إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي




    محمد فاروق النبهان


    تعتبر ولاية المظالم في تاريخ الإسلام من أهمِّ معالِمه الحضارية التي تمثِّل سيادة الحق والعدل، وخضوع جميع أصحاب النفوذ والسلطان للأحكام التي تقرِّرُها عدالةُ الإسلام.

    وقد يكون التساؤل مطروحًا حول مهمة هذه الولاية التي لا تخرج في شكلها العامِّ عن مفهوم القضاء العادي، إلا أن التسمية - بولاية المظالم - تُشير إلى الدَّور الذي تقوم به هذه الولاية، وذلك عندما يحكم القضاءُ في قضيةٍ ما، ويتجاوز - لظروفٍ تخرج عن سلطة القاضي - مبادئ الحق والعدل المقرَّرة، فيحكُم القاضي بحكمٍ لا تتوفَّر لدى الطرَفِ الضعيف القناعةُ الكافية بعدالة الحكم ونزاهته؛ وذلك بسبب تحيُّز القاضي لأحد أطراف القضية، لا عن قناعة بذلك، وإنما بسبب سلطانٍ يملِكُه الطرف الآخر، ونفوذٍ يخشى على نفسه منه، وفي هذه الحالة يتجاوز المظلوم ما تفرِضُه عليه التقاليد والأعراف القضائية، فيرفع الأمر إلى جهة نافذةٍ ذات سلطان، تحمي ذلك الطرف الضعيف من سلطان خصمِه، وتفضح تجاوزه، وتكشف عن استغلاله لنفوذه لإلحاق الظلم بالضعفاء من الناس، ممن لا يملِكون ما يملِك من هيبة في سلطته، أو قوة في مركزه.


    قال الإمام الماوردي في تعريفه لدَور هذه الولاية:

    "ونظرُ المَظالِم هو قَود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة، وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة، فكان من شروط الناظر فيها أن يكون جليل القدر، نافذ الأمر، عظيم الهيبة، ظاهر العفَّة، قليل الطمع، كثير الورع؛ لأنه يحتاج في نظره إلى سطوة الحُماة، وثَبْت القضاة، فيحتاج إلى الجمع بين صفات الفريقين، وأن يكون بجلالة القدر نافذ الأمر في الجهتين"؛ (الأحكام السلطانية: 77).


    نشأة ولاية المظالم:

    لا يمكن تصوُّر وجود ولاية المظالِم في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن هذه الولاية لا يمكن تصوُّرها إلا في ظل توفُّر الشروط التالية:

    نظام قضائي يمارس فيه القضاءُ دَوره الفعلي، بحيث تُعرَض القضية على والي المظالِم في الوقت الذي يعجز فيه القضاء العادي عن النظر فيها بسبب ظروف خاصة.

    وجود أصحاب سطلة ونفوذٍ يُمارِسون سلطتَهم بعيدًا عن رقابة وقبضة القضاء، معتمدين على ذلك على ما يملكونه من نفوذ شخصي، يملكون الاعتماد عليه، في كل تجاوز.

    أن يكون القضاءُ ضعيفًا، ولا يملِك القاضي فيه سلطةً قانونية تحميه من غضب أصحاب النفوذ، ولا يمكننا تصوُّر وقوع الظلم وإقراره في ظل نظام قضائي سليم يمارِس فيه القاضي اختصاصَه بحرية ونزاهة.

    وبِناءً على هذه التصوُّرات، فإن ولاية المظالِم لا يمكن تصوُّرها في ظلِّ العصر النبوي، نظرًا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ينظر بنفسه في المنازعات، ويحتكم النَّاس إليه مباشرة، وقد نستطيع أن نتصوَّر أن بعض ولاتِه - صلى الله عليه وسلم - ارتكب ظلمًا في حقِّ مواطنٍ ضعيف، فعندئذٍ يَعرِضُ ذلك المظلومُ قضيتَه أمام النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحكم له بحقه ويُنصفُه ممَّن ألحق به الظلم، إلا أن ذلك التصوُّر لم تؤكِّده أية روايةٍ تاريخية حول تجاوزاتٍ قام بها الولاة أو القوَّاد في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعود سبب ذلك إلى نقاء تلك الفترة التاريخية من تاريخ الإسلام، من مثل هذه الممارسات الخاطئة، التي لا تظهر عادة إلا في ظل مجتمعات نَمَت فيها جرثومة الظلم، ووجدت بيئة مهيَّأة للانطلاق والظهور.


