلة ونادرة، وكانت هذه الفترة من أحسنوأسعد فترات حياتي من حيث التفرغ للطاعة والعبادة ومخالطة من أحبهم من إخواني وكذاالرؤا الصالحة التي رأيتها في هذه الحجرة والتي رؤيت لي وأذكر من هذه الرؤا أن أحدشباب المسجد وكنت أكنيه أبو إسحاق رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه سلم دخلالمسجد وكنت نائماً بالحجرة وكنت في هذا الوقت مريضاَ فسلم عليَّ وجلس إلى جواريصلى الله عليه وسلم ثم جاءت سيارات نقل كبيرة تحمل لحماً وكوسة "دباء" ، فطبخالإخوة وخرجنا من الحجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل معنا رسول الله صلىالله عليه وسلم بالمسجد ووصف الأخ على صغر سنه وقلة علمه الرسول صلى الله عليه وسلمبما ثبت من صفته. وأعلنت هذه الرؤيا في حفل زواج الشيخ محمد بن إسماعيل بمسجدالسلام بإستانلي.. وطلبت أن يجتمع الأخوة في المسجد على الطعام كما حدثبالرؤيا وأخذ الإخوة يقولون أين جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجلسوا فيالمكان الذي جلس فيه إن جاز التعبير تبركاً وليس بجائز وحضر الأستاذ محمد حسينوغيره هذا الحفل.. وصلت في هذه الفترة إلى أحوال إيمانية طيبة فكنت أجلس فيمجالس العلم فإذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكيت وكنت أحس بشوق شديد إلىالقرآن كلما مكثت فترة دون تلاوته أجد ما يدفعني إليه وحفظت ما يقرب من ربع القرآنوأنا في هذه الفترة ولا أكتم أنني كذلك كنت أشتاق إلى رؤية الله عز وجل؛ وأذكر أننيخلال هذه الفترة عندما كنت أذهب من بيتي (بيت والدي) بالعصافرة إلى مسجدي بسيدي بشرالقطار كنت أحب القمر حباً شديداً وأستأنس بالنظر إليه وهو مكتمل ثم خشيت أن يكونفي ذلك حرج شرعي فكلما نظرت إلى القمر غضضت بصري خوفاً أن يكون في ذلك شيء منالعبادة ثم بدا لي في أحد الأيام أن القمر آية من آيات الله ولا حرج في النظر إليهوالاعتبار به ومحبته.. وفي نفس الليلة رأيت أن أسير أنا وأحد الإخوة الذينكانوا من أحب الناس إليَّ في هذه الفترة في طريق طويل متسع كنت أشير له إلى القمروأقول له إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فأحسست أن هذهالرؤيا تشير إلى جواز النظر إليه وتذكر رؤيته عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وسلمشبه الرؤية بالرؤية وليس المرأي بالمرأي. فقال صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكمعياناً كما ترون هذا –وأشار إلى القمر ليلة البدر- كما ترون هذا" كنت في هذهالفترة أحس بقرب شديد من الله عز وجل وأجد ذلك في حسن ظني بالله عز وجل وقبولدعائي. أذكر أن بعض الإخوة كان يبيت عندي بالمسجد وأردنا أن نقوم من الليل للصلاةفقلت لهم متى تريدون أن تقوموا فقال بعضهم: الواحدة والنصف، وقال بعضهم: الثانية،فقلت لهم: نقوم الثانية إلا الربع ودعوت الله أن يوقظني في الثانية إلا الربع وأناموقن بالإجابة، فاستيقظت بالفعل في الثانية إلا الربع وأيقظت الإخوان؛ ومن الطريفأني مرضت في بعض الأيام وكنت أحب أن أرى إخواني وأن يعودوني في مرضي ففكرت أنأخبرهم ثم قلت لو أخبرتهم لتكلفوا الحضور وركبوا المواصلات وكان في ذلك مشقة عليهمفدعوت الله عز وجل أن أراهم في المنام فرأيتهم في الليل وأنا في غاية السرور وذلكقبل الفجر وبعد الفجر قلت أنا لم أر أخي إبراهيم الزعفراني وفلان فدعوت الله أنأراهم فرأيتهم بعد صلاة الفجر وأنا أذكر ذلك تحدثاً بنعمة الله عز وجل ومن علاماتإيماني ومحبتي لله عز وجل في هذه الفترة وشدة محبتي لإخواني الذين أحبهم في الله عزوجل، فقد أحببت أحد إخواني من جيران المسجد وكنيته أبو سعيد وتأخر عليَّ مدة وأنافي شوق شديد إليه ولم يحضر حتى قرب إقامة صلاة الفجر فقلت بلساني أو بقلبي يا ربأرسل إليه ملكاً يوقظه ويأتي به إلى المسجد وبعد دقائق معدودة حضر الأخ إلى المسجدوأدركنا في صلاة الفجر فأخبرته بما حدث فقال: أنا بالفعل كأن أحداً يوقظني وأتى بيإلى المسجد وكان الأخ يعيش مع أمه فكانت إذا تأخرت أمه بعد ذلك يقول: يا رب أرسلإليها ملكاً يأتي بها. في هذه الفترة أيضاً رأيت رؤيا فيها تبشير بالشهادة وتأكدتهذه البشارة برؤا أخرى ورآني أخي الحبيب حامد الزعفراني في الجنة، وأنا أتحرج من قصهذه الرؤا إلا أنها رفعت محبتي للجنة والسعي إليها.. وحفظت قصيدة ابن القيم فيبداية حادي الأرواح وأطلق عليَّ الشيخ محمود عيد رحمه الله لقب عاشق الجنة من كثرةذكري لها وتذكيري بها. في هذه الفترة كذلك تعرفت على أحب الأخوة إلى قلبيوهو الدكتور عادل عبد الغفور.. وكانت بداية محبتي له ومعرفتي به رؤيا رأيتها فيحجرة مسجد السلام وتحقق ما رأيته.. رأيت كأنني أقول له: يا عادل أنا أحبك جداًوأتمنى ن تبقى معي في المسجد يومين، فقال لي في الرؤيا سوف أستأذن والدتي وأحضروكان إذن والدته من أصعب الأمور لأنها أسرة طيبة متدينة وكانت والدته وهي سيدةفاضلة كريمة حريصة عليه وعلى أخيه عماد ولكن بقدر الله عز وجل وافقت والدته وبقيمعي في المسجد يومين وتأكدت محبتنا في الله عز وجل. وأذكر أنني كنت عائداًمن الكلية وفي غاية الفرح لرؤية قميص أخي عادل الذي نساه بالحجرة وتجددت معانيكثيرة مما نقرأه في محبة السلف وإيثارهم وكلما امتد بنا العمر تزداد هذه المحبةبفضل الله عز وجل والشيخ عادل ممن يشهد له بالعلم والعمل نحسبه ممن يتقي الله عزوجل أسأل الله أن يديم محبتنا فيه وهو الآن من أفراد أهل العلمبالقاهرة. المهم هذه الفترة وهي نهاية الدراسة بالجامعة وكذا سنة الامتيازكانت مرحلة فاصلة في حياتي وإلى هذا الحد كان العمل ما يزال تحت اسم الجماعةالإسلامية والكل يعمل تحت هذه الراية ولكن العقيدة هي عقيدة السلف والذين يوجهونالفكر بالجماعة الإسلامية هم أعلم الناس بفكر ومنهجالسلف.. ثم كان من تقديرالله عز وجل أن بدأ الشيخ محمد بن إسماعيل في إنشاء المدرسة السلفية وذلك بعد أنرأى أنه تأهل للدعوة والتصدي لتعليم الناس وكانت بداية المدرسة السلفية درس عام يومالخميس في مسجد عمر بن الخطاب وذلك قبل أن يكتمل بناؤه وكانت هناك حلقة بمسجد عبادالرحمن ببوكلى صبح الجمعة وكان الحضور في هذه الحلقة لا يتجاوز العشرة أفراد ولميكن معنا أحد قادة الدعوة السلفية الآن وكان الشيخ محمد يحفظنا متن العقيدةالطحاوية وكذا تحفة الأطفال وكلفني بتدريس مدارج السالكين شرح منازل السائرين. ثمتوقفنا عن ذلك خشية ترويج مصطلحات الصوفية وكان ذلك قريباً من تأثير جماعة الإخوانعلى القيادات الحركية للجماعة الإسلامية. ثم لما طلبوا منا الاستخارةللانضمام إلى الإخوان رفض الشيخ محمد كما ذكرت الانضمام للإخوان المسلمين لأنالمرشد مجهول وكان معه إخوة محرم بيه.. وهددوا الشيخ بالتشهير بهم على المنابروالتضييق عليهم، فلم يخضع لهذا التهديد واستمر في دعوته.. في هذه الأثناءدخلت الجيش ولي فيه قصة قد يطول شرحها ولكن أرجو أن يكون في ذلك عبرة وعظة وأسألالله أن يرزقني حسن النية في عرضها وأن يكون ذلك بقصد الفائدة لا فخراًورياءاً. ذهبت إلى القاهرة (حلمية الزيتون) لتقديم أوراقي للجيش، وكنت أظنأنني سوف أقدم أوراقي وأعود ولكن الحال كان على عكس ذلك حيث قسم الحاضرون إلى منسيجند عسكري ومن يرشح لضباط الاحتياط، وكنت قد قلت في نفسي إن رشحت لضباط الاحتياطفلن أحلق لحيتي قولاً واحداً، وإن رشحت جندياً كان في المسألة قولان وأستخير اللهعز وجل أحلق أو لا أحلق. فقدر الله عز وجل أنني رشحت لضباط الاحتياط لأنالكليات العملية خاصة طب وهندسة يرشحون للاحتياط فقلت لمسجل الكلية أنا لن أحلقلحيتي. فرفض أن يحولني إلى جندي، وقال أنتم تحبون السجن وكانت سيارات الكلية واقفةفتم نقلنا إلى كلية الاحتياط بفايد دون أن نخبر أهلنا أننا ذاهبون إلى الكلية؛وذهبت إلى كلية الاحتياط بالزي الرسمي للجماعة الإسلامية أقصد القميص والغطرة؛ وبتليلة واحدة بعنبر الطلبة وأحسست بالاختناق في هذا الجو الذي لم أتعود عليه حتى أننيكنت أعيش بالمسجد وأخالط إخواني وأستمع للقرآن وأشتغل بطلب العلم والحرص على سلامةقلبي ولكن بحمد الله لم تكرر هذه الليلة التي بتها في عنبر الطلبة بكليةالاحتياط. وفي الصباح وبعد صلاة الفجر جلست على سرير وكان في الدور الأولأقرأ القرآن فأتى الشاويش المسئول. عن العنبر يقول هيا للطابور فقلت له: أنا رافضالجيش من أوله إلى آخره ورفضت الخروج معه. فذهب من أجل أن يبلغ المسئولين وأتانيأحد الطلبة الذين في الدفعة السابقة لدفعتنا رقم (44) وأخبرني في دفعتهم (43) أخرفض حلق اللحية وهو الآن بالسجن المركزي وإن شئت أن تذهب إليه فهيا بنا. فقلت له: نعم نذهب إليه. وكان هذا الأخ يسمى رفعت وقد حكم عليه بخمسة أشهر وكان منجماعة التبليغ والدعوة ومن أقرب الناس إلى الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله أميرالجماعة ولم يكن للكلية أسوار حتى نعلوها وذهبنا إلى السجن المركزي بفايد وخرجإلينا الشيخ رفعت وكان وسيماً جميلاً والنور يشع من وجهه وهو متعمم عمامة لطيفةفسلم علينا وقال له رفيقي: الأخ أحمد فريد من الدفعة الجديدة وهو يرفض حلق اللحيةويطلب منك النصيحة. فنصحني حفظه الله عدة نصائح أغلى من الدنيا وما فيها، فقاللي: & إن أمرك أحد المسلمين بأمر فإن كان معصية فلا تطيعه فلا طاعةلمخلوق في معصية الخالق، وإذا أمرك من ليس بمسلم فلا تطيعه على كل حال خالفواالمشركين. & والنصيحة الثانية: قال: لا تفتر عن ذكر الله عز وجل فإنالله عز وجل لما أرسل هارون وموسى إلى فرعون قال (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَبِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) [طه: 42]، فالذكر يقوي القلب على مواجهةالشدائد والدخول على الظالمين. & والنصيحة الثالثة: قال لي إذا كلمك فلاتنظر إليه لأن النظر إلى وجه الفسقة يقسي القلب ولا تناقشه في كلامه بل دعه يقل ماعنده ثم بلغه دعوتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه أبو الوليد بمكة أنيجمعوا له من المال حتى يكون أكثرهم مالاً وأن يملكوه عليهم لم يناقشه ولكنه قالله: أفرغت يا أبا الوليد؟ فاسمع مني ثم تلا عليه القرآن. خرجت من هذهالمقابلة وأنا أشد عزماً وتصميماً على المواصلة والثبات على الحق وعدت إلى كليةالاحتياط فرأيتهم قد حلقوا لهم رؤوسهم وصرفوا لهم الملابس العسكرية فكانوا يلبسونهاقبل أن تفصل عليهم وكانوا في طابور الميز (يعني المطعم) لطعام الغذاء. وأتىالشاويش الذي كلمني في الصباح وقد تعب في البحث عني وقال: أين كنت؟ وعلمت أنه ليسعلى ملتنا، فقلت: أنت بالذات لا تكلمني. فأخبر أحد الضباط بخبري فقال له: يقف في الطابور. ووقفت في الطابور وأنا أرتدي القميص وقد صنع لي الشيخ رفعت منالغطرة عمامة لطيفة ثم حدثت مشادة كلامية مع أحد الضباط ذهبت على إثرها إلى سجنالكلية وكان في الواقع أحسن مكان بالكلية لأنه بجوار المسجد وهو فارغ تماماً وأمكنفيه من قراءة القرآن وكتب العلم وصار سجن الكلية هو خلوتي كما قال شيخ الإسلام ابنتيمية: إن سجني خلوة.. وكنت أصلي بالناس إماماً وأعطي دروس بالمسجد يحضرهامن فيه خير من ضباط الكلية وأخطب الجمعة أحياناً فمكثت في سجن الكلية حتى تشكلتمحكمة عسكرية ممن يحضر دروس في المسجد خوفاً علي من تشديد العقوبة وحكموا علي بشهرواحد والمحزن أنني سجنت بسجن الوحدة وليس سجن الطلبة المجاور للمسجد وابتليتبمخالطة المسجونين حيث شرب السجائر وسماع الغناء فلم يكن سجني في هذه المرة خلوةكما قال شيخ الإسلام بل ما كنت أجد مكاناً أقوم فيه بالليل.. وبدأوا معيمساومات حتى أوافق على حلق اللحية وأتاني طبيب الكلية وعرض علي إذا وافقت علىمبادرته أن يكون سكني بالعيادة وأن أكشف على إخواني الطلاب وبذلك لا أقف في الطابوروأحيي العلم والضباط فوافقت على ذلك وتم إلغاء السجن بعد أسبوع أو أكثر وانتقلت إلىالعيادة وكنت أعامل قريباً من معاملة الضباط الأطباء وأسكن معهم. ولكن نفسيلم تطاوعني إلى حلق اللحية مرة ثانية فأعفيت لحيتي وقدر الله عز وجل أن يتغير مديرالكلية ويعين لواء جديد للكلية فأهمهم كيف يعرضون عليه مشكلتي وأنا قد تركت اللحيةأكثر من ثلاثة أسابيع. وقبل أن أدخل عليه دخلت على من دونه من الرتب وكانوا يرغبونيتارة ويهددوني تارة أخرى ويقولون بحمية وعصبية القوانين العسكرية والنظم العسكريةفأقول لهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًايُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِوَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَلِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) [البقرة: 165] فيقولون نحن لسنا كفاراً، فأقول أنا لا أكفركم ولكنها الغيرة على الشرعكلما وجدت غيرتهم على القوانين العسكرية. وأخيراً أدخلت على اللواء مديرالكلية وهو يرفع جهاز التسجيل بالقرآن وعرض عليَّ حلق اللحية فرفضت وتلوت عليه أدلةالتحريم فحولني إلى نائب الأحكام لإعادة محاكمتي فحكم عليَّ بستة أشهر لمخالفةالأمر العسكري بحلق اللحية وتم إعادة الشهر الذي أوقف تنفيذه فصارت لمدة سبعة أشهرقضيت جزءاً منها قبل إجراء تحويلي إلى السجن المركزي في سجن الطلبة حيثالخلوةوممارسة الدعوة مع الذين يمن الله عليهم بالسجن.. وكان الوقت شتاءاً فكنت أخرجبالبالطو والغطرة وأرى إخواني وهم في البرد القارص بالشورتات وبلغ من فتنة بعضهمممن كان من الجماعة الإسلامية قبل دخوله الجيش أنه ترك الصلاة. وقد تعجبتكيف دخل الإخوة هذه الكلية وفيها ما فيها وتخرجوا ضباط وكيف سمح لهم إيمانهم بذلك؟! وأحببت أن أترك بالكلية كلمة حق تتوارثها الأجيال وتشهد لي يوم يقوم الأشهاد فقلتفي نفسي الجيش كله ظلم.. ظلم النفس وظلم العباد والظلم والظلم هو أظلم الظلم الشركبالله عز وجل فجهزت خطبة في تفسير الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسيوجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا". وقلت في خلال خطبتي ما ظنكم برسول اللهصلى الله عليه وسلم لو أتى فرأى أمته يلتفون حول خشبة في آخرها خرقة يعظمونها مندون الله عز وجل، ما ظنكم برسول الله صلى الله عليه وسلم لو أتى فرأى أمته يعظمبعضها بعضاً وكان قد دخل على أصحابه فقاموا فقال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجمملوكها وقلت لهم: تقولون الجيش يربي الرجال وتأمرون بحلق اللحية والتشبهبالنساء؟! وكان الأولى بكم أن تقولوا الجيش يربي الرجال وتأمرون من يحلقلحيته بإعفاء اللحية لأن الجيش يربي الرجال؟! فقلت ما في نفسي في خطبةالوداع وبعد إقامة الصلاة قلت: كل أخ يلبس باريه: (ما يوضع على الرأس) فيه صنم (النسر) يداريه فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة وصليت بهم الجمعة، وقدقامت القيامة بالكلية فمن موافق ومشجع لما قلت ومن خائف وعلى كل حال حصل المقصود منإقامة الحجة وترك كلمة الحق بالكلية. ومن رحمة الله بي أنه كان يجعلي دائماً مخرجاًويضيق عليهم كما وعد عز وجل (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُبِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَيَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2] فكان من الممكن أن يحكم علي بمددمتطاولة بسبب ما قلت والمخرج أنني كنت في هذه الفترة مسجونناً فكيف خرجت من السجنوكيف ارتقيت المنبر منبر التوجيه وأنا مخالف للقواعد العسكرية. وأنا والحمدلله في رعاية الله وحفظه أنتقل من خير إلى خير ومن سعادة إلى سعادة فجهزت للانتقالمن الكلية إلى السجن المركزي بفايد وكانت هذه المنطقة كأنها فتحت فتحاً إسلامياًبدعوة أخي الشيخ رفعت فكان أول من سن هذه السنة الحسنة وكان قائد المحطة العسكريةتاركاً للصلاة وكان يسب دين الله والعياذ بالله فلما رأى رجلاً يترك زوجته وأولادهويرضى بالسجن لأنه يرفض حلق اللحية بكى على نفسه وكان ثبات الشيخ رفعت سبباً فيهدايته. وقدم طلب إلى إدارة التوجيه المعنوي بتعيين الشيخ رفعت في التوجيه المعنويلمحطة فايد العسكرية ومن حسن تقدير الله عز وجل أن اليوم الذي حولت فيه إلى سجنفايد المركزي هو نفس اليوم الذي عاد فيه الشيخ رفعت من إجازة ثلاثة أسابيع بعدإنهاء سجنه وتعيينه بالتوجيه المعنوي بالمحطة العسكرية. والتقيت معه ومع العقيد عبدالفتاح بمسجد المحطة الذي بناه العقيد بعد هدايته على يد الشيخ رفعت وصار مناراًللدعوة بالمنطقة؛ وقبل أن أحول إلى السجن المركزي أرسلت إدارة الكلية إلى العقيدوأخبروه بأنني ضربت الضابط وأنني لست طيباً كالشيخ رفعت. يقول العقيد بمجردأن رأيتك علمت أن كلامهم كذب، والتقيت به في صلاة المغرب وقابلني مقابلة هي ثمرةمقابلته السابقة بإدارة الكلية، وقال له الشيخ رفعت هناك نساء تبكي وأطفال. يقولالعقيد عبد الفتاح وأنا أصلي أقول لنفسي هذا رجل ترك أهله ودخل السجن من أجل سنةالنبي صلى الله عليه وسلم فانظر ماذا تفعل يا عبد الفتاح، وبعد الصلاة مباشرة بشرنيبأنه سوف يعطيني حجرة الشيخ رفعت ويعاملني كما كان يعامله؛ وهي حجرة بالسجن المركزيبنيت خصيصاً للشيخ رفعت. كان معه مفتحها فهو يغلقها من الخارج، وبالفعل استلمتالغرفة المذكورة، وصمم الشيخ رفعت على أن يدخل معي السجن مع أنه عين رسمياً واعظاًبالمنطقة العسكرية، وقالوا له أن يسكن في الفيلا فيقول حفظه الله: أخي أحمد في فترةبلاء وتنزل عليه رحمات من السماء فأحب أن أكون معه. وجهزت الغرفة بسريرينوكان بها مصباح كهربائي مع أن ذلك من الممنوعات في السجون في هذه الفترة سواء كانتحربية أو مدنية، وقضيت أنا والشيخ رفعت قريب من شهر ونصف فكنت أصلي الفجر بالمسجدأنا والشيخ رفعت، وكنت أصلي بهم إماماً؛ وكان العقيد عبد الفتاح يقول للصولات كلصول يعطيني تماماً بالعساكر الذين معه في صلاة