إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

تقليص
هذا موضوع مثبت
X
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان




    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم،


    أما بعد..


    فإنَّ الله تعالى قد خصَّ بعض المواسم عن غيرها بالفضل العظيم والثواب الجزيل، وجعل منها فرصة للمؤمن وغنيمة له؛

    فالسعيد من استغلَّها في التقرُّبِ منه تعالى، والخاسر من أضاعها فمرت من أمامه مرور الكرام.

    قال الله تعالى:

    {سَابِقُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} الحديد: 21

    ومن نعمته سبحانه على أُمَّةِ الإسلام أن فضَّلها على كثير من خلقه فبلَّغها هذه المواسم.

    فالله الله في اغتنام هذه المواسم، ومن أعظمها شهر رمضان الذي فضَّله الله تعالى على سائر الشهور؛ لِمَا اختُصَّ به من فضائل عظيمة.

    ومن أجل هذه الفضائل والعطايا الربانية؛ علينا أن نستغل شهر رمضان خير استغلال لنلحق بركب الفائزين،
    ونشحذُ الهِمم لكي نصل الى القِمَم، ونُقبِلُ على الله تعالى؛ فلا تدركنا الحسرة فنقول: يا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزا عظيما.

    من فاته الزرع في وقت البذار فما ...تراه يحصد إلا الهم والندمَ

    طوبى لمن كانت التقوى بضاعته ...في شهره وبحبل الله معتصما

    كنا بالأمس نودع شهر رمضان الماضي، واليوم نستقبله من جديد؛ فما أسرع الأيام!

    فتأمَّل ما بقي منها! ذهب الفرح والترح والتعب وما بقي إلا ما قدمته أيدينا؛ فهل من متعظ؟

    رمضانُ أقبلَ يا أُولي الألبابِ ... فاستَقْبلوه بعدَ طولِ غيابِ

    عامٌ مضى من عُمْرِنا في غفْلةٍ ... فَتَنَبَّهوا فالعمرُ ظِلُّ سَحابِ


    ولكن.. ماهي الطريقة الأمثل لإستغلال هذه الفرصة في أيام الخير هذه التي منَّ الله بها علينا؟

    لا شك أنَّ اتِّباع هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم هو أكمل هَدْي، وعلامة محبة الله تعالى، كما قال جلَّ وعلا:

    {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} ال عمران:31.

    وصلاح العمل قائم على شرطين؛ ألا وهما:


    1 - الإخلاص لله تعالى. كما قال سبحانه:

    {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} البينة: 5.

    2 - متابعة الرسول صل الله عليه وسلم. كما قال تعالى:


    {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } الأحزاب:21


    فمعرفة هدية صلى الله عليه وسلم وإتّباعه هي أأمن الطرق وأسلمها وأفضلها وأمثلها للتقرب الى الله تعالى،

    ثم إنَّ معرفة هدي أصحابه رضي الله عنهم والسلف الصالح هو استكمالٌ لمَسْلَك الطريق الآمن بتوفيق الله سبحانه لنا.





    الأفاضل الكرام


    هيَّا معًا نتعرف إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، وهدى صحابته والسلف الصالح بعدهم رضوان الله على الجميع،

    ففي ذلك شحذ للهمم، واستنهاض للعزائم، واستثارة لكوامِن الخير في المسلم.

    الأفاضل الكرام
    فلننظر إلى هديه عليه الصلاة والسلام، وإلى هدي أصحابه الأبرار، وسلف الأمة الأخيار، كيف استقبلوا هذا الشهر؛

    كيف صاموه وقاموه؟ ، وكيف قضوا أوقاته؟ ، وكيف عاشوا ساعاته؟

    لنكون على بصيرة، فإنَّه بمثلهم يُقتدَى، وعلى مِنوَالِهم يُحتذَى.





    روى الإمام الترمذي بسند حسن عن طلحة بن عبيد الله: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى الهلال قال:
    «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالْإِيمَانِ ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ»




    هذا الحديث عجيب، فهو يقول للهلال: ربي وربك الله، فأنت مخلوق كما أنا مخلوق؛ لأن الأهلَّة والشمس والقمر كانت تُعبَدُ من دون الله،
    فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس ويخبر الأجيال أن الكائنات كلها مخلوقة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.



    وفي الحديث لمسات التوحيد التي أتى بها عليه الصلاة والسلام.




    جُودِهِ صلَّى الله عليه وسلَّم في رمضان


    روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما:

    "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ،
    فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ
    ".



    فكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام فيدارسه كتاب الله، ومواعظه في آياته سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.



    والريح المرسلة هي الصبا (ريحٌ مهبُّها جهة الشَّرق) التي تهب من نجد، فإنها معطاءة باردة، وإذا وصف الشاعر العربي الرجل الكريم،
    قال: هو أجود من الصبا، أو أجود من الريح المرسلة.



    فأكبر المَعَالِم في سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم في رمضان الجود والعطاء والإنفاق والبذل والهبة والسخاء،

    فهو أكبر مَعْلَم نراه في سيرته صلى الله عليه وسلم، لا يمسك شيئاً، حتى الثياب الأسمال التي عليه، إذا سُئل أعطاها،

    ففي حديث البخاري عن سهل بن سعد الساعدي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:



    " أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟

    قَالُوا الشَّمْلَةُ. قَالَ: نَعَمْ، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا،

    فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ،

    فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا،

    قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا،

    ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ، قَالَ:

    إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ؛ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي.

    قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ ".


    فأعطاه الله ما تمنى، وسأل، فكان كفناً له كُفن فيه.


    فالرسول عليه الصلاة والسلام يوم يأتي رمضان يستقبله بنفس معطاءة؛ لأن الجزاء من جنس العمل،
    فلمَّا كان العبد سخياً كريماً، جازاه الله بمثل فعله من السخاء والكرم.





    مدارسته صلى الله عليه وسلم للقرآن في رمضان


    ومن المعالم الأخرى في حياته صلى الله عليه وسلم والتي تؤخذ من هذا الحديث: مصاحبته صلى الله عليه وسلم للقرآن،
    وعيشه معه وتدارسه لآياته مع جبريل عليه السلام، فهذا الشهر شهر القرآن، كما قال تعالى:

    {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} البقرة: 185

    فكان إذا دخل عليه الشهر صلى الله عليه وسلم يهيئ نفسه، ويخفف من ارتباطاته ومشاغله، ليعيش تدبر القرآن وقراءته.


    والقرآن أخذ الحظ الأوفر والدقائق الغالية، والساعات الثمينة من حياته صلى الله عليه وسلم؛

    لأنه كتابه الوحيد ومعجزته الكبرى، أرسله الله في الدنيا معجزة لا يضاهيها أي معجزة؛

    لأن المعجزات تنصرم وتنتهي إذا مات أنبياؤها، ولكنَّ القرآن أخذ يشق طريقه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، في قوة وخلود ويخاطب الأجيال.

    فالرسول عليه الصلاة والسلام جعل أكبر وقت للقرآن هو وقت رمضان، ولذلك سُئلت السيدة عائشة رضي الله عنها،

    كما في صحيح مسلم، كيف كان خلقه عليه الصلاة والسلام؟

    فقالت: "كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ".

    فهو يعيش مع القرآن أينما حلَّ وارتحل، وإذا وجد وقت راحة وإقبال قلب، وسفر روح إلى الله شغل هذا الوقت بالقرآن.


    وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، حينما قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم –كما أمره-، وبلغ قوله تعالى:
    {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا} النساء:41


    قال:
    «حَسْبُكَ الآن»، قال: فنظرت فإذا عيناه تذرفان.



    تأثر الحبيب بكلام حبيبه، وتذكَّر صاحبُ هذا الكلام سُبحَانَهُ وَتَعَالَى الذي أنزله، والذي تكلم به من فوق سبع سماوات،
    فعندها بكى صلى الله عليه وسلم.





    عيشه عليه الصلاة والسلام مع القرآن


    الرسول عليه الصلاة والسلام يوم عاش مع القرآن، عاش مع القرآن عملاً وتدبراً واستنباطاً، يقول لـأُبَيّ بن كعب:
    «أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟»
    قَالَ : قُلْتُ : اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ، سورة البقرة: آية 255
    قال :فَضَرَبَ صَدْرِي وَقَالَ:«لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ».