    ويحدِّثنا التاريخ أن عصر الصحابة الأوائل لم يشهَدْ أحداثًا ووقائع تستدعي أن يُرفَع أمرُها إلى خليفة المسلمين لرفع الظلم فيها، وذلك لسببين:

    أولهما: أن الخلفاء الراشدين كانوا يباشرون بأنفسهم مهمَّة القضاء.

    وثانيهما: أن مراكز القُوى والنفوذ لم تكن تملِكُ سلطة التجاوز، بفضلِ نزاهة القضاء ودَوره الكبير في حسم المنازعات والاختلافات بمقتضى قواعد الشرع وأحكامه القضائية.

    ومع هذا فإننا لا يُمكِنُنا أن نستبعدَ أن بعض النَّاس كان يرفعُ مظلمته إلى الخليفة مباشرة، وكان الخليفة يحسم الأمر مباشرة، دون أن يُطلِق على ذلك اسمَ ولاية المظالم، ولعلَّنا نذكر قصة الأعرابي الذي اعتدى عليه ابنُ والي مصر عمرو بن العاص، في حادثة مشهورة، واشتكى ذلك الأعرابي إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فاستدعى واليَه على مصر، وزجره وقال كلمته المشهورة:

    "متى استعبدتُم النَّاس وقد ولدَتْهم أمهاتهم أحرارًا".


    وفي عصر بني أميَّة ابتدأت المظالم، وارتفع صوت أصحابها، يُطالِبون برفع الظلم عنهم، وتشير الروايات التاريخية إلى أن أول خليفة حدَّد يومًا للنظر في المظالم هو عبدالملك بن مَرْوان، وكان ينظر في المظالم المعروضة عليه، فإذا أشكل منها شيء ردَّه إلى قاضيه ابن إدريس الأزدي.

    واشتهر برفع المظالم الخليفة الأموي "عمر بن عبدالعزيز"، وكان خليفة قويًّا في الحق، يكره الظلم وينفِرُ منه، وعندما استلم الخلافة وجد أمامه مظالم بني أمية، وقد خلَّفت وراءها ضحايا من أصحاب الحقوق، وقرَّر الخليفة أن يتصدَّر لتلك المظالم، بالرغم من خطورة التصدِّي لأصحابها، وهم أصحاب نفوذ وسلطان، وبخاصة وهم من بني أمية، ممن يملِكُون تاريخًا عريضًا في الحكم، ويملكون دعمًا قويًّا من السلطة، ومع هذا فقد قرَّر "عمر" أن يخوضَ "معركة الحق" دفاعًا عن الحق والعدل، وقيل له في ذلك: إنَّا نخافُ عليك من ردِّها العواقبَ، فقال: كل يوم أتقيه وأخافه دون يوم القيامة لا وُقِيته.

    وجلس عددٌ من الخلفاء العباسيين للنظر في المظالم؛ منهم: المهدي، والهادي، والرشيد، والمأمون، واتخذ المهديُّ لنفسه بيتًا له، شبك من حديد على الطريق، تطرح فيه القصص، وكان يدخله بنفسه، ويأخذ ما يجد من شكايات ومظالم، فينظر فيها ويقضي بما يراه حقًّا وعدلًا.

    وأحيانًا كان الخلفاء يوكِلون أمر المظالم إلى قاضٍ مختصٍّ من أصحاب النفوذ والسلطة والهيبة، ويفوِّضونه باسمِهم أن ينظر في المظالم، وأن يقف إلى جانب أصحابها دفاعًا عن الحقوق.


    الاختلاف بين ولاية القضاء وولاية المظالم:

    لا تُعتَبر ولاية المظالم إحدى الوظائف القضائية التي تحتاج إلى تقليد وتكليف رسمي، إلا عندما تستحدث وظيفة خاصة بها، ويجلس لها مَن يكلَّف بأمرها، دون غيرها من الأعمال.

    ومن المعروف في مَيْدان القضاء أن ولاية القضاء تُعتَبر عقدًا كبقية العقود الأخرى التي تحتاج إلى إيجاب وقَبول، وألفاظ خاصة تدل على عقد ولاية القضاء.

