إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

    مدخل إلى الموضوع


    يجب على كل مسلم ان يعلم جيداً تاريخ الإسلام الصحيح
    حتى لا يقع فى عمليات التزييف التى تحدث للتاريخ كله


    ** البـــداية **
    ...........

    بدأ تاريخ الإسلام يوم خلق الله -عز وجل- الكون بسماواته وأراضيه،
    وجباله وسهوله، ونجومه وكواكبه، وليله ونهاره. وسَخَّرَ كل هذا للإنسان.
    وبدأت حياة هذا الإنسان فى الكون عندما خلق الله -عز وجل- آدم من تراب،
    ونفخ فيه من روحه.ثم خلق الله حواء؛ لتكون زوجة لآدم،
    ولتكون منهما البشرية.
    وسمح الله -سبحانه- لآدم وحواء أن يعيشا فى الجنة،
    ويستمتعا بكل شىء فيها بشرط أن لا يأكلا من شجرة واحدة منها،
    ونبَّه سبحانه آدم إلى عداوة الشيطان له، وحذره منه.
    وعاش آدم وحواء فى الجنة، سالمين عابدين يستمتعان بخيراتها، تحيط بهما الأشجار المثمرة، والأنهار العذبة، فكانت حياة جميلة هادئة، حتى جاءهم الشيطان،
    وأغواهما أن يأكلا من الشجرة التى نهاهما الله عنها،وأكل هو وزوجه من الشجرة المحرمة، فأخرجهما الله-عز وجل- من الجنة حيث كانت السعادة والراحة،
    وأنزلهما إلى الأرض حيث التعب والشقاء.
    وعلم آدم أنه عصى ربه، فأسرع وتاب إليه؛ ودعا ربه، فعفا عنه،
    وتاب عليه، وأمر آدم أن يهبط إلى الأرض هو وزوجته،وأُنزل معه الشيطان،
    قال تعالى:
    (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ
    عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)
    [البقرة: 38].
    وبدأت حياة البشرية على الأرض بآدم -عليه السلام- وزوجه وجاءت منهما ذرية مسلمة مؤمنة بالله، وعلمهم الله الزراعة، وكيفية الاستفادة من مياه المطر،
    ومن الأنعام، بلحومها وألبانها وأصوافها، وعلمهم صناعة السفن وركوب البحر،
    وكيف يهتدون بالنجوم فى سيرهم فى ظلمات الطرق،
    وغير ذلك مما ييسر لهم العيش على الأرض.
    وعلَّم الله -سبحانه- آدم -عليه السلام- كيف يباشر المهمة التى خلقه لها،
    ووضَّح آدم لذريته طريق الخير،وحذرهم من طريق الشر،وأخبرهم أنهم سيموتون ويبعثون ويحاسبون، وأن الفائز من يدخل الجنة، والخاسر من انتهت حياته
    وأعماله إلى النار.
    ونبه آدم ذريته إلى أن الشيطان عدوهم الأول، وإلى خطورة دوره فى حياتهم،
    وأخبرهم أنهم فى مأمن من الشيطان ماداموا عبادًا مخلصين لله -عز وجل-،
    قال الله تعالى للشيطان:
    (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)
    [الحجر:42].
    وفهمت الأجيال المسلمة التى تربت على عهد آدم الدرس كاملا،
    فعاشت فى طاعة الله مئات السنين،حتى بدأ العصيان يظهر بينها،
    وبدأ الانحراف يزداد يومًا بعد يوم، وينتهى إلى عبادة غير الله والكفر باليوم
    الآخر، وكان الله -عز وجل- يرسل إلى هذه الأجيال المنحرفة الأنبياء والرسل،
    ومنهم نوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى ومحمد
    -عليهم السلام-، وكانت دعوتهم جميعًا:
    (يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ)
    [الأعراف:59].
    وهذه هى دعوة الإسلام:
    (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون)
    [الأنبياء: 92].
    إن مسيرة الأنبياء الكرام عبر السنين الطويلة وحتى مبعث أكرم الأنبياء محمد
    (هى جزء أصيل من تاريخنا الإسلامى، لذا كانت دعوة محمد):
    (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ
    وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ
    لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون)
    [البقرة:136].
    إنه لا دين غير الإسلام:
    ( إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ)
    [آل عمران:19].
    (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين)
    [آل عمران:85].

    يُتبع إن شاء الله

    __________________

  • #2
    رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة


    النور الخاتم
    "نبى الهدى والسراج المنير"
    صلوات ربى وتسليماته عليه

    كان الأنبياء يبشرون بآخر الرسل ،ويخبرون أنه سيجىء فى آخرالزمان
    نبى لا نبى بعده،وتحققت البشرى الكريمة،وجاء محمد-صلى الله عليه وسلم-
    ليقول:
    " مثلى ومثل الأنبياء من قبلى كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا
    موضع لبنة فى زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له،
    ويقولون:هلا وضعت هذه اللبنة؟ فأنا تلك اللبنة، وأنا خاتم النبيين"

    [متفق عليه].

    ف
    الإسلام صرح عظيم ساهم فى بنائه كل نبى من أنبياء الله.

    وكان فضل الله على نبيه عظيمًا،فقد آتاه من أنعمه ما لا يحصى،ولأجل ذلك أسرعت إليه الأفئدة السوية من سادات الأقوام وضعفائهم، وجاء إليه الرجال الأطهار من الأنصار أهل المدينة يطلبونه؛ ليخرج إليهم، ويبايعونه على أن يخوضوا معه
    الصعاب لترتفع راية الإسلام.


    ووقف رسول الله وهو يحمل أشرف رسالات السماء إلى الأرض،ويصعد بأصحابه
    إلى مراقى الكمال، حتى كان منهم علماء الدنيا وقادتها ورجالها،ولم يهدأ رسول الله لحظة منذ حمل الأمانة،وحتى اللحظات الأخيرة من عمره المبارك،لما ثقل به الوجع جعل يحاول الخروج للصلاة مع أصحابه، لكنه كان لايستطيع، فيطلب ممن حوله أن يصبوا عليه ماء فيفعلون، فيفيق، فيكون أول سؤاله:
    "أصلى الناس؟" فيقال له:لا، هـم ينتظرونك يا رسول الله. فيطلب أن يصبوا عليه الماء، ليفيق من مرضه، ويحاول مرة بعد مرة فلا يستطيع، كل ذلك والناس منتظرون فى المسجد لا يستطيعون مفارقته قبل أن يروا حبيبهم وزعيمهم وقائدهم، لكنه لا يخرج، فقد اشتد به الوجع، وأمر أبا بكر أن يصلى بالناس.


    وفى الأيام التالية،وجد فى نفسه خفَّة،فخرج لأصحابه فى صلاة الظهر متوكئًا على
    ابنىْ عمه الفضل بن العباس وعلى بن أبى طالب،وجلس على أول درجة من درجات المنبر،وقال:
    "إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله"

    [أحمد].
    فبكى أبو بكر الصديق ووقف الصحابة يتعجبون لبكائه.
    لكن أبا بكر كان قد فهم ما لم يفهمه الصحابة؛ لقد فهم أن العبد المخير هو رسول الله وأن اختيار رسول الله لما عند الله يعنى قرب الفراق. وصعدت روح رسول الله إلى الرفيق الأعلى فى هذا اليوم، فتزلزلت نفوس الصحابة حتى وقف عمر بن الخطاب يهدد من يذيع الخبر قائلا:
    زعموا أن محمدًا مات، وإنه والله ما مات،لكنه ذهب
    إلى ربه كما ذهب موسى، والله ليرجعن رسول الله حقّا
    .
    وجاء أبو بكر الصديق فدخل على رسول الله، وتحقق من الخبر، فقَبَّل جبين رسول الله قائلا:
    بأبى أنت وأمى يا رسول الله، طبت حيًا وميتًا وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من العالمين
    .
    ثم خرج إلى أصحابه يعيد صوابهم قائلا:
    أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن
    محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت.ثم تلا عليهم قول الله:

    (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى
    أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِين)

    [آل عمران:144] [والحديث رواه أحمد].


    وهنا رجع الصحابة إلى رشدهم، فقد فهموا أن الله قد اختار حبيبه إلى جواره، وأن الأمانة لا زالت فى أعناقهم، وأنهم كى يلتقوا به ثانية لابد أن يكونوا على طريقه
    حتى يكون الملتقى فى الجنة إن شاء الله.


    دولة الخلفاء الراشدين

    لقد كان المسلمون أثناء حياة النبى فى أمن وسكينة،فالرسول-صلى الله عليه وسلم-
    يدبر أمورهم،ويقود جموعهم، ويرشدهم، ويهديهم، ويفتيهم فيما يعنيهم.
    فلما مات النبى شعر المسلمون أنه لابد لهم من راعٍ يخلف الرسول فى تدبيرأمورهم، ويقود مسيرتهم، ويحمل راية الإسلام عالية خفاقة، فمن يتولى أمرهم بعد النبى ؟!
    إن الرسول لم يعيّن أحدًا من بعده ؛بل ترك الأمر شورى بينهم،
    يختارون خليفتهم بأنفسهم لكن من يكون ذلك الخليفة ؟

    سقيفة بنى ساعدة

    لابد من اجتماع للتشاور،والاتفاق على رأى، فليلتق الجميع فى سقيفة بنى ساعدة، وليتفقوا على من يختارونه،لكن الأنصار قد سبقوا إلى السقيفة،واختاروا واحدًا
    منهم هو سعد بن عبادة.
    فلما علم عمر بن الخطاب وأبو بكر الصديق وأبو عبيدة بن الجراح، أسرعوا إلى السقيفة، ووقف أبو بكر فيهم خطيبًا، فتحدث عن فضل المهاجرين وفضل الأنصار ثم ذكر أن الخليفة يجب أن يكون قرشيّا، إذ إن الناس لا يطيعون إلا هذا الحىّ من العرب، ثم اختار للناس أن يبايعوا إما عمر وإما أبا عبيدة، فرفض عمر وأبو عبيدة ذلك الأمر لعلمهما بفضل أبى بكر وسابقته، وهنا وقف بشير بن سعد وهو أحد زعماء الأنصار، وطلب من قومه ألا ينازعوا المهاجرين فى الخلافة !
    وهذا موقف نبيل؛ إنه حريص على وحدة الصف، وعلى الأخوة الإسلامية، لا يفكر إلا فى المصلحة العامة، وهنا أعلن عمر ابن الخطاب ومعه أبو عبيدة بن الجراح
    مبايعتهما لأبى بكر الصديق.
    وبايع كل من كان فى السقيفة أبا بكر، ثم شهد مسجد الرسول بالمدينة بيعة عامة
    على نطاق أوسع ضمت كل الذين شهدوا بيعة السقيفة والذين لم يشهدوها،
    وأصبح أبو بكر خليفة المسلمين، وكان ذلك سنة 11هـ/ 633م. لقد كان أبو بكر جديرًا بذلك، وكان المسلمون جميعًا على قناعة بذلك، فقد رضيـه رسول الله
    -صلى الله عليه وسلم-(لدينهم) إمامًا فصلى خلفه،وأمر الناس بالصلاة خلفه،
    وهو مريض، فكيف لا يرضونه(لدنياهم)؟!
    _________________

    خلافة أبى بكر الصديق
    (11 - 13 هـ / 632- 634م )

    تمت البيعة لأبى بكر، ونجح المسلمون:الأنصار والمهاجرون فى أول امتحان لهم
    بعد وفاة الرسول-صلى الله عليه وسلم- ، لقد احترموا مبدأ الشورى، وتمسكوا بالمبادئ الإسلامية، فقادوا سفينتهم إلى شاطئ الأمان.

    وها هو ذا خليفتهم يقف بينهم ليعلن عن منهجه، فبعد أن حمد الله وأثنى عليه،قال:
    "أيها الناس،إنى قد وليت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنت فأعينونى،وإن أسأت فقومونى(ردونى عن الإساءة)، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوى عندى حتى آخذ له حقه، والقوى ضعيف عندى حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة فى قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعونى ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لى عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله" [ابن هشام].

    كان الإسلام فى عهد النبى قد بدأ ينتشر بعد السنة السادسة للهجرة،
    وبعد هزيمة هوازن وثقيف بدأت الوفود تَرِد إلى الرسول معلنة إسلامها،
    وكان ذلك فى العام التاسع!

    جهاد أبى بكر
    لقد دخل الناس فى دين الله أفواجًا،وقلَّ عدد المشركين الذين يعبدون الأصنام،
    وطهرت الجزيرة العربية من الشر، لكن بعض الذين دخلوا فى الإسلام كان منهم ضعاف الإيمان، ولم يكن الإيمان قد استقر فى قلوبهم، وقد دخله بعضهم طمعًا فى الأراضى والأموال.
    وكانت وفاة الرسول فرصة لهؤلاء وأولئك لكى يظهروا ما أخفوه خلال الفترة الماضية،ولكى يعلنوا ردتهم عن الدين الحنيف، فماذا يفعل الصديق،
    والخلافة فى أول عهدها ؟!
    إن هناك جماعة منعت الزكاة،وأخرى ارتدت،بل ادعى بعض الناس منهم النبوة!

    جيش أسامة
    لقد كان على أبى بكر -رضى الله عنه- أن يواجه هؤلاء جميعًا.
    وليس هذا فقط بل كان عليه أن يؤمِّن حدود الدولة الإسلامية ضد الأعداء الخارجيين، وكان الرسول-صلى الله عليه وسلم- قد أعدَّ لذلك جيشًا بقيادة أسامة بن زيد،
    ولكنه مات قبل أن يبرح الجيش المدينة، وظل أسامة بجيشه على حدود المدينة
    ينتظر الأوامر!
    وراح الجميع يفكرون فى مواجهة أعداء الأمة الإسلامية الوليدة!
    وكان رأى بعض المسلمين أن توجه كل الجهود إلى محاربة المرتدين،
    وأن يؤجل إنفاذ جيش أسامة لمحاربة الروم إلى ما بعد القضاء على المرتدين،
    وأن يتفرغ أبو بكر لذلك،ولكن أبا بكر وقف شامخًا راسخًا، يؤكد العزم على قتالهم جميعًا فى كل الجبهات، قائلا عن مانعى الزكاة:
    "والله لو منعونى عِقَال بعير(ما يربط به البعير) كانوا يؤدونه إلى رسول الله
    لقاتلتهم عليه"
    [متفق عليه]
    ولقد أصر أن يتم بعث أسامة قائلا:
    "والله لو ظننت أن السباع تخطفنى لأنفذت بعث أسامة كما أمر الرسول"
    [ابن كثير].

    حملات عسكرية
    وأعد أبو بكر-رضى الله عنه- إحدى عشرة حملة عسكرية،كان من أشهرها:
    حملة خالد بن الوليد، وحملة العلاء بن الحضرمى.

    جيش العلاء بن الحضرمى
    كان ملك البحرين، قد أسلم فى عهد الرسول ، وأقام فى رعيته الإسلام والعدل،
    وعندما مات رسول الله ومات ملك البحرين،ارتد أهل البحرين، وقال قائلهم:
    لو كان محمد نبيّا ما مات.
    وبقيت بالبحرين قرية يقال لها جُوَاثا ثابتة على دينها، فقد قام فيها رجل من أشرافهم وهو الجارود بن المعلى، وكان ممن هاجروا إلى رسول الله ، فقال:يا معشرعبد القيس إنى سائلكم عن أمر فأخبرونى إن علمتموه. قالوا:سَلْ. قال:أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا:نعم. قال:تعلمونه أم ترونه؟ قالوا:نعلمه. قال:فما فعلوا؟ قالوا:ماتوا. قال:فإن محمدًا مات كما ماتوا، وإنى أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فقالوا:ونحن أيضًا نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.وثبتوا على إسلامهم [ابن كثير].
    وأرسل أبو بكر العلاء بن الحضرمى أحد كبار الصحابة إلى حرب المرتدين من أهل البحرين، وكان العلاء على معرفة بأحوال هذه البلاد لأن الرسول كان قد أرسله ليجمع الزكاة من أهلها.
    وحدث فى هذه الغزوة أن نزل العلاء منزلا فلم يستقرالناس على الأرض حتى نفرت الإبل بما عليها من زاد الجيش وخيامهم وشرابهم، وبقوا على الأرض ليس معهم شىء سوى ثيابهم، وذلك ليلا، ولم يقدروا منها على بعير واحد، فأصاب الناس همٌّ عظيم وجعل يوصى بعضهم إلى بعض،
    فنادى منادى العلاء، فاجتمع الناس إليه، فقال:أيها الناس، ألستم المسلمين؟
    ألستم فى سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا:بلى. قال:فأبشروا والله لا يخذل الله مَنْ كان فى مثل حالكم. ونودى لصلاة الصبح حين طلع الفجر، فصلى بالناس،
    ثم جثا على ركبتيه، وجثا الناس، واستمر فى الدعاء حتى طلعت الشمس،
    وجعل الناس ينظرون إلى سراب الشمس يلمع مرة بعد مرة وهو يجتهد فى الدعاء، فوجدوا إلى جانبهم غديرا عظيمًا من الماء.
    فمشى ومشى الناس إليه فشربوا واغتسلوا، فما انتهى النهارحتى أقبلت الإبل
    من كل مكان بما عليها لم يفقدوا شيئًا من أمتعتهم.
    والتقى جيش العلاء بالمرتدين فهزموهم، وفروا منهم فى البحر إلى "دارين"،
    فتبعهم المسلمون، لكنهم عندما وصلوا إلى ساحل البحر ليركبوا،وجدوا أن المسافة بعيدة،ولو انتظروا حتى يجهزوا المراكب التى سوف يعبرون عليها،لتمكن الأعداء من الهروب، فاقتحم العلاء البحر بفرسه وهو يقول:يا أرحم الراحمين،يا حكيم يا كريم،
    ويا أحد يا صمد، يا حى يا محيى، يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت يا ربنا. وأمر الجيش أن يقولوا ذلك، ففعلوا وعبر بهم الخليج بإذن الله،فقطعه إلى الساحل الآخر، فقاتل عدوه وهزمهم، وأخذوا غنائمهم وأموالهم. ولم يفقد المسلمون فى البحر شيئًا سوى عليقة فرس.
    وكان مع الجيش راهب من أهل هجر، فأسلم وقال:خشيت إن لم أفعل أن يمحقنى الله لما شاهدت من الآيات،ولقد علمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على أمر الله، فحسن إسلامه
    [ابن كثير:البداية والنهاية].
    لقد خرج المؤمنون خالصة نواياهم، غايتهم العزة لدين الله العظيم،
    من أجل ذلك أمدهم الله بكراماته، وأيدهم بنصره.
    لقد هزت هذه الجيوش الجزيرة العربية هزّا عنيفًا،وأعادت المارقين والخارجين إلى حظيرة الإيمان من جديد؛ ليعرفوا أن الله هو الحق المبين، وأن رسوله-صلى الله عليه وسلم-هو خاتم النبيين،وإذا كان محمد قد مات، فإن دين الإسلام الذى جاء به باق
    إلى يوم القيامة بإذن الله.

    وكان جيش أسامة الذى أرسله أبو بكر لمحاربة الروم قد حقق الهدف الذى بعث
    من أجله، فَأَمَّنَ الحدود، وأعاد الثقة إلى النفوس!
    وعرف الروم أن الدولة الإسلامية مازالت قوية،لم تضعف، وفى استطاعتها
    أن تصد كيد الأعداء.
    وفى وقت بعث أسامة، كان بعض مانعى الزكاة قد جاءوا إلى أبى بكر، فلما رأوا تصميمه على أخذ الزكاة، رجعوا إلى قبائلهم وأغروهم بالقضاء على الإسلام، والاستيلاء على المدينة، وكان أبوبكر قد وضع بعض الصحابة على أنقاب المدينة؛
    لأنه توقَّع إغارتهم،وعندما اتجهوا بالفعل إلى المدينة،وعرف أبو بكر أوصى الواقفين على الأنقاب بالصبر، ثم اتجه هو وبعض الصحابة،إليهم ولقنوا هؤلاء المرتدين
    درسًا لا يُنسى، حتى يعلموهم وغيرهم أن الدولة الإسلامية لم تضعف بعد وفاة النبى-صلى الله عليه وسلم-.

    كما عمل أبو بكر-رضى الله عنه-على القضاء على كل من تسول له نفسه
    أن يطعن فى دين الله، كأولئك الذين ادعوا النبوة أمثال الأسود العنسى وسجاح التى أسلمت فيما بعد، ومسيلمة الكذاب الذى أرسل إليه أبو بكر جيشًا هزمه شرهزيمة فى وقعة اليمامة، حيث قتل الله الكذاب بعد ما استشهد كثير من الصحابة وخاصة بعض حملة القرآن منهم.

    فتوحات أبى بكر
    انتهت حروب الردة،وتم القضاء على كل من ادعى النبوة كالأسود العنسى،
    ومسيلمة الكذاب، وسجاح. ورجع الهدوء والاستقرار إلى الجزيرة العربية.
    وبدأت أنظار المسلمين تتجه ناحية حدود دولتهم، فالفرس يقفون فى وجه الدعوة الإسلامية، ويساندون أعداءها. والروم يحاربون الدعوة وينصرون خصومها.

    أبو بكر والفرس
    بدأت عداوة الفرس للمسلمين فى عهد الرسول-صلى الله عليه وسلم-،
    عندما أمر ملك الفرس عامله على اليمن أن يرسل من عنده رجلا ليقتل رسول الله أو يأسره بعدما أرسل له النبى من يدعوه إلى الإسلام ولكن الله أهلك ملك الفرس عندما ثارعليه قومه وحفظ رسوله-صلى الله عليه وسلم-حتى مات.
    وعندما ارتدت العرب ظن الفرس أن العرب المرتدين سيقضون على الإسلام فى مهده، ولكن الله خَيَّبَ ظنهم، فعادوا يكيدون للإسلام، فما كان من أبى بكرالصديق-رضى الله عنه- إلا أن بعث إليهم خالد بن الوليد، وتحرك الجيش بقيادته نحو العراق، ونزل الحيرة فدعا أهلها إلى الإسلام، أو الجزية، أو الحرب.ولهم أن يختاروا الموقف
    الذى يناسبهم، فلا إكراه فى الدين،ولا عدوان إلا على الظالمين!
    والإسلام أحب إلى كل مسلم من الجزية أو الحرب.
    وقبل أهل الحيرة أن يدفعوا للمسلمين الجزية ويعيشوا فى أمان وسلام،
    وكانت هذه أول جزية تؤخذ من الفرس فى الإسلام.

    وسار خالد بجيشه إلى الأنبار، فهزم أهلها حتى نزلوا على شروطه،وقبلوا دفع الجزية أيضًا. ثم اتجه إلى "عين التمر"، ومنها إلى "دومة الجندل"، وفتحهما عنوة وقهرًا بعد أن رفض أهلها الإسلام والجزية وأعلنوا الحرب! فعاد البطل الفاتح منتصرًا بعد أن أَمَّنَ حدود الدولة الإسلامية الناشئة من ناحية الفرس.

    مواجهة الروم
    لكن خطر الروم ما زال يهدد الدولة الإسلامية !! فهذا هرقل إمبراطورالروم قد جمع قواته على حدود فلسطين؛ وحرض العرب المجاورين له على معاداة المسلمين ليوقف المد الإسلامى والزحف المبارك، ولكن كلمة الله لابد أن تكون هى العليا، وكلمة الذين كفروا هى السفلى! لابد أن يزيل أبو بكر -رضى الله عنه- كل العوائق التى تقف فى طريق الدعوة الإسلامية، وتتربص بها، تريد القضاء عليها!

    ودعا أبو بكر المجاهدين لحرب الروم فى الشام، وأعلن التعبئة العامة ليلقن كل الذين يفكرون فى العدوان على الإسلام والمسلمين درسًا لا ينسى، وتحركت الجيوش من "المدينة المنورة" وبتشكيل أربع فرق يقودها قواد عباقرة عظام.

    كان على رأس الأولى"عمرو بن العاص" ووِجْهَتُه "فلسطين".
    وكان على رأس الثانية "يزيد بن أبى سفيان" ووجهته دمشق.
    وكان على رأس الثالثة "الوليد بن عقبة" ووجهته "وادى الأردن".
    أما الرابعة فكان على رأسها "أبو عبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح"
    ووجهته "حمص".


    اليرموك
    لما انتهى أبو بكر الصديق من القضاء على فتنة المرتدين، قرر مواجهة القوتين العظميين آنذاك، وفكر فى مواجهة إحداهما، وبعث عددًا من الجند لمناورة القوى الأخرى، حتى لا تكون هناك فرصة لهما أن يجتمعا ضد المسلمين.

    وكان الفرس قد عرفوا بعدائهم الشديد للإسلام، وقد ظهر هذا من خلال بعض الأعمال، كمساندتهم للمرتدين، وإمداد كل من ادعى النبوة فى الجزيرة العربية، بل حاولوا القضاء على الإسلام، ولذا، فقد استجاب أبو بكر لطلب المثنى بن حارثة للتحرش بالفرس،
    بل أمر أبو بكر خالد بن الوليد أن يساعد المثنى، وذلك بالإرسال إليه بعد انتهاء خالد
    من حرب أهل العراق، وشعر الفرس بقوة المسلمين بعد الذى صنعه خالد ببعض الأراضى التى كانوا يحتلونها.

    أما القوى الرومية،فقد بعث أبو بكر خالد بن سعيد بن العاص يرابط بقواته قرب مناطق يسيطرعليها الروم والقبائل العربية التى تعتنق النصرانية وتحالف الروم، ثم أرسل أبو بكر الجيوش بقوادها الأربعة إلى بلاد الشام، وقد أدرك الروم ما يرمى إليه خليفة المسلمين، فاستعدوا لحرب آتية لابد منها مع المسلمين،بل نقل هرقل مقرالقيادة إلى حمص ليكون أقرب من ميدان القتال، ولما رأى المسلمون ذلك، طلبوا من أبى بكر أن يرسل إليهم بالمدد، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن يتحرك بمن معه فى نجد إلى الشام، ولاسيما أن الفرس فى حالة من الضعف، ورحل خالد بمن معه إلى الشام، حيث جرت معركة اليرموك بين المسلمين والروم، واحتشدت القوات للمواجهة، وقبل البدء فى القتال كان أبو بكر قد توفى ورحل إلى الرفيق الأعلى وتولى مكانه عمر، ولكن الجيش الإسلامى لم يكن يعلم بذلك، وتجهز جيش المسلمين للقاء الروم.

    هيكلة الجيش
    استعد جيش المسلمين للقاء، فكان على ميمنة الجيش إلى الشمال عمرو بن العاص، وعلى الميسرة من الجنوب قرب نهر اليرموك يزيد بن أبى سفيان بن حرب،
    وكان أبو عبيدة بن الجراح بينهما.

    وخرج المسلمون على راياتهم،
    فكان على راية الميمنة معاذ بن جبل-رضى الله عنه-،
    وعلى راية الميسرة نفاثة بن أسامة الكنانى،
    وعلى الرجّالة هاشم بن عتبة بن أبى العاص،
    وعلى الخيّالة خالد بن الوليد،
    وهو المشير فى الحرب الذى يصدر الناس كلهم عن رأيه،
    ولما أقبلت الروم بأعدادها وعتادها وقد سدت الأفق،ورهبانهم يتلون الأناجيل يباركون صفهم.وأثناء ذلك،
    تحرك خالد بن الوليد إلى أبى عبيدة، وقال له:إنى مشير بأمر.
    فقال أبو عبيدة:قل ما أمرك الله أسمع لك وأطيع. فقال خالد:إن هؤلاء القوم لابد لهم من حملة عظيمة لا محيد لهم عنها، وإنى أخشى على الميمنة والميسرة، وقد رأيت أن أفرق الخيل فرقتين، وأجعلها وراء الميمنة والميسرة حتى إذا صدوهم كانوا لهم ردءًا، فنأتيهم من ورائهم، وجعل قيس بن هبيرة فى الخيل الأخرى، وأمر أبا عبيدة أن يتأخر عن القلب إلى وراء الجيش كله، حتى إذا فر أحد رآه، فيستحى منه، ورجع يقاتل مرة ثانية، فجعل أبو عبيدة مكانه فى القلب سعيد ابن زيد بن عمرو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وابن عم عمر، وزوج أخته، وساق خالد النساء وراء الجيش، ومعهن عدد من السيوف، وقال لهن: من رأيتنه هاربًا، فاقتلنه. ثم رجع إلى موقفه من الجيش.


    قبل اللقاء
    ولما برز الفريقان، قام عدد من أعلام المسلمين يعظون الجيش ويذكرون الناس بفضل الجهاد، والثواب عند الله يوم القيامة،فقام أبو عبيدة ووعظ الناس،كما قام معاذ بن جبل وعمرو بن العاص، وأبو سفيان بن حرب وأبو هريرة -رضى الله عنهم-.

    السياسة الحربـية
    ولما تقارب الفريقان، تقدم أبو عبيدة ويزيد بن أبى سفيان ومعهما ضرار بن الأزور والحارث بن هشام وأبو جندل بن سهيل ابن عمرو، ونادوا: إنما نريد أميركم لنجتمع له. فلما ذهبوا إلى (تذارق) أراد أن يجلسهم على فرش من حرير فرفضوا، وجلس هو معهم حيث شاءوا، فعرضوا عليه إما الإسلام وإما الجزية وإما الحرب، ولكن الروم آثروا الحرب على الإسلام والجزية.

    عز الإسلام
    ثم طلب ماهان خالد بن الوليد ليبرز له فيما بين الصفين،فقال ماهان:إنا قد علمنا أن ما أخرجكم من بلادكم إلا الجهد والجوع، فهلموا إلى أن أعطى كل رجل منكم عشرة دنانير وكسوة وطعامًا وترجعون إلى بلادكم، فإذا كان من العام المقبل بعثنا لكم بمثلها. فرد عليه خالد قائلا:إنه لم يخرجنا من بلادنا ما ذكرت،غير أنَّا قوم نشرب الدماء، وأنه بلغنا أنه لا دم أطيب من دم الروم، فجئنا لذلك. فقال أصحاب ماهان:هذا والله ما كنا نحدث به عن العرب.

    بداية ونهاية
    وتقدم خالد إلى عكرمة بن أبى جهل والقعقاع بن عمرو، وهما على جانبى القلب، وأمرهما ببدء القتال، وهكذا بدأت المعركة، وكان ذلك فى أوائل رجب عام (13 هـ)، وحملت ميسرة الروم على ميمنة المسلمين، فمالوا إلى جهة القلب، ثم تنادى المسلمون فتراجعوا، وحملوا على الروم وردت النساء من فر، ثم نادى عكرمة بن أبى جهل قائلا:قاتلت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فى مواطن، وأفرمنكم اليوم!
    وبايعه جماعة من الصحابة على الموت، وصل عددهم إلى 400 رجل،وقاتلوا أمام فسطاط خالد، فجرحوا جميعًا، ومات بعضهم، ثم حمل خالد بن الوليد بالخيل على ميسرة الروم التى حملت على ميمنة المسلمين، فأزالوهم إلى القلب، وقتل المسلمون فى حملتهم هذه 6000 من الروم، ثم حمل خالد بمائة فارس على ما يقرب من 100000 من الروم، فانهزم الروم أمامهم بإذن الله تعالى، ولما عاد المسلمون من حملتهم جاء صاحب البريد إلى خالد بوفاة أبى بكر وتولية عمر،وكتب إليه بعزله عن قيادة الجيش وتولية أبى عبيدة، وكان يكلمه سرّا، فقال له خالد:أحسنت.
    وأخفى الخبر حتى لا تحدث زعزعة فى صفوف المسلمين.

    وبينما كان القتال على أشده بين جيش الإسلام وجيش الروم،خرج "جرجة"-
    أحد أمراء الروم الكبار- من الصف،واستدعى خالد بن الوليد،فجاء إليه حتى
    اختلفت أعناق فرسيهما،
    فقال جرجة:يا خالد، أخبرنى فاصدقنى ولا تكذبنى،
    فإن الحُرّ لا يكذب، ولا تخادعنى، فإن الكريم لا يخادع،
    هل أنزل الله على نبيكم سيفًا من السماء فأعطاه لك،
    فلا تسلَّه على أحد إلا هزمته؟
    قال:لا!
    قال:فبم سميت سيف الله؟
    قال:إن الله بعث فينا نبيّا، فدعانا، فنفرنا منه،
    ونأينا عنه جميعًا،ثم إن بعضنا صدقه وتابعه،وبعضنا كذبه وباعده،
    ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به وبايعناه،فقال لى:
    "أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين"،
    ودعا لى بالنصر،فسميت سيف الله بذلك؛ فأنا من أشد المسلمين على المشركين.
    فقال جرجة:يا خالد إلى ما تدعون؟
    قال:شهادة أن لا إله إلا الله،وأن محمدًا عبده ورسوله،والإقرار بما جاء به
    من عند الله -عز وجل-.
    قال: فمن لم يجبكم؟
    قال:فالجزية ونمنعهم (نحميهم).
    قال:فإن لم يعطها؟
    قال:نؤذنه بالحرب ثم نقاتله.
    قال:فما منزلة من يجيبكم ويدخل فى هذا الأمر اليوم؟
    قال:منزلته واحدة، فيما افترض الله علينا، شريفنا ووضيعنا وأولنا وآخرنا.
    قال جرجة:فلمن دخل فيكم اليوم من الأجر مثل ما لكم؟
    قال:نعم وأفضل.
    قال:وكيف يساويكم وقد سبقتموه؟
    فقال خالد:لقد قبلنا هذا الأمر،وبايعنا نبينا وهو حى بين أظهرنا،تأتيه أخبارالسماء ويخبرنا بالكتاب،ويرينا الآيات،وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا،ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج،
    فمن دخل فى هذا الأمر بحقيقة دينه كان أفضل منا.
    فقال جرجة:بالله لقد صدقتنى ولم تخادعنى؟
    قال:تالله لقد صدقتك،وإنَّ الله ولىّ ما سألت عنه من الإسلام.
    ودخل جرجة الإسلام فأخذه خالد إلى خيمته،وصب عليه قربة من ماء،ثم صلى به ركعتين ورجعا إلى المعركة يضربان بسيفيهما من بدء ارتفاع النهار حتى غروب الشمس،وأصيب جرجة رحمه الله، فمات شهيدًا،ولم يكن صلى لله -عز وجل-
    غيرهاتين الركعتين مع خالد.
    بعد أن فر الروم ليلا إلى الواقوصة.وتم الفتح المبارك،وانهزمت الروم
    هزيمة بالغة،علم بها هرقل،وارتحل من حمص.

    لقد كان المسلمون رجالا لا يثبت لهم العدو رغم قلتهم،
    ولقد انهار هرقل وهو يرى هزيمة الروم رغم كثرتهم، فقال لقواده:
    ويلكم أخبرونى عن هؤلاء القوم الذين يقاتلونك أليسوا بشرًا مثلكم؟
    قالوا:بلى.
    قال:فأنتم أكثرأم هم؟
    قالوا:بل نحن أكثر منهم أضعافًا في كل موطن.
    قال:فما بالكم تنهزمون؟
    فقال شيخ من عظمائهم:من أجل أنهم يقومون الليل،ويصومون النهار،
    ويوفون بالعهد،ويأمرون بالمعروف،وينهون عن المنكر،ويتناصفون بينهم.
    ومن أجل أنا نشرب الخمر ونزنى،ونركب الحرام وننقض العهد،
    ونغضب ونظلم ونأمر بالسخط،وننهى عما يرضى الله،ونفسد فى الأرض.
    فقال هرقل:أنت صدقتنى.

    وكان تعداد الجيوش التى سيرت إلى الشام سبعة وعشرين ألفًا،
    ولكنها زيدت بوصول جيش خالد إلى ستة وثلاثين.
    وكان جيش الروم يقارب المائتين وأربعين ألفًا،ولكن الله نصرعباده
    رغم قلة عددهم، بسبب إيمانهم وقوة عقيدتهم.


    منجزات أبى بكر
    كان عهد أبى بكر امتدادًا لعصر النبى-صلى الله عليه وسلم-،
    لم يكن إلا متبعًا ومنفذًا لكل ما أشار به الرسول-صلى الله عليه وسلم-
    أو أمر به،لم يبتدع أبو بكر-رضى الله عنه- شيئًا يخالف ما كان عليه رسول الله
    -صلى الله عليه وسلم-،بل كان كل شىء يسير وفقًا لشريعة الإسلام،
    وانشغل الناس فى فترة خلافته بقتال المرتدين والفتوحات الإسلامية.
    ولم يبق فى المدينة إلا من استبقاهم أبو بكرلحمايتها،ولاستشارتهم ولتبادل الرأى
    معهم، وعلى رأس هؤلاء:
    عمر بن الخطاب،وعلى بن أبى طالب،وطلحة بن عبيد الله،
    والزبير بن العوام،وعبد الرحمن بن عوف،وسعد بن أبى وقاص.

    وكانت المدينة المنورة فى عهده عاصمة الدولة الإسلامية ومركزالحكم ومقرالخلافة.
    قسم أبو بكر الجزيرة العربية إلى ولايات جعل على كل منها أميرًا، يؤم الناس فى الصلاة، ويفصل بينهم فى القضايا، ويقيم الحدود؛ فكان على "مكة" عتاب بن أسيد، وعلى صنعاء المهاجر بن أمية، وعلى عمان والبحرين العلاء بن الحضرمى.
    وقد اتخذ الصديق عمر قاضيًا على المدينة، وجعل أبا عبيدة أمينًا على بيت مال المسلمين.
    ولقد كانت فترة حكمه قصيرة، لكنها كانت حاسمة فى تاريخ الإسلام،
    فقد واجه أحرج المواقف، وربما وقف وحده عند إصراره على محاربة المرتدين
    فى وقت اتجه فيه باقى المسلمين إلى المسالمة،
    قائلين:كيف نحارب الجزيرة العربية كلها؟!
    لكنه بإيمانه ويقينه وصدقه سرعان ما ضم المسلمين إلى رأيه،
    ثم سار بهم جميعًا يدكّ صروح الشرك،ويقضى على الشكوك والأوهام!
    ولم يتوقف عند هذا،بل راح يحطم قصور كسرى وقيصر.
    رحم الله أبا بكر لقد تمثلت فيه كل المعانى الإسلامية الرائعة.

    جمع المصحف
    استشهد كثير من حفظة القرآن وقرائه فى حروب الردة،
    وهنا أشارعمر-رضى الله عنه-على أبى بكر بضرورة جمع القرآن الكريم ؛
    حيث كان مكتوبًا على سعف النخيل،وقطع الجلد،وألواح عظام الإبل،
    فأمر أبو بكر زيد بن ثابت ومعه بعض أصحابه بتولى هذه المهمة العظيمة.
    وقاموا بتدوين القرآن كله فى دقة متناهية بالترتيب الذى أمر به رسول الله
    -صلى الله عليه وسلم-، ودون أى تغيير، وسموه مصحفًا.

    إن القرآن هو دستور المسلمين،وقد تعهد الله بحفظه،
    وكان أبو بكر أول من أسهم فى هذا الحفظ رحمه الله.

    موت الخليفة
    وفى هذا العام (13هـ/635م)،مرض أبو بكر،
    وظل المرض ملازمًا إياه طيلة شهر،ثم عهد بالخلافة لعمر بن الخطاب
    بعد أن استشار كبار الصحابة.
    وبعد ذلك، لقى ربه راضيًا مرضيًّا، وكانت ولايته -رضى الله عنه-
    سنتين وثلاثة أشهروعشرة أيام،
    وصعدت روحه إلى الرفيق الأعلى وله من العمرثلاثة وستون عامًا.
    وكان آخرما تكلم به:
    (تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِين)
    [يوسف: 101].
    ولم يترك ثروة طائلة،وإنما ترك ذكرى طيبة.وحسبه أنه جمع المسلمين،
    ووحّد كلمتهم،وأمَّن حدود الدولة،ولقَّن الأعداء درسًا لا يُنسى.


    يتبع والخليفة الثانى عمر بن الخطاب ،،،
    __________________


    تعليق


    • #3
      رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

      خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه
      (13 - 23 هـ/ 634- 643م )

      الاختيار
      رحم الله أبا بكر،لقد قال فيه عمر يوم أن بويع بالخلافة:رحم الله أبا بكر،
      لقد أتعب من بعده.
      ولقد كان عمر قريبًا من أبى بكر،يعاونه ويؤازره، ويمده بالرأى والمشورة،
      فهو الصاحب وهو المشير.
      وعندما مرض أبو بكر راح يفكر فيمن يعهد إليه بأمر المسلمين،هناك العشرة
      المبشرون بالجنة، الذين مات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ.
      وهناك أهل بدر،وكلهم أخيار أبرار،فمن ذلك الذى يختاره للخلافة من بعده ؟
      إن الظروف التى تمر بها البلاد لا تسمح بالفرقة والشقاق؛فهناك على الحدود تدور معارك رهيبة بين المسلمين والفرس،وبين المسلمين والروم.
      والجيوش فى ميدان القتال تحتاج إلى مدد وعون متصل من عاصمة الخلافة،
      ولا يكون ذلك إلا فى جو من الاستقرار!
      إن الجيوش فى أمسِّ الحاجة إلى التأييد بالرأى،والإمداد بالسلاح،والعون بالمال والرجال،والموت يقترب،ولا وقت للانتظار،وعمرهو من هو عدلاً ورحمة وحزمًا وزهدًا وورعًا.
      إنه عبقرى موهوب،وهو فوق كل ذلك من تمناه رسول الله يوم قال:
      "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك،عمر بن الخطاب وأبى جهل بن هشام" [الطبرانى]،

      وفي الترمذي بإسناد صحيح :
      " اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك بأبي جهل أو بعمر
      بن الخطاب ،قال:وكان أحبهما إليه عمر".

      وفي ابن ماجه بإسناد حسن أو صحيح :
      " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ".


      فكان عمر بن الخطاب. فلِمَ لا يختاره أبو بكر والأمة تحتاج إلى مثل عمر؟!
      ولم تكن الأمة قد عرفت عدل عمر كما عرفته فيما بعد،من أجل ذلك سارع الصديق -رضى الله عنه- باستشارة أولى الرأى من الصحابة فى عمر،فما وجد فيهم من
      يرفض مبايعته،وكتب عثمان-رضى الله عنه- كتاب العهد،فقرئ على المسلمين،
      فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا.
      إنه رجل الملمات والأزمات،لقد كان إسلامه فتحًا،وكانت هجرته نصرًا،فلتكن إمارته رحمة،ولقد كانت؛ قام الفاروق عمر بالأمر خير قيام وأتمه،
      وكان أول من سمى بأمير المؤمنين.
      وبدأت الدولة الجديدة فى عهده تتسع رقعتها،ولم تعد مقصورة على مكة والمدينة
      وما حولهما من القرى،لكنها أصبحت تضمُّ شبه الجزيرة العربية،وتمتد لتشمل بعض المدن فى العراق والشام.
      وها هى ذى الجيوش الإسلامية تواصل زحفها المبارك لإعلاء كلمة الله،وتنتقل من نصر إلى نصر،هناك شعوب مقهورة مظلومة تحت حكم الفرس والرومان تتطلع إلى من يأخذ بأيديها،ويخلصها من القهر والظلم.
      وهناك فى العراق،والشام،ومصر،وشمال إفريقية،شعوب تعانى من الظلم والطغيان، والآن راحت تتطلع إلى غد يسود فيه العدل والأمان.وعمرالعادل خيرمن يحمل الراية فى هذه الظروف،وكأنما أعده النبى-صلى الله عليه وسلم-لهذا اليوم الموعود
      فهو مثال العدل والرحمة فى الإسلام !
      لقد اقترن اسم عمر بدولة الفرس ودولة الروم،
      وسمى عصره عصر الفتوحات الإسلامية.

