إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #76
    رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

    تعليق


    • #77
      رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

      الجزء الرابع والعشرون من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ ))





      و أنت على الحق فأعلم أنه لن تغفل عنك عين الأعداء أبدا , وسوف يستمرون بعدد من المحاولات لاستفزازك , وإضعاف العزيمة لديك , وتذكر قول الله تعالى(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )الأنفال30
      فمهما فعلوا ليحولوا بينك وبين الحق لن يستطيعوا أبدا ..
      فالحق يعلوا ولا يعلى عليه ..وهو المنتصر في نهاية الطريق ..
      فهذا هو حال كفار قريش فهما اكتفوا بما فعلوه بالمؤمنين , في مكة , وأثناء الهجرة , بل أيضا أغاظهم أيضا أن يجدوا مأمنا آمن لهم , وآمنا لدعوة الحق التي يتبعونها ويحمونها بكل نفيس وغالي .
      فكتب كفار قريش كتابا لعبد الله بن أبي بن سلول بصفته رئيس للأنصار قبل الهجرة , فقد كان الأنصار سوف يجعلونه ملكا عليهم قبل أن يهاجر إليهم الر سول ..
      كتب كفار قريش إليه وإلى أصحابه المشركين يقولون لهم :
      (إنكم آويتم صاحبنا , و إنا نقسم بالله لتقاتلنه أو لتخرجنه , أو لنسيرن إليكم بأجمعنا , حتى نقتل مقاتلتكم , ونستبيح نساءكم )
      وبمجرد بلوغ هذا الكتاب قام عبدالله بن أبي ليمتثل أوامر إخوانه المشركين من أهل مكة , وقد كان يحقد على النبي صلى الله عليه وسلم , لما يراه أنه استلبه ملكه ..
      يقول عبد الرحمن بن كعب : فلما بلغ ذلك عبدالله بن أبي ومن كان معه من عبدة الأوثان اجتمعوا لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لقيهم , فقال ( لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريدون أن تكيدوا به أنفسكم , تريدون أن تقاتلوا أبناءكم و إخوانكم ) فلما سمعوا ذلك من النبي تفرقوا ..
      امتنع عبدالله بن أبي ابن سلول عن إرادة القتال عند ذاك , لما رأى خورا أو رشدا في أصحابه , ولكن يبدوا أنه كان متواطئا مع قريش , فكان لا يجد فرصة إلا وينتهزها لإيقاع الشر بين المسلمين و المشركين , وكان يضم معه اليهود , ليعينوه على ذلك , ولكن تلك هي حكمة الرسول التي كانت تطفئ نار شرهم حين بعد حين ..

      إعلان عزيمة الصد عن المسجد الحرام ..

      ثم إن سعد بن معاذ انطلق مكة معتمرا , فنزل على أمية بن خلف في مكة , فقال لأمية : انظر لي ساعة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت , فخرج به قريبا من لقف النهار فلقيهما أبو جهل فقال : يا أبا صفوان , من هذا معك ؟؟ فقال : هذا سعد . فقال له أبو جهل : ألا أراك تطوف بمكة آمنا وقد آويتم الصباة , وزعمتم أنكم تنصرونهم , وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالما , فقال له سعد ورفع صوته عليه : أما والله لئن منعتني هذا لأمنعك ما هو أشد عليك منه , طريقك على أهل المدينة ..
      قريش تهدد المهاجرين ..
      ثم إن قريشا أرسلت إلى المسلمين تقول لهم : لا يغرنكم أنكم أفلتمونا إلى يثرب سنأتيكم فنستأصلكم ونبيد خضراءكم في عقر داركم ..
      ولم يكن هذا كله وعيدا مجردا , فقد تأكد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكائد قريش و إرادتها الشر ما كان لأجله لا يبيت إلا ساهرا , أو في حرس من الصحابة ..
      فقد روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : سهر رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة المدينة ليلة , فقال : ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة ) , قالت: فبينما نحن كذلك سمعنا خشخشة سلاح , فقال : (من هذا ؟؟) قال : سعد بن أبي وقاص , فقال له رسول الله : ما جاء بك ؟؟ فقال : وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجئت أحرسه , فدعا له رسول الله , ثم نام ..
      ولم تكن هذه الحراسة مختصة ببعض الليالي بل كان ذلك أمرا مستمرا ..
      وفي هذه الظروف الخطيرة التي كانت تهدد كيان المسلمين بالمدينة , والتي كانت تنبئ عن قريش أنهم لا يفيقون عن غيهم , ولا يمتنعون عن تمردهم بحال من الأحوال , أنزل الله الإذن بالقتال للمسلمين فقال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} : الحج ..
      ومن هنا أخذ المسلمون يستعدون لأخذ حقوقهم , وبسط سيطرتهم على طرق التجارة المؤدية من مكة إلى الشام واختار الرسول لبسط هذه السيطرة خطتين :
      1-عقد معاهدات التحالف أو عدم الاعتداء مع القبائل التي الطريق ,أو كانت مجاورة لهذا الطريق أو كانت تقطن مابين هذا الطريق وما بين المدينة ..
      2-إرسال البعوث واحدة تلو الأخرى إلى هذا الطريق ..

      يتبع

      تعليق


      • #78
        رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

        جزاكى الله كل خير
        وادعوا الله لكى بالشفاء
        وأن يجعل هذا العمل فى ميزان حسناتك
        انما أشكوا بثى وحزنى الى الله
        الهى كفانى فخرا ان تكون لى ربا-- وكفانى عزا ان اكون لك عبدا انت كما اريد فاجعلنى كما تريد-- اللهم اجعلنا اغنى خلقك بك-- وافقر عبادك اليك-- اللهم اننا نشهدك اننا نشتاق اليك- فلا تحرمنا من لذة القرب منك فى الدنيا ولا لذة النظر الى وجهك الكريم فى الاخرة

        تعليق


        • #79
          رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

          الجزء الخامس والعشرون من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))

          بسم الله الرحمن الرحيم


          إذا سلب الحق من أصاحبه و ضاعت الحقوق , وانتشر الظلم والطغيان و في الأرض , فلابد من محاربته بكل ما أوتينا من قوة , فلنقف بجانب بعضنا البعض ولنواجه الظلم بكل بسالة وشجاعة وصدق المولى حين قال (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ{39} الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ{40}..الحج ..
          فهذا هو العدل الرباني .. العين بالعين والسن بالسن .. والجروح قصاص .
          فمن أخرجنا من أرضنا وسلب حقوقنا .. ونال من عزتنا وشرفنا ..وسعى في فساد ديننا ومعتقداتنا .. فكان هذا هو جزائه , قال تعالى (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ{190} وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ{191} فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{192} وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ{193}..البقرة .
          هذا هو الحل إذا سعى الحاقدين بالفساد في الأرض ..
          هذا هو الحل لاسترداد الحقوق الضائعة ..