    وهناك ألفاظ صريحة تدلُّ على المراد بطريقة مباشرة دون حاجة إلى قرينة ويدخل ضمن هذا كلُّ الألفاظ التي تدلُّ على التولية؛ كقول المولِّي لمن يكلفه بالقضاء: قلَّدتُك أو ولَّيتك، أو استخلفتُك، وأحيانًا يستعمل المولِّي صيغًا لا تدل على التولية بنفسها، وإنما عن طريق القرائن التي تُرافِقها، كقولِه: اعتمدتُ عليك، وعوَّلتُ عليك، ورددتُ إليك، وفوَّضت إليك، وأسندتُ إليك.

    ومن الطبيعي أن هذا الكلام الذي يعتبر إيجابيًّا يحتاج إلى قَبول من الشخص المكلَّف بالمهمة، والقبول قد يكون صريحًا، وقد يدل الحال عليه بالقرائن المعتادة، ولا بد في هذه الحالة عند تقليد القضاء من قناعة المولِّي بجدارة الشخص المولَّى للقيام بالمهمة المنوطة به، وهناك شرط آخر وهو إذاعة الخبر ونشره بين النَّاس لكي يُذعِن الجميع لطاعة المسؤول الجديد.

    أما ولاية المظالم، فإنها لا تحتاج إلى تقليد وتولية، إذا تولاها الخليفة، أو تولاَّها صاحبُ ولاية عامة، وأن صاحب الولاية العامَّة يملِكُ - بحكم عموم ولايتِه - أن ينظر في كلِّ ما يعرض عليه من مشاكل الناس، وأن يتدخَّل لحلِّها وإنصاف أصحابها، ويدخل ضمن مَن يحق لهم النظر في المظالم: الوزراء والأمراء.

    وتختلف صلاحية الوزراء عن الأمراء، فالوزير يملِك - بمقتضى المفاهيم الإدارية الإسلامية التي كانت متبعة - ولايةً عامة في جميع أنحاء الدولة، فيما أسند إليه من مهام، بخلاف الأمير، فإنه يملك ولاية عامة في كل شيء وفي حدود المنطقة الجغرافية التي تعتبر جزءًا من إمارته.

    أمَّا غير هؤلاء من أصحاب الولاية العامة، فلا يجوز لهم النظر في أمرِ المظالم إلا بتقليدٍ وتولية، ويخضع التقليدُ لنفس الشروط التي تخضعُ لها تولية القضاء، وتُعتَبر - في هذه الحالة - ولايةُ المظالم إحدى أهم ولايات القضاء.

    قال الماوردي:

    "فإن كان (والي المظالم) ممن يملك الأمور السَّابقة - كالوزراء والأمراء - لم يحتَج النظرُ فيها إلى تقليدٍ، وكان له بعموم ولايته النظرُ فيها، وإن كان ممن لم يفوَّض إليه عموم النظر احتاج إلى تقليد وتولية إذا اجتمعت فيه الشروط المتقدمة"؛ (الأحكام السلطانية: 77).


    يتبـــــــــــــــع


  • #2
    رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي


    مجلس المظالم:


    كان مجلس والي المظالم ينعقِدُ في أوقاتٍ محددة، يستقبل فيها المتظلِّمين،
    سواء كان والي المظالم هو الخليفة نفسه أو وزيره أو مَن يفوِّضه أمر ذلك من القضاة.


    وقد ذكر الماوردي في كتابه: "الأحكام السلطانية" مجلس والي المظالم، وأنه لم يكن ينتظم إلا بوجود الفئات التالية:

    1- الحماة والأعوان، لجذب القوي وتقويم الجريء.

    2- القضاة والحكَّام لاستعلام ما يثبُتُ عندهم من الحقوق، ومعرفة ما يجري في مجالسهم بين الخصوم.

    3- الفقهاء ليَرجِع إليهم فيما أشكل، ويسألهم عمَّا اشتبه وأعضل.

    4- الكتَّاب ليثبتوا ما جرى بين الخصوم، وما توجَّه لهم أو عليهم من الحقوق.

    5- الشهود؛ وذلك لكي يُشهِدَهم على ما أوجبه من حق، وأمضاه من حُكم.

    ويبدو أن هذا التنظيم قد اعتُمِد عليه عندما أصحبت ولاية المظالم أكثر تنظيمًا من أن تكون مجرد شكوى فردية يقدِّمها مواطنٌ لمسؤول، وهذا التنظيم يُشِير إلى أن ولاية المظالم قد أصبحت سلطة قضائية عُليا، تقترب في عصرنا من المحاكم العليا ذاتِ التخصص.