    أي: والله ليهنك العلم الصافي، والنمير العذب، فإن هذا هو العلم يا أبا المنذر.


    وعيشه صلى الله عليه وسلم مع القرآن، عيش تذكر وتدبر،

    يقول مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، كما في حلية الأولياء لأبي نعيم:
    " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي ، وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنَ الْبُكَاءِ ".

    والمرجل هو: القدر إذا استجمع غلياناً، فصدره يتخضخض من البكاء، وله صوت أزيز تأثراً بكلام الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.


    نعم، هذه حياته صلى الله عليه وسلم مع القرآن؛ لأن القرآن أكبر مقاصده أنَّه كتاب هداية، وليس بكتاب طب، ولا تاريخ،

    ولا جغرافيا، ولا هندسة؛ ولكنه كتاب هداية يقود القلوب إلى الله الواحد الأحد،فهذا مقصد القرآن، وقد علم ذلك صلى الله عليه وسلم.

    روى الألباني بإسناد جيد في السلسلة الصحيحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت:

    ( قام [ أي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ] ليلةً من الليالي فقال: " يا عائشةُ ذَريني أتعبَّدُ لربي
    قالت : قلتُ :واللهِ إني لَأُحبُّ قُربَك وأحبُّ أن يُسرَّك، قالت :
    فقام فتطهَّر ثم قام يصلي، فلم يزلْ يبكي حتى بلَّ حِجرَه، ثم بكى فلم يزلْ يبكي حتى بلَّ الأرضَ،
    وجاء بلالٌ يُؤذِنه بالصلاةِ، فلمَّا رآه يبكي قال:
    يا رسولَ اللهِ تبكي وقد غفر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبِك وما تأخَّر،
    قال: " أفلا أكونُ عبدًا شكورًا ؟ لقد نزلتْ عليَّ الليلةَ آياتٌ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكَّرْ فيها:
    {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الآية )

    فأعظم معَالِم حياته صلى الله عليه وسلم في رمضان هذا القرآن.

    ولذلك رأى بعض السلف الصالح أن شهر رمضان يُخصَّص لتدبر القرآن، ولا يشتغل بغيره مهما كان العلم فاضلاً.


    فإذا لم يكن شهر رمضان شهرك الذي تختم فيه القرآن، تدبراً وتوجيهاً واستفادة فمتى يكون إذاً؟!


    والله عز وجل إنما جعل هذا الشهر شهر عبادة، وقبول، وتوبة، وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:


    " إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ "

    وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ، فهي لا تؤذي في ذاك الشهر؛ لأن الله عز وجل، أكثر من التوبة على عباده، وجعله موسماً للخيرات،

    ولقبول الأعمال، وللتوبة ورفع الدرجات وتقديم الحسنات، فطوبى لمن أدركه رمضان وأحسن فيه، وطوبى لمن أرضى الرحمن في شهر رمضان،
    ويا سبحان الله! كم هي فرحته وفوزه يوم يختم الشهر فيعتقه الله فيمن عتق.


    إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار


    وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار





    قيام النبي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان


    كان صلى الله عليه وسلم إذا أَجَنَّهُ اللَّيْلُ (أَظْلَمَ وَسَتَرَهُ بِظُلْمَتِهِ) في ليالي رمضان قام متبتلاً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وما أعظم قيام الليل!،
    وخاصة في رمضان،
    وما أحسن السجدات!، وبالخصوص في رمضان، وما أحسن الوضوء والتبتل والدعاء والبكاء!، وبالخصوص في ليالي رمضان.

    قلت لليل هل بجوفك سرٌ عامرٌ بالحديث والأسرار


    قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار

    وقيام الليل لمَّا تركته الأمة الإسلامية -إلا من رحم الله- ذبل في صدورها غصن الإيمان، وضعف اليقين، وعاش الجيل،

    لكنه لم يعش بمثل ذاك الجيل الذي عاش مع الرسول صلى الله عليه وسلم،

    جيلٌ فيه برود، وتهاون وتكاسل إلا من رحم ربك ، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} سبأ:13

    فلما علم ذلك كان يمضي صلى الله عليه وسلم ليالي رمضان متهجداً لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى


    {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} الإسراء:79


    والذي ينبغي للمسلم الذي يريد أن ينصح نفسه أن يكثر من تلاوة القرآن ويكثر من صلاة الليل،
    فإن هذا الشهر شهر تجديد للروح، وفرصة ثمينة
    لا تتعوض أبد الدهر، وشهر توبة وعتق من النار،
    وخيبة وندامة وهلاك وبوار لمن أدركه رمضان ولم يتب من المعاصي والخسران، ولم يعتقه الله من النيران.

    وكان عليه الصلاة والسلام كما جاء عند مسلم عن عائشة رضي الله عنها:

    (ما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يزيدُ في رمضانَ ، ولا في غيرِه ، على إحدى عشرةَ ركعةً ).


    ولكن الركعة الواحدة تساوي آلاف الركعات من ركعات كثير من الناس، يقف في الركعة الواحدة أمداً طويلاً، فيناجي ربه، ويتدبر كلام مولاه،
    ويحيي روحه بتدبر القرآن، يبكي ويتباكى ويناجي ويسجد ويركع طويلاً،
    فتصبح الركعة حسنة جداً ما أحسن منها، والله يقول:
    {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} الملك:2 ، ولم يقل أكثر عملاً.


    لذلك كان التجويد في التراويح والقيام أحسن من التكثير بلا جودة، وكان الكيف أحسن من الكمِّ حتى بالتلاوة،
    فلا يُهذرم القرآن (1) ، ولا يهذُّ هذَّا (2)، ولا يحدر (يسرع) حدراً شديداً فتضيع معانيه وحروفه على حساب الختم.


    فإن المقصود هو التدبر والمعايشة للمعاني، فإن من الناس من يختم القرآن في رمضان مرة،ولكن يا لها من ختمة ما أحسنها وأجودها!
    وما أجلها وأعظمها! شافا أمراض نفسه بكلام الله، وداوى جراحات قلبه بكلام مولاه، فكان للقرآن أثر في قراءته.


    وأناس يقرءون فيختمون كثيراً، لكن مقصودهم الأجر فهم مأجورون، لكن غذاء الروح، ومدد اليقين وماء الإيمان
    لا يحصل إلا بالتدبر ومعايشة القرآن.






    من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الصوم


    كان له صلى الله عليه وسلم سنن كثيرة في صيامه ولكن نذكر أهم معالمها:


    تعجيل الفطر وتأخير السحور

    كان عليه الصلاة والسلام في رمضان يعجل الإفطار، ويقول: {أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا } أخرجه الترمذي بسند حَسَن.


    والفطر هنا إذا غربت الشمس، لأن اليهود كانوا يؤخرون الفطر، فعجَّل صلى الله عليه وسلم الإفطار، بشرط أن تغرب الشمس وأن يذهب النهار،
    وأن يأتي الليل، وكان يفطر صلى الله عليه وسلم على رطب،
    كما في حديث أنس عند أبي داود والترمذي بسند حسن، قال:

    " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ ".

    وعند الترمذي بسند حسن من حديث سلمان بن عامر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:


    " إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ ".

    والعجيب أن في الرطب والتمر سرٌ عجيب للصائم، أورد ذلك ابن القيم، فإن البطن إذا جاع كان أحلى شيء يوافق المعدة التمر،
    فهو حلو يوافق الجوع،
    فسبحان الله من علَّمه وهداه -صلى الله عليه وسلم- سواء السبيل، فكان طبيباً للأبدان،
    وطبيباً للقلوب يقودها إلى الله تبارك وتعالى.


    وكان عليه الصلاة والسلام يُؤخِّر السحور، بشرط ألا يُصبح عليه الصباح، فيقول عليه الصلاة والسلام:
    " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " ،
    وبركة السحور تأتي بأمور ثلاثة:


    أولاً: أنه إحياء لهذه السنة العامرة من الرسول عليه الصلاة والسلام،
    فبركة السنة لا يعادلها شيء، وكثيرٌ من الناس قد يترك طعام السحور، وقد خالف في ذلك السنة ولو أن صومه صحيح،
    فالسنة أن تقوم فتتسحر بما يسر الله، ليبارك الله في قيامك وصيامك.


