http://www.youtube.com/watch?v=BpBq0V6o3_0
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*مع السلف في علو همتهم
قال الإمام أحمد : " ما كتبت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به ، حتى مرّ بي الحديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة الحجام ديناراً ) - أصله في البخاري - ، فاحتجمتُ وأعطيتُ الحجّام دينارا " .
قال الإمام إبراهيم الحربي عن نفسه : " أفنيت من عمري ثلاثين سنة لا آكل إلا رغيفين ، إن جاءتني بهما أمي أو أختي وإلا بقيت جائعا إلى الليلة التالية ، وأفنيت ثلاثين سنة برغيف في اليوم والليلة ، إن جاءتني به امرأتي أو بنتاي وإلا بقيت جائعا عطشانا ، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة ، وما كنا نعرف هذه الأطبخة شيئا ".
وعن محمد بن سلمة أنه كان يجزيء ليله ثلاثة أجزاء : جزء للنوم ، وجزء للدرس ، وجزء للصلاة ، وكان كثير السهر ، فقيل له : " لم لا تنام ؟ " ، فقال : " كيف أنام وقد نامت عيون المسلمين تعويلا علينا ؟ وهم يقولون : إذا وقع لنا أمر رفعناه إليه فيكشفه لنا . فإذا نمنا ففيه تضييع للدين " .
وعن أبي القاسم بن عقيل : أن أبا جعفر الطبري قال الأصحابه : " هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا ؟ " ، قالوا : " كم قدره ؟ " ، فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة ، فقالوا : " هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ! " ، فقال : " إنا لله ، ماتت الهمم " ، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ، ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ، ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ " .
واستيقظ أبو يزيد البسطامي ليلة وهو صبي ، فإذا أبوه يصلي ، فقال لأبيه : " " ، فقال له أبوه : " يا بنيّ ، ارقد فإنك صغير بعد " ، فقال له : يا أبت ، علمني كيف أتطهّر وأفعل مثل فعلك وأصلي معك
" يا أبت ، إذا كان يوم القيامة ، حين يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، أأقول لربي : إني طلبت من أبي فلم يعلمني ؟ " ، فقال له : " لا والله يا بنيّ " . وعلّمه ، فكان يصلي معه .
يقول الذهبي عن الحافظ عبدالغني المقدسي : " كان لا يضيع شيئا من زمانه بلا فائدة ، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن ، وربما أقرأ الناس شيئا من الحديث تلقينا ، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمئة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل الظهر ، وينام نومة ثم يصلي الظهر ويشتغل إما بالتسميع أو بالنسخ إلى المغرب ، فإن كان صائما أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء ، ويصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده ، ثم يقوم كأن إنسان يوقظه فيدعو قليلا ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر ، وربما توضأ سبع مرات أو ثمانيا في الليل ، ويقول : ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة . ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر ، وهذا دأبه ".
وروي عن الإمام ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصره ، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة ، فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل ، فقيل له : " لو خففت على نفسك " ، فقال : " إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف ، فاطلبوني في المقبرة " .
__________________________________________
* مع السلف في كراماتهم
عن عبيد الله بن أبي جعفر قال : " غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر - وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا " .
قال ابن مسدي عن الإمام أبو محمد الروابطي : " ... له كرامات ، أُسر إلى " طرطوشة " وقيدوه ، فقام النصراني ليلة فرآه يصلي وقيده إلى جنبه ؛ فتعجب من ذلك ، فلما أصبح رأى قيده في رجله ، فرقبه ثاني ليلة فكذلك ، فذهب فأخبر القسيس فقالوا : أحضره . فجاء به وجرت بينه وبينهم محاورة ، ثم قالوا : لايحل أن نأسرك ، فاذهب إلى حال سبيلك ".
قال الإمام الزبيدي : " خرجت إلى المدينة لوحدي ، فآواني الليل إلى جبل ، فصعدته وناديت : اللهم إني الليلة ضيفُك ، ثم أتاني صوت يناديني : مرحبا بضيف الله ، إنك مع طلوع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزا وتمرا ، فإذا دعوك فأجب . فسرتُ من الغد فلاحت لي بئر فجئتها ، فوجدت عندها قوما يأكلون خبزا وتمرا ، فدعوني فأجبتُ " .