      تعديل فى القيادة
      فى البدء وجه عمر-رضى الله عنه- اهتمامه إلى الجيوش المحاربة؛
      لأنه يريد لها أن تنتصر،ويريد لكلمة الله أن تعلو وتنتشر،ويود أن يكون مع الجنود
      فى صفوف القتال لولا أن أهل الشورى نصحوا له أن يختار من ينوب عنه؛ليظل بعاصمة الخلافة حيث تقتضى المصلحة العامة وجوده.
      أصدرعمر-رضى الله عنه- أوامره بتعيين أبى عبيدة بن الجراح قائدًا عامّا للقوات الإسلامية فى الشام،فى نفس الوقت الذى أمر فيه بعزل خالد بن الوليد من إمارة
      الجيش حتى لا يفتتن الناس به.
      ولقد قابل خالد الأمر بالطاعة فهو جندى فى صفوف جيش الإسلام،
      والجندية طاعة،فليضعه الخليفة حيث يشاء،وما عليه إلا أن يطيع،إن خالدًا لا يهمه أن يكون فى مركز القيادة،يكفيه أن يكون جنديَّا فى صفوف المسلمين،يجاهد فى سبيل الله، رافعًا راية الإسلام،فراح يحارب فى جلد وإخلاص تحت إمرة القائد الجديد.

      فتح دمشق
      وكانت المعركة الثانية بين المسلمين والروم حول دمشق،
      لقد أحاط المسلمون بالمدينة،وتحصن الروم بها،وأغلقوا أبوابها،
      خالد بجنوده على الباب الشرقى،
      وأبو عبيدة على باب الجابية(الجولان)،
      وعمرو بن العاص على باب توما،
      وشرحبيل بن حسنة على باب الفراديس،
      ويزيد بن أبى سفيان على الباب الصغير،

      كانت دمشق ممتنعة غاية الامتناع،وطال بها الحصار،واشتدت الحال على الجميع،
      وكان أهل دمشق يرسلون إلى ملكهم هرقل يطلبون مددًا فلا يصل إليهم لقوة حصار المسلمين لها،وهنا فشل أهل دمشق وضعُفوا وقَوِىَ المسلمون،
      وقدّر الله أن وُلِد لبطريق دمشق مولود فى إحدى الليالى،فصنع للناس طعامًا،
      وسقاهم شرابًا،وباتوا عنده فى وليمته قد أكلوا وشربوا وتعبوا،فناموا عن مواقعهم واشتغلوا عنها،وفطن لذلك خالد وهو على الباب الشرقى،فقد كان قائدًا يقظًا لا تفوته فائتة،فأعد سلالم من حبال،وجاء هو وأصحابه من الصناديد الأبطال مثل:
      القعقاع بن عمرو، ومذعور بن عدى وغيرهما،
      وقد أحضر جيشه عند الباب،وقال لهم:إذا سمعتم تكبيرنا عند السور فاصعدوا إلينا.
      وقام هو وأصحابه فقطعوا الخندق سباحة،وفى أعناقهم جعبة النبال،فنصبوا السلالم وصعدوا فيها ولما استندوا على السور رفعوا أصواتهم بالتكبير،وجاء المسلمون، فصعدوا فى تلك السلالم،وانحدر خالد وأصحابه الشجعان إلى البوابين،
      فقتلوهم وفتحوا الأبواب،فدخلت جيوش المسلمين،والتكبير يجلجل المكان ويضىء
      جنباته بنور جديد،هو نور الإسلام.
      وهكذا دخلها خالد من الباب الشرقى قسرًا وقهرًا،ودخلها أبو عبيدة من باب الجابية مسالمًا، وكان ذلك سنة 13هـ / 635م.

      إن دمشق حصن الشام،وبيت مملكتهم،وها هى ذى قد سقطت فى أيدى المسلمين.

      موقعة فحل
      وتقدم المسلمون بعد ذلك نحو"فحل"،فقاتل المسلمون الروم أشد قتال،
      فانهزم الروم وهم حيارى لا يجدون ملجأ ولا مهربًا،فأصيبوا جميعًا وكانوا ثمانين
      ألفًا لم ينج منهم إلا القليل.

      فتح بــيت المقدس
      ثم واصل أبو عبيدة تقدمه نحو حمص،وترك يزيد بن أبى سفيان ليتجه نحو بلاد ساحل دمشق،وظل القادة المسلمون يفتحون المدن واحدة بعد أخرى،ولم يبق أمام المسلمين إلا بيت المقدس،وله فى نفس المسلمين مكانته واحترامه،وقداسته،فإليه كان إسراء
      الرسول-صلى الله عليه وسلم-،ومنه كان معراجه وإليه كانت قبلتهم الأولى.
      وقد دافع عنه الروم دفاعًا مستميتًا ألحق بجنود المسلمين كثيرًا من الخسائر لكنهم صبروا وتحملوا،ليخلِّصوا بيت المقدس وأهله من حكم الرومان وظلمهم.

      وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص بالمسير إلى القدس،فلما وصل
      إلى"الرملة"وجد عندها جمعًا من الروم عليه قائد داهية اسمه(
      الأرطبون)
      كان أدهى الروم،وكان قد وضع "بالرملة" جندًًا عظيمًا و"بإيلياء" جندًا عظيمًا،
      فكتب عمرو إلى عمر بالخبر،فلما جاءه كتاب عمرو قال:
      رمينا أرطبون الروم
      بأرطبون العرب- يعنى عمرو بن العاص.
      ظل عمرو يتربص بالأرطبون زمنًا فلا يجد فرصة لذلك،وكان يرسل إليه الرسل
      ليعرف أمره فلا تشفيه الرسل،فقرر أن يلقاه بنفسه مدَّعيًا أنه رسول عمرو بن
      العاص إليه.
      دخل عليه وأبلغه ما يريد،وسمع كلامه وتأمل حضرته،وقال الأرطبون
      فى نفسه:والله إن هذا لعمرو أو أنه الذى يأخذ عمرو برأيه.فقرر قتله،
      وأحس عمرو بذلك فقال للأرطبون:أيها الأميرإنى قد سمعت كلامك
      وسمعت كلامى،وإنى واحد من عشرة بعثنا عمر بن الخطاب لنكون مع هذا
      الوالى لنشهد أموره،وقد أحببت أن آتيك بهم ليسمعوا كلامك،ويروا ما رأيت.
      فطمع الأرطبون أن يقتلهم جميعًا،فقال له:نعم فاذهب فأتنى بهم،
      فقام عمرو فذهب إلى جيشه،وعلم الأرطبون بعد ذلك أن الرسول كان عمرًا،
      فقال:خدعنى الرجل،هذا والله أدهى العرب.


      وكان أبو عبيدة لما فرغ من دمشق قد كتب إلى أهل بيت المقدس يدعوهم إلى الله
      وإلى الإسلام أو يدفعون الجزية،وإلا كان الحرب بينهم،فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم إليه،فركب إليهم فى جنوده،وحاصر بيت المقدس،وضيق عليهم حتى أجابوا إلى الصلح.
      وأحس أرطبون قائد الروم بهذه المناورات تدور حوله فهرب إلى مصر،وطلب المسيحيون الصلح على أن يحضرالخليفة بنفسه لتسلم المدينة،ويتعهد لسكانها بالحرية الدينية،فكتب عمرو إلى عمر يحيطه علمًا بذلك،فحضرعمر،وكتب بنفسه كتاب الأمان المسمى "العهدة العمرية".
      وفى تلك الأرض المباركة أقام عمر-رضى الله عنه- مسجدًا من الخشب فى خرائب كانت عند الصخرة المقدسة،بعد أن طهره من القمامة التى كان الروم يلقونها عليه،
      ثم عاد إلى المدينة المنورة فى سنة 16هـ / 677م..
      لقد قضى على حكم الروم فى هذه البلاد،وراحت الجيوش الإسلامية تواصل زحفها لتطهير البلاد من فلول الروم.

      فتح مصر
      وها هى ذى جيوشهم تفرأمام الجيوش الإسلامية وتهرب إلى مصر،
      لقد قدم المسلمون آلاف الشهداء فى حروبهم ضد الروم فى سوريا وفلسطين،
      فصارت هذه الديار غالية عليهم،ولن يحس المسلمون بالاستقرار فى سورية وفلسطين، وهناك جيش كبير للروم على مقربة منهم،لقد اتخذوا من مصر مركزًا لتجمعهم،
      وأصبح وجودهم خطرًا يهدد جيش الشام.من أجل هذا استأذن عمرو بن العاص
      الخليفة فى فتح مصر.
      وسارع عمرو إلى مصر فتم له فتحها سنة 20هـ/ 641م،
      وولاه عمر عليها يرتب أمورها،وينظم أحوالها،ومن مصر تحرك جيش المسلمين
      غربًا إلى برقة فى ليبيا،وجنوبًا إلى بلاد النوبة لفتحهما.
      وبنى عمرو بن العاص الفسطاط لتصبح عاصمة مصرالإسلامية،
      وأقام بها الجامع الذى عرف فيما بعد بجامع عمرو،وارتفعت كلمة التوحيد فى
      سماء مصر،لتكون منارة مسلمة على مرالأجيال.
      إن مصرهى كنانة الله فى أرضه،وجندها خيرأجناد الأرض،وبفتح مصر
      أصبحت بلاد الشام آمنة،وزال الخطرالذى كان يهدد الجيش الإسلامى
      بعد أن استسلم الروم،وفروا هاربين إلى بلادهم.

      عودة إلى جبهة الفرس
      كان اهتمام المسلمين بغزو الروم يفوق اهتمامهم بغزو فارس؛
      فالروم بدءوا بالشغب والعدوان على الحدود،والشام وفلسطين ومصرأراض
      احتلتها الروم، لكنها كانت تترقب إلى الخلاص من بين أنياب هذا المستعمرالظالم،
      وكان المسلمون يعلقون الآمال على أن يجدوا من أهل هذه البلاد بعض المساعدة
      لطرد هؤلاء المستعمرين القساة،وقد تحقق لهم ما أرادوا.

      موقعة البويب
      وفى عهد عمر كانت كفة المسلمين قد رجحت على الروم بعد انتصارهم
      فى معركة "أجنادين"،فاتجه عمر-رضى الله عنه-إلى معاودة الزحف
      على بلاد الفرس.
      فبعث أبا عبيدة بن مسعود الثقفي،وأمرعمر-رضى الله عنه-المثنى بن حارثة
      أن يكون فى طاعة أبى عبيدة.
      وسار أبو عبيدة حتى عبر الفرات بمن معه من المسلمين،
      وهناك دارت معركة عظيمة هى معركة "الجسر" استشهد فيها القائد أبو عبيدة
      الثقفى وعدد كبير من المسلمين،بعد أن انتصروا على أهل فارس أولا فى عدة
      مواقع سابقة.
      أرسل عمر-رضى الله عنه- إلى فارس جيشًا يقوده المثنى بن حارثة،
      وقد حقق المسلمون فى هذه الموقعة انتصارًا رائعًا،فقد قُتل"مهران"
      قائد جيش الفرس فى المعركة هو وكثير من أتباعه،وتلك كانت وقعة "البويب"
      وقد سماها المسلمون "الأعشار" لأن كثيرًا من المسلمين قتل كل واحد منهم
      عشرة من الفرس.
      وفى "القادسية" التقى الفرس والمسلمون،قاد المسلمين سعد ابن أبى وقاص،
      وقاد الفرس رستم،وفر رستم وعشرات الآلاف من جنوده،
      وغنم المسلمون غنائم كثيرة بعد أن استمرت المعركة عدة أيام.
      وتساقطت مدن فارس فى أيدى الجيش الإسلامى تساقط الثمرات واحدة بعد أخرى، وكان انتصار المسلمين فى القادسية دافعًا لهم إلى مواصلة الزحف على العاصمة "طيسفون" التى سماها العرب"المدائن"، ويشتد القتال ضراوة،
      ويهدم الفرس الجسور حتى لا يستطيع العرب عبور نهر دجلة،ولكن المسلمين
      سرعان ما عبروا النهر بخيولهم،وهنا اضطرب الفرس وأحاطت بهم الهزيمة،
      وهرب "يزدجرد بن شهريار" إلى حلوان بأرض فارس.
      وسقطت العاصمة الفارسية العريقة فى أيدى المسلمين،
      وكان سقوط العاصمة فى العام السادس عشر من الهجرة،(637م).
      إنهم لم يقبلوا مع العرب صلحًا،ورفضوا أن يدفعوا الجزية،وفضلوا عبادة الكواكب والنار والمجوسية على دين الله،وأعلنوا عداءهم واستعدادهم لقتال المسلمين،
      إذن لم يبق إلا الحرب.

      معركة جلولاء
      لقد هرب"يزدجرد" ليعد عدته للقاء آخر،وراح يعسكربمنطقة"جلولاء"،
      والإمدادات تنهال عليه،والجنود يقومون بحفرالخنادق حول معسكره،
      ولكن المسلمين يقتحمون عليهم خنادقهم،وتدور معركة من أعنف المعارك،
      وثبت المسلمون حتى كُتِبَ لهم النصر،وكان قائد المسلمين فى معركة جلولاء
      "هاشم بن عتبة"ويهرب"يزدجرد"مرة ثانية؛حيث ترك حلوان وفر إلى الري،
      ولم يبق إلا فتح الفتوح "موقعة نهاوند" إنها آخر محاولة يقوم بها "يزدجرد".
      نهاوند:
      لقد جمع الكثير من الجيوش التى استماتت فى الدفاع والحرب،ولكن المسلمين
      هزموهم بإذن الله، لقد عزل عمر سعد ابن أبى وقاص،وولى مكانه النعمان بن مقرن وقد سقط النعمان شهيدًا بعدما رأى بشائر الفتح لاحت فى الأفق،فأخذ الراية أخوه نعيم، وناولها "حذيفة بن اليمان" وأشارعليهم المغيرة بن شعبة بكتمان خبر استشهاد الأمير حتى لا يرتاب الناس، فلما تم النصر على المشركين، جعل الناس يسألون عن أميرهم، فقال أخوه:"هذا أميركم، لقد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة".
      فاتبع الناس حذيفة ودخل المسلمون نهاوند بعد هزيمة الفرس،وكان العرب
      يسمون فتح نهاوند "بفتح الفتوح".
      وبعد نهاوند تقدمت الجيوش الإسلامية لتستولى على المدن المجاورة،وخضعت لهم منطقة "أذربيجان"، وكانت هذه الانتصارات الباهرة سببًا فى إضعاف الروح المعنوية عند الفرس.
      لقد استسلم عدد كبير منهم ومالوا إلى الصلح، واستسلم عدد كبير منهم عنوة وقهرًا،
      ولم يستطع "يزدجرد" مقابلة المسلمين فى قوة كما فعل فى الماضي،وظل أمره
      فى نقصان حتى قتل بخراسان سنة 31هـ/ 652م،
      فى عهد عثمان -رضى الله عنه- وبموته انتهت دولة (آل ساسان).

      لقد دانت بلاد الشام للإسلام، ودانت بلاد الفرس للإسلام،حتى
      أصبح عصرعمر بن الخطاب بحق هو عصر الفتوحات الإسلامية
      .

      فلم يكد المسلمون يستقرون هنا وهناك حتى أرسل سعد بن أبى وقاص أحد قادته
      وهو عياض بن غنم إلى أرض الجزيرة ؛ حيث تجمع جند الروم فى أعلاها
      فافتتح هذه البلاد.ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد،بل استمرت الدولة الإسلامية
      فى عهد عمر تواصل فتوحها، والجند ينشرون الدعوة، والجهاد لا تنطفئ شعلته.

      فتح أرمينية
      لقد أرسل الخليفة القائد عبد الرحمن بن ربيعة الباهلى لفتح "أرمينية"
      سنة 18هـ/ 639م،
      وأرسل إليه المدد بقيادة سلمان الفارسى من جهة،
      وحبيب بن مسلمة الفهرى من جهة أخرى،
      وتمكنت القوات الإسلامية من فتح أرمينية،وراحت تواصل تقدمها حتى شمال
      جبال القوقاز.
      ما هذا الذى يجرى على الساحة؟
      إنه نصر من الله.
      قد أدى الجنود الفاتحون واجبهم، فلابد أن تقام لهم مدن جديدة تكون قريبة من
      الأراضى المفتوحة حديثًا ومواطن الغزو والجهاد فى المستقبل،ويقع الاختيارعلى الكوفة والبصرة فى العراق،وترتفع مآذنهما لتنضم إلى قائمة المدن الإسلامية.

      لقد كان عهد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- حافلا بالفتوحات الإسلامية،
      مليئًا بالغزوات والجهاد فى سييل الله،فقد فتح فيه مدن كثيرة،كحمص وقنسرين،
      تستر، والسوس، والرى، وقوس، وجرجان، وغير ذلك من البلاد الكثيرة.

      إدارة عمر وسياسته
      إن عمر بن الخطاب يعد نفسه مسئولاًعن توفير الحياة الكريمة الشريفة للجميع،
      ويرى أنه لو عثرت بغلة فى العراق لكان مسئولا عنها.ومن أجل هذا نراه يوجه اهتمامه إلى تقوية الثغور والشواطئ والموانئ.ولا يفوته أن يحصى أسماء الجنود الفاتحين ليجعل لهم رواتب تفى بمطالبهم،وتكفل لهم حياة كريمة،ونراه يقوم بعمل إحصاء عام،ويدوِّن الدواوين،ويقسم الدولة إلى ثمانى ولايات هى:
      مكة،
      والمدينة،
      وفلسطين،
      والشام،
      والجزيرة الفراتية،
      والبصرة،
      والكوفة،
      ومصر،
      ويعين واليًا لكل ولاية ينوب عنه فى الصلاة وقيادة الجند،وإدارة شئون الحكم فى الولاية.ولا يكتفى بهذا،بل يرتب البريد،ويتخذ من الهجرة بداية للتقويم الهجرى.
      كل ذلك فى عشر سنوات،وستة أشهروأربعة أيام،مات بعدها شهيدًا بيد الغدر،
      فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسى،الفارسى الأصل-وكان غلامًا للمغيرة بن شعبة-؛
      حقدًا على الإسلام والمسلمين.

      أمنية لم تتحقق
      كان عمر مع عدله ورحمته يخشى أن يموت وهو مقصر فى حق رعيته،
      وكم كان يتمنى أن يذهب إلى الناس فى الولايات الثمانية ليدرس مشكلاتهم،
      ويحقق رغباتهم،وقد ورد عنه أنه قال فى آخر حياته:
      لئن عشت إن شاء الله لأسيرن فى الرعية حولا(عامًا) فإنى أعلم أن للناس حوائج
      تقطع دونى (لا أطلع عليها)،أما عمالهم (ولاتهم) فلا يرفعونها إلى،وأما هم فلا يصلون إلى،فأسير إلى الشام فأقيم بها شهرين،والجزيرة شهرين،وبمصرشهرين، وبالبحرين شهرين،وبالكوفة شهرين وبالبصرة شهرين.والله لنعم الحول هذا،
      لكن القدر لم يمهله فاستشهد -رضى الله عنه- قبل أن تتحقق هذه الأمنية
      .

      لقد طبق عمر المبادئ الإسلامية على نفسه أولا قبل أن يطلب من غيره تنفيذها.
      وكان يشترط على من يُولِّيه أمرَ المسلمين ألا يتعالى عليهم،ولا يستأثر لنفسه بشىء دونهم،ولا يغلق فى وجوههم بابه.

      القوى الأمين
      وعندما بخلت السماء بمائها،وتوقفت الأرض عن أن تجود بزرعها فى عام الرمادة، واجه عمر الأزمة الطاحنة،وأشرف على إعداد الطعام بنفسه حتى مرت الأزمة
      بسلام، فكان عمر بحق كما وصفه على بن أبى طالب،
      إذ قال لعثمان يومًا فى كتاب الله:
      (يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين)
      [القصص: 26].
      وهو الذى جعل من القلة كثرة،
      ومن الضعف قوة،
      ومن الذل عزّا،
      ومن الموت حياة،
      وأخرج من الصحراء رجالا كانوا أمثلة عظيمة فى العدل والإحسان،
      ولم يكن وراء هؤلاء إلا الإيمان المتين،
      والخلق الصالح،
      والأخذ بأسباب النصر والعمل الجاد المخلص لله. .


      خلافة عثمان بن عفان
      (23 - 35 هـ/ 643- 655م )

      جعل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الخلافة قبل وفاته شورى في ستة
      من كبار الصحابة،هم
      عثمان بن عفان،
      وعلى بن أبى طالب،
      وطلحة بن عبيد الله،
      والزبير بن العوام،
      وعبدالرحمن ابن عوف،
      وسعد بن أبى وقاص -رضى الله عنهم-،
      وجعل ابنه عبدالله بن عمر معهم مشيرًا ولا يحق لهم اختياره،
      وقد وقع الاختيار على عثمان بن عفان سنة 24هـ لتولى خلافة المسلمين.

      وقد بدأ عثمان عهده بأن كتب إلى الولاة وعمال الخراج ينصحهم بالسير فى طريق العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وزاد فى أعطيات جيشه.

      الحالة السياسية للدولة
      عمل عثمان على توطيد نفوذ المسلمين فى كثير من البلاد التى تم فتحها من قبل،
      كما نجح ولاته فى ضم مناطق جديدة إلى حوزة الدولة الإسلامية،
      ففى سنة 24هـ، جرى غزو "أذربيجان" و"أرمينية" للمرة الثانية على يد
      الوليد بن عقبة بعد أن امتنع أهلها عن دفع ما كانوا قد صالحوا المسلمين عليه،
      وفى نفس العام وصل معاوية بن أبى سفيان إلى الشام لصد الروم التى تحركت لغزو الشام واستعادتها من المسلمين، فأرسل جيشًا من أهل الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلى فى ثمانية آلاف رجل، وتولى قيادة جيش الشام حبيب بن مسلمة الفهرى،
      فشنوا الغارات على الروم، وأوقعوا بهم، وتوالت الفتوحات الإسلامية،
      فعاود معاوية بن أبى سفيان غزو الروم، وتوغل فى أرضهم حتى وصل"عمورية"، وكان معاوية يهدف من وراء ذلك إلى شغل الروم بالدفاع عن الأقاليم المتاخمة للقسطنطينية فيسهل عليه فتح ما تبقى لهم من قلاع وحصون على ساحل الشام،
      وقد نجح فى ذلك ففتح قنسرين وغيرها.
      وفى الشرق بلغ "عثمان بن عبدالله" أرض كابل(أفغانستان الحالية).
      وفى سنة 27هـ جهزالخليفة جيشًا لفتح إفريقية(تونس حاليّا)
      وفى العام التالى أمد الخليفة جيش الفتح بقوات جديدة فى مقدمتها عدد من
      أعلام الصحابة
      كعبدالله بن الزبير،
      وعبدالله بن عمر،
      وعبدالله بن عمرو بن العاص،
      والذين قد عرفوا بالعبادلة.

      وانتصر جيش المسلمين على الجيش البيزنطى وسميت هذه الواقعة بغزوة
      "العبادلة"،وفيها قتل القائد البيزنطى جُرْجير على يد عبدالله بن الزبير،
      واستولى المسلمون على أرض تونس سنة 27هـ.

      وفى سنة 28هـ عمل معاوية على وضع النواة الأولى للأسطول الإسلامى،
      فاستأذن الخليفة فى ذلك،فأذن له فبدأ يعمل على إنشاء هذا الأسطول،
      كذلك سلك نفس المسلك عبد الله بن سعد بن أبى سرح والى مصر،
      ولما أتم معاوية تجهيز أول أسطول إسلامى اتجه به إلى غزو قبرص حيث
      كانت تعد محطة تموين للأسطول البيزنطى فى البحرالمتوسط وهو الذى اعتاد
      مهاجمة الشواطئ الإسلامية، وتم لمعاوية فتحها سنة 28هـ.

      ذات الصوارى
      ولما بلغ هرقل إمبراطور الروم خبر استيلاء العرب على بلاده فى إفريقية جهز أسطولاً كبيرًا مؤلفا من 600 مركب،واتجه به من القسطنطينية فى البحرإلى
      ناحية تونس هادفًا إلى القضاء على البحرية الإسلامية الناشئة،
      فخرج إلى الأسطول الإسلامى بشقيه الشامى والمصرى بقيادة عبدالله بن سعد بن أبى سرح،والتقوا بمراكب الروم بالقرب من شواطئ"كيليكيا"فانهزم الأسطول الرومى،
      وفر قائده بما بقى من مراكبه فى موقعة "ذات الصوارى" سنة 31هـ.

      وهكذا فقد كانت الفتوحات الإسلامية أيام عثمان بن عفان كبيرة وواسعة
      إذ أضافت بلادًا جديدة فى إفريقية وقبرص وأرمينيا،وأجبرت من نقض العهد
      إلى الصلح من جديد فى فارس وخراسان وباب الأبواب.

      وضمت فتوحات جديدة فى بلاد السند وكابل وفرغانة،
      ورغم هذا فقد حدثت فتنة فى أواخرعهد عثمان،
      فقد اتهمه فيها البعض بأنه يقرب إليه بنى أمية ويستشيرهم فى أموره،
      ويسند إليهم المناصب الهامة فى الدولة،وظهرت بعض الشخصيات التى صارت
      تبث روح السخط والتمرد فى نفوس أهل البلاد،
      ومن ذلك ما قام به عبدالله بن سبأ (المعروف بابن السوداء)
      وكان يهوديّا يُظهر الإسلام،حيث تنَّقل بين الأقاليم الإسلامية محاولا إثارة الناس ضد الخليفة،ولم يمضِ على ذلك وقت طويل حتى أقبل إلى المدينة فى شوال سنة 35هـ
      وفد من العرب المقيمين فى مصروالكوفة والبصرة ومعهم بعض المطالب منها عزل الولاة الذين أساءوا للمسلمين،ومازالوا بالخليفة حتى قبل بعض مطالبهم،وسافروا من المدينة، ثم مالبثوا أن عادوا إليها وفى يدهم كتاب بختم عثمان،قالوا إنهم وجدوه مع رسول عثمان إلى ولاته يأمر فيه بحبسهم وتعذيبهم،فحلف عثمان أنه لم يكتب ذلك،
      ثم زعم الثائرون أن الكتاب بخط مروان بن الحكم فطلبوا إلى الخليفة أن يخرجه
      لهم فلم يقبل لكذب هذا الزعم ولخشية أن يقتلوه ظلمًا،فاشتدت الفتنة وحرَّض المحرضون بقيادة ابن السوداء،وضرب الثائرون حصارًا حول دارعثمان بن عفان،
      ولما علموا أن ولاة الخليفة فى الأقاليم الإسلامية أعدوا الجند لإرسالهم إليه شددوا الحصار على عثمان،وأساءوا معاملته،وبعد أن استمروا فى محاصرته أربعين يومًا، هجم عليه بعضهم وقتلوه،فقتل مظلومًا -رضى الله عنه-
      فى اليوم الثامن عشرمن شهر ذى الحجة سنة35هـ الموافق السابع عشر
      من يونيه سنة 656م،
      وفُتِحَ بذلك باب عظيم من الفتنة والابتلاء على المسلمين.



      خلافة على بن أبى طالب
      (35 - 40 هـ/ 655- 660م )

      أصبحت الحالة فى المدينة المنورة بعد مقتل عثمان تقتضى وجود خليفة قوى يعيد الأمورإلى وضعها الطبيعى داخل عاصمة الدولة الإسلامية،لذا أسرع أهل المدينة
      إلى مبايعة على بن أبى طالب سنة 35هـ وأيدهم الثوار بالمدينة،واضطرعلى بن
      أبى طالب
      إلى قبول الخلافة منعًا للشقاق وخشية حدوث الخلاف بين المسلمين.

      الدولة والمجتمع
      بدأ على بن أبى طالب عمله بعزل ولاة عثمان الذين كانوا سببًا فى اعتراض الكثيرين على عثمان،وعين بدلا منهم ولاة آخرين،لكن الوالى الذى أرسله الخليفة إلى الشام
      لم يتمكن من استلام عمله؛حيث تصدى له أنصارمعاوية بن أبى سفيان-والى الشام
      من أيام عثمان رضى الله عنه- وأخرجوه من البلاد،ورفض معاوية مبايعة على للخلافة،واستمرعلى ذلك مدة ثلاثة أشهر،فأخذ على بن أبى طالب يعد جيشًا قويّا
      لغزو الشام،وعزل معاوية ابن أبى سفيان عنها؛حيث رأى أن هيبة الدولة لا تكون
      إذا لم يستطع الخليفة أن يعزل واليًا وأن يعين غيره،هذا من ناحية،ومن ناحية أخرى، فإن هذا الوضع سوف يشجع العصاة والمنحرفين على العبث بمقدرات الدولة مما يؤثر على استقرارالنظام،وبينما هو يعد العدة للسيطرة على الشام،إذ ظهر تمرد آخر
      نشأ عن طلحة ابن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة أم المؤمنين فى البصرة واستيلائهم عليها سنة 36هـ فعدل"على"عن غزو الشام وأعد العدة للذهاب إلى
      البصرة للقضاء على التمرد وذهب معه عدد غير قليل من أهل الكوفة حيث دارت
      "موقعة الجمل" فى جمادى الآخرة سنة 36هـ
      والتى انتهت بانتصارعلى بن أبى طالب.وقُتل طلحة بن عبيد الله،وقُتل الزبيربن العوام بعدما ترك المعركة،وقد نوى عدم الاشتراك فيها.وأعيدت السيدة عائشة -رضى الله عنها- مكرمة معززة،وسار معها على بن أبى طالب بنفسه يحميها ثم وكل بها
      بعض بنيه حتى وصلت إلى مكة،فأقامت حتى موسم الحج.

      بوادر الفتنة
      واستقرت الأمور فى"البصرة"عقب ذلك،وأخذ على البيعة لنفسه من أهلها ثم وجه أنظاره ناحية الشام حيث معاوية بن أبى سفيان الذى رفض الطاعة وأبى البيعة له
      إلا بعد الأخذ بثأرعثمان،فبعث إليه يدعوه مرة أخرى فلم يجبه إلى ثلاثة أشهر
      من مقتل عثمان،ولما تحقق علىّ من عدم استجابته لدعوته وتأهبه للقتال،
      سار من الكوفة لردعه والتقى بجند الشام وعلى رأسهم معاوية بن أبى سفيان حيث

      دارت بين الطرفين مناوشات يسيرة فى سهل"صفين" فى ذى الحجة سنة 36هـ،

      ثم اتفقا على إيقاف الحرب إلى آخر المحرم طمعًا فى الصلح،وترددت الرسل بينهما لكن معاوية ابن أبى سفيان كان يعتبر نفسه ولى دم عثمان بن عفان وطالب بثأره فأصر على موقفه وهو مطالبة على بن أبى طالب بالتحقيق مع قتلة عثمان والاقتصاص منهم، بينما رأى على أنَّ هذا الأمر لن يتم إلا بعد أن تهدأ الفتنة وتستقرالأحوال فى الدولة، ولما لم يصل الطرفان إلى حل يرضى كلا منهما
      عادوا إلى القتال فى شهرصفرسنة 37هـ.

      موقعة صفين
      واشتعلت نار الحرب بين الفريقين أيامًا متوالية وزحف علىّ ابن أبى طالب بجنده
      على جند معاوية بن أبى سفيان الذين رفعوا المصاحف على أسنة الرماح وقالوا:

      "هذا كتاب الله عز وجل بيننا وبينكم"

      فلما رأى أهل العراق المصاحف مرفوعة قالوا:

      "نجيب إلى كتاب الله"

      ولقيت هذه الدعوة قبولا لدى عدد كبيرمن جند"على"الذين يُعرفون بالقراء؛
      لأنهم يجيدون حفظ القرآن الكريم،فرفضوا المضى فى القتال ووافقوا على التحكيم، وبذلك انتهت موقعة "صفين"،وحل محلها التحكيم،واتفق الفريقان على أن يختار كل منهما رجلا من قِبَله،فاختارمعاوية "عمرو بن العاص"،واختارأتباع على
      "أبا موسى الأشعرى"،لكن فئة من أنصاره عادوا ورفضوا التحكيم فى قضية
      تبين فيها الحق من الباطل،وخرجت هذه الفئة على أمير المؤمنين
      على بن أبى طالب ورفضوا السير معه إلى الكوفة وعرفت هذه الفئة
      الخوراج".
      استمرعلى بن أبى طالب فى قبول مبدأ التحكيم وأرسل أبا موسى الأشعرى،
      فاجتمع بعمرو بن العاص،واتفق الحكمان على خلع على ومعاوية،
      وترك الأمرشورى للمسلمين يختارون فيه من يريدون،فلما بلغ عليّا خبرالحكمين أنكر عليهما ما اتفقا عليه،وقال:
      إن هذين الحكمين نبذا حكم القرآن واتبع كل واحد هواه،واختلفا فى الحكم
      فاستعدوا للسير إلى الشام،وأخذ يحرض الناس على حرب معاوية
      ،
      لكن الخوارج اشتدوا على أصحاب "على" وقتلوا بعضًا منهم،فجهَّز"على"
      جيشًا لمحاربة الخوارج والتقى بهم عند النهروان على بعد ميلين من"الكوفة"
      وهزمهم شرهزيمة ثم أخذ يعد العدة لمحاربة معاوية بن أبى سفيان
      بالشام سنة 38هـ،
      لكن أحد الخوارج ويُدعى عبدالرحمن بن مُلْجَم استطاع قتل على
      فى المسجد بالكوفة؛حيث ضربه بسيف مسموم فتوفى فى17 رمضان سنة 40هـ .
      وبوفاته انتهى عهد الخلفاء الراشدين.


      وبدأ عهداً جديداً فى التاريخ الإسلامى

      سيكون حديثنا عنه تباعاً
      ،،،
      __________________

      تعليق


      • #4
        رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

        دولة الخلافة الأموية

        انتهى عهد الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم
        أجمعين بمقتل على بن أبى طالب - رضى الله عنه -
        وبدأ عهد جديد وهو عهد دول الخلافة

        بعد مقتل على -رضى الله عنه- سنة 40هـ تهيأت الظروف للأمويين
        لكى يبسطوا سلطانهم على الدولة الإسلامية.
        حقّا إنهم ذَوُو حسب ونسب،فهم سلالة "أمية بن عبد شمس"
        أحد سادات قريش وزعمائها قبل الإسلام.
        وقد كان أبوسفيان بن حرب والد معاوية أحد أبناء هذا البيت الأموى
        ومن أكبر سادات قريش،وإليه كانت قيادة قوافل التجارة،وإدارة شئون الحرب،
        ولم يسلم إلاعند فتح مكة،وروى عن معاوية أنه أسلم يوم عمرة القضاء وكتم إسلامه حتى فَتْح مكة،وقد لقى أبوسفيان من الرسول-صلى الله عليه وسلم-معاملة كريمة
        حيث أعلن عند فتح مكة أن
        "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن".
        واستخدم الرسول- صلى الله عليه وسلم-معاوية كاتبًا له،
        واستعان الخلفاء الراشدون بأبناء البيت الأموى، فكان يزيد بن أبى سفيان
        أحد قادة الجيوش الأربعة التى بعث بها أبو بكر-رضى الله عنه- لفتح الشام
        سنة 11هـ/633م.
        وقد حارب يزيد وتحت إمرته أخوه معاوية فى عهد الخليفة عمرفلما توفى
        يزيد سنة 18هـ/ 639م،استعمل الخليفة "عمر"معاوية بن أبى سفيان
        على دمشق وعلى خراجها،ثم جمع له الشام كلها.

        عام الجماعة
        ولقد مهدت الأقدار لمعاوية بن أبى سفيان فى أن يخطو خطوات ثابتة لكى
        يتولى منصب الخلافة،وبايعه الحسن بن على -رضى الله عنه-الذى كان قد خلف
        أباه وصار معه ما يقرب من اثنين وأربعين ألفًا من الجند، لكنه لم يطمئن إلى ولاء العاملين معه.كان ذلك عام 41هـ/662م،وهو
        عام الجماعة الأول
        ،
        لأن معاوية نال فيه البيعة بالخلافة من جميع الأمصارالإسلامية،ويعتبر هذا العام
        الميلاد الرسمى لقيام الدولة الأموية.
        ولقد
        روى عن الحسن البصرى أنه قال:استقبل- والله- الحسنُ بن على معاويةَ
        بن أبى سفيان
        بكتائب أمثال الجبال،فقال عمرو بن العاص:إنى لأرى كتائب
        لا تتولى حتى يقتل أقرانها.فقال معاوية وكان والله خيرالرجلين إن قتل هؤلاء هؤلاء،وهؤلاء هؤلاء،من لى بأمور المسلمين،من لى بضعيفهم؟
        من لى بنسائهم؟
        وبعث معاوية إلى الحسن يطلب المصالحة وحقن دماء المسلمين،
        وكان الحسن مهيأ لهذا الأمر النبيل،فما أعز دماء المسلمين عنده.
        وتنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية على أن تعود الخلافة بعده شورى بين المسلمين.
        ولما قدم الحسن الكوفة قابله سيل من التعنيف واللوم لتنازله عن الخلافة،لكنه كان بارًا راشدّا لا يجد فى صدره من هذا الأمرحرجًا أو ندمًا،
        قال له رجل اسمه عامر:السلام عليك يا مذل المؤمنين.
        قال:لا تقل هذا يا عامر،لست بمذل المؤمنين،
        ولكنى كرهت أن أقتلهم على الملْك.


        وتحققت نبوءة النبى-صلى الله عليه وسلم-فى الحسن يوم قال:
        "إن ابنى هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"
        .
        [أحمد والبخارى وأبو داود، والترمذى والنسائى].


        خلافة معاوية بن أبى سفيان
        (41 - 60 هـ/ 661- 679م )

        عندما أصبح معاوية خليفة للمسلمين،كانت الدولة الإسلامية تقوم على
        شبه الجزيرة العربية،
        والشام،
        والعراق،
        ومصر،
        وبلاد الجزيرة،
        وخراسان.
        أما الجهات التى وصلت إليها الجيوش الإسلامية فيما وراء تلك البلاد فإنها كانت
        تفتقر إلى الاستقرار.وكان للفتنة التى حدثت فى عهد عثمان،وما أعقبها من صراع
        بين على ومعاوية أثرهما فى توقف حركة الفتوحات الكبرى،ومتابعة الجهاد فى سبيل حماية الإسلام، وأداء رسالته، واستكمال بناء الدولة الإسلامية.
        فلابد أن تعود المياه إلى مجاريها،ولابد أن تعود الفتوحات الإسلامية كما كانت،
        بل وأكثر مما كانت.
        لقد أصبحت"دمشق"عاصمة الخلافة،ومنها تنطلق الجيوش باسم الله.
        وعمل معاوية منذ توليه الخلافة على تجهيزالجيوش بشن حرب شاملة ضد "الإمبراطورية البيزنطية"،وهى"إمبراطورية الروم".
        لقد كانت مركز القوة الرئيسية المعادية للدولة الإسلامية،وطالما حاولت فى لحظات الخلاف والفتنة أن تسترد الشام ومصر،أغلى أقاليم "الإمبراطورية الرومانية"
        قبل فتح العرب لهما.

        إن أراضى آسيا الصغرى التابعة لتلك الإمبراطورية تتاخم الجهات الشمالية
        من بلاد الشام والعراق،وتنطلق منها الجيوش الرومية لتخريب هذين الإقليمين
        العربيين !
        فلماذا لا يحاول معاوية القضاء على ذلك العدو اللدود؟
        لماذا لا يستولى على القسطنطينية نفسها عاصمة تلك الإمبراطورية ؟

        أعد معاوية الحملة الأولى،وزودها بالعَدد والعُدد،وجعل على رأسها ابنه وولى عهده يزيد،ولم يتخلف صحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-عن الجهاد فى سبيل الله، فانضموا إلى هذه الحملة متمثلين أمام أعينهم،قول الرسول-صلى الله عليه وسلم-
        "لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش"
        [أحمد والحاكم]،
        آملين أن يتحقق فيهم قول الرسول-صلى الله عليه وسلم-.
        "أول جيش يغزون مدينة قيصر مغفور لهم"
        [البخارى].
        ولقد اشترك فى هذه الحملة أبو أيوب الأنصارى الذى نزل النبى-صلى الله عليه وسلم-فى بيته عند الهجرة.ولم يستطع المسلمون فتح المدينة هذه المرة،
        ولكن حسبهم أنهم أول جيش يغزو القسطنطينية.
        ولقد سعد معاوية باشتراك الصحابة فى هذه الغزوة،فهم خير وبركة،فبهم تعلو راية المجاهدين.واتجهت هذه الجيوش إلى القسطنطينية حتى فتحوا بلادًا عديدة فى آسيا الصغرى وضَربوا الحصار على العاصمة الحصينة.وعزز معاوية هذه الغزوة
        بأسطول سار تحت قيادة فضالة بن عبيد الأنصارى،وسار هذا الأسطول إلى مياه العاصمة البيزنطية.
        وأثناء الحصار،مرض"أبو أيوب الأنصارى"ولم يلبث أن توفى،ودفن جثمانه قرب أسوار القسطنطينية،وأظهر الجنود المسلمون ضروبًا من الشجاعة أذهلت الروم،
        ثم انسحبت الجيوش الإسلامية بعد ذلك تأهبًا لكرّة أخرى من الجهاد..

        حرب السنوات السبع
        بعث معاوية حملة ثانية ضد القسطنطينية؛إنه يدرك خطر البيزنطيين،
        ويعمل جاهدًا على تدمير قوتهم.
        لقد دام الحصار للقسطنطينية سبع سنوات(54-60هـ/674-680م)،
        وكان التعاون قائمًا بين القوات البحرية والأسطول الإسلامى،
        فقد اتخذ الأسطول مقرّا له فى جزيرة "أرواد" قرب مياه القسطنطينية،
        وبمطلع الربيع،تم إحكام الحصار،فانتقلت القوات البرية لإلقاء الحصارعلى أسوار العاصمة،على حين تولت سفن الأسطول حصارالأسوارالبحرية.
        وباقتراب فصل الشتاء نقل الأسطول قوات المسلمين إلى جزيرة "أرواد"
        حماية لها من برد تلك الجهات القارص،ثم عاد فنقلها لمتابعة الحصاربمطلع الربيع.
        ولم تستطع هذه " الحملة الثانية" اقتحام القسطنطينية بسبب مناعة أسوارها،
        وما كان يطلقه البيزنطيون على سفن الأسطول الإسلامى من نيران،
        فانتهى الأمر بعقد صلح بين المسلمين والبيزنطيين مدته ثلاثون عامًا،
        عام 56هـ/ 676م.
        وبرغم عجز هاتين الحملتين عن الاستيلاء على القسطنطينية فإنهما حققتا أهدافًا
        واسعة،فلقد تخلى أباطرة الروم عن مشاريعهم وأحلامهم القديمة فى استعادة مصر والشام،وغيرهما من الأراضى التى كانت تابعة لهم من قبل،وعلموا أن جيوش الإسلام باتت قوية،وراحت تدق أبواب عاصمتهم بعنف.
        لقد زلزلت القوات الإسلامية إمبراطوريتهم نفسها،وشلت نشاط القوات البيزنطية، وقلمت أظفارها،مما أتاح للأمويين بسط رقعة الدولة شرقًا وغربًا.