    ثانياً: أنها ساعة ينـزل الله فيها إلى سماء الدنيا فيقول:

    {هَلْ مِنْ دَاعٍ ، فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، هَلْ مِنْ سَائِلٍ فَأُعْطِيَهُ ، هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ ، فَأَغْفِرَ لَهُ}

    فإذا رآك الله وأنت مُتسحِّر ذاكرٌ له، مستغفر منيب تائب، غفر لك سبحانه، وقبل دعاءك وأجاب سؤالك، وتاب عليك فيمن تاب، وأعتق رقبتك من النار،
    فهنيئاً لك بتلك الجلسة الإيمانية، فمقصودها وسرها الثاني أن تكون مستغفراً في السحر، فما أحسن السحر! وما أطيب السحر!


    ثالثاً: أنه يعينك بإذن الله على الصيام في النهار،
    ويسكن حالك وأنت تتلذذ بنعمة الله، وتتناول طعام سحورك، كأنك تقول: يا رب هذا الطعام الذي خلقته ورزقته أتقوى به على طاعتك،
    وهو من أنواع الشكر على النعمة، وما أحسن الطعام إذا نوى به العبد التقوي على عبادة الواحد الأحد.





    الإكثار من الذكر


    كان من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان: أن يُكثر من الذكر والتبتل والاستغفار والمناجاة والدعاء، فإنها حياة القلوب.

    كان يواصل الصيام وينهى الصحابة عن الوصال، فيواصلون ويقولون: يا رسول الله إنك تواصل، أي: مواصلة الليل بالنهار،


    قال:" إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ ، إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي " وفي رواية: {إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ ، إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ}

    أورد هذه الروايات ابن القيم في زاد المعاد بألفاظها، قال: واختلف أهل العلم على قسمين:


    قوم يقولون: إنه طعام حسي وماء معروف يسقى به عليه الصلاة والسلام ويأكل، وليس هذا بصحيح؛ لأنه لو كان كذلك لما كان صائماً عليه الصلاة والسلام،
    ولو كان كذلك لما قال: {إني لست كهيئتكم} ،
    ولو كان كذلك لما كان له ميزة عليه الصلاة والسلام عليهم في الوصال.


    والصحيح أنه يُطعم ويُسقى بالمعارف التي تُفاض على قلبه من الواحد الأحد، من لذة المناجاة، وحسن الذكر، وعذوبة دعائه لمولاه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى،
    وبما يغدق على روحه، ويسدل على قلبه من ذكر ودعاء وتبتل يشبع ويروي،
    ولذلك ترى بعض الناس إذا سُرُّوا بأمر تركوا الطعام والشراب،
    وإذا سُرُّوا بأمر نزلت دموع الفرحة من خدودهم.


    طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني


    فبعض الناس لولهه ولكثرة سروره وفرحه يستعيض به عن الطعام، حتى قال الأول وهو يتحدث عن لذة قلبه بقدوم قادم،
    أو بكلام حبيب، أو بمناجاة صاحب:


    لها أحاديث من ذكراك تشغلها عن الطعام وتلهيها عن الزاد


    لها بوجهك نورٌ يستضاء به ومن حديثك في أعقابها حاد

    إذا تشكت كلال السير أسعفها شوق القدوم فتحيا عند ميعادي

    فكأنه عليه الصلاة والسلام لفرحه بعبودية ربه كان من أسر الناس قلباً، ومن أشرحهم صدراً، يستعيض عن كثرة الطعام والشراب بهذا،

    ولذلك يقول الأندلسي أبو إسحاق الألبيري لابنه في قصيدته الرائعة المبكية الحارة التي توجه إلى كل شاب، وهي من أحسن القصائد والوصايا، يقول:

    فَقَوْت الرُّوح أرواح المعاني وليس بأن طعمِت ولا شَرِبتا


    يقول: قوت القلب، وغذاء الروح هي جواهر المعاني من الآيات والأحاديث، وليس بأن تأكل وتشرب؛ لأن هذا للجسم، يقول:


    تفت فؤادك الأيام فتا وتنحت جسمك الساعات نحتا

    وتدعوك المنون دعاء صدق ألا يا صاح أنت أريد أنتا

    إلى أن يقول:


    فواظبه وخذ بالجد عنه فإن أعطاكه الله انتفعتا

    فقوت الروح أرواح المعاني وليس بأن طعمت ولا شربتا

    فكان عليه الصلاة والسلام يتغذى بالذكر والتهليل والتكبير والتسبيح والاستغفار، وبكثرة المناجاة، والدعاء،

    فأدعوكم أيها الأخيار والأبرار إلى استغلال هذا الشهر في كثرة الذكر.


    وننبه على الظاهرة التي نسأل الله أن يجعل مكانها خيراً ومبرَّةً ورحمة، ظاهرة استغلال النهار في النوم؛ فإنها وجدت عند الصالحين بكثرة،
    فتجد الصالح من الصائمين يقضي ساعات يومه في النوم، فما كأنه وجد للجوع حرارة، ولا للظمأ مشقة، ولا وجد لمعاناة العبادة كلفة.


    فأي حياة هذه الحياة في رمضان، إذا نام من الصباح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى الغروب،
    فما هو مفهوم الصيام إذاً في حقه،
    ثم أمضى الليل في السهر، وظاهرة تغيير برنامج المسلم في رمضان ليست بمحمودة،
    بل على المسلم أن يكون على وتيرته،
    وما هو الداعي إلى أن يغير وقته لهذا الوقت، فيجعل وقت المناجاة والذكر وحرارة الجوع،
    ومشقة الظمأ رقاداً ونعاساً ونوماً، فأين معنى الصيام؟!

    يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:

    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:183

    فأعظم مقاصد الصيام التقوى، والتقوى تحصل بأن تعيش ساعات ودقائق الصيام لتتعامل معه،
    فما الفرق بين المفطر الذي ينام النهار كله، وبين الصائم الذي ينام النهار كله؟!!






    الاعتكاف


    كان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان.

    والاعتكاف: لزوم مسجدٍ لطاعة الله عز وجل، فيحيي قلبه بالذكر والتلاوة، ويقطع مشاغله وارتباطاته بالناس، ويحيا مع الله عز وجل،

    فيفرغ القلب لمولاه، ويكثر من دعاء ربه تبارك وتعالى، ويحيي قلبه بالآيات البينات.

    والاعتكاف سُنَّة من أحسن السنن وقد عطل إلا من بعض الأشخاص، وهو أحسن ما يمكن أن يربى به القلب،
    يوم تتفرغ من الناس، ومن كلامهم،
    والاتصال بهم، لتتصل برب الناس وملكهم وإلههم، وهل ثَمَّ أحسن من هذا؟


    وكان عليه الصلاة والسلام في رمضان يقوم الليل، وربما قام الناس معه جماعة، وربما ترك عليه الصلاة والسلام الجماعة وصلى وحده،
    ولذلك أتى عُمَر رضي الله عنه فجمع الناس في صلاة التراويح.




    روى الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ:

    خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ (جَمَاعَات) مُتَفَرِّقُونَ، يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ،
    وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ؛ فَقَالَ عُمَرُ:
    ( إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ) ،
    ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ، قَالَ عُمَرُ:
    ( نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ )

    يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.





    من الرواية السابقة وما فيها من توضيح لاقتداء الفاروق عمر رضي الله عنه برسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة التراويح جماعة؛
    باعتبار أنها سُنَّة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قد تركها خشية أن تُفرَضَ على الأمة، فلمَّا مات زالت هذه الخشية [1]،
    وكان أبو بكر رضي الله عنه منشغلاً بحروب المرتدين وخلافته قصيرة (سنتان)، فلمَّا استتب أمر المسلمين في عهد عمر رضي الله عنه،
    جمع الناس على صلاة التراويح في رمضان، كما اجتمعوا مع النبي صلى الله عليه وسلم،
    فقُصَارى ما فعله عمر رضي الله عنه العودة إلى تلك السُنَّة وإحياؤها.