    اختصاصات ولاية المظالم:

    بحَث علماء الفكر السياسي الإسلامي في كُتُبهم موضوعَ ولاية المظالم، وقدَّموا لنا حسب ما كان متعارفًا لديهم من تجاوزاتِ السلطة صورًا متعدِّدة، وتدخل ضمن اختصاصات والي المظالم.

    ومن أهم مَن بحث ذلك الإمام الماوردي، في كتابه: "الأحكام السلطانية" (ص: 80)، ويشتمل النظر في المظالم عنده على عشرة أقسام:

    الأول: النظر في تعدِّي الوُلاة على الرعية، وأخذهم بالعسف في السيرة، فهذا من لوازم النظر في المظالم الذي لا يقف على ظلامةِ متظلِّم، فيكون لسيرة الولاة متفحِّصًا، وعن أحوالهم مستكشفًا، ليقويَهم إن انصفوا، ويكفَّهم إن عسفوا، ويستبدل بهم إن لم يُنصِفوا.

    الثاني: جَوْر العمَّال، فيما يَجْبُونه من الأموال، فيرجع فيه إلى القوانين العادلة في دواوين الأئمة، فيحمل الناس عليها، ويأخذ العمال بها، وينظر فيما استزادوه، فإن رفَعوه إلى بيت المال أمَر بردِّه، وإن أخذوه لأنفسهم استرجَعه لأربابه.

    الثالث: كتَّاب الدواوين، وهم الأمناء على أموال المسلمين، فإن وجَد منهم مَن عدل عن الطريق السويِّ أو تلاعب في هذه الأموال، سواء أكان ذلك في الجِباية أو التوزيع، أعادهم إلى الحق وحاسبهم على تصرفاتهم.

    الرابع: تظلُّم المسترزقة من نقص أرزاقهم أو تأخُّرها عنهم، وإجحاف النظر بهم، فيرجع إلى ديوانه في فرض العطاء العادل، فيجريها عليهم، وينظر فيما نقَصوه أو منَعوه من قبلُ، فإن أخذه ولاة أمورهم استرجَعه منهم، وإن لم يأخذوه قضاه من بيت المال.

    الخامس: رد الغصوب وهي الأموال المغتصبة، وهي قسمان:

    الغصوب السلطانية: وهي التي يقوم ولاة الأمر باغتصابها، رغبةً فيها، أو انتقامًا من صاحبها.. ويجب على والي المظالم أن يردَّ هذه الأموال المغتصبة إلى أربابها عندما يعلم بها، سواء تظلم صاحبها أم لا.


    الغصوب الفردية: وهي الأموال التي يغتصِبُها أصحاب النفوذ والقوة من أصحابها الضعفاء، ولا يجوزُ لوالي المظالم أن ينظُرَ في هذه الغصوب إلا بطلب من أصحابها، ولا يحكم بردِّها إلا بعد توافر الأدلة على وجوب الاغتصاب، أو إقرار المغتصِب بذلك.

    السادس: حماية الوقوف، والوقوف هي الأموال الموقوفة التي أوقفها أصحابها على جهة الخير، أو أوقفوها لثلَّة من النَّاس، وينقسم الوقف - وَفْقًا لهذا - إلى وقفٍ عامٍّ ووقف خاصٍّ؛ فالوقف العام ينظر فيه والي المظالم بدون تظلم من أحد، فيجريه على سبيله ويُمضِيه على شروط واقفه... أمَّا الوقف الخاص، فلا ينظر فيه إلا بناءً على تظلُّم أهله عندما يتنازعون فيه.

    السابع: تنفيذ ما عجز القضاء عن تنفيذه لضعف القاضي، أو لقوة المحكوم عليه، بسبب وظيفته أو مكانته.

    الثامن: النظر في جميع المسائل التي تُراعَى فيها المصالح العامَّة مما عجز رجال الحِسْبة عن النظر فيه، وبخاصة فيما يتعلق بالمنكَرات التي يرتكبها أصحاب النفوذ والسلطة.

    التاسع: مراعاة العبادة الظاهرة، ولا يجوز التقصير فيها؛ لأنها من حقوق الله، وهي أَولى بالرعاية، والحماية من حقوق النَّاس.