        الجهاد فى الميدان الشرقى
        فإذا انتقلنا من الشام إلى الميدان الشرقى نجد أن الفتوحات التى توقفت أواخر
        خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان-رضى الله عنه- قد استأنفها الأمويون،
        فعندما تولى معاوية الحكم بعث الجيوش لنشرالإسلام فى مواطن جديدة سكنها
        الأتراك فى بلاد ما وراء النهر،وإلى بلاد الهند التى كانت موطن حضارة
        من أقدم الحضارات فى جنوب شرق آسيا.
        وفى بلاد الشرق،حيث كان زياد بن أبيه واليًا على تلك البلاد من قِبَل معاوية بن
        أبى سفيان
        ،غزا المسلمون أفغانستان فسقطت"كابول"فى أيديهم سنة 664م،
        وعبروا نهرجيحون،واستولوا على بخارى سنة 674م،ثم على سمرقند سنة 676م،
        ثم واصلوا زحفهم حتى نهرسيحون،وذلك على يد قادة من شباب الإسلام
        مثل محمد بن القاسم الثقفى وقتيبة بن مسلم الباهلى وغيرهما.

        الجهاد فى الميدان الغربى
        وانطلقت الفتوحات الأموية منذ ولى معاوية بن أبى سفيان نحو الميدان الغربى
        فى البلاد التى تلاصق مصرمن جهة الغرب،وتمتد من"برقة"إلى المحيط الأطلسى، وكانت معروفة عند العرب باسم بلاد المغرب،وكان يسكنها أناس عرفوا باسم البربر، وهم ينتمون فى أصلهم إلى العنصرالليبى القديم الذى يرتبط مع الأصول
        التى ينتمى إليها المصريون القدماء.

        وكان هؤلاء البربر ينقسمون بحسب مسكنهم إلى قسمين:
        حضر يزرعون الأرض ويعيشون مستقرين قرب الساحل،وعلى سفوح
        الجبال الخصبة، واشتهروا باسم
        "البرانس".
        وبدو يرعون قطعانهم من الماشية فى الصحاري، وعرفوا باسم
        "البتر".

        عقبة فى بلاد المغرب
        وأسند الخليفة معاوية بن أبى سفيان فتح تلك البلاد وإفريقية سنة 50هـ
        إلى"عقبة بن نافع الفهرى"،الذى كان مقيمًا ببرقة منذ أن فتحها عمرو بن العاص
        أثناء ولايته الأولى على مصر،فكان عقبة من أكثر الناس خبرة ودراية بأحوال
        هذه البلاد،وعهد إليه معاوية بقيادة بعض السرايا الحربية التى توغلت فى شمال إفريقية، ورأى عقبة أن أفضل الطرق لفتح بلاد المغرب يقتضى إنشاء قاعدة للجيوش العربية
        فى المنطقة التى عرفها العرب باسم إفريقية، وهى جمهورية تونس الحالية.

        واستطاع عقبة تنفيذ مشروعه حين انطلق بجيوشه إلى إفريقية واستولى عليها،
        لقد اختار موقعًا يلتقى عنده"البرانس"و"البتر"وأقام عليه قاعدته التى سماها
        "القيروان"،
        وشرح عقبة أهدافه من تأسيس القيروان قائلا لجنوده:
        وأرى لكم يا معشر المسلمين أن تتخذوا بها(أى بأفريقية)مدينة نجعل فيها
        عسكرًا،وتكون عزالإسلام إلى أبد الدهر.
        وكان عقبة بن نافع صادق الإيمان،فيروى أنه لما بدأ فى بناء القيروان،
        وكان مكانها مكان ملتف بالشجرتأوى إليها السباع والوحوش والحيات العظام،
        فدعا الله تعالى فلم يبق فيها شىء من ذلك،حتى إن السباع صارت تخرج منها
        تحمل أولادها،والحيات يخرجن هاربة من أحجارهن،ولما رأى البربر
        ذلك أسلم منهم عدد كبير.


        الأحوال الداخلية للدولة

        1- دمشق العاصمة الجديدة
        كان على-رضى الله عنه- قد اتخذ من"الكوفة"مركزًا للخلافة،
        فاتخذ معاوية بن أبى سفيان مدينة"دمشق"لتكون مقرّّا لخلافته ولآل بيته من بعده.
        وكانت هذه الخطوة تعنى أن مقرالخلافة أصبح محصنًا بقوة مادية وبشرية كبيرة، وشجعه على ذلك أن أهل الشام برهنوا له عن ولائهم للبيت الأموى،
        ووقفوا إلى جانب معاوية خلال تلك الفترة التى قامت فيها الفتنة.
        وكان معاوية قد راح يدعم علاقته بالقبائل الكبيرة منذ ولايته على الشام،
        فصاهرأقواها وأعزها،وأكثرها نفرًا،وهى قبائل كلب اليمانية،
        فكانت زوجته ميسون من بنى بحدل من قبيلة كلب،
        وأنجب منها ابنه يزيد الذى صار ولى عهد الدولة الأموية.

        أما عن موقع مدينة دمشق عاصمة الخلافة الجديدة،فقد كان موقعًا فريدًا،
        فهى تقع على حافة بادية البلقاء،فى واحة الغوطة الخصيبة،ويغذيها نهر بردى،
        وتحيط بها جبال شاهقة من جميع نواحيها وهى إلى جانب هذا كله متجرًا
        للقوافل التجارية المعروفة باسم"رحلات الصيف".
        وها هى ذى قد أصبحت بعد الفتح الإسلامى معسكرًا للجيوش الإسلامية،
        وقاعدة تباشر منها مهامها الحربية،وتستطيع مراقبة العدو الأول للدولة الإسلامية،
        وهو إمبراطورية الروم.

        2- الوراثة فى الحكم
        وكانت السمة الثانية التى ميزت الدولة الأموية:
        تطبيق مبدأ الوراثة فى الحكم،
        لقد تخلى معاوية عن القواعد التى جرى عليها انتخاب الخلفاء الراشدين من قبله،
        معتقدًا أن المجتمع الإسلامى بعد هذه السنين قد تطور،وأن قوى جديدة فيه قد ظهرت تريد أن تبحث لها عن دور،وأن القبائل الكبرى التى قامت بالدورالبارزفى حركة
        الفتوح وقيادة الجيوش لم تعد تقبل بسهولة أن تنقاد لمن لا ترى مصالحها عنده،
        وتضمن نفوذها لديه،وأن الأمصاروالولايات الجديدة قد أصبحت حريصة على جعل جهاز الحكم فيها،أو قريبًا منها،مما يهدد الدولة الإسلامية بالتنازع والحروب الداخلية فرأى أن يستخلف ولده يزيد إذ تؤيده قوة أهل الشام وتحميه قوة قبيلة كلب التى منها
        أمه وأخواله..

        وبالرغم من العقبات التى اعترضت معاوية فإنه استطاع الحصول على البيعة
        لابنه يزيد سنة 56هـ/676م،وبهذا تم تحويل الخلافة إلى سلطة مبدأ التوريث.
        وصار معاوية بذلك مؤسس الدولة الأموية،
        وأول من طبق الوراثة فى الخلافة الإسلامية.


        منجزات معاوية
        أما عن عهد معاوية فقد كان حافلا بالإنجازات،
        فقد أعاد حبات العقد التى انفرطت فنظمها من جديد،وبعث الجيوش شرقًا وغربًا، وقضى على الفتنة،وأتاح للراية الإسلامية أن تواصل تقدمها فى كل اتجاه،
        ولقن أعداء الأمة دروسًا لا تنسى!
        ولقد تحقق له ما أراد،فأقام دولة لبنى أمية وَوَرَّثَ ابنه يزيد الخلافة من بعده،
        ثم أجاب داعى الله بعد حياة حافلة،وقد قال فيه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "اللهم اجعله هاديًا مهديّا واهدِِ به"
        [أحمد والترمذى].
        وقد لقى معاوية ربه، فى رجب سنة 60هـ/680م.



        خلافة يزيد بن معاوية
        (60 - 64 هـ/ 679- 683م )

        بويع له فى حياة أبيه ليكون وليّا للعهد من بعده،
        ثم أكد البيعة لنفسه بعد موت والده فى النصف الثانى من رجب سنة ستين،
        واستمر فى منصبه إلى أن توفى سنة أربع وستين!
        وقد واجهته المشاكل والعقبات عقب تسلمه الحكم،
        فقد قامت ضده ثلاث ثورات،ترجع دوافعها إلى تقرير
        "مبدأ الوراثة"
        فى بنى أمية.

        الفتنة
        ما كاد يزيد يتسلم زمام الحكم حتى واجه نفرًا من المسلمين يمتنعون عن مبايعته،
        ثم ما لبثت معارضتهم لبيعته أن تحولت إلى ثورة مسلحة.
        وكان يزيد قد طلب من أميرالمدينة المنورة الوليد بن عتبة بن أبى سفيان الحصول
        على البيعة من الحسين بن على،وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،لكن الحسن
        وابن الزبيررفضا،وخرجا من المدينة إلى مكة،وتوقف ابن عمرفقال:
        إن بايع الناس بايعت.فلما بايع الناس بايعه ابن عمر،وتعقَّد الموقف فى الحجاز.

        وعلم أهل العراق برفض الحسين مبايعة يزيد وتوجهه إلى مكة،
        فوجدوا الفرصة سانحة للتخلص من الأمويين وإعادة الدولة كما كانت فى عهد على؛ ليتولى أمرهم الحسين بن على،فهو أحب إليهم من يزيد بن معاوية!
        وبقاء الحكم فى العراق أحب إليهم من بقائه فى الشام.
        فأرسلوا رسلهم إلى الحسين،ليحرضوه على المطالبة بالخلافة،ويطلبوا منه المسير
        إلى الكوفة، فبعث الحسينُ ابنَ عمِِّه"مسلم بن عقيل بن أبى طالب"إلى الكوفة
        ليتبين الموقف؛وليمهد له الأمر،حتى إذا رأى إجماع الناس على بيعته أسرع بإحاطته علمًا بذلك.وعندما أقبل "مسلم بن عقيل"على الكوفة رأى من أهلها إقبالا ورغبة
        فى مبايعة الحسين، فبعث إليه على الفور يستعجل قدومه.
        لكن الأمويين كانوا قد أحيطوا علمًا بما يدور فى الكوفة فأرسلوا على الفور
        عبيد الله بن زياد واليًا عليها ليحفظ الأمن والنظام،وليضبط الأمرعلى النهج الذى
        اتبعه والده زياد من قبل أيام الخليفة معاوية بن أبى سفيان.
        استطاع عبيد الله أن يُحكم سيطرته على البلاد،ويقتل قادة الدعوة إلى الحسين،
        ومن بينهم"مسلم بن عقيل"ويخرس الألسنة التى تنادى بالحسين خليفة.
        وتحرك ركب الحسين إلى الكوفة فى هذا الجو المتأزم الملبد بالغيوم،
        فنصحه كبار الصحابة وكبار شيعته مثل أخوه:
        محمد بن الحنفية، وعبد الرحمن بن الحارث المخزومى، وعبد الله بن عباس،
        ليصرف النظر عن الذهاب إلى العراق،وعدم الاطمئنان لما نقل إليه من موافقة
        أهلها على مبايعته،غير أن الحسين -رضى الله عنه- لم يستمع لنصح الناصحين.

        حادث كربلاء
        خرج-رضى الله عنه- فى جماعة من شيعته لا يزيدون عن ثمانين رجلا،
        ومعه نساؤه وأطفاله قاصدًا الكوفة دون أن يعلم بما حدث!
        فلما بلغه ما حدث لم يتراجع،بل واصل المسير وكانت القوات الأموية فى انتظاره،
        ولم يكن اللقاء متكافئًا.
        وفى "كربلاء" التحم الفريقان،فسالت الدماء وسقط الحسين شهيدًا بالقرب من
        الكوفة يوم عاشوراء فى العاشر من المحرم سنة61هـ/681م،
        وتخلص يزيد من أحد منافسيه الأقوياء،وبقى عبد الله بن الزبير.

        مواجهة عبدالله بن الزبير
        ذهب عبدالله إلى مكة محتميًا بها،وسمى نفسه العائذ بالبيت.
        فلما بلغه استشهاد الحسين أخد البيعة لنفسه من أصحابه فى وجود والى مكة
        الأموي"عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق"الذى كان فى استطاعته
        أن يتغلب على ابن الزبير، لكنه كان يرفق به.
        فماذا يفعل يزيد، وقد لجأ ابن الزبيرإلى الحمى ؟!

        ولى على الحجازالوليد بن عتبة بن أبى سفيان الذى اشتد على"ابن الزبير"
        فلم يجد ابن الزبيربدّا من اللجوء إلى حيلة معقولة؛لكى يتخلص من الوليد.
        وهداه تفكيره إلى أن يطلب إلى يزيد تغييرهذا الوالى حتى يتسنى له أن يفكرفى مصالحته.
        وسرعان ما استجاب يزيد،فعزل الوليد وعين مكانه"عثمان ابن محمد بن أبى سفيان".
        وقد نجحت حيلة ابن الزبير، فعثمان كان شابّا صغيرًا لم تصقله التجارب،
        ولا خبرة له بسياسة الناس وقيادتهم،فأساء من حيث أراد الإصلاح.

        لقد أرسل وفدًا من أشراف أهل المدينة إلى دمشق؛لكى يرى الخليفة بنفسه مدى
        طاعتهم وولائهم،وأحسن يزيد وفادتهم،وأغدق عليهم،ومنحهم العطايا ليستميل قلوبهم، وليكونوا خير دعاة له إذا رجعوا إلى أهليهم وذويهم،فمن رأى ليس كمن سمع،
        ولكنهم بعد أن رأوا فى عاصمة الخلافة الجديدة مظاهرالبذخ والإسراف،
        وسمعوا مالا يتفق مع تقاليد الخلفاء الراشدين من مظاهرالترف،عادوا وهم يعلنون
        بين أهليهم وذويهم أنهم قد خلعوا طاعة يزيد،ثم بايعوا عبد الله بن حنظلة بن أبى عامر "ابن غسيل الملائكة" وتوجهوا بعد ذلك إلى والى يزيد على المدينة فأخرجوه منها، وحاصروا دار مروان بن الحكم بالمدينة تعبيرًا عن سخطهم ورفضهم لبنى أمية.
        واستغاث مروان بن الحكم بيزيد، وتأزم الموقف من جديد،فقد أعد يزيد جيشًا ضخمًا
        من جند الشام، وأسند قيادته إلى مسلم ابن عقبة،ليحمى بنى أمية بالمدينة،وليخضع الثائرين عليه.
        وعلم أهل المدينة بمقدم الجيش فلم يجدوا بدّا من إخراج بنى أمية إلى الشام بعد أن يأخذوا عليهم العهود والمواثيق ألا يساعدوا عليهم أحدًا.
        وخرج بنو أمية مطرودين من المدينة،لكنهم تقابلوا مع جيش مسلم بن عقبة،
        فطلب منهم أن يشيروا عليه بما ينبغى أن يفعله،فأرشده عبد الملك بن مروان إلى
        كيفية الزحف على المدينة،والدخول إليها،وزحف مسلم كما أشارعليه عبد الملك،
        ونفذ الخطة فوصل إلى الحرة شمالى شرق المدينة،وهى أرض صخرية بركانية،
        فخرج إليه أهل المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة،والتحموا مع جند الخليفة فى معركة شديدة انتهت بهزيمة أهل المدينة،وقتل عدد كبير من بنى هاشم وقريش والأنصار.
        وفى جو الهزيمة هذا دعا مسلم الناس للبيعة؛محذرًا من عاقبة المخالفة بعد أن رأوا بأعينهم ما حل بغيرهم.

        فبعد أن انتهى مسلم من إجبار الناس على البيعة،سار بمن معه من الجند إلى البيت الحرام بمكة؛حيث يعتصم ابن الزبير،لكن القدر لم يمهله،فتوفاه الله قبل أن يصل
        إلى مكة.
        ويتولى على الفور قيادة الجيش الأموى الزاحف على مكة للقاء عبد الله بن الزبير:"الحصين بن نمير السكوني"،ويواصل مسيرته إلى مكة المكرمة،
        ويشتد على الثائرين،ولا يمنعه شىء مما يحتمون به،ويستمرالحصارشهرين،
        وابن الزبير متحصن بالبيت الحرام،وتأتى الأنباء بوفاة الخليفة يزيد،
        فيتوقف القتال،ويرفع الحصار،ويعود الجيش الأموى إلى الشام،ويخرج ابن الزبير
        على الناس فتذعن جزيرة العرب كلها له،ويبايعه كثيرمن أنصارالدولة الأموية
        وسط العواصف خليفة للمسلمين.

        الفتوحات الإسلامية فى عهد يزيد
        وبالرغم من الصراعات الشديدة التى حدثت فى عهد يزيد،
        فإن الفتوحات الإسلامية لم تتوقف،واستمرت فى العديد من الجهات،
        فهناك فى الشرق واصلت الجيوش الإسلامية فتوحاتها فى خراسان وسجستان
        تحت قيادة مسلم بن زياد،فغزا سمرقند وحُجَنْدة،
        أما هناك فى الغرب فقد أعاد يزيد بن معاوية،عقبة بن نافع واليًا على إفريقية،
        وكان معاوية قد عزله عنها،فواصل عقبة بن نافع فتوحاته بحماس منقطع النظير وقال:إنى قد بعت نفسى لله-عز وجل-، فلا أزال أجاهد من كفر بالله.
        ففتح مدينة"باغاية"فى أقصى إفريقية،وهى مدينة بالمغرب،وهزم الروم والبربر
        مرات عديدة،ثم واصل المسير إلى بلاد الزاب،فافتتح مدينة"أَرَبَة"وافتتح"تَاهَرْت" و"طَنْجة"و"السُّوس الأدنى"،ثم صار إلى بلاد السوس الأقصى،واستمر فى
        فتوحاته حتى بلغ"مليان"،حتى رأى البحرالمحيط (المحيط الأطلنطى)
        فوقف عليه وقال مقالته التى حفظها له التاريخ:
        يا رب لولا هذا البحر لمضيت فى البلاد مجاهدًا فى سبيلك.
        ثم عاد راجعًا إلى القيروان.

        خلافة مروان بن الحكم
        (64 - 65 هـ/ 683- 684م )

        نحن الآن فى عام 64هـ/684م،
        وما زال الطريق طويلا أمام الدولة الأموية التى دبت فيها الروح ثانية؛
        لتواصل المسيرة حتى سنة 132هـ/750م،
        فكيف واجهت الأعاصير والأنواء؟!
        وكيف أعادت بسط سلطان الدولة الأموية من جديد على الأقاليم
        التى أعلنت البيعة لابن الزبير.
        والعجيب أن عرب الشام انقسموا إلى فريقين بعد أن اجتمعت بنوأمية
        على مروان بن الحكم!

        فالعرب اليمانية راحوا وحدهم يؤيدون مروان،
        أما العرب القيسية،وعلى رأسهم الضحاك بن قيس،
        فقد راحوا يؤيدون عبدالله بن الزبير.

        وهنا يتجلى دورمروان بن الحكم؛لقد جمع أنصاره،وسار أولا إلى الضحاك،
        واقتتل الفريقان بـ"مرج راهط"بغوطة دمشق وكان ذلك فى المحرم سنة 65هـ، وانتصرمروان بن الحكم،ودخل دمشق بعد أن قضى على الفتنة،ونزل بدار
        معاوية بن أبى سفيان، وبايعه الناس بالخلافة.

        مصر فى حوزة الأمويين
        وبعد أن استقرت الأمور فى دمشق توجه مروان إلى مصر
        على رأس جيش قوى،ودخلها سنة 65هـ/685م
        وكان عليها عبد الرحمن بن جحدم القرشى عاملا لابن الزبير،
        وولى ابنه عبدالعزيز بن مروان على مصر،وأمده بموسى بن نصير؛
        ليكون وزيرًا له ومشيرًا.وعادت مصر للأمويين مرة أخرى بعد انفصال
        دام تسعة أشهر تحت قيادة أنصارابن الزبير.وبقى الحجازوالعراق فى يد
        ابن الزبير
        بعد أن دانت الشام ومصر للأمويين.

        لقد كانت مصرعلى اتصال بالحجازفى عهد عبدالله بن الزبير،
        تمده بما يحتاج إليه من الغلال،فلما خضعت ثانية للأمويين حرم الحجاز
        مما كانت مصر تمده به،وتأثر موقف ابن الزبيرفى الحجازبهذا الوضع الاقتصادى،
        وفى هذا الوقت كان مروان بن الحكم يعمل على تنفيذ خطوات محسوبة بدقة وإحكام، لقد أعد جيشين:
        أحدهما إلى الحجازللقضاء على عبد الله بن الزبير،
        أما الجيش الآخر فقد سيره إلى العراق للقضاء على مصعب بن الزبير
        شقيق عبد الله وواليه هناك.ويشاء الله أن تحل الهزيمة بجيش الحجاز،
        وألا يقوم جيش العراق بشىء يذكرفى حياة مروان الذى عاجلته المنية سنة 65هـ
        بعد أن عهد بالخلافة لابنيْه عبد الملك، ثم عبد العزيز.


        خلافة عبد الملك بن مروان
        (65 - 86 هـ/ 684- 705م )

        كان الأمويون عندما عقدوا"مؤتمر الجابية"لمبايعة مرْوان بن الحكم
        قد اتفقوا على أن يخلفه:"خالد بن يزيد بن معاوية"ثم"سعيد بن العاص"من بعده.
        غير أن"مروان بن الحكم"نقض ذلك العهد وعهد بالخلافة لابنه"عبد الملك"
        ومن بعده ابنه"عبد العزيز"وراح يصرف الأنظارعن"خالد بن يزيد"الذى كان شابّا محدود الخبرات فى الإدارة..
        بما أوتى من وسائل،ورغم ما فى ذلك من إيثار لابنه ونقض لعهده فإنه
        كان خيرًا لاستقرارالدولة وكان خيرًا للإسلام والمسلمين.
        وباتت الدولة الإسلامية الموحدة تتقاسمها خلافتان:

        الأولى:عليها عبد الله بن الزبير وتضم الحجازوالعراق.
        أما الثانية:فيتولاها عبد الملك بن مروان الذى تولى عقب وفاة أبيه،
        ولم تعد تضم إلا الشام ومصر.

        وقد نجح عبد الملك بن مروان فى ضبط الأمور،والقضاء على الفتن،
        فانتشل الدولة من الفوضى التى وصلت إليها،وأعاد الأمن والاستقرارإلى ربوعها.
        لقد ظهربالكوفة المختاربن عبيد الله الثقفي،وجمع من حوله شيعة على-رضى الله عنه-،وراح يتتبع قتلة الحسين هنا وهناك وقتل منهم الكثيروعلى رأسهم أميرالجيش
        الذى حارب الحسين"عمر بن سعد بن أبى وقاص"،وقتل"عبيد الله بن زياد"أمير العراق الأموى،وشتت جيشًا قوامه(40)ألفًا،كما قتل"الحصين ابن نمير"
        واستولى على الموصل،وراح يدعو لمحمد بن الحنفية ابن الإمام على كرم الله
        وجهه،ويناديه بالإمام المهدى يريد المهدى المنتظر.

        لقد انتشر نفوذ الشيعة فى شرق الدولة وكان هذا العامل هوالمعول الذى
        مهد لزوال الدولة الأموية على مرالزمن!


        وقد عمد الشيعة فى ذلك الوقت وعلى رأسهم المختارإلى الانتساب
        لمحمد بن الحنفية،ليستفيدوا من هذه النسبة فى اكتساب مزيد من المؤيدين
        الناقمين على بنى أمية والثائرين من أجل المطالبة بدم الحسين وآله.
        والمعروف أن محمد بن الحنفية كان عالمًا زاهدًا،
        قد رفض أن يبايع لأحد من الخليفتين ابن الزبيرأوابن مروان،
        وقال لا؛حتى يبايع الناس أجمعون فإن بايعوا بايعت.
        وهكذا فعل عبد الله بن عباس،ولم يكن له مطمع فى الخلافة،
        أو هدم البيت الأموى أوالقضاء على ابن الزبير.
        ولقد أغضب الدعوة باسم محمد بن الحنفية"عبد الله بن الزبير" فأرسل أخاه
        "مصعب بن الزبير"؛ليكون أميرًا على العراق،وأمره بالقضاء على"المختار الثقفى".
        وقد نجح مصعب فى حصارالمختاربالكوفة وقتله،وأصبح الحجازوالعراق
        لابن الزبير ومصروالشام لعبد الملك بن مروان.

        وفى سنة 70هـ/690م خرج عبد الملك بن مروان إلى العراق لأخذها من
        الزبيريين،وتدور بينه وبين مصعب عدة معارك،وأخيرًا يتمكن"عبد الملك بن مروان"
        من القضاء على"مصعب ابن الزبير"فى معركة"دير الجاثليق"وكان ذلك سنة 71هـ/691م وقيل:سنة 72هـ/692م.
        المهم أن عبد الملك بعد مقتل"مصعب ابن الزبير"دخل"الكوفة"معقل الزبيريين،
        وأخذ البيعة من أهلها لنفسه،وولَّى ولاة من قِبله على العراق.

        الحجاج وابن الزبـير
        ولم يبق إلا الحجازيسيطرعليه عبد الله بن الزبير من مكة،
        وقد حانت الساعة الفاصلة،ساعة الحزم والحسم،فأمرعبدالملك ابن مروان
        "الحجاج بن يوسف الثقفى"-الذى يمكن أن يتخذ من الطائف مسقط رأسه
        قاعدة لعملياته الحربية-أن يتصدى لعبد الله ابن الزبيرالمتحصن بمكة المكرمة.
        وتحرك جيش الحجاج من الطائف إلى مكة فحاصرها كما فعل الحصين بن نمير
        من قبل،وقذف ابن الزبيربالمنجنيق،وظل يضيق على ابن الزبيروأنصاره الخناق حتى تفرق عنه معظم أنصاره،لكن ابن الزبيرظل يقاوم رافضًا أن يستسلم حتى قتل سنة 73هـ/ 693م،وكانت خلافته تسع سنين.

        وبمقتل ابن الزبيردخلت الحجازمن جديد تحت حكم بنى أمية،
        وكوفئ الحجاج بأن ظل واليًا على الحجازمن قبل عبد الملك ابن مروان
        حتى سنة 75هـ/ 695م.

        ثورات ابن الأشعث
        ولا يكاد عبد الملك بن مروان يلتقط أنفاسه ليتفرغ للبناء والتعمير،
        ومواصلة الفتوح حتى يرى أن جماعات الشيعة فى مدن العراق مثل الكوفة تشكل خطرًا على الدولة؛بسبب قربها من بلاد فارس،التى رأى أهلها فى الشيعة خيرسبيل لتحقيق أطماعهم القومية فى ضرب الأمويين باعتبارهم ممثلين للعنصرالعربى وسلطانه فى الدولة الإسلامية،وركز الفرس نشاطهم فى سبيل وصول أبناء
        الحسين بن على بن أبى طالب
        إلى منصب الخلافة،مدعين بأنهم من سلالة الحسين؛وذلك لأنه تزوج من
        شهربانوه بنت يزدجرد الثالث آخر أكاسرة الفرس،وزعموا أن تلك السلالة من أبناء الحسين تجمع بين دم عربى،وأشرف دم فارسى.
        وتصدى الحجاج بن يوسف لهذه الفتنة مرة أخرى،ويحقق الأمن والاستقرار
        فى ربوع البلاد.
        ويصدر الأمر من الخليفة الأموى بأن يتولى الحجاج أمر العراق و
        المشرق الإسلامى، ويسير إليها فى جيش من أهل الشام.
        وكان الحجاج شديدًا عنيفًا،فراح يواجه عدة ثورات كانت إحداها بقيادة
        "عبد الرحمن بن الأشعث".
        وتدور معارك شرسة مثل"دير الجماجم"بين الجيش الأموى وبين جيش ابن الأشعث، يتبادل فيها الفريقان النصروالهزيمة،وتستمر سجالا بينهما فى أكثرمن ثمانين موقعة، تدور الدائرة بعدها على ابن الأشعث، فيهرب إلى بلاد الهند. ولكن الحجاج يرسل
        من يلاحقه ويتابعه حتى يأتى إليه برأسه فى الكوفة.

        وهكذا استطاع الحجاج إخضاع بلاد العراق وما والاها من بلاد المشرق لسلطان
        عبد الملك بن مروان،وبهذا توطدت دعائم الدولة فى عهده،وانتشرالأمن فى البلاد، ويتفرغ عبد الملك لجانب من الإصلاح الداخلى،فيصدرأمره بصك الدنانيرالإسلامية، عليها شهادة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله بسم الله،
        فكان أول من ضرب الدنانيروالدراهم الإسلامية،
        لتحمل محل العملة البيزنطية فيتحقق للدولة استقلالها المالى والاقتصادى.
        وأصدرأمره بجعل اللغة العربية هى اللغة الرسمية التى تكتب بها الدواوين
        فى أرجاء الدولة،وينفذ ابنه عبد الله بن عبدالملك بن مروان والى مصرهذه التعليمات؛ حيث كانت مصرما تزال تكتب باللغة القبطية،بما أدى إلى انتشاراللغة العربية لغة القرآن والحديث،
        فهى بلا شك إحدى المقومات الأساسية للدولة الإسلامية.
        وسوف تظل هذا الخطوة الرائدة صفحة مضيئة يسجلها التاريخ
        لعبد الملك بن مروان على مر الزمان.

        الفتوحات الإسلامية فى عهد عبدالملك
        وبعد أن استقرت الدولة فى الداخل،وتم القضاء على الفتن والثورات،
        راح عبد الملك يواصل ما بدأه السابقون من الفتوحات،ويعمل على تأمين الحدود
        التى تعرضت للإغارة والمهاجمة والاستيلاء على بعضها من جانب الروم،
        منذ أن أصدر معاوية أمره إلى الجيش الذى كان يحاصرالقسطنطينية بالعودة إلى البلاد، وتمكن عبد الملك من استرداد الثغور الإسلامية،وإخضاع أرمينية،وسواحل سورية،وكثيرمن الثغورالإسلامية،وفَتْح عدد من حصون الروم منها:"مرعش" و"عمورية" و"أنطاكية"،وأظهر للروم أن الدولة الإسلامية باقية،
        وأنها لم تضعف ولم تهن!

        وما كاد عام 62هـ/682م يأتى حتى صدرالأمربأن يتولى"عقبة بن نافع"
        إفريقية للمرة الثانية؛ليواصل حروبه وفتوحاته،ويتمكن من فتح الجزائر،
        ويتوغل نحو بلاد"السوس" فى المغرب الأقصى.
        وكان عقبة فى عهد معاوية قد انطلق بجيوشه إلى إفريقية واستولى عليها واختار "القيروان" قاعدة له،ولكن بعد الانتهاء من بناء القيروان صدرقراربتعديل القيادة
        العليا بالميدان الإفريقى سنة 55هـ/ 675م.
        فقد استعمل معاوية بن أبى سفيان مسلمة بن مخلد على مصروإفريقية،
        فاستعمل مسلمة على إفريقية مولى له يقال له"أبو المهاجر"فلما وصلها عزل عقبة.
        وكان معاوية يهدف من ذلك إلى مواجهة الإمبراطورية البيزنطية صاحبة السيادة
        إذ ذاك على شمال إفريقية،ومحاولاتها إيقاف الزحف الإسلامى المنتظرمن القيروان.
        واستطاع "أبو المهاجردينار"أن يفسد خطط البيزنطيين باكتساب البربرإليه،
        ونشر الإسلام بينهم.

        وتجلّى نجاح هذا القائد حين اكتسب إلى صفوفه زعيم قبيلة البربروهو"كسيلة"
        فدعاه إلى الإسلام،فأسلم وترتب على ذلك انتشارالإسلام بين كثيرمن البربر،
        فراحوا يتفهمون حقيقة الإسلام،ويقبلون عليه،وراح الفتح الإسلامى فى
        شمال إفريقية يمتد وينتشر.
        ولكن الفتوحات الإسلامية تتعرض لأول نكسة خطيرة لها لعدم معرفة نتيجة السلطة المركزية فى"دمشق"بالتطورات التى طرأت على السياسة البيزنطية فى تلك البلاد، فعندما أعادت السلطات"عقبة بن نافع"سنة 62هـ/682م إلى القيادة العليا للميدان الإفريقى،ووصل إلى"القيروان"قاعدته الحربية التى أنشأها من قبل،
        انطلق منها لممارسة المهمة التى عين ثانية من أجلها،بل إن عقبة لما عاد إلى ولاية إفريقية جازى المهاجرعما فعله به عندما عزله سنة 55هـ،فقبض عليه وأوثقه فى الحديد،وخرج به مكبلا فى زحف خاطف،وصل به إلى ساحل المحيط الأطلسى،
        وعند ذلك النهرالذى تقوم عليه مدينة مراكش اليوم أدخل عقبة ابن نافع فرسه فى المحيط وراح يرفع رأسه فى عزة المؤمن،وتواضع المعترف بفضل الله عليه قائلا:

        "اللهم فاشهد أنى لو كنتُ أعلم وراء هذا البحر أرضًا لخضته غازيًا فى سبيلك".

        لكن عقبة فاته أن يستمع إلى أبى المهاجرونصائحه حول البيزنطيين وسياستهم،
        ولجوئهم إلى أسلوب الغدروالخديعة والمكروالخيانة،فقد انتظروا حتى عاد قاصدًا القيروان، وكان يسير فى مؤخرة جيشه،وأعدوا له كمينًا وهو فى طريق العودة
        بالتعاون مع كسيلة -الزعيم البربرى- الذى تحالف مع الروم،وادعى أن عقبة
        قد عزم على تأديب البربر؛لأنه أساء الظن فى حقيقة إسلامهم.

        والتقى الجميع فى معركة"تهوذة"عام 63هـ/ 683م،وأحاطت قوات البزنطيين
        بعقبة بن نافع وراح"أبو المهاجر"يدافع عنه دفاع الأبطال ولكنهم تمكنوا من قتله، واستشهد عقبة ولحق بالرفيق الأعلى.
        وبعثت الخلافة الأموية بجيوش جرارة على رأسها قائد من خيرة قادتها هو
        "حسان بن النعمان"الذى عمل على تحريرشمال إفريقية تمامًا من البيزنطيين،
        والقضاء على أساليبهم الغادرة.

        دخل حسان القيروان سنة 74هـ / 694م،وبادر بالزحف على"قرطاجنة"،
        وهى أكبر قاعدة للبيزنطيين فى إفريقية"تونس الحالية"ودمرها تمامًا،
        ثم طارد فلول الروم والبربر،وهزمهم فى"صطفورة"و"بنزرت"ولم يترك حسان موضعًا من بلادهم إلا دخله بجنوده،ثم عاد"حسان"إلى القيروان،
        فأقام بها حتى استراح الجيش وضمدت جراح المصابين.
        واضطرحسان إلى اتخاذ مراكزه فى"برقة"حتى جاءته الإمدادات من مصر
        سنة 81هـ/ 700م،فخرج بالجيوش لملاقاة جيوش البربر بقيادة امرأة منهم تدعى الكاهنة،واستطاع الانتصارعلى البربر،وأعاد القيروان إلى حضن الإمبراطورية الإسلامية.
        وأخذ حسان يعمل بعد ذلك على تدعيم الفتوحات الإسلامية بشمال إفريقية،
        فأسس قاعدة بحرية إسلامية باسم"تونس".
        واستعان بعمال مصروخبرتهم فى بناء تلك القاعدة،ثم أقبل حسان على إفساد خطط البيزنطيين،وراح يعمل للقضاء على مكرهم وألاعيبهم.فحبب الإسلام وزينه فى قلوب أبناء الكاهنة،ثم قربهم إليه،وجعلهم فى الرئاسة العليا على أبناء قبيلتهم،مبينًا لهم أن العزة لله ولرسوله وللمسلمين،وأن الإسلام يستهدف عزة أبناء إفريقية وإخراجهم من الظلمات إلى النور،وهكذا عادت إفريقية إلى الإسلام والمسلمين.
        وعلى الجانب الآخر،فى خراسان، تابع"المهلب بن أبى صُفرة"أمرالفتوح فى
        تلك البلاد بعد أن أسند إليه الحجاج ولايتها!

        لقد فتح خُجَنْدة وغزا"كَشّ" سنة 80هـ/699م،واتخذها مركز القيادة،
        وأرسل منها أولاده لغزو كثير من البلاد،لكنه مات فى شهر ذى الحجة على مقربة
        من"مرو"وتولى ابنه يزيد بعد أبيه،فاستهل عهده بغزو"خوارزم".
        ويأتى عام 85هـ فيتولى"المفضل بن أبى صفرة"أمرخراسان ويفتح"باذغيش" و"أخرون" "وشومان"،لكن الحجاج سعى بآل المهلب لدى عبد الملك حتى لا يولى منهم أحدًا،واتهمهم بأنهم كانوا من أتباع عبد الله بن الزبير،وأشار على"عبد الملك"
        بأن يولى قتيبة بن مسلم الباهلى على خراسان،وهو من باهلة التى تنتمى إلى قيس، وبذلك يستطيع أن يجذب إليه القيسيين فى خراسان.
        ووصل قتيبة بن مسلم إلى "مرو" فى نهاية سنة 85هـ/704م.
        ولكنه لم يكد يستقر فى خراسان حتى وصلت الأنباء فى سنة 86هـ/705م
        بوفاة الخليفة عبد الملك بن مروان رحمه الله رحمة واسعة.

        يُتبع ،،،

        تعليق


        • #5
          رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

          خلافة الوليد بن عبدالملك
          (86 - 96 هـ/705- 714م )

          توفى أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان سنة 86هـ/ 705م
          وخلفه ابنه الوليد،وكان أبوه قد عهد إليه بالخلافة،وبويع له بها يوم وفاة أبيه.
          وكان عهده،عهد فتح ويسروخيرللمسلمين،لقد اتسعت فى أيامه رقعة الدولة الأموية
          شرقًا وغربًا،فعندما تولى الوليد الحكم استعمل عمه عبد الله بن مروان على إفريقية، فعزل حسانًا واستعمل بدلا منه موسى بن نصيرعام 89هـ،فكان شديدًا وصارمًا
          على البربرالذين طمعوا فى إفريقية بعد مسيرحسان عنها فوجه إليهم ابنه عبد الله،
          فقَتل وسبى منهم خلقًا كثيرًا،وتوجه إلى جزيرة"مايوركا"،فاقتحمها وسبى أهلها،
          وتوجه إلى طائفة أخرى من البربر،فأكثر فيهم القتل والسبى،حتى بلغ الخمس
          "ستين ألفًا من السبى"،فلم يكن سبى أعظم منه،ثم خرج غازيًا طنجة يريد من بها
          من البربر،فانهزموا خوفًا منه، فتبعهم وقتلهم،واستأمن من بقى منهم،ودخلوا فى طاعته، وترك عليهم وعلى طنجة مولاه"طارق بن زياد"وأبقى معه جيشًا أكثره من البربر، وترك معهم من يعلمهم القرآن والفرائض،حينئذ لم يبق له فى إفريقية من ينازعه.
          ورأى الوليد أن أهم ما يجب عمله تقوية الأسطول الإسلامى وضرب قواعد البيزنطيين فى صقلية وغيرها من جزر البحر المتوسط المقابلة لإفريقية،لكى يدعم هذا الوضع المستقر للمسلمين فى الشمال الإفريقى الذى أصبح جزءًا من الدولة الإسلامية.

          لقد دخلت الفتوح الأموية فى شمال إفريقية مرحلتها الختامية سنة89هـ/708م
          بتولى إمارة القيروان موسى بن نصيرخلفًا لحسان بن النعمان.
          فلقد أجاد التنسيق بين الأساطيل الإسلامية فى غرب البحر المتوسط،وبين قواته
          البرية،وفتح الأجزاء النائية،كما رأينا،
          وهى التى تعرف باسم المغرب الأقصى،وطرد البيزنطيين من قواعدهم البحرية
          القريبة من سواحل إفريقية"تونس"،وعندئذ أصبح شمال إفريقية
          الجناح الأيسرللدولة الإسلامية فى عهد الأمويين،
          وأصبح أهلها دعاة للإسلام يسهمون فى نشره فيما جاورهم من بلاد.
          وقد عهد موسى بن نصير إلى طارق بن زياد بالقيادة العليا للقوات الإسلامية،
          وهو من أبناء البربرالمسلمين فى مدينة"طنجة".
          وجاءت هذه الخطوة من جانب موسى بن نصير،دليلا على سمو وعلو مبدأ
          المساواة
          فى الإسلام،
          فقد رأى البربرأن أحد أبناء إحدى القبائل البربرية صارالقائد العام لجبهة
          المغرب الأقصى.
          وكان من نتيجة هذا العمل أن أتاح للدين الإسلامى الحنيف دماء جديدة هيأت له الانطلاق إلى فتح الأندلس،ونشرنوره على أرجاء هامة من غرب أوربا.

          فتح الأندلس
          نحن الآن فى سنة91هـ/710م؛ حيث استشارموسى بن نصيرالخليفة الوليد بن عبد الملك،فى فتح الأندلس "أسبانيا"،وعلى أثرالموافقة أرسل موسى سرية استطلاعية
          بقيادة طريف بن مالك،وكان من البربر،فشن غارة على جنوب أسبانيا،ومعه أربعمائة مقاتل ومائة فرس.واستطاع أن يتوغل بهم فى الجزيرة الخضراء،
          ويعود إلى ساحل إفريقية حاملا الكثير من الغنائم،وكان ذلك فى رمضان سنة 91هـ/710م، وقد تأكد له قصور وسائل الدفاع فى أسبانيا بل انعدامها.
          ولقد شجع نجاح طريف فى تلك الغزوة القائد الأعلى موسى ابن نصيرعلى التقدم
          لفتح الأندلس(أسبانيا)،ووقع اختياره على والى طنجة وقائد جيشه طارق بن زياد
          ليتولى مهمة هذا الفتح العظيم.