    ومن الرواية السابقة أيضًا؛ نبدأ فيما هو آت بالتعرف على أحوال السلف الصالح في رمضان،
    وللحديث بقية إن شاء الله،

    فــ


    ____________________

    (1) هَذْرَمَ القرآنَ: أَسرع في قراءَته لا يتدبَّرُ معانيه.
    (2) هَذَّ القرآنَ: أَسرعَ في قراءَته.

    [1] روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
    " صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ،
    قَالَ:
    قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ ، إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ ، قَالَ : وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ "

    ..
    المراجع:
    ________
    -
    قبسات من هدي النبي في رمضان، لناصر محمد آل متعب
    -
    من محاضرة: هدي الرسول وأصحابه في رمضان، للشيخ عائض القرني، (المصدر: إسلام ويب)
    - الإسلام سؤال وجواب
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 02-06-2015, 02:30 PM.
    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

  • #2
    رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان


    هدي الصحابة في رمضان


    بداية نتعرف على:
    هدي الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا في استقبال رمضان،
    من خلال جواب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على هذا السؤال:


    للسلف الصالح سماحة الشيخ هدي في استقبالهم لهذا الشهر الفضيل، كيف كان هدي الصحابة-رضوان الله عليهم- في استقبالهم لهذا الشهر؟


    فأجاب الشيخ رحمه الله:
    يستقبلونه بالفرح والسرور والتواصي بالعمل الصالح فيه؛ لأنه شهر عظيم هبة من الله إدراكه،
    كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابه ويقول:
    أتاكم رمضان شهر مبارك، شهر جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا،
    فالمؤمن يستبشر بهذا الشهر ويجتهد في أداء الأعمال الصالحة فيه ويفرح به كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابه به عليه الصلاة والسلام.
    أ.هـ


    كان الصحابة يُدركون أن من أهم أهداف المسلم في رمضان..تكفير الذنوب
    وكانوا يُكثرون من الدعاء بالمغفرة، فقد كان عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرو بن العاص رضي الله عنهما، يقَول عِنْدَ فِطْرِهِ:
    اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي [1]

    ولقد أولى الصحابة رضوان الله عليهم القرآن الكريم اهتماماً خاصاً في رمضان:
    فلم يكن مجرد قراءة، بل كانت الخشية غالبة عليهم في قراءتهم، كما كانوا يطيلون صلاتي التراويح والقيام،
    لا يقرؤن بآية أو آيتين -
    كما يصنع بعض المسلمين-، وكانوا يقومون الليل حتى يقترب الفجر.

    ولم يكن النساء أقل نصيباً في صلاة التراويح من الرجال، روي عَمْرو الثَّقَفِيِّ عَنْ عَرْفَجَةَ،
    أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- كَانَ يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْقِيَامِ فِي رَمَضَانَ؛ فَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إمَامًا، وَلِلنِّسَاءِ إمَامًا؛ فَأَمَرَنِي فَأَمَمْتُ النِّسَاءَ.

    وكان الصحابة لا يُكثرون من الطعام في الإفطار، وكان بعضهم يحب أن يفطر مع المساكين.

    أما في العشر الأواخر، فكانوا يجتهدون اجتهاداً مُنقطِعَ النَّظير؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم،
    رغبة في بلوغ ليلة القدر المباركة، التي كانوا يستعدون لها استعداداً خاص.







    مع الصحابة في رمضان


    نستعرض معًا أحوال بعض الصحابة
    في رمضان بإيجاز؛ لنقتدي بهم رضوان الله عليهم:

    عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*

    كان عبدالله بن عمرو
    رضي الله عنهما شديد الاجتهاد في العبادة؛ ففي روايته،

    قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عبدَ اللهِ، ألم أُخبَرْ أنك تصومُ النهارَ وتقومُ الليلَ.
    فقُلْتُ: بلَى يا رسولَ اللهِ، قال
    :
    فلا تَفعَلْ، صُمْ وأفطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإن لجسدِك عليك حقًّا، وإن لعينِك عليك حقًّا، وإن لزَوجِك عليك حقًّا، وإن لزَورِك عليك حقًّا،
    وإن بحَسْبِك أن تصومَ كلَّ شهرٍ ثلاثةَ أيامٍ، فإن لك بكلِّ حسنةٍ عشْرَ أمثالِها، فإن ذلك صيامُ الدهرِ كلِّه.

    فشَدَّدْتُ فشُدِّدَ عليَّ. قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، إني أَجِدَ قوةً؟. قال:
    فصُمْ صيامَ نبيِّ اللهِ داودَ عليه السلامُ ولا تَزِدْ عليه.
    قُلْتُ: وما كان صيامُ نبيِّ اللهِ داودَ عليه السلامُ؟. قال: نِصفَ الدهرِ.
    فكان عبدُ اللهِ يقولُ بعدَما كَبِرَ:
    يا ليتَني قَبِلْتُ رُخصَةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
    [2].


    ومن اجتهاده في العبادة ما ورد عنه أيضًا، أنه قال:
    أَنْكَحَنِي أَبِي امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ، فَكَانَ يَتَعَاهَدُ كَنَّتَهُ فَيَسْأَلُهَا عَنْ بَعْلِهَا، فَتَقُولُ: نِعْمَ الرَّجُلُ مِنْ رَجُلٍ، لَمْ يَطَأْ لَنَا فِرَاشًا، وَلَمْ يُفَتِّشْ لَنَا كَنَفًا مُنْذُ أَتَيْنَاهُ،
    فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"
    الْقَنِي بِهِ "، فَلَقِيتُهُ بَعْدُ، فَقَالَ:" كَيْفَ تَصُومُ "، قَالَ: كُلَّ يَوْمٍ، قَالَ:" وَكَيْفَ تَخْتِمُ
    قَالَ: كُلَّ لَيْلَةٍ، قَالَ:"
    صُمْ فِي كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً، وَاقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ "، قَالَ، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:" صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْجُمُعَةِ
    قُلْتُ أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ:"
    أَفْطِرْ يَوْمَيْنِ وَصُمْ يَوْمًا "، قَالَ، قُلْتُ: أُطِيقُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ،
    قَالَ:"
    صُمْ أَفْضَلَ الصَّوْمِ؛ صَوْمَ دَاوُدَ، صِيَامَ يَوْمٍ وَإِفْطَارَ يَوْمٍ، وَاقْرَأْ فِي كُلِّ سَبْعِ لَيَالٍ مَرَّةً
    فَلَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَاكَ أَنِّي كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ، فَكَانَ يَقْرَأُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ السُّبْعَ مِنْ الْقُرْآنِ بِالنَّهَارِ،
    وَالَّذِي يَقْرَؤُهُ يَعْرِضُهُ مِنْ النَّهَارِ لِيَكُونَ أَخَفَّ عَلَيْهِ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَوَّى أَفْطَرَ أَيَّامًا، وَأَحْصَى وَصَامَ مِثْلَهُنَّ؛
    كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا فَارَقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ
    [3].

    قوله رضي الله عنه: "
    يا ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وسلم"

    قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري):
    قال النووي:
    معناه أنه كبر وعجز عن المحافظة على ما التزمه، ووظفه على نفسه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشَقَّ عليه فِعلَه لعجزه،
    ولم يُعجبه أن يتركه لالتزامه له، فَتمَنَّى أن لو قبل الرخصة فأخَذَ بالأخَّف
    . اهـ.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:
    كان عبد الله بن عمرو لما كبر يقول: يا ليتني قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان ربما عجز عن صوم يوم وفطر يوم.
    فكان يفطر أياما ثم يسرد الصيام أياما بقدرها؛ لئلا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم على حال ثم ينتقل عنها
    . اهـ.

    وقال الشيخ ابن عثيمين:
    لما كبر عبد الله بن عمرو بن العاص شقَّ عليه أن يصوم يوماً ويفطر يوماً. وقال: ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. اهـ.

    وعن عبدالله بن هُبيرة عن عبدالله بن عمرو قال:
    ((
    لأَنْ أَدْمَعَ دَمْعَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ )).

    وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ:
    قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "
    إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ "
    قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ:
    (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي )) [4].

    تُوفِّي عبدالله بن عمرو بن العاص بالشام سنة خمس وستين، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة [5].