          كانت هناك عيرا لقريش أفلتت من النبي في ذهابها من مكة إلى الشام ولما قرب موعد رجوعها من الشام إلى مكة بعث الرسول طلحة بن عبيدالله وسعيد بن زيد إلى الشمال , ليقوما باكتشاف خبرها , فوصلا إلى الحوراء , ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير , فأسرعا إلى المدينة , وأخبرا الرسول بالخبر .
          كانت العير مركبة من ثروات طائلة من أهل مكة , 1000بعير موقرة بالأموال , لا تقل عن 50,000 ألف دينار ذهبي , ولم يكن معها من الحرس إلا نحو 40 رجلا ..
          إنها فرصة ذهبية لعسكر المدينة , وضربة عسكرية و سياسية واقتصادية قاصمة ضد المشركين لو أنهم فقدوا هذه الثروات الطائلة ..لذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين قائلا : هذه عير قريش فيها أموالهم , فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها ..
          ولم يعزم على أحد بالخروج , بل ترك الأمر للرغبة المطلقة , لما أن لم يكن يتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة – بدل العير – هذا الاصطدام العنيف في بدر ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة , ولذلك لم ينكر الرسول على أحد تخلفه في الغزوة ..
          واستعد الرسول للخروج ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا ..ولم يكن معهم سوى فرسان ..فرس للزبير بن العوام وفرس للمقداد بن الاسود الكندي وكان معهم 70بعيرا ليعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد ..
          وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يتعقبون بعيرا واحدة ..
          واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن ام مكتوم , فلما كان بالروحاء , رد أبا لبابة بن عبد المنذرواستعمله على المدينة .
          ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القريشي .. وكان هذا اللواء أبيض ..
          وقسم جيشه إلى قسمين ..
          كتبة المهاجرين .. وأعطى علمها علي بن أبي طالب ..
          كتبة الأنصار , واعطى علمها سعد بن معاذ ..
          وجعل على القياده الميمنة الزبير بن العوام , وعلى الميسرة المقداد بن عمرو , وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش , وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة وظلت القيادة العامة في يده كقائد أعلى للجيش ..
          سار رسول الله صلى الله علي وسلم في هذا الجيش غير المتأهب , فخرج من نقب المدينة ومضى على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة , حتى بلغ بئر الروحاء ولما ارتحل منها , ترك طريق مكة بيسار وانحرف ذات اليمين على النازية يريد بدرا , وسار حتى قرب من الصفراء , وهنالك بعث بسبس بن عمرو الجهني عدي بن أبي الزغباء الجهني إلى بدر يتجسسان له أخبار العير ..



          وأما خبر العير فإن أبا سفيان وهو المسؤول عنها , كان في غاية من الحيطة والحذر , فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار , وكان يتحسس الأخبار , ويسأل من لقي من الربان , ولم يلبث حتى نقلت إليه استخبارات أنه محمدا قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير , وحينئذ استأجر أبوسفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة , مستصرخا إلى قريش بالنفير إلى عيرهم , ليمنعوه من محمد وأصحابه ..
          وخرج ضمضم سريعا حتى وصل مكة , فصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره , وقد جذع أنفه , وحول رحله , وشق قميصه , وهو يقول : يا معشر قريش , اللطيمة , اللطيمة , أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد في أصحابه , لا أرى لأن تدركوها , الغوث ,الغوث ..
          فتحفز الناس سراعا , وقالوا :أيظن محمدا وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي ؟ كلا , والله ليعلمن غير ذلك , وكان قوام هذا الجيش ألف و ثلاثمائة مقاتل في بداية سيره , وكان معه مائة فرس و ستمائة درع , وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط , وكان قائده العام أباجهل بن هشام وكان القائمون بتمونه تسعة رجال من أشراف قريش , فكانوا ينحرون يوما تسعة ويوما عشرا من الإبل .
          ولما اجمع هذا الجيش على المسير , ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة و الحرب , فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف , فيكونوا بين نارين , فكاد ذلك يثنيهم , ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي –سيد بني كنانة – فقال لهم :أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونة ..
          وحينئذ خرجوا من ديارهم , وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بحدهم وحديدهم , يحادون الله ويحادون رسوله "
          تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر , وسلكوا في طريقهم وادي عسفان , ثم قديد ,ثم الجحفة , وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيا :إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم , وقد نجاها الله فارجعوا ..
          وسبب هذا أن أبا سفيان قام بتغير اتجاه سير العير وبذلك أفلتت من أيدي المسلمين ..
          ولما تلقى جيش مكة هذه الرسالة موا بالرجوع ولكن قام طاغية قريش أبا جهل في كبرياء وغطرسة قائلا : والله لا نرجع حتى نرد بدرا , فنقيم فيها ثلاثا فننحر الجزور , ونطعم الطعام , وتعزف لنا القيان , وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا , فلا يزالون يهابوننا أبدا ..
          فرجع بني زهرة تاركين باقي الجيش المكي خلفهم فأصبح عدد الجيش ألف مقاتل , وواصلوا المسير حتى نزلوا قريبا من بدر ..
          يتبع .......




          تعليق


          • #80
            رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله




            جزاكى الله كل خيرا
            انما أشكوا بثى وحزنى الى الله
            الهى كفانى فخرا ان تكون لى ربا-- وكفانى عزا ان اكون لك عبدا انت كما اريد فاجعلنى كما تريد-- اللهم اجعلنا اغنى خلقك بك-- وافقر عبادك اليك-- اللهم اننا نشهدك اننا نشتاق اليك- فلا تحرمنا من لذة القرب منك فى الدنيا ولا لذة النظر الى وجهك الكريم فى الاخرة

            تعليق


            • #81
              رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

              الجزء السادس والعشرون من (( شخصية غيرت مجرى التاريخ))

              بسم الله الرحمن الرحيم




              الحمد لله الذي لا يحمد سواه ولا يعبد سواه..
              رجع عدد من جيش المشركين وأصبح أقل عدد من قبل , أما جيش المسلمين , فقد علم الرسول وهو لا يزال بوادي ذفران – خبر العير والنفير , وتأكد لديه في تلك الأخبار أنه لم يبق مجال للاجتناب عن لقاء دام , ولابد من إقدام يبنى على الشجاعة والبسالة , والجراءة , والجسارة , فلو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيما لمكانة قريش العسكرية , وامتدادا لسلطانها السياسي , وإضعافا لكلمة المسلمين , وتوهينا لها , بل ربما تبقى الحركة الاسلامية بعد ذلك جسدا لا روح فيه , ويجرؤ على الشر كل من فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة .
              وبعد هذا كله فهل يكون هناك أحد يضمن للمسلمين أن يمنع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة , حتى ينقل المعركة إلى أسوارها , ويغزو المسلمين في عقر دارهم , كلا فلو حدث من جيش المدينة نكول ما لكان له أسوأ الأثر عاى هيبة المسلمين وسمعتهم ..
              ونظرا إلى هذا التطور الخطير المفاجىء عقد رسول الله مجلسا عسكريا استشاريا أعلى , أشار فيه إلى الوضع الراهن , وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه , وقادته ..
              وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس , وخافوا اللقاء الدامي , وهم الذين قال فيهم (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ{5} يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ{6} "الأنفال "5-6" وأما قادة الجيش , فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن , ثم قام عمربن الخطاب فقام وأحسن , ثم قام المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله , امض لما أراك الله فنحن معك , والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون , ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون , فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا ودعا له به ..
              وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين , وهم أقلية في الجيش , فأحب رسول الله أن يعرف قادة الأنصار ,لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش , ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم , مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم , فقال بعد سماع هؤلاء القادة الثلاثة :"أشيروا علي أيها الناس " وإنما يريد الأنصار , وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ , فقال : والله ,لكأنك تريدنا يا رسول الله قال "أجل ".
              قال : فقد آمنا بك , فصدقناك , وشهدنا أن ماجئت به هو الحق , وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة , فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك , ما تخلف منا رجل واحد , وما نكره أن تلقى عدوا غدا ,إنا لصبر في الحرب , صدق في اللقاء , ولعل الله أن يريك ما تقر به عينك , فسر بنا على بركة الله ..
              فسر رسول الله بقول سعد ونشطه ذلك , ثم قال : سيروا وأبشروا , فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين , والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم ..
              ثم ارتحل رسول الله من ذفران , فسلك على ثنايا يقال لها الأصافر , ثم انحط منها إلى بلد يقال له الدية , وترك الحنان بيمين – وهو كثيب عظيم كالجبال – ثم نزل قريبا من بدر ..
              وهناك قام بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبو بكر الصديق رضي الله عنه , وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب , فسأله رسول الله عن قريش وعن محمد وأصحابه –سأل عن الجيشين زيادة في التكتم – ولكن الشيخ قال : لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما ؟؟ فقال رسول الله :"إذا أخبرتنا أخبرناك " فقال أو ذاك بذلك قال " نعم " .
              قال الشيخ :فإنه بلغني أن محمدا و أصحابه خرجوا يوم كذا وكذا ,فإن كان صدق الذي أخبرني به فهم اليوم بمكان كذا وكذا – للمكان الذي به جيش المسلمين – وبلغني أن قريشا خرجوا يوم كذا وكذا ,فإن صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا – للمكان الذي به جيش مكة .
              ولما فرغ من خبره قال : ممن أنتما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن من ماء " ثم انصرف عنه , وبقي الشيخ يتفوه , ما من ماء ؟ أمن ماء العراق ؟؟.
              وفي مساء ذلك اليوم بعث استخباراته من جديد , ليبحث عن أخبار العدو , قام لهذه العملية ثلاثة من قادة المهاجرين , علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص في نفر من أصحابه ..