          وفى شهر رجب من سنة 92هـ/711م قام طارق بن زياد ومعه جيش مكون
          من سبعة آلاف مقاتل بعبورالمضيق الذى عرف باسمه،ونجحت عملية العبور،
          واحتل المسلمون الجبل بكامله.
          لقد جمع طارق قواته بعد العبورعند هذه الصخرة من جنوب البلاد وهى التى
          نسبت إليه وعرفت باسم "جبل طارق"،وها هو ذا يندفع بقواته كالسهم،لا يقف فى طريقه شىء،ولقد حاول ملك أسبانيا "لذريق" أن يوقف هذا الزحف بجيش جرار
          قوامه مائة ألف،ولكن طارق بن زياد كان قد طلب المدد من قائده موسى بن نصير
          فأمده بخمسة آلاف حتى أصبح عدد جنده اثنى عشرألفًا.
          واندفع طارق بكل إيمان زاحفًا على القوط -حكام شبه جزيرة أسبانيا
          وأنزل بهم هزيمة فادحة فى موقعة رمضانية على نهر لكة"وادى لكة"بمقاطعة "شَذُونة"،وراح يواصل فتوحاته بعد أن قتل"لذريق"، فأوقع بالقوط الهزيمة الثانية
          عند مدينة"إِسْتِجَة"، فألقى الله الرعب فى قلوب أعدائه،ففزعوا منه فزعًا شديدًا،
          وظنوا أنه سيفعل بهم فعل سلفه"طريف بن مالك"،وكان طريف قد أوهمهم أنه
          سيأكلهم،هو ومن معه، فهربوا منه إلى طليطلة.
          يا إلهى إن النصر من عندك،هذه الراية الظافرة تتقدم،وتتوغل،ومدن أسبانيا
          تتهاوى واحدة بعد الأخرى فى يد المسلمين.

          وها هم أولاء جنود الإسلام ينتشرون؛حيث قرر طارق وهو فى مدينة إستجة أن يفرق جيشه ويوجهه إلى جهات شتى، فهذه شعبة تتوجه إلى"قرطبة"،فتدخلها وتستولى
          عليها، وتلك شعبة من الجيش وصلت إلى مدينة"غرناطة"،فدخلتها وملكتها،وشعبة
          من الجيش تقتحم مدينة "تُدْمِير" فيضطر أهلها إلى مصالحتها،وسارطارق ومعه
          معظم الجيش إلى مدينة"جيان"يريد"طليطلة"فهرب أهلها وتركوا له المدينة خالية.
          ويواصل المنتصرون متابعة الفلول المنهزمة،وملاحقتهم حتى"جِلِّيقية"فى أقصى
          الشمال الغربى من الأندلس
          ،ثم عاد من هناك،وعادت جيوشه إلى"طليطلة"فى سنة 93هـ/712م،وهنا خشى موسى بن نصيرأن تقطع على الجيش الإسلامى خطوط المواصلات،ويحال بينه وبين قواعده التى انطلق منها،ويقوم العدو بالانقضاض عليه ومحاصرته،والقضاء عليه،فيسرع بإصدار أوامره إلى طارق أن ينتظره فى
          "طليطلة"
          حتى يسعى إليه بنفسه هو،ويؤمن خطوطه الخلفية ويلحق به.
          وعَبرَموسى بقواته إلى الأندلس،مستهدفًا تطهيرالجيوب التى خلفها طارق وراءه،
          من هنا كان على موسى أن يقوم بتأمين مؤخرة الجيش الفاتح، فافتتح مدنًا وحصونًا
          كان بقاؤها بين الأسبان خطرًا على الوجود الإسلامى الجديد بشبه الجزيرة
          حتى وصل إلى "طليطة"،وهناك التقى بجيش طارق بن زياد،وقد استغرق ذلك
          من موسى جهدًا ووقتًا حتى وصل إليه،وهناك فى"طليطلة"التقى القائدان
          طارق وموسى،وراحا ينسقان الفتوح الباقية ببلاد الأندلس فيما بينهما.
          وسارا معًا حتى بلغا"سرقسطة"على نهر"الإبرو"،ومن هناك سارطارق إلى الشمال حتى بلغ جبال"ألبرت"أى الأبواب،وهى التى تسمى اليوم جبال البرانس
          ووقف على أبواب فرنسا.وكان ذلك فتحًا عظيمًا،أن ترفرف راية الإسلام،
          وتقف على أبواب فرنسا فى أقل من مائة عام من هجرة الرسول
          -صلى الله عليه وسلم-!

          وبينما كان طارق بن زياد يقف على أبواب"فرنسا"،كان موسى يتجه غربًا
          حتى دخل ذلك الإقليم الذى يطل على خليج"بسكاية"ويسمى"أشتوريس"وانتهى
          بفتوحاته أخيرًا على ساحل"بسكاية"واستدعى الخليفة الوليد كلا من موسى وطارق
          إلى دمشق سنة 95هـ/714م،
          ولا يفوتنا هنا أن نذكر أن موسى بن نصيرقد أرسل الأسطول الإسلامى
          لفتح جزيرة"سردينيا"فافتتحوها عنوة،وعادوا بالسبايا والغنائم سنة 92هـ.
          وتابع ولاة الأندلس من بعد موسى الفتوح،فقام ابنه عبد العزيزباستكمال فتح
          شرق الأندلس وغربه،وجعل عاصمته فى مدينة"إشبيلية".

          فتح بلاد ما وراء النهر
          وننتقل من جبهة إلى جبهة لنتابع تقدم الراية الظافرة فى أرجاء الأرض،
          وإذا كنا قد تركناها،وهى ترفرف على أبواب"فرنسا"فها نحن نعود لمتابعتها
          وهى ترفرف على أبواب"الصين"،كل ذلك كان فى عهد الوليد بن عبد الملك
          الذى كان عهده خيرًا وبركة على الإسلام والمسلمين.

          فعندما تولى "قتيبة بن مسلم" خراسان سنة 86هـ/ 705م،اتخذ من"مرو"
          قاعدة له،تم فتح بلاد النهر-المعروف بنهر جيحون-ودخل المسلمون بلادًا عديدة، سرعان مادخلت فى دين الإسلام ودافعت عنه مثل"الصَّفَد"و"طخارستان"
          و"الشاش"و"فَرْغَانة"فى نحو عشرسنين.

          وأخيرًا،أنهى أعماله الحربية بفتح"كاشغر"فى"التركستان"الصينية
          سنة 96هـ/ 715م،وصارت الدولة الإسلامية بذلك تجاور حدود الصين.

          فتح الهند
          لقد فتح المسلمون بلاد"فارس"و"خراسان"و"سجستان"،وكانت غايتهم
          نشر الإسلام،وحماية الحدود الجنوبية للدولة الإسلامية؛ولم يبق إلا الهند.

          وفى عهد الوليد بن عبد الملك كلف الحجاج بن يوسف الثقفى الشاب المسلم:
          "محمد بن القاسم"مهمة غزو بلاد الهند،وسارمحمد بن القاسم إلى الهند سنة
          89هـ/ 708م وفتح ثغر الديبل(إحدى مدن الساحل الغربى للهند
          ثم سار عنه وجعل لا يمر بمدينة إلا فتحها حتى عبرالنهر،
          فصالحه أهل"سربيدس"وفتح"سهبان"،
          ثم سارإلى لقاء"داهر"ملك السند والهند،وكان لقاء فريدًا.
          إن"دَاهِر"وجنوده يقاتلون على ظهورالفيلة،
          والفيلة عندما تستثارتكتسح كل ما أمامها وتدوسه.
          ودارت معركة حامية كتب الله فيها النصرلراية الإسلام،
          وهزم"محمد بن القاسم" الملك"داهر" وقتله،وراح محمد بن القاسم يتقدم،
          ويمد فتوحاته فى كافة أرجاء بلاد السند،حتى وصل إلى"الملتان"ودخلها
          وغنم منها مغانم كثيرة.
          ولقى الوليد بن عبد الملك ربه سنة 96هـ/ 715م
          بعد أن رفعت راية الإسلام فى عهده على حدود فرنسا والصين وفى
          خراسان وسجستان والسند، وبلاد الهند.


          تعليق


          • #6
            رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة


            خلافة سليمان بن عبدالملك
            (96 - 99هـ/ 714- 717م )

            لم تطل خلافة
            سليمان بن عبد الملك
            كثيرًا،
            فأوصى بالخلافة من بعده
            "لعمر بن عبد العزيز"
            ،
            ابن عمه بدلا من ابنه
            أيوب لما عرف فيه من ورع وعدل.


            خلافة عمر بن عبد العزيز
            (99 -101 هـ/ 717- 719م )

            ورأى الخليفة الجديد سحب
            "الحملة الثالثة"من على أبواب القسطنطينية

            بعد أن استمرت اثنى عشر شهرًًا تحقق فيها إذلال
            "إمبراطورية الروم"

            التى كانت مصدر خطرعلى الدولة الإسلامية،وشل نشاطها الحربى المعادى
            للدولة الإسلامية،و
            عادت الحملة الأموية الثالثة والأخيرة فى نهاية سنة
            99هـ/ 718م
            .
            وتفرغ
            عمر
            لإقامة الحق والعدل وإشاعة الخيروالسلام فى ربوع البلاد الإسلامية،
            راح يرفع المظالم عن الناس،ويعمل على إنصاف كل من ظلم فى عهود سابقيه
            من بنى أمية،وتعويض كل من حرم،ويعيد عهد جده
            "عمر بن الخطاب"
            الخليفة العادل الذى ملأ الدنيا عدلا،وراح يتشبه به فى زهده،وتقشفه،
            وإيمانه بالله،وتمسكه بكتابه،وسنة رسوله-صلى الله عليه وسلم-.

            لقد راح يحض الناس على مكارم الأخلاق،ويفرض العقاب الصارم على أى
            عدوان مهما صغروحقر؛ ليقطع دابر الفساد،ويعيد الأمن والأمان إلى ربوع البلاد.
            وامتد عدله إلى الأطراف البعيدة،وشمل أهل البلاد المفتوحة من غير المسلمين،
            الذين لهم عقد ذمة،وعهد مصالحة ؛فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم.
            لقد رفع الجزية عمن أسلم من أهل الذمة،وخفف الضرائب عن عامة المسلمين،
            وأصدر أمره بأن يوقف تحصيل خراج الأرض من المصريين لمدة عام
            تعويضًا لهم عما زيد عليهم فى أعوام سبقت
            .
            ورأى أن المؤلفة قلوبهم قد استغنى الإسلام عنهم،وراح يرفع الأعباء عن أهل
            العراق وخراسان والسند التى كان الحجاج بن يوسف
            وأتباعه قد فرضوها
            على بعض من اعتنقوا الإسلام.
            وراح يشجع أهل البلاد المفتوحة على قبول الإسلام والانضواء تحت لوائه،
            وتحبيبه إليهم بكل الوسائل،لقد هدأت أعصاب الناس،وراحوا جميعًا يفكرون
            فى الخير حتى
            الخوارج فى العراق والمشرق وإفريقية أقلعواعن حركاتهم الثورية، وأرسلوا لـ"عمر"
            من يناظره فأفسحوا المجال للحجة والدليل بدل السيف والحرب.

            لقد كانت فترة خلافته هى فترة التقاط الأنفاس،ولم الشمل،وجمع الكلمة،والدفع
            بالتى هى أحسن،إنه لم يكن يود توسيع رقعة الدولة أكثر مما وصلت إليه،
            وحسبه أن يعمل على تدعيمها وتوطيدها،وقد فعل وتحقق له ما أراد.
            وتوفى -رحمه الله- فى رجب من سنة 101هـ/ 720م،
            و
            كانت هذه الفترة القصيرة من خلافته نقطة مضيئة فى دولة بنى أمية،
            وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر
            .


            خلافة يزيد بن عبد الملك
            ( 101 - 105 هـ/ 719- 723م )

            تولى
            "يزيد بن عبد الملك بن مروان"
            الخلافة عقب وفاة الخليفة العادل
            عمربن عبد العزيز،وظل فى الحكم خمس سنوات
            من سنة 101هـ/ 720م
            إلى سنة 105هـ/ 724م.
            وإذا كانت قوة الخليفة ضرورية للدولة،فإن الدولة الإسلامية قد انتابها الضعف
            بعد أن تولى أمرها خلفاء ضعاف،هان على الأعداء أمرهم.
            لقد انتشرت الفتن والاضطرابات فى الداخل،أما فى الخارج فقد كانت
            قبائل
            التركمان
            تضغط فى الشمال،بينما كان دعاة بنى العباس
            يسعون بنشاط فى
            تدبيرهم السرى لتقويض دعائم الحكم الأموى فى الشرق
            .
            لقد أعلن
            "شوذب الخارجى"
            الثورة على الأمويين،وهزمهم فى عدة معارك،
            حتى استطاع
            "مسلمة بن عبد الملك"والى الكوفة
            القضاء عليه وعلى الخارجين
            على الدولة معه، وتشتيت شملهم.
            ويخرج
            "يزيد بن المهلب بن أبى صفرة"
            على الخليفة مع الخارجين عليه،
            ويسيرإلى
            "البصرة"،ثم يواصل السيرإلى الكوفة،ولكن الخليفة
            "يزيد بن عبد الملك
            بن مروان"
            يرسل إليه أخاه"مسلمة"بجيش قوى يقضى على الفتنة،ويظفر به.


            خلافة هشام بن عبدالملك
            ( 105 - 125 هـ/ 723- 742م )

            ولا يطول الأجل بالخليفة
            "يزيد بن عبد الملك بن مروان"
            فيلقى ربه
            ويخلفه من بعده
            هشام بن عبد الملك
            (105-125هـ) (724-743م).
            جاء
            هشام ليواجه"ثوارًا"و"خوارج"
            خلال حكمه الذى استمر قرابة عشرين سنة.
            ثار
            "الحارث بن سريج"بخراسان بتشجيع وتأييد من التركمان(الأتراك
            )على الخليفة
            هشام بسبب"الضرائب"التى فرضها على الموالى من الفرس
            ،وبعض الولاة.
            وسرعان ما انضم إليه فى ثورته هذه خلق كثيرمن العرب وغيرهم.
            وراح يستولى على المدن الواقعة على ضفاف
            "نهر سيحون"
            .
            ويصدرالخليفة الأمر إلى
            "أسد بن عبد الله القسرى"
            بتولى أمرهذه البلاد،
            ومواجهة الخارجين.
            وأخذ
            الحارث يتراجع أمام"أسد بن عبد الله"
            الذى أُمِرَ أن يطارده،
            ويسترد منه البلاد التى استولى عليها،فانسحب
            الحارث إلى"طخارستان"
            ومنها إلى بلاد"ما وراء النهر"؛حيث انضم إلى الأتراك ضد الدولة الأموية
            ،
            وكان من أمرالخارجين أيضا على الدولة فى عهد
            "هشام"
            بمواجهة
            "زيد بن على ابن الحسين"
            وأنصاره،
            ويقتل
            يوسف الثقفى والى العراق
            السابق الثائر.
            وكان عهد
            هشام
            يعتبر حدّا فاصلا بين عهد ازدهارالدولة الأموية وعلو شأنها
            وبين عهد اضمحلالها،وانتشارالعوامل الفتاكة فى جسمها،
            إن الخليفة
            "هشامًا"
            يمثل رابع الخلفاء الأمويين الأقوياء الكباربعد
            "معاوية بن أبى سفيان"
            و"عبد الملك بن مروان"
            و"الوليد بن عبدالملك"،
            لقد استطاع أن يسير
            على نهجهم فى القبض على شئون الدولة بحزم وعزم وقوة،
            وأن يكبت جميع عوامل الفتن التى سبق أن أظهرت عداءها،
            وأطلت برأسها.
            تُرى من يخلفه بعد أن قاد السفينة فى مجرى الأيام والأعوام
            لتصل إلى عام 125هـ/743.


            سقوط الدولة الأموية

            لقد خلف "هشام" أربعة من الخلفاء الأمويين عجزوا عن ممارسة السلطان،
            وأفلت منهم زمام الحزم،وأتاحوا الفرصة لعوامل الهدم والاضمحلال،
            فراحت الدولة الأموية تتهاوى وتسقط سنة 132هـ/750م.

            وقد كان ظهورالعباسيين فى هذه الفترة على مسرح الأحداث يمثل ضربة
            قاصمة أطاحت بالبيت الأموى عن عرش الخلافة الإسلامية.


            فبعد وفاة الخليفة "هشام بن عبد الملك" بويع "الوليد بن يزيد" بالخلافة
            فى 6من ربيع الآخر سنة 125هـ/ 723م،وهو اليوم الذى توفى فيه هشام.
            وقد كان "الوليد بن يزيد" النموذج الذى يمثل مساوئ نظام وراثة الخلافة،
            لم يكن الوليد بن يزيد بن عبد الملك ابنًا لهشام بن عبد الملك بل ابن أخيه.

            إن نظام الشورى يتيح للجميع وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب
            حتى يستريح ويريح.
            ولكن "نظام الوراثة" يأتى لدولة الإسلام "بالوليد" الذى أشاع عنه خصومه
            أنه كان منهمكًا فى الملذات،مستخفّا بأمرالأمة،مشغولا باللهو،مجاهرًا بالمعاصى،
            وكان الإمام الزهرى يبغضه ويحث هشامًا على خلعه.

            لقد اجتمع بعض أهل"دمشق"على خلعه وقتله لمجاهرته بالإثم،
            وكان ذلك فى جمادى الآخرة سنة 126هـ/ 744م،
            بعد أن قضى فى الخلافة سنة واحدة،وشهرين،وأيامًا،
            وكان الذى يقود الثورة عليه ابن عمه يزيد بن الوليد الذى وصفه أنصاره
            بأنه كان ورعًا تقيّا محافظًا على الدين راعيًا للإسلام والمسلمين،
            لكنه لم يَبْقَ فى الحكم إلا خمسة أشهر وعدة أيام حيث مات بالطاعون.

            وبايع المسلمون بعده أخاه "إبراهيم بن الوليد" خلفًا له،
            لكنه لم يكد يتولى الأمرحتى سارإليه مروان بن محمد بن مروان بن الحكم
            ثائرًا للوليد بن يزيد.
            لقد خلع "مروان" "إبراهيم" وهرب إبراهيم من دمشق،
            وظل أتباع مروان يلاحقونه حتى عثروا عليه وقتلوه،
            ولم يلبث فى الخلافة غير سبعين يومًا وقيل ثلاثة أشهر.

            وتولى "مروان" الخلافة فى صفر سنة 127هـ/ 745م،
            ليشهد عهدًا من الفتن والاضطرابات.
            وفى عهده اضطربت الأمور فى البلاد،وخرج البعض على الطاعة،
            وانتهز العباسيون هذا التفكك،والتصدع فراحوا يعملون على إسقاط دولة
            بنى أمية لتقوم مكانها دولة العباسيين.

            لقد حمل لواء الدعوة للعباسيين أبو مسلم الخراسانى،
            واستطاع الاستيلاء على"خراسان"ووطد سلطانه فيها.
            وفى الثالث من شهر ربيع الأول سنة 132هـ/ 750م،
            استولى أبو مسلم على"نيسابور"وراح يعلن الدعوة لأبى العباس السفاح
            أول خلفاء بنى العباس،

            فماذا فعل مروان؟
            وكيف واجه هذا التيار الزاحف ؟
            لقد أعد جيشًا للقضاء على العباسيين،وكان اللقاء على"نهر الزاب"
            ولكن دارت الدائرة على مروان وجيشه،ففر هاربًا إلى مصر.
            ولم ينته الأمرعند هذا الحد،بل دارت معركة أخيرة حاسمة،
            لقد لاحقه العباسيون وطاردوه،ودارت معركة أخيرة بينه وبينهم على
            ضفة النيل الغربى عند بلدة"بوصير"، وقُتِلَ مروان،
            وبمقتله انتهت دولة الأمويين التى استمرت قرابة إحدى وتسعين سنة
            ليشهد العالم مولد دولة جديدة تحمل راية الإسلام هى
            دولة بنى العباس.


            وهنا ينتهى الحديث عن الدولة الأموية
            والعهد الاموى مؤقتاً حتى الظهور الأخر بالأندلس




            دولة الخلافة العباسية

            سميت الدولة العباسية بهذا الاسم،
            نسبة إلى العباس عم الرسول-صلى الله عليه وسلم-،
            فمؤسس الدولة العباسية وخليفتها الأول هو أبوالعباس
            "عبدالله بن محمد بن على بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب عم رسول الله"

            -صلى الله عليه وسلم-،
            وقد اشتهر أبو العباس بأبى العباس السفاح.

            كيف آلت الخلافة إلى العباسيين؟
            عندما ضعفت الدولة الأموية،تطلع الناس إلى رجل يعود بالأمة إلى الجادة
            والطريق الصحيح،يرفع عنهم الظلم،ويقيم فيهم العدل،ويرهب بهم الأعداء،
            فحسبوا أن أصلح الناس لهذا الأمر،رجل يكون من بنى هاشم،
            فكتبوا فى هذا الشأن إلى
            "أبى هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية بن على بن أبى طالب"

            أحد العلماء الثقات،وكان مقيمًا بالشام قريبًا من مركز الخلافة الأموية..
            وما لبث أمرتلك المكاتبة أن وصل الخليفة الأموى"سليمان بن عبد الملك"،
            فخشى أبو هاشم على نفسه -وكانت قد تقدمت به السِّنّ- بطش الخليفة،
            فانتقل إلى"الحميمة"من أرض الشام؛ حيث يقيم عمه
            "عليّ السَّجَّاد بن عبدالله بن عباس"
            ، وهناك حضرته منيته،
            فأوصى إلى"محمد بن على بن عبد الله بن عباس"بما كان من أمرالناس معه،
            ودفع إليه الكتب التى كتبوها إليه،وقال له:أنت صاحب هذا الأمر،وهو فى ولدك.
            ثم مات،وكان ذلك فى خلافة سليمان بن عبد الملك سنة 99هـ/ 718م.
            وأخذ محمد العباسى فى تنفيذ ما أوصاه به أبوهاشم،فاتصل بالناس،واختارمن بينهم
            دعاة يخرجون وينتشرون فى ربوع الدولة الأموية،يشهرون بها وينتقدون عيوبها، ويدعون إلى ضرورة أن يتولى أمرالخلافة رجل من آل البيت قادرعلى أن يملأ الأرض عدلا،ووجدت تلك الدعوة صدى عند الناس ورواجًا.

            ويموت محمد بن على بن عبد الله بن عباس سنة 124هـ/742م،
            بعدما أوصى ابنه إبراهيم الملقب بالإمام بمواصلة المسيرة.

            وتأخذ الدعوة العباسية عند إبراهيم الإمام صورة أخرى غيرالتى كانت عليها
            قبل ذلك،فهى لم تكن منظمة،أما الآن فقد صارلها نظام،وقادة معلومون،
            من أمثال أبى سلمة الخلال على الكوفة،وأبى مسلم الخراسانى على خراسان.
            وما تكاد سنة 129هـ/747م، تقبل حتى يصدرأمرالإمام العباسى
            "إبراهيم بن محمد"أن يكون"أبو مسلم الخراسانى"رئيسًا للدعاة جميعًا فى خراسان
            وما حولها،وكلَّفه أن يجهر بالدعوة للعباسيين علنًا،
            وأن يعمل على جعل خراسان قاعدة للانطلاق بقواته ضد البيت الأموى.

            انتقال الخلافة إلى العباسيين
            بعد هذا العرض يصبح فى مقدورنا أن نعرف كيف تحولت الخلافة
            من الأمويين إلى العباسيين.

            لقد صدرالأمرإلى أبى مسلم بالجهربالدعوة للعباسيين فى عهد آخرخلفاء
            بنى أمية"مروان بن محمد"،ولم يلبث أبو مسلم أن دخل"مرو"عاصمة خراسان،
            وكاد أن يستولى عليها إلا أنه لم يتمكن من ذلك هذه المرة،وهنا أسرع الوالى
            على خراسان من قبل بنى أمية، وهو"نصر بن سيار"يستغيث بمروان بن محمد
            ويطلب منه مددًا،وينبه رجال الدولة إلى الخطرالمحدق فيقول:

            أَرى خَلَلَ الرَّمادِ وَميِضَ نــــارٍ ويُوشكُ أن يَكُونَ لَهَا ضِـرَامُ
            فإن النارَ بالعودين تُذْكــــــى وإن الحربَ مبدؤها كـــــلامُ
            فقلت من التعجب ليتَ شِعرى أأيقاظ أمية أم نيـــــــــام؟

            ولم يهتم بنو أمية بهذا الأمربسبب انشغالهم بصراعات أنصارهم القدماء
            بالشام،وانشقاق زعماء الأمويين على أنفسهم،ولم يمدُّوا واليهم على خراسان
            بشىء،فأدرك أبو مسلم الخراسانى أن الوالى الأموى لن يصبر طويلا،
            وأن"مرو"ستفتح يومًا ما قريبًا،فأخذ يجمع العرب من حوله،
            ثم انقضَّ بهم على"مرو"ففتحت له،وهرب واليها"نصر بن سيار"وكان ذلك
            سنة 130هـ/ 748م.
            وواصل أبو مسلم فتوحاته،فدانت له"بلخ"و"سمرقند"و"طخارستان"و"الطبسين" وغيرها،وتمكن من بسط سيطرته ونفوذه على خراسان جميعًا،
            وراح يتطلع إلى غيرها،
            وكان كلما فتح مكانًا أخذ البيعة من أهله على كتاب الله
            -عز وجل-وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-"وللرضا من آل محمد"،
            أى يبايعون إمامّا مرضيًا عنه من آل البيت من غيرأن يعِّيَنهُ لهم.

            والواقع أن بنى أمية كانوا نيامًا فى آخرعهدهم،لا يعلمون من أمرالقيادة الرئيسية
            لهذه الدعوة العباسية شيئًا،ولما وقع فى يد الخليفة(مروان بن محمد) كتاب من
            "الإمام إبراهيم العباسى"يحمل تعليماته إلى الدعاة،ويكشف عن خطتهم وتنظيمهم،
            كان منشغلا بتوطيد سلطانه المتزعزع وقمع الثائرين ضده،واكتفى الخليفة
            "مروان بن محمد"بأن أرسل إلى القائم بالأمر فى دمشق للقبض على الإمام
            "إبراهيم بن محمد" "بالحميمة"وإيداعه فى السجن،وتم القبض عليه وأودع السجن، فظل به حبيسًا إلى أن مات فى خلافة مروان بن محمد سنة 132هـ/750م.
            ولما علم"إبراهيم"بالمصير الذى ينتظره،وعلم أن أنصاره ومؤيديه قد واصلوا انتصاراتهم،وأن الكوفة قد دانت لهم وصارت فى قبضتهم أوصى لأخيه
            "أبى العباس"بالإمامة طالبًا منه أن يرحل إلى الكوفة ومعه أهل بيته؛
            لينزل على داعى العباسيين بها وهو"أبو سلمة الخلال"فهناك يكون فى مأمن
            من رقابة الأمويين وسلطانهم

            مبايعة أبى العباس
            وهناك فى الكوفة-بعد قليل من وصول آل العباس إليها-
            تمت مبايعة أبى العباس خليفة للمسلمين،وتوجه"أبو العباس"إلى مسجد الكوفة
            عقب مبايعته بالخلافة فى الثانى عشرمن ربيع الأول سنة 132هـ/ 750م،
            وألقى على الملأ خطبة كانت بمثابة الإعلان الرسمى عن قيام الدولة العباسية،

            ومما جاء فى تلك الخطبة:
            "الحمد لله الذى اصطفى الإسلام لنفسه،وكرمه وشرفه وعظَّمه،واختاره لنا،
            زعم الشامية أن غيرنا أحق بالرياسة والسياسة والخلافة منا،شاهت وجوههم،
            بِمَ ولم أيها الناس؟
            وبنا هدى الله الناس بعد ضلالتهم،وبصرهم بعد جهالتهم،وأنقذهم بعد هلكتهم،
            وأظهربنا الحق،ودحض الباطل،وأصلح بنا منهم ما كان فاسدًا،ورفع بنا الخسيسة،
            وتمم النقيصة،وجمع الفرقة،حتى عاد الناس بعد العداوة أهل التعاطف والبر
            والمواساة فى دنياهم،وإخوانًا على سرر متقابلين فى آخرتهم،فتح الله ذلك
            -مِنَّةً وبهجة-لمحمد-صلى الله عليه وسلم،فلما قبضه الله إليه،
            وقام بالأمرمن بعده أصحابه،وأمرهم شورى بينهم،حَوَوْا مواريث الأمم،
            فعدلوا فيها ووضعوها مواضعها وأعطوها أهلها،وخرجوا خماصًا منها،
            ثم وثب بنو حرب وبنو مروان فابتزُّوها وتداولوها،فجاروا فيها واستأثروا بها،
            وظلموا أهلها،وقد أملى الله لهم حينًا حتى آسفوه،فلما آسفوه انتقم منهم بأيدينا،
            وتدارك بنا أمتنا،وَوَلِىَ نصرنا والقيام بأمرنا،لَيمُنَّ بنا على الذين استضعفوا فى
            الأرض،فختم بنا كما افتتح بنا،وإنى لأرجوألا يأتيكم الجورمن حيث جاءكم الخير،
            ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح،وماتوفيقنا أهل البيت إلا بالله،
            فاستعدوا أيها الناس،فأنا السَّفَّاح المبيح والثائرالمنيح (يقصد أنه كريم جواد)".

            ومن هذه المقولة التصقت به صفة السفاح،فقيل أبو العباس السفاح،
            مع أنه ما قصد ذلك المعنى الذى شاع على الألسنة.

            لقد أعلنها صريحة مدوية فى الآفاق بينما كان"مروان بن محمد"
            آخرخلفاء بنى أمية يجلس على كرسى الخلافة،
            فكيف تمت المواجهة بين هؤلاء وأولئك؟
            وكيف تحققت الغلبة للعباسيين؟


            اللقاء الحاسم
            يالها من لحظات حاسمة فى تاريخ الأمم والشعوب،
            إن شمس الأمويين الغاربة تؤذن بالزوال،
            بينما شمس العباسيين فى صعود،
            وهذه هى الدنيا،فيوم لنا ويوم علينا،والأيام دُوَل.

            وكان اللقاء الحاسم بين الأمويين والعباسيين على أحد فروع دجلة
            بالقرب من الموصل وهو"نهر الزَّاب الأعلى".

            فجيش العباسيين يقوده عم الخليفة،وهو"عبد الله بن على"،
            بينما يقود جيش الأمويين الخليفة نفسه"مروان بن محمد".
            كان ذلك يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من جمادى الآخرة
            سنة 132هـ/ 750م،
            ولم يجد "مروان" أمام جحافل العباسيين إلا أن يفر إلى"دمشق" مهزومًا
            أمام مطاردة"عبد الله بن على".
            لقد راح يُطارده،فاستولى على"دمشق"،واستولى على مدن الشام واحدة
            بعد الأخرى،وكان استسلام دمشق العاصمة معناه
            سقوط دولة بنى أمية،وانتهاء عهدها كعاصمة للدولة الإسلامية،
            لكن مروان قد فرّ إلى مصر وتوجه إلى صعيدها،وقرب الفيوم،
            عند قرية "أبوصير" أُلقِىَ القبضُ عليه،وقُتِلَ بعدما ظل هاربًا ثمانية أشهر،
            يفرمن مكان إلى مكان.ومضى عهد،وأقبل عهد جديد،
            وسيظل عام 132هـ/ 750م فاصلا بين عهدين،
            وتاريخًا لا يُنسى.


            يُتبع ،،،

            تعليق


            • #7
              رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

              عصور الخلافة العباسية

              بدأت الدولة الجديدة سنة 132هـ/ 750م،
              وقد بلغ عدد خلفائها نحو سبعة وثلاثين خليفة،
              تعاقبوا على التوالى حكم هذه الدولة التى طال عمرها،واختلفت عصورها،
              وامتدت حتى سنة 656هـ/ 1100م ؛حيث سقطت على أيدى التتار،
              بعد أن عاشت خمسة قرون وربع قرن ؛اختلفت فيها العصور قوة وضعفًا!

              فكيف كانت البداية؟

              وكيف كانت النهاية؟

              ..................................

              العصر العباسى الأول
              ( 132 - 232هـ / 750 - 847م )

              اشتمل العصرالعباسى الأول على عهود تسعة خلفاء،
              بدأ حكمهم ب
              أبى العباس السفاح
              ،
              وانتهى بتاسع الخلفاء العباسيين وهو
              الخليفة الواثق
              الذى توفى سنة 232هـ/ 847م.

              و
              العصرالعباسى الأول هو العصرالذهبى للدولة العباسية
              ،
              فقد استطاع أولئك الخلفاء التسعة واحدًا بعد الآخرتحقيق ثلاثة
              منجزات كبرى،هى:
              * تأكيد قوة الخلافة العباسية،والقضاء على كل المحاولات التى كان هدفها
              النيل من تلك الخلافة وسلطانها.
              * إقامة حكم إسلامى تحققت فيه المساواة بين جميع الشعوب الإسلامية.
              * رعاية الحضارة الإسلامية، فهم الذين أتاحوا لها الازدهار والانتشار.


              ....................................

              خلافة أبى العباس السفاح
              ( 132 - 136هـ / 750 - 754 م)
              هوعبد الله بن محمد بن على بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم.
              ولم تطل مدة خلافته،إنما هى سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة.

              إنتشار الإسلام
              فقد سكن الكوفة،ثم تركها وأقام بالحيرة، ثم اختارمدينة"الأنبار"
              فبنى بها قصورًا وأحب الإقامة بها،وظل فيها حتى توفى.
              وكان لابد من تأمين الحدود،ورفع راية الإسلام ونشره فى ربوع الأرض
              لتصبح كلمة الله هى العليا،فبدأت من جديد تلك الحملات لتأديب
              الروم
              أعداء الإسلام والمسلمين.
              عقد
              أبوالعباس لعبد الله بن على
              أمرهذه المهمة سنة 136هـ/ 754م،
              فقاد
              عبد الله جيشًا من أهل الشام وخراسان
              .
              ولم يقف الأمرعند هذا الحد،بل سيطرالجيش الإسلامى فى عصره
              من جديد على
              بلاد ما وراء النهر
              ،
              وهى المنطقة الواقعة فى حوض نهرى جيحون وسيحون
              مما يعرف الآن بالجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى التى استقلت
              عن الاتحاد السوفيتى مؤخرًا.


              قمع الثورات
              ولم يخل عهده من ثورات قام بها بعض قواد الأمويين فى أول عهده بالخلافة
              وفى آخره،فقضى على ثورة
              "أبى الورد"الذى انضم إليه أهل"قنسرين"
              ،
              و
              "حمص"، و"دمشق"
              ، وكان ذلك عام تولّيه الحكم.

              وفى آخر عهده،أعلن
              أهل دمشق
              تمردهم على خلافة العباسيين
              سنة 136 هـ، وبايعوا أحد الأمويين،ولكنهم ما لبثوا أن هربوا أمام الجيش
              العباسى الذى داهمهم وطاردهم.
              ويموت
              أبو العباس فى هذا العام بعد أن أوصى لأخيه"أبى جعفرالمنصور"
              بالخلافة من بعده.
              ....................................

              يتبع ،،،

              تعليق


              • #8
                رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

                خلافة أبى جعفر المنصور
                (136 - 158هـ/ 754 - 775م)

                يعتبر
                أبو جعفر المنصورالمؤسس الحقيقى لدولة بنى العباس

                وإن تولَّى الخلافة بعد أخيه
                أبى العباس
                (سنة 136هـ/ 754م).

                ترى لماذا يُعَدُّ أبوجعفرالمنصورالمؤسس الأول على الرغم من أنه
                الخليفة العباسى الثانى؟

                إن "أبا جعفر المنصور"
                بذل جهودًا عظيمة لتدعيم الأسرة العباسية فى الحكم،
                وإعلاء شأن الخلافة،وإضفاء روح المهابة والإجلال على الدولة فى الداخل والخارج.

                لقد
                بُويع بالخلافة بعد عودته من الحج ووفاة أخيه أبى العباس،بايعه أهل العراق وخراسان وسائرالبلاد سوى الشام التى كان عمه"عبد الله بن على"
                أميرًا عليها،
                فقد رفض مبايعته إعتقادًا منه بأنه أولى بالخلافة،
                فما كان من
                أبى جعفرإلا أن أرسل إليه القائد"أبا مسلم الخراسانى"
                ومعه جماعة
                من أمراء
                بنى العباس فهزموهم هزيمة منكرة،وخضعت بلاد الشام لأبى جعفر.

                نهاية أبى مسلم الخراسانى

                وبدأ الجو يصفولأبى جعفربعد مقتل عمه "عبد الله"إلا من بعض الإزعاج الذى كان يسببه له أبو مسلم الخراسانى؛وبسبب مكانته القوية فى نفوس أتباعه،واستخفافه
                بالخليفة
                المنصور،ورفضه المستمر للخضوع له؛فأبو مسلم
                يشتد يومًا بعد يوم،
                وساعده يقوى،وكلمته تعلو،أما وقد شم منه رائحة خيانة فليكن هناك ما يوقفه
                عند حده،وهنا فكر
                المنصور
                جديّا فى التخلص منه.
                وقد كان،فأرسل إلى
                أبى مسلم حتى يخبره أن الخليفة ولاه على مصروالشام
                ،
                وعليه أن يوجه إلى
                مصرمن يختاره نيابة عنه،ويكون هو بالشام
                ؛
                ليكون قريبًا من الخليفة وأمام عينيه وبعيدًا عن
                خراسان
                ؛حيث شيعته وموطن رأسه،
                إلا أن
                أبا مسلم
                أظهر سوء نيته،وخرج على طاعة إمامه،ونقض البيعة،
                ولم يستجب لنصيحة أحد،فأغراه
                المنصورحتى قدم إليه فى العراق
                ،
                وقتله فى سنة 137هـ/ 756م،
                ولأن مقتل رجل ك
                أبى مسلم الخراسانى قد يثير جدلا كبيرًا،فقد خطب
                المنصور
                مبينًا حقيقة الموقف،قال:
                "أيها الناس،لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية،ولا تمشوا
                فى ظلمة الباطل بعد سعيكم فى ضياء الحق،إن أبا مسلم أحسن مبتدئًا وأساء معقبًا،
                فأخذ من الناس بنا أكثرمما أعطانا،ورجح قبيح باطنه على حسن ظاهره،
                وعلمنا من خبيث سريرته وفساد نيته ما لوعلمه اللائم لنا فيه لعذرنا فى قتله،
                وعنفنا فى إمهالنا،فما زال ينقض بيعته،ويخفرذمته حيث أحل لنا عقوبته،
                وأباحنا دمه،فحكمنا فيه حكمه لنا فى غيره،ممن شق العصا،
                ولم يمنعنا الحق له من إمضاء الحق فيه".

                ومع ذلك فلم تهدأ الأمور،ولم يصفُ الجو لأبى جعفرالمنصوركما كان يتوقع.

                ثورة سُنباد

                كان ممن غضب لمقتل أبى مسلم الخراسانى،رجل مجوسى اسمه"سُنباد"،
                فثار والتف حوله الكثيرون من أهل
                "خراسان"،فهجموا على ديارالمسلمين فى "نيسابور"و"قومس"و"الرى"
                ،فنهبوا الأموال وقتلوا الرجال وسبوا النساء،
                ثم تبجحوا،
                فقالوا:إنهم عامدون لهدم الكعبة،فأرسل إليهم المنصور
                جيشًا بقيادة
                جمهورابن مرارالعجلى،فهزمهم واستردَّ الأموال والسبايا،ولا يكاد أبوجعفر
                يتخلص من"سنباد"سنة 137هـ/ 756م،حتى واجه ثائرًا ينادى بخلع المنصور.. تعلمون من هو؟!
                إنه"جمهوربن مرارالعجلي"
                قائد جيوش المنصورالتى هزمت"سنباد"..فكيف كان هذا؟
                لما هزم"جمهور" سنباد،واسترد الأموال،كانت خزائن أبى مسلم الخراسانى

                من بينها،فطمع"
                جمهور"،فلم يرسل المال إلى الخليفة المنصور
                ،بل ونقض البيعة
                ونادى بخلع
                المنصور، فماذا كان؟
                أرسل المنصورالقائد الشجاع "محمد بن الأشعث"
                على رأس جيش عظيم،
                فهزم
                "جمهورًا"وفر هاربًا إلى"أذربيجان"،
                وكانت الموقعة فى سنة 137هـ/ 756م.

                ثورات الخوارج

                ترى هل صفا الجو للمنصوربعد هذا ؟
                لا..
                فلقد كانت هناك ثورات وثورات تهدد الحياة وتحول دون الاستقراروالأمن.
                كما كانت هناك ثوارت
                للخوارج الذين أصبحوا مصدرإزعاج للدولة العباسية
                .
                لقد خرج آنذاك
                "مُلَبّد بن حرملة الشيبانى"فى ألف من أتباعه بالجزيرة من العراق، وانضم إليه الكثيرون،فغلب بلادًا كثيرة،إلى أن تمكنت جيوش المنصور
                بقيادة
                خازم بن خزيمة
                من هزيمته فى سنة 138هـ/ 757م.
                وتحرك الخوارج مرة ثانية فى خلافة
                المنصورسنة 148هـ بالموصل
                تحت
                قيادة
                "حسا بن مجالد الهمدانى"
                ، إلا أن خروجه هو الآخر قد باء بالفشل.

                وواجه الخليفة
                المنصورالعباسى
                ثورات منحرفة لطوائف من الكافرين،
                ففى سنة 141هـ/ 759م..
                واجه المنصور ثورة أخرى لطائفة من الخوارج يقال لها
                "الراوندية"
                ينتسبون إلى قرية"راوند" القريبة من أصفهان
                .
                إ
                نهم يؤمنون بتناسخ الأرواح،ويزعمون أن روح آدم انتقلت إلى واحد يسمى
                "عثمان بن نهيك"وأن جبريل هوالهيثم بن معاوية
                -رجل من بينهم-،
                بل لقد خرجوا عن الإسلام زاعمين أن ربهم الذى يطعمهم ويسقيهم هو
                "أبو جعفر المنصور"،
                فراحوا يطوفون بقصره قائلين:هذا قصر ربنا. ولم يكن ينفع هؤلاء إلا القتال،
                فقاتلهم المنصورحتى قضى عليهم جميعًا بالكوفة.


                ثورة محمد"النفس الزكية"

                من أخطرالثورات التى واجهت المنصورخروج
                محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن على
                ،
                وكان من أشراف بنى هاشم علمًا ومكانة،وكان يلقب بـ
                "النفس الزكية"
                فاجتمع العلويون والعباسيون معًا وبايعوه أواخرالدولة الأموية
                ،
                وكان من المبايعين
                "المنصور"
                نفسه،فلما تولى الخلافة لم يكن له هم إلا طلب
                محمد هذا خشية مطالبته بطاعة هؤلاء الذين بايعوه من قبل،وهنا خرج"محمد"
                النفس الزكية بالمدينة سنة 145هـ/763م، وبويع له فى كثيرمن الأمصار
                .
                وخرج أخوه
                "إبراهيم"بالبصرة
                ،واجتمع معه كثير من الفقهاء،وغلب أتباعه على
                "فارس"و"واسط"و"الكوفة"
                ،وشارك فى هذه الثورة كثيرمن الأتباع
                من كل الطوائف.
                وبعث
                المنصورإلى"محمد النفس الزكية"يعرض عليه الأمن والأمان له ولأولاده وإخوته مع توفيرما يلزم له من المال،ويرد"محمد"بأن على المنصور
                نفسه أن
                يدخل فى طاعته هو؛ليمنحه الأمان.
                وكانت المواجهة العسكرية هى الحل بعد فشل المكاتبات،واستطاعت جيوش
                أبى جعفرأن تهزم"النفس الزكية"بالمدينة وتقتله،وتقضى على أتباع إبراهيم
                فى
                قرية قريبة من الكوفة وتقتله.