    أنس بن مالك رضي الله عنه
    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*


    من مواقف هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه في شهر رمضان، ما ورَد عنه أنه قال:

    كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ، فَجِئْتُ فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ وَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَامَ أَيْضًا، حَتَّى كُنَّا رَهْطًا،
    فَلَمَّا حَسَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا خَلْفَهُ جَعَلَ يَتَجَوَّزُ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ دَخَلَ رَحْلَهُ فَصَلَّى صَلَاةً لَا يُصَلِّيهَا عِنْدَنَا،
    قَالَ: قُلْنَا لَهُ حِينَ أَصْبَحْنَا: أَفَطَنْتَ لَنَا اللَّيْلَةَ؟
    قَالَ، فَقَالَ: (نَعَمْ، ذَاكَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى الَّذِي صَنَعْتُ)،
    قَالَ: فَأَخَذَ يُوَاصِلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَاكَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ، فَأَخَذَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُوَاصِلُونَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
    "
    مَا بَالُ رِجَالٍ يُوَاصِلُونَ؟ إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلِي، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ تَمَادَّ لِي الشَّهْرُ لَوَاصَلْتُ وِصَالًا يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ" [6].

    شرح الحديث:
    رَهْطًا: أي جمعًا يقرب من تسعة، فالرهط من ثلاثة إلى تسعة.
    فَلَمَّا حَسَّ: هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ حَسَّ بغير ألف، ويقع في طرق بعض النُّسَخِ أَحَسَّ بِالْأَلِفِ، وَهَذَا هُوَ الْفَصِيحُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ،
    وَأَمَّا حَسَّ بِحَذْفِ الْأَلِفِ فَلُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَصِحُّ عَلَى هَذِهِ اللُّغَةِ.

    يَتَجَوَّزُ: أي يُخفِّف ويقتصِر على الجائز المجزئ مع بعض المندوبات والتجوز هنا للمصلحة.
    دَخَلَ رَحْلَهُ:
    أَيْ مَنْزِلَهُ.
    قَالَ الْأَزْهَرِيُّ:
    رَحْلُ الرَّجُلِ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ مَنْزِلُهُ؛ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ شَعْرٍ وَغَيْرِهَا.
    لَوْ تَمَادَّ لِي الشَّهْرُ: هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ، وَفِي بَعْضِهَا تَمَادَى، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَهُوَ بِمَعْنَى: مُدَّ.
    يَدَعُ الْمُتَعَمِّقُونَ تَعَمُّقَهُمْ: الجملة صفة لوصال، ومعنى يدع: يترك، والتعمق: المبالغة في الأمر متشددا فيه طالبا أقصى غايته.
    وقال النووي:
    هُمُ الْمُشَدِّدُونَ فِي الْأُمُورِ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ.
    قال الحافظ بن حجر:
    والتعَمُقُ: المُبَالَغَة في تكَلُّفِ مَالَم يُكَلَّفَ بِهِ.

    في هذا الموقف دلالة على حرص أنس بن مالك رضي الله عنه على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم،
    وذلك حين قام أنس بن مالك رضي الله عنه يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم حين قام يصلي من الليل في رمضان؛
    تحقيقًا للاقتداء، وطلبًا للثواب العظيم المترتب على قيام رمضان إيمانًا واحتسابًا.


    انتهَز أنس فرصة رؤيته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي من الليل في رمضان، فقام إلى جنبه يصلي بصلاته دون أن يستأذِن؛
    لأن هذا العمل لا يحتاج إلى استئذان، و
    كما نعلم أيضًا -من حديث أنس رضي الله عنه- أنَّه جاء أيضًا رجال آخرون يُصلون بصلاة رسول الله
    صلى الله عليه وسلم، ولكن الظاهر من الرواية أن أنس بن مالك رضي الله عنه هو المُبادِر إلى هذا العمل، وجاء الباقون على أثره،
    ولا شكَّ أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا حريصون على الخير، وانتهاز الفرص في ذلك.








    أبو هريرة رضي الله عنه
    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*



    ومما يتعلق من مواقف هذا الصحابي الجليل بهذا الشهر الكريم؛ موقف يتعلق بحفظ الصيام، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
    أَنَّهُ كَانَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا إِذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا: "
    نُطَهِّرُ صِيَامَنَا ". [7]،


    يحفظون صيامهم من اللغو والرفَث وقول الزور، ومن كل ما يُفسده أو ينقص أجره.

    ولكــــن؛ ما هو الأمر الذي كانوا يخشونه على أنفسهم وهم على ما هم عليه من الاستقامة والصلاح؟!

    لا شك أنهم ما فعلوا ذلك إلا من التقوى والخشية على صيامهم،
    ولكن كيف هي حال الصائمين في هذا الزمان الذين يَكْثُرُ في مجالسهم اللغو وقول الزور، ويتعرضون لكثيرٍ من المُنقصات، بل والمبطلات أحيانًا
    ؟!!
    أين هم من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
    : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
    «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [8].



    وموقف آخر يتعلق بالاقتصاد في الإفطار والسحور، فعَنْ أبي زياد مولى ابن عباس، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
    (( كَانَتْ لِي خَمْسَ عَشْرَةَ تَمْرَةً ، فَأَفْطَرْتُ عَلَى خَمْسٍ وَتَسَحَّرْتُ بِخَمْسٍ وَبَقَّيْتُ خَمْسًا لِفِطْرِي )). [9]،
    وإن كان هذا الاقتصاد من قلِّة الطعام؛ إلا أن أبا هريرة رضي الله عنه يخشى من الشِّبَع، ويحذر عاقبته، فيقول في ذلك:
    (( وَيْلٌ لِي مِنْ بَطْنِي إِذَا أَشْبَعْتُهُ كَظَّنِي وَإِنْ أَجَعْتُهُ سَبَّنِي )) [10].

    نعم إنَّ مَضَرَّةَ الشِّبَعُ معروفة، وخاصَّة في هذا الشهر الكريم، لِما يُفوته على الإنسان من فرص الخير والتقرب إلى الله بطاعته.

    وموقف أخير يتعلق بقيام الليل،
    فقد كان أبو هريرة رضي الله عنه هو وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثًا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا، ثم يوقظ هذا. [11]،
    فيكون منزله في الليل كله لا يخلو من قائم يصلي، وهذه الحال ليست مقصورة على ليالي شهر رمضان، لكن اجتهاده في شهر رمضان كان أشد،
    فهو الراوي لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

    «
    مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
    » [12].








    زيد بن ثابت رضي الله عنه
    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*




    ومن المواقف المتعلقة بهذا الشهر الكريم من حياة زيد بن ثابت مارواه أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
    تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسَّحُورِ، قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً [13].


    ففي هذا الحديث أخبر زيد رضي الله عنه أنه تسحَّر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام إلى الصلاة، فلو تأمَّلنا سبب سَحور زيد بن ثابت
    مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة أن زيد بن ثابت رضي الله عنه ما كان ينام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
    حتّى يكون سحوره عارضًا، بل كان مقصودًا، وأن السبب في ذلك من أجل أن يتعلم الهَدْيَ في السحور فيما يتعلق بوقته والسُنَّة فيه.

    ويدل على ذلك سؤال أنس بن مالك رضي الله عنه لزيد بن ثابت رضي الله عنه كم كان بين الأذان والسحور؟

    وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى، فعند البخاري في موضع آخر،
    عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ،
    أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا، قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى.
    قُلْنَا لِأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً[14].

    فهذه الروايات تدل على استحباب تأخير السَّحور، وفي هذا دليل على حرص السلف على تعلم الهدي النبوي، فقتادة سأل أنسًا، فتعلم منه،
    وأنس سأل زيد بن ثابت، وتعلَّم منه، وزيد تعلَّمه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    ولا بد أيضًا أن نتأمل جواب زيد بن ثابت رضي الله عنه عن سؤال أنس بن مالك رضي الله عنه حيث قال: (قدر خمسين آية)؛
    أي: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية متوسطة لا طويلة ولا قصيرة، ولا سريعة ولا بطيئة، هذا الجواب فيه قياس للزمن بعمل البدن،
    وكان العرب يستعملون ذلك؛ كقولهم: قدر حلْب شاة، أو قدر نحْر جَزور ونحوها، ولكن زيد بن ثابت رضي الله عنه قاسه بأمر مرتبط بالعبادة،
    وفي ذلك تميُّز في حياة المسلم، والتخصيص بالقراءة فيه إشارة إلى أن ذلك الوقت وقت عبادة وتلاوة؛
    قال ابن أبي جمرة:
    فيه إشارة إلى أن أوقاتهم كانت مستغرقة بالعبادة.

