إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

غزوة بدر وغزوة أحد .. فقه السيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • غزوة بدر وغزوة أحد .. فقه السيرة

    إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هاديَ له.
    وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله.
    اللَّهم صلَّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
    أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
    انتهينا في حديثنا عن السيرة النبوية العطرة المباركة إلى وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة مُهاجرًا، وذكرنا أهم الأعمال التي قام بها النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- بعد وصوله إلى المدينة، ومنها:
    بناء المسجد، والمُؤاخاة بين المُهاجرين والأنصار، والمُعاهدة بينه -صلى الله عليه وسلم- وبين طوائف اليهود الموجودين في المدينة.
    وبعد أن استقر -صلى الله عليه وسلم- ومَن معه من المُهاجرين في المدينة؛ بدأت التَّشريعات الرَّبانية تنزل عليه -صلى الله عليه وسلم- ومنها: مشروعية الأذان لصلاة الجماعة، ومشروعية الصيام والزَّكاة، وتقريبًا في السنة الثانية من الهجرة كانت مشروعية الجهاد.
    لماذا شُرِع الجهادُ في الإسلام؟
    نحن قد عرفنا من خلال الدروس السَّابقة الاضطهاد والتَّعذيب الذي لقيه النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- ومَن آمن معه من أهل مكة خلال ثلاثة عشر عامًا قضاها -صلى الله عليه وسلم- في مكَّة قبل الهجرة.
    ثم اضطرته قريش هو وأصحابه إلى الخروج من ديارهم وأموالهم، فلمَّا هاجروا لم يكُفَّ كفارُ قريشٍ أيديهم عنهم، ولم يكفُّوا ألسنتهم؛ بل أرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين في المدينة رسائل تهديد، منها أنَّهم سيأتونهم في المدينة فيستبيحُون بَيْضَتَهم، ويستأصلون شَأْفَتَهم، ولا يتركون منهم أحدًا.
    فلم يكن من حكمة أحكم الحاكمين -سبحانه وتعالى- أن يأمر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ومَن آمن معه أيضًا بالصَّبر وكفِّ أيديهم كما أمرهم بذلك في مكة قبل الهجرة، فنزل القرآنُ الكريم بالإذن من الله -عز وجل- لرسوله والمؤمنين في الدِّفاع عن أنفسهم.
    قال الله -تبارك وتعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم ببَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾ [الحج: 39- 41].
    فهذه أولى الآيات نزولًا في مشروعية الجهاد.
    ونحن حين نُدقق النظر فيها نستخلص منها الأسباب والحِكَم التي من أجلها أُذِن للنبي -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين في الجهاد.
    من هذه الأسباب والحِكَم التي شُرِع من أجلها الجهادُ في الإسلام:
    أولًا: تأمين دعوة الإسلام: تأمين الدَّعوة حتى يتمكَّن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من تبليغ رسالة ربِّه التي أمره بتبليغها حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: 67].
    فمن الأسباب والحكم التي شُرع من أجلها الجهاد: تأمين الدَّعوة، وتأمين المسلمين الذين اعتنقوا الإسلامَ عن رضًى واطمئنانٍ، وحمايتهم من أذى المشركين، ومنحهم حقّهم في الإعلان عن عقيدتهم وهم آمنون، فليس من الحقِّ والعدل أن يُدافع أصحابُ المذاهب الباطلة عن باطلهم بالقوة، وأن يُترك أصحابُ العقائد الصَّحيحة والشَّريعة السَّمحة من غير أن يُؤذَن لهم في الدِّفاع عن عقيدتهم ودينهم.
    ثانيًا: من أسباب وحِكَم مشروعية الجهاد في الإسلام: الانتصاف للمظلوم من الظالم، والانتصار للنفس: فها هم المشركون قد آذوا المسلمين وحاولوا ما وسعهم أن يفتنوهم عن دينهم، فلمَّا لم يُفلحوا أخرجوهم من ديارهم وأهليهم وأموالهم.
    والانتصار للنفس أمرٌ فطري، وحقٌّ من حقوق الإنسان قررته الشَّرائع السَّماوية والقوانين الأرضية.