                ثورة كافر خراسان

                ويظل مسلسل الثورات يتوالى على مرالأيام،
                ففى سنة 150هـ يخرج أحد الكفرة ب
                بلاد خراسان
                ويستولى على أكثرها،
                وينضم له أكثرمن ثلاثمائة ألف،فيقتلون خلقًا كثيرًا من المسلمين،
                ويهزمون الجيوش فى تلك البلاد،وينشرون الفساد هنا وهناك،
                ويبعث
                أبوجعفرالمنصوربجيش قوامه أربعون ألفا بقيادة"خازم بن خزيمة"
                ،
                فيقضى على هؤلاء الخارجين،وينشر الأمن والاستقرارفى ربوع
                خراسان.

                بناء بغداد

                وراح المنصوريواصل ما بدأ به..
                راح يبنى ويعمربعد أن خَلا الجو،ودانت له البلاد والعباد،لقد فكر-منذ توليه-
                فى
                بناء عاصمة للدولة العباسية يضمن من خلالها السيطرة على دولته
                ،
                وإرساء قواعدَ راسخة لها.
                فشرع فى بناء
                بغداد سنة 145هـ على الضفة الغربية لنهردجلة
                عند أقرب نقطة بين دجلة والفرات،لتصبح ملتقى الطرق القادمة من الشام شمالا
                ،
                ومن
                الصين شرقًا،ومن طوائف مصر،ومن الحجازجنوبًا،إلى جانب موقعها العسكرى الخطير، فهى بين نهرى الفرات ودجلة
                ،فلا وصول إليها إلا على جسرأوقنطرة،
                فإذا قطع الجسروخربت القنطرة لم يتمكن معتدٍ من الوصول إليها،
                ول
                بغداد مزايا أخرى عديدة،أغرت المنصوربالإسراع فى بنائها،فراح أبوجعفر
                يأمر بإحضارالفعلة والصناع من بلاد العالم؛ليحققوا نهضة،وليقيموا حضارة،
                وليصنعوا المستقبل لدولة الإسلام والمسلمين.وكان مِنْ بين مَنْ استعان بهم
                المنصورفى ضبط العمل ببغداد:الإمام الجليل أبو حنيفة النعمان
                .
                ووضع المنصور
                بنفسه أول لبنة وهو يقول:باسم الله،والحمد لله،وإن الأرض لله
                يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.ثم قال:ابنوا على بركة الله.

                وكان الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان
                هو القائم على بناء المدينة والمتولى
                لضرب اللبن.وأصبحت
                بغداد
                عاصمة لها شأنها بين عواصم العالم.

                وكانت
                بغداد تتمتع بالطرق الواسعة النظيفة التى تمتد إليها المياه من فروع نهردجلة
                فى قنوات مخصوصة تمتد بالشوارع صيفًا وشتاءً،وكانت شوارعها تكنس كل يوم، ويحمل ترابها خارجها،وعيَّن المنصور
                على أبوابها جندًا يحفظون الأمن بها،
                فصانها وحفظ لها نظامها ونظافتها من الداخل،وقد فرغ من بناء
                بغداد
                وسورها
                وأسواقها وخندقها بعد 4 سنوات أى سنة 149هـ/ 766م.
                وأمام كثرة النازحين إلى
                عاصمة الخلافة أجمل مدن العالم آنذاك
                ،
                كان لابد أن يهتمَّ
                المنصور
                ببناء سوق يضم أصحاب الصناعات والتجاروالباعة.
                وفعلا بنيت
                "الكرخ"
                سنة 157هـ/ 774م
                لتظل عاصمة الخلافة محتفظة بجمالها وسحرها وتألقها.

                وكانت
                الكرخ
                سوقًا نموذجية،فلكل تجارة سوق خاصة بها،ولم يبقَ إلا أن يبنى
                المنصورمسجدًا جامعًا يجتمعون فيه حتى لايدخلوا بغداد
                ،فبنى للعامة جامعًا،
                وهوغيرجامع
                المنصور
                الذى كان يلى القصر،
                وفى سنة 151هـ/ 768م يبنى
                المنصورمدينة أخرى لابنه المهدىعلى الضفة الشرقية لنهر دجلة وهى مدينة"الرصافة"ثم بنى"الرافقة"
                وكانت هاتان المدينتان صورة من بغداد.

                العدل أساس الملك

                وإلى جانب هذه النهضة العمرانية راح المنصوريسهرعلى تنفيذ طائفة من
                الإصلاحات الداخلية على مستوى الدولة العباسية كلها.
                وإذا كان العدل أساس الملك،فإن الذين يقومون على العدل ينبغى أن يتم
                اختيارهم بعيدًا عن الهوى والمصالح.
                روى أن"الربيع ابن يونس"وزير"أبى جعفر"
                قال له ذات يوم:إن لفلان حقّا
                علينا؛ فإن رأيت أن تقضى حقه وتوليه ناحية.فقال المنصور:يا ربيع،
                إن لاتصاله بنا حقّا فى أموالنا لا فى أعراض الناس وأموالهم.ثم بين للربيع أن
                لا يولى إلا الأكفاء،ولا يؤثرعليهم أصحاب النسب والقرابة.وكان يقول:
                ما أحوجنى أن يكون على بابى أربعة نفر،لا يكون على بابى أعف منهم،
                هم أركان الدولة،ولا يصلح الملك إلا بهم:
                أما أحدهم:فقاض لا تأخذه فى الله لومة لائم.
                والآخر:صاحب شرطة ينصف الضعيف من القوى.
                والثالث:صاحب خراج، يستقضى ولا يظلم الرعية، فإنى عن ظلمها غنى.
                ثم عض على إصبعه السبابة ثلاث مرات،يقول فى كل مرة:آه.آه.قيل:
                ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال:
                صاحب بريد يكتب خبر هؤلاء على الصّحَّة
                (رجل يخبرنى بما يفعل هؤلاء لا يزيد ولا ينقص)
                .

                هكذا كان
                المنصور
                حريصًا على إقامة العدل،
                ووضع الرجل المناسب فى المكان المناسب،
                وإلى جانب هذا،فقد كان يراقب عماله وولاته على الأقاليم،
                ويتتبع أخبارهم أولا بأول،ويتلقَّى يوميّا الكتب التى تتضمن الأحداث والوقائع
                والأسعار ويبدى رأيه فيها،ويبعث فى استقدام من ظُلم ويعمل على إنصافه
                متأسيًا فى ذلك بما كان يفعل الخليفة الثانى
                عمربن الخطاب-رضى الله عنه-!

                العناية بالمساجد

                وأعطى المنصوركل العناية للمساجد،
                خاصة
                المسجد الحرام
                ،فعمل على توسعته سنة 140هـ
                وسار إلى
                بيت المقدس بعد أن أثرفيه ذلك الزلزال الذى حدث بالشام
                ،
                فأمربإعادة بنائه مرة أخرى،
                وبنى
                المنصورمسجدًا بمنى وجعله واسعًا،يسع الذين يقفون فى منى
                من حجاج
                بيت الله،وشهدت مدن الدولة الكبرى نهضة إنشائية وعمرانية،
                روعى فيها بناء العديد من المساجد فى
                البصرة والكوفة وبغداد وبلاد الشام
                وغيرها من أقاليم الدولة.

                العناية بالاقتصاد

                يذكرالتاريخ للمنصور-إلى جانب هذه النهضة الإصلاحية العمرانية-
                اهتمامه بالزراعة والصناعة وتشجيعه أصحاب المهن والصناعات،
                وتأمينه خطوط التجارة والملاحة فى
                الخليج العربى حتى الصين
                من خطر
                القراصنة الهنود
                الذين كانوا يقطعون طرق التجارة،ويقتلون التجار،
                ويستولون على الأموال،وراح قُواده يؤدبون هؤلاء اللصوص.
                وكثيرًا ما يعود قواد البحر بالغنائم والأسرى حتى انقطعت القرصنة
                بعد سنة 153هـ/ 770م،ولقد تم فى عهده إعادة فتح
                "طبرستان"
                سنة 141هـ/ 759م، فيما وراء النهر.

                العناية بالحدود
                أعطى المنصوراهتمامًا بالغًا بجهة الشمال؛فراح يأمربإقامة التحصينات
                والرباطات على
                حدود بلاد الروم
                الأعداء التقليديين للدولة الإسلامية.
                وكانت الغزوات المتتابعة سببًا فى أن
                ملك الروم راح يطلب الصلح،ويقدم الجزية صاغرًا سنة 155هـ.ولا ننسى للمنصورحملته التأديبية على قبرص
                لقيام أهلها
                بمساعدة
                الروم،ونقضهم العهد الذى أخذوه على أنفسهم يوم أن فتح المسلمون قبرص
                .
                هذا هو
                "المنصور"،
                وهذه هى إصلاحاته فى الداخل والخارج رحمه الله رحمة واسعة،
                لقد كان يعرف لنفسه حقها،وللناس حقهم،ولربه حقه.

                وصية المنصور

                لقد ذهب ليحج سنة 158هـ/ 775م، فمرض فى الطريق،
                وكان ابنه محمد
                "المهدى"
                قد خرج ليشيعه فى حجه،فأوصاه بإعطاء الجند
                والناس حقهم وأرزاقهم ومرتباتهم،وأن يحسن إلى الناس،ويحفظ الثغور،
                ويسدد دينًا كان عليه مقداره ثلاثمائة ألف درهم،كما أوصاه برعاية إخوته الصغار،
                وقبل أن يدخل
                مكة
                لقى ربه ليقول له:إننى تركت خزانة بيت مال المسلمين
                عامرة،فيها ما يكفى عطاء الجند ونفقات الناس لمدة عشرسنوات.
                رحمه الله،كان يلبس الخشن،ويرقع القميص ورعًا وزهدًا وتقوى،
                ولم يُرَفى بيته أبدًا لهوولعب أو ما يشبه اللهو واللعب،
                ويذهب
                المنصور
                إلى رحمة الله بإذنه تعالى.
                وتعالوا بنا نقرأ وصية
                أبى جعفرالمنصورلولده وولى عهده المهدى
                ،
                قال
                المنصورلولده المهدى
                :
                "ولدت فى ذى الحجة،ووليت فى ذى الحجة،وقد هجس فى نفسى أنى أموت
                فى ذى الحجة من هذه السنة،وإنما حدانى على الحج ذلك،فاتق الله فيما أعهد إليك
                من أمورالمسلمين بعدى،يجعل لك فى كربك وحزنك فرجًا ومخرجًا،
                ويرزقك السلامة وحسن العاقبة من حيث لا تحتسب.

                يا بنى:احفظمحمدًا
                -صلى الله عليه وسلم-فى أمته،يحفظك الله،ويحفظ عليك
                أمورك،وإياك والدم الحرام،فإنه حوبٌ(إثم)عند الله عظيم،وعارفى الدنيا لازم مقيم، والزم الحدود،فإن فيها خلاصك فى الآجل،وصلاحك فى العاجل،ولا تعتد فيها فتبور، فإن الله تعالى لو علم شيئًا أصلح منها لدينه وأزجرعن معاصيه لأمرٍ به فى كتابه.
                واعلم أن من شدة غضب الله لسلطانه،أنه أمرفى كتابه بتضعيف العذاب والعقاب
                على من سعى فى الأرض فسادًا،مع ما ادّخرله عنده من العذاب العظيم،فقال:
                (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ
                أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ
                خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
                [المائدة: 33].
                فالسلطان يا بنى حبل الله المتين،وعروته الوثقى،ودينه القيم،فاحفظه وحصنه،
                وذُبَّ عنه،وأوقع بالملحدين فيه،وأقمع المارقين منه،واقتل الخارجين عنه بالعقاب،
                ولا تجاوز ما أمر الله به فى محكم القرآن،واحكم بالعدل ولا تشطط؛فإن ذلك أقطع للشغب،وأحسم للعدو،وأنجع فى الدواء،وعفّ عن الفىء،فليس بك إليه حاجة
                مع ما خلفه الله لك،وافتتح عملك بصلة الرحم وبر القرابة،وإياك والأثرة والتبذير لأموال الرعية،واشحن الثغور،واضبط الأطراف،وأمّن السبل،وسكن العامة،
                وأدخل المرافق عليهم،وادفع المطاردة عنهم،وأعد الأموال واخزنها،وإياك والتبذير،
                فإن النوائب غير مأمونة،وهى من شيم الزمان،وأعد الكراع والرجال والجند ما استطعت،وإياك وتأخيرعمل اليوم إلى الغد،فتتدارك عليك الأموروتضيع،
                جد فى إحكام الأمورالنازلات لأوقاتها أولا فأولا،واجتهد وشمر فيها،وأعد رجالا بالليل لمعرفة ما يكون بالنهار،ورجالا بالنهار لمعرفة ما يكون بالليل،وباشرالأمور بنفسك،
                ولا تضجرولا تكسل،واستعمل حسن الظن بربك،وأسئ الظن بعمالك وكتَّابك،
                وخذ نفسك بالتيقظ ،وتفقد من تثبت على بابك،وسهِّل إذنك للناس،وانظر فى أمر
                النزاع إليك،ووكل بهم عينًا غيرنائمة،ونفسًا غيرلاهية،ولا تنم،وإياك،فإن أباك لم ينم
                منذ ولى الخلافة،ولا دخل عينه النوم إلا وقلبه مستيقظ.
                يا بنى:لا يصلح السلطان إلا بالتقوى،ولا تصلح الرعية إلا بالطاعة،ولا تعمر
                البلاد بمثل العدل،هذه وصيتى إليك،والله خليفتى عليك".


                رحم الله الخليفة أبى حعفر المنصور فى الصالحين

                يتبع إن شاء الله ،،،

                تعليق


                • #9
                  رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

                  خلافة المهدى
                  ( 158- 169هـ/ 775- 786م)

                  ويأتى
                  محمد المهدى
                  بعد أبيه بعد أن بايعه الناس بالخلافة،
                  لقد كان
                  المهدى وليّا للعهد فى خلافة والده المنصور
                  ،وكثيرًا ما كان يتلقى
                  توجيهاته ونصائحه وإرشاداته،وما زالت كلمات أبيه ترن فى أذنه:

                  "إن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى،والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة،
                  والرعية لا يصلحها إلا العدل، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة،
                  وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.يابنى،استدم النعمة بالشكر،
                  والقدرة بالعفو، والطاعة بالتأليف، والنصر بالتواضع والرحمة للناس،
                  ولا تنس نصيبك من الدنيا، ونصيبك من رحمة الله"
                  .

                  استكمال الإصلاحات
                  وسارالمهدى على نهج أبيه المنصورفى القيام بالإصلاحات الداخلية،
                  وتأمين الحدود،وعمارة المساجد،وعلى رأسها
                  المسجد الحرام
                  .
                  ولم يفته أن يأمربحفر نهرب
                  البصرة يحيى به الأرض الموات،ويسهم فى توفيرالقوت، ولقد أحسن إلى العلويين
                  وإلى غيرهم ممن لهم أهداف سياسية،
                  فأطلق سراح من كان منهم فى السجون سنة 159هـ/ 776م،
                  وكان لهذا أثره فى الاستقراروالهدوء فلم يخرج عليه أحد من
                  العلويين
                  !
                  ولقد أتيح له أن يقضى على ثلاث ثورات،قام بها أفراد انضم إليهم كثير
                  من الخوارج،اثنتين فى
                  خراسان والثالثة"بقنسرين"من أرض الشام
                  .

                  وراح يواصل تأمين طرق التجارة إلى
                  الهند
                  ،وانطلقت فى خلافته الجيوش
                  الإسلامية الفاتحة فى
                  اتجاه الروم
                  ؛
                  ففى سنة 165هـ/ 782م بلغت جيوشه بقيادة ابنه
                  "هارون الرشيد"خليج "القسطنطينية"،وجرت الرسل والسفراء بينه وبين الإمبراطورة الرومانية"إيرين"

                  فى طلب الصلح فى مقابل فدية تقدم للدولة الإسلامية سنويّا مقدارها سبعون ألف
                  دينار، واشترط
                  الرشيد على ملكة الروم تعيين أدلاء له،وإقامة الأسواق فى طريق عودته،وكانت مدة الهدنة ثلاث سنين.

                  تأمين الحدود
                  كما أرسل عام 167هـ ولى عهده الهادى إلى"جرجان"فى جيش كثيف لم يُرَمثله.
                  إن الجيش الإسلامى فى عهد
                  المهدى كان له وجوده على حدود الروم
                  ،
                  حتى لقد قام
                  أميرالبرالشامى بغزوتين بحريتين فى اتجاه الروم سنة
                  160هـ/ 777م، و161هـ/ 778م،
                  ولقد قضى على الإلحاد والزندقة فى عهده..،لم تأخذه فى ذلك لومة لائم،
                  ومن شابه أباه فما ظلم.

                  ورع المهدى
                  وحدث فى خلافته أن أصاب الناس ريح شديدة ظنوا معها قيام الساعة،
                  وأخذ القواد فى البحث عن
                  المهدى فوجدوه واضعًا خده على الأرض وهو يقول:
                  "اللهم احفظ محمدًا فى أمته !اللهم لا تشمت بنا أعداءنا من الأمم !
                  اللهم إن كنتَ أخذتَ هذا العالم بذنبى فهذه ناصيتى بين يديك!"
                  .
                  واستمر
                  المهدى
                  فى دعائه وتضرعه حتى انكشفت الريح،
                  وعاد الأمرإلى وضعه الصحيح.
                  وتتبع
                  المهدى الزنادقة والملحدين أعداء الدين،
                  وأمر بتصنيف كتب الجدل للرد عليهم.

                  أمن وعطاء
                  وأشاع عهدًا من السلام بينه وبين العلويين،
                  ولقد سار بالخلافة على الخطة التى وضعها له أبوه،
                  ينظر فى الدقائق من الأمور،ويُظْهِر أبَّهة الوزراء.
                  وكان
                  المهدى أول من جلس للمظالم من بنى العباس
                  ،يقيم العدل بين المتظالمين،
                  ومشى على أثره من بعده
                  الهادى والرشيد والمأمون
                  ،
                  وكان
                  "المهتدى"
                  آخرمن جلس للنظر فيها،
                  وبسط
                  "المهدى" يده فى العطاء،فأذهب جميع ما خلفه المنصور
                  ،
                  وأجرى
                  المهدى
                  الأرزاق على المجذومين وأهل السجون فى جميع الآفاق،
                  وأمر بإقامة البريد بين
                  مكة والمدينة واليمن وبغداد
                  ببغال وإبل،
                  وقد وجد البريد من عهد
                  عمر بن الخطاب،والذى فعله المهدى
                  مزيد من التنظيم له،
                  قال رجل للمهدى
                  :عندى لك نصيحة يا أمير المؤمنين.
                  فقال:لمن نصيحتك هذه ؟
                  لنا أم لعامة المسلمين أم لنفسك؟
                  قال:لك يا أمير المؤمنين.
                  قال:ليس الساعى بأعظم عورة،ولا أقبح حالا ممن قَبِل سعايته،
                  ولا تخلو من أن تكون حاسد نعمة،فلا نشفى غيظك،
                  أو عدوّا فلا نعاقب لك عدوك.
                  ثم أقبل على الناس فقال:لا ينصح لنا ناصح إلا بما فيه رضا لله،
                  وللمسلمين صلاح.

                  وما تكاد سنة 169هـ/ 786م تقبل حتى توفى المهدى
                  -رحمه الله -رحمة واسعة.
                  وتولى الخلافة من بعده الخليفة
                  موسى الهادى.


                  خلافة موسى الهادى
                  ( 169 - 170هـ / 786 - 787م)

                  أوصى
                  المهدى ابنه موسى الهادى
                  قبل أن يموت بقتل الزنادقة،
                  وكان
                  الهادى
                  قوى البأس شهمًا خبيرًا بالملك كريمًا.فجدَّ فى أمرهم،
                  وقتل منهم الكثير.
                  على أن الأمور بينه وبين
                  العلويين
                  لم تكن على ما يرام كما كانت فى عهد أبيه،
                  فقد عادت إلى التوتر بعد فترة السلام التى امتدت طوال فترة خلافة
                  المهدي
                  .
                  ويرجع السبب فى ذلك إلى عاملالمهدىعلىالمدينة
                  ،
                  فقد ظلم بعض آل على-رضى الله عنه- مما جعل
                  الحسين بن على بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب
                  يثورويجتمع حوله كثيرون ويقصدون دارالإمارة،ويخرجون من فى السجون،
                  ثم يخرج الحسين إلى مكة فيرسل له الهادى:"محمد بن سليمان"وتتلاقى جموعهم
                  فى موقعة حاسمة قتل فيها"الحسين"وحمل رأسه إلى
                  موسى الهادى
                  .
                  ونجا من موقعة
                  "الفخ"اثنان من العلويين
                  أحدهما:يحيى بن عبد الله بن الحسن
                  ،
                  أما الثانى فهو
                  أخوه إدريس بن عبد الله
                  .
                  وقد ثارالأول فى عهد
                  الرشيد
                  فقتل
                  أما الثانى وهو
                  إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن
                  فقد تمكن من إثارة
                  أهل المغرب الأقصى(المملكة المغربية حاليّا
                  )على العباسيين،
                  حيث أسس هناك
                  دولة الأدارسة
                  .
                  وعلى الرغم من أن خلافة
                  موسى الهادى
                  كانت قصيرة فإن الفتوحات الإسلامية
                  لم تتوقف مسيرتها؛ فقد غزا
                  "معيوف بن يحيى"
                  الروم ردّا على قيام الروم
                  بغزو
                  حِمْص"الحَدَث"،ولقد دخل معيوفبلاد الروم
                  ،
                  وأصاب سبايا وأسارى وغنائم.
                  ولقى
                  الهادى
                  ربه سنة سبعين ومائة هجرية،
                  وكان رحمه الله موصوفًا بالفصاحة،محبّا للأدب ذا هيبة ووقار،
                  قيل عن الليلة التى مات فيها:
                  هى ليلة مات فيها خليفة وجلس فيها خليفة،وولد خليفة.

                  ف
                  الخليفة الذى مات فيها هوالهادى،والذى جلس فيها على سريره هوالرشيد
                  ،
                  والذى ولد فيها هوالمأمون.




                  خلافة هارون الرشيد
                  الخليفة المفترى عليه
                  (170 - 193هـ/ 788 - 810م)

                  لقد سارالرشيد في إدارته على نهج قويم،
                  وأعاد إلى الخلافة مجدها الذى كان لها على عهد جده المنصور،
                  وما كان مسرفًا ولا بخيلا،وسمى الناس أيامه"أيام العروس"لنضارتها وكثرة خيرها وخصبها،وكانت دولته من أحسن الدول وأكثرها وقارًا ورونقًا وأوسعها مملكة،
                  واتسعت الدولة الإسلامية فى عهد الرشيد،وجاءه الخيرمن كل مكان،وعين الرشيد
                  يحيى بن خالد البرمكى،وجعله كبير وزرائه،وقال له:قد قلدتك أمر الدولة،
                  وأخرجته من عنقى إليك،فاحكم فى ذلك بما ترى من الصواب،واستعمل من رأيت، واعزل من رأيت،وأمض الأمورعلى ما ترى.وسلَّم إليه خاتم الخلافة.

                  إدارة حكيمة
                  أما الولايات فقد فوضها إلى أمراء جعل لهم الولاية على جميع أهلها،
                  ينظرون فى تدبير الجيوش والأحكام،يعينون القضاة والحكام،ويجْبُون الخراج،
                  ويقبضون الصدقات،ويقلدون العمال فيها،ويحمون الدين،ويقيمون حدوده،
                  ويؤمُّون الناس فى صلاة الجمعة،الصلوات الأخرى أويستخلفون عليها،
                  فإذا كانت أقاليمهم ثغرًا متاخمًا للعدو تولوا جهاده.
                  وما قسمت أعمال الدولة منذ انتقالها إلى بنى العباس تقسيمها فى زمن الرشيد،
                  ولذلك كان للخليفة وقت ليحج،ووقت ليغزو،ووقت ليصطاف فى الرقة،
                  ويترك قصرالخلد فى بغداد.

                  لقد كان الرشيد على أشد ما يكون من الانتباه لكل ما صغروكبرمن شئون الملك،
                  ومن أشد الملوك بحثًا عن أسرار رعيته،وأكثرهم بها عناية،وأحزمهم فيها أمرًا؛
                  لذلك فما اشتعلت فتنة فى أرجاء دولته إلا أطفأها.
                  وألغى الرشيد العُشْرالذى كان يؤخذ من الفلاحين والمزارعين بعد النصف،
                  وكان رحمه الله يسدُّ كل خللٍ فى مملكته،ويهتمُّ كل الاهتمام بما يخفف عن الفلاحين.

                  وقد ولّى الرشيد رجلا بعض أعمال الخراج،فدخل عليه يودعه،
                  وعنده يحيى بن خالد البرمكى،وابنه جعفر،
                  فقال الرشيد ليحيى وجعفر:أوصياه.
                  فقال له يحيى:وفِّروعَمِّر.
                  وقال له جعفر:أنصف وانتصف.
                  فقال له الرشيد:اعدل وأَحْسِن.
                  وكتب الرشيد إلى أحد عماله:أجْرِأمورك على ما يكسب الدعاء لنا لاعلينا،
                  واعلم أنها مدة تنتهي،وأيام تنقضى،فإما ذكر جميل،وإما خزى طويل.

                  ومما يعد جديدًا فى تعظيم الحكم أن قاضى الرشيد"أبا يوسف"صاحب أبى
                  حنيفة
                  وتلميذه كان أول من دُعى فى الإسلام قاضى القضاة(وزيرالعدل الآن
                  وكان الرشيد لا يبخل بالمال فى سبيل الدولة،وقد خلف من المال-على كثرة بذله-
                  مالم يخلف أحد مثله منذ كانت الخلافة.
                  قال ابن الأثير:كان الرشيد يطلب العمل بآثارالمنصورإلا فى بذل المال،
                  فإنه لم يُرخليفة قبله كان أعطى منه للمال،وكان لا يضيع عنده إحسان محسن،
                  ولا يؤخرعنده.


                  سياسة رشيدة
                  وكذلك كان الرشيد حكيمًا فى سياسته كما كان حكيمًا فى إدارته،
                  لقد بويع للرشيد عند موت أخيه الهادى،وكان أبوهما قد عقد لهما بولاية العهد معًا، ويروى أن الهادى قد حدثته نفسه بخلع الرشيد،وجمع الناس على تقليد ابنه
                  العهد بعده، فأجابوه،وأحضر"هرثمة بن أعين"،فقيل له:تبايع يا هرثمة؟
                  فقال:يا أمير المؤمنين،يمينى مشغولة ببيعتك،ويسارى مشغولة ببيعة أخيك،
                  فبأى يد أبايع؟

                  فقال الهادى لجماعة الحاضرين:شاهت وجوهكم،والله لقد صدقنى مولاى،
                  وكذبتمونى،ونصحنى فغششتمونى،وسلم إلى
                  الرشيد بحقه فى الولاية بعده.

                  وكانت سياسة الرشيد سياسة رشيدة فى الداخل والخارج،غزا الروم حتى وصل
                  إلى"إسكدار"من ضواحى"القسطنطينية"أيام ولايته العهد،
                  وتغلغل مرة ثانية فى بلادهم وغزاهم فى خلافته بضع غزوات،وأخذ منهم
                  "هرقلية"،وبعث إليه ملكهم بالجزية عن شعبه،واشترط عليه الرشيد ألا يعمر
                  هرقلية،وأن يحمل إليه فى السنة ثلاثمائة ألف دينار.

                  العصر الذهبى
                  وكان"نقفور" قد نقض العهد الذى أعطته الملكة "إرينى"،
                  التى كانت تحكم الروم قبله،وأرسل إلى هارون الرشيد رسالة يهدده فيها:
                  "من نقفورملك الروم إلى هارون ملك العرب:

                  أما بعد؛ فإن الملكة التى كانت قبلى أقامتك مقام الرَّخ(طائرخرافى يعرف بالقوة)، وأقامت نفسها مقام البَيْدق(
                  يعنى مقام الضعيف)،فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أضعافه إليها،لكن ذلك لضعف النساء وحمقهن،فإذا قرأتَ كتابى هذا،فاردد ما حصل لك من أموالها،وافتدِ نفسك بما تقع به المصادرة لك،وإلا فالسيف بيننا وبينك".

                  فلما قرأ الرشيد الرسالة غضب غضبًا شديدًا حتى لم يقدرأحد أن ينظر إليه،
                  فدعا بدواة وكتب إلى نقفورملك الروم ردّا على رسالته يقول:

                  "بسم الله الرحمن الرحيم:من هارون أميرالمؤمنين إلى نقفوركلب الروم،
                  قد قرأت كتابك يابن الكافرة،والجواب ما تراه دون أن تسمعه،والسلام".

                  وقاد بنفسه جيوشًا جرارة،ولقّنه درسًا لا يُنسى،فعاد إلى أداء الجزية صاغرًا،
                  بعد أن خضع أمام قوة المسلمين وعزة نفوسهم.
                  قال عبد الله بن يوسف التيمي :
                  نقض الذي أعطيته نقـفور === فعليه دائرة البوار تدور
                  أبشر أمـير المؤمـنين فإنه === غنم أتاك به الإله كبير

                  وجاء فى فتوح البلدان للبلاذرى:
                  "وقد رأينا من اجتهاد أميرالمؤمنين هارون فى الغزو،ونفاذ بصيرته فى الجهاد أمرًا عظيمًا، وأقام من الصناعة (الأسطول) مالم يقم قبله،وقسم الأموال فى الثغور والسواحل، وهزم الروم وقمعهم".

                  وسمى الرشيد"جبار بنى العباس"؛لأنه أخرج ابنه القاسم للغزو سنة 181هـ،
                  فهزم الروم هزيمة منكرة،أدخلت الرعب فى قلوبهم،فصالحه الروم على أن يرحل
                  عنهم فى مقابل أن يعيدوا إليه كل من أسروهم من المسلمين قبل ذلك،
                  وكان هذا أول فداء فى الإسلام بين المسلمين والروم.
                  وأرسل"على بن عيسى بن ماهان"لغزو بلاد الترك،ففعل بهم مثلما فعل القاسم بن الرشيد بالروم،وسبى عشرة آلاف،وأسر ملكيْن منهم.
                  ثم غزا الرشيد نفسه الروم وافتتح هرقلية،وأخذ الجزية من ملك الروم.
                  وتوطدت الصِّلات بينه وبين"شارلمان"ملك فرنساوجرمانياوإيطالياوتبادلا
                  السفراء،والهدايا.
                  وفى أيامه،خرج"الوليد بن طريف الحرورى"من رءوس الخوارج سنة
                  178هـ/ 795م، فَقُتِل بعد أن استفحل أمره.

                  لقد كان عصرالرشيد وابنه المأمون أرقى عصوربنى العباس قوة وعظمة وثقافة،
                  وهو العصر الذهبى للدولة العباسية.


                  القضاء على البرامكة
                  وقد تحدثت الدنيا عن نكبة"البرامكة"الذين كان منهم وزيرالرشيد،
                  وكانت لهم الكلمة العليا فى البلاد على يديه سنة 187هـ/ 803م،
                  بعدما ظهروا ظهورًا غطى أو قارب أن يغطى على سلطة الرشيد ومكانته،
                  وهو الخليفة.
                  لقد أصبحوا مركزًا من مراكزالقوى فى الدولة العباسية،الأمرأمرهم،
                  والكلمة كلمتهم،والأموال فى أيديهم،فما منعهم ذلك لأن يفسد حالهم،
                  ويسوء سلوك أكثرهم،حتى إن الرشيد كان لا يمر ببلد أو إقليم أو مزرعة
                  أو بستان إلا قيل:هذا لجعفر بن يحيى بن خالد البرمكى.
                  كما قلدوه فى إنفاق الأموال والعطايا والمنح.وضاق الرشيد بالبرامكة،
                  وعزم على أن يقضى عليهم،وتكون نكبتهم على يديه،ونودى فى بغداد:
                  لا أمان للبرامكة إلا محمد بن خالد بن برمك وولده؛لإخلاصهما للخليفة.

                  وكان منهم الوزراء والقادة وأصحاب الرأى،وكانوا من أصل فارسى،
                  فلما حدث منهم ما حدث،امتنع الرشيد عن الوثوق بهم،واختاروزراءه ومستشاريه
                  من العرب،وجعل الفضل بن الربيع الذى كان أبوه حاجبًا للمنصوروالمهدى
                  والهادى وزيرًا له.
                  وكان الفضل بن الربيع شهمًا خبيرًا بأحوال الملوك وآدابهم،
                  فلما ولى الوزارة جمع إليه أهل العلم والأدب.وما زال الفضل ابن الربيع
                  على وزارته حتى مات الرشيد سنة 193هـ/ 809م.

                  العامة وهارون الرشيد
                  وقبل أن ننتقل بحديثنا عن هارون الرشيد إلى غيره من الخلفاء العباسيين،

                  تبقى كلمة لابد من قولها:

                  فقد ارتبط اسم
                  هارون الرشيد فى أذهان العامة بحكايات ألف ليلة وليلة،
                  باللهو والمجون،وما كانت هذه حقيقة الرجل من قريب أو بعيد،وإنما عمد
                  المستشرقون والمستهترون إلى تشويه صورة الرجل،لكى تبدو صورة الخلافة الإسلامية مشوهة،وأن المسلمين قوم لاهَمَّ لهم إلا إشباع غرائزهم،لا يصلحون
                  لقيادة الأمم وعمارة الأرض.

                  أما حقيقة هارون الرشيد،الذى أعز الله به الإسلام والمسلمين،وأذل به أعداء الدين،
                  فهو مسلم حق،وعابد،ومجاهد بنفسه وماله فى سبيل عزة هذا الدين وإعلاء كلمة الله
                  فى أرضه.
                  كان الرشيد يكثرمن صلاة النافلة إلى أن فارق الدنيا،وكان يتصدق وينفق على
                  الحجيج من صلب ماله،وكان يحب الشعروالشعراء،ويميل إلى أهل الأدب والفقه،
                  ويكره المراء فى الدين،ويسرع الرجوع إلى رحاب الحق إذا ذكر.
                  حدث أنه حبس أبا العتاهية الشاعر،ووكَّل به رجلا يكون قريبًا منه لينظرما
                  يقول ويصنع، فكتب أبو
                  العتاهية على الحائط:
                  أما والله إن الظلم لــــؤم وما زال المسىء هو الظلـوم
                  إلى ديان يوم الدين نمضـى وعند الله تجتمع الخصــوم

                  فجاء الرجل فأخبرهارون الرشيد،فبكى الرشيد،وأطلق أبا العتاهية
                  واعتذرإليه واسترضاه.
                  وحج ذات مرة،فرآه الناس وقد تعلق بأستار الكعبة يقول:
                  "يا من يملك حوائج السائلين،ويعلم ضميرالصامتين،صلّ على محمد وعلى
                  آل محمد،واغفر لنا ذنوبنا وكفرعنا سيئاتنا؛يا من لا تضره الذنوب،ولا تخفى عليه العيوب،ولا تنقصه مغفرة الخطايا،صلّ على محمد وعلى آل محمد،
                  وخِره لى فى جميع أمورى.يامن خشعت له الأصوات بأنواع اللغات،يسألونه
                  الحاجات،إن من حاجتى إليك أن تغفر لى ذنوبى إذا توفيتنى،وصُيِّرت فى لحدى،
                  وتفرق عنى أهلى وولوا؛اللهم لك الحمد حمدًا يفضل كل حمد،كفضلك على جميع الخلق؛اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد صلاة تكون له رضا،وصلّ عليه صلاة تكون له ذخرًا،واجزه عنا الجزاء الأوفى.
                  اللهم أحينا سعداء،وتوفنا شهداء،واجعلنا سعداء مرزوقين،
                  ولا تجعلنا أشقياء مرجومين".

                  هذا هوهارون الرشيد،الصورة المضيئة لخليفة المسلمين.
                  والمسلم المحتذى به فى الأمور،ويكفيه شرفًا أنه ما مات حيث مات إلا وهو
                  خارج إلى الرى فى موكب الجهاد لنشر الدين وحماية أرض الإسلام،
                  فرحمة الله عليه.
                  ويأتى بعد عصر الرشيد عصرَا ولديْه الأمين والمأمون.



                  خلافة الأمين
                  (193-198هـ - 809-814م)

                  الأمين بن هارون الرشيد ولد سنة 170هـ/ 787م ببغداد
                  ،
                  أمه
                  "زبيدة"بنت جعفربن المنصور
                  ،
                  فليس فىخلفاء بنى العباسمَنْ أمه وأبوه هاشميان غيرالأمين.
                  بينما أخوه"المأمون"والذى كان يكبره بستة شهور فكانت أمه فارسية
                  ماتت بعد ولادته.

                  غزو الروم
                  وكان الرشيد قد عهد بولاية العهد للأمين وللمأمون من بعده.
                  وليس فى خلافة
                  الأمين
                  والتى دامت قريبًا من خمس سنوات 193-198هـ
                  /809 - 814م شىء يذكر،غيرأنه أعطى المجاهدين مالاعظيمًا ووجه جيشًا
                  تابعا له لغزو
                  الروم،وأعطى مدن الثغور المواجهة للروم
                  شيئًا من عنايته،
                  فأمرفى سنة 193هـ/ 809م ببناء مدينة
                  "أذنة"
                  وأحكم بناءها وتحصينها،
                  وندب إليها الرجال لسكناها،أما فيما عدا ذلك،فقد مرت خلافته فى صراع بينه
                  وبين أخيه
                  المأمون من أجل الخلافة،انتهى بقتل الأمين وانفراد المأمون
                  بالحكم،
                  وكان
                  الأمين قد تلقى علوم الفقه واللغة من الكسائى،وقرأ عليه القرآن.

                  مقتل الأمين
                  ونشبت حروب بين الأمين والمأمون بسبب رغبة الأمين فى خلع أخيه من ولاية
                  عهده وتولية ولده مكانه،ورفض
                  المأمون
                  ذلك،فشجعه قادته حتى استعرت الحرب
                  بين الأخوين،وانتهت بانتصار
                  المأمون وقتل الأمين سنة198هـ.


                  خلافة المأمون
                  (198-218هـ - 814-833م)

                  أصبح الأمر فى
                  المشرق والمغرب تحت سلطان المأمون

                  وهو سابع خلفاء بنى العباس،لقد كان المأمون
                  فى ذلك الوقت واليًا من قبل
                  والده على
                  "خراسان"وكان يقيم فى عاصمتها "مرو"
                  ،وكان من الطبيعى أن
                  يفضِّلها بعد أن انفرد بالخلافة.
                  إنها تضم أنصاره ومؤيديه،فهو هناك فى أمان واطمئنان،وكان
                  الفرس يودون أن يبقى "بمرو" لتكون عاصمة الخلافة،ولكنها بعيدة عن مركزالدولة،وهى أكثراتجاهًا نحو الشرق،مما جعل سيطرتها على العرب ضعيفة،بل إن أهل بغداد
                  أنفسهم دخلوا
                  فى عدة ثورات ضد
                  المأمون
                  ؛حتى إنهم خلعوه أخيرًا،وبايعوا بدلاً منه عمه
                  إبراهيم بن المهدى
                  .
                  واضطر
                  المأمون أخيرًا أن يذهب إلى بغداد وأن يترك"مرو"للقضاء على هذه
                  التحركات فى مهدها.

                  الإحسان إلى الشيعة
                  كان معظم أعوان المأمون من الفرس،ومعظمهم من الشيعة،ولهذا اضطرالمأمون
                  لممالأه الشيعة وكسبهم إلى جانبه،فأرسل إلى زعماء العلويين
                  أن يوافوه فى
                  عاصمته(
                  وكانت مرو فى ذلك الوقت
                  )،فلما جاءوه أحسن استقبالهم،
                  وأكرم وفادتهم،وما لبث بعد قليل أن عهد بولاية العهد إلى
                  "على الرضا"
                  وهى طبعًا خطوة جريئة؛لأن فيها نقلا للخلافة من البيت العباسى
                  إلى
                  البيت العلوى
                  .
                  ولم يكتفِ بهذا،بل غيرالشعارمن السواد وهو شعارالعباسيين إلى الخضرة
                  وهى شعارالعلويين.

                  ورغم اعتراض أقاربه من العباسيين،فإن المأمون
                  كان مصرًّّا على هذا الأمر،
                  إذ كان يعتقد أن ذلك من بر
                  على بن أبى طالب
                  -رضى الله عنه-.
                  وجاءت عمة أبيه
                  زينب بنت سليمان بن على،وكانت موضع تعظيم العباسيين

                  وإجلالهم،وهى من جيل
                  المنصور
                  ،
                  وسألته:ما الذى دعاك إلى نقل الخلافة من بيتك إلى بيت على؟
                  فقال:يا عمة،إنى رأيت عليّا حين ولى الخلافة أحسن إلى بنى العباس،
                  وما رأيت أحدًا من أهل بيتى حين أفضى الأمر إليهم(وصل إليهم)
                  كافأه على فعله،فأحببت أن أكافئه على إحسانه.

                  فقالت:يا أميرالمؤمنين إنك على بِرِّبنى علىّ والأمر فيك،أقدر منك على برهم،
                  والأمر فيهم.

                  ولكن لم يلبث"على الرضا"
                  أن مات وكان ذلك فى سنة 203هـ/ 819م،
                  وعلى كل حال لقد استطاع
                  المأمون ببيعة"على الرضا"
                  أن يقوى من سلطانه؛
                  لأنه بهذه البيعة أمن جانب
                  العلويين.ولكن قامت ضد الخليفة المأمون
                  ثورات
                  عديدة اختلفت فى مدى عنفها وشدتها،واستطاع القضاء عليها جميعًا.

                  ثورة مصر
                  وكان أخطرهذه الثورات جميعًا ثورة مصر؛ذلك أن جند مصر
                  كانوا قد اشتركوا
                  فى خلافات
                  الأمين والمأمون
                  كل فريق فى جانب،وبعد أن انتهى الخلاف بفوز
                  المأمون، ظل الخلاف قائمًا بين جند مصر
                  ،وأصبح موضع الخلاف التنافس على
                  خيرات
                  مصر
                  ، فكان الجند يجمعون الخراج لا ليرسل للخليفة،
                  بل ليحتفظوا به لأنفسهم.
                  وقد قامت جيوش
                  المأمون كثيرًا بمحاربتهم مع أهل مصرالذين شاركوا فى هذه الثورات،ولكن هذه الثورات ما لبثت أن أشعلت من جديد حتى أرسل إليهم جيشًا ضخمًا،فاستطاع القضاء على الثورة نهائيًا،كما تمكن قائده"طاهربن الحسين"

                  من القضاء على ثورات العرب أنصار
                  الأمين،
                  وهكذا سيطرعلى الدولة سكون وهدوء.