              يتبع إن شاء الله...

              تعليق


              • #82
                رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله


                الجزء السابع والعشرون


                بسم الله الرحمن الرحيم



                على الداعية الجيد أن يعلم كل ما يدور حول أعدائه من أفكار , عليه أن يعرف بماذا يفكرون حتى يستعد لهم جيدا ..



                على الداعية أن يتخذ الصبر سلاح له , فهو أقوى سلاح فعال , فكما يقال في المثل " الصبر مفتاح الفرج "



                وعليه أيضا أن يتوكل على الله حق توكله , وليعلم أنه منصور , إن شاء الله , لأن الله تعهد بنصرة حزبه , فحزب الله دائما مفلح ..






                الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي


                وفي مساء ذلك اليوم صلى الله عليه وسلم بعث استخباراته من جديد ليبحث عن أخبار العدو، وقام لهذه العملية ثلاثة من قادة المهاجرين؛ على بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد ابن أبي وقاص في نفر من أصحابه، ذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة، فألقوا عليهما القبض، وجاءوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فاستخبرهما القوم، فقالا‏:‏ نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان ـ لاتزال في نفوسهم بقايا أمل في الاستيلاء على القافلة ـ فضربوهما ضربًا موجعًا حتى اضطر الغلامان أن يقولا‏:‏ نحن لأبي سفيان فتركوهما‏.‏


                ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مـن الصلاة قال لهم كالعاتب‏:‏ ‏‏(‏إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله، إنهما لقريش‏)‏‏.‏


                ثم خاطب الغلامين قائلًا‏:‏ ‏‏(‏أخبرإني عن قريش‏)‏، قالا‏:‏ هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما‏:‏ ‏‏(‏كم القوم‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ كثير‏.‏ قال‏:‏ ‏‏(‏ما عدتهم‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ لا ندرى، قال‏:‏ ‏‏(‏كم ينحرون كل يوم‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم :‏ ‏‏(‏القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف‏)‏، ثم قال لهما‏:‏ ‏‏(‏فمن فيهم من أشراف قريش‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البَخْتَرىّ بن هشام، وحكيم بن حِـزام، ونَوْفَل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطُعَيْمَة بن عدى، والنضر بن الحارث، وَزمْعَة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأميــة بن خلف في رجال سمياهم‏.‏
                فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال‏:‏ ‏‏(‏هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها‏)‏‏.‏

                نزول المطر


                وأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطرًا واحدًا، فكان على المشركين وابلًا شديدًا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلب به الرمل، وثبت الأقدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم‏.‏
                الجيش الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية
                وتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكرى وقال‏:‏ يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه‏؟‏ أم هو الرأي والحرب والمكيدة‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏بل هو الرأي والحرب والمكيدة‏)‏‏.‏


                قال‏:‏ يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم ـ قريش ـ فننزله ونغوّر ـ أي نُخَرِّب ـ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :‏ ‏‏(‏لقد أشرت بالرأي‏)‏‏.‏


                فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب‏.‏



                مقر القيادة
                وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقرًا لقيادته؛ استعدادًا للطوارئ، وتقديرًا للهزيمة قبل النصر، حيث قال‏:‏


                يا نبى الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بِمَنْ وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك‏.‏


                فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له بخير، وبني المسلمون عَرِيشًا على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقى لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة‏.‏


                كما تم اختيار فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مقر قيادته‏.‏

                تعبئة الجيش وقضاء الليل
                ثم عبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه‏.‏ ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده‏:‏ ‏‏(‏هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله)‏‏.‏ ثم بات رسول اللهصلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادئي الأنفاس منيري الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحًا‏:‏ ‏{‏إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ‏} [‏الأنفال‏:‏11‏]‏‏.‏


                كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم في 8 أو12 من نفس الشهر‏.‏

                الجيش المكي في عرصة القتال، ووقوع الانشقاق فيه


                أما قريش فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر‏.‏ وأقبل نفر منهم إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏دعوهم‏]‏، فما شرب أحد منهم يومئذ إلا قتل، سوى حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان إذا اجتهد في اليمين قال‏:‏ لا والذي نجاني من يوم بدر‏.‏



                فلما اطمأنت قريش بعثت عُمَيْر بن وهب الجُمَحِى للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد‏؟‏


                فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئًا، فرجع إليهم فقال‏:‏ ما وجدت شيئًا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، و

                الله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم،فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك‏؟‏ فروا رأيكم‏.‏


                وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل ـ المصمم على المعركة ـ تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتبة ابن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم‏؟‏ قال‏:‏ ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى ـ المقتول في سرية نخلة ـ فقال عتبة‏:‏ قد فعلت‏.‏ أنت ضامن علىّ بذلك‏.‏ إنما هو حليفي، فعلى عقله ‏[‏ديته‏]‏ وما أصيب من ماله‏.‏

                ثم قال عتبة لحكيم بن حزام‏:‏ فائت ابن الحَنْظَلِيَّةِ ـ أبا جهل، والحنظلية أمه ـ فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره‏.‏

                ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبًا فقال‏:‏ يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا، والله لئن أصبتموه لايزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألْفَاكُمْ ولم تَعَرَّضُوا منه ما تريدون‏.‏

                وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل ـ وهو يهيئ درعًا له ـ قال‏:‏ يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلنى بكذا وكذا، فقال أبو جهل‏:‏ انتفخ والله سَحْرُهُ حين رأي محمدًا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأي أن محمدًا وأصحابه أكلة جَزُور، وفيهم ابنه ـ وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديمًا وهاجر ـ فَتَخَوَّفَكُمْ عليه‏.‏

                ولما بلغ عتبة قول أبي جهل‏:‏ انتفخ والله سحره، قال عتبة‏:‏ سيعلم مُصَفِّر اسْتَه من انتفخ سحره، أنا أم هو‏؟‏ وتعجل أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمى ـ أخي عمرو بن الحضرمى المقتول في سرية عبد الله بن جحش ـ فقال‏:‏ هذا حليفك ‏[‏أي عتبة‏]‏ يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانْشُد خُفْرَتَك ، ومَقْتَلَ أخيك، فقام عامر فكشف عن استه، وصرخ‏:‏ واعمراه، واعمراه، فحمى القوم، وحَقِبَ أمرهم، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة‏.‏ وهكذا تغلب الطيش على الحكمة، وذهبت هذه المعارضة دون جدوى‏.




                يتبع

                تعليق


                • #83
                  رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

                  الجزء الثامن والعشرون




                  مَن سَعى لِنصرة دِين الله , نَصرهُ الله وَثبتَ قدمَاه , أٌوجه إليك هذه الرسالة أيٌها الداعِي إلى الله , يامن تحرص على نشر دين الله , الله معك , دائما و أبدأً , هذا وعدٌ من الله بنُصرتك , فمن يعرف ربهٌ حق المعرفةٌ , سوف يَعرف أَن وعدهٌ حقٌ , ولابُد من إنجَازه , ولو َبعدَ حِين ..