قال أبو الفضل : " حكي أنه طلع إصبع زائد في يد ولد من أولاد الرؤساء ، فاشتد ألمه له ، فدخل عليه ابن الخاضبة فمسح عليها وقال : أمرها يسير ، فلما كان الليل نام الغلام وانتبه فوجدها قد سقطت ".
عن عمر المحمودي قال : " لما مات الوخشي كنتُ غلاما ، فلما وضعوه في القبر خرجت الحشرات من المقبرة - وكان في طرفها واد - فذهبت إليه الحشرات ، والناس لا يعرضون لها ".
عن سليمان بن يزيد : أن الإمام علي بن أبي طاهر لما رحل إلى الشام وكتب الحديث ، جعل كتبه في صندوق وأوثقه ، وركب البحر فاضطربت السفينة وماجت ، فألقى الصندوق في البحر ، ثم سكنت السفينة ، فلما خرج منها أقام على الساحل ثلاثا يدعو الله ، ثم سجد في الليلة الثالثة وقال : " اللهم إن كان طلبي ذلك لوجهك وحب رسولك فأغثني برد ذلك " . فرفع رأسه فإذا بالصندوق ملقى عنده ، فقدم علينا وأقام برهة ، ثم قصدوه لسماع الحديث فامتنع عن ذلك ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له : " يا علي ، من عامل الله بما عاملك به على شط البحر ، لا تمتنع من رواية أحاديثي " فتاب إلى الله ، وعاد إلى الرواية .
__________________________________
*مع السلف في طلب العلم
عن أحمد بن خالد قال : " بلغنا أن يحيى بن يحيى الليثي كان عند مالك بن أنس رحمه الله ، فمرّ على باب مالك الفيل ، فخرج كل من كان في مجلسه لرؤية الفيل سوى يحيى بن يحيى فلم يقم ، فأعجب به مالك وسأله : من أنت ؟ وأين بلدك ؟ ثم لم يزل بعد مكرما له " . وعن يحيى بن يحيى قال : " أخذت بركاب الليث ، فأراد غلامه أن يمنعني ، فقال الليث : دعه . ثم قال لي : خدَمَك العلم . قال : فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك " .
قال إسحاق الشهيدي : " كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر ، ثم يستند إلى أصل منارة مسجده ، فيقف بين يديه علي بن المديني و أحمد بن حنبل و يحيى بن معين وغيرهم ، يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب ، لا يقول لواحد منهم : اجلس ، ولا يجلسون هيبة له وإعظاما " .
عن أبي إسحاق قال : " لما مات القاضي وجلس بنوه للتعزيه ، إذ دخل علينا رجلان في لباس سواد ، وأخذا يولولان ويقولان : وإسلاماه!! . فسئلا عن حالهما فقالا : إنا وردنا من " أغمات " من المغرب ، لنا سنة ونصف في الطريق في الرحلة إلى هذا الإمام لنسمع منه ، فوافق ورودنا وفاته " .
عن أبي طاهر قال : " سمعت أبابكر بن المقرئ يقول : طفت الشرق والغرب أربع مرات – يعني في الرحلة للحديث - . وروى رجلان عن ابن المقرئ قال : مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة في الحديث مسافة سبعين مرحلة ، ولو عرضت على خباز برغيف لم يقبلها . وقال أيضا : دخلت بيت المقدس عشر مرات ، وحججت أربع حجات ، وأقمت بمكة خمسة وعشرين شهرا ، كل ذلك في العلم " .
عن إسماعيل بن عياش قال : " كتبت لي أم الدرداء في لوحي : اطلبوا العلم صغارا ، تعملوا به كبارا ؛ فإن لكل حاصد ما زرع " .
قال ابن جماعة الكناني : " ليعلم طالب العلم أن ذلّه لشيخه عزّ ، وأن خضوعه له فخر ، وتواضعه له رفعة ، وعلى طالب العلم أن ينظر إلى شيخه بعين الإجلال ؛ فإن ذلك أقرب إلى انتفاعه به ، وكان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدّق بشيء وقال : اللهم استر عيب شيخي عني ، ولا تذهب بركة علمه مني " .
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: " كان يقال : إذا لقي الرجلُ الرجلَ فوقه في العلم فهو يوم غنيمته ، وإذا لقي من هو مثله دراسه وتعلم منه ، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه " .
قال أبو حاتم الرازي : " بقيت ثمانية أشهر بالبصرة ، وكان في نفسي أن أقيم سنة ، فانقطعت نفقتي ، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت ، وبقيتُ بلا نفقة ، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة وطلب الحديث ، وأظل كذلك إلى المساء ، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتي ، فجعلت أشرب الماء من الجوع ، ثم أصبحت فغدا علي رفيقي ، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد ، وانصرفت جائعا ، فلما كان من الغد غدا علي فقال : مر بنا إلى المشايخ ، فقلت له : أنا ضعيف لا يمكنني ، قال : ما ضعفك ؟ ، قلت : لا أكتمك أمري ، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا ، فقال : قد بقي معي دينارا فنصفه لك ، ونجعل النصف الآخر في الكراء ، فخرجنا من البصرة ، وأخذت منه النصف دينار " .
_______________________________________
* مع السلف في حفظ الوقت
قيل ل عمر بن عبدالعزيز يوماً : - " أخر هذا العمل إلى الغد " ، فقال :" ويحكم ؛ إنه يعجزني عمل يوم واحد ، فكيف أصنع إذا اجتمع على عمل يومين ؟ " ومن أقواله : " إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما " .
قال داود الطائي : " إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل ؛ فإن انقطاع السفر عن قريب هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك " .
وقال أحد الصالحين لتلاميذه: " إذا خرجتم من المسجد فتفرقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم ".
وعن قال موسى بن إسماعيل قال : " كان حماد بن سلمة مشغولا وقته كله ، إما أن يحدث أو يقرأ ، أو يسبح أو يصلي ، قد قسم النهار على ذلك ".
ذكر علماء التراجم في سيرة الجنيد بن محمد ، أنه حين أتته سكرات الموت ، أخذ يقرأ القرآن ، فأتى الناس - قرابته وجيرانه- يحدّثونه وهو في مرض الموت ، فسكت وما حدثهم ، واستمر في قراءته ، فقال له ابنه : " يا أبتاه! أفي هذه الساعة تقرأ القرآن؟! " . فقال : " ومن أحوج الناس مني بالعمل الصالح؟ ، فأخذ يقرأ ويقرأ حتى قُبضت روحه .
كان معروف الكرخي يعتمر ، فأتى من يقص شارب معروف الكرخي ، فحلق رأسه ، ثم قال للقصاص: " خذ من شاربي "، فأخذ معروف يسبح الله ، فقال له القصاص: " أنا أقص شفتك ، اسكت " ، قال: " أنت تعمل، وأنا أعمل "، وذكروا عنه أنه ما رئي إلا متمتماً بذكر الله، ويقولون : كان إذا نام عند أهله سبّح ، فلا يستطيعون النوم .
وعن ابن عساكر قال : " كان الإمام سليم بن أيوب لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة ، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ ، وكان إذا أراد أن يعدّ القلم للكتابة حرّك شفتيه بالذكر حتى ينتهي من ذلك " .
قال الإمام ابن عقيل : " إني لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري ، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة ، وبصري عن مطالعة ، أعملت فكري في حال راحتي وأنا على الفراش ، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره . وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في الثمانين من عمري أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة ، وأنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي ، حتى أختار سفّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز ، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ ، وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء – بإجماع العلماء – هو الوقت ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص ، فالتكاليف كثيرة ، والأوقات خاطفة " .
وقال الإمام ابن القيم : "إضاعة الوقت أشد من الموت ؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها" .
_____________________________
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
*مع السلف في علو همتهم
قال الإمام أحمد : " ما كتبت حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به ، حتى مرّ بي الحديث : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى أبا طيبة الحجام ديناراً ) - أصله في البخاري - ، فاحتجمتُ وأعطيتُ الحجّام دينارا " .
قال الإمام إبراهيم الحربي عن نفسه : " أفنيت من عمري ثلاثين سنة لا آكل إلا رغيفين ، إن جاءتني بهما أمي أو أختي وإلا بقيت جائعا إلى الليلة التالية ، وأفنيت ثلاثين سنة برغيف في اليوم والليلة ، إن جاءتني به امرأتي أو بنتاي وإلا بقيت جائعا عطشانا ، والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة ، وما كنا نعرف هذه الأطبخة شيئا ".
وعن محمد بن سلمة أنه كان يجزيء ليله ثلاثة أجزاء : جزء للنوم ، وجزء للدرس ، وجزء للصلاة ، وكان كثير السهر ، فقيل له : " لم لا تنام ؟ " ، فقال : " كيف أنام وقد نامت عيون المسلمين تعويلا علينا ؟ وهم يقولون : إذا وقع لنا أمر رفعناه إليه فيكشفه لنا . فإذا نمنا ففيه تضييع للدين " .