                  انتشار الإسلام
                  وكان المأمون يكتب إلى عمّاله على خراسان فى غزو من لم يكن على الطاعة
                  والإسلام من أهل
                  ما وراء النهر،ولم يغفل المأمون عن قتال الروم
                  ،بل غزاهم أكثر
                  من مرة،وخرج بنفسه على رأس الجيوش الإسلامية لغزو
                  الروم
                  سنة
                  215هـ/830م،فافتتح حصن
                  "قرة"
                  وفتح حصونًا أخرى من بلادهم،
                  ثم رحل عنها،وعاود غزو
                  الروم فى السنة الثالثة سنة 216هـ،ففتح"هرقلة"
                  ثم وجّه قواده فافتتحوا مدنًا كبيرة وحصونًا،وأدخلوا الرعب فى قلوب الرومان
                  ،
                  ثم عاد إلى
                  دمشق،ولما غدرالروم ببعض البلاد الإسلامية غزاهم المأمون
                  للمرة
                  الثالثة وللعام الثالث على التوالى سنة 217هـ، فاضطر
                  الروم
                  تحت وطأة الهزيمة
                  إلى طلب الصلح.
                  يرحم الله
                  المأمون،لقد كان عصره من أزهى عصورالثقافة العربية.

                  أخلاق المأمون
                  كان يقول:أنا والله أستلذ العفو حتى أخاف ألا أؤجر عليه،ولوعرف الناس
                  مقدارمحبتى للعفو؛ لتقربوا إلى بالذنوب!

                  وقال:إذا أصلح الملك مجلسه،واختارمن يجالسه؛صلح ملكه كله.
                  ورفع إليه أهل الكوفة
                  مظلمة يشكون فيها عاملا؛
                  فوقَّع:عينى تراكم،وقلبى يرعاكم،وأنا مولّ عليكم ثقتى ورضاكم.وشغب الجند
                  فرفع ذلك إليه،فوقَّع:لا يعطون على الشغب،ولا يحوجون إلى الطلب.

                  ووقف
                  أحمد بن عروة بين يديه،وقد صرفه على الأهواز،فقال له المأمون
                  :
                  أخربتَ البلاد،وأهلكت العباد
                  فقال:يا أمير المؤمنين،ما تحب أن يفعل الله بك إذا وقفتَ بين يديه،
                  وقد قرعك بذنوبك؟ فقال:العفو والصفح.
                  قال:فافعل بغيرك ما تختارأن يفعل بك.
                  قال:قد فعلت..
                  ارجع إلى عملك فوالٍ مستعطِف خير من وال مستأنف.

                  وكتب إلى
                  على بن هشام
                  أحد عماله،وقد شكاه غريم له:
                  ليس من المروءة أن تكون آنيتك من ذهب وفضة ويكون غريمك عاريًا،
                  وجارك طاويًا.

                  وهكذا كان
                  المأمون..حتى لقد وصفه الواصفون بأنه من أفضل رجال بنى العباس
                  حزمًا وعزمًا وحلمًا وعلمًا ورأيًا ودهاءً،وقد سمع الحديث عن عدد كبير من
                  المحدّثين،وبرع فى الفقه واللغة العربية والتاريخ،وكان حافظًا للقرآن الكريم.

                  النهضة العلمية
                  جاء فى كتاب قصة الحضارة:أنه أرسل إلى القسطنطينية وغيرها من المدن
                  الرومانية يطلب أن يمدوه بالكتب اليونانية،خاصة كتب الطب والعلوم الرياضية،
                  وعندما وصلت هذه الكتب إلى أيدى المسلمين قاموا بترجمتها وفحصها ودراستها،
                  وأنشأ
                  المأمون فى بغداد"بيت الحكمة"
                  سنة 214هـ/829م،
                  وهو مجمع علمى،ومكتبة عامة،ومرصد فلكى،وأقام فيه طائفة من المترجمين،
                  وأجرى عليهم الأرزاق من بيت المال،فاستفاد المسلمون من هذه الكتب العلمية،
                  ثم ألفوا وابتكروا فى كافة العلوم،التى أسهمت فى نهضة أوروبا يوم أن احتكت
                  بالعرب فى الحروب الصليبية وغيرها.
                  وكان للمدارس التى فتحها
                  المأمون
                  فى جميع النواحى والأقاليم أثرها فى نهضة
                  علمية مباركة.
                  إلا أن الاطلاع على بعض فلسفات الأمم الأخرى قد جعل العقل يجتهد فى أمور
                  خارج حدوده وتفكيره،ومن هنا نشأ الفكرالاعتزالى الذى يُعْلى من قيمة العقل،
                  ويجعله حكمًا على النص دون حدود أو قيود.

                  الإسلام قد رفع من العقل،لكنه حدد له حدودًا يعمل فيها.

                  لقد سمح المأمون
                  لأولئك الذين اعتمدوا على العقل والمنطق فى كل شىء بالتعبير
                  عن آرائهم،ومعتقداتهم،ونشر مبادئهم من غيرأن يتقيدوا بقيد أو يقفواعند حد،
                  فكان هذا من سوءاته التى أحدثت بين علماء المسلمين فتنة دامت تسع عشرة سنة،
                  إلى أن شاء الله تعالى لتلك الفتنة أن تخمد،ولقد وصف
                  الإمام السيوطىالمأمون

                  بقوله:
                  "إنه كان من أفضل رجال بنى العباس لولا ما أتاه من محنة الناس"
                  .
                  وانتقل
                  المأمون إلى مولاه -سبحانه وتعالى- بعد حياة حافلة بالإنجازات
                  فى مختلف نواحى الدولة.

                  يُتبع إن شاء الله ،،،

                  __________________


                  تعليق


                  • #10
                    رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة


                    خلافة المعتصم
                    (218-227هـ - 833-842م)

                    تولى"المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد"الخلافة بعد أخيه المأمون،
                    لقد بويع له بالخلافة يوم مات أخوه المأمون بـ"طرسوس".

                    بناء سامرَّاء
                    فى سنة 221هـ بنى المعتصم مدينة "سُرَّ مَنْ رَأَى" أو"سَامِرَّاء"؛
                    وذلك أن بغداد ضاقت بكثرة الغلمان الترك الذين جلبهم المعتصم،

                    فاجتمع إليه رجال من بغداد،
                    وقالوا:إن لم تخرج عنا بهذا الجند حاربناك.
                    قال:وكيف تحاربوننى؟
                    قالوا:بسهام الأسحار.
                    قال:لا طاقة لى بذلك،
                    فكان ذلك سبب بنائه
                    "
                    سُرَّ مَنْ رَأَى"وإقامته بها.

                    فتح عمورية
                    ولا ينسى التاريخ للمعتصم"فتح عمورية"سنة 223هـ/ 838م،
                    يوم نادت باسمه إمرأة عربية على حدود بلاد الروم اعتُدِىَ عليها،
                    فصرخت قائلة:وامعتصماه!
                    فلما بلغه النداء كتب إلى ملك الروم:
                    "من أميرالمؤمنين المعتصم بالله،إلى كلب الروم،
                    أطلق سراح المرأة،وإن لم تفعل،
                    بعثت لك جيشًا،أوله عندك وآخره عندى.
                    ثم أسرع إليها بجيش جرار
                    قائلا:لبيك يا أختاه!"

                    وفى هذه السنة (223هـ)غزا الروم وفتح"عمورية"،
                    وسجل أبو تمام هذا الفتح العظيم فى قصيدة رائعة.
                    هذا هوالمعتصم رجل النجدة والشهامة العربية،
                    كتب إليه ملك الروم كتابًا يتهدده فيه،
                    فأمرأن يكتب جوابه،
                    فلما قرئ عليه لم يرضه،وقال للكاتب:اكتب.
                    بسم الله الرحمن الرحيم..أما بعد، فقد قرأت كتابك،
                    والجواب ما ترى لا ما تسمع:
                    (وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار) [الرعد:42].

                    قال إسحق الموصلى:سمعتُه يقول:
                    من طلب الحق بما هُو له وعليه؛أدركه.

                    مواجهة الثورات
                    لقد تحركت فى عهده ثورات:
                    ثورة الزط،وهم قوم من السند(باكستان وبنجلاديش الآن
                    وانضم إليهم نفرمن العبيد فشجعوهم على قطع الطريق،وعصيان الخليفة،
                    وكان ذلك سنة 220هـ/835م؛
                    حيث عاثوا بالبصرة فسادًا،وقطعوا الطريق ونهبوا الغلات،فندب"المعتصم"
                    أحد قواده بقتالهم وانتصر عليهم.

                    وكانت هناك طائفة أخرى تسمى"الخُرَّمية" تنسب إلى أحد الزنادقة،
                    ويسمى بابك الْخُرَّمى،وانضم خلق كثير من أهل فارس حول هذا الشيطان اللعين،
                    وكان أول ظهورلهم سنة 021هـ،واستفحل أمرهم،
                    فلما صارالأمر إلى المعتصم سنة 220هـ/ 835م،
                    أخذ فى إصلاح ما أفسده الخرمية بقيادة الأفشين حيدربن كاوس،
                    فتمكن من الانتصارعليهم،وجىء بزعيمهم بابك إلى المعتصم فأمربقطع يدى
                    بابك ورجليه،ثم جز رأسه وشق بطنه لعنه الله.
                    لقد قتل من المسلمين فى مدة ظهوره مائتى ألف وخمسة وخمسين ألف
                    وخمسمائة إنسان،وأسر خلقًا لا يحصون،وأباح الحرمات،ونكاح المحرمات.

                    وثارأحد العلويين بـ"الطالقان" من"خراسان"وهو
                    محمد بن القاسم بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب،
                    فقاتله عبد الله ابن طاهرمرة بعد أخرى حتى قبض عليه وسيق إلى السجن.
                    وهكذا كانت تقوم ثورات ويقضى عليها،ولكن ذلك لم يمنع المعتصم من الاهتمام بالعمران والبناء فبنى مدينة سامرّاء أو(سر من رأىشرقى نهردجلة،
                    ومد إليها نهرًا سماه نهرالإسحاقى.
                    وعندما احترقت"سوق الكرخ"عوض التجارعن خسائرهم،
                    واهتم بالبريد فى أيامه حتى أصبحت الرسائل تصل بسرعة أكثر
                    مما كانت عليه من قبل.

                    الاستعانة بالترك
                    وإذا كان سابقوه من الخلفاء قد استعانوا بالفرس،
                    فإن المعتصم كان محبّا للعنصرالتركى،حتى اجتمع له منهم أربعة آلاف جندى،
                    وأقطعهم الإقطاعات الكبيرة فى مدينة سامرّاء حتى لايضايق أهل بغداد،
                    وكما كان للفرس دورهم فى حياة الدولة العباسية منذ نشأتها فإن العنصرالتركى
                    أصبح له دوره.
                    رحمه الله، لقد كانت خلافته ثمانى سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام،
                    وهو ثامن الخلفاء من بنى العباس،ومات عن ثمانية بنين وثمانى بنات،
                    وتولى الخلافة سنة ثمان عشرة ومئتين،وفتح ثمانية فتوح فكان يلقب بالمثمن
                    ،
                    وكان طيب النفس،ومن أعظم الخلفاء وأهيبهم.

                    ألا الأن ننادى فى كل أرض العروبة!!

                    وامعتصمــــــــــــــــــــاه!!!!!!


                    يُتبع ،،،،
                    __________________


                    تعليق


                    • #11
                      رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة


                      خلافة الواثق بالله
                      (227-232هـ/ 842-847م)

                      ولقى المعتصم ربه،وجاء من بعده ابنه الواثق بالله هارون بن المعتصم
                      سنة 227هـ/ 842م.

                      أدب الواثق
                      وكانوا يسمونه المأمون الصغيرلأدبه وفضله،
                      وكان المأمون يجلسه وأبوه المعتصم واقف،
                      وكان يقول:يا أبا إسحاق لا تؤدب هارون،فإنى أرضى أدبه،
                      ولا تعترض عليه فى شىء يفعله.

                      قال حمدون نديم المتوكل:ما كان فى الخلفاء أحلم من الواثق
                      ولا أصبرعلى أذى وخلاف.
                      دخل مؤدب الواثق هارون بن زياد عليه،فأكرمه الواثق،
                      وأظهرمن بره ما شهّره به،
                      فقيل له:يا أمير المؤمنين؛مَنْ هذا الذى فعلتَ به ما فعلت ؟
                      قال:هذا أول من فَتَق لسانى بذكر الله،وأدنانى من رحمته.


                      وقال يحيى بن أكثم:لم يحسن أحد من خلفاء بنى العباس
                      إلى آل أبى طالب إحسان الواثق،ما مات وفيهم فقير.

                      قال الواثق لابن أبى دُؤاد وزيره،
                      وقد رجع من صلاة العيد:هل حفظت من خطبتى شيئًا؟
                      قال:نعم قولك يا أمير المؤمنين:"ومن اتبع هواه شرد عن الحق منهاجه،
                      والناصح من نصح نفسه،وذكر ما سلف من تفريطه،فطهرمن نيته،
                      وثاب من غفلته،فورد أجله،وقد فرغ من زاده لمعاده،فكان من الفائزين".

                      هذا هوالواثق بالله،كانت خلافته خمس سنوات،
                      قضى فيها على الثورات التى قامت فى عهده،ولقَّن الخارجين على الدين
                      والآداب العامة درسًا لا ينسى،وعزل من انحرف من الولاة،
                      وصادرأموالهم التى استولوا عليها ظلمًا وعدوانًا،
                      وأغدق على الناس بمكة والمدينة حتى لم يبقَ سائل واحد فيهما.

                      وفى عهده فتحت جزيرة"صقلية"،
                      فتحها الفضل بن جعفرالهمدانى سنة 228هـ/ 843م.

                      وقد رأينا أن العصر العباسى الأول قد اشتمل على عهود تسعة خلفاء
                      يبدأ حكمهم بأبى العباس السفاح سنة 132هـ/ 750م،
                      وينتهى بتاسع الخلفاء العباسيين وهو الواثق الذى توفى سنة 232هـ/ 847م.

                      ولم يكد عهد المعتصم ينتهى حتى ساد الضعف والانحلال
                      وأخذا يزيدان يومًا بعد يوم حتى انتهت الدولة العباسية على يد
                      هولاكو التترى سنة 657هـ/ 1258م،
                      وكأن هذه الدولة التى عاشت خمسة قرون لم تكن زاهرة إلا فى قرنها
                      الأول ثم عاشت قرونها الأربعة الباقية فى ضعف متزايد.


                      وإلى هنا ينتهى العصر العباسى الأولــ ،،
                      ويبدأ العصر العباسى الثانى
                      وهذا ما سوف نتحدث عنه تالياً

                      يُتبع ،،،،


                      __________________


                      تعليق


                      • #12
                        رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

                        العصر العباسى الثانى
                        (عصر نفوذ الأتراك)
                        (232-334هـ/847 -946م)

                        يبدأ
                        العصرالعباسى الثانى بخلافة المتوكل
                        سنة 232هـ/ 847م،
                        وينتهى فى 334هـ/ 946م،فى خلافة
                        المستكفى بالله

                        عبدالله بن المكتفى بن المعتضد
                        .
                        ويعرف
                        العصر العباسى الثانى بعصر"نفوذ الأتراك"

                        حيث برزالعنصرالتركى،واستأثر بالمناصب الكبرى فى الدولة،
                        وسيطرعلى الإدارة والجيش.

                        وقد تمت الاستعانة بهذا العنصرالتركى المجلوب من إقليم "تركستان"
                        و"بلاد ما وراء النهر"،استعان بهم المأمون والمعتصم
                        فى
                        "العصرالعباسى الأول"
                        .
                        وظهرت بوادر هذا الضعف فى مستهل هذا العصرالذى تختلف ملامحه
                        عن
                        العصرالعباسى الأول.

                        ..................................


                        خلافة المتوكل
                        (232 - 247هـ/ 947 - 861م)

                        هوعاشرالخلفاء العباسيين
                        ،
                        المتوكل على الله جعفربن المعتصم بن الرشيد
                        .
                        لقد بويع له بعد
                        الواثق،و
                        بدأ عهده بداية موفقة،فقد أمربإظهار السنة،
                        والقضاء على مظاهرالفتنة التى نشأت عن القول بخلق القرآن.

                        وكتب إلى كل أقاليم الدولة بهذا المعنى،ولم يكتف بهذا،
                        بل استقدم المحدِّثين والعلماء إلى مدينة
                        "سامرَّاء"
                        وطلب منهم أن
                        يحدثوا بحديث أهل السنة لمحو كل أثرللقول بخَلْق القرآن،
                        وراح العلماء يتصدون لإحقاق الحق،وإبطال الباطل،
                        وأظهر
                        المتوكل إكرام الإمام"أحمد بن حنبل"
                        الذى قاوم البدع،
                        وتمسك بالسنن،وضرب وأوذى وسجن.
                        لقد استدعاه
                        المتوكل إليه من"بغداد"إلى"سامراء"
                        وأمر له بجائزة سنية،
                        لكنه اعتذرعن عدم قبولها،فخلع عليه خِلْعَةً عظيمة من ملابسه،
                        فاستحيا منه
                        الإمام أحمد
                        كثيرًا فلبسها إرضاء له،ثم نزعها بعد ذلك.
                        ويذكر
                        للمتوكل تعيينه ليحيى بن أكثم
                        لمنصب قاضى القضاة،
                        وكان
                        يحيى بن أكثم من كبار العلماء،وأئمة السنة،ومن المعظمين للفقه والحديث.
                        هذا ولم يَخْلُ عهده من فتن وثورات قضى عليها وأعاد الأمن والطمأنينة للبلاد.

                        غارات الروم
                        وفى سنة 238هـ قام الروم بغزو بحرى مفاجئ من جهة دمياط،
                        وهم الذين أدبهم
                        المعتصم وأخرسهم فى واقعة عمورية
                        ،
                        لكنهم بعثوا بثلاثمائة مركب وخمسة آلاف جندى إلى
                        دمياط
                        ،
                        وقتلوا من أهلها خلقًا كثيرًا،وحرقوا المسجد الجامع والمنبر،
                        وأسروا نحو ستمائة إمرأة مسلمة،وأخذوا كثيرًا من المال والسلاح والعتاد،
                        وفرّالناس أمامهم،وتمكن الجنود
                        الرومان
                        من العودة إلى بلادهم منتصرين.
                        ولم تمضِ ثلاث سنوات على هذا الغزو حتى عاود
                        الروم
                        عدوانهم على البلاد؛
                        فأغاروا على ثغرمن الثغور يسمى"
                        عين زربة"
                        (بلد بالثغور قرب المصيصة بتركيا حصَّنها الرشيد

                        وأسروا بعض النساء والأطفال،واستولوا على بعض المتاع.

                        واستمرت المناوشات ومعارك الحدود بين
                        الروم والمسلمين
                        منذ سنة
                        238هـ -853م وحتى سنة 246هـ-860م بقيادة
                        على بن يحيى الأرمنى
                        .
                        وكان الروم قد أجهزوا على كثيرمن أسرى المسلمين الذين رفضوا
                        التحول إلى
                        النصرانية؛لأن أم ملك الروم كانت تعرض النصرانية
                        على الأسارى فإن رفضوا تقتلهم،وتم تبادل الأسرى بمن بقى حيّا من
                        المسلمين فى السنتين الأخيرتين.

                        غارات الأحباش
                        وعلى حدود مصر وبالقرب من بلاد النوبة،كان المصريون يعكفون على
                        استخراج الذهب والجواهر الكريمة،وإذا بطائفة من
                        الأحباش
                        على مقربة من
                        "عيذاب"على البحر الأحمريعرفون باسم"البجة"
                        يهجمون على تلك المناجم،
                        ويقتلون عددًا كبيرًا من عمالها المسلمين،ويأسرون بعض نسائهم وأطفالهم
                        مما جعل العمل فى هذه المناجم يتوقف أمام هذه الهجمات.
                        ويحاط
                        المتوكل
                        علمًا بما حدث،ويستشير معاونيه،ولكن معاونيه أخبروه
                        بما يعترض إرسال الجيش من عقبات تتمثل فى أن أهل
                        "البجة"
                        يسكنون الصحارى،
                        ومن الصعب وصول جيش
                        المتوكل
                        إليهم،فلم يرسل إليهم فى بادئ الأمر،
                        وتمادى
                        البجة فى عدوانهم وتجرءوا،فأخذوا يُغيرون على أطراف الصعيد
                        ،
                        حتى خاف أهله على أنفسهم وذرياتهم،واستغاث
                        أهل الصعيد بالمتوكل
                        ،
                        فجهز جيشًا بقيادة
                        محمد بن عبد الله القمى
                        من عشرين ألف رجل،
                        على أن يعينه القائمون بالأمرفى
                        مصربما يحتاج إليه الجيش
                        من طعام وشراب ومؤن.
                        والتقى الجيش مع هؤلاء المتمردين المعتدين،حتى فرقهم وقضى على
                        جموعهم سنة 241هـ/ 856م،قاتلهم الله!لقد كانوا من عُبَّادِ الأصنام.

                        إصلاح الداخل
                        وحاول المتوكل إصلاح ما فسد،فراح يعزل الكثيرمن عمال الولايات،
                        ويصادرأملاكهم بعد أن عَمَّت الشكوى،وتفشى الفساد،مثلما عزل
                        يحيى بن أكثم
                        عن القضاء،وولى جعفربن عبدالواحد مكانه،وكذلك عزل عامله على المعونة
                        أبا المغيث الرافعى وعين مكانه محمد بن عبدويه.

                        ريح شديدة
                        ولكنه لم يكد يُحكم سيطرته على العمال والولاة حتى هبت ريح سَمُوم،
                        أكلت الأخضرواليابس،وأهلكت الزرع والضرع فى
                        الكوفة والبصرة وبغداد،
                        واستمرت خمسين يومًا أوقفت فيها حركة الحياة،وقتلت خلقًا كثيرًا.

                        زالزال مدمر
                        ويشاء الله أن يأتى زلزال فيؤدى إلى قتل عدد كبير من الناس،
                        لقد بدأت الزلازل فى السنة التى تولى فيها
                        المتوكل
                        أمرالمسلمين حيث
                        تعرضت
                        دمشق
                        لزلزلة هائلة تهدمت بسببها الدوروالمنازل،
                        وهلك تحتها خلق كثير.
                        وامتدت الزلزلة إلى
                        أنطاكية فهدمتها،وإلى الجزيرة العراقية
                        فقضت عليها،
                        وإلى
                        الموصل
                        فأدت إلى وفاة خمسين ألفًا.وفى سنة 242هـ/ 857م،
                        زُلْزِلَت الأرض زَلْزلَةً عظيمة
                        "بتونس"وضواحيها،و"الرَّى" و"خراسان"، و"نيسابور"،و"طبرستان"،و"أصبهان"،
                        وتقطعت الجبال،وتشققت الأرض،ومات من الناس خلق كثيرون.
                        أما فى سنة 245هـ،فقد كثرت الزلازل،وشملت أماكن عديدة حتى قيل:
                        إنها عمت الدنيا.وكان لابد أن تصاب الحياة بالشلل،
                        ويعم الخراب والدماروالبؤس.

                        ورع المتوكل
                        هذا هوالمتوكل،وهذا هو عصره،
                        يقول أحد المقربين إليه:
                        قال المتوكل:إذا خرج توقيعى إليك بما فيه مصلحة للناس،ورفق بالرعية،
                        فأنفذْه ولا تراجعنى فيه،وإذا خرج بما فيه حَيْف(ظلم)على الرعية فراجعنى؛
                        فإن قلبى بيد الله-عز وجل-.

                        يقول المؤرخون:إن الخلافة طبعت فى هذا العصر بطابع الوهن والضعف
                        لازدياد نفوذ الأتراك فى الدولة العباسية حتى أصبح خلفاء هذا العصرالعباسى الثانى مسلوبى السلطة،ضعيفى الإرادة،بسبب تدخل الأتراك فى شئون الدولة،وتنصيب من يشاءون،وعزل من يشاءون،أو قتله،كما طبع هذا العصربطابع تدخل النساء فى شئون الدولة،وكثرة تولية الوزراء وعزلهم،وتولية العهد أكثرمن واحد مما أدى إلى قيام المنافسة بين أمراء البيت الواحد.

                        خلافة المنتصر
                        (247-248هـ /861-862م)

                        فى سنة ( 247هـ /861م) ولَّى
                        المتوكل
                        أولاده الثلاثة:
                        المنتصر
                        ،
                        و
                        المعتز
                        ،
                        و
                        المؤيّد
                        العهد،
                        وقدم ابنه
                        المعتزعلى المنتصر
                        ،
                        فأدى ذلك إلى اغتيال الخليفة
                        المتوكل بيد ابنه المنتصر
                        ،
                        وتحريض
                        الأتراك
                        .ولا عجب،
                        فقد حاول بعض هؤلاء
                        الأتراك اغتيال هذا الخليفة بدمشق
                        من قبل،
                        ولكنهم لم يفلحوا،فانتهزوا فرصة غضب
                        المنتصر
                        على أبيه وانضموا إليه،
                        وقتلوه،ويجلس الابن القاتل على العرش مكان أبيه،
                        وينضم إليه
                        الأتراك
                        ثانية للتخلص من أخويه لكيلا ينتقما منه
                        لأبيهما وخاصة
                        المعتز
                        .


                        خلافة المستعين
                        (248-251هـ /862-865م)

                        وعلى الرغم من قصرعهد
                        المنتصر
                        (247- 248هـ)،
                        فكانت خلافته ستة أشهر وأيامًا،
                        فإن
                        الأتراك عملوا على تحويل الخلافة من أبناء المتوكل إلى أبناء المعتصم
                        ،
                        فولوا
                        أحمد بن المعتصم ولقبوه بـالمستعين
                        .
                        وفى عهده تفاقم نفوذ
                        الأتراك
                        وعلى رأسهم:
                        "بُغَا الكبير"
                        ،
                        و
                        "بغا الصغير"
                        ،
                        و
                        "أتامش"
                        ،
                        و
                        "باغر"
                        ،
                        ولم يلبث بعض هؤلاء
                        الأتراك
                        الذين أجلسوا هذا الخليفة على العرش
                        أن انقلبوا عليه بعدما أشيع عن عزمه الفتك بهم،ومن ثم قامت فتن وحروب،
                        وانتهى الأمر بعزل
                        المستعين وتولية المعتزبن المتوكل
                        .
                        ولم يكتف
                        الأتراك بعزل المستعين ونفيه إلى"واسط"
                        ،بل قتلوه.
                        لقد كان
                        المستعين
                        -رحمه الله- مستضعفًا فى رأيه وتدبيره،
                        ولم يكن له حيلة مع
                        الأمراء الأتراك.


                        خلافة المعتز
                        (251-255هـ /865-869م)

                        ذهب
                        المستعين وجاء المعتزبن المتوكل
                        ،
                        وكان الخليفة الجديد ألعوبة فى أيدى
                        الأتراك
                        ،مسلوب السلطة،مكسورالجناح!
                        ولا عجب فإن وجوده فى الحكم مرتبط برضا أولئك
                        الأتراك
                        عنه،
                        وياويله إن غضبوا عليه!
                        لقد تغلغل نفوذهم فى الدولة،وتسلطوا على حياة الخلفاء.
                        وكان الخليفة
                        المعتز
                        يخاف منهم،ولا يهنأ بالنوم،
                        ولا يخلع سلاحه فى ليل ولا نهار،
                        خوفًا من أولئك الأتراك وعلى رأسهم
                        "بغا الصغير".

                        الاستعانة بالمغاربة والفراغنة
                        لم يكن أمامه إلا أن يستعين بالمغاربة والفراغنة للتخلص من الأتراك
                        الذين عملوا بدورهم على التخلص منه،وطالبوه برواتبهم،
                        وثاروا فى وجهه،وقبضوا عليه،وقتلوه بعد أن مثلوا به.


                        خلافة المهتدى
                        (255- 256هـ/869 - 870م)

                        سيطرة الأتراك
                        لقد ودعنا المعتزلنستقبل المهتدى
                        .ولم يكن فريدًا بين خلفاء عصره،
                        ولا متميزًا،بل كان كغيره من الخلفاء العباسيين الأواخر،
                        ألعوبة فى أيدى أولئك
                        الأتراك وخاصة"موسى بن بغا"
                        ،
                        وليس أدل على ذلك من أن كتاب صاحب البريد
                        "بهمذان"
                        لما ورد على المهتدى بفصل موسى بن بغا
                        عنها
                        (
                        وهى ثغرمن ثغوربلاد الإسلام
                        )
                        رفع
                        المهتدى
                        يديه إلى السماء،ثم قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
                        "اللهم إنى أبرأ إليك من فعل موسى بن بغا وإخلاله بالثغروإباحته العدو،
                        فإنى قد أعذرت إليه فيما بينى وبينه،اللهم تولَّ كيد من كايد المسلمين،
                        اللهم انصرجيوش المسلمين حيث كانوا،اللهم إنى شاخص بنيتى واختيارى
                        إليك حيث نكب المسلمون فيه،ناصرًا لهم ودافعًا عنهم،
                        اللهم فأْجرنى بنيتى إذ عدمت صالح الأعوان.
                        ثم انحدرت دموعه واستغرق فى البكاء".


                        ورع المهدى
                        وإن كان يمتاز بشىء فإنه كان أحسنهم سيرة وأظهرهم ورعًا،
                        وأكثرهم عبادة حتى إنه تشبه ب
                        عمربن عبدالعزيز
                        ،وجلس للمظالم،
                        وحاول أن يستعين ببعضهم على بعض،
                        لكن كان من الصعب عليه أن يحقق ما يريد وزمام الجيش فى يد
                        الأتراك،ولانتقاض"بايكباك"
                        عليه وكان بالأمس نصيره،
                        وانضمامه إلى
                        "موسى بن بغا".

                        مصرع الخليفة
                        وقد استعان المهتدى عَلَى موسى بن بغا وبايكباك بالفراغنة والمغاربة،
                        ودارت بين
                        المهتدى وأعوانه وبين بايكباك واقعة انتهت بهزيمة المهتدى

                        وأعوانه من
                        الفراغنة والمغاربة
                        وفرارهم،
                        وفر
                        المهتدى هاربًا إلى دارأبى صالح بن يزداد فدخلها ونزع ثيابه وسلاحه،
                        فذهب إليه نحو من ثلاثين رجلا فأخذوه من البيت وهو جريح
                        وعذبوه حتى مات بعدها بيومين سنة 256هـ/ 870م.


                        خلافة المعتمد على الله
                        (256-279هـ/870-892م)

                        أما الخليفة الجديد وهو
                        المعتمد على الله أحمد بن المتوكل بن المعتصم
                        ،
                        فقد اعتلى العرش على أيدى
                        الأتراك الذين أخرجوه من"الجوسق"
                        الذى حبسه فيه المهتدى
                        ،
                        وكان كما يقول السيوطى:
                        "أول خليفة قهروحجرعليه ووُكِّل به".

                        نفوذ أخيه الموفق
                        ولا عجب فقد شل أخوه"أبو أحمد الموفق طلحة" يده عن مباشرة أمورالدولة
                        حتى أصبح مسلوب الإرادة،وكانت دولته عجيبة الوضع،
                        فقد كان هو وأخوه
                        الموفق كالشريكين فى الخلافة،للمعتمد
                        الخطبة والسكة
                        والتسمى بإمرة المؤمنين ولأخيه
                        طلحة
                        الأمروالنهى،وقيادة العساكر،
                        ومحاربة الأعداء،ومرابطة الثغور،وترتيب الوزراء والأمراء،
                        وكان
                        المعتمد مشغولا عنه بلذاته،وكان أخوه الموفق
                        أميرجيوشه وصاحب
                        الفضل فى القضاء على
                        ثورة الزنوج
                        ،
                        وأمام هذا الوضع الغريب لم يكن أمام
                        المعتمد إلا أن يترضى الأتراك
                        ،
                        ويصانعهم،وخاصة قائدهم
                        موسى بن بغا،وقسم دولته بين ابنه جعفر
                        وسماه المفوض وخصه بالبلاد الغربية،وضم إليه موسى بن بغا
                        فحكمها باسمه،
                        وولى أخاه
                        أبا أحمد طلحة بعد ابنه المفوض،وسماه الموفق
                        ،
                        وخصه ب
                        البلاد الشرقية،وبذلك ضعفت الخلافة فى عهد المعتمد
                        الذى أصبح
                        مسلوب السلطة أمام أخيه
                        الموفق والأتراك
                        .
                        ولقد شهد عصره
                        ثورة الزنج التى استمرت أربع عشرة سنة وأربعة أشهر،
                        وراح ضحيتها الكثير،وأمكن فى عهده القضاء عليها سنة
                        270هـ/ 884م.

                        ثورة القرامطة
                        كما شهدت آخر سنتين فى خلافته "ثورة القرامطة" بالكوفة وقد تحركوا
                        سنة 278هـ/ 891م،وهم ينسبون إلى
                        قرمط بن الأشعث
                        ،
                        وقد استجاب له جمع كثير،
                        وتعد فرقة القرامطة منالزنادقة لانحراف
                        تفكيرهم، وحرصهم على هدم الدين الإسلامى والقضاء عليه.

                        وليس من العجيب أن نرى القوى الهدامة تتعاون على هدم الإسلام،
                        فقد سار
                        قرمط إلى صاحب الزنج
                        قبل هلاكه ليتفق معه على هدم الإسلام
                        وتخريب دياره،وقد تحركت جموعهم إلى
                        بلاد الحجازودخلوا المسجد الحرام،
                        وسفكوا دم الحجيج،واقتلعوا الحجر الأسود،وذهبوا به إلى بلادهم
                        سنة 317هـ/ 929م.

                        الانتصارعلى الروم
                        أما بالنسبة للروم فقد أقدمت الروم فى سنة 259هـ/873م
                        على مهاجمة
                        "سميساط"، ثم"ملطية"
                        من مدن الثغور،
                        ولكن أهلهما قاتلوا عنهما قتالا شديدًا،وهزموا
                        الروم
                        ،
                        بل وقتلوا بطريقًا من
                        بطارقة الروم
                        كان مع الجيش الغازى يبارك خطواته!
                        وظلت الحرب سجالا بين
                        الروم والمسلمين
                        حتى كانت سنة 270هـ/ 884م؛
                        حيث انتصر
                        المسلمون
                        انتصارًا ساحقًا فى سنة 270هـ/884م
                        على
                        الروم حين أقبلوا فى مائة ألف مقاتل،ونزلوا قريبًا من"طرسوس"
                        ،
                        فخرج إليهم
                        يازمان الخادم
                        حتى قتلوا منهم سبعين ألفًا،
                        وقتل قائدهم
                        الذرياسوهو بطريق البطارقة
                        ،
                        وجرح أكثر الباقين،وغنم المسلمون غنائم عظيمة،
                        منها صلبانهم الذهبية المكللة بالجواهر.
                        وهكذا طالت أيام ملك
                        أحمد المعتمد بن جعفرالمتوكل
                        .
                        والحق يقال:إن أخاه"الموفق"عاونه معاونة كبيرة على قهر أعدائه.


                        خلافة المعتضد
                        (279-289هـ/892 - 902م)

                        تولى الخلافة بعد وفاة عمه
                        المعتضد
                        .
                        يقول المؤرخون:لما ولى"المعتضد"
                        حسنت آثاره،وعمر الدنيا،
                        وضبط الأطراف،وأحسن السياسة.

                        وقيل:إنه أفضت إليه الخلافة وليس فى الخزانة إلا سبعة عشردرهمًا،
                        ومات وخلّف ما يزيد على عشرين ألف ألف دينار.
                        رحمه الله،ففى عهده انتعشت الخلافة العباسية،ودبت فيها الحياة
                        من جديد حتى أصبحت الدولة قوية مهيبة تخشاها الدول.

                        ويقول الإمام السيوطي
                        :"لقد كانت أيامه طيبة،كثيرة الأمن والرخاء،
                        وكان قد أسقط المكوس- ما يشبه الضرائب فى العصر الحديث-،
                        ونشر العدل،ورفع الظلم عن الرعية،كما
                        كان يسمى السفاح الثانى

                        لأنه جدد ملك
                        بنى عباس،وكان من ذوى الرأى والصلاح.


                        خلافة المكتفى بالله
                        (289-295هـ/ 902-908م)

                        لقد مات
                        "المعتضد" و"المعتمد"
                        من قبله،ميتة طبيعية بعكس الخلفاء
                        الذين فتك بهم
                        الأتراك،وقد آلت الخلافة من بعد المعتضد
                        إلى ابنه
                        أبى محمد على الذى تلقب بـ"المكتفى بالله"
                        سنة 289هـ/ 902م،
                        واستمرت خلافته حتى سنة 295هـ/ 908م.
                        ولقد بدأ عهده بداية طيبة؛فأمر بهدم المطامير
                        "السجون"التى كانت معدة للمسجونين، وأمر ببناء جامع مكانها،وأمر برد البساتين والحوانيت التى كانت قد أخذت
                        من بعض الناس؛فأحبه الناس لسيرته الحسنة،وأعماله المجيدة.

                        القضاء على القرامطة
                        ولكن لم يخلُ عهده -كسابقيه- من ثورات،
                        والحديث عن
                        الثورات فى عهد الخلفاء متجدد،وعدوان الروم
                        متواصل،
                        ولا يكاد خليفة يتفرغ للإصلاح والتعمير حتى يفاجأ بمثل تلك
                        الثورات
                        ،
                        وذلك العدوان،
                        إنها المؤامرات على الإسلام والمسلمين،التى تستهدف إعاقة المسيرة،
                        وهدم الدولة،وإفساد العقيدة.
                        لقد حاصر
                        "القرامطة"دمشق
                        ،وضيقوا عليها حتى أشرف أهلها على الهلاك،
                        وكان ذلك فى سنة 290هـ/ 303م،وتواصل عدوانهم على البلاد المجاورة،
                        وخرجت جيوش من
                        مصرللدفاع عن دمشق،وتحركت نجدة من بغداد
                        ،
                        وكان
                        القرامطة قد عاثوا فى الأرض فسادًا وقتلوا الحجاج،
                        واعتدوا على أعراض المسلمات،وقويت شوكتهم،
                        ولم تستطع النجدات سحقهم وقطع دابرهم حتى سنة 291هـ/ 304م؛
                        حيث استطاع جيش الخليفة أن يرد كيدهم فى نحرهم،
                        ويقضى على معظمهم بعد أن بلغه ما فعلوه بالحجاج.

                        تبادل الأسرى مع الروم
                        وأغارالروم على البلاد،وكان الرد حاسمًا وعنيفًا،
                        وختمت العلاقات بين
                        المسلمين والروم فى خلافة المكتفى،
                        بتبادل الأسرى وفدائهم،وقد استنقذ ثلاثة آلاف نسمة من أيدى الروم
                        ما بين رجال ونساء وأطفال.

                        زلزال وريح وفيضان
                        رحم الله المكتفى لم يسلم عهده من زلزلة عظيمة هزت بغداد كلها،
                        ودامت أيامًا،وذهب ضحيتها خلق كثير،وهبت ريح ب
                        البصرة
                        لم يُرَ مثلها،
                        وزادت مياه
                        دجلة
                        زيادة كبيرة ففاض الماء وأغرق الأرض،
                        وخرب الديار والزروع،لقد دامت خلافة
                        المكتفى
                        ست سنوات وستة أشهر،
                        ولقى ربه سنة 295هـ/ 908م،
                        وروى أنه قال عند موته:
                        والله ما آسى إلا على سبعمائة ألف دينارصرفتها من مال المسلمين
                        فى أبنية ما احتجت إليها،وكنت عنها مستغنيًا،أخاف أن أسأل عنها،
                        وإنى أستغفر الله منها.



                        خلافة المقتدر
                        (295-320هـ/9 08-932م)

                        ولما حضرت
                        المكتفى الوفاة،أحضرأخاه "المقتدر"
                        وفوض إليه أمرالخلافة
                        من بعده، وأشهد على ذلك القضاة.
                        ترى كم كان عمرهذا"المقتدر"
                        حين عهد إليه بالخلافة،
                        خلافة أكبر دولة على الأرض آنذاك ؟
                        كان عمره ثلاث عشرة سنة وشهرًا واحدًا وواحدًا وعشرين يومًا.
                        ولم يلِ الخلافة قبله من هو أصغرمنه.


                        ويرجع السبب فى اختياره إلى صغر سنه ليكون أسلس قيادًا،
                        ولكن
                        "المقتدر"لم يلبث أن خلع،وبويع"عبد الله بن المعتز"ولقب"الغالب بالله"
                        ،
                        إلا أن أتباع الخليفة المخلوع أعادوه إلى العرش،ولم يمكث
                        "عبد الله بن المعتز"
                        الذى كان شاعرًا رقيقًا فى الخلافة إلا ليلة واحدة.

                        قيادة النساء
                        نحن الآن إذن مع"المقتدر"وعهده،
                        يقول المؤرخون:إن عهده كان عهد فتن وقلاقل،فقد ترك النساء يتدخلن
                        فى أمور الدولة، ويصرِّفن شئونها،

                        فقد ذكرابن الأثيرأن هذا الخليفة اشتهر بعزل وزرائه،والقبض عليهم،
                        والرجوع إلى قول النساء والخدم،والتصرف على مقتضى آرائهن.

                        ولاعجب،فقد أصبح الأمروالنهى بيد أمه التى يطلق عليها المؤرخون
                        اسم
                        "السيدة"
                        . ويا ويل من غَضِبَ عليه من الوزراء،
                        إن أقل مصير ينتظره هو العزل،ولا تسل عن الأحوال،
                        فالخطاب يقرأ من عنوانه؛
                        لقد اضطربت أحوال
                        الدولة العباسية فى عهد"المقتدر"
                        فخرج عليه
                        "مؤنس الخادم"
                        أحد القواد فى سنة 317هـ/ 929م،
                        وأرغم هذا الخليفة على الهرب،وبايع هو وغيره من الأمراء
                        "محمد بن المعتضد"ولقبوه:"القاهر بالله"
                        ،وطلب الجند أرزاقهم فى الوقت
                        الذى قامت فيه الاحتفالات بتقليد الخليفة الجديد للخلافة،وحملوا
                        المقتدر
                        على أعناقهم،وردوه إلى دارالخلافة،وعزلوا القاهر
                        ،
                        فأخذ يبكى ويقول:الله الله فى نفسى!
                        وهنا استدناه"المقتدر"
                        وقبله،وقال له:يا أخى،أنت والله لاذنب لك،
                        والله لا جرى عليك منى سوء أبدًا فطب نفسًا.


                        قوة القرامطة
                        وكان لابد أن يتحرك القرامطة فى خلافة المقتدرفنزلوا البصرة سنة
                        299هـ/ 912م،والناس فى الصلاة،وخرج أهلها للقائهم وأغلقت
                        أبواب
                        البصرة
                        فى وجوههم.
                        ولكنهم عادوا سنة 311هـ/ 924م،واقتحموا أسوارها،
                        وسعوا فيها فسادًا مدة سبعة عشريومًا يقتلون ويأسرون ويستولون
                        على الأموال،ثم قفلوا راجعين إلى
                        "هجر"بالبحرين
                        .
                        وفى سنة 313هـ/ 926م،قام
                        القرامطة
                        باعتراض الحجيج بعد أن أدوا
                        الفريضة فقطعوا عليهم الطريق،وأسروا نساءهم وأبناءهم.
                        وثارالناس فى
                        بغداد
                        ،وكسروا منابرالجوامع يوم الجمعة،وناحت النساء
                        فى الطرقات،وطالبن بالقصاص من
                        القرامطة
                        وأعوانهم.