                  الجيشان يتراآن

                  ولما طلع المشركون وتراءى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(اللهم هذه قريش قد أقبلت بخُيَلائها وفَخْرها تُحَادُّك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحْنِهُم ‏[‏الغداة‏]‏‏)‏ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر‏:‏ ‏‏(‏إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يَرْشُدُوا‏)‏‏.‏

                  وعدل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يديه قِدْح يعدل به، وكان سَوَاد بن غَزِيَّة مُسْتَنْصِلًا من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال‏:‏ ‏‏(‏استو يا سواد‏)‏، فقال سواد‏:‏ يا رسول الله، أوجعتنى فأقدنى، فكشف عن بطنه وقال‏:‏ ‏‏(‏استقد‏)‏، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال‏:‏ ‏‏(‏ما حملك على هذا يا سواد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ يا رسول الله، قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدى جلدك‏.‏ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير‏.‏

                  ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بألا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خـاص في أمـر الحـرب، فقال‏:‏ ‏‏(‏إذا أكثبوكم ـ يعنى اقتربوا منكم ـ فارموهم، واستبقوا نبلكم، ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم‏)‏ ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة،وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش‏.‏

                  أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال‏:‏ اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لانعرفه،فأحِنْه الغداة،اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏19‏]‏


                  ساعة الصفر وأول وقود المعركة

                  وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومى ـ وكان رجلًا شرسًا سيئ الخلق ـ خرج قائلًا‏:‏ أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه‏.‏ فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه فلما التقيا ضربه حمزة فأطَنَّ قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دمًا نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه، يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض‏.‏


                  المبـــارزة

                  وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة، فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار عَوْف ومُعَوِّذ ابنا الحارث ـ وأمهما عفراء ـ وعبد الله بن رواحة، فقالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ قالوا‏:‏ رهط من الأنصار‏.‏ قالوا‏:‏ أكِِفَّاء كرام، ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم‏:‏ يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا على‏)‏، فلما قاموا ودنوا منهم، قالوا‏:‏ من أنتم‏؟‏ فأخبروهم، فقالوا‏:‏ أنتم أكفاء كرام، فبارز عبيدة ـ وكان أسن القوم ـ عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز على الوليد‏.‏ فأما حمزة وعلى فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كَرَّ على وحمزة على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة وقد قطعت رجله، فلم يزل ضَمِنًا حتى مات بالصفراء،بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر، حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة‏.‏ وكان على يقسم بالله أن هذه الآية نــزلت فيهم‏:‏ ‏{‏هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ‏}‏ الآية ‏[‏الحج‏:‏19‏]‏‏.‏



                  الهجوم العام
                  وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة للمشركين؛ إذ فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة،فاستشاطوا غضبًا،وكروا على المسلمين كرة رجل واحد‏.‏

                  وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتتالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون‏:‏ أحَد أحَد‏.‏

                  الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه


                  أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر، ويقول‏:‏ ‏‏(اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك‏)‏، حتى إذا حَمِىَ الوَطِيسُ، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال، وبلغت المعركة قمتها، قال‏:‏ ‏‏(اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبدًا‏)‏‏.‏ وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق، وقال‏:‏ حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك‏.‏

                  وأوحى الله إلى ملائكته‏:‏ ‏{‏أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏ 12‏]‏،وأوحى إلى رسوله‏:‏ ‏{‏أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏9‏]‏ ـ أي إنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضًا أرسالًا، لا يأتون دفعة واحدة‏.‏


                  نزول الملائكة

                  وأغفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثَنَاياه النَّقْعُ‏)‏ ‏[‏أي الغبار‏]‏ وفي رواية ابن إسحاق‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، وعلى ثناياه النقع‏)‏‏.‏

                  ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ ‏[‏القمر‏:‏45‏]‏ ،ثم أخذ حَفْنَةً من الحَصْبَاء، فاستقبل بها قريشًا وقال‏:‏ ‏‏(‏شاهت الوجوه‏)‏ ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين من أحد إلا أصاب عينيه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، وفي ذلك أنزل الله‏:‏ ‏{‏وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللهَ رَمَى‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏17‏]‏‏.‏

                  الهجوم المضاد
                  وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الأخيرة بالهجمة المضادة فقال‏:‏ ‏‏(‏شدوا‏)‏، وحرضهم على القتال، قائلًا‏:‏ ‏‏(‏والذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلًا غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة‏)‏، وقال وهو يحضهم على القتال‏:‏ ‏‏(‏قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض‏)‏، ‏[‏وحينئذ‏]‏ قال عُمَيْر بن الحُمَام‏:‏ بَخْ بَخْ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏ما يحملك على قولك‏:‏ بخ بخ‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ لا، والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال‏:‏ ‏‏(‏فإنك من أهلها‏)‏‏.‏ فأخرج تمرات من قَرَنِه فجعل يأكل منهن، ثم قال‏:‏ لئن أنا حييت حتى آكل تمراتى هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل‏.‏

                  وكذلك سأله عوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ فقال‏:‏ يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏غَمْسُه يده في العَدُوّ حاسرًا‏)‏، فنزع درعا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل‏.‏

                  وحين أصدر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم ـ وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه ـ قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف، ويقطعون الأعناق‏.‏ وزادهم نشاطًا وحدة أن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وقد تقدمهم فلم يكن أحد أقرب من المشركين منه، وهو يقول في جزم وصراحة‏:‏ ‏{‏سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ‏}‏ فقاتل المسلمون أشد القتال ونصرتهم الملائكة‏.‏ ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال‏:‏ كان يومئذ يَنْدُر رأس الرجل لا يدرى من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدرى من ضربها‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ بينما رجل من المسلمين يشتد في إثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول‏:‏ أقدم حَيْزُوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فخر مستلقيًا، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخْضَرَّ ذلك أجمع، فجاء الأنصارى فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال‏:‏ ‏‏(‏صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة‏)‏‏.‏

                  وقال أبو داود المازنى‏:‏ إني لأتبع رجلًا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قد قتله غيرى، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا،فقال العباس‏:‏ إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح، من أحسن الناس وجهًا على فرس أبْلَق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري‏:‏ أنا أسرته يا رسول الله، فقال‏:‏ ‏‏(‏اسكت فقد أيدك الله بملك كريم‏)‏‏.‏

                  وقال علي‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، ولأبي بكر‏:‏ ‏‏(‏مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال، أو يكون في القتال‏)‏‏.‏



                  إبليس ينسحب عن ميدان القتال
                  ولما رأى إبليس ـ وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت ـ فلما رأي ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام ـ وهو يظنه سراقة ـ فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هاربًا، وقال له المشركون‏:‏ إلى أين يا سراقة‏؟‏ ألم تكن قلت‏:‏ إنك جار لنا، لا تفارقنا‏؟‏ فقال‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏48‏]‏، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر‏.‏
                  يتبع إن شاء الله


                  تعليق


                  • #84
                    رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

                    جزاك الله كل خيرا:a7:
                    انما أشكوا بثى وحزنى الى الله
                    الهى كفانى فخرا ان تكون لى ربا-- وكفانى عزا ان اكون لك عبدا انت كما اريد فاجعلنى كما تريد-- اللهم اجعلنا اغنى خلقك بك-- وافقر عبادك اليك-- اللهم اننا نشهدك اننا نشتاق اليك- فلا تحرمنا من لذة القرب منك فى الدنيا ولا لذة النظر الى وجهك الكريم فى الاخرة

                    تعليق


                    • #85
                      رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

                      أرجو ان يهدي الله به الأمة والله انه موضوع يستحق جنة الفردوس الأعلى باذن الله تعالى :
                      التعديل الأخير تم بواسطة عبدالعزيز المالكي; الساعة 27-11-2010, 05:14 PM.

                      تعليق


                      • #86
                        رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

                        الجزء التاسع والعشرون



                        بسم الله الرحمن الرحيم ..



                        لابد من أن تضيء الشمس من جديد , فهما أشتد سواد الليل , فلا بد من أن تشرق الشمس , و تجلي السواد الذي ختم على الأبصار , مثلها , كمثل الظلم , فمهما دام الظلم وأستمر أيام أو أعوام فلا بد من أن ينجلي , في نهاية الأمر ..
                        هذا النور , هو نور الحق , نور الحق أيها الداعية , نور الدعوة , فأي دعوة لابد من أن تجني ثمارها جيدا ..