الفجر، وكنا بعد شروق الشمس نركبإحدى السيارات التابعة للمحطة للإفطار بفيلا كبار الزوار على البحيرات المرة بفايدوكنت أمارس الدعوة فأعطهم موعظة قبل التأمين (دخول الزنازين) وأعلمهم الصلاة، وكانالعقيد يقول: الأخ أحمد فريد أقدم واحد يصلي فينا؛ كلامه أوامر.. سبحان الله مسجونكلامه أوامر –كما قال بعضهم-: )أعز أمر الله حيثما كنت، يعزك الله حيث ماكنت)في هذه الفترة كانت الثورة الخمينية، وكان كارتر رئيس أمريكا يزور مصر،وقال السادات كلمته المشهورة لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وكانتالمظاهرات بالجامعات المصرية وما لنا نصيب من هذه الأحداث العالمية والمحلية ففوجئتبالشيخ رفعت تم إعادته إلى القاهرة وإعادة محاكمته، وحكم عليه بتسعة أشهر.. وطلبمني حلق اللحية ولبس ملابس السجن الحربي (العفريته الزرقاء) فرفضت وحضرت المخابراتالعسكرية في حجرة قائد المحطة وعرضت عليَّ في حضور ضابط المخابرات، وطلب مني حلقاللحية أو يؤمر بإعادة محاكمتي فقلت له: موافق على إعادة محاكمتي مرة ثانية وثالثةورابعة وليس وراءنا شيء إلا دين الله عز وجل.. وبالفعل ذهبت إلى المكان الذي سوفأحاكم فيه ويبدوا أن نائب الأحكام أخبرهم أنه لا يجوز محاكمتي لأنني في فترة قضاءعقوبة على أمر معين ولم تنته الفترة بعد، فأعدت إلى غرفتي بالسجن المركزي وفوجئتبأنهم أخذوا المرتبة وكذا المصباح الكهربائي ومنعوني من الخروج، إلا أن العقيد الذيتحرك قلبه بالإيمان كان يوصي بأن الطعام يأتيني من مطعم الضباط، ويوصيهم في السر أنلا يعاملوني معاملة سيئة. وتأخر العقيد عن زيارتي كثيراً خوفاً من رصدالمخابرات حتى انتهز فرصة وزارني في السجن فلم ير المرتبة ولا المصباح فقلت له: يأخذون كل شيء حتى البطاطين وسوف أنام على الرمل. ولكن ديني لن يأخذوا منهشعرة واحدة، وكان العقيد يحبني إلا أنه كانت محبته للشيخ رفعت أكثر مني لأنه كانسبب هدايته، فبكى وقال: هل سفر الشيخ رفعت هين عليّ. وقلت له أنا في أسعد فتراتحياتي أنا كلما نمت رأيت رؤيا صالحة.. وأشار أن يعيد الكهرباء والمرتبةفرفضت. وكنت أحفظ حزباً من القرآن في كل صباح في أقل من ساعة وأراجعه قبلغروب الشمس وأصلي به في الليل وحفظت في هذه الفترة والتي بعدها ثلث القرآن تقريباً. بقيت عدة أيام بالسجن المركزي ثم أتى أمر بنقلي إلى السجن الحربي وهو أكبر من السجنالمركزي؛ حيث يقضي فيه العسكر الذين حكم عليهم بأكثر من ستة أشهر؛ والمركزي لستةأشهر فما دونها. وبالفعل نقلت إلى السجن الحربي، وكان الذي استقبلني بالسجنالحربي قائد ثاني السجن، وكان نقيباً؛ وكان يراني كثيراً مع العقيد عبد الفتاحويعلم أنني متخصص في الرقائق وذكر الجنة والنار. فقال لي: لن أكلمك عن اللحية ولكنالسجن له نظام فلابد من لبس ملابس السجن. فقلت له ببراءة الفطرة: هل أناسارق؟! أنا مسجون في طاعة الله عز وجل واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فأنا فيطاعة وهذا اللبس لبس ذلة ومهانة والذي يكون في طاعة لا يناسبه لبس الذلة والمهانة. وكان يكلمني تارة ويتصل بقيادة الجيش الثاني تارة. وأنا أقول له وأسمعه (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْكَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْأَجْمَعِينَ) [النمل: 50-51] وصرح لي بعد ذلك أن قائد الجيش الثاني كانيأمره أن ينزع قميصي ويمزقه فلا أجد إلا ملابس السجن فأضطر إلى لبسها وكنت على يقينأنهم يمكرون لي لكنني كنت على يقين أيضاً بأن الله عز وجل يمكر بهم، وكانوا إذاهددوني بأن يحلقوا لي بالقوة أقول لهم أقسم بالله من أراد أن يحلق بالقوة فسوفأقاتله إن قتلني دخلت الجنة وإن قتلته دخل النار فكانوا يفهمون من قولي أقاتله أننيأقتله، فقالوا: الشيخ قال إللي يقرب مني أقتله. فتركتهم على هذا الفهم من باب كتمانالعلم للمصلحة؛ المهم قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب فلم يمسوني بسوء؛ وفرغوا ليالتأديب داخل السجن الحربي؛ وكان عبارة عن خمسة غرف كل غرفة متر إلا ربع تقريباً فيطول مترين، وأمام الخمس غرف فسحة وهي مغلقة بشباكه حديد فوضعت فراش في غرفة والطعامفي غرفة وقلت لهم هذه الفيلا لو أخذتم إيجار تأخذون مبلغاً وقدره. والعجيبأنهم كانوا كل صباح يفتحون باب الفيلا ويأتي العساكر من أجل تنظيف الفيلا ورش الماءوتنفيض البطاطين ولم يطلبوا مني أن لا أكلم المساجين ولكنهم طلبوا من المساجين ألايكلموني فكانوا يأتون أمام الفيلا وأذكرهم بالله عز وجل وأقول لهم اسمعوا شيئاًفإذا رأيتم أحداً فانصرفوا. ثم حضر القائد الأول للسجن الحربي وكان برتبةرائد فأخبر بحضوري فأتى وهم يأمنون السجن قبل المغرب وقال لي: لماذا لم تلبس ملابسالسجن؟ فقلت: أنا محكوم علي بسبعة أشهر على اللحية والملابس فلا تكلمني في هذينالأمرين إن شئت أن تتكلم في أمور أخرى نتكلم فكأنه هدد بأن يحلق لي بالقوة فأقسمتبالله بأنني سوف أقاتل من يريد أن يحلق لي بالقوة فقال لي صول الأمن وكان واقفاًاعمل معروف ما تمتش هنا. ثم طلب قائد السجن أن أعرضعليه بمكتبه بعد تأمينالسجن فقلت له ليس من حقك إخراجي بعد التأمين. فقال: أنت تعرفالقانون. المهم أخرجوني بعد الغروب وبعد تأمين السجن وأدخلت عليه في مكتبه: السلام عليكم، قال: سلام على من اتبع الهدى، ثم أخرج لي تفسير ابن كثير من مكتبهوقال: تعرف هذا، قلت: نعم تفسير ابن كثير. وأخرج معارج القبول كما أذكر: وقال لي هل قرأت حديث حذيفة في فتح الباري. قلت نعم. قال: تعرف عبد الحميدالشاذلي وهو صاحب حد الإسلام وهو شيخ بدعة التوقف والتبين بالإسكندرية. وبعدهذه المقابلة العجيبة طلب مني أن ألبس ملابس السجن أو يعرفني على العميد الرحانيبقيادة الجيش الثاني. وقال لي سوف أعطيك مهلة للصباح. فقلت: أنا أوفر عليك المهلةوأعرض من الآن. فقال: لا سوف أعطيك مهلة وأرسلني إلى فيلتي وخلوتي وقمت الليلةوتفكرت في الحوار الذي دار بيننا قبل التهديد واستخرت الله عز وجل بأنني سوف أبلغعنه أنه من جماعة التكفير وأنه يستحل دماءهم ونمت على ذلك. وبعد صلاة الفجرومع شروق الشمس فوجئت باثنين يحملان بدلة السجن الزرقاء ويفتحان علي الفيلا ويقولاننحن نقسم بالله أننا نوافق أن نلبس-هذه الملابس ولا تلبسها أنت. وذلك لحبهم لدينهم. ولكن الرائد أمرنا أن نحضر هذه الملابس لك لتلبسها فقلت لهم بكل قوة أعيدوا له هذهالملابس وقولوا له الشيخ أحمد متظلم منك ويطلب العرض على قائد المحطة العسكرية أوعقيد المخابرات. قلت لهم أنا سوف أبلغ عنه بطريقتي الخاصة أنه تكفير يستحلدماءهم ولن يعود إلى بيته بل يذهب إلى المدعي العسكري فقال لي: كيف طريقتك الخاصةفقلت لهم: وهل أخبركم بطريقتي الخاصة؟!. فذهبا إلى الرائد وأخبراه بما قلتفأتى الرائد بنفسه وقال يا شيخ أحمد مادمت ترفض لبس السجن خلاص. فقلت له أنتأهنتني وأنا متظلم منك وأطلب العرض على قائد المحطة العسكرية أو عقيد المخابرات وهويخشى من هذا الطلب حتى لا أبلغ عنه أنه تكفير. فقال: يا شيخ أحمد أنت لاترضى بالضرر. فقال لي: طالما أنت عندنا فسوف نعاملك أحسن معاملة ونلبي كل طلباتك. فقلت له وتعد أنك تسعى في خروجي من هذا المكان في أول فرصة قال: إن شاء الله.. وتمالاتفاق على ذلك وصار الرائد يومياً يمر علي في الفيلا ويقول: يا شيخ أحمد تريدشيئاً أقول له: جزاك الله خيراً. ومر يوم ولم يمر علي الرائد فقلت للشاويش أينالرائد لماذا لم يمر علي هذا اليوم يبدوا أنه أبلغه فمر في اليوم الثاني واعتذر إليأنه لم يمر بالأمس لأنه كان مريضاً –كان عنده إسهال- نسأل الله العافية والسلامة منالذل والمهانة. (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْكُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139] أمضيت من مدة العقوبة أربعة أشهرونصف وكانت هناك مناسبة استلام العريش فصدر قرار جمهوري بالعفو نصف المدة والعجيببأن العفو لمن كان حسن السير والسلوك في السجن أما المخالف فلا يشمله العفو.. ولكنلأن الرائد يريد التخلص مني في أقرب وقت كنت أول مسجون ينادى عليه بالعفو في السجنالحربي؛ وخوفاً من اتصالي بأي مسئول أخذني الرائد بنفسه وسلمني إلى كلية الاحتياطلأنها وحدتي الأساسية فدخلتها دخول الفاتحين واحتفل المساعدون بحضوري وقضيت ليلة أوليلتين بالكلية ورآني مسجل الكلية وأنا بكامل عافيتي بلحيتي وقميصي وغطرتي فقال: أتيت كذلك من السجن من خمسة أشهر؟!!! فقلت: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِالَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38] قال يدافع عنك ويسخطني ) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْقَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْشَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) [يوسف: 77]، فقلت: آمين. ثم أراد نقلي إلى الخدمات الطبية بالقاهرة وكان سيصحبني في هذه الرحلةصول التوجيه المعنوي وكان يحبني محبة شديدة وطلب من أحد العساكر أن يسافر معنا منأجل أن يحمل المخلة فقلت له: أنا كنت أحمل هم الجيش من أجل هذه المخلة لا أستطيعحملها. فقال: انظر كيف يفعل الله عز وجل بعباده المؤمنين وبالفعل تم تسليمي إلىالخدمات الطبية بكوبري القبة بالقاهرة وبدأت فترة جديدة من الامتحان والله يتولانيفي كل مكان ويجعل لي من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً فسمحوا لي بالجلوس والمبيتبالمسجد بدل السجن فكنت أصلي بهم وأجلس أقرأ القرآن وأراجعه ويأتي الطعام والزياراتمن الأخوة بالقاهرة وكان بجوار وحدتي وحدة لنقل الدم فكنت أبيت معهم وأجعل الفائضمن الطعام في الثلاجات الضخمة بسيارات نقل الدم. وعرضت على المحكمة العسكريةبحسب ذاكرتي بالعباسية،