    العاشر: النظر بين المتشاجِرَينِ، والحكم بين المتنازعينِ فيما يعجز القضاء العادي عن النظر فيه.

    ومن تتبُّعنا لهذه الأقسام التي ذكرها الماوردي، نُلاحِظ أنها تتعرَّض لجميع الحقوق العامة المعرَّضة للضياع؛ كالأوقاف، والأموال العامة، وجبايات الأموال من النَّاس، كما تتعرَّض لكافة احتمالات الظلم الذي يمارسه أصحاب السلطة والنفوذ ضد الضعفاء؛ كاغتصاب الأموال والأراضي من أصحاب السلطة الحكومية، أو أصحاب السلطة الفعلية، ويدخل في اختصاص ولاية المظالم النظرُ في جميع القضايا التي يعجِزُ القضاء العادي عن النظر فيها لأي سبب كان.

    ويشبِّهه الدكتور الطماوي في كتابه "السلطات الثلاثة نظام المظالم في الدولة الإسلامية" بنظام القضاء الإداري بمدلوله الحديث.


    أوجه الخلاف بين القضاء والمظالم:

    لاحظنا أن هناك اختلافاتٍ كبيرة بين ولاية المظالم وولاية القضاء، وأن هذا الاختلاف ليس فقط فيما ذكرناه من اختلاف تقليدِ ولاية القضاء عن ولاية المظالم، من حيث ضرورة التولية في ولاية القضاء، وعدم ضرورة ذلك في المظالم، إذا قام بها مَن يملك ولاية عامة من خليفة أو وزير أو أمير.

    كما أن هذه الولاية قد تتدخَّل أحيانًا في بعض القضايا ممَّا لا يجوز للقضاء العادي أن يتدخل فيه إلا وَفْق شروط محدَّدة مبينة، ويجوز أيضًا لوالي المظالم أن يستعملَ من أساليب الإرهاب ما يمكنه من الوصول إلى ظهور الحق ومعرفة المبطل من المُحقِّ، كما يجوز له أن يتقصَّى ويتتبع جميع الأدلة والقرائن التي تمكنه من الوصول إلى الحقيقة.


    المظالم بين الأمس واليوم:

    هذه لمحة عن نظام قضائي ابتدعَتْه حضارتُنا، وغذَّتْه ثقافتنا، وساعدت على تكوينه إراداتٌ مخلصة من قادة هذه الأمة، وبُناة هذه الحضارة، في مراحل مختلفة من تاريخنا.

    ونحن اليوم إذا كنَّا نقدِّم لجيلِنا المعاصر صورًا حيَّة مشرِقة بهيَّة من تاريخنا القضائي والثقافي والحضاري، فإننا لا ندعو إلى أن نعيش مع تلك الذكرى أسرى بريقها العظيم، لا نتخطاها بجهد أو إنجاز، مكتفين بجهد عظيم بذله أجدادٌ لنا عاشوا عصرهم، فصنعوه صنعًا بهيج الطلعة، عظيم العطاء، كبير الفَخار، وإنما ندعو - وبكل إلحاح - إلى أن يُوقِظ ذلك التاريخُ جيلًا قد أسرف كثيرًا في سباتِه، وأغدق على ذاتِه كثيرًا من المبررات المقنعات بأن تاريخه كفيل بأن يجعل منه شعبًا عظيمًا، ولكن الشعوب لا تحيا بذكرياتها، والأمم لا تفخر بمنجزات أجدادها، فليس هكذا يكون الفخار، وليس بذلك تصنع الحضارات.

    صيحات التاريخ لن تموت، ستُوقِظ - يومًا - شعبًا بدأت أحلامه القلقة تتزايد يومًا بعد يوم، مبشِّرة واعدة بفجرٍ جديد، لن يكون - قط - فجرًا بغير صباح، فالفجر - وإن طال - يبقى أمل هذه الأمة، وطموح شبابها في كل حين.

    فبالأمس كانت هناك مظالم واستطاعت حضارتُنا وثقافتنا أن تعالج "مشكلة المظالم" بشجاعة، وأن تسخِّر لذلك الأنظمة التي تساعد على القضاء عليها، حمايةً للمستضعفين من النَّاس.