                        الهزيمة الساحقة


                        وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون، حتى تمت عليهم الهزيمة‏.‏


                        صمود أبي جهل


                        أما الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه ويقول لهم في شراسة ومكابرة‏:‏ لا يهزمنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولا ألفين رجلًا منكم قتل منهم رجلًا، ولكن خذوهم أخذًا حتى نعرفهم بسوء صنيعهم‏.‏


                        ولكن سرعان ما تبدت له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلًا حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين‏.‏ نعم، بقى حوله عصابة من المشركين ضربت حوله سياجًا من السيوف، وغابات من الرماح، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج، وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدى غلامين أنصاريين‏.‏


                        مصرع أبي جهل


                        قال عبد الرحمن بن عوف رضي اله عنه إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يمينى وعن يسارى فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًا من صاحبه‏:‏ يا عم، أرني أبا جهل، فقلت‏:‏ يابن أخي، فما تصنع به‏؟‏ قال‏:‏ أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك‏.‏ قال‏:‏ وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس‏.‏ فقلت‏:‏ ألا تريان‏؟‏ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال‏:‏ فابتدراه فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول الله فـقال‏:‏ ‏‏(‏أيكما قتله‏؟‏‏)‏ فقـال كـل واحد منهما‏:‏ أنا قتلته، قال‏:‏ ‏‏(‏هل مسحتما سيفيكما‏؟‏‏)‏ فـقالا‏:‏ لا‏.‏ فنـظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلــى السيفـين فقال‏:‏ ‏‏(‏كلاكما قتله‏)‏، وقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسَلَبِه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومُعَوِّذ ابن عفراء‏.‏


                        وقال ابن إسحاق‏:‏ قال معاذ بن عمرو بن الجموح‏:‏ سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحَرَجَة ـ والحرجة‏:‏ الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة ـ وهم يقولون‏:‏ أبو الحكم لا يخلص إليه، قال‏:‏ فلما سمعتها جعلته من شاني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطَنَّتْ قدمه ـ أطارتها ـ بنصف ساقه، فوالله ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تَطِيحُ من تحت مِرْضِخَة النوى حين يضرب بها‏.‏ قال‏:‏ وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عَامَّةَ يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تَمَطَّيْتُ بها عليها حتى طرحتها، ثم مر بأبي جهل ـ وهو عَقِيرٌ ـ مُعَوِّذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته، فتركه وبه رَمَق، وقاتل معوذ حتى قتل‏.‏


                        ولما انتهت المعركة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏‏(‏من ينظر ما صنع أبو جهل‏؟‏‏)‏ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال‏:‏ هل أخزاك الله يا عدو الله‏؟‏ قال‏:‏ وبماذا أخزاني‏؟‏ أأعمد من رجل قتلتموه‏؟‏ أو هل فوق رجل قتلتموه‏؟‏ وقال‏:‏ فلو غير أكَّار قتلنى، ثم قال‏:‏ أخبرني لمن الدائرة اليوم‏؟‏ قال‏:‏ لله ورسوله، ثم قال لابن مسعود ـ وكان قد وضع رجله على عنقه‏:‏ لقد ارتقيت مرتقى صعبًا يا رُوَيْعِىَ الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة‏.‏


                        وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله، هذا رأس عدو الله أبي جهل، فقال‏:‏ ‏‏(الله الذي لا إله إلا هو‏؟‏‏)‏ فرددها ثلاثًا، ثم قال‏:‏ ‏‏(الله أكبر، الحمد لله الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه‏)‏، فانطلقـنا فــأريته إيـاه، فقال‏:‏ ‏‏(‏هذا فرعون هذه الأمة‏)‏‏.‏


                        من روائع الإيمان في هذه المعركة


                        لقد أسلفنا نموذجين رائعين من عمير بن الحمام وعوف بن الحارث ـ ابن عفراء ـ وقد تجلت في هذه المعركة مناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ، ففي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، خالفت بينهما المبادئ ففصلت بينهما السيوف، والتقى المقهور بقاهره فشفي منه غيظه‏.‏


                        1 ـ روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي قال لأصحابه‏:‏ ‏‏(‏إني قد عرفت أن رجالًا من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهًا، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقى أحدًا من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقى أبا البَخْتَرِيّ بن هشام فلا يقتله، ومن لقى العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهًا‏)‏، فقال أبو حذيفة بن عتبة‏:‏ أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، والله لئن لقيته لألحمنه ـ أو لألجمنه ـ بالسيف، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب‏:‏ ‏‏(‏يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول اللهصلى الله عليه وسلم بالسيف‏)‏، فقال عمر‏:‏ يا رسول الله، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فوالله لقد نافق‏.‏


                        فكان أبو حذيفة يقول‏:‏ ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفًا إلا أن تكفرها عنى الشهادة‏.‏ فقتل يوم اليمامة شهيدًا‏.‏
                        2 ـ وكان النهي عن قتل أبي البختري؛ لأنه كان أكف القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، وكان لا يؤذيه، ولا يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني المطلب‏.‏
                        ولكن أبا البختري قتل على رغم هذا كله، وذلك أن المُجَذَّر بن زياد الْبَلَوِىّ لقيه في المعركة ومعه زميل له، يقاتلان سويًا، فقال المجذر‏:‏ يا أبا البخترى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك، فقال‏:‏ وزميلي‏؟‏ فقال المجذر‏:‏ لا والله ما نحن بتاركي زميلك، فقال‏:‏والله إذن لأموتن أنا وهو جميعًا، ثم اقتتلا، فاضطر المجذر إلى قتله‏.‏




                        3 ـ كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن، وهو واقف مع ابنه على بن أمية، آخذًا بيده، ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها، وهو يحملها، فلما رآه قال‏:‏ هل لك في‏؟‏ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن‏؟‏ ـ يريد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن ـ فطرح عبد الرحمن الأدراع، وأخذهما يمشى بهما، قال عبد الرحمن‏:‏ قال لي أمية بن خلف، وأنا بينه وبين ابنه‏:‏ من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره‏؟‏ قلت‏:‏ ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال‏:‏ ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل‏.‏
                        قال عبد الرحمن‏:‏ فوالله إني لأقودهما إذ رآه بلال معي ـ وكان أمية هو الذي يعذب بلالًا بمكة ـ فقال بلال‏:‏ رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏.‏ قلت‏:‏ أي بلال، أسيري‏.‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏.‏ قلت‏:‏ أتسمع يابن السوداء‏.‏ قال‏:‏ لا نجوت إن نجا‏.‏ ثم صرخ بأعلى صوته‏:‏ يا أنصار الله، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا‏.‏ قال‏:‏ فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل الْمَسَكَة، وأنا أذب عنه، قال‏:‏ فأخلف رجل السيف، فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت‏:‏ انج بنفسك، ولا نجاء بك، فوالله ما أغني عنك شيئًا‏.‏ قال‏:‏ فَهَبَرُوهُمَا بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول‏:‏ يرحم الله بلالًا، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري‏.‏
                        وروى البخاري عن عبد الرحمن بن عوف قال‏:‏ كاتبت أمية بن خلف كتابًا بأن يحفظني في صاغيتي ـ أي خاصتي ومالي ـ بمكة، وأحفظه في صاغيته بالمدينة‏.‏‏.‏‏.‏ فلما كان يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس، فأبصره بلال، فخرج حتى وقف على مجلس الأنصار فقال‏:‏ أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا أمية، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا، فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه ليشغلهم، فقتلوه، ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلًا ثقيلًا، فلما أدركونا قلت له‏:‏ ابرك، فبرك، فألقيت عليه نفسي لأمنعه، فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه‏.‏ وكان عبد الرحمن يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه‏.‏
                        4 ـ وقتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة، ولم يلتفت إلى قرابته منه، ولكن حين رجع إلى المدينة قال للعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الأسر‏:‏ يا عباس أسلم، فوالله أن تسلم أحب إلى من أن يسلم الخطاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك‏.‏