    هكذا نري أنَّ في هذا الموقف حَثٌّ على جوانب كثيرة من الخير؛
    ففيه تناول طعام السَّحور والاجتماع عليه، ولا سيما مع أهل العلم والفضل الذين ينتفع الإنسان من صحبتهم ومجالستهم،
    وكذلك في الحث على تأخير السحور، فهو أرفق للصائم وأدعى لحضور صلاة الصبح مع جماعة المسلمين،
    وفيه أيضًا اغتنام الفرصة بين السحور وإقامة الصلاة فيما يُقرِّب إلى الله سبحانه وتعالى وخاصة بقراءة القرآن.








    سعد بن معاذ رضي الله عنه
    *::**::*::*:::*:*::*::*::*:*:*::*




    ومما يتعلق بهذه الشهر الكريم من مواقف سعد بن معاذ رضي الله عنه هو تفطيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
    فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَقَالَ:

    "أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ" [15].


    وهنا نجد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفطر عند سعد، وهذا خير جزيل ساقه الله سبحانه وتعالى لسعد بن معاذ رضي الله عنه من وجهين:
    أما
    الوجه الأول: فهو تفطير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو القائل:

    "مَن فطَّرَ صائمًا كانَ لَهُ مثلُ أجرِهِ ، غيرَ أنَّهُ لا ينقُصُ من أجرِ الصَّائمِ شيئًا" [16].

    فبهذا العمل حصل لسعد بن معاذ رضي الله عنه أجرٌ عظيمٌ من صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أتم الصيام وأكمله وأوفره أجرًا.

    و
    الوجه الثاني: دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ رضي الله عنه بهذا الإفطار؛
    حيث قال له:
    "أَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ وَأَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ"،
    وكم في هذه الدعاء من الخير لسعد بن معاذ رضي الله عنه؟!

    وفي هذا الدعاء ثلاثة أمور:
    الأول: دعاء له بأن يفطر عنده الصائمون،
    وإفطار الصائمين عنده يقتضي كثرة الأجر المترتب على فطرهم عنده؛ لأن له مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا،
    وكلما كثُر إفطار الصائمين عنده، كثُر أجره بالمقابل.

    الثاني: الدعاء له بأن يأكل طعامه الأبرار،
    والأبرار هم القائمون بحقوق الله، وحقوق عباده، الملازمون للبر في أعمال القلوب وأعمال الجوارح [17].
    وهذا يترتب عليه كثرة الخير له؛ إما بدعائهم له، أو بما يحصل منهم من العلم والإعانة على الخير، ويحتمل أيضًا أن يكون الذين يأكلون طعامه هم أصحابه،
    وبهذا يكون أصحابه هم الأبرار، ونعمة الصحبة التي تعود عليه بالخير.

    الثالث: الدعاء له بصلاة الملائكة عليه
    ،
    وصلاة الملائكة عليه هي دعاؤهم واستغفارهم له؛ كما في قوله سبحانه:
    ﴿
    إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



    وللحديث بقية إن شاء الله،

    فــ



    ___________________________________

    [1] في المستدرك وابن ماجه.
    وصححه ابن الملقن في: تحفة المحتاج، و
    البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة، وضعفه الألباني في: ضعيف الترغيب
    * والبوصيري
    هو:
    أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان البوصيري المصري، أبو العباس، شهاب الدين، من حفاظ الحديث، (ت 840هـ).
    قال الحافظ ابن حجر: كتب عني واستملى علي، وله تخاريج وفوائد.
    وقال السخاوي: كان كثير السكون والتلاوة والعبادة والانجماع عن الناس والإقبال على النسخ والاشتغال.
    وقال السيوطي: من حفاظ الحديث.
    [2] صحيح البخاري، حديث رقم 1975.
    [3] أخرجه البخاري-الصفحة أو الرقم: 5052
    [4] سنن ابن ماجه-كتاب الصيام، حديث رقم 1753، وقال في الزوائد: إسناده صحيح.
    [5] انظر: ابن الجوزي؛ صفة الصفوة 1/655-660.
    [6] صحيح مسلم، كتاب الصيام، حديث رقم 1104.
    [7] أبو نُعيم؛ حِلية الأولياء 1/382.
    [8] صحيح البخاري، حديث رقم 6057.
    [9] أبو نعيم؛ حلية الأولياء 1/384.
    [10] أبو نُعيم؛ حِلية الأولياء 1/382.
    [11] ابن الجوزي، صفة الصفوة 1/692.
    [12] أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، حديث رقم 37.
    [13] أخرجه البخاري، كتاب الصيام، حديث رقم 1921.
    [14] أخرجه البخاري، كتاب المواقيت، حديث رقم 576.
    [15] أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الصيام، حديث رقم 1747، وقال الألباني: صحيح دون الفطر عند سعد. (صحيح وضعيف سنن ابن ماجة).
    وفي رواية أخرى ل
    أنس بن مالك، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ جاءَ إلى سعدِ بنِ عُبادةُ رضِيَ اللَّهُ عنهُ فجاءَ بِخُبزٍ وزيتٍ فأكلَ، ثُمَّ قالَ النبي صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ:
    "
    أفطرَ عندَكُمُ الصَّائمونَ، وأكلَ طعامَكمُ الأبرارُ، وصلَّتْ عليكُمُ الملائِكةُ". صححه الشوكاني في: تحفة الذاكرين-الصفحة أو الرقم: 245

    [16] أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الصيام، حديث رقم 807، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6291.
    [18] تفسير ابن سعدي 7/584.
    ..
    المراجع
    ________
    - منقول بتصرف من مقال (مع الصحابة في رمضان)، للدكتور سليمان العيد (موقع شبكة الألوكة).
    - موقع إسلام ويب.

    شروح الحديث:
    _______________
    - شرح محمد فؤاد عبد الباقي
    - شرح النووي على مسلم
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 04-06-2015, 09:22 PM.
    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

    تعليق


    • #3
      رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان


      أحوال السلف في رمضان




      عَرفَ السلف الصالح قيمة شهر رمضان بما خصَّه الله عز وجل بالكثير من الخصائص والفضائل، فهو شهر نزول القرآن والكتب السماوية،
      وهو شهر التوبة والمغفرة وتكفير الذنوب والسيئات، وفيه العتق من النار، وفيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين،
      وفيه ليلة خير من ألف شهر، وهو شهر الجود والإحسان، وهو شهر الدعاء المستجاب.

      ولقد عَرِفَ السلف الصالح قيمة هذا الموسم المبارك؛ فشمَّروا فيه عن ساعد الجد واجتهدوا في العمل الصالح طمعاً في مرضاة الله،
      ورجاءً في تحصيل ثوابه، فقد ثبُت أنهم كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبل منهم،
      وقال عبدالعزيز بن أبي داود: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح؛ فإذا فعلوه وقع عليهم الهمَّ: أيُقبَل منهم أم لا؟!

      فهيا معًا نستعرض بعض أحوال السلف في رمضــان، وكيف كانت همّتهم وعزيمتهم وجدّهم في العبــادة؛
      لنلحق بذلك الركــب ونكون من عرف حقّ هذا الشهــر فعمل له وشمّــر


      أولاً:
      حالهم مع قراءة القرآن


      قال ابن رجب:
      "وفي حديث فاطمة رضي الله عنها، عن أبيها صلى الله عليه وسلم أنه أخبرها أنّ:

      جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرةً،
      وأنّه عارضه في عام وفاته مرتين.

      وفي حديث ابن عباس أنّ المدارسة بينه وبين جبريل كانت ليلاً،
      فدلَّ على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلاً؛ فإنّ الليل تنقطع فيه الشواغل، وتجتمع فيه الهمم، ويتواطأ فيه القلب واللسان على التدبر.
      كما قال تعالى: {
      إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} المزمل:6،

      وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن، كما قال تعالى: {
      شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِى أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْآنُ} البقرة:185.