    واليوم مظالمنا كثيرة، وشعبُنا في كلِّ مكان يئنُّ تحت وطأة الظلم والفقر والمرض والحاجة والقهر، فمتى نستطيع اليوم أن ننشئ ديوانًا للمظالم، لا تُنْظَرُ فيه مظالم أفراد، وإنما تنظر فيه مظالم أمَّة استُعبِدت إرادتها، واستفزَّت كرامتُها، وأصبح أغنياؤها يعبثون بمشاعر فقرائها، في كل صباح ومساء، فمتى يُفِيق عقلاء هذه الأمة وحكماؤها، لكي يكون الإسلام خُلُقًا يوميًّا في حياتنا، ولكي تكون توجيهات القرآن حية في أعماقنا، لكيلا تكونَ هناك مظلمة لمستضعف، أو دمعة لبئيس، أو دعوة من مظلوم.

    المصدر : موقع الألوكة ـ نقلا عن مجلة الأمة



    تعليق


    • #3
      رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

      عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      جزاكم الله خيرًا ونفع بكم، طرح قيم


      "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
      وتولني فيمن توليت"

      "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

      تعليق


      • #4
        رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

        جزاكم الله خيرا

        ونفع الله بكم

        موضوع رائع

        يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ


        تعليق


        • #5
          رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

          المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
          عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
          جزاكم الله خيرًا ونفع بكم، طرح قيم

          جزانا الله وإيّاكم أختنا الفاضلة
          بوركتم لمروركم الكريم


          تعليق


          • #6
            رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

            "متى استعبدتُم النَّاس وقد ولدَتْهم أمهاتهم أحرارًا".




            واليوم مظالمنا كثيرة، وشعبُنا في كلِّ مكان يئنُّ تحت وطأة الظلم والفقر والمرض والحاجة والقهر، فمتى نستطيع اليوم أن ننشئ ديوانًا للمظالم، لا تُنْظَرُ فيه مظالم أفراد، وإنما تنظر فيه مظالم أمَّة استُعبِدت إرادتها، واستفزَّت كرامتُها، وأصبح أغنياؤها يعبثون بمشاعر فقرائها، في كل صباح ومساء، فمتى يُفِيق عقلاء هذه الأمة وحكماؤها، لكي يكون الإسلام خُلُقًا يوميًّا في حياتنا، ولكي تكون توجيهات القرآن حية في أعماقنا، لكيلا تكونَ هناك مظلمة لمستضعف، أو دمعة لبئيس، أو دعوة من مظلوم.





            لا اجد الا ان : يا ارحم الراحمين ارحمنا فانك بنا راحم

            اللهم

            هيىء لهذه الأمة
            أمر رشد
            يعز فيه أهل طاعتك ؛ ويزل فيه أهل معصيتك

            التعديل الأخير تم بواسطة الغريب 7; الساعة 11-01-2015, 09:22 AM. سبب آخر: تنسيق الرد

            تعليق


            • #7
              رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

              جزاكم الله خيرا لقد قرات المشاركة اﻻولى وباذن الله تعالى لي عودة ﻻستفيد اكثر

              اسئلكم الدعاء ﻻخي بالشفاء العاجل وان يمده الله بالصحة والعمر الطويل والعمل الصالح

              تعليق


              • #8
                رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

                المشاركة الأصلية بواسطة أول شهيده فى الاسلام مشاهدة المشاركة
                جزاكم الله خيرا

                ونفع الله بكم

                موضوع رائع

                اللهم آمين وإيّاكم أختنا الفاضلة
                بوركتم لمروركم الكريم


                تعليق


                • #9
                  رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

                  المشاركة الأصلية بواسطة الغريب 7 مشاهدة المشاركة

                  لا اجد الا ان : يا ارحم الراحمين ارحمنا فانك بنا راحم

                  اللهم

                  هيىء لهذه الأمة
                  أمر رشد
                  يعز فيه أهل طاعتك ؛ ويزل فيه أهل معصيتك

                  اللهم آمين
                  بوركتم لمروركم الكريم


                  تعليق


                  • #10
                    رد: ولاية المظالم في التاريخ الإسلامي

                    المشاركة الأصلية بواسطة راجية حب الرحمن مشاهدة المشاركة
                    جزاكم الله خيرا لقد قرات المشاركة اﻻولى وباذن الله تعالى لي عودة ﻻستفيد اكثر
                    جزانا الله وإيّاكم أختنا الفاضلة
                    إن شاء الله، يسر الله لكم وبارك فيكم لمروركم الكريم


                    تعليق

                    يعمل...
                    X