الشيخ الدكتور أحمدفريد يروي قصة التزامه المنهج السلفي واعتقاله داخل الجيش و طرده منه وتاريخ الدعوة السلفية في الاسكندرية ولدت في شهر يوليو سنة اثنين وخمسين وغالب ظني في تحديد اليوم أنه يوم الثورة أو قبلها بيوم أو يومين أو بعدها كذلك، وذلك بمدينة منيا القمح ووالدي رحمه الله كان يعمل بإحدى الدوائر التابعة للأمراء وذلك قبل قانون الإصلاح الزراعي ثم عين كغيره ممن كان يعمل بهذه الدوائر موظفاً في الإصلاح الزراعي، ووالدتي رحمهاالله لم تكن تعمل وكانت بنت أحد التجار بالقاهرة، وكان والدي يعمل موظف عنده قبل أن يتزوج والدتي. كان والدي رحمه الله رجلاً صلاحاً محافظاً على الصلاة في المسجد وقيام الليل وكان يختم القرآن كل أسبوع تقريباً، وكان محبوباً بين جيرانه وأصدقائه وتردد على مكة لأداء العمرة عدة سنوات ومات على أحسن أحواله بعد أن أطلق لحيته. والوالدة رحمها الله كانت طيبة السيرة والسريرة محافظة على الصلاةهادئة الطباع محبة للخير وفقت لأداء فريضة الحج في آخر سنة من عمرها وطلبت مني أن أصحبها إلى العمرة كل عام في رمضان ولكنها لم يدركها رمضان لأنها بعد عودتها من الحج بشهر أو شهرين أصابها داء السرطان وتوفيت في أقل من شهرين بداء البطن فأرجو أن تكون شهيدة وقد رأيتها في المنام في حالة طيبة وكذلك والدي رحمهما الله وجميع أموات المسلمين. وقد أخبرت بأنني أصابني مرض في الصغر أوشكت منه على الهلاك وكان في هذا العام خروج والدي إلى الحج وودعني على أنني سوف أموت وهو في رحلة الحج فرزقني الله عز وجل العافية ثم انتقلت تبعاً لوالدي رحمه الله في بعض البلاد ثم أقمت بمدينة السنبلاوين بمحافظة الدقهلية فأمضيت بها دراستي حتى الثانوية العامة ثم التحقت بكلية طب المنصورة فأمضيت بها السنة التمهيدية (إعدادي طب) وخلال هذه المدة من حياتي كنت بحمد الله مستقيماً محافظاً على الصلاة أحس بعاطفة دينية وكنت أتطلع كما يتطلع كثير من الناس إلى تحقيق المجد فكنت أفكر في حياتي وما أتمناه لنفسي وماكانت لي رغبة قوية في مجد دنيوي فلم أكن أتمنى أن أكون طبيباً مشهوراً أو مهندساً ناجحاً أو أديباً ولكن الأمل الذي كان يراودني في الصبا أن أكون خطيباً في المساجد فكنت أرى أرفع الناس منزلة هذا الخطيب الذي ينتظره الناس حين يصعد درجات المنبر و يذكر الناس بالله عز وجل. ولم أكن أعرف عند ذلك قول سفيان: أشرف الناس منزلة من كان بين الله وبين عباده وهم الأنبياء والعلماء، فكنت أخرج من خطبة الجمعة بشحنة إيمانية قوية استمر عليها أياماً. وكنت أجد رقة طبيعية في قلبي فإذاسمعت طفلاً يبكي أكاد أبكي لبكائه، وكنت بحمد الله باراً بوالدي محبوباً من أصدقائي وأقاربي وأذكر أنني يوماً ذهبت إلى أحد أصدقائي في المرحلة فلم أجده، فقالت له أختهالصغيرة: (صاحبك أبو وش سمح سأل عنك) ولله الحمد والمنة. وبعد أن قضيت السنةالتمهيدية بطب المنصورة انتقلت تبعاً لوالدي وأسرتي إلى الإسكندرية والتحقت بطبالإسكندرية وذلك في بداية السبعينيات. وتعرفت في هذه الفترة على إخواني في اللهالذين بدأو الدعوة إلى الله عز وجل بالجامعة. وكان سبب ذلك أن كتب أحد طلاب الكلية الذين يسبقوننا على سبورة المدرج من أراد أن ينضم إلى الجماعة الدينية فعليه أن يذهب إلى جمعية الشبان المسلمين بالشاطئ يوم كذا بعد صلاة كذا، فذهبت إلى الجمعية والتقيت بهم، وكان على رأسهم أخي الحبيب الدكتور إبراهيم الزعفراني، ثم كثرت اللقاءات بيننا بالكلية وخاصة إبراهيم الزعفراني حيث كان معي في نفس المجموعة للقرب بين أحمد وإبراهيم واشتراكهم في حرف الألف، وكان الدكتور إبراهيم ذو لحية طيبة وكان من أسرة طيبة، يغلب عليه التمسك بالسنة، وكان يرتدي ملاب س تشبه ملابسالباكستانيين، وترددت عليه كثيراً في بيته، وصارت بيننا صداقة وأخوة ومحبة، وبدأنا سوياً طريق الدعوة، وكانت هذه بداية الصحوة بالنسبة لنا، وكذا بجامعة الإسكندرية،وبدأ النشاط بالجامعة بعد تكوين الجماعة الإسلامية التي كانت في الظاهر خاصة بالجامعة وفي الواقع ممتدة إلى خارج الجامعة. ثم في السنة الأخيرة في كلية الطب رشحت لاتحاد طلاب الجامعة لجنة خدمة الطلاب ورشح أخي إبراهيم في اللجنة الثقافية ثم تم ترشيحنا أيضاً للجنة العليا لطلاب الجامعة. وكان من لجنة نشاط خدمةالطلاب أنني استأجرت أتوبيساً من هيئة النقل العام لنقل طالبات الكلية وكنت أعطي موعظة قبل نزول الطلبات من الأتوبيس وأحضهم على الصدقة والبذل في الدعوة فكان من وراء ذلك خير كثير بحمد الله وأعطي دروساً بالمدرج قبل دخول المحاضرين وكذا درس للنساء ودروس بمسجد الكلية وغرفة الجماعة الإسلامية حيث أننا تمكنا بفضل الله عزوجل من الاستيلاء على غرفة التمثيل والموسيقى بالكلية وتحويلها إلى مسجد وغرفة للجماعة الإسلامية. وكان أول مؤتمر تم بمبنى اتحاد الجامعة رداً على بعض المضايقات للجامعة بكلية الطب، وتكلم فيه بعض الإخوة وعلى رأسهم الدكتور إبراهيم الزعفراني وألقيت قرارات المؤتمر وكانت الجماعة الإسلامية حديث جديد وكأنه مولود جديد الكل خرج به محتفل وكان أول عمل بعد أن نجحنا في الانتخابات هو إنشاء جماعةإسلامية بكل كلية من كليات جامعة الإسكندرية. وفي هذه الأثناء تعرفنا على الشيخ محمد بن إسماعيل وكان في السنة الثالثة أو الرابعة وكان الشيخ محمد نابهاً من صغره حريصاً على طلب العلم إلا أنه لم يبدأ الدعوة حتى وصل إلى مرحلة معينة من العلم. وكنت دونه في العلم والعمل ولكنني كنت قد بدأت الدعوة إلى الله عزوجل بعاطفتي الإسلامية وبضاعتي المزجاة من العلم ويكفي في إثبات هذه العاطفة شهادةأحد أعداء الدعوة في هذا الوقت وهو الأستاذ صبري نور رحمه الله فقد كان في هذاالوقت يخالف الجماعة الإسلامية في الفكر ويميل إلى فكر التكفير وأرجو أن يكون رجع عن ذلك فقد رأيته في مساجد الدعوة قبل وفاته بقليل واستقبلني استقبالاً حسناً. فقال في هذه الأثناء: الأخ أحمد فريد قلبه ينبض بحب الإسلام والحمد لله الواحدالعلام. وبعد أن نجحت الجماعة الإسلامية في الحصول على جميع اللجان في اتحادكلية طب الإسكندرية نما إلى علمنا أن عميد الكلية قد ألغى الاتحاد وهو بصدد تعيين أمراء جدد نتيجة لضغوط معينة معروفة فصمم الإخوة على عمل مؤتمر بساحة كلية الطب،وعلق الميكرفون فوق حجرة الجماعة ونزل عميد الكلية وحاشيته لإنزال الميكرفون وإلغاءالمؤتمر فوقفت له تحت الميكرفون وصممت على أن الميكرفون لن يزال، وكنت في هذا اليوم في غاية الشدة وكان أخي إبراهيم في غاية اللين، عكس طبيعتنا في غير هذا الموقف،المهم لم ينزع الميكرفون وبدأ المؤتمر وكنت آخر المتكلمين وأذكر أنني قلت في خطبتي: "نحن نعلم مستقبلنا جيداً مستقبلنا بين جدران الزنازين وعلى خشبات المشانق أما مستقبلهم.. وتلوت خواتيم سورة إبراهيم (وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَيَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىأَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواأَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَاتَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُوانْتِقَامٍ (47) يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (49) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (50) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (51) هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52)). لقد اشتقنا إلى إخواننا الشهداء اشتقنا إلى سيد الشهداء حمزة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وحسن البنا وصالح سريه وكارم الأناضولي. وارتجت الكلية رجة عنيفة وكنت أرى الطالبات المتبرجات يبكين وكذاإخواننا في الجماعة الإسلامية، وقد هزت كلمتي حتى عميد الكلية فأعاد الإتحادالمنتخب مرة ثانية وأرسل إلينا يقول: اعتبروني واحد منكم، وانضم في هذا الوقت كثيرمن الطلاب إلى الجماعة الإسلامية لما وجدوا من