      ولهذا حرص السلف رحمهم الله على الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان:

      1- عن إبراهيم قال:
      كان الأسود بن يزيد يختم القرآن في رمضان في كل ليلتين، وكان ينام بين المغرب والعشاء،
      وكان يختم القرآن في غير رمضان في كل ست ليالٍ
      .

      2- وعن وِقا بن إياس قال:
      كان سعيد بن جبير يختم القرآن فيما بين المغرب والعشاء في شهر رمضان، وكانوا يؤخرون العشاء.

      3- وعن عبد الملك بن أبي سليمان، عن سعيد بن جبير أنّه
      كان يختم القرآن في كل ليلتين.

      4- وقيل: كان الوليد بن عبد الملك يختم في كل ثلاثٍ، وختم في رمضان سبع عشرة ختمه وكان يقول:
      "
      لولا أنّ الله ذكر قوم لوطٍ ما شعرت أن أحداً يفعل ذلك".

      5- وعن أبي عوانة قال:
      شهدت قتادة يدرس القرآن في رمضان

      6- وقال سلام بن أبي مطيع:
      كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاثٍ، فإذا جاء العشر ختم كل ليلةٍ.

      7- وقال الربيع بن سليمان:
      كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين ختمة، وفي كل شهر ثلاثين ختمة.

      8- وقال موسى بن معاوية:
      كان وكيع بن الجراح يقرأ في رمضان في الليل ختمةً وثلثاً، ويصلي ثنتي عشرة من الضحى، ويصلي من الظهر إلى العص.

      9- وقال محمد بن زهير بن محمد بن قمير:
      كان أبي يجمعنا في وقت ختمه للقرآن في شهر رمضان في كل يوم وليلة ثلاث مرات، يختم تسعين ختمة في رمضان.

      10- وقال مسبِّح بن سعيد:
      كان محمد بن إسماعيل البخاري يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليالٍ بختمة.

      11- قال محمد بن علي بن حبيش:
      كان لأحمد بن عطاء البغدادي في كل يوم ختمة، وفي رمضان تسعون ختمة، وبقي في ختمةٍ مفردةٍ بضع عشرة سنة يتفهَّم ويتدبر.

      12- وقال القاسم بن علي يصف أباه ابن عساكر صاحب (تاريخ دمشق):
      وكان مواظباً على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة أو يختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية.

      13- قال الذهبي في ترجمة أبي البركات هبة الله بن محفوظ:
      تفقَّه، وقرأ القرآن، وله صدقة وبرٌّ، كان يختم في رمضان ثلاثين ختمة.

      14- قال الذهبي:
      سمعت الشيخ عبد الله بن حسن بن محمد الكردي بحرَّان يقول: قرأتُ في رمضان ثلاثين ختمة.

      15- كما
      كان مالك بن أنس إذا دخل رمضان يفر من الحديث ومجالسه أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف.

      16-
      وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العباد وأقبل على قراءة القرآن.

      17- و
      كان زبيد اليامي إذا حضر رمضان أحضر المصحف وجمع إليه أصحابه.


      فائدة:

      قال ابن رجب الحنبلي:
      وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأمَّا في الأوقات المُفضلة كشهر رمضان
      خصوصاً الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر، أو في الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيُستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن
      اغتناماً للزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره.

      " لطائف المعارف " ( ص 171 ) .






      ثانياً: حالهم في قيام الليل

      إنَّ قيام الليل هو دأب الصالحين وتجارة المؤمنين وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم فيشكون إليه أحوالهم،
      ويسألونه من فضله؛ فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات وتقتبس من أنوار تلك القربات وترغب
      وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.


      * قال الحسن البصري:
      لم أجد شيئاً من العبادة أشد من الصلاة في جوف الليل.

      * وكان شداد بن أوس إذا أوى إلى فراشه كأنه حبة على مقلى ثم يقول:
      اللهم إن جهنم لا تدعني أنام فيقوم إلى مُصلَّاه.

      * وكان طاوس يثب من على فراشه ثم يتطهر ويستقبل القبلة حتى الصباح ويقول :
      طيَّر ذكر جهنم نوم العابدين.

      1- عن السائب بن يزيد قال:
      "
      أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُبَيّ بن كعب وتميم الداري رضي الله عنهما أن يقوما للناس في رمضان،
      فكان القاريء يقرأ بالمئين، حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام، وما كنا ننصرف إلاَّ في فروع الفجر
      ".

      2- وعن مالك عن عبد الله بن أبي بكر قال:
      سمعت أبي يقول: "كنا ننصرف في رمضان من القيام، فيستعجل الخدم بالطعام مخافة الفجر".

      3- وعن أبي عثمان النهدي قال:
      "
      أمر عمر بثلاثة قراء يقرؤون في رمضان، فأمر أسرعهم أن يقرأ بثلاثين آية، وأمر أوسطهم أن يقرأ بخمس وعشرين، وأمر أدناهم أن يقرأ بعشرين".

      4- وعن داود بن الحصين عن عبد الرحمن بن هُرْمز قال:
      "
      سمعته يقول: ما أدركت الناس إلاّ وهم يلعنون الكفرة في شهر رمضان، قال: فكان القراء يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات،
      فإذا قام بها القراء في اثنتي عشرة ركعة رأى الناس أنه قد خفف عنهم
      ".

      5- وقال نافع:
      كان ابن عمر رضي الله عنهما يقوم في بيته في شهر رمضان،
      فإذا انصرف الناس من المسجد أخذ إداوةً من ماءٍ ثم يخرج إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لا يخرج منه حتى يصلي فيه الصبح
      .

      6- وعن نافع بن عمر بن عبد الله قال: سمعت ابن أبي ملكية يقول:
      "
      كنت أقوم بالناس في شهر رمضان فأقرأ في الركعة الحمد لله فاطر ونحوها، وما يبلغني أنّ أحداً يستثقل ذلك".

      7- وعن عمران بن حُدير قال: "
      كان أبو مجلز يقوم بالحي في رمضان يختم في كل سبع".

      8- وعن سعيد بن عامر عن أسماء بن عبيد قال:
      "
      دخلنا على أبي رجاء العطاردي، قال سعيد: زعموا أنّه كان بلغ ثلاثين ومائة،
      فقال: يأتوني فيحملوني كأني قُفَّةٌ حتى يضعوني في مقام الإمام فأقرأ بهم الثلاثين آية وأحسبه قد قال: أربعين آية في كل ركعة يعني في رمضان
      ".

      وعن عبد الصمد قال حدثنا أبو الأشهب قال: "
      كان أبو رجاء يختم بنا في قيام رمضان لكل عشرة أيام".

      10- وعن يزيد بن خصفة عن السائب بن يزيد، قال:
      "
      كانوا يقومون على عهد عمر بن الخطاب في شهر رمضان بعشرين ركعة، قال:
      وكانوا يقرؤون بالمائتين، وكانوا يتوكؤون على عصيهم في عهد عثمان بن عفان من شدة القيام
      ".


      طبقات السلف في قيام الليل

      قال ابن الجوزي:
      واعلم أن السلف كانوا في قيام الليل على سبع طبقات:
      الطبقة الأولى: كانوا يحيون كل الليل وفيهم من كان يصلي الصبح بوضوء العشاء.
      الطبقة الثانية: كانوا يقومون شطر الليل
      .
      الطبقة الثالثة: كانوا يقومون ثلث الليل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:
      « وَأَحَبُّ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ صَلَاةُ دَاوُدَ كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ » أخرجه البخاري
      .
      الطبقة الرابعة: كانوا يقومون سدس الليل أو خمسه
      .
      الطبقة الخامسة: كانوا لا يراعون التقدير وإنما كان أحدهم يقوم إلى أن يغلبه النوم فينام فإذا انتبه قام
      .
      الطبقة السادسة: قوم كانوا يصلون من الليل أربع ركعات أو ركعتين
      .
      الطبقة السابعة: قوم يُحيون ما بين العشاءين ويُعسِّـلون في السحر فيجمعون بين الطرفين ،
      وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
      :
      «
      إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» أخرجه مسلم.