                        وظل مسلسل عدوان
                        القرامطة
                        على المدن والحجاج يتكررفى كل عام،
                        وليس هناك من يؤدبهم أو يوقفهم عند حدهم،فلم تسلم منهم مدينة حتى
                        مكة

                        -
                        البلد الحرام
                        - اعتدوا عليها وعلى مقدساتها فى سنة 317هـ/ 929م،
                        وجلس أميرهم على
                        باب الكعبة
                        وهو يقول-لعنه الله-:
                        "أنا الله وبالله أنا الذى يخلق الخلق وأفنيهم أنا"
                        .
                        وكان الناس يفرون منهم،ويتعلقون بأستار الكعبة،وقلعوا الحجرالأسود،
                        وصاح أحدهم متحديًا:أين الطيرالأبابيل؟
                        أين الحجارة من سجيل؟
                        ومكث الحجرالأسود عندهم اثنتين وعشرين سنة حتى ردوه فى سنة
                        339هـ/ 951م.


                        ولعله يجىء سؤال:
                        لماذا نزل عذاب الله بأصحاب الفيل،ولم ينزل بالقرامطة؟
                        والإجابة كما قال ابن كثير:
                        لقد أراد الله أن يشرفمكة
                        عندما كانت تستقبل خاتم الأنبياء
                        وأفضل الرسل العظام،ولم يكن أهلها يومئذ مسلمين مأمورين بحماية البيت،
                        وصد المعتدين عنه،فتدخلت العناية الإلهية بالحفظ والرعاية،

                        ألم يقل عبد المطلب:للبيت رب يحميه ؟!
                        ولهذا لما سئل أحد العلماء،وكان بالمسجد الحرام وقت أن دخله القرامطة
                        :
                        ألم تقولوا فى بيتكم هذا ومن دخله كان آمنا..فأين الأمن؟
                        فرد قائلا:إن الله يريد أن يؤمنه المسلمون.
                        إن المسلمين جميعًا مسئولون عما فعله المجرمون فى البيت الحرام،
                        وعما اقترفوه من آثام.

                        وربنا سبحانه قد يؤخرعقوبته ليوم تشخص فيه الأبصار،
                        فقال:
                        "لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ.مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
                        وَبِئْسَ الْمِهَادُ"
                        [آل عمران: 196-197].

                        الانتصار على الروم
                        وماذا عمَّا تم على الجبهة بين المسلمين والروم فى خلافة المقتدر؟

                        لقد أتاحت خلافة
                        المقتدرالطويلة فرصًا عديدة لمحاربة الروم وفتح بعض المدن والحصون على الرغم من انشغال الدولة بمواجهة القرامطة وغيرهم من الفسقة الخارجين،ولقد بدأ اللقاء بين المقتدروالروم
                        سنة 297هـ/910م،
                        وظلت الحرب سجالا بين
                        المسلمين والروم
                        حتى انتهت اللقاءات القوية
                        بينهم فى خلافة
                        المقتدر
                        ،وكان النصرعظيمًا للمسلمين.

                        لقد كانت
                        "الخلافة"
                        -على ما كان يعتريها من ضعف أحيانًا أوتجاوزًا ومخالفة-
                        خيرمعين على مواجهة الأخطارالمحدقة بالمسلمين من كل جانب،
                        ومجابهة الصعاب التى تعترض طريقهم،وتهدد حاضرهم ومستقبلهم.

                        إنها تجمع كل المسلمين نحوغاية واحدة،وهدف واحد،فتتضافر الجهود،
                        وتتوحد القلوب،وتنطلق الجموع من جميع الأرجاء تغيث الملهوف،وتؤمن الخائف، وتهدئ من روعة المذعور،وتنصرأى مسلم فى أية بقعة من بقاع الأرض وفجاجها، وكان هذا ملموسًا فى كل المعارك بين
                        المسلمين والروم
                        ؛
                        حيث كان المسلمون-على الرغم من ضعف الخلافة-،
                        كالجسد الواحد على من عاداهم،والدول الإسلامية الآن يُعتدى عليها،
                        وتُهان وقد غاب عنها منصب الخلافة،والذئب إنما يأخذ من الغنم الشاردة.


                        سيطرة البويهيين
                        وفى هذه السنوات شهدت الدول الإسلامية زوال سيطرة الأتراك
                        وبداية سيطرة
                        البويهيين،وشهدت هذه الفترة أكثرمن عدوان للروم على الدولة
                        الإسلامية،ولا يوجد من يتصدى لهذه الحملات،ويواصل الجهاد ضدها
                        فى تلك الفترة المظلمة من تاريخ الخلافة.

                        صراع القرامطة
                        وظهرالقرامطة أيضًا على مسرح الأحداث فى سنة 323هـ،
                        وزاد خطرهم فى سنة 323هـ/ 939م،حين دخلوا
                        بغداد
                        مهددين الخليفة نفسه،
                        ويشاء الله أن يجعل بأسهم بينهم شديدًا،فاقتتلوا وتفرقت كلمتهم،
                        وكفى الله المؤمنين القتال،ويريح الله المسلمين من الملعون الكبير
                        رئيس القرامطة
                        سليمان الجنابى الذى قتل الحجيج حول الكعبة،
                        واقتلع الحجرالأسود من موضعه؛حيث هلك سنة 332هـ/ 944م.


                        كم كان هناك من ضعف ووهن فى تلك العصور

                        عصر الأمراء
                        ( 324 - 334هـ/ 936 - 946م )

                        لقد ازداد ضعف
                        الخليفة العباسى منذ أوائل القرن الرابع الهجرى
                        لازدياد شوكة القواد
                        الأتراك،وتفاقم خطرالدول المستقلة،
                        فقد ازدادت شوكة
                        "على بن بويه"في فارس،
                        وأصبحت
                        الرى وأصبهان وبلاد الجبل في يد أخيه الحسن بن بويه،

                        كما استقل
                        بنو حمدان بالموصل،ودياربكر،وديارربيعة ومضر،

                        أما
                        مصرفقد استقل بها محمد بن طغج الإخشيد،

                        واستقل ب
                        خراساننصربن أحمد الساماني،

                        ولم تكن الحال في
                        المغرب أحسن منها في المشرق،
                        فقد أعلن
                        عبد الرحمن الثالث الأموى بالأندلس نفسه خليفة،
                        وتلقب
                        بلقب أميرالمؤمنين الناصرلدين الله،
                        وأصبح في العالم الإسلامى في ذلك الوقت ثلاث خلافات.


                        خلافة القاهر
                        (320 - 322هـ/ 932 - 934م)

                        ولم يكن حظ
                        القاهرأقل سوءًا ممن سبقه من الخلفاء العباسيين،
                        فقد انتشرت في عهده الفتن الداخلية،وتمرد عليه جنده،واتفق رجال دولته،
                        وعلى رأسهم قائده
                        مؤنس ووزيره"ابن مقلة"على خلعه،
                        فسالت عيناه على خده،ثم حبس،
                        وقد ساءت حالته حتى إنه خرج يومًا يطلب الصدقة بجامع المنصور،
                        فأعطاه بعض الهاشميين خمسمائة درهم،
                        وأمربه فحبس وظل في الحبس حتى مات في خلافةالطائع
                        سنة 339هـ/ 951م.


                        خلافة الراضى
                        (322 - 329هـ/ 934 - 941م)

                        وجد نفسه- إزاء ضعف الوزراء وازدياد نفوذ كبارالقواد،
                        وتدخلهم في أمورالدولة -مضطرّا إلى استمالة أحد هؤلاء الأمراء،
                        وتسليم مقاليد الحكم إليه،ولم يعد للوزراء عمل يقومون به،
                        وأصبح هذا الأمير وكاتبه هما اللذان ينظران في الأمر كله،
                        وهذا الأميرهو أميرالأمراء،
                        وأصبحت الخلافة في عهد
                        الراضى من الضعف بحيث لم يعد الخليفة
                        قادرًا على دفع أرزاق الجند،أويحصل على ما يكفيه
                        حتى مات سنة 329هـ/ 491م.


                        خلافة المتقى
                        (329-333هـ/ 941 -945م)

                        ويأتى الخليفة
                        المتقى؛ليستنجد بالحمدانيين الذين لم يلبثوا أن دخلوا بغداد،
                        وتقلدوا إمرة الأمراء سنة(330-331هـ/942- 943م)
                        ولكن"
                        توزون"التركى يطردهم سنة(331هـ/ 943م)
                        ويتقلد هو أعباء هذا المنصب الخطير،ويا ليته أبقى على الخليفة،
                        لكنه لم يلبث أن قبض على الخليفة"
                        المتقى"وفقأ عينيه وولى
                        "المستكفى بالله".


                        خلافة المستكفى
                        ( 333 - 334هـ/ 945 - 946م )

                        ويضيق
                        المستكفى ذرعًا بتوزون،ويستنجد ببنى بويه لوضع حد لهذه المنازعات
                        التى لم تنتهِ بين هؤلاء الأمراء للاستئثار بالسلطة،وتولى إمرة الأمراء،
                        وانتزاع النفوذ والسلطان من الخليفة الذى لم يعد له من الأمر شىء
                        سوى السلطة الدينية؛حيث يذكراسمه فى الخطبة،ونقشه على النقود،
                        والتسمى بأمير المؤمنين،كل ذلك ليحتفظ هؤلاء الأمراء بمراكزهم أمام الجمهور.

                        وانطوت صفحة من تاريخ
                        الدولة العباسية،ومر هذا العصربطيئًا متثاقلا.
                        لقد ذهب زمن أولئك الخلفاء الأقوياء ك
                        أبى جعفروالهادى والرشيد والمأمون
                        والمعتصم، لقد كانوا مسيطرين على الدولة،مسيرين لشئونها.
                        ورحم الله أيامهم وعهدهم،لقد ذهبوا وتركوا نماذج هزيلة ضعيفة
                        لا تستطيع السيطرة على شئون الدولة،
                        بل إن منهم من لم يكن نفوذه يتعدى حدود العاصمة،
                        بل كان لا يملك حق التصرف حتى فى قصره.


                        يُتبع ،،،،

                        تعليق


                        • #13
                          رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

                          والأن نسلك منحنى أخر من عصور الدولة العباسية

                          العصر العباسى الثالث
                          عصر نفوذ البويهيين
                          (334 - 447هـ/ 946 - 1056م)

                          ها هى ذى الخلافة الإسلامية تزداد ضعفًا،فقد ظل الخليفة مجرد اسم فقط،
                          ولا يملك من أمر نفسه شيئًا،فقد استطاع
                          البويهيون
                          أن يتحكموا فى الخليفة،
                          ويسيطرون على الدولة،ويديرونها بأنفسهم،
                          ففى أيام
                          "معز الدولة"
                          جردوا الخليفة من اختصاصاته،
                          فلم يبقَ له وزير وإن كان له كاتب يدير أملاكه فحسب!!
                          وصارت الوزارة ل
                          معزالدولة يستوزرلنفسه من يريد!!

                          أصل البويهيين
                          وكان من أهم أسباب ضعف الخلافة وغروب شمسها،
                          أن
                          البويهيين(الديلم
                          ) كانوا من المغالين فى التشيع،
                          وهم يعتقدون أن العباسيين قد أخذوا الخلافة واغتصبوها من مستحقيها،
                          لذلك تمردوا على الخليفة،والخلافة بصفة عامة،
                          ولم يطيعوها ولم يقدروها قدرها.
                          وتطلع
                          بنو بويه إلى السيطرة على العراق نفسها
                          -مقر الخلافة-
                          إن أصلهم يرجع فيما يقال إلى
                          ملوك ساسان الفارسيين
                          الذين شُرِّدوا،
                          فاتخذوا من
                          إقليم الديلم الواقع فى المنطقة الجبلية جنوبى بحر قزوين
                          ملجأ لهم ومقرّا.

                          وتزعَّم
                          أبو شجاع بويهقبائلَ البويهيين-فى خلافة الراضى العباسى

                          سنة (322 - 329هـ)-،
                          والذى ينتهى نسبه إلى الملك الفارسى
                          "يزد جرد"
                          وقد أنجب ثلاثة من الذكور،
                          هم :
                          عماد الدولة أبوالحسن علي
                          ،
                          وركن الدولة أبو على الحسن
                          ،
                          ومعزالدولة أبوالحسين أحمد.

                          قوة البويهيين
                          وكانت بداية الدولة البويهية باستيلاء عماد الدولة أبى الحسن علىِّ بن بويه
                          على أرجان وغيرها،وقد دخل عماد الدولةشيراز
                          سنة 322هـ ،
                          وجعلها عاصمة لدولته الجديدة،كما دخل
                          فارس
                          ،وأرسل إلى الخليفة
                          الراضى
                          أنه على الطاعة.
                          واستولى
                          معزالدولة أبو الحسين أحمد بن بويه سنة 326هـ على الأهواز
                          ،
                          (
                          وهى الآن خوزستان
                          )وكاتبه بعض قواد الدولة العباسية،
                          وزينوا له التوجه نحو
                          بغداد
                          ،وفى سنة 334هـ/ 946م،
                          اتجه
                          أحمد بن بويه نحو بغداد بقوة حربية،فلم تستطع حاميتها التركية
                          مقاومته،
                          وفرت إلى
                          الموصل، ودخل بغداد
                          فافتتحها فى سهولة ويسر.
                          ولقب
                          الخليفة المستكفى أبا الحسن أحمد بن بويه بمعز الدولة
                          ،
                          ولقّب أخاه
                          عليّا عماد الدولة، ولَقب أخاه الحسن ركن الدولة
                          ،
                          وأمر أن تكتب ألقابهم على الدراهم والدنانير،ولكن
                          أحمد بن بويه

                          لم يكتف بهذا اللقب الذى لا يزيد على كونه
                          "أمير الأمراء"
                          .
                          وأصر على ذكر اسمه مع اسم الخليفة فى خطبة الجمعة،
                          وأن يُسَكّ اسمه على العملة مع الخليفة،ولقد بلغ
                          "معز الدولة"
                          مكانة عالية ؛
                          فكان الحاكم الفعلى في
                          بغداد مع إبقائه على الخليفة،
                          غير أنه مالبث أن قبض عليه، وفقأ عينيه سنة 334هـ/ 946م. "


                          خلافة المطيع
                          (334-363هـ/946- 976م)
                          وأصبح
                          المطيع هو الخليفة بعد المستكفى
                          ،وكان مطيعًا بحق،
                          وإن شئت فقل:كان اسمًا على مُسَمّى، جديرًا باسمه
                          ،
                          فلقد كان أداة طيعة في أيدى
                          البويهيين
                          ،يأمرونه فيطيع،
                          ويحقق لهم كل ما يريدونه منه،ثم استولى
                          "معز الدولة"على البصرة

                          336هـ/ 948م،كما استولى
                          ركن الدولة على الرى
                          335هـ
                          و
                          طبرستان وجرجان
                          336هـ/ 948م.
                          وقد بلغ
                          البويهيون قوتهم أيام عضد الدولة بن بويه
                          الذى تولى بعهد من أبيه
                          عماد الدولة
                          الذى توفى سنة 336هـ/ 948م،
                          واتخذ لنفسه لقب
                          "شاهنشاه"(أى ملك الملوك

                          لقد كان
                          بنو بويه يكتفون بألقاب التبجيل والتفخيم مثل:"عماد الدولة"
                          ،
                          "وركن الدولة"،أما"عضد الدولة"
                          فقد فاق أسلافه قوة وعظمة.
                          لقد تزوج من ابنة الخليفة
                          الطائع
                          ،وكان ذا جبروت شديد ونفوذ واسع،
                          واستطاع
                          "عضد الدولة"
                          أن يضم إلى سلطانه مختلف الدويلات الصغيرة
                          المجاورة التى ظهرت على عهده فى
                          فارس والعراق
                          ،
                          وفى عام 369هـ عمَّر
                          عضد الدولةبغداد
                          بعد خرابها من توالى الفتن،
                          وأعاد عمارتها وجدد أسواقها،وأجرى الأرزاق على الأئمة والخطباء والمؤذنين.
                          ورغم بقاء بَلاطه فى
                          شيرازفإنه اهتم ببغداد
                          ،ولكنه اتخذ هو وخلفاؤه قصورًا
                          لهم فى
                          العاصمة العباسية القديمة،وغدت هذه القصور تسمى"دار الخلافة".

                          إظهار المذهب الشيعى
                          وكان من الطبيعى أن يتعمد البويهيون-وهم من غلاة الشيعة-
                          إظهار مذهبهم ونشره بما ترتب على ذلك من معاداة لأهل السنة،
                          وتجاوز للحدود والحقوق.
                          ولقد أثار ذلك أهل السنة،ونشأ عن ذلك حدوث فتن كثيرة،
                          وكثيرًا ما كان الشيعة يثيرون أهل السنة بلعنهم الصحابة
                          -رضوان الله عليهم-،
                          وكتابة هذا على أبواب المساجد،ولم يكن هذا التطاول مقصورًا على
                          بغداد

                          وحدها،بل تجاوزها إلى كل بلد حَلَّ بها
                          البويهيون
                          ،
                          وفى كل بلد تخضع للشيعة،وقد وقعت فتنة بين أهل
                          "أصبهان"و"قم"
                          بسبب سَبِّ أهل"قم"الصحابة -رضوان الله عليهم- مما جعل أهل أصبهان يثورون عليهم،ويقتلون منهم خلقًا كثيرًا،وينهبون أموال التجار؛مما أثِارغضب ركن الدولة"الحسن البويهي"،فراح يصادر أموال أهل أصبهان،وينتقم لأهل"قم"
                          منهم،
                          وراحت نيران هذه الفتنة تشتعل فى كل مكان،فى
                          الكرخ، وفى بغداد
                          ،
                          وفى
                          البصرة
                          ، فقُتل فى ذلك خلق كثير.

                          هؤلاء هم
                          البويهيون،وهذا هو مذهبهم،ومنذ دخلوا بغداد
                          لم نجد لهم موقفًا
                          مشرفًا تجاه الروم،ففى عهدهم لم يحدث أن خرج جيش غاز كما كان يحدث
                          فى عهد مَنْ قبلهم،وشَنَّ الروم غارات كثيرة على الثغوروالشواطئ ولكن لا مدافع!! ولقد أدت هذه الغارات إلى تخريب المدن والمساجد وقتل الكثيرين من الرجال
                          والنساء والأطفال؛ بينما كانت
                          الدولة البويهية
                          فى سبات عميق.
                          وتحرك الفقهاء سنة 362هـ/ 973م،وراحوا يُحرِّضون
                          عزالدولة
                          بختيار
                          بن أحمد بن بويه
                          على غزو الروم،وتحرك الجيش إلى بلاد الروم
                          لمواجهتهم،وقتل منهم عددًا كثيرًا،وبعث برءوسهم إلى بغداد
                          ،
                          وقد كان
                          "عز الدولة بختيار"شريرًا فاسدًا،وكثرت فى عهده الفتن
                          والاضطرابات، وإراقة الدماء.
                          وهنا سكنت أنفس الناس،وكأنما كانت هذه المعركة ذرّا للرماد
                          فى أعين أهل السنة من المسلمين.

                          انتشار الأوبئة والفتن
                          لقد سكتوا على مضض بعدما رأوا بأعينهم نشاط الروم خلال سنوات
                          نفوذ
                          البويهيين ببغداد والعراق يقابل بصمت رهيب،التزم به البويهيون

                          فى هذا الصراع وهم الذين يسيطرون على الدولة ويتحكمون فيها!
                          فى وقت ظهر فيه اللصوص ومارسوا السلب والنهب بصورة علنية،
                          بينما انتشرت الأوبئة، واشتد الغلاء،
                          فى الوقت الذى اهتم فيه
                          البويهيون المنحرفون بالاحتفال بعيد الغدير
                          (غدير خم) الذى يزعمون أن الرسول
                          -صلى الله عليه وسلم-عهد عنده
                          بالخلافة إلى
                          على بن أبى طالب،وهو بدعة منكرة باطلة
                          ،
                          وكذلك دفعوا العوام للطم الخدود والنواح والعويل فى العاشرمن المحرم
                          حزنًا على استشهاد الحسين بن علىّ وهو ما لا يرضاه الشرع
                          ،
                          ولم تلبث
                          الدولة البويهية
                          أن أخذت فى الانهيار بسبب النزاع على السلطة
                          بين الأخوين
                          "بهاء الدولة"،و"شرف الدولة"
                          ،
                          وامتد هذا النزاع إلى سائرأفراد الأسرة،
                          مما عجّل بالقضاء على
                          البويهيين
                          ،
                          وساعد على ذلك مذهبهم الشيعى الذى بغضهم إلى أهل السنة من أهل
                          بغداد.


                          وينتهى العصر العباسى الثالث هاهنا


                          العصر العباسى الرابع
                          عصر نفوذ السلاجقة
                          (447 - 656هـ/ 1055 - 1258م)

                          فى عهد
                          المقتدر
                          (295-320هـ)أشرفت الدولة العباسية على الانحلال
                          والموت بظهورسلطان المستقلين فى أطراف الخلافة والثغور.
                          وبحسب القارئ أن يعدد هذه الدويلات التى أعلنت سلطانها فى أجزاء
                          الخلافة الإسلامية؛ليعلم ما وصلت إليه الحال من خلل وتفسخ وانحدار!
                          لقد قامت فى
                          فارس دولة بنى بويه
                          ،
                          وبسط
                          الإخشيديون سلطانهم على مصروسورية
                          ،
                          وأعلن
                          الفاطميون سيادتهم فى إفريقية والمغرب
                          ،
                          وساد
                          الأمويون فى إسبانيا
                          ،
                          واستقلّ
                          بنو سامان فى خراسان وما وراء النهر
                          ،
                          و
                          القرامطة بمنطقة البحرين وما حولها من ثغوروبلاد
                          ،
                          واستقر
                          الديلم فى جُرجان وطبرستان
                          ،
                          وأعلن أحد أمراء العراق واسمه
                          البريدى حكمه على البصرة وواسط
                          .
                          وقامت
                          دولة الحمدانيين فى الموصل ودياربنى ربيعة
                          وقسم كبير
                          من
                          أراضى العراق
                          .

                          وكانت الدولة الإسلامية تغلى غليانًا فى جحيم الاضطرابات والدسائس!
                          كل منهم يحارب الآخر حربًا لا هوادة فيها،
                          ويحفرمقبرة الخلافة بهذا التفكك الذى أطمع
                          البيزنطيين
                          أن يعيدوا الكَرَّة
                          على
                          بلاد الإسلام،فدخلوا كليكيا وسورية على يد القائد البيزنطى نقفور
                          ،
                          الذى اشتبك فى معارك دامية مع
                          سيف الدولة على أبواب حلب
                          مما سيأتى تفصيله.
                          وكانت البلاد تواجه خطرين:
                          خطر الانقسامات الداخلية
                          ،
                          و
                          خطر هجمات الروم الخارجية.
                          ويشاء الله أن تتقد نيران هذه الاضطرابات،وقد عقمت الأرض عن أن تلد
                          منقذًا يقضى على هذه المطامع،وظلت الأمور بين أيدى خلفاء ضعاف أقصى
                          أمنياتهم من الحياة بعضهذه الأموال التى يدرها العمال عليهم؛لينعموا
                          مرفهين برغد الحياة.


                          أصل السلاجقة
                          من أولئك السلاجقة ؟
                          وكيف امتد نفوذهم حتى وصلوا إلى بغداد ؟
                          إنهم أتراك ينتسبون إلى جدهم سلجوق،
                          وينتمون إلى قبيلة تركية كبيرة تسمى
                          "الُغزّ"
                          .
                          وقد نزلوا على نهر
                          "سيحون"،واتصلوا بخدمة التركمان فى بلاد ما وراء النهر
                          ،
                          وراح جدهم
                          "سلجوق"يتقدم فى خدمة ملك الترك
                          حتى وصل إلى قيادة الجيش،
                          وكان بارع الحديث،كريمًا،فاستمال الناس إليه،وجمعهم مِن حوله،فانقادوا له
                          وأطاعوه.وخافت زوجة
                          ملك الترك
                          على زوجها منه،فأغرته بقتله،
                          وعرف
                          "سلجوق"
                          ما يدبِّر له فى الخفاء،
                          فجمع مَنْ حوله،وساربهم حتى مدينة
                          "جَنَد"،وأقام هناك فى جوارالمسلمين ببلاد تركستان.ولما جاورسلجوق
                          المسلمين،وتعرف على أخلاق الإسلام أعلن إسلامه
                          على مذهب أهل السنة،واعتنق
                          الغُزُّ
                          الإسلام معه.
                          وعندئذ بدأ فى غزو
                          "كفارالترك"
                          ،وكان ملكهم يأخد إتاوة من المسلمين فى
                          تلك الديار،فقطعها
                          سلجوق وطرد نوابه.وكان لسلجوق
                          من الأولاد أربعة هم:
                          أرسلان،وميكائيل،وموسى،ويونس.


                          انتصارات "طغرل"
                          ولقد أعد سلجوق أبناءه وأحفاده للغزو والفتح،فلقد استطاع أحد أحفاده وهو
                          "طغرل"أن يستولى على إقليم مرُو"خراسان"سنة 429هـ فى الشمال الشرقى
                          منفارس،ثم استولى على نيسابور432هـ،وعلى حَرَّان وطبرستان

                          عام 433هـ،وعلى
                          خوارزم عام 434هـ، وأصبهان
                          عام 438هـ/1047م.
                          واستمر
                          "طغرل"يتقدم فى بلاد فارس والعراق
                          ،
                          وفى سنة 447هـ/ 1055م وقف
                          طغرل على رأس جماعة من جنده الأتراك
                          أمام أبواب بغداد،كما وقف"بنو بويه"
                          قبله،فسلمت له المدينة دون مقاومة،
                          واستقبل الخليفةُ
                          طغرل زعيمَ السلاجقة كما استقبل أحمد أبا شجاع
                          من قبل،
                          وراح الخليفة العباسى
                          "القائم"يعترف بطغرل
                          سلطانًا ويمنحه لقب
                          "ملك المشرق والمغرب".


                          نشر المذهب السنى
                          تدفقت القبائل التركية على العراق بعد انتصارطغرل،
                          ولقد سخَّرالسلاجقة مركزهم -إلى جانب الخلافة العباسية-لخدمة الإسلام،
                          فراحوا يعملون على توسيع سلطانه،ولم يكن هدفهم تقوية مركزالخليفة العباسي،
                          وإنما عمدوا إلى نشرالمذهب السنى الذى دانت به
                          الخلافة العباسيَّة
                          ،
                          ومحاربة
                          الشيعة الفاطميين
                          ،أملا فى إعادة وحدة الأمة ومواصلة نشرالإسلام
                          فى أرمينيا وآسيا الصغرى،ويحسب لهم أنهم احترموا منصب الخلافة،
                          وأجلُّوا الخلفاء واحترموهم،فلم يسيئوا إليهم،ولم يعتدوا عليهم كما كان
                          الأتراك فى العصور السابقة.


                          جيوش "ألب أرسلان"
                          وتولى"ألب أرسلان"ابن أخى طغرل القيادة العليا للجيوش السلجوقية
                          سنة456هـ/ 1063م،وجعل جيشه ثلاث شعب:
                          شعبة منه سارت إلىالشام
                          ،
                          وشعبة ثانية إلىبلاد العرب
                          ،
                          وكلتاهما تابعة للدولة الفاطمية الشيعية.
                          أما الشعبة الثالثة فقد كان هو رأسها واتجه بها نحو
                          "أرمينيا الصغرى"و"آسيا الصغرى"
                          ،
                          وهى
                          "بلاد الروم"كما كان يسميها المؤرخون المسلمون.


                          موقعة ملاذكرد
                          واستولت الجيوش السلجوقية على"حلب"سنة 463هـ/ 1070م،
                          واستعادت
                          "مكة"و"المدينة"بعد ذلك بقليل،بينما انتصر"ألب أرسلان"
                          على الإمبراطورالبيزنطى"رومانوس ديوجينيس"
                          سنة 464هـ/ 1071م،
                          فى موقعة
                          "ملاذكرد"فى الشمال الشرقى من بحيرة"فان"
                          ،وأباد معظم الجيش
                          البيزنطى حتى باتت
                          آسيا الصغرى تحت سيطرته،فانتشرت جيوشه فيها إلى قرب"البسفور"و"الدردنيل"،ومن هذه الفتوح تأسست دولة سلاجقة الروم

                          فيما بعد.ويموت
                          ألب أرسلان
                          عام 465هـ/ 1072م مقتولا،
                          وقد قال وهو على فراش الموت:
                          "ما كنتُ قط فى وجه قصدتُه ولا عدّو أردتُه إلا توكلتُ على الله فى أمرى،
                          وطلبت منه نصرى،وأما فى هذه النوبة،فإنى أشرفت من تلّ عالٍ،فرأيت عسكرى
                          فى أجمل حال،فقلت أين من له قدرة مصارعتي،وقدرة معارضتي،وإنى أصل بهذا العسكر إلى آخرالصين،فخرجتْ علىَّ منيَّتى من الكمين".

                          وهكذا اتسعت رقعة الدولة السلجوقية عامًا بعد عام،وعلى الرغم من أن السلطة
                          الفعلية فى
                          بغداد كانت لهم،فإنهم لم ينتقلوا من"أصفهان"إلى"بغداد"
                          ويتخذوها
                          عاصمة لهم إلا سنة 484هـ/1091م،وكان ذلك فى عصر
                          ملكشاه السلجوقى.


                          نهضة علمية وعمرانية
                          وفى عهد ملكشاه بلغت الدولة السلجوقية أقصى عظمتها،فبنى ملكشاه المساجد،
                          وأنشأ الخانات(
                          الفنادق
                          )على طرق القوافل لنزول المسافرين،ومهد طرق الحجاج
                          إلى مكة،وزودها بالحراس.وأمر بتجميل بغداد
                          وتنظيمها،وإقامة شبكة لتصريف
                          مياه الحمامات إلى غير
                          نهردجلة
                          .وكان يساعده فى إدارة المملكة وزيره
                          "نظام الملك"،الذى ألف كتابًا فى"فن الحُكْم"يعرف باسم"سياسة نامة"
                          ،
                          وراح يشجع الشخصيات المشهورة فى العلوم والآداب،فتمتع
                          "عمرالخيام"
                          بعطفه،
                          وهو العالم الكبير،والشاعرالفارسى الشهير.وأنشأ
                          المجامع العلمية فى بغداد
                          ،
                          وأشهرها
                          المدرسة النظامية
                          التى تم بناؤها سنة 460هـ/ 1067م.
                          وحسب هذه المدرسة التى أنشأها
                          نظام الملك وزيرملكشاه السلجوقى

                          أن من تلاميذها
                          السعدى مؤلف"بستان السعدى"
                          ،
                          و
                          عماد الدين الأصفهانى
                          ،
                          و
                          بهاء الدين بن شداد(الذى كتب سيرة صلاح الدين

                          وهما اللذان خدما
                          صلاح الدين والدولة الأيوبية فى مصر
                          ،
                          و
                          عبد الله بن تُومَرْت الذى أسس دولة الموحِّدين فى إفريقية والمغرب
                          ،
                          ومن أساتذتها
                          أبو إسحاق الشيرازى مؤلف كتابى"المهذب"و"التنبيه"
                          فى الفقه الشافعى،والغزالى العالم المتصوف،وإذا كانت عظمة السلاجقة

                          قد استندت إلى ما قاموا به من أعمال،وإلى شخصية سلاطينها،فإن الدولة
                          قد أخذت فى التفكك بعد وفاة
                          ملكشاه سنة 485هـ/ 1092م.

                          تفكك السلاجقة
                          ولم تظهر بعد ذلك من البيت السلجوقى شخصية قوية تملأ فراغ ملكشاه،
                          وراح أبناء
                          البيت السلجوقى
                          يقتسمون تلك المملكة الواسعة الأطراف،
                          ويستقل كل منهم بنصيبه منها.وفى ظل هذا التفكك ساد الضعف،
                          واضطربت الأحوال لكثرة الحروب الداخلية إلى أن زال نفوذها سنة
                          590هـ/1194م،وهكذا الأيام،تذهب دولة لتأتى أخرى.
                          فقد حلت محلَ
                          دولِة السلاجقة دولة"الأتابكة"بالعراق وفارس
                          ،
                          كما حلت دولة
                          الأتراك العثمانيين محل سلاجقة الروم بآسيا الصغرى
                          سنة700هـ/1300م.
                          كلما ذكرنا
                          "سلاجقة العراق وكردستان"
                          الذين حكموا من سنة511هـ/ 1118م
                          إلى سنة 590هـ/ 1194م،لا يمكن أن ننسى
                          السلاجقة العظام
                          الذين كانوا
                          يحكمون
                          فارس والأهوازوالرى وخراسان والجبل
                          من
                          سنة(429-552هـ/1038-1060م) من أسرة
                          خوارزم شاه
                          .
                          كما أننا لا ننسى
                          "سلاجقة الشام"الذين حكموا حلب ودمشق
                          من سنة
                          (487-511هـ/1094-1108م)،وخلفهم
                          البوريون والأرتقيون
                          (من الأتابكيين).وإلى جانب هؤلاء،"سلاجقة كرمان"الذين حكموا من سنة(433-583هـ/1042-1187م) وخلفهم التركمان الغز
                          .
                          ويبقى
                          سلاجقة الروم الذين حكموا آسيا الصغرى
                          من سنة
                          (470-700هـ/1078- 1300م)وخلفهم
                          المغول والأتراك وغيرهم.

                          موقف السلاجقة من الإسلام
                          كان الفرق واضحًا بين معاملة البويهيين للخلفاء العباسيين ومعاملة السلاجقة لهم !
                          فعلى العكس من معاملة
                          البويهيين
                          للخلفاء العباسيين أظهرالسلاجقة الاحترام
                          الكامل،والأدب الجم،والمعاملة الحسنة الطيبة للخلفاء العباسيين،
                          وكانوا صورة للإنسان الفطرى الذى هذبه الإسلام،
                          وليس أدل على ذلك من قول"طُغْرُلْبِك"حين دخل على الخليفة
                          "القائم"
                          سنة 449هـ/ 1057م:
                          "أنا خادم أميرالمؤمنين،ومتصرف على أمره ونهيه،ومتشرف بما أهّلنى له،
                          واستخدمنى فيه،ومن الله أستمد المعونة والتوفيق".وهنا ألبسه الخليفة"الخلع"
                          فما كان من"طغرلبك"إلا أن قَبَّل يد الخليفة أكثرمن مرة.وراح الخليفة يوصيه
                          بتقوى الله والعدل فى الرعية،وزادت أواصرالقربى بينهم،فقد تزوج الخليفة
                          "خديجة"ابنة أخى السلطان"طغرلبك"

                          بينما تزوج طغرلبك من ابنة الخليفة القائم
                          سنة 454هـ/ 1062م.
                          وإذا كانت السلطة الفعلية قد أصبحت فى يد
                          السلاجقة
                          فإن الاحترام صاحبَ
                          هذه السلطة.وقد حاول الخلفاء استعادة سلطتهم الفعلية إلى جانب زعامتهم الروحية،فتمكنوا من ذلك أحيانًا،وساعد على ذلك اختلاف
                          السلاجقة
                          على أنفسهم
                          بعد وفاة
                          ملكشاه سنة485هـ/1092م،وتعد أقوى هذه المحاولات محاولة الخليفة الناصرلدين الله،كما أن خلافته تعد أطول مدة فى تاريخ الخلفاء العباسيين.

                          السلاجقة والباطنية
                          من يُقلب صفحات التاريخ فى الدولة العباسية يجد أن هناك فروقًا كثيرة
                          ودعوات باطلة فاسدة،وأفكارًاغريبة وعقائد ضالة،كانت وراء الفتن والاضطراب والحروب فى المجتمع الإسلامى آنذاك.
                          وقد كانت
                          "الباطنية"
                          مصدرخطركبيرعلى الإسلام والمسلمين منذ أن وجدت،
                          فكانت بعقائدها الباطلة وفتنها الماكرة لونًا جديدًا من الأفكارالضالة للنيل من الإسلام والمسلمين،وذلك بالتستر وراء حب
                          "آل البيت"،والعمل على إفساد عقيدة الإسلام وأركانه وشريعته.ومن يقرأ تاريخ الباطنية
                          يتبين له أنها تضرب بجذورها إلى
                          "عبد الله بن سبأ"
                          ،وأنها تشمل خليطًا من أصول دعوات فاسدة تحتويها،منها:
                          القرامطة
                          ،
                          و
                          الدروز
                          ،
                          و
                          إخوان الصفا
                          ،
                          و
                          الإسماعيلية
                          ،
                          وغيرها من مذاهب باطلة ظهرت فى تاريخنا الإسلامى.
                          وفى عهد
                          ملكشاه وفى سنة 483هـ/1090م راح"الحسن بن الصباح"
                          يدعو الناس إلى التشيّع والزندقة،واستولى على قلعة"الموت"فى نواحى قزوين
                          ،
                          وزاد خطره،وكثرأتباعه،فأرسل إليه
                          نظام الملك
                          مَنْ يحاصرقلعته،ولكنه بعث
                          من قام باغتيال نظام الملك،وفك الحصار عن القلعة.
                          وتمرالسنون بعد وفاة
                          ملكشاه،وتقع معارك مع الباطنية
                          يقوم بها أبناؤه وأحفاده
                          من بعده،ينجحون فيها بفضل الله فى تقليم أظافرهم الشرسة،ولو تتبعنا اللقاءات
                          الحربية بين
                          الباطنيةوالزنادقة وبين المسلمين
                          لطال ذلك وامتد،ولكن الملاحظ
                          أن
                          "الباطنية"لم يكتفوا بقتل القواد والعلماءوالقضاة فى بلاد فارس وما وراء النهر
                          ،
                          بل كانت منهم باطنية ب
                          بلاد الشام
                          لعبوا الدورنفسه مع حكام المسلمين،وقادتهم
                          وفقهائهم وعلمائهم،فقتلوا منهم عددًا كبيرًا.
                          ويشهد الله،كم كانت الباطنية خِنْجرًا مسمومًا فى ظهرقادة الإسلام،
                          وزعماء المسلمين،وفقهائهم،
                          وحسبهم تلك الأفكارالمنحرفة التى تدعوإلى:
                          نفى صفات الله،
                          وإبطال النبوة والعبادات،
                          وإنكار البعث،
                          وإبطال نسبة القرآن إلى الله،
                          وتأويل أصول الدين تأويلاً قاطعًا يخرج بالواحد منهم إلى الكفر،
                          وغير ذلك من الأفكار الضالة المضلة.


                          __________________

                          تعليق


                          • #14
                            رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

                            المغول وسقوط الخلافة

                            من هم المغول؟
                            كيف كان ظهورهم الهمجى على صفحة التاريخ؟
                            فى عهد مَنْ مِن الخلفاء كانوا؟

                            هذه سنة الحياة فى الناس والأشياء،
                            فبعد أن ظلت
                            بغداد عاصمة لبنى العباس على مدى خمسة قرون راحت تتهاوى
                            تحت ضربات المغول والتتار،وتسلم الراية لهم،ليملئوا الدنيا قتلا وتشريدًا ونهبًا
                            وسلبًا وفسادًا!

                            أصل المغول
                            إنهم قبائل تركية آسيوية كانت تسكن فى الجزء الشرقى من"بلاد التركستان"
                            وما يليها
                            شرقًا من"غرب بلاد الصين"،وهم بدو رعاة يدينون بالوثنية،
                            ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر،ويبحثون عن الرزق أينما وجد،وينتقلون وراءه
                            حيث كان،ويقتتلون من أجل الحصول عليه،نساؤهم فى هذا كرجالهم سواء بسواء.


                            المغول والتتار
                            وكانت بين"قبائل المغول"و"قبائل التتار"أواصرنسب وجوار،
                            ولكن على الرغم من هذا،فإن محاولة الحصول على الرزق كانت تدفعهم
                            إلى التنازع والتناحروالتقاتل،وتسفرالمواجهة بينها عن انتصار
                            "التتار"
                            وهزيمة"المغول"،ويعود المغول فينتصرون على"التتار"
                            ولكن الزعيم التترى"جنكيز خان"جمع شمل هذه القبائل لتصبح النقطة السوداء
                            فى التاريخ الإنسانى بسبب ما أنزلوه به من الكوارث التى لم يحدث مثلها.


                            انتصارات جنكيز خان

                            فكيف كان هذا الذى حدث؟
                            وما قصة خروج التتار إلى بلاد الإسلام والمسلمين؟
                            وكيف تهاوت الخلافة على أيديهم بهذه الصورة المهينة؟!
                            إن"ابن الأثير"
                            المؤرخ الكبيرحين أراد أن يسجل تلك الأحداث فى كتابه
                            "الكامل"

                            تمنى أن يكون قد مات قبل أن يسمع عنها أو يراها،فيقول:
                            "لقد بقيت عدة سنين مُعْرِضًا عن ذكرهذه الحادثة استعظامًا بها،
                            كارهًا لذكرها،فأنا أقدم رِجْلا وأؤخرأخرى،
                            فمن الذى يسهل عليه أن يكتب نعى الإسلام والمسلمين،
                            ومن الذى يهون عليه ذكر ذلك،فيا ليت أمى لم تلدنى،
                            ويا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيًا منسيّا،
                            إلا أَنى حثنى جماعة من الأصدقاء على تسطيرها،وأنا متوقف،
                            ثم رأيت أنَّ ترك ذلك لا يجدى نفعًا،
                            فنقول:هذا الفعل يتضمن الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التى عقمت
                            الأيام والليالى عن مثلها،عمت الخلائق،وخصت المسلمين،
                            فلو قال قائل:إن العالم منذ خلق الله-سبحانه وتعالى-آدم إلى الآن
                            لم يُبتلَ بمثلها كان صادقًا،فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها"
                            .
                            وهكذا فعندما تمكن
                            "جنكيز خان"من إخضاع القبائل المجاورة له فى دهاء واقتدار محطِّمًا خصومه مستوليًا على كل ما يملكون،مُدَعِّمًا جيشه بالمحاربين راح يتطلع إلى "إمبراطورية الصين"
                            التى كانت شرقى بلاده.
                            واستطاع أن يستولى على معظم أجزاء
                            "الإمبراطورية الصينية"المتداعية سنة
                            612هـ/1215م.
                            واجتمعت كل ملل الكفرمن الصليبيين والبوذيين والرافضة من أهل الشيعة.
                            لقد ظنوا فى هؤلاء الأشرارمن المغول والتتارالمعاول القادرة على هدم الإسلام وحضارته.