هذه الروح. وكان أعداء الجماعة يتهمونها بأنها تحرك عواطف الناس وبذلك ينجحون في الانتخابات والله الموفق رب الأرض والسماوات. وعاشت الجماعة الإسلامية أزهى عصورها في الجامعة وخارج الجامعة وأقيمت المعسكرات الإسلامية وكانت من اتحاد الجامعة واشتراكات الطلاب، وكان ذلك قبلخروج الإخوان من السجون فكان الذي يضع برنامج المعسكرات الشيخ محمد بن إسماعيل، فقدكان ومازال أعلمنا ونحسبه أتقانا لله عز وجل، ولم يكن ظهر اسم السلفية وكذا لم يكنهناك تواجد لمنهج الإخوان، فكان العمل تحت اسم الجماعة الإسلامية، ولكن الكتب التينَدْرُسُهَا ونُدَرِّسُهَا سلفية كتب ابن تيمية وابن القيم، وأذكر أنه في سنة منالسنوات تم تدريس كتاب: الأصول العلمية للدعوة السلفية للشيخ عبد الرحمن عبدالخالق. استمر النشاط بالجامعة وخارجها، وكان أول ظهور للإخوان في معسكر إسلاميبرشيد وكان القائم عليه الأستاذ عباس السيسي كبير الإخوان بالإسكندرية وهو رجل فاضلكريم من الرعيل الأول للإخوان وقد دعيت لهذا المعسكر وكذا الشيخ محمد بن إسماعيلوالشيخ أبو إدريس محمد عبد الفتاح، وكان الإخوان يرسلون كل يوم أحد الإخوة للإشرافعلى المعسكر وكان في اليوم الأول الأستاذ محمد عبد المنعم وكان مع إخوة الجماعةالإسلامية عناصر ضعيفة جداً علمياً وعملياً من الإخوان الجدد وللأسف كانوا همالمسئولين عن الحجرات وكذا إعطاء الدروس وإدارة المعسكر، في اليوم التالي كانالمبعوث من الإخوة الأستاذ جمعة أمين حفظه الله، وكان يعرفنا حيث اعتكفت معه بمسجدالحمام بالظاهرية، وكان يعطي موعظة يومية في التفسير فشكوت إليه ما نعانيه فيالمعسكر فقال: أنت غداً أمير المعسكر أو الشيخ محمد إسماعيل فقلت له: بل الشيخ محمدإسماعيل وكان الأمر كذلك فتغيرت الأحوال بالمعسكر تماماً. وفي اليوم التالي كنت أناأمير المعسكر، ثم حضر إلينا الدكتور مصطفى حلمي وكانت رسالته الدكتوراه أوالماجستير عن شيخ الإسلام ابن تيمية وهو وإن كان حركياً من جماعة الإخوان إلا أندراسته وكتاباته سلفية ثم ازداد المعسكر حلاوة بحضور الأستاذ محمد حسين في اليومالأخير وكان المعسكر على شاطئ رشيد وكنا نلعب الكرة وننزل البحر فكان من أمتعالمعسكرات، وفي نهاية المعسكر أراد الإخوان مني ومن الشيخ محمد إسماعيل المبيتفاستأذنت الأستاذ محمد حسين فرفض وقال كان ينبغي أن يستأذنوني، وأعطونا عدة مذكراتعن الدعوة لتوزيعها فرفض الأستاذ محمد حسين ذلك. واستمر نشاط الجماعةالإسلامية بالجامعة يقودها من خارج الجامعة الأستاذ محمد حسين وكان طبيعة العاملينشخصيات إدارية كإبراهيم الزعفراني وكان أميراً، وشخصيات دعوية تتحمل الدعوة العامةوكذا المجموعات الدراسية. وقبل أن أنتقل إلى بداية تأثير الإخوان علىالجماعة الإسلامية أحب أن أشير كيف تعرفنا على إخواننا بجامعة القاهرة وهم الدكتورعبد المنعم أبو الفتوح والدكتور عصام العريان والدكتور محمد عبد اللطيف وقد تمبمعسكر عقد بكلية الهندسة بشبين الكوم لانتخاب رئيس اتحاد طلابالجمهورية. فتعرفنا على هؤلاء الإخوة الكرام ووجدنا أن ظروف نشأتهم ونشاطهمتشبه ظروفنا إلى حد كبير فحصل تآلف عجيب معهم وتواصل وتناصح وتناصر وكان المعسكرمهيأً لانتخاب شخصية معينة لها ولاء معين معروف في مثل هذه المعسكرات فقمنا بعملتكتل إسلامي وهددنا بترشيح الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح وكان كما أذكر رئيس اتحادطب القاهرة، المهم حصلنا على بعض المقاعد في اتحاد الجمهورية وإلى هذا الوقت لم يكنللإخوان أثر على الصحوة الإسلامية سواء بالإسكندرية أو القاهرة وكان ذلك سنة (1976) أو (1977) وكانت الصحوة تعمل تحت اسم الجماعة الإسلامية أما الاتجاه هو على الفطرةوالفطرة في اتجاهات الدعوة هي السلفية كما أن الإسلام هو دين الفطرة بالنسبةللشرائع المختلفة. لأن السلفية هي إتباع سلف الأمة وهم الصحابة ومن بعدهم منأهل القرون الخيرية الثلاثة الأول عدا أهل البدع الذين يرون ظلام الظلم نور واعتقادالحق ثبور وسيصلون سعيراً ولا يجدون لهم من دون الله ولياً ولانصيراً: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاوَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف: 108] وكان نشاط الدعوة يتمثل في المعسكرات السنوية حيث تم أكثر من معسكربمبنى اتحاد الجامعة أمام كلية الهندسة. وكان آخرها بأبي قير. وكذلك خروج رحلاتللعمرة يتفق عليها اتحاد الجامعة واشتراكات الطلاب، وكذا عمل الأيام الإسلاميةواعتكافات رمضان وطبع بعض الكتيبات باسم الجامعة الإسلامية كرسالة "يا قومنا أجيبواداعي الله" للشيخ محمد إسماعيل ورسالة "دقائق الأخبار في رقائق الأخيار" للعبدالفقير. وكانت أول رسالة بعنوان "العقل وثلاثة أسئلة" وكان من نشاط الدعوة أيضاً فيهذه المرحلة قوافل الدعوة على طريقة التبليغ داخل الجامعة.. والجدير بالذكر أن هذهالفترة لم يكن بها حرس جامعي وأراد الرئيس أنور السادات أن يضرب الاتجاه الشيوعيداخل الجامعة بالجماعة الإسلامية وبالفعل انتقل بعض اليساريين إلى صفوف الجماعةالإسلامية. وفي هذه الفترة كانت حادثة الفنية العسكرية كما أذكر سنة 75 وكانفيها عدد ليس بالقليل من الإسكندرية وكانت هذه أول تصفية فبعض من انضم إلى صفوفالجماعة الإسلامية حرصاً على دراسته وعلى دنياه حلق لحيته ومارس حياته بالجامعةكإنسان عادي حريص على العبادة وحرم من شرف الدعوة إلى الله عز وجل. كذلك حدث في هذهالفترة ظهور جماعة التكفير على يد شكري مصطفى وكان فتنة بالفعل حيث اغتر بفكرهوذكائه كثير من الناس وقتل الذهبي وزير الأوقاف المصري وكان ذلك ونحن في أحدالمعسكرات الإسلامية فخرجنا إلى المواصلات العامة ونحن نرتدي فانلة مكتوب عليهاالجامعة الإسلامية ندعو الله عز وجل ونتبرأ من جماعة التكفير وقتل الذهبي. حتى لاتستغل الفرصة لضرب الصحوة. وكان مؤسس هذه الجماعة الإسلامية بالجامعة الأخإبراهيم الزعفراني وكنت أقرب الناس إليه والمدرسة السلفية لم تولد بعد وتزامن تأثيرالإخوان على قيادات الجماعة الإدارية وميلاد المدرسة السلفية ففوجئنا بالإخوةالإداريين يطلبون الاستخارة للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين وأذكر أنني قلتنحن نحب السلف وعلماء السلف وسوف نشتكيكم إلى الله عز وجل. وكان الشيخ محمدإسماعيل مسئولاً عن منطقة محرم بيه وكان بها الشيخ أبو إدريس محمد عبد الفتاح وكذاالشيخ سعيد عبد العظيم. وكان المرشد للإخوان في هذا الوقت غير معلن وهو الأستاذ عمرالتلمساني حيث جمع صفوف الإخوان بعد الأستاذ الهضيبي. وجدير بالذكر أيضاً أننا فينشاط الجامعة دعونا الأستاذ التلمساني لمحاضرة بمدرج كلية الطب وأنكر علينا بعضقيادات الإخوان ولعله الدكتور حتحوت وقال: إن عمر التلمساني لا يمثل الإخوان وقدأعلن بعد ذلك أن المرشد العام للإخوان المسلمين في ذلك الوقت. في هذا الوقتكنت أمارس الدعوة إلى الله عز وجل داخل الجامعة وخارجها وكنت أخطب في مساجدالإسكندرية بروح قوية بفضل الله عز وجل، وأذكر أن أول خطبة خطبتها كانت بمسجد أهاليالعصافرة وهو مسجد كبير لا يقل عن 400 متر وخطبت ساعة عن يوم القيامة وأبكيت الناسمع أنها كانت أول خطبة. أما عن حياتي الخاصة في هذه الفترة –وهي آخر فتراتالدراسة- فقد استأذنت أبواي في أن أسكن في غرفة عرضت عليهم بأنها بجوار مسجد السلامبأرض الحمرة بسيدي بشر القطار وكان باني المسجد عرض علي المسجد للخطابة فاشترطتعليه أن يتحول المسجد من البدعة إلى السنة فأذن لي في ذلك، فكنت أبيت في هذه الحجرةوأذهب إلى البيت كل يومين أو ثلاثة وكان ذلك يرضي والداي، حيث كانت الوالدة هادئةالطبع محبة للخير وكذا الوالد رحمه الله كان محب للإخوة مستعداً للترقي حتى ختم لهعمره في أحسن أحواله، واجتهدت في هذه الفترة في تعريف أهل المسجد معنى السنةوحذرتهم من البدع وصار هناك محبة وولاء شديد بيني وبينهم. وفي بعض الجُمعات أعلنتأن الأذان سيكون واحداً بعد ذلك وليس هناك قراءة قرآن قبل الأذان. وتقبل الناس ذلكبفضل الله وكانت مساجد السنة في الإسكندرية قليلة ونادرة، وكانت هذه الفترة من أحسنوأسعد فترات حياتي من حيث التفرغ للطاعة والعبادة ومخالطة من أحبهم من إخواني وكذاالرؤا الصالحة التي رأيتها في هذه الحجرة والتي رؤيت لي وأذكر من هذه الرؤا أن أحدشباب المسجد وكنت أكنيه أبو إسحاق رأى في المنام أن النبي صلى الله عليه سلم دخلالمسجد وكنت نائماً بالحجرة وكنت في هذا الوقت مريضاَ فسلم عليَّ وجلس إلى جواريصلى الله عليه وسلم ثم جاءت سيارات نقل كبيرة تحمل لحماً وكوسة "دباء" ، فطبخالإخوة وخرجنا من الحجرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل معنا رسول الله صلىالله عليه وسلم بالمسجد ووصف الأخ على صغر سنه وقلة علمه الرسول صلى الله عليه وسلمبما ثبت من صفته. وأعلنت هذه الرؤيا في حفل زواج