      الأسباب الميسِّرة لقيام الليل

      ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل.

      فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
      الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب فيغلبه النوم ويثقل عليه القيام.
      الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
      الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
      الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.

      وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
      الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين وعن البدع وعن فضول الدنيا.
      الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
      الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
      الرابع: وهو أشرف البواعث:
      الحب لله وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناجٍ ربه.







      ثالثاً:
      حالهم في الجود والكرم إذا أقبل شهر رمضان

      1- من رواية ابن عباس رضي الله عنهما:
      كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير... الحديث
      [1].


      قال المهلب:
      "
      وفيه بركة أعمال الخير، وأن بعضها يفتح بعضاً، ويعين على بعض؛ ألا ترى أن بركة الصيام،
      ولقاء جبريل وعرضه القرآن عليه زاد في جود النبي صلى الله عليه وسلم وصدقته حتى كان أجود من الريح المرسلة
      ".

      وقال الزين بن المنير:
      "
      أي فيعم خيره وبره من هو بصفة الفقر والحاجة، ومن هو بصفة الغنى والكفاية أكثر مما يعم الغيث الناشئة عن الريح المرسلة صلى الله عليه وسلم".

      وقال ابن رجب:
      "
      قال الشافعي رضي الله عنه: أحبُّ للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم،
      ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصَّوم والصلاة عن مكاسبهم
      ".

      2- كان ابن عمر رضي لله عنهما يصوم، ولا يفطر إلاَّ مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه، لم يتعشَّ تلك الليلة،
      وكان إذا جاءه سائل وهو على طعامه، أخذ نصيبه من الطعام وقام، فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهله ما بقي في الجِفْنَةِ، فيصبح صائماً ولم يأكل شيئاً.

      3- يقول يونس بن يزيد: "
      كان ابن شهاب إذا دخل رمضان، فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام".

      4- كان حماد بن أبي سليمان يفطِّر في شهر رمضان خمس مائة إنسان، وإنه كان يعطيهم بعد العيد لكل واحد مائة درهم.







      رابعاً:
      التقليل من الطعام

      1- قال إبراهيم بن أبي أيوب:
      كان محمد بن عمرو الغزي يأكل في شهر رمضان أكلتين.

      2- وقال أبو العباس هاشم بن القاسم:

      كنت عند المهتدي عشيَّةً في رمضان، فقمت لأنصرف، فقال:
      اجلس، فجلست، فصلَّى بنا، ودعا بالطعام، فأحضر طبقَ خِلافٍ، عليه أرغفةٌ، وآنية فيها ملحٌ وزيتٌ وخلٌّ.
      فدعاني إلى الأكل، فأكلت أكل من ينتظر الطبيخ، فقال: ألم تكن صائماًً؟ قلت: بلى، قال: فكل واستوفِ، فليس هنا غير ما ترى
      !.







      خامساً:
      حفظ اللسان، وقلة الكلام وتوقِّي الكذب

      1- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
      « مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ».

      قال المهلب:
      "
      وفيه دليل أن حُكم الصيام الإمساك عن الرفث، وقول الزور، كما يمسك عن الطعام والشراب، وإن لم يمسك عن ذلك فقد تنقَّص صيامه،
      وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه
      ".

      2- وفي رواية مسلم:
      « إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا ، فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ ».

      قال المازري في قوله: ((إني صائمٌ)):
      "
      يحتمل أن يكون المراد بذلك أن يخاطب نفسه على جهة الزجر لها عن السباب والمشاتمة".

      3- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
      (
      ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب والباطل واللغو والحلف).

      4- وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:
      (
      إنّ الصيام ليس من الطعام والشراب، ولكن من الكذب والباطل واللغو).

      5- وعن طلق بن قيس قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: "
      إذا صمت فتحفظ ما استطعت
      وكان طلق إذا كان يوم صومه دخل فلم يخرج إلاّ لصلاة.

      6- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
      (
      إذا صمت فليصم سمعك وبصرك، ولسانك عن الكذب والمآثم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك،
      ولا تجعل يوم فطرك ويوم صيامك سواء
      ).

      7- وعن أبي متوكل أن أبا هريرة رضي الله عنه وأصحابه كانوا إذا صاموا جلسوا في المسجد.

      8- وعن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول:
      (
      إذا كنت صائماً فلا تجهل، ولا تساب، وإن جُهِل عليك فقل: إني صائم).

      9- وعن مجاهد قال: "
      خصلتان من حفظهما سلم له صومه: الغيبة والكذب".

      10- وعن أبي العالية قال: "
      الصائم في عبادة ما لم يغتب".






      أسأل الله تعالى لي ولكم جميعًا
      أن يُبلِّغنَا رمضان وهو راضٍ عنَّا، وأن يوفقنا بفضله إلى حسن استقباله وحسن العمل فيه، وأن يجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتساباً،
      وأن يبلغنا ليلة القدر ويجعلنا برحمته من عتقائه من النار فيها وفي كل أيامه ولياليه.. سبحانه.. إنَّه ولي ذلك والقادر عليه،
      سبحانه.. إنَّه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، سبحانه.. هو نعم المولى ونعم النصير،
      وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا الهادي محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.




      ___________________________________

      [1] متن الحديث بالمشاركة الأولى.
      ..
      المراجع
      ________

      - نقل من الملف العلمي للبحوث المنبرية (موقع المنبر).
      ولم أنقل تخريج الأحاديث وأسانيد الآثار نظرًا للوثوق في الموقع.
      ولمن يود معرفة الأسانيد فضلًا؛ راجع الموضوع:
      هنا
      - نقل بتصرف شديد من موقع (ملتقى أهل الحديث).
      التعديل الأخير تم بواسطة أبو أحمد خالد المصرى; الساعة 06-06-2015, 10:26 AM.
      إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
      والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
      يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

      الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

      تعليق


      • #4
        رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان


        جزاكم الله خيرا ونفع بكم
        يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ


        تعليق


        • #5
          رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

          المشاركة الأصلية بواسطة أول شهيده فى الاسلام مشاهدة المشاركة

          جزاكم الله خيرا ونفع بكم
          بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء
          إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
          والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
          يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

          الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

          تعليق


          • #6
            رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

            عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
            بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء
            اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



            تعليق


            • #7
              رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

              المشاركة الأصلية بواسطة عطر الفجر مشاهدة المشاركة
              عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
              بارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء
              اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


              عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام
              بارك الله فيكم وحفظكم
              إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
              والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
              يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

              الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

              تعليق


              • #8
                رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

                للنفع بارك الله فيكم

                "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
                وتولني فيمن توليت"

                "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

                تعليق


                • #9
                  رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

                  جزاكم الله خيرا ونفع بكم


                  ربِّ خذ من حياتي حتى ترضى، واجعل كل سكنة وكل حركة وكل لحظة طَرْفٍ فيك ولك!

                  تعليق


                  • #10
                    رد: هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والسلف الصالح في رمضان

                    المشاركة الأصلية بواسطة بذور الزهور مشاهدة المشاركة
                    للنفع بارك الله فيكم
                    المشاركة الأصلية بواسطة رسولى أندى العالمين مشاهدة المشاركة
                    جزاكم الله خيرا ونفع بكم

                    جزاكم الله خير الجزاء ونفع بكم ورفع قدركم
                    إنّ من جملة الهجر أن يهجر المرء الإعتقاد الفاسد إلى الإعتقاد الصحيح،
                    والسلوك الفاسد إلى السلوك الصحيح، والفقه الفاسد إلى الفقه الصحيح،
                    يهجُر البدعة إلى السنة، ويهجر المعصية إلى الطاعة.

                    الشيخ/ أبو اسحق الحويني ، حفظه الله

                    تعليق


                    • #11
                      اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

                      تعليق


                      • #12
                        جزاكم الله خيرا ونفع بكم


                        ربِّ خذ من حياتي حتى ترضى، واجعل كل سكنة وكل حركة وكل لحظة طَرْفٍ فيك ولك!

                        تعليق

                        يعمل...
                        X