                        5 ـ ونادى أبو بكر الصديق رضي الله عنه ابنه عبد الرحمن ـ وهو يومئذ مع المشركين ـ فقال‏:‏ أين مالي يا خبيث‏؟‏ فقال عبد الرحمن‏:‏
                        لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شَكَّةٍ ويَعْبُوب ** وصَارِمٍ يَقْتُلُ ضُلاَّل الشِّيَبْ
                        6 ـ ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحًا سيفه، رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له‏:‏ والله لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم‏؟‏ قال‏:‏ أجل والله يا رسول الله، كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلىّ من استبقاء الرجال‏.‏
                        7 ـ وانقطع يومئذ سيف عُكَّاشَة بن مِحْصَن الأسدي، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه جِذْلًا من حطب، فقال‏:‏ ‏‏(‏قاتل بهذا يا عكاشة‏)‏، فلما أخذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم هزه، فعاد سيفًا في يده طويل القامة، شديد المتن، أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح الله تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العَوْن، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده‏.‏
                        8 ـ وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين،مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري‏:‏ شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب‏:‏ أهذه وصاتك بي‏؟‏ فقال مصعب‏:‏ إنه ـ أي الأنصاري ـ أخي دونك‏.‏

                        9 ـ ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القَلِيب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال‏:‏ ‏‏(‏يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء‏؟‏‏)‏ فقال‏:‏ لا والله، يا رسول الله، ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك‏.‏ فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيرًا‏.‏





                        يتبع بإذن الله تعالى

                        تعليق


                        • #87
                          تم الحذف
                          التعديل الأخير تم بواسطة الزهور; الساعة 19-05-2010, 02:45 PM.

                          تعليق


                          • #88
                            رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

                            الجزء الثلاثون


                            قتلى الفريقين
                            انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة للمشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين، وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلًا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار‏.‏

                            أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون، وأسر سبعون‏.‏ وعامتهم القادة والزعماء والصناديد‏.‏

                            ولما انقضت الحرب أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            حتى وقف على القتلى فقال‏:‏ ‏‏(‏بئس العشيرة كنتم لنبيكم؛ كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس‏)‏، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قُلُب بدر‏.‏

                            وعن أبي طلحة‏:‏ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم
                            أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا من صناديد قريش، فقذفوا في طَويّ من أطواء بدر خَبِيث مُخْبث‏.‏ وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعَرْصَة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، واتبعه أصحابه‏.‏ حتى قام على شفة الرَّكِىّ، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، ‏‏(‏يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله‏؟‏ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا‏؟‏‏)‏ فقال عمر‏:‏ يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها‏؟‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم
                            :‏ ‏‏(‏والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏‏(‏ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون‏)‏‏.‏





                            مكة تتلقى نبأ الهزيمة
                            فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة؛ تبعثروا في الوديان والشعاب، واتجهوا صوب مكة مذعورين، لا يدرون كيف يدخلونها خجلًا‏.‏

                            قال ابن إسحاق‏:‏ وكان أول من قدم بمصاب قريش الحَيْسُمَان بن عبد الله الخزاعى، فقالوا‏:‏ ما وراءك‏؟‏ قال‏:‏ قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام وأمية بن خلف، في رجال من الزعماء سماهم‏.‏ فلما أخذ يعد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحِجْر‏:‏ والله إن يعقل هذا، فاسألوه عنى‏.‏ قالوا‏:‏ ما فعل صفوان بن أمية‏؟‏ قال‏:‏ ها هو ذا جالس في الحجر، وقد والله رأيت أباه وأخاه حين قتلا‏.‏

                            وقال أبو رافع ـ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            :‏ كنت غلامًا للعباس وكان الإسلام قد دخلنا أهلَ البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته الله وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوة وعزًا، وكنت رجلًا ضعيفًا أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فوالله إني لجالس فيها أنحت أقداحى وعندى أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذ أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طُنُب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهرى، فبينما هو جالس إذ قال الناس‏:‏ هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب‏:‏ هلم إلىَّ، فعندك لعمرى الخبر، قال‏:‏ فجلس إليه،والناس قيام عليه‏.‏ فقال‏:‏ يابن أخي، أخبرني كيف كان أمر الناس‏؟‏ قال‏:‏ ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاءوا، ويأسروننا كيف شاءوا وايم الله مع ذلك ما لمت الناس، لَقِينَا رجال بيض على خيل بُلْق بين السماء والأرض، والله ما تُلِيق شيئًا، ولا يقوم لها شيء‏.‏

                            قال أبو رافع‏:‏ فرفعت طنب الحجرة بيدى، ثم قلت‏:‏ تلك والله الملائكة‏.‏ قال‏:‏ فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملنى فضرب بى الأرض، ثم برك علىّ يضربني، وكنت رجلًا ضعيفًا فقامت أم الفضل إلى عمود من عُمُد الحجرة فأخذته، فضربته به ضربة فَلَعَتْ في رأسه شجة منكرة، وقالت‏:‏ استضعفته أن غاب عنه سيده، فقام موليًا ذليلًا، فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة ‏[‏وهي قرحة تتشاءم بها العرب‏]‏ فقتلته، فتركه بنوه، وبقى ثلاثة أيام لا تقرب جنازته، ولا يحاول دفنه، فلما خافوا السبة في تركه حفروا له، ثم دفعوه بعود في حفرته، وقذفوه بالحجارة من بعيد حتى واروه‏.‏

                            هكذا تلقت مكة أنباء الهزيمة الساحقة في ميدان بدر، وقد أثر ذلك فيهم أثرًا سيئًا جدًا، حتى منعوا النياحة على القتلى؛ لئلا يشمت بهم المسلمون‏.‏

                            ومن الطرائف أن الأسود بن المطلب أصيب ثلاثة من أبنائه يوم بدر، وكان يحب أن يبكي عليهم، وكان ضرير البصر، فسمع ليلًا صوت نائحة، فبعث غلامه، وقال‏:‏ انظر هل أحل النَّحْبُ‏؟‏ هل بكت قريش على قتلاها‏؟‏ لعلي أبكي على أبي حكيمة ـ ابنه ـ فإن جوفي قد احترق، فرجع الغلام وقال‏:‏ إنما هي امرأة تبكى على بعير لها أضلته، فلم يتمالك الأسود نفسه وقال‏:‏
                            أتبكي أن يضل لها بعير ** ويمنعها من النوم السهود
                            فلا تبكي على بكر ولكن ** على بدر تقاصرت الجدود
                            على بدر سراة بني هصيص ** ومخزوم ورهط أبي الوليد
                            وبكى إن بكيت على عقيل ** وبكى حارثا أسد الأسود
                            وبكيهم ولا تسمى جميعا ** وما لأبي حكيمة من نديد
                            ألا قد ساد بعدهم رجال ** ولولا يوم بدر لم يسودوا



                            المدينة تتلقى أنباء النصر

                            ولما تم الفتح للمسلمين أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            بشيرين إلى أهل المدينة؛ ليعجل لهم البشرى، أرسل عبد الله بن رواحة بشيرًا إلى أهل العالية، وأرسل زيد بن حارثة بشيرًا إلى أهل السافلة‏.‏

                            وكان اليهود والمنافقون قد أرجفوا في المدينة بإشاعة الدعايات الكاذبة، حتى إنهم أشاعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم
                            ولما رأي أحد المنافقين زيد بن حارثة راكبًا القَصْوَاء ـ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            ـ قال‏:‏ لقد قتل محمد، وهذه ناقته نعرفها، وهذا زيد لا يدري ما يقول من الرعب، وجاء فَلاّ

                            فلما بلغ الرسولان أحاط بهما المسلمون، وأخذوا يسمعون منهما الخبر، حتى تأكد لديهم فتح المسلميـن، فَعَمَّت البهجـة والسـرور، واهتزت أرجاء المدينة تهليلًا وتكبيرًا، وتقدم رءوس المسلمين ـ الذين كانوا بالمدينة ـ إلى طريق بدر، ليهنئوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            بهذا الفتح المبين‏.‏