    وليس من العدل والحقِّ أن يُترك المشركون يمرحون في الأرض ويجوبون الجزيرة من الجنوب إلى الشَّمال، ولا يُؤذَن للمسلمين في محاربتهم من جنس ما حاربوهم به، وأن يقطعوا عليهم تجارتهم ويأخذوا منها ما تصل إليه أيديهم نظير ما اغتصبوا هم من أموالهم، وأن يُضيقوا عليهم مثلما ضيَّقوا عليهم.
    ثالثًا: إنَّ في تشريع الجهاد نشرًا للسلام والأمان في الأرض، وتأمين كلِّ ذي دينٍ على دينه، واحترام مُقدَّسات الأديان في الأرض: فالمسلمون حينما تكون لهم السُّلطة والغلبة في الأرض؛ فلا خشيةَ على أهل الأديان الأخرى منهم؛ لأنَّ لهم من وصايا دينهم ما يعصمهم من الظلم والجَور والتَّعنُّت، وليس كذلك الحال لو ساد غيرُ المسلمين وملكوا، وهو ما يشهد به الواقع والتاريخ.
    رابعًا: إنَّ الإسلام بما خصَّه الله تعالى به من عموم الدَّعوة للناس أجمعين، وبما جاء به من عقائد وتشريعات وآداب أكسبته الصَّلاحية لكلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ فهو الحقيق بأن يسود الأرض، والمسلمون المُتمَسِّكون به هم الأحق بالسيادة والاستخلاف في الأرض؛ لأنَّهم هم الذين ينشرون فيها الهدى والحق والعدل والرحمة والبر والخير، وهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وذلك أساس كلِّ خيرٍ وصلاحٍ.
    فهذه هي الحِكَم والعلل التي دلَّت عليها هذه الآية الكريمة التي أذن الله تعالى فيها للنبي -عليه الصلاة والسَّلام- ومَن آمن معه في الدِّفاع عن أنفسهم: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحج: 39].
    ومن هنا كانت غزوات النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وأولاها: غـزوة بدر.
    وكان سببُ هذه الغزوة: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغه أنَّ أبا سفيان خرج من مكة إلى الشَّام في قافلةٍ تجاريةٍ، فخرج -عليه الصَّلاة والسَّلام- في مئتين من المُهاجرين بقصد اعتراض هذه القافلة والسَّيطرة عليها ومُصادرة هذه القافلة والاستيلاء عليها؛ ليكون في ذلك إضعافٌ للمشركين، وسيطرةٌ على بعض أموالهم التي يُنفقونها ليصدوا عن سبيل الله، وليكون في الاستيلاء عليها تقويةٌ للمسلمين، وتعويضٌ لهم عن أموالهم التي خلَّفوها وراءهم في مكة وسيطرت عليها قريش.
    وبلغ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في خروجه هذا مكانًا يُعرَف بالعُشَيرة، فلمَّا انتهى إليه علم أنَّ القافلة قد فاتته إلى الشَّام، فرجع -عليه الصلاة والسلام- ولم يلقَ في هذه الغزوة كيدًا؛ إلا أنَّه -صلى الله عليه وسلم- ظلَّ يرقُب عودة هذه القافلة ويتتبع حركتها، وبعث العيونَ -أي الجواسيس- يرصدون عودة هذه القافلة من الشام إلى مكَّة.
    فلمَّا بلغه -صلى الله عليه وسلم- أنَّ أبا سفيان في طريق عودته إلى مكة من الشام؛ قال لمَن حوله من أصحابه: «إِنَّ لَنَا طَلِبَةً، فَمَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَلْيَرْكَبْ مَعَنَا»، أي سنخرج لحاجةٍ -ولم يُصرِّح بها- فمَن كان ظهرُه حاضرًا -أي دابته، أو جَمَله، أو حصانه موجود- يركب معنا، فاستأذنه بعضُ الناس أن يذهبوا ويأتوا بظُهورهم -الخيل والجِمَال- من البيوت، فقال: «لَا؛ إِلَّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا»، مَن كان جاهزًا يخرج معنا، ومَن ليس بجاهزٍ فليبقَ.
    فنشط رجالٌ وقعد رجالٌ؛ لظنِّهم أنَّه لن يكون قتالٌ كما لم يكن قبل ذلك.