وعن أبي القاسم بن عقيل : أن أبا جعفر الطبري قال الأصحابه : " هل تنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا ؟ " ، قالوا : " كم قدره ؟ " ، فذكر نحو ثلاثين ألف ورقة ، فقالوا : " هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ! " ، فقال : " إنا لله ، ماتت الهمم " ، فاختصر ذلك في نحو ثلاثة آلاف ورقة ، ولما أن أراد أن يملي التفسير قال لهم نحوا من ذلك ، ثم أملاه على نحو من قدر التاريخ " .
واستيقظ أبو يزيد البسطامي ليلة وهو صبي ، فإذا أبوه يصلي ، فقال لأبيه : " " ، فقال له أبوه : " يا بنيّ ، ارقد فإنك صغير بعد " ، فقال له : يا أبت ، علمني كيف أتطهّر وأفعل مثل فعلك وأصلي معك
" يا أبت ، إذا كان يوم القيامة ، حين يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم ، أأقول لربي : إني طلبت من أبي فلم يعلمني ؟ " ، فقال له : " لا والله يا بنيّ " . وعلّمه ، فكان يصلي معه .
يقول الذهبي عن الحافظ عبدالغني المقدسي : " كان لا يضيع شيئا من زمانه بلا فائدة ، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن ، وربما أقرأ الناس شيئا من الحديث تلقينا ، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي ثلاثمئة ركعة بالفاتحة والمعوذتين إلى قبل الظهر ، وينام نومة ثم يصلي الظهر ويشتغل إما بالتسميع أو بالنسخ إلى المغرب ، فإن كان صائما أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء ، ويصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده ، ثم يقوم كأن إنسان يوقظه فيدعو قليلا ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر ، وربما توضأ سبع مرات أو ثمانيا في الليل ، ويقول : ما تطيب لي الصلاة إلا ما دامت أعضائي رطبة . ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر ، وهذا دأبه ".
وروي عن الإمام ابن خفيف أنه كان به وجع الخاصره ، فكان إذا أصابه أقعده عن الحركة ، فكان إذا نودي بالصلاة يُحمل على ظهر رجل ، فقيل له : " لو خففت على نفسك " ، فقال : " إذا سمعتم حي على الصلاة ولم تروني في الصف ، فاطلبوني في المقبرة " .
__________________________________________
* مع السلف في كراماتهم
عن عبيد الله بن أبي جعفر قال : " غزونا القسطنطينية ، فكُسر بنا مركبنا ، فألقانا الموج على خشبة في البحر - وكنا خمسة أو ستة - فأنبت الله لنا بعددنا ورقة لكل رجل منا ، فكنا نمصّها فتشبعنا وتروينا ، فإذا أمسينا أنبت الله لنا مكانها ، حتى مر بنا مركب فحملنا " .
قال ابن مسدي عن الإمام أبو محمد الروابطي : " ... له كرامات ، أُسر إلى " طرطوشة " وقيدوه ، فقام النصراني ليلة فرآه يصلي وقيده إلى جنبه ؛ فتعجب من ذلك ، فلما أصبح رأى قيده في رجله ، فرقبه ثاني ليلة فكذلك ، فذهب فأخبر القسيس فقالوا : أحضره . فجاء به وجرت بينه وبينهم محاورة ، ثم قالوا : لايحل أن نأسرك ، فاذهب إلى حال سبيلك ".
قال الإمام الزبيدي : " خرجت إلى المدينة لوحدي ، فآواني الليل إلى جبل ، فصعدته وناديت : اللهم إني الليلة ضيفُك ، ثم أتاني صوت يناديني : مرحبا بضيف الله ، إنك مع طلوع الشمس تمر بقوم على بئر يأكلون خبزا وتمرا ، فإذا دعوك فأجب . فسرتُ من الغد فلاحت لي بئر فجئتها ، فوجدت عندها قوما يأكلون خبزا وتمرا ، فدعوني فأجبتُ " .
قال أبو الفضل : " حكي أنه طلع إصبع زائد في يد ولد من أولاد الرؤساء ، فاشتد ألمه له ، فدخل عليه ابن الخاضبة فمسح عليها وقال : أمرها يسير ، فلما كان الليل نام الغلام وانتبه فوجدها قد سقطت ".