                            قال أسامة بن زيد‏:‏ أتانا الخبر حين سوينا التراب على رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            التي كانت عند عثمان بن عفان، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            خلفنى عليها مع عثمان‏.‏



                            الجيش النبوي يتحرك نحو المدينة

                            أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر بعد انتهاء المعركة ثلاثة أيام، وقبل رحيله من مكان المعركة وقع خلاف بين الجيش حول الغنائم، ولما اشتد هذا الخلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            بأن يرد الجميع ما بأيديهم، ففعلوا، ثم نزل الوحى بحل هذه المشكلة‏.‏

                            عن عبادة بن الصامت قال‏:‏ خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم
                            فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يطاردون ويقتلون، وأكبت طائفة على المغنم يحرزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وسلم
                            لا يصيب العدو منه غِرَّة، حتى إذا كان الليل، وفاء الناس بعضهم إلى بعض، قال الذين جمعوا الغنائم‏:‏ نحن حويناها، وليس لأحد فيها نصيب،وقال الذين خرجوا في طلب العدو‏:‏ لستم أحق بها منا، نحـن نحـينا منـها العـدو وهزمناه، وقال الذين أحدقوا برسول الله :‏ خفنا أن يصيب العدو منه غرة، فاشتغلنا به، فأنزل الله‏:‏ {‏يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏1‏]‏‏.‏ فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين‏.‏

                            وبعد أن أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            ببدر ثلاثة أيام تحرك بجيشه نحو المدينة ومعه الأسارى من المشركين، واحتمل معه النفل الذي أصيب من المشركين، وجعل عليه عبد الله بن كعب، فلما خرج من مَضِيق الصفراء نزل على كَثِيب بين المضيق وبين النَّازِيَة، وقسم هنالك الغنائم على المسلمين على السواء بعد أن أخذ منها الخمس‏.‏

                            وعندما وصل إلى الصفراء أمر بقتل النضر بن الحارث ـ وكان هو حامل لواء المشركين يوم بدر، وكان من أكابر مجرمى قريش، ومن أشد الناس كيدًا للإسلام وإيذاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم
                            ـ فضرب عنقه علي بن أبي طالب‏.‏

                            ولمـا وصل إلى عِرْق الظُّبْيَةِ أمر بقتل عُقْبَة بن أبي مُعَيْط ـ وقد أسلفنا بعض ما كان عليه من إيذاء رسول الل هصلى الله عليه وسلم
                            فهو الذي كان ألقى سَلا جَزُور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            وهو في الصلاة، وهو الذي خنقه بردائه وكاد يقتله، لولا اعتراض أبي بكر رضي الله عنه ـ فلما أمر بقتله قال‏:‏ من للصِّبْيَةِ يا محمد‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏النار‏)‏‏.‏ فقتله عاصم ابن ثابت الأنصارى، ويقال‏:‏ علي بن أبي طالب‏.‏

                            وكان قتل هذين الطاغيتين واجبًا نظرًا إلى سوابقهما، فلم يكونا من الأسارى فحسب، بل كانا من مجرمى الحرب بالاصطلاح الحديث‏.‏

                            وفود التهنئة

                            ولما وصل صلى الله عليه وسلم
                            إلى الرَّوْحَاء لقيه رءوس المسلمين ـ الذين كانوا قد خرجوا للتهنئة والاستقبال حين سمعوا بشارة الفتح من الرسولين ـ يهنئونه بالفتح‏.‏ وحينئذ قال لهم سَلَمَة بن سلامة‏:‏ما الذي تهنئوننا به‏؟‏ فوالله إن لَقِينا إلا عجائز صُلْعًا كالْبُدْن المعُقَّلَةِ، فنحرناها، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            ثم قال‏:‏ ‏‏(‏يا بن أخي، أولئك الملأ‏)‏‏.‏

                            وقال أسيد بن حضير‏:‏ يا رسول الله، الحمد لله الذي أظفرك، وأقر عينك، والله يا رسول الله ما كان تخلفي عن بدر وأنا أظن أنك تلقى عدوًا، ولكن ظننت أنها عير، ولو ظننت أنه عدو ما تخلفت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            :‏ ‏‏(‏صدقت‏)‏‏.‏

                            ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم
                            المدينة مظفرًا منصورًا قد خافه كل عدو له بالمدينة وحولها، فأسلم بشر كثير من أهل المدينة، وحينئذ دخل عبد الله بن أبي وأصحابه في الإسلام ظاهرًا‏.‏

                            وقدم الأسارى بعد بلوغه المدينة بيوم، فقسمهم على أصحابه، وأوصى بهم خيرًا‏.‏ فكان الصحابة يأكلون
                            التمر، ويقدمون لأسرائهم الخبز، عملًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم

                            يتبع

                            تعليق


                            • #89
                              رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله

                              الجزء الواحد والثلاثون




                              قضية الأسارى

                              ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه سلم المدينة استشار أصحابه في الأسارى، فقال أبو بكر‏:‏ يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعَشِيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله، فيكونوا لنا عضدًا‏.‏

                              فقال رسول الله صلى الله عليه سلم :‏ ‏‏(‏ما ترى يابن الخطاب‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ والله ما أرى ما رأى أبو بكر، ولكن أرى أن تمكننى من فلان ـ قريب لعمر ـ فأضرب عنقه، وتمكن عليًا من عَقِيل بن أبي طالب فيضرب عنقه، وتمكن حمزة من فلان أخيه فيضرب عنقه، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين‏.‏ وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم وقادتهم‏.‏

                              فهوى رسول الله صلى الله عليه سلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء‏:‏ فلما كان من الغد قال عمر‏:‏ فغدوت إلى النبي صلى الله عليه سلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت‏:‏ يا رسول الله، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك‏؟‏ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله صلى الله عليه سلم :‏ ‏‏(‏أبكى للذى عرض على أصحابك من أخذهم الفداء، فقد عرض علىّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة‏)‏ ـ شجرة قريبة‏.‏

                              وأنزل الله تعالى‏:‏ {‏مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏67، 68‏]‏‏.‏

                              والكتاب الذي سبق من الله قيل‏:‏ هو قوله تعالى‏:‏ {‏فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء‏}‏ ‏[‏محمد‏:‏ 4‏]‏‏.‏ ففيه الإذن بأخذ الفدية من الأسارى؛ ولذلك لم يعذبوا، وإنما نزل العتاب لأنهم أسروا الكفار قبل أن يثخنوا في الأرض، وقيل‏:‏ بل الآية المذكورة نزلت فيما بعد، وإنما الكتاب الذي سبق من الله هو ما كان في علم الله من إحلال الغنائم لهذه الأمة، أو من المغفرة والرحمة لأهل بدر‏.‏

                              وحيث إن الأمر كان قد استقر على رأي الصديق فقد أخذ منهم الفداء، وكان الفداء من أربعة آلاف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم إلى ألف درهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم، فإذا حذقوا فهو فداء‏.‏

                              ومنّ رسول الله صلى الله عليه سلم على عدة من الأسارى فأطلقهم بغير فداء، منهم‏:‏ المطلب ابن حَنْطَب، وصَيْفي بن أبي رفاعة، وأبو عزة الجُمَحِى، وهو الذي قتله أسيرا في أحد، وسيأتي‏.‏

                              ومنّ على خَتَنِه أبي العاص بشرط أن يخلى سبيل زينب، وكانت قد بعثت في فدائه بمال بعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة، أدخلتها بها على أبي العاص، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه سلم رق لها رقة شديدة، واستأذن أصحابه في إطلاق أبي العاص ففعلوه، واشترط رسول الله صلى الله عليه سلم على أبي العاص أن يخلى سبيل زينب، فخلاها فهاجرت، وبعث رسول الله صلى الله عليه سلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار، فقال‏:‏ ‏‏(‏كونا ببطن يَأجَج حتى تمر بكما زينب فتصحباها‏)‏، فخرجا حتى رجعا بها‏.‏ وقصة هجرتها طويلة ومؤلمة جدًا‏.‏