    فخرج -عليه الصلاة والسلام- في بضعة عشر وثلاثمئة من أصحابه، ولم يكن معهم من الخيل إلا فرسان: فرسٌ للمقداد بن الأسود، وفرسٌ للزبير بن العوَّام.
    وكان معهم سبعون بعيرًا، يَعْتَقِب الرَّجلان والثلاثة على البعير الواحد، أي أنَّ كلَّ اثنين وثلاثة على بعيرٍ، فواحدٌ يركب وينزل، والثاني يركب وينزل، وهكذا.
    حتى إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان له زميلان يَعْتَقِبَان معه بعيرًا.
    فسار -صلى الله عليه وسلم- بمَن خرج معه من أصحابه.
    وكان أبو سفيان حين دنا من المدينة بلغَ من شدَّة حذره وحرصه على أموال الناس التي معه أنَّه صار يتحسس الأخبارَ، فعلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج يعترض طريقه، فاستأجر رجلًا وكلَّفه أن يأتي مكة يستغيثهم ويستصرخهم للخروج لإنقاذ أبي سفيان والقافلة التي معه.
    فدخل ذلك الأجيرُ إلى مكَّة وقد ركب بعيرَه، وجَدَعَ أنفَه وأُذنَه، وشقَّ قميصَه، وجعل ظهره للوراء، وأخذ يصرخ بأعلى صوتٍ: يا معشر قريش، اللَّطِيمَة اللَّطِيمَة -أي أدركوا اللَّطِيمَة، وهي العِير التي تحمل الطيب.
    قال: يا معشر قريش، اللَّطِيمَة اللَّطِيمَة، أموالكم قد خرج محمدٌ يعترضها، ما أرى أن تُدركوها، ولئن أصاب محمدٌ أموالكم هذه المرة لن تُفلحوا أبدًا.
    فاجتمع كبراؤُهم وأشرافُهم وتشاوروا، ثم أصرُّوا على الخروج لإنقاذ القافلة التِّجارية.
    وكان أبو سفيان قد غيَّر طريقَه ومسيره الذي ينتظره فيه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا نجا وتجاوز المكانَ واطمأنَّ أنَّه قد نجا؛ أرسل إلى قريشٍ يُخبرهم بنجاته، وأنَّه لا داعي للخروج، فقد نجَّى الله العِيرَ ومَن فيها.
    فلمَّا بلغتهم رسالةُ أبي سفيان انقسموا فريقين:
    فريقٌ قال: خرجنا لإنقاذ القافلة، وقد نجاها الله فلا داعي للخروج.
    إلا أنَّ أبا جهل -لعنه الله- أصرَّ على الخروج والوصول إلى بدرٍ، قائلًا: والله لا نرجع حتى نأتي بدرًا، فنُقِيم عليها ثلاثًا، ننحر الجُزُر، ونُطعم الطعام، ونُسقى الخمر، وتعزف علينا القِيَان، حتى تسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا؛ فلا يزالون يهابوننا بعد ذلك اليوم أبدًا.
    فوافقه مَن وافقه، وخالفه مَن خالفه، إلا أنَّهم خرجوا حتى وصلوا إلى بدرٍ.
    فاستشار النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه في لقاء العدو؛ لأنَّ الإسلام يُحرِّم أن يُعطي المسلمُ الدَّنيَّة، كما يُحرِّم الذل والهوان، فلا ينبغي للمسلم أن يُهين نفسه ولا أن يُذلها، ولا ينبغي للمسلمين أن يضعفوا أمام العدو المُتَغَطْرِس المُتكبر المَغْرور الذي خرج بطرًا ورئاء الناس يُريد أن يسمع به الناسُ -كما قال أبو جهلٍ.
    فاستشار -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه في لقاء العدو، فقال بعضُهم: ما أخرجنا إلا العِير، وما أردنا النَّفِير، ولم نستعدَّ له.
    فكره -صلى الله عليه وسلم- قول ذلك القائل، ثم قال: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ».
    فتكلم أبو بكر -رضي الله عنه- وأحسن، فأعرض عنه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم.
    فتكلم عمرُ فأحسن، فأعرض عنه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم.