                            اجتماع الصليبيين والمغول
                            لقد كان الصليبيون يحتلون بلاد الشام،وكان المجاهدون المسلمون قد أنزلوا بهم فى عهد عماد الدين زنكى،ونورالدين محمود،وصلاح الدين الأيوبى هزائم ساحقة،
                            ولولا ضعف المسلمين بعد موت
                            صلاح الدين لكانت نهاية الصليبيين بالشام قد تحققت.. ولكن الصليبيين ظلوا يعانون الضعف البالغ ويصمدون رغم ذلك فى مواجهة المسلمين حتى ظهرت قوة المغول،وتأكَّد عداؤهم للإسلام وما أنزلوه بأهله من هزائم ومصائب فى بلاد خراسان وفارسعلى أنقاض دولة السلاجقة هناك،فاجتمعت مصالح الفريقين الصليبيين والمغول
                            فى عداء المسلمين وحربهم،وبدأت الاتصالات بينهم لتنسيق الجهود فى هذا الصراع.
                            وأعمل
                            الصليبيون حيلهم الخبيثة،فعرضوا على التتارالنصرانية،فتنصَّرمنهم عدد كبير، وجعلوا يزوجونهم من النصرانيات الحاقدات على الإسلام وأهله،فاشتعل الحقد الصليبى والبوذى فى الهمجية الشرسة،وانطلقت جحافل التتار
                            تدمرالخيرفى كل مكان.
                            وإذا كان ضعف الدول يغرى بالعدوان عليها،فإن
                            "جنكيز خان"قررأن يتجه إلى "تركستان"
                            ،وراح يستولى على المدن والعواصم واحدة بعد أخرى حتى استولى
                            على جميع تلك البلاد،نذكرمنها
                            "كاشغر"و"بلا سفون"
                            .
                            وراح يفكرمن جديد:إن
                            "إمبراطورية الخطا"
                            غربى بلاده تقع حائلا بينه وبين
                            "المملكة الخوارزمية"فما العمل؟

                            وكيف السبيل إلى مملكة خوارزم، ومن بعدها كل بلاد المسلمين؟
                            راح يستولى على أجزاء من"ملك الخطا"
                            ويقترب بذلك من
                            "المملكة الخوارزمية المسلمة".
                            وكان لابد له من مهاجمتها بما لديه من قوة ساحقة ماحقة ليصنع ملكًا على أنقاض الحضارات وأشلاء الإنسانية،وهكذا كانت الأحلام تراوده!


                            مواجهة المسلمين للتتار
                            من هنا بدأت اللقاءات الدامية بين التتاروالمسلمين،فلقد أرسل"جنكيز خان"خطابًا
                            إلى السلطان
                            "علاء الدين محمد خوارزم شاه"يتباهى فيه بقوته،ويحيطه علمًا بأنه فى الطريق إليه للاستيلاء على مملكته.وكان لابد من أن يبادر"خوارزم شاه"بالخروج لملاقاة التتارفى عقردارهم.ويصل"خوارزم شاه"
                            إلى بيوتهم فلا يجد فيها إلا النساء والصبيان.
                            ويبعث بمن يأتيه بأخبارهم فيعلم أنهم خرجوا لمحاربة
                            "ملك من ملوك الترك"
                            ،
                            وهزموه،وغنموا أمواله،وهاهم أولاء فى طريق العودة.
                            وعلى الطريق التقى الجيشان:جيش
                            "جنكيز خان"،وجيش"خوارزم شاه"
                            واستمرالقتال ثلاثة أيام دون أن يحقق أحدهما نصرًا على الآخر،وقد قتل من المسلمين فى هذه الوقعة عشرون ألفًا،فعاد"جنكيز خان"إلى بلاده،وعاد"خوارزم شاه"هو الآخر إلى بلاده،وكلاهما ينتظراللقاء الحاسم،وأصدر"خوارزم شاه" أوامره إلى أهل"بخارى" و"سمرقند"بالاستعداد لحرب قادمة،وعليهم أن يجمعوا الذخائر،ويستعدوا لحصارقد يطول،وعاد هو إلى خراسان،ومرت خمسة أشهر،وفجأة خرج التتارإلى أهل بخارى
                            مقاتلين محاصرين،ودارت بين الفريقين معركة شرسة استمرت ثلاثة أيام،
                            سقطت بعدها
                            "بخارى"فى أيدى التتارأعداء الإسلام والمسلمين.


                            فظاعة التتار
                            وراح التتاريرتكبون جرائم يشيب لها الولدان،وراحوا يقتلون الفقهاء والعلماء،
                            ويسبون النساء،وينتهكون أعراضهن أمام أهليهن،وقد ثارلذلك كثيرمن المسلمين،
                            وكانوا يفضلون الموت على رؤية هذا الجرم الفاحش والسكوت عليه،
                            فكان كثيرمن المسلمين يقاتلون
                            التتار
                            حتى الموت،ومن كان يسكت على ذلك فإنه
                            رغم سكوته يمثل به ويعذب بأشد أنواع العذاب،ويلقى فى النار.
                            ومن الذين ثاروا لذلك
                            الإمام الفقيه ركن الدين إمام زاده وولده
                            ،فإنهما لما رأيا
                            ما يفعل بالحرم قاتلا حتى قتلا،وكذلك فعل
                            القاضى صدرالدين خان
                            .
                            وأخذوا يشردون الأبرياء،ويهدمون المساجد والمدارس،ويحرقون كل المصاحف
                            التى وجدوها فى
                            مساجد بخارى
                            .
                            وأخذ
                            التتاربعض الأسرى من"بخارى"وعلى رأسهم واليها من قبل خوارزم شاه
                            فى أقبح صورة إلى سمرقند
                            ،ومن لم يقدرعلى السيرمعهم قتلوه.
                            ولما وصلوا إلى
                            "سمرقند"
                            كانت هناك مفاجأة،لقد وجدوا عددًا كبيرًا من أهلها
                            ومعهم خمسون ألفا من
                            الخوارزمية قد استعدوا لمواجهة التتار
                            .
                            ولكن
                            التتارعمدوا إلى المكروالخديعة،للتغلب على أهل سمرقند ومن معهم من الخوارزميين،لقد أظهروا الخوف منهم،وراحوا يتراجعون أمامهم،وراح المسلمون يتقدمون وراءهم ويتابعونهم،وهنا قام جيش التتار
                            بمحاصرة المسلمين والقضاء عليهم وإبادتهم،فلم يسلم منهم أحد،واستشهدوا جميعًا،وكانوا سبعين ألفًا.
                            ولم يكتف
                            التتاربهذا،بل تقدموا ودخلوا"سمرقند"،يقتلون من بقى من أهلها،وفعلوا بسمرقند ما فعلوه ببخارى من نهب وسلب،وقتل وسبى،وحرق للمساجد،
                            وهتك لأعراض المسلمات!وكان ذلك فى عام 617 هـ.


                            وفاة خوارزم شاه
                            ويصدر"جنكيز خان"قائد التتارأوامره إلى رجاله أن يأتوه برأس"خوارزم شاه"
                            فعبروا النهرالفاصل بين سمرقند وخراسان
                            ،ولكنهم لم يظفروا به،ولم يمكنهم الله منه،
                            فقد صعدت روحه إلى باريها ولقى ربه سنة 617هـ/1220م،بعد حياة حافلة بخدمة الإسلام والمسلمين،وكان ملكه ممتدّا
                            من حدود العراق إلى تركستان إلى جانب"غزنة" وبعض بلاد الهند،وسجستان،وكِرمان،وطبرسان،وجرجان،وبلاد الجبل،وخراسان، وبعض فارس،والخطا
                            .
                            لقد كان
                            "خوارزم شاه"عالمًا فقيهًا،معظِّما لأهل الدين،مكرّمًا لهم،مقبلا عليهم،
                            كما كان يعمل للآخرة،فلم يركن إلى الدنيا ويغنمها،ولم يقبل على الشهوات أو
                            ينهمك فى الملذَّات.رحمه الله رحمة واسعة،وجزاه عن الإسلام خيرالجزاء.


                            زحف التتار
                            لم يتوقف"التتار"عند هذا الحد من العدوان على بلاد الإسلام والمسلمين،
                            بل واصلوا الزحف نحو
                            "مازندان"فملكوها،وسقطت فى أيديهم"الرَّى"و"همذان"
                            وساروا إلى"أذربيجان"حتى وصلوا إلى"تبريز"،فلم يخرج إليهم صاحب"أذربيجان" لاشتغاله بملذاته وشهواته،وإنما أرسل إليهم الهدايا وصالحهم على مال وثياب ودواب، ففارقوه إلى بلاد"الكرج"
                            وأوقعوا بهم الهزيمة.
                            وظل
                            التتار
                            ينتقلون من بلد إلى آخريقتلون ويشردون،وما استعصى عليهم من المدن تركوه إلى حين.
                            وعاد
                            التتارإلى"همذان"
                            فقاومهم أهلها مقاومة باسلة جبارة،حتى فكروا فى العدول
                            عنها لكثرة ضحاياهم،لكنهم تماسكوا حتى غلبوا
                            "أهل همذان"
                            ولم يَنْجُ منهم إلا من
                            اتخذ له نفقًا فى الأرض،ومن
                            "همذان"انتقل التتارإلى"أذربيجان"
                            فاستولوا
                            على بعض مدنها،وصالحوا ما كان منها محصنًا.
                            وانتقل
                            التتاربعد ذلك إلى"دربند شروان"
                            ،وفيها أمم كثيرة وطوائف لا حصرلها
                            من
                            الترك،فقتلوا منهم الكثير،وبخاصة فى"بلاد القفجاق"أو(القفقاس
                            )
                            التى اتخذ منهم الملك
                            "الصالح نجم الدين أيوب"مماليكه البحرية وهم
                            ملوك مصر
                            بعد الدولة الأيوبية
                            ،وهم"المعز أيبك"،و"المظفر قطز"و"المنصور قلاوون"
                            وغيرهم.
                            وانتقل
                            التتارمن"بلاد القفجاق"إلى بلاد الروس
                            مما يجاورها فظفروا بها،ثم قصدوا
                            "بلاد بلغار"،فلما سمعوا بقدوم التتار
                            إليهم،خرجوا وكمنوا لهم فى الطريق،وخرجت
                            إلى
                            التتارمجموعة استدرجتهم حتى جاوزوا مواضع الكمين،فخرج عليهم الكمناء من الخلف،فأصبح التتارمحصورين،فقتلهم أهلها،وفرَّالتتار
                            إلى ملكهم،ورجع من سلم منهم
                            إلى بلادهم.
                            ويعود
                            التتاربعد غزوهم الوحشى إلى القلاع الحصينة التى كانت قد استعصت عليهم، ليفتحوها بعد قتل وأسروسبى ونهب وتدميروإحراق،ويتجهون إلى"خراسان"
                            ،
                            فأخذ أهلها يقاتلون ببسالة وشجاعة ليلا ونهارًا،حتى قتلوا من
                            التتار
                            خلقًا عظيمًا،
                            فاشتكى
                            التتارإلى جنكيزمنعتها،فسارإليها بنفسه ومن معه،ولما عجزعنها أمربجمع أكبر قدر ممكن من الحطب،فكان يضع صنفًا من الحطب وصنفًا من التراب،حتى صارهذا الحطب بارتفاع القلعة، فدخلها التتاروفرّالمقاتلون المسلمون منها،فسبى التتارالنساء ونهبوا الأموال وانتهكوا الأعراض،واستولوا على"غزنة"وبلاد"الغور"،ويشاء الله أن يواجههم"جلال الدين بن خوارزم شاه"ومعه من سلم من عسكرأبيه فى"بلق"
                            وأن ينهزم التتاربعد معركة حامية،ويغنم المسلمون ما مع التتار
                            ،ولم يكن قليلا بل كان كثيرًا وعظيمًا.
                            والتقى
                            التتارمع المسلمين ثانية عند"كابُل"
                            وكان النصر للمسلمين،فغنموا من الغنائم ما غنموا،وفكوا أسراهم واستنقذوهم من أيدى أعدائهم الذين لارحمة فى قلوبهم ولا إنسانية.
                            وكان كل شىء يوحى بأن
                            التتار
                            مصيرهم إلى الانهيار،وأن المسلمين سوف يعلوأمرهم، ويعود لهم مجدهم من جديد،لكن فتنة الغنائم والأموال قضت على وحدة الصف،
                            وفرقت الشمل،فنجد
                            أميرين من أمراء الخوارزمية
                            يختلفان على الغنائم ويقتتلان،
                            وتمتد اليد الآثمة،فتقتل أخا الأمير
                            "سيف الدين"،وهو ممن أبلوا بلاءً حسنًا فى حرب التتار،ويغضب"سيف الدين"لمقتل أخيه بعد أن هزم التتار
                            وكاد يقضى عليهم،
                            ويفارق الجيش،ومعه ثلاثون ألفًا،سار بهم إلى
                            الهند،ويحاول"جلال الدين بن خوارزم شاه"إنقاذ الموقف؛فذهب إلى سيف الدين
                            ،وذكره بالجهاد،وخوفه من الله،
                            وبكى بين يديه وقبلهما،لكن ذلك لم يؤثر فيه،ولم يجعله يتراجع.
                            ولما يئس
                            "جلال الدين"وقل العدد معه،أخذ من معه من الجند وسارعوا نحوالهند، وحاولوا عبورالنهر،فلم يجدوا سفنًا،فأدركهم"جنكيز خان"،وقتل"جلال الدين"
                            ومن معه، ثم سار إلى خوارزم، فخربها ودمرها.
                            وهكذا يكون لشهوات النفس والثأرلغيرالله أثركبير فى ضياع ملك المسلمين
                            وتخريب ديارهم.
                            لقد تم بذلك ل
                            جنكيزخان مملكة عظيمة واسعة مترامية الأطراف تبتدئ شرقًا من بلاد الصين،وتنتهى غربًا إلى بلاد العراق وبحر الخزروبلاد الروس،وجنوبًا ببلاد الهند، وشمالا بالبحرالشمالى
                            .
                            تم كل ذلك فى مدة قصيرة مما جعل المؤرخ
                            "ابن الأثير"
                            وقد عاصرتلك الأحداث،
                            يقول:
                            "لقد جرى لهؤلاءالتتار
                            ما لم يسمع بمثله فى قديم الزمان وحديثه،طائفة تخرج
                            من حدود
                            "الصين"،لاتنقضى عليهم سنة حتى يصل بعضهم إلى بلاد"أرمينية"
                            من هذه الناحية ويجاورواالعراقمن ناحية"همذان"
                            !
                            وتالله لا شك أن من يجىء بعدنا-إذا بَعُد العهد-،ويرى هذه الحادثة مسطورة ينكرها، ويستبعدها،والحق بيده،فمن استبعد ذلك فلينظرأننا سطرنا نحن وكل من جمع التاريخ
                            فى أزماننا هذه،فى وقت كل من فيه يعلم هذه الحادثة،استوى فى معرفتها العالم
                            والجاهل لشهرتها"
                            .
                            فلما أحس
                            جنكيزخان
                            بقرب نهاية أجله راح يقسم مملكته بين أبنائه الأربعة
                            إلى أربعة أقسام،فقد أراد أن يملك أولاده الدنيا بأسرها،ولا يبقى فيها لغيرهم كلمة
                            ولا سلطان.
                            ولولا ما حصل بعده من الخلاف لتم كل ما توقعه،وفى سنة 624هـ/ 1227م
                            أدركته منيته،
                            وكان ذلك فى عهد الخليفة العباسى المستنصربالله وهو
                            المنصور بن محمد الظاهر
                            (623هـ-640هـ).
                            وظهر من آل
                            جنكيزخان
                            أربعة بيوت،ورثت الملك،وتممت الغزوالغاشم
                            حتى تهيأ لها أن تملك معظم بلاد المسلمين،وجزءًا كبيرًا من أوربا،وامتد سلطان
                            "التتار"على الجزيرة والشام وبلاد الروم.


                            سقوط الخلافة العباسية
                            وقعت هذه الحوادث وخليفة بغداد لاهٍ،بينما التتاريسيرون فى بلاد المسلمين
                            قتلا وأسرًا وتخريبًا،ثم سارت جيوش
                            هولاكو قاصدة بغداد فى عهد المستعصم
                            .
                            ففى منتصف المحرم سنة 656هـ/ 1258م،نزل بنفسه على
                            بغداد
                            ،وأعد عدة
                            الحصار،ولم يكن عند الخليفة ما يدفع به ذلك السيل الجارف،واكتفى بإقفال الأبواب، فجدَّ
                            المغول
                            فى القتال حتى ملكوا الأسوار بعد حصارلم يزد على عشرة أيام.
                            وبملك الأسوار تم لهم ملك البلد.
                            وهنا برزت صفحة دنيئة من الخيانة التى مثلها الوزيرالشيعى الرافضى محمد بن العلقمي،ذلك الذى كان يراسل التتار،ويرغبهم فى دخول بغداد،وكان يعمل جهده فى تقليل قوة المسلمين بتسريح جيشهم وإهمال شأنه حتى لم يعد قادرًا أن يقف ولو ظاهريّا أمام التتار،وكان هذا الوزيرأول من خرج لاستقبال هولاكو لما أحاط بالمدينة،
                            ثم عاد ينصح الخليفة بالخروج لاستقبال هولاكو،وأن يجعل للتتارنصف خراج العراق.
                            فخرج الخليفة ومعه العلماء والقضاة والفقهاء والأمراء،وحمل له الخليفة الذهب
                            والحلى والمصاغ والجواهر والأشياء النفيسة.
                            أشارابن العلقمى والرافضة على هولاكو ألا يقبل من الخليفة نصف الخراج،
                            بل أشارعلى هولاكو أن يقتله،وقد كان هولاكو رغم وثنيته وكفره يتهيب قتل خليفة المسلمين،لكن هذا الوزيرالشيعى الرافضى هون عليه أمرالخليفة فقتله،
                            وقتل كل العلماء والفقهاء،فعل ابن العلقمى كل ذلك طامعًا أن يزيل السنة.

                            ولم يبق آمنًا من هذه المذبحة الرهيبة غير اليهود والنصارى الذين عملوا أدلاء لجحافل التتارالكافرة
                            ،يدلونهم على من اختفى من علماء المسلمين أو تجارهم ليذهبوا إليهم فى مخابئهم فيذبحوهم،وكان هذا هو الجزاء الذى تلقاه المسلمون على تسامحهم العظيم
                            مع أهل الذمة من
                            اليهود
                            خاصة.
                            وبهذا القتل كسفت شمس الخلافة العباسية بعد أن مكثت مشرقة 524 سنة.


                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            استعرضنا سوياً عصور التاريخ الإسلامى من البداية
                            وحتى سقوط دولة الخلافة والتى تمثلت حينها فى الخلافة العباسية
                            على أيدى المغول الوثنيين
                            والأن ننحى منحى جديد من التاريخ الإسلامى من خلال استعراض
                            عصر ما بعد الخلافة والمتمثل فى عصر الدويلات المستقلة


                            مدخل إلى عصر التفكك الاول

                            الدولة المستقلة عن الخلافة العباسية
                            فى عهد الخلافة العباسية استقلَّت بعض الدول عنها استقلالاً تاما،
                            بينما أخذ بعضها يتجه نحو استقلال جزئى تصبح البلاد فيه تابعة للخلافة اسمًا
                            (
                            فقط
                            )بحيث تستمد منها مكانتها الروحية وقدرها العظيم فى نفوس المسلمين.

                            و
                            يقف المؤرخون والمحللون أمام قيام بعض الدول وانهيارأخرى وقفات تأملية
                            يبحثون عن الأسباب والعوامل التى أدت إلى قيام هذه وانهيار تلك.
                            وعلى كلّ،فقد كان قيام الدويلات نتيجة لضعف الخلافة،
                            وسببًا لمزيد من الانحلال،
                            وخطوة على طريق النهاية،
                            لقد قامت أولى هذه الدويلات فى أقصى الغرب؛
                            لبعده عن عاصمة الدولة،ومركز السلطان فيها،

                            فقامت دولة الأمويين فى الأندلس
                            ،وبقيامها فى سنة 137هـ/756م
                            ضعف نفوذ العباسيين على الغرب،وسرعان ما نشأت الدويلات فى شمال إفريقية.
                            وحين تطرق الضعف إلى جسد الخلافة العباسية جميعًا،
                            نشأت الدويلات فى بقية أجزاء الدولة،
                            وقد تسببت هذه الدول فى ضعف الدولة العباسية وانحلالها؛
                            ذلك لأنَّ علاقة هذه الدويلات بالدولة العباسية كانت مختلفة اختلافًا كبيرًا،
                            فقد انفصل بعضها عن الدولة انفصالا تامّا،
                            ونافسها بعضها على تولى الخلافة نفسها.
                            كما ظل قسم آخرعلى علاقة اسمية بالدولة،
                            فيكفى الخليفة أن يذكراسمه على المنابر،ويصك اسمه على العملة،
                            وفى حقيقة الأمرأنها دولة مستقلة تمامًا لا تخضع له فى شىء.
                            وهناك دويلات ظلت على صلة متغيرة بالدولة،تقوى حينًا،
                            وتضعف حينًا آخرتبعًا لتغيرالأحوال.
                            وفيما يلى نذكر هذه الدول والإمارات،
                            التى انفصلت عن دولة الخلافة العباسية،وهى:

                            أولا
                            الإمارة الأموية فى الأندلس.

                            ثانيًَا
                            الدول فى بلاد المغرب
                            وهى:
                            1-الدولة الرستمية.
                            2-دولة الأدارسة.
                            3-دولة الأغالبة.


                            ثالثًا
                            الدول فى بلاد الشرق،
                            وهى:
                            1-الدولة الطاهرية.
                            2-الدولة الصفارية.
                            3-الدولة السامانية.
                            4-الدولة الغزنوية.


                            رابعًا
                            الدول فى مصروالشام،
                            وهى:
                            1-الدولة الطولونية.
                            2-الدولة الإخشيدية.
                            3-الدولة الحمدانية.
                            4-الدولة الفاطمية.
                            5-الدولة الأيوبية.
                            6-الدولة المملوكية.


                            وسوف نعرض لها تفصيلاً تباعاً إن شاء الله


                            تعليق


                            • #15
                              رد: موسوعة التاريخ الإسلامى للأسرة المسلمة

                              الإمارة في الأندلس
                              (138-422هـ/ 750-1031م)

                              عبدالرحمن الداخل
                              لما قامت الخلافة العباسية طارد العباسيون الأمويين،
                              ويشاء الله أن يفلت من أيديهم واحد من بنى أمية:
                              أتدرى من هو؟
                              إنه عبدالرحمن بن معاوية بن هشام حفيد هشام بن عبد الملك
                              عاشرالخلفاء الأمويين
                              .
                              لقد هرب إلى فلسطين،ومنها إلى مصرثم المغرب بعد خمس سنوات
                              من التجول والتخفى عن عيون العباسيين ومكث عند أخواله الذين أكرموه.

                              ومن هناك راح ينتقل من"برقة"إلى"المغرب الأقصى"
                              حتى وصل إلى مدينة
                              "سبتة"
                              سنة 137هـ/ 755م،وراح يُعِدّ العدة ويلتقط أنفاسه،
                              ويرسم الخطوط العريضة لإقامة دولة يحيى بها مجد آبائه وأجداده الأمويين.
                              وأخذ يتطلع إلى
                              "الأندلس الإسلامية"
                              ليقيم فيها الخلافة الإسلامية الأموية
                              من جديد،فهى البلاد التى فتحها الجيش الإسلامى بقيادة
                              طارق بن زياد

                              و
                              موسى بن نصير،زمن الأمويين
                              منذ سنة 92هـ/711م،
                              وإليهم يرجع الفضل فى فتحها!

                              ولقد استقرت بها طوائف من أهل الشام وجُنْدِه الموالين
                              للبيت الأموى
                              .
                              وهنا أرسل
                              "عبد الرحمن"أحدَ أتباعه،وهو مولاه"بدر"
                              ؛
                              ليجمع كلمة الذين يدينون ل
                              بنى أمية بالولاء والانتماء،ورَحّبَ به أنصارُبنى أمية
                              ،
                              ورأَوْا فيه شخصًا جديرًا بأن يتولى زعامتهم بدلا من ذلك
                              الوالى العباسى
                              ،
                              وعبرالبحر إلى
                              شاطئ الأندلس،وهناك انضمّ إليه أنصارُبنى أمية
                              ،
                              فقد انتهز
                              عبد الرحمن الداخل فرصة الخلافات بين العرب المُضَريِّين
                              والعرب اليمنيين فى الأندلس،فانضم إلى اليمنيين
                              لأنهم كانوا مغلوبين على
                              أمرهم،وهزم
                              المضريين بقيادة يوسف الفهرى فى موقعة"المصارة"
                              فى 138هـ/ 756م،فاستولى على مدن البلاد الأندلسية الجنوبية
                              دون مقاومة،
                              ثم راح يستولى على
                              "قرطبة"عاصمة"ولاية الأندلس"
                              سنة 141هـ/ 759م،
                              بعد هزيمة
                              الوالى العباسي
                              ،وأعلن نفسه أميرًا،وأصدرعفوّا عامًا غداة دخوله
                              قرطبة
                              ليمكن لنفسه فى البلاد،وتم له ما أراد بعد بضع سنوات فقط من تولى
                              العباسيين عرش الخلافة فى
                              بغداد،وبهذا انفصلت ولاية الأندلس
                              ،
                              عن
                              الخلافة فى بغداد
                              انفصالا رسميّا.

                              ولكن ماذا كان موقف العباسيين من هذا الذى زاحمهم فى الأندلس،
                              بل وأنهى حكمهم هناك؟

                              ظل"عبد الرحمن الأموى"يعمل طوال مدة حكمه
                              التى استمرت ثلاثة وثلاثين
                              عامًا
                              على تأمين مركزه فى جميع أجزاء دولته الجديدة،فأخمد الفتن،
                              وأحبط الدسائس،وقضى على تلك المحاولات التى قام بها
                              العباسيون
                              لإخراجه من الأندلس.

                              صقر قريش
                              لقد أرسل أبو جعفرالمنصور إليه جيشًا بقيادة العلاء بن مغيث لإخضاع
                              الأندلس فهزمه عبد الرحمن بن معاوية وقتل العلاء
                              .

                              ف
                              ماذا فعل المنصور؟

                              و
                              كيف كان رد الفعل؟

                              لم يحاول المنصورالعباسى أن يُعيِّن على الأندلس
                              أحدًا بعد هذا الذى قُتل.
                              ولم يحاول أن يرسل جيشًا لحربه،بل فَضَّل أن يقربالأمرالواقع ويعترف له بلقب:
                              "صقر قريش"
                              ،
                              فقد أطلق عليه
                              أبوجعفرالمنصور
                              هذا اللقب لاعترافه بشجاعته وقوته،
                              فيروى أنأبا جعفر
                              قال يومًا لبعض جلسائه:
                              "أخبرونى من صقرقريش من الملوك،؟
                              قالوا ذلك أميرالمؤمنين الذى راضى الملوك،وسكن الزلازل،
                              وأباد الأعداء،وحسم الأدواء(
                              يقصدون أبا جعفرالمنصور
                              ).
                              قال :ما قلتم شيئًا.
                              قالوا:فمعاوية ؟
                              قال:لا.
                              قالوا:فعبد الملك بن مروان؟
                              قال ما قلتم شيئًا.
                              قالوا:فمن يا أميرالمؤمنين ؟
                              قال صقرقريش عبدالرحمن بن معاوية الذى عبرالبحر،وقطع القفر،
                              ودخل بلدًا أعجميّا منفردًا بنفسه فمصَّرالأمصار،وجنّد الأجناد،
                              ودَوَّن الدواوين،ونال ملكًا بعد انقطاعه بحسن تدبيره وشدة شكيمته،
                              إن معاوية نهض بمركب حمله عمروعثمان عليه وذلَّلا له صعبه،
                              وعبد الملك ببيعة أبرم عقدها،وأميرالمؤمنين بطلب عترته واجتماع شيعته،
                              وعبد الرحمن منفرد بنفسه،مؤيد بأمره مستصحب لعزمه،فمد الخلافة بالأندلس،
                              وافتتح الثغور وقتل المارقين وأذل الجبابرة الثائرين".


                              أخلاق عبدالرحمن
                              وقد كان عبد الرحمن جوادًا بسيطًا متواضعًا،يؤثر لبس البياض،
                              ويصلى بالناس الجمع والأعياد،ويحضر الجنائز،ويعود المرضى،
                              ويزور الناس ويخاطبهم،وكان نقش خاتمه
                              "عبد الرحمن بقضاء الله راض"
                              و"بالله يثق عبد الرحمن به يعتصم"
                              ،
                              وكان شاعرًا بليغًا عالمًا بأحكام الشريعة.
                              ولقد اكتفت ال
                              خلافة العباسية ببقاء عبد الرحمن الأموى بعيدًا عنها فى إمارته.

                              النهضة العمرانية
                              وراح عبد الرحمن يبنى، ويعمر،
                              ويُعيدُ الحياة الآمنة الهادئة إلى
                              ربوع الأندلس
                              أكثرمن ثلاثين سنة.
                              ولقد قابلته صعوبات وعقبات،
                              منها تلك الفتن التى نشبت بين
                              المضرية واليمنية،وهما من العرب
                              ،
                              وكان هناك خطرجاثم يتمثل فى
                              "دولة الفرنجة"(فرنسا الآن

                              وكانت هناك
                              أسبانيا النصرانية التى استطاعت أن تكون مملكة فى
                              الشمال
                              الغربى من شبه جزيرة أيبيريا
                              (أسبانيا
                              ).
                              ولقد استطاع أهل
                              مدينة سرقسطة مع واليهم أن يصدوا هجوم شارلمان
                              سنة 161هـ/ 778م.
                              وقد استطاع
                              عبد الرحمن أن ينافس العباسيين فى بغداد
                              ،
                              وفاقت حضارة بلاده حضارات الدولة الأوربية المعاصرة لها،
                              فقد أعاد
                              عبد الرحمن بناء مسجد قرطبة
                              ،وأنشأ فيها الحدائق والبساتين والقصور،
                              واهتم بالعلم والعلماء.
                              وعاش من فى
                              الأندلس من نصارى ويهود
                              عيشة هانئة آمنة سعيدة
                              فى ظل
                              التسامح الإسلامى،حتى توفى عبد الرحمن
                              سنة 172هـ/799م،
                              و
                              عاشت الدولة من بعده قرنين ونصف قرن من الزمان!

                              ترى من سيخلف"عبد الرحمن الأموي"
                              وهل سيصفو الجوُّ لَهُ كما صفا لمن سبقه؟


                              هشام الأول
                              لقد حكم الأندلس بعد وفاة"عبد الرحمن الداخل"ابنه"هشام الأول"،
                              وكان وَرِعًا تقيّا يتشّبه ب
                              عمربن عبد العزيز
                              -رضى الله عنه-،
                              وكان شغفه بالجهاد،وإعلاء كلمة الدين من أخص مظاهر تقواه،
                              فقد أرسل الحملات الكثيرة التى هزمت
                              الفرنجة
                              ،واستولى على مدنهم،
                              ونشرالإسلام فيها،وكان ينفق الأموال الطائلة فى افتداء أسرى المسلمين
                              حتى لم يَبْقَ فى قبضة العدو منهم أحد،
                              رتب فى ديوانه أرزاقًا لأسر الجند من الشهداء،
                              وفى عهده جُعلت اللغة العربية لغة التدريس فى معاهد
                              اليهود والنصارى
                              ،
                              وكان ذلك سببًا فى استقرارالبلاد وهدوء الخلافات بين
                              النصارى والمسلمين
                              ،
                              ووقوف
                              النصارى
                              على حقيقة الإسلام،ودخول الكثيرين منهم فى الإسلام.

                              وكان يحب مجالس العلم والفقه والأدب،وكان معاصرًا
                              للإمام مالك
                              ،
                              وكان
                              الإمام مالك يحبه ويعجب بسيرته،ولذلك انتشرمذهب الإمام مالك

                              فى
                              الأندلس فى عهد هشام
                              ،ولشدة عدله وتقواه قصده كثيرمن العلماء والفقهاء.
                              وكان يرسل الوعاظ إلى جميع أجزاء مملكته للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر،
                              وكان يعود المرضى،ويخرج فى الليالى العاصفة وهو يحمل الطعام لأحد الزهاد،
                              حتى إذا بلغ داره جلس بجانبه يؤنسه ويرعاه،
                              ويرسل من يثق فيهم من رجاله إلى
                              بلاد الأندلس ومدنها
                              ،
                              يسألون الناس عن أحوالهم وسيرة عماله فيهم،
                              فإذا انتهى إليه أن أحدهم أسرف عزله عن عمله،
                              وكان يهتم بالزكاة فيجمعها وينفقها فى وجوهها.
                              ولقى
                              هشام ربه سنة 180هـ/ 796م.

                              الحكم الأول
                              وجاء بعد هشام ابنه الحكم الأول،
                              وكان حازمًا شجاعًا قويًا على أعدائه،كريمًا يميل إلى العفو،فطنًا،حسن التدبير،
                              واسع الحيلة،يؤثر العدل،ويحرص على إقامته،ويختارلقضائه أفضل الناس
                              وأكثرهم نزاهة وورعًا،وكان يسلط قضاته على نفسه وولده وخاصته،
                              وكان قاضيه
                              محمد بن بشير
                              من أعظم القضاة نزاهة واستقلالا فى الرأى والحكم،
                              وكان
                              الحكم
                              خطيبًا مفوهًا وشاعرًا مجيدًا،نظم الشعرفى مناسبات مختلفة.
                              واهتم بالعمران والصناعة والزراعة،وكان محبّا للثقافة،نصيرًا للعلوم والآداب،
                              يحشد حوله جمهرة من أكابر العلماء والأدباء والشعراء،
                              مثل
                              العلامة الفلكى الشهيرعباس بن فرناس
                              .
                              وقد اشتهرببره بأهل بيته،وإغداقه النعم على أقربائه،وكان يعشق الفلك،
                              ويهتم بدراسته،وكان
                              ابن فرناس،وعبيد الله بن الشمر
                              من أساتذته فى هذا الفن،
                              وكان يقربهما ويجرى عليهما الأرزاق.

                              وفى عهده ازداد شأن
                              الحكومة الإسلامية عند بلاد الفرنجة،
                              وصارت لها مكانتها ومنزلتها بين حكومات هذه البلاد الفرنجية،
                              وصارت الدولة الإسلامية توفد سفاراتها إلى كل هذه الدول،
                              وتوفى سنة 206هـ/228م.

                              عبدالرحمن الثانى
                              ويتولى الأمرفى"الأندلس"عبد الرحمن الثانى(الأوسط)
                              ولكن الوضع فى عهده كان يختلف عمن قبله.
                              لقد امتاز عهده بالهدوء والسلام الداخلى بعد أن قضى على الثورات
                              والفتن الداخلية،وقضى على
                              غارات النورمان على الأندلس
                              ،
                              فنهض لإصلاح البلاد؛مما أدى إلى ازدهارالحياة بها ونمائها حتى راحت
                              تنافس
                              دولة العباسيين
                              فى النهضة العلمية،وفى التقدم الاقتصادى والحضارى.
                              وقد أنشأ دارًا كبيرة فى
                              أشبيلية لصناعة السفن،كانت
                              نواة للأسطول الإسلامى
                              الأندلسى
                              الذى ازدهر فى أيام عبد الرحمن الناصر
                              .
                              وظلت
                              الأندلس تنعم بحياة مزدهرة حتى لقى الأميرعبد الرحمن الأوسط
                              ربه سنة 238هـ/ 853م.

                              ثلاثة أمراء
                              وتمرالسنوات سراعًا فيتغيرحال الأندلس،
                              وتضطرب الأمور نتيجة للثورات الداخلية،
                              و
                              يتوالى على الحكم ثلاثة من الأمراء
                              :

                              الأول:محمد بن عبد الرحمن(الأول

                              وكان فاضلا مهتمّا بأحوال المسلمين،والعناية بمصالحهم وثغورهم،
                              حاول الحفاظ على الدولة الإسلامية بالأندلس من التفكك والضعف.
                              ولكن الأحداث كانت تجرى على غيرما يشتهى،
                              ومع ذلك فقد أرسل الحملات الكثيرة لتأديب الثائرين وقمع المعتدين،
                              وكان يخرج بنفسه على رأس حملات لغزو
                              النصارى
                              ورد كيدهم،
                              وقوّى الجيش وأعد الحصون،وخفف الضرائب عن الناس رغم كثرة الحروب،
                              واكتفى بدعوتهم للتطوع للجهاد فى سبيل الله،وكان يُقرب العلماء والفقهاء،
                              ونال الفقهاء فى عصره كثيرًا من الرعاية،ومع أن مدته كانت حربًا عسكرية
                              فإنه قام بالعديد من الإصلاحات،
                              مثل بعض التجديدات والإضافات الكثيرة فى
                              المسجد الجامع بقرطبة
                              .

                              الثانى:المنذر بن محمد

                              وكان قويّا شجاعًا حازمًا مع زعماء الفتنة يخافونه ويهابونه،
                              ولولا وفاته المفاجئة لقضى على هذه الفتن،وكان من أصلح
                              أمراء بنى أمية
                              وأحسنهم خلقًا،وكان يؤثرمجالس العلماء والشعراء ويعظمهم،
                              وكان يلجأ إلى أهل العلم لاستشارتهم.

                              الثالث:عبد الله بن محمد
                              الذى استمر حكمه حتى سنة 300هـ/913م.
                              وكان الوضع السياسى خلال فترة هؤلاء الثلاثة منذرًا بأسوأ حال،
                              فلقد تمزقت وحدة البلاد،وانحسر
                              الحكم الأموى
                              عن البلاد،
                              ولم يبقَ فى يد الأمراء المسلمين إلا
                              قرطبة
                              ،
                              بينما انقسمت
                              الدولة الأندلسية إلى دويلات مستقلة
                              حتى قيض الله لها
                              فى القرن الرابع الهجرى،العاشر الميلادى من يأخذ بيدها
                              ،
                              فقد بلغت البلاد من القوة والازدهار وذيوع الصيت ما لم تبلغه من قبل
                              فى عهد
                              عبد الرحمن الناصر
                              (300-350هـ/913-961م)
                              كذلك كانت ولاية حكم
                              المستنصر
                              (350-366هـ/961-977)،
                              و
                              الأسرة العامرية خيرًا وبركة على الدولة الإسلامية حتى نهاية القرن
                              الرابع الهجرى.

                              ملوك الطوائف
                              شاء الله أن تدخل الأندلس فى القرن الخامس الهجرى،الحادى عشرالميلادى
                              دورًا طويلا من التفكك الداخلى بين أجزائها على أيدى ملوك مسلمين
                              أَطلق عليهم التاريخ اسم
                              "ملوك الطوائف"
                              ،
                              وما زال هؤلاء الملوك يتناحرون فيما بينهم حتى سقطت
                              طُلَيْطِلَة فى أيدى الأسبان
                              ،
                              وهنا ظهر
                              المرابطون،وهم جماعة من البربرالأشداء ظهروا فى بلاد المغرب، واستطاعوا حكمها حتى استنجد بهم المسلمون فى الأندلس بعد سقوط طليطلة
                              ،
                              فأوقعوا ب
                              الأسبان الصليبيين
                              هزيمة ساحقة على يد
                              الزعيم المرابطى العظيم يوسف بن تَاشَفِين
                              ،
                              ومضى خلفاء
                              يوسف على ذلك العهد من الجهاد للأعداء والحفاظ على الأندلس
                              حتى ضعفت دولتهم،وورثها الموحدون وهم يشبهون المرابطين
                              فقد كانوا أيضًا
                              من البدو الذين حكموا
                              المغرب، ثم عبروا إلى الأندلس مجاهدين ليمدوا فى عمر المسلمين هناك عصورًا أخرى من الغزو والحضارة،فلما ضعف الموحدون

                              انقسمت
                              الأندلس بين زعمائها حتى ظهربنوالأحمرفى"عُمْر ناقة"
                              فأقاموا بها ملكًا عظيمًا.

                              مظاهرالحقد الصليبى
                              لقد ظهرالحقد الصليبى فى أبشع صوره بعد سقوط طليطلة،
                              فقد حولوا
                              جامعها إلى كنيسة على يد الفونس السادس،الحاكم الأسبانى
                              ،
                              ولم يسلم مسلم من أذاهم،وتجلى حقدهم الأعمى على
                              الإسلام والمسلمين
                              ،
                              فأعملوا فيهم القتل والتعذيب والإحراق،
                              وما تزال صحائف محاكم التفتيش السود تنطق بما حَلّ بالمسلمين
                              ،
                              تلك التى أقاموها للمسلمين بعد أن زال سلطان المسلمين نهائياً من
                              أسبانيا
                              عندما استسلم أبوعبد الله ملك"غرناطة"
                              سنة 898هـ/ 1492م.
                              وضاع ذلك
                              "الفردوس"
                              من أيدى المسلمين.
                              لقد كان
                              البيزنطيون يقيمون المذابح فى البلاد القريبة من الحدود البيزنطية
                              فى الشام والجزيرة من بلاد العراق
                              .
                              كما ارتكبت الجرائم على أيدى
                              الصليبيين الذين غزوا مصروالشام
                              .
                              وراح
                              التتاريشنون حرب إبادة وتعذيب فى بلاد ما وراء النهروخراسان
                              والعراق والشام
                              .
                              كلهم تكالبوا على
                              المسلمين
                              ،ونكلوا بهم،
                              بينما
                              كانالفتح الإسلامى
                              كله عدل ورحمة ومحبة وتسامح وحرية للأديان،
                              واحترام لحقوق الإنسان.

                              لقد هدموا المساجد فى الأندلس التى تدل على تاريخ المسلمين
                              بها،
                              بينما بقيت
                              الكنائس فى كل البلاد التى ظلت تحت حكم الإسلام والمسلمين
                              ،
                              ألا فلتشهد الدنيا سماحة الإسلام والمسلمين!

                              ترى هل تعود الأندلس إلى أحضان المسلمين ثانية؟

                              لن تعــود إلا بالعمل الجاد والإيمان العميق والعلم والتقدم
                              ،
                              ووحدة الصف الإسلامي.
                              لقد رفضت الدولة الرومانيةالدعوة السلمية التى بعث بها رسول الله
                              -صلى الله عليه وسلم
                              - إلى ملكها ليدخل فى دين الله،
                              وتحركت
                              بدافع صليبى
                              لمحاولة القضاء على الإسلام،
                              فنشأ
                              الصراع الحربى الذى انتهى بدخول المسلمينالشام ثم آسيا الصغرى
                              ،
                              بالإضافة إلى
                              مصروالنوبة وشمال إفريقية وإجلاء الرومان عنها
                              ،
                              ف
                              زادت الضغينة،وتراكمت المرارة فى قلوب الصليبيين
                              ،
                              فظلوا يتربصون لهذا الدين،يتمنون فرصة مواتية يكرُّون عليه فيها
                              ،
                              ويُجْلونه عن الأماكن التى فتحها وفتح قلوب أهلها للحق
                              .

                              لكنهم ما كانوا يفكرون فى ذلك والدولة الإسلامية فى قوتها وسطوتها
                              أيام الأمويين، وأيام قوة الدولة العباسية.

                              فلما انتشر الترف
                              ؛
                              تراخى المسلمون عن رسالتهم وسادت النزاعات والشقاقات فيما بينهم.
                              وهنا جاءت الصليبية،واستولت على ساحل الشام فى
                              القرنين الخامس
                              والسادس
                              الهجريين
                              ،
                              ثم هبالشرقممثلا فىالأتراك العثمانيين فأسقط الدولة البيزنطية
                              ،
                              واستولى على
                              البلقان
                              .
                              وعاد الغرب فى القرنين التاسع عشر والعشرين ممثلا فىالاستعمار الأوربى

                              ليستولى على كثير منبلاد الشرق.

                              يُتبع إن شاء الله ،،،

                              __________________




                              تعليق

                              يعمل...
                              X