عن عمر المحمودي قال : " لما مات الوخشي كنتُ غلاما ، فلما وضعوه في القبر خرجت الحشرات من المقبرة - وكان في طرفها واد - فذهبت إليه الحشرات ، والناس لا يعرضون لها ".
عن سليمان بن يزيد : أن الإمام علي بن أبي طاهر لما رحل إلى الشام وكتب الحديث ، جعل كتبه في صندوق وأوثقه ، وركب البحر فاضطربت السفينة وماجت ، فألقى الصندوق في البحر ، ثم سكنت السفينة ، فلما خرج منها أقام على الساحل ثلاثا يدعو الله ، ثم سجد في الليلة الثالثة وقال : " اللهم إن كان طلبي ذلك لوجهك وحب رسولك فأغثني برد ذلك " . فرفع رأسه فإذا بالصندوق ملقى عنده ، فقدم علينا وأقام برهة ، ثم قصدوه لسماع الحديث فامتنع عن ذلك ، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يقول له : " يا علي ، من عامل الله بما عاملك به على شط البحر ، لا تمتنع من رواية أحاديثي " فتاب إلى الله ، وعاد إلى الرواية .
__________________________________
*مع السلف في طلب العلم
عن أحمد بن خالد قال : " بلغنا أن يحيى بن يحيى الليثي كان عند مالك بن أنس رحمه الله ، فمرّ على باب مالك الفيل ، فخرج كل من كان في مجلسه لرؤية الفيل سوى يحيى بن يحيى فلم يقم ، فأعجب به مالك وسأله : من أنت ؟ وأين بلدك ؟ ثم لم يزل بعد مكرما له " . وعن يحيى بن يحيى قال : " أخذت بركاب الليث ، فأراد غلامه أن يمنعني ، فقال الليث : دعه . ثم قال لي : خدَمَك العلم . قال : فلم تزل بي الأيام حتى رأيت ذلك " .
قال إسحاق الشهيدي : " كنت أرى يحيى القطان يصلي العصر ، ثم يستند إلى أصل منارة مسجده ، فيقف بين يديه علي بن المديني و أحمد بن حنبل و يحيى بن معين وغيرهم ، يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم إلى أن تحين صلاة المغرب ، لا يقول لواحد منهم : اجلس ، ولا يجلسون هيبة له وإعظاما " .
عن أبي إسحاق قال : " لما مات القاضي وجلس بنوه للتعزيه ، إذ دخل علينا رجلان في لباس سواد ، وأخذا يولولان ويقولان : وإسلاماه!! . فسئلا عن حالهما فقالا : إنا وردنا من " أغمات " من المغرب ، لنا سنة ونصف في الطريق في الرحلة إلى هذا الإمام لنسمع منه ، فوافق ورودنا وفاته " .
عن أبي طاهر قال : " سمعت أبابكر بن المقرئ يقول : طفت الشرق والغرب أربع مرات – يعني في الرحلة للحديث - . وروى رجلان عن ابن المقرئ قال : مشيت بسبب نسخة مفضل بن فضالة في الحديث مسافة سبعين مرحلة ، ولو عرضت على خباز برغيف لم يقبلها . وقال أيضا : دخلت بيت المقدس عشر مرات ، وحججت أربع حجات ، وأقمت بمكة خمسة وعشرين شهرا ، كل ذلك في العلم " .
عن إسماعيل بن عياش قال : " كتبت لي أم الدرداء في لوحي : اطلبوا العلم صغارا ، تعملوا به كبارا ؛ فإن لكل حاصد ما زرع " .
قال ابن جماعة الكناني : " ليعلم طالب العلم أن ذلّه لشيخه عزّ ، وأن خضوعه له فخر ، وتواضعه له رفعة ، وعلى طالب العلم أن ينظر إلى شيخه بعين الإجلال ؛ فإن ذلك أقرب إلى انتفاعه به ، وكان بعض السلف إذا ذهب إلى شيخه تصدّق بشيء وقال : اللهم استر عيب شيخي عني ، ولا تذهب بركة علمه مني " .
وعن عبد الرحمن بن مهدي قال: " كان يقال : إذا لقي الرجلُ الرجلَ فوقه في العلم فهو يوم غنيمته ، وإذا لقي من هو مثله دراسه وتعلم منه ، وإذا لقي من هو دونه تواضع له وعلمه " .