    فقام سعدُ بنُ عبادةٍ فقال: إيَّانا تُريد يا رسول الله؟
    أي تقصدنا نحن الأنصار؟
    قال: والله لو أمرتنا أن نُخِيضَها البحر لأَخَضْنَاها.
    أي لو قلت لنا: انزلوا بالخيل البحر، سننزل بها.
    قال: ولو أمرتنا أن نضرب أكبادَها إلى بَرْكِ الغِمَاد لفعلنا.
    فسُرَّ بذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم.
    وعن عبد الله بن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: لقد شهدتُ من المقداد بن الأسود مشهدًا لأن أكون أنا صاحبه أحبّ إليَّ من كذا وكذا.

  • #2
    رد: غزوة بدر وغزوة أحد .. فقه السيرة

    أتى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يوم بدرٍ وهو يدعو على المشركين، فقال: يا رسول الله، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى -عليه السلام: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون. ولكن: امضِ ونحن معك.
    وكأنَّه سُرِّيَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ابنُ مسعودٍ: فرأيتُ النبيَّ قد أشرق وجهُه، وسرَّه ما سمع من المقداد، ثم قال: «سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ».
    فنزل -صلى الله عليه وسلم- قريبًا من ماء بدرٍ، ثم أرسل الجواسيسَ يأتونه بأخبار القوم، فعرف عددهم، وعرف مَن فيهم من أشراف مكة وكبارها، فقال -عليه الصلاة والسلام: «هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَلْقَتْ إِلَيْكُمْ بِأَفْلَاذِ كَبِدِهَا».
    ثم دعا -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه فقال: «اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ عُرَاةٌ فَاكْسُهُمْ، اللَّهُمَّ إِنَّهُمْ جِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ»، ثم جعل -صلى الله عليه وسلم- يُبَشِّر أصحابه ليبعث فيهم روح الثِّقة، فجعل يقول: «هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا»، هنا يُقتَل فلانٌ من قريشٍ، وهنا يُقتَل فلانٌ، وهنا يُقتَل فلانٌ؛ فوالله ما أخطأ أحدٌ سمَّاه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مصرَعه أبدًا.
    وبات القومُ ليلة الجمعة -ليلة السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة- ببدرٍ يرتقبون هجوم العدو في أيَّة ساعةٍ، فطار النومُ من عيونهم، وخافت قلوبُهم، وإذا بالله -عز وجل- يُغَشِّيهم النُّعاس، فينامون في تلك اللَّيلة التي سيُصبحون يُقاتلون فيها، وتلتحم فيها الصُّفوفُ: ï´؟إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَينَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بهِ وَيذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَï´¾ [الأنفال: 11].
    فلمَّا أصبحوا -وقد أخذت أجسادُهم قسطًا من الراحة- فتحوا عيونهم على الغاية الرَّشيدة المُستترة بأمر الله -عز وجل- ورأوا العُدْوَة القُصْوَى، وصفَّهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- للقتال، وأشار بعضُ الصَّحابة أن يبنوا للنبيِّ عريشًا يكون فيه، فوافقهم على ذلك، ودخل -صلى الله عليه وسلم- عَرِيشَه.
    وإذا بنفرٍ ثلاثةٍ من المشركين يدعون المسلمين إلى المُبارَزة، فقام عُتبة بن ربيعة وابنه الوليد بن عُتبة، وأخوه شيبة بن ربيعة، فنادى عُتبة في صفوف المسلمين: مَن يُبارز؟
    فانتدب له شبابٌ من الأنصار من أهل المدينة، فقال لهم: ممن أنتم؟
    قالوا: من أهل المدينة.
    قال: لا حاجةَ لنا فيكم، إنَّما أردنا بني عمِّنا -يقصد المُهاجرين.
    فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم: «قُمْ يَا حَمْزَةُ، قُمْ يَا عَلِيُّ، قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ».
    فقام حمزة إلى عُتبة، وقام عليٌّ إلى شيبة، وقام عبيدة إلى الوليد، فقتل حمزةُ عُتبةَ، وقتل عليٌّ شيبة، وأمَّا الوليد وعُبيدة فاختلفا ضربتين، فأثخن كلٌّ منهما صاحبه، فمال حمزة وعليٌّ مع عُبيدة على الوليد فقتلوه ثم حملوا عُبيدة.