الشيخ محمد بن إسماعيل بمسجدالسلام بإستانلي.. وطلبت أن يجتمع الأخوة في المسجد على الطعام كما حدثبالرؤيا وأخذ الإخوة يقولون أين جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يجلسوا فيالمكان الذي جلس فيه إن جاز التعبير تبركاً وليس بجائز وحضر الأستاذ محمد حسينوغيره هذا الحفل.. وصلت في هذه الفترة إلى أحوال إيمانية طيبة فكنت أجلس فيمجالس العلم فإذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بكيت وكنت أحس بشوق شديد إلىالقرآن كلما مكثت فترة دون تلاوته أجد ما يدفعني إليه وحفظت ما يقرب من ربع القرآنوأنا في هذه الفترة ولا أكتم أنني كذلك كنت أشتاق إلى رؤية الله عز وجل؛ وأذكر أننيخلال هذه الفترة عندما كنت أذهب من بيتي (بيت والدي) بالعصافرة إلى مسجدي بسيدي بشرالقطار كنت أحب القمر حباً شديداً وأستأنس بالنظر إليه وهو مكتمل ثم خشيت أن يكونفي ذلك حرج شرعي فكلما نظرت إلى القمر غضضت بصري خوفاً أن يكون في ذلك شيء منالعبادة ثم بدا لي في أحد الأيام أن القمر آية من آيات الله ولا حرج في النظر إليهوالاعتبار به ومحبته.. وفي نفس الليلة رأيت أن أسير أنا وأحد الإخوة الذينكانوا من أحب الناس إليَّ في هذه الفترة في طريق طويل متسع كنت أشير له إلى القمروأقول له إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته فأحسست أن هذهالرؤيا تشير إلى جواز النظر إليه وتذكر رؤيته عز وجل لأن النبي صلى الله عليه وسلمشبه الرؤية بالرؤية وليس المرأي بالمرأي. فقال صلى الله عليه وسلم "إنكم سترون ربكمعياناً كما ترون هذا –وأشار إلى القمر ليلة البدر- كما ترون هذا" كنت في هذهالفترة أحس بقرب شديد من الله عز وجل وأجد ذلك في حسن ظني بالله عز وجل وقبولدعائي. أذكر أن بعض الإخوة كان يبيت عندي بالمسجد وأردنا أن نقوم من الليل للصلاةفقلت لهم متى تريدون أن تقوموا فقال بعضهم: الواحدة والنصف، وقال بعضهم: الثانية،فقلت لهم: نقوم الثانية إلا الربع ودعوت الله أن يوقظني في الثانية إلا الربع وأناموقن بالإجابة، فاستيقظت بالفعل في الثانية إلا الربع وأيقظت الإخوان؛ ومن الطريفأني مرضت في بعض الأيام وكنت أحب أن أرى إخواني وأن يعودوني في مرضي ففكرت أنأخبرهم ثم قلت لو أخبرتهم لتكلفوا الحضور وركبوا المواصلات وكان في ذلك مشقة عليهمفدعوت الله عز وجل أن أراهم في المنام فرأيتهم في الليل وأنا في غاية السرور وذلكقبل الفجر وبعد الفجر قلت أنا لم أر أخي إبراهيم الزعفراني وفلان فدعوت الله أنأراهم فرأيتهم بعد صلاة الفجر وأنا أذكر ذلك تحدثاً بنعمة الله عز وجل ومن علاماتإيماني ومحبتي لله عز وجل في هذه الفترة وشدة محبتي لإخواني الذين أحبهم في الله عزوجل، فقد أحببت أحد إخواني من جيران المسجد وكنيته أبو سعيد وتأخر عليَّ مدة وأنافي شوق شديد إليه ولم يحضر حتى قرب إقامة صلاة الفجر فقلت بلساني أو بقلبي يا ربأرسل إليه ملكاً يوقظه ويأتي به إلى المسجد وبعد دقائق معدودة حضر الأخ إلى المسجدوأدركنا في صلاة الفجر فأخبرته بما حدث فقال: أنا بالفعل كأن أحداً يوقظني وأتى بيإلى المسجد وكان الأخ يعيش مع أمه فكانت إذا تأخرت أمه بعد ذلك يقول: يا رب أرسلإليها ملكاً يأتي بها. في هذه الفترة أيضاً رأيت رؤيا فيها تبشير بالشهادة وتأكدتهذه البشارة برؤا أخرى ورآني أخي الحبيب حامد الزعفراني في الجنة، وأنا أتحرج من قصهذه الرؤا إلا أنها رفعت محبتي للجنة والسعي إليها.. وحفظت قصيدة ابن القيم فيبداية حادي الأرواح وأطلق عليَّ الشيخ محمود عيد رحمه الله لقب عاشق الجنة من كثرةذكري لها وتذكيري بها. في هذه الفترة كذلك تعرفت على أحب الأخوة إلى قلبيوهو الدكتور عادل عبد الغفور.. وكانت بداية محبتي له ومعرفتي به رؤيا رأيتها فيحجرة مسجد السلام وتحقق ما رأيته.. رأيت كأنني أقول له: يا عادل أنا أحبك جداًوأتمنى ن تبقى معي في المسجد يومين، فقال لي في الرؤيا سوف أستأذن والدتي وأحضروكان إذن والدته من أصعب الأمور لأنها أسرة طيبة متدينة وكانت والدته وهي سيدةفاضلة كريمة حريصة عليه وعلى أخيه عماد ولكن بقدر الله عز وجل وافقت والدته وبقيمعي في المسجد يومين وتأكدت محبتنا في الله عز وجل. وأذكر أنني كنت عائداًمن الكلية وفي غاية الفرح لرؤية قميص أخي عادل الذي نساه بالحجرة وتجددت معانيكثيرة مما نقرأه في محبة السلف وإيثارهم وكلما امتد بنا العمر تزداد هذه المحبةبفضل الله عز وجل والشيخ عادل ممن يشهد له بالعلم والعمل نحسبه ممن يتقي الله عزوجل أسأل الله أن يديم محبتنا فيه وهو الآن من أفراد أهل العلمبالقاهرة. المهم هذه الفترة وهي نهاية الدراسة بالجامعة وكذا سنة الامتيازكانت مرحلة فاصلة في حياتي وإلى هذا الحد كان العمل ما يزال تحت اسم الجماعةالإسلامية والكل يعمل تحت هذه الراية ولكن العقيدة هي عقيدة السلف والذين يوجهونالفكر بالجماعة الإسلامية هم أعلم الناس بفكر ومنهجالسلف.. ثم كان من تقديرالله عز وجل أن بدأ الشيخ محمد بن إسماعيل في إنشاء المدرسة السلفية وذلك بعد أنرأى أنه تأهل للدعوة والتصدي لتعليم الناس وكانت بداية المدرسة السلفية درس عام يومالخميس في مسجد عمر بن الخطاب وذلك قبل أن يكتمل بناؤه وكانت هناك حلقة بمسجد عبادالرحمن ببوكلى صبح الجمعة وكان الحضور في هذه الحلقة لا يتجاوز العشرة أفراد ولميكن معنا أحد قادة الدعوة السلفية الآن وكان الشيخ محمد يحفظنا متن العقيدةالطحاوية وكذا تحفة الأطفال وكلفني بتدريس مدارج السالكين شرح منازل السائرين. ثمتوقفنا عن ذلك خشية ترويج مصطلحات الصوفية وكان ذلك قريباً من تأثير جماعة الإخوانعلى القيادات الحركية للجماعة الإسلامية. ثم لما طلبوا منا الاستخارةللانضمام إلى الإخوان رفض الشيخ محمد كما ذكرت الانضمام للإخوان المسلمين لأنالمرشد مجهول وكان معه إخوة محرم بيه.. وهددوا الشيخ بالتشهير بهم على المنابروالتضييق عليهم، فلم يخضع لهذا التهديد واستمر في دعوته.. في هذه الأثناءدخلت الجيش ولي فيه قصة قد يطول شرحها ولكن أرجو أن يكون في ذلك عبرة وعظة وأسألالله أن يرزقني حسن النية في عرضها وأن يكون ذلك بقصد الفائدة لا فخراًورياءاً. ذهبت إلى القاهرة (حلمية الزيتون) لتقديم أوراقي للجيش، وكنت أظنأنني سوف أقدم أوراقي وأعود ولكن الحال كان على عكس ذلك حيث قسم الحاضرون إلى منسيجند عسكري ومن يرشح لضباط الاحتياط، وكنت قد قلت في نفسي إن رشحت لضباط الاحتياطفلن أحلق لحيتي قولاً واحداً، وإن رشحت جندياً كان في المسألة قولان وأستخير اللهعز وجل أحلق أو لا أحلق. فقدر الله عز وجل أنني رشحت لضباط الاحتياط لأنالكليات العملية خاصة طب وهندسة يرشحون للاحتياط فقلت لمسجل الكلية أنا لن أحلقلحيتي. فرفض أن يحولني إلى جندي، وقال أنتم تحبون السجن وكانت سيارات الكلية واقفةفتم نقلنا إلى كلية الاحتياط بفايد دون أن نخبر أهلنا أننا ذاهبون إلى الكلية؛وذهبت إلى كلية الاحتياط بالزي الرسمي للجماعة الإسلامية أقصد القميص والغطرة؛ وبتليلة واحدة بعنبر الطلبة وأحسست بالاختناق في هذا الجو الذي لم أتعود عليه حتى أننيكنت أعيش بالمسجد وأخالط إخواني وأستمع للقرآن وأشتغل بطلب العلم والحرص على سلامةقلبي ولكن بحمد الله لم تكرر هذه الليلة التي بتها في عنبر الطلبة بكليةالاحتياط. وفي الصباح وبعد صلاة الفجر جلست على سرير وكان في الدور الأولأقرأ القرآن فأتى الشاويش المسئول. عن العنبر يقول هيا للطابور فقلت له: أنا رافضالجيش من أوله إلى آخره ورفضت الخروج معه. فذهب من أجل أن يبلغ المسئولين وأتانيأحد الطلبة الذين في الدفعة السابقة لدفعتنا رقم (44) وأخبرني في دفعتهم (43) أخرفض حلق اللحية وهو الآن بالسجن المركزي وإن شئت أن تذهب إليه فهيا بنا. فقلت له: نعم نذهب إليه. وكان هذا الأخ يسمى رفعت وقد حكم عليه بخمسة أشهر وكان منجماعة التبليغ والدعوة ومن أقرب الناس إلى الشيخ إبراهيم عزت رحمه الله أميرالجماعة ولم يكن للكلية أسوار حتى نعلوها وذهبنا إلى السجن المركزي بفايد وخرجإلينا الشيخ رفعت وكان وسيماً جميلاً والنور يشع من وجهه وهو متعمم عمامة لطيفةفسلم علينا وقال له رفيقي: الأخ أحمد فريد من الدفعة الجديدة وهو يرفض حلق اللحيةويطلب منك النصيحة. فنصحني حفظه الله عدة نصائح أغلى من الدنيا وما فيها، فقاللي: & إن أمرك أحد المسلمين بأمر فإن كان معصية فلا تطيعه فلا طاعةلمخلوق في معصية الخالق، وإذا أمرك من ليس بمسلم فلا تطيعه على كل حال خالفواالمشركين. & والنصيحة الثانية: قال: لا تفتر عن ذكر الله عز وجل فإنالله عز وجل لما أرسل هارون وموسى إلى فرعون قال (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَبِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) [طه: 42]، فالذكر يقوي القلب على مواجهةالشدائد والدخول على الظالمين. & والنصيحة الثالثة: قال لي إذا كلمك فلاتنظر إليه لأن النظر إلى وجه الفسقة يقسي القلب ولا تناقشه في كلامه بل دعه يقل ماعنده ثم بلغه دعوتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض عليه أبو الوليد بمكة أنيجمعوا له من المال حتى يكون أكثرهم مالاً وأن يملكوه عليهم لم يناقشه ولكنه قالله: أفرغت يا أبا الوليد؟ فاسمع مني ثم تلا عليه القرآن. خرجت من هذهالمقابلة وأنا أشد عزماً وتصميماً على المواصلة والثبات على الحق وعدت إلى كليةالاحتياط فرأيتهم قد حلقوا لهم رؤوسهم وصرفوا لهم الملابس العسكرية فكانوا يلبسونهاقبل أن تفصل عليهم وكانوا في طابور الميز (يعني المطعم) لطعام الغذاء. وأتىالشاويش الذي كلمني في الصباح وقد تعب في البحث عني وقال: أين كنت؟ وعلمت أنه ليسعلى ملتنا، فقلت: أنت بالذات لا تكلمني. فأخبر أحد الضباط بخبري فقال له: يقف في الطابور. ووقفت في الطابور وأنا أرتدي القميص وقد صنع لي الشيخ رفعت منالغطرة عمامة لطيفة ثم حدثت مشادة كلامية مع أحد الضباط ذهبت على إثرها إلى سجنالكلية وكان في الواقع أحسن مكان بالكلية لأنه بجوار المسجد وهو فارغ تماماً وأمكنفيه من قراءة القرآن وكتب العلم وصار سجن الكلية هو خلوتي كما قال شيخ الإسلام ابنتيمية: إن سجني خلوة.. وكنت أصلي بالناس إماماً وأعطي دروس بالمسجد يحضرهامن فيه خير من ضباط الكلية وأخطب الجمعة أحياناً فمكثت في سجن الكلية حتى تشكلتمحكمة عسكرية ممن يحضر دروس في المسجد خوفاً علي من تشديد العقوبة وحكموا علي بشهرواحد والمحزن أنني سجنت بسجن الوحدة وليس سجن الطلبة المجاور للمسجد وابتليتبمخالطة المسجونين حيث شرب السجائر وسماع الغناء فلم يكن سجني في هذه المرة خلوةكما قال شيخ الإسلام بل ما كنت أجد مكاناً أقوم فيه بالليل.. وبدأوا معيمساومات حتى أوافق على حلق اللحية وأتاني طبيب الكلية وعرض علي إذا وافقت علىمبادرته أن يكون سكني بالعيادة وأن أكشف على إخواني الطلاب وبذلك لا أقف في الطابوروأحيي العلم والضباط فوافقت على ذلك وتم إلغاء السجن بعد أسبوع أو أكثر وانتقلت إلىالعيادة وكنت أعامل قريباً من معاملة الضباط الأطباء وأسكن معهم. ولكن نفسيلم تطاوعني إلى حلق اللحية مرة ثانية فأعفيت لحيتي وقدر الله عز وجل أن يتغير مديرالكلية ويعين لواء جديد للكلية فأهمهم كيف يعرضون عليه مشكلتي وأنا قد تركت اللحيةأكثر من ثلاثة أسابيع. وقبل أن أدخل عليه دخلت على من دونه من الرتب وكانوا يرغبونيتارة ويهددوني تارة أخرى ويقولون بحمية وعصبية القوانين العسكرية والنظم العسكريةفأقول لهم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًايُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِوَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَلِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ) [البقرة: 165] فيقولون نحن لسنا كفاراً، فأقول أنا لا أكفركم ولكنها الغيرة على الشرعكلما وجدت غيرتهم على القوانين العسكرية. وأخيراً أدخلت على اللواء مديرالكلية وهو يرفع جهاز التسجيل بالقرآن وعرض عليَّ حلق اللحية فرفضت وتلوت عليه أدلةالتحريم فحولني إلى نائب الأحكام لإعادة محاكمتي فحكم عليَّ بستة أشهر لمخالفةالأمر العسكري بحلق اللحية وتم إعادة الشهر الذي أوقف تنفيذه فصارت لمدة سبعة أشهرقضيت جزءاً منها قبل إجراء تحويلي إلى السجن المركزي في سجن الطلبة حيثالخلوةوممارسة الدعوة مع الذين يمن الله عليهم بالسجن.. وكان الوقت شتاءاً فكنت أخرجبالبالطو والغطرة وأرى إخواني وهم في البرد القارص بالشورتات وبلغ من فتنة بعضهمممن كان من الجماعة الإسلامية قبل دخوله الجيش أنه ترك الصلاة. وقد تعجبتكيف دخل الإخوة هذه الكلية وفيها ما فيها وتخرجوا ضباط وكيف سمح لهم إيمانهم بذلك؟! وأحببت أن أترك بالكلية كلمة حق تتوارثها الأجيال وتشهد لي يوم يقوم الأشهاد فقلتفي نفسي الجيش كله ظلم.. ظلم النفس وظلم العباد والظلم والظلم هو أظلم الظلم الشركبالله عز وجل فجهزت خطبة في تفسير الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسيوجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا". وقلت في خلال خطبتي ما ظنكم برسول اللهصلى الله عليه وسلم لو أتى فرأى أمته يلتفون حول خشبة في آخرها خرقة يعظمونها مندون الله عز وجل، ما ظنكم برسول الله صلى الله عليه وسلم لو أتى فرأى أمته يعظمبعضها بعضاً وكان قد دخل على أصحابه فقاموا فقال: لا تعظموني كما تعظم الأعاجمملوكها وقلت لهم: تقولون الجيش يربي الرجال وتأمرون بحلق اللحية والتشبهبالنساء؟! وكان الأولى بكم أن تقولوا الجيش يربي الرجال وتأمرون من يحلقلحيته بإعفاء اللحية لأن الجيش يربي الرجال؟! فقلت ما في نفسي في خطبةالوداع وبعد إقامة الصلاة قلت: كل أخ يلبس باريه: (ما يوضع على الرأس) فيه صنم (النسر) يداريه فإن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب ولا صورة وصليت بهم الجمعة، وقدقامت القيامة بالكلية فمن موافق ومشجع لما قلت ومن خائف وعلى كل حال حصل المقصود منإقامة الحجة وترك كلمة الحق بالكلية. ومن رحمة الله بي أنه كان يجعلي دائماً مخرجاًويضيق عليهم كما وعد عز وجل (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُبِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَيَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا) [الطلاق: 2] فكان من الممكن أن يحكم علي بمددمتطاولة بسبب ما قلت والمخرج أنني كنت في هذه الفترة مسجونناً فكيف خرجت من السجنوكيف ارتقيت المنبر منبر التوجيه وأنا مخالف للقواعد العسكرية. وأنا والحمدلله في رعاية الله وحفظه أنتقل من خير إلى خير ومن سعادة إلى سعادة فجهزت للانتقالمن الكلية إلى السجن المركزي بفايد وكانت هذه المنطقة كأنها فتحت فتحاً إسلامياًبدعوة أخي الشيخ رفعت فكان أول من سن هذه السنة الحسنة وكان قائد المحطة العسكريةتاركاً للصلاة وكان يسب دين الله والعياذ بالله فلما رأى رجلاً يترك زوجته وأولادهويرضى بالسجن لأنه يرفض حلق اللحية بكى على نفسه وكان ثبات الشيخ رفعت سبباً فيهدايته. وقدم طلب إلى إدارة التوجيه المعنوي بتعيين الشيخ رفعت في التوجيه المعنويلمحطة فايد العسكرية ومن حسن تقدير الله عز وجل أن اليوم الذي حولت فيه إلى سجنفايد المركزي هو نفس اليوم الذي عاد فيه الشيخ رفعت من إجازة ثلاثة أسابيع بعدإنهاء سجنه وتعيينه بالتوجيه المعنوي بالمحطة العسكرية. والتقيت معه ومع العقيد عبدالفتاح بمسجد المحطة الذي بناه العقيد بعد هدايته على يد الشيخ رفعت وصار مناراًللدعوة بالمنطقة؛ وقبل أن أحول إلى السجن المركزي أرسلت إدارة الكلية إلى العقيدوأخبروه بأنني ضربت الضابط وأنني لست طيباً كالشيخ رفعت. يقول العقيد بمجردأن رأيتك علمت أن كلامهم كذب، والتقيت به في صلاة المغرب وقابلني مقابلة هي ثمرةمقابلته السابقة بإدارة الكلية، وقال له الشيخ رفعت هناك نساء تبكي وأطفال. يقولالعقيد عبد الفتاح وأنا أصلي أقول لنفسي هذا رجل ترك أهله ودخل السجن من أجل سنةالنبي صلى الله عليه وسلم فانظر ماذا تفعل يا عبد الفتاح، وبعد الصلاة مباشرة بشرنيبأنه سوف يعطيني حجرة الشيخ رفعت ويعاملني كما كان يعامله؛ وهي حجرة بالسجن المركزيبنيت خصيصاً للشيخ رفعت. كان معه مفتحها فهو يغلقها من الخارج، وبالفعل استلمتالغرفة المذكورة، وصمم الشيخ رفعت على أن يدخل معي السجن مع أنه عين رسمياً واعظاًبالمنطقة العسكرية، وقالوا له أن يسكن في الفيلا فيقول حفظه الله: أخي أحمد في فترةبلاء وتنزل عليه رحمات من السماء فأحب أن أكون معه. وجهزت الغرفة بسريرينوكان بها مصباح كهربائي مع أن ذلك من الممنوعات في السجون في هذه الفترة سواء كانتحربية أو مدنية، وقضيت أنا والشيخ رفعت قريب من شهر ونصف فكنت أصلي الفجر بالمسجدأنا والشيخ رفعت، وكنت أصلي بهم إماماً؛ وكان العقيد عبد الفتاح يقول للصولات كلصول يعطيني تماماً بالعساكر الذين معه في صلاة الفجر، وكنا بعد شروق الشمس نركبإحدى السيارات التابعة للمحطة للإفطار بفيلا كبار الزوار على البحيرات المرة بفايدوكنت أمارس الدعوة فأعطهم موعظة قبل التأمين (دخول الزنازين) وأعلمهم الصلاة، وكانالعقيد يقول: الأخ أحمد فريد أقدم واحد يصلي فينا؛ كلامه أوامر.. سبحان الله مسجونكلامه أوامر –كما قال بعضهم-: )أعز أمر الله حيثما كنت، يعزك الله حيث ماكنت)في هذه الفترة كانت الثورة الخمينية، وكان كارتر رئيس أمريكا يزور مصر،وقال السادات كلمته المشهورة لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين، وكانتالمظاهرات بالجامعات المصرية وما لنا نصيب من هذه الأحداث العالمية والمحلية ففوجئتبالشيخ رفعت تم إعادته إلى القاهرة وإعادة محاكمته، وحكم عليه بتسعة أشهر.. وطلبمني حلق اللحية ولبس ملابس السجن الحربي (العفريته الزرقاء) فرفضت وحضرت