                              وكان في الأسرى سهيل بن عمرو، وكان خطيبًا مِصْقَعًا، فقال عمر‏:‏ يا رسول الله، انزع ثنيتي سهيل بن عمرو يَدْلَعْ لسَانُه، فلا يقوم خطيبًا عليك في موطن أبدًا، بيد أن رسول الله صلى الله عليه سلم رفض هذا الطلب؛ احترازًا عن المُثْلَةِ، وعن بطش الله يوم القيامة‏.‏

                              وخرج سعد بن النعمان معتمرًا فحبسه أبو سفيان، وكان ابنه عمرو بن أبي سفيان في الأسرى، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل سعد‏.‏







                              القرآن يتحدث حول موضوع المعركة

                              وحول موضوع هذه المعركة نزلت سورة الأنفال، وهذه السورة تعليق إلهي ـ إن صح هذا التعبير ـ على هذه المعركة، يختلف كثيرًا عن التعاليق التي ينطق بها الملوك والقواد بعد الفتح‏.‏

                              إن الله تعالى لفت أنظار المسلمين ـ أولًا ـ إلى بعض التقصيرات الأخلاقية التي كانت قد بقيت فيهم، وصدر بعضها منهم؛ ليسعوا في تحلية نفوسهم بأرفع مراتب الكمال، وفي تزكيتها عن هذه التقصيرات‏.‏

                              ثم ثَنَّى بما كان في هذا الفتح من تأييد الله وعونه ونصره بالغيب للمسلمين‏.‏ ذكر لهم ذلك لئلا يغتروا بشجاعتهم وبسالتهم، فتتسور نفوسهم الغطرسة والكبرياء، بل ليتوكلوا على الله، ويطيعوه ويطيعوا رسوله عليه الصلاة والسلام‏.‏

                              ثم بين لهم الأهداف والأغراض النبيلة التي خاض الرسول الله صلى الله عليه سلم لأجلها هذه المعركة الدامية الرهيبة، ودلهم على الصفات والأخلاق التي تتسبب في الفتوح في المعارك‏.‏

                              ثم خاطب المشركين والمنافقين واليهود وأسارى المعركة، ووعظهم موعظة بليغة، تهديهم إلى الاستسلام للحق والالتزام به‏.‏

                              ثم خاطب المسلمين حول موضوع الغنائم، وقنن لهم مبادئ وأسس هذه المسألة‏.‏

                              ثم بين وشرع لهم من قوانين الحرب والسلم ما كانت الحاجة تمس إليها بعد دخول الدعوة الإسلامية في هذه المرحلة، حتى تمتاز حروب المسلمين عن حروب أهل الجاهلية، ويتفوق المسلمون في الأخلاق والقيم والمثل، ويتأكد للدنيا أن الإسلام ليس مجرد وجهة نظر، بل هو دين يثقف أهله عمليًا على الأسس والمبادئ التي يدعو إليها‏.‏

                              ثم قرر بنودًا من قوانين الدولة الإسلامية التي تقيم الفرق بين المسلمين الذين يسكنون داخل حدودها، والذين يسكنون خارجها‏.‏

                              وفي السنة الثانية من الهجرة فرض صيام رمضان، وفرضت زكاة الفطر، وبينت أنصبة الزكاة الأخرى، وكانت فريضة زكاة الفطر وتفصيل أنصبة الزكاة الأخرى تخفيفًا لكثير من الأوزار التي كان يعانيها عدد كبير من المهاجرين اللاجئين الذين كانوا فقراء لا يستطيعون ضربًا في الأرض‏.‏

                              ومن أحسن المواقع وأروع الصدقات أن أول عيد تعيد به المسلمون في حياتهم هو العيد الذي وقع في شوال سنة 2 هـ، إثر الفتح المبين الذي حصل لهم في غزوة بدر‏.‏ فما أروع هذا العيد السعيد الذي جاء به الله بعد أن تَوَّجَ هامتهم بتاج الفتح والعز، وما أروق منظر تلك الصلاة التي صلوها بعد أن خرجوا من بيوتهم يرفعون أصواتهم بالتكبير والتوحيد والتحميد، وقد فاضت قلوبهم رغبة إلى الله، وحنينًا إلى رحمته ورضوانه بعد ما أولاهم به من النعم،وأيدهم به من النصر، وقد ذكرهم بذلك قائلًا‏:‏ {‏وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏26‏]‏‏.






                              النشاط العسكري بين بدر وأحد



                              إن معركة بدر كانت أول لقاء مسلح بين المسلمين والمشركين، وكانت معركة فاصلة أكسبت المسلمين نصراً حاسماً شهد له العرب قاطبة‏.‏ والذين كانوا أشد استياء لنتائج هذه المعركة هم أولئك الذين منوا بخسائر فادحة مباشرة؛ وهم المشركون، أو الذين كانوا يرون عزة المسلمين وغلبتهم ضرباً قاصماً على كيانهم الديني والاقتصادي، وهم اليهود‏.‏ فمنذ أن انتصر المسلمون في معركة بدر كان هذان الفريقان يحترقان غيظاً وحنقًا على المسلمين؛ ‏{‏لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏82‏]‏، وكانت في المدينة بطانة للفريقين دخلوا في الإسلام حين لم يبق مجال لعزهم إلا في الإسلام، وهم عبد الله بن أبي وأصحابه، ولم تكن هذه الفرقة الثالثة أقل غيظاً من الأوليين‏.‏
                              وكانت هناك فرقة رابعة، وهم البدو الضاربون حول المدينة، لم يكن يهمهم مسألة الكفر والإيمان، ولكنهم كانوا أصحاب سلب ونهب، فأخذهم القلق، واضطربوا لهذا الانتصار، وخافوا أن تقوم في المدينة دولة قوية تحول بينهم وبين اكتساب قوتهم عن طريق السلب والنهب، فجعلوا يحقدون على المسلمين وصاروا لهم أعداء‏.‏
                              وتبين بهذا أن الانتصار في بدر كما كان سبباً لشوكة المسلمين وعزهم وكرامتهم كذلك كان سبباً لحقد جهات متعددة، وكان من الطبيعي أن يتبع كل فريق ما يراه كفيلاً لإيصاله إلى غايته‏.‏
                              فبينما كانت المدينة وما حولها تظاهر بالإسلام، وتأخذ في طريق المؤامرات والدسائس الخفية كانت فرقة من اليهود تعلن بالعداوة، وتكاشف عن الحقد والغيظ، وكانت مكة تهدد بالضرب القاصم، وتعلن بأخذ الثأر والنقمة، وتهتم بالتعبئة العامة جهاراً، وترسل إلى المسلمين بلسان حالها، تقول‏:‏




                              ولا بد من يوم أغرّ مُحَجَّل ** يطول استماعي بعده للنوادب



                              وفعلاً فقد قادت غزوة قاصمة إلى أسوار المدينة عرفت في التاريخ بغزوة أحد، والتي كان لها أثر سيئ على سمعة المسلمين وهيبتهم‏.‏
                              وقد لعب المسلمون دوراً هاماً للقضاء على هذه الأخطار، تظهر فيه عبقرية قيادة النبي صلى الله عليه سلم وما كان عليه من غاية التيقظ حول هذه الأخطار، وما كان عليه من حسن التخطيط للقضاء عليها،



                              يتبع إن شاء الله

                              تعليق


                              • #90
                                رد: أجزاء من ((شخصية غيرت مجرى التاريخ))...................... متجدده بإذن الله


                                التعديل الأخير تم بواسطة عبدالعزيز المالكي; الساعة 27-11-2010, 05:15 PM.
                                انما أشكوا بثى وحزنى الى الله
                                الهى كفانى فخرا ان تكون لى ربا-- وكفانى عزا ان اكون لك عبدا انت كما اريد فاجعلنى كما تريد-- اللهم اجعلنا اغنى خلقك بك-- وافقر عبادك اليك-- اللهم اننا نشهدك اننا نشتاق اليك- فلا تحرمنا من لذة القرب منك فى الدنيا ولا لذة النظر الى وجهك الكريم فى الاخرة

                                تعليق

                                يعمل...
                                X