    ومع ذلك فإنَّ قريشًا لم يُردعها قتل هؤلاء الثلاثة، ولم يزجرها عن القتال؛ بل على العكس أثار القتل الحمية الجاهلية في قلوبهم، فتقدموا للقتال، فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: «قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض».
    فقال عُمير: يا رسول الله، جنَّة عرضها السَّماوات والأرض؟
    قال: «نَعَمْ».
    قال: بخٍ بخٍ.
    فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَا حَمَلَكَ عَلَى قَوْلِكَ: بَخٍ بَخٍ؟».
    قال: رجاء أن أكون من أهلها.
    فقال: «فَأَنْتَ مِنْ أَهْلِهَا».
    فأخرج -رضي الله عنه- تمراتٍ ليأكلها، فجعل يأكلها، ثم قال: لئن أنا حييتُ حتى آكل هذه التَّمرات؛ إنَّها لحياة طويلة.
    الجنة مفتوحة، وأنا آكل تمرًا؟!
    فرمى التَّمرات وأقبل على المشركين، فدخل في صفوفهم فقاتلهم حتى قُتِل -رضي الله عنه.
    والنبي -صلى الله عليه وسلم- داخل العَرِيش، وسعد بن معاذٍ على بابه، وأبو بكر -رضي الله عنه- مع النبي في الدَّاخل، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يستنصر ربَّه ويستغيثه: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِنِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِك هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَنْ تُعْبَدَ فِي الْأَرْضِ».
    وأبو بكر يقول: يا رسول الله، بعض مُناشدتك ربّك، فإنَّ الله مُنْجِزٌ لك ما وعدك.
    فأغفى -عليه الصلاة والسلام- إغفاءةً فجاءته البُشرى بالنصر -بإذن الله عز وجل- وأوحى الله تعالى إلى الملائكة: ï´؟إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍï´¾ [الأنفال: 12]، فأفاق -عليه الصلاة والسلام- من إغفاءته مُبتسمًا وهو يقول: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَبْشِرْ، أَتَاكَ نَصْرُ اللهِ، هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ آلَةُ الْحَرْبِ».
    ثم خرج -عليه الصَّلاة والسَّلام- وهو يَثِبُ في الدِّرْع ويقول: ï´؟سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّï´¾ [القمر: 45، 46]، ثم أخذ كفًّا من حصى فرماه في وجوه القوم وهو يقول: «شَاهَتِ الْوُجُوهُ»، فلم تبقَ عينٌ من عيون القوم إلا ودخلها من ذلك الحصى.
    وفي ذلك يقول الله تعالى: ï´؟وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَىï´¾ [الأنفال: 17].
    وتقدَّم المسلمون يقتلون المشركين والملائكة تُقاتل معهم، حتى قال ابنُ عباسٍ: بينما رجلٌ من المسلمين يشتدُّ في إثر رجلٍ من المشركين إذ سمع ضربةً بالسَّوط وصوت فارس يقول: أقدم حَيْزُوم. إذ نظر إلى المُشرِك أمامه خرَّ مُستلقِيًا، فنظر إليه فإذا هو قد خُطِمَ أنفه وشُقَّ وجهُه كضربة السَّوط، فجاء ذلك المسلمُ وأخبر النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ».
    وانطلق المسلمون يُعمِلون سيوفَهم في المشركين، فقتلوا منهم يومئذٍ سبعين، وأسروا سبعين، ولما جِيء بالعباس بن عبد المطلب أسيرًا، جاء به رجلٌ من الأنصار قصيرٌ، يقول: يا رسول الله، أسرتُ هذا.
    فقال العباسُ: يا رسول الله، والله ما أسرني هذا، ولكن أسرني رجلٌ أبلج على فرسٍ أبلق، وجهه كأحسن وجوه الناس، لا أراه في القوم.
    فقال الأنصاري: أنا يا رسول الله أسرته.
    فقال -صلى الله عليه وسلم: «اسْكُتْ، لَقَدْ أَعَانَكَ اللهُ عَلَيْهِ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ».