قال أبو حاتم الرازي : " بقيت ثمانية أشهر بالبصرة ، وكان في نفسي أن أقيم سنة ، فانقطعت نفقتي ، فجعلت أبيع ثيابي حتى نفذت ، وبقيتُ بلا نفقة ، ومضيت أطوف مع صديق لي إلى المشيخة وطلب الحديث ، وأظل كذلك إلى المساء ، فانصرف رفيقي ورجعت إلى بيتي ، فجعلت أشرب الماء من الجوع ، ثم أصبحت فغدا علي رفيقي ، فجعلت أطوف معه في سماع الحديث على جوع شديد ، وانصرفت جائعا ، فلما كان من الغد غدا علي فقال : مر بنا إلى المشايخ ، فقلت له : أنا ضعيف لا يمكنني ، قال : ما ضعفك ؟ ، قلت : لا أكتمك أمري ، قد مضى يومان ما طعمت فيهما شيئا ، فقال : قد بقي معي دينارا فنصفه لك ، ونجعل النصف الآخر في الكراء ، فخرجنا من البصرة ، وأخذت منه النصف دينار " .
_______________________________________
* مع السلف في حفظ الوقت
قيل ل عمر بن عبدالعزيز يوماً : - " أخر هذا العمل إلى الغد " ، فقال :" ويحكم ؛ إنه يعجزني عمل يوم واحد ، فكيف أصنع إذا اجتمع على عمل يومين ؟ " ومن أقواله : " إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما " .
قال داود الطائي : " إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة ، حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها فافعل ؛ فإن انقطاع السفر عن قريب هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك " .
وقال أحد الصالحين لتلاميذه: " إذا خرجتم من المسجد فتفرقوا لتقرؤوا القرآن، وتسبحوا الله، فإنكم إذا اجتمعتم في الطريق، تكلمتم وضاعت أوقاتكم ".
وعن قال موسى بن إسماعيل قال : " كان حماد بن سلمة مشغولا وقته كله ، إما أن يحدث أو يقرأ ، أو يسبح أو يصلي ، قد قسم النهار على ذلك ".
ذكر علماء التراجم في سيرة الجنيد بن محمد ، أنه حين أتته سكرات الموت ، أخذ يقرأ القرآن ، فأتى الناس - قرابته وجيرانه- يحدّثونه وهو في مرض الموت ، فسكت وما حدثهم ، واستمر في قراءته ، فقال له ابنه : " يا أبتاه! أفي هذه الساعة تقرأ القرآن؟! " . فقال : " ومن أحوج الناس مني بالعمل الصالح؟ ، فأخذ يقرأ ويقرأ حتى قُبضت روحه .
كان معروف الكرخي يعتمر ، فأتى من يقص شارب معروف الكرخي ، فحلق رأسه ، ثم قال للقصاص: " خذ من شاربي "، فأخذ معروف يسبح الله ، فقال له القصاص: " أنا أقص شفتك ، اسكت " ، قال: " أنت تعمل، وأنا أعمل "، وذكروا عنه أنه ما رئي إلا متمتماً بذكر الله، ويقولون : كان إذا نام عند أهله سبّح ، فلا يستطيعون النوم .
وعن ابن عساكر قال : " كان الإمام سليم بن أيوب لا يدع وقتا يمضي بغير فائدة ، إما ينسخ أو يدرس أو يقرأ ، وكان إذا أراد أن يعدّ القلم للكتابة حرّك شفتيه بالذكر حتى ينتهي من ذلك " .
قال الإمام ابن عقيل : " إني لا يحل لي أن أضيّع ساعة من عمري ، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة ، وبصري عن مطالعة ، أعملت فكري في حال راحتي وأنا على الفراش ، فلا أنهض إلا وخطر لي ما أسطره . وإني لأجد من حرص على العلم وأنا في الثمانين من عمري أشد مما كنت أجده وأنا ابن عشرين سنة ، وأنا أقصّر بغاية جهدي أوقات أكلي ، حتى أختار سفّ الكعك وتحسّيه بالماء على الخبز ، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ ، وإن أجلّ تحصيل عند العقلاء – بإجماع العلماء – هو الوقت ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص ، فالتكاليف كثيرة ، والأوقات خاطفة " .
وقال الإمام ابن القيم : "إضاعة الوقت أشد من الموت ؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها" .
_____________________________
تعليق