المخابراتالعسكرية في حجرة قائد المحطة وعرضت عليَّ في حضور ضابط المخابرات، وطلب مني حلقاللحية أو يؤمر بإعادة محاكمتي فقلت له: موافق على إعادة محاكمتي مرة ثانية وثالثةورابعة وليس وراءنا شيء إلا دين الله عز وجل.. وبالفعل ذهبت إلى المكان الذي سوفأحاكم فيه ويبدوا أن نائب الأحكام أخبرهم أنه لا يجوز محاكمتي لأنني في فترة قضاءعقوبة على أمر معين ولم تنته الفترة بعد، فأعدت إلى غرفتي بالسجن المركزي وفوجئتبأنهم أخذوا المرتبة وكذا المصباح الكهربائي ومنعوني من الخروج، إلا أن العقيد الذيتحرك قلبه بالإيمان كان يوصي بأن الطعام يأتيني من مطعم الضباط، ويوصيهم في السر أنلا يعاملوني معاملة سيئة. وتأخر العقيد عن زيارتي كثيراً خوفاً من رصدالمخابرات حتى انتهز فرصة وزارني في السجن فلم ير المرتبة ولا المصباح فقلت له: يأخذون كل شيء حتى البطاطين وسوف أنام على الرمل. ولكن ديني لن يأخذوا منهشعرة واحدة، وكان العقيد يحبني إلا أنه كانت محبته للشيخ رفعت أكثر مني لأنه كانسبب هدايته، فبكى وقال: هل سفر الشيخ رفعت هين عليّ. وقلت له أنا في أسعد فتراتحياتي أنا كلما نمت رأيت رؤيا صالحة.. وأشار أن يعيد الكهرباء والمرتبةفرفضت. وكنت أحفظ حزباً من القرآن في كل صباح في أقل من ساعة وأراجعه قبلغروب الشمس وأصلي به في الليل وحفظت في هذه الفترة والتي بعدها ثلث القرآن تقريباً. بقيت عدة أيام بالسجن المركزي ثم أتى أمر بنقلي إلى السجن الحربي وهو أكبر من السجنالمركزي؛ حيث يقضي فيه العسكر الذين حكم عليهم بأكثر من ستة أشهر؛ والمركزي لستةأشهر فما دونها. وبالفعل نقلت إلى السجن الحربي، وكان الذي استقبلني بالسجنالحربي قائد ثاني السجن، وكان نقيباً؛ وكان يراني كثيراً مع العقيد عبد الفتاحويعلم أنني متخصص في الرقائق وذكر الجنة والنار. فقال لي: لن أكلمك عن اللحية ولكنالسجن له نظام فلابد من لبس ملابس السجن. فقلت له ببراءة الفطرة: هل أناسارق؟! أنا مسجون في طاعة الله عز وجل واتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم فأنا فيطاعة وهذا اللبس لبس ذلة ومهانة والذي يكون في طاعة لا يناسبه لبس الذلة والمهانة. وكان يكلمني تارة ويتصل بقيادة الجيش الثاني تارة. وأنا أقول له وأسمعه (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (50) فَانْظُرْكَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْأَجْمَعِينَ) [النمل: 50-51] وصرح لي بعد ذلك أن قائد الجيش الثاني كانيأمره أن ينزع قميصي ويمزقه فلا أجد إلا ملابس السجن فأضطر إلى لبسها وكنت على يقينأنهم يمكرون لي لكنني كنت على يقين أيضاً بأن الله عز وجل يمكر بهم، وكانوا إذاهددوني بأن يحلقوا لي بالقوة أقول لهم أقسم بالله من أراد أن يحلق بالقوة فسوفأقاتله إن قتلني دخلت الجنة وإن قتلته دخل النار فكانوا يفهمون من قولي أقاتله أننيأقتله، فقالوا: الشيخ قال إللي يقرب مني أقتله. فتركتهم على هذا الفهم من باب كتمانالعلم للمصلحة؛ المهم قذف الله عز وجل في قلوبهم الرعب فلم يمسوني بسوء؛ وفرغوا ليالتأديب داخل السجن الحربي؛ وكان عبارة عن خمسة غرف كل غرفة متر إلا ربع تقريباً فيطول مترين، وأمام الخمس غرف فسحة وهي مغلقة بشباكه حديد فوضعت فراش في غرفة والطعامفي غرفة وقلت لهم هذه الفيلا لو أخذتم إيجار تأخذون مبلغاً وقدره. والعجيبأنهم كانوا كل صباح يفتحون باب الفيلا ويأتي العساكر من أجل تنظيف الفيلا ورش الماءوتنفيض البطاطين ولم يطلبوا مني أن لا أكلم المساجين ولكنهم طلبوا من المساجين ألايكلموني فكانوا يأتون أمام الفيلا وأذكرهم بالله عز وجل وأقول لهم اسمعوا شيئاًفإذا رأيتم أحداً فانصرفوا. ثم حضر القائد الأول للسجن الحربي وكان برتبةرائد فأخبر بحضوري فأتى وهم يأمنون السجن قبل المغرب وقال لي: لماذا لم تلبس ملابسالسجن؟ فقلت: أنا محكوم علي بسبعة أشهر على اللحية والملابس فلا تكلمني في هذينالأمرين إن شئت أن تتكلم في أمور أخرى نتكلم فكأنه هدد بأن يحلق لي بالقوة فأقسمتبالله بأنني سوف أقاتل من يريد أن يحلق لي بالقوة فقال لي صول الأمن وكان واقفاًاعمل معروف ما تمتش هنا. ثم طلب قائد السجن أن أعرضعليه بمكتبه بعد تأمينالسجن فقلت له ليس من حقك إخراجي بعد التأمين. فقال: أنت تعرفالقانون. المهم أخرجوني بعد الغروب وبعد تأمين السجن وأدخلت عليه في مكتبه: السلام عليكم، قال: سلام على من اتبع الهدى، ثم أخرج لي تفسير ابن كثير من مكتبهوقال: تعرف هذا، قلت: نعم تفسير ابن كثير. وأخرج معارج القبول كما أذكر: وقال لي هل قرأت حديث حذيفة في فتح الباري. قلت نعم. قال: تعرف عبد الحميدالشاذلي وهو صاحب حد الإسلام وهو شيخ بدعة التوقف والتبين بالإسكندرية. وبعدهذه المقابلة العجيبة طلب مني أن ألبس ملابس السجن أو يعرفني على العميد الرحانيبقيادة الجيش الثاني. وقال لي سوف أعطيك مهلة للصباح. فقلت: أنا أوفر عليك المهلةوأعرض من الآن. فقال: لا سوف أعطيك مهلة وأرسلني إلى فيلتي وخلوتي وقمت الليلةوتفكرت في الحوار الذي دار بيننا قبل التهديد واستخرت الله عز وجل بأنني سوف أبلغعنه أنه من جماعة التكفير وأنه يستحل دماءهم ونمت على ذلك. وبعد صلاة الفجرومع شروق الشمس فوجئت باثنين يحملان بدلة السجن الزرقاء ويفتحان علي الفيلا ويقولاننحن نقسم بالله أننا نوافق أن نلبس-هذه الملابس ولا تلبسها أنت. وذلك لحبهم لدينهم. ولكن الرائد أمرنا أن نحضر هذه الملابس لك لتلبسها فقلت لهم بكل قوة أعيدوا له هذهالملابس وقولوا له الشيخ أحمد متظلم منك ويطلب العرض على قائد المحطة العسكرية أوعقيد المخابرات. قلت لهم أنا سوف أبلغ عنه بطريقتي الخاصة أنه تكفير يستحلدماءهم ولن يعود إلى بيته بل يذهب إلى المدعي العسكري فقال لي: كيف طريقتك الخاصةفقلت لهم: وهل أخبركم بطريقتي الخاصة؟!. فذهبا إلى الرائد وأخبراه بما قلتفأتى الرائد بنفسه وقال يا شيخ أحمد مادمت ترفض لبس السجن خلاص. فقلت له أنتأهنتني وأنا متظلم منك وأطلب العرض على قائد المحطة العسكرية أو عقيد المخابرات وهويخشى من هذا الطلب حتى لا أبلغ عنه أنه تكفير. فقال: يا شيخ أحمد أنت لاترضى بالضرر. فقال لي: طالما أنت عندنا فسوف نعاملك أحسن معاملة ونلبي كل طلباتك. فقلت له وتعد أنك تسعى في خروجي من هذا المكان في أول فرصة قال: إن شاء الله.. وتمالاتفاق على ذلك وصار الرائد يومياً يمر علي في الفيلا ويقول: يا شيخ أحمد تريدشيئاً أقول له: جزاك الله خيراً. ومر يوم ولم يمر علي الرائد فقلت للشاويش أينالرائد لماذا لم يمر علي هذا اليوم يبدوا أنه أبلغه فمر في اليوم الثاني واعتذر إليأنه لم يمر بالأمس لأنه كان مريضاً –كان عنده إسهال- نسأل الله العافية والسلامة منالذل والمهانة. (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْكُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139] أمضيت من مدة العقوبة أربعة أشهرونصف وكانت هناك مناسبة استلام العريش فصدر قرار جمهوري بالعفو نصف المدة والعجيببأن العفو لمن كان حسن السير والسلوك في السجن أما المخالف فلا يشمله العفو.. ولكنلأن الرائد يريد التخلص مني في أقرب وقت كنت أول مسجون ينادى عليه بالعفو في السجنالحربي؛ وخوفاً من اتصالي بأي مسئول أخذني الرائد بنفسه وسلمني إلى كلية الاحتياطلأنها وحدتي الأساسية فدخلتها دخول الفاتحين واحتفل المساعدون بحضوري وقضيت ليلة أوليلتين بالكلية ورآني مسجل الكلية وأنا بكامل عافيتي بلحيتي وقميصي وغطرتي فقال: أتيت كذلك من السجن من خمسة أشهر؟!!! فقلت: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِالَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج: 38] قال يدافع عنك ويسخطني ) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْقَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْشَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ) [يوسف: 77]، فقلت: آمين. ثم أراد نقلي إلى الخدمات الطبية بالقاهرة وكان سيصحبني في هذه الرحلةصول التوجيه المعنوي وكان يحبني محبة شديدة وطلب من أحد العساكر أن يسافر معنا منأجل أن يحمل المخلة فقلت له: أنا كنت أحمل هم الجيش من أجل هذه المخلة لا أستطيعحملها. فقال: انظر كيف يفعل الله عز وجل بعباده المؤمنين وبالفعل تم تسليمي إلىالخدمات الطبية بكوبري القبة بالقاهرة وبدأت فترة جديدة من الامتحان والله يتولانيفي كل مكان ويجعل لي من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً فسمحوا لي بالجلوس والمبيتبالمسجد بدل السجن فكنت أصلي بهم وأجلس أقرأ القرآن وأراجعه ويأتي الطعام والزياراتمن الأخوة بالقاهرة وكان بجوار وحدتي وحدة لنقل الدم فكنت أبيت معهم وأجعل الفائضمن الطعام في الثلاجات الضخمة بسيارات نقل الدم. وعرضت على المحكمة العسكريةبحسب ذاكرتي بالعباسية،
تعليق