    ورجع المشركون يجرون أذيالَ الخيبة والهزيمة، قُتِل منهم سبعون، وأُسِرَ مثلهم، ولم يُقتَل من المسلمين في بدرٍ إلا أربعة عشر رجلًا، اتَّخذهم الله شُهداء فضلًا من الله ونعمة، وهو القائل: ï´؟وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَï´¾ [آل عمران: 169، 170].
    وأقام النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعد هروب المشركين من ميدان المعركة ببدر ثلاثًا، وكان إذا ظهر على قومٍ أقام بالميدان ثلاث ليالٍ، فأقام -عليه الصَّلاة والسلام- على بدرٍ ثلاثًا، ثم أتى قتلى المشركين فقام عليهم وناداهم بعد أن دفنهم في البئر: «يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، يَا أَبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ؛ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا».
    فقال عمر: يا رسول الله، أتُخاطب أقوامًا قد جُيِّفوا؟! وأنَّى يُجِيبوا؟
    فقال -صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا».
    وهنا ينبغي أن نُنبه على أمرٍ مهمٍّ: وهو أنَّ سماع الأموات خاصَّة بساعة الدفن فقط، كما جاء في حديثٍ آخر: «وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوا عَنْهُ مُدْبِرِينَ»، وأمَّا بعد ذلك: ï´؟أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَï´¾ [النحل: 21].
    وأرسل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- رُسُلَه مُبشرين لأهل المدينة بالنصر المُؤَزَّر الذي أيَّدهم الله -تبارك وتعالى- به، فأتاهم الخبرُ في أول أيام شوال وقد فرغوا من دفن رقية بنت رسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- وكانت مريضةً حين خرج، فاستخلف عليها زوجَها عثمانَ بنَ عفَّان يُمَرِّضها حتى ماتت، فجهزها ودفنها، فما فرغوا من دفنها حتى أتاهم نبأُ النصر، وضرب رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لزوجها عثمان بسهمه في الغنائم؛ لأنَّه كان قد تخلَّف عليها بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم.
    ودخل -صلى الله عليه وسلم- المدينة بالمغانم والأسرى، فاختلف أصحابُه في المغانم: مَن يأخذ؟ ومَن لا يأخذ؟ واختلفوا كذلك في الأسرى ماذا يفعلون بهم؟
    عن عُبادة بن الصَّامت -رضي الله عنه- قال: خرجتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فشهدتُ معه بدرًا، فالتقى الناسُ فهزم الله العدو، فانطلقت طائفةٌ في آثارهم يُطاردونهم ويقتلون، وطائفة على المَغْنَم يحُوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفةٌ برسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يُصيب العدو منه غِرَّة.
    حتى إذا كان الليل وفاء الناسُ بعضهم إلى بعضٍ؛ قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها وحزناها.
    وقال الذين أحدقوا برسول الله -صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يُصيب العدو منه غِرَّة، فانشغلنا به.
    فلمَّا اختلفوا في الغنائم مَن يأخذ؟ ومَن لا يأخذ؟ أنزل الله تعالى قوله: ï´؟يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَï´¾ [الأنفال: 1]، فقسَّم -صلى الله عليه وسلم- الغنائمَ بين المسلمين.
    أمَّا اختلافهم في الأسرى: فعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: لما أسروا الأسارى قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكرٍ وعمرَ: «مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟».
    فقال أبو بكرٍ: أرى أن نأخذ منهم فديةً، فتكون لنا قوةً على الكفَّار، ولعل الله أن يهديهم للإسلام.
    فقال -صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟».
    قال: لا والهي يا رسول الله، ما أرى رأي أبي بكرٍ، ولكن أرى أن تُمكنَّا منهم فنضرب أعناقَهم، فتُمكِّن عليًّا من عقيل أخيه فيضرب عنقه، وتُمكنني من فلانٍ -نسيب لعمر- فأضرب عنقه، فإنَّ هؤلاء أئمَّة الكفر وصناديدها.

    تعليق


    • #3
      رد: غزوة بدر وغزوة أحد .. فقه السيرة

      فهوى -أي رغب- رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قال عمر؛ انطلاقًا من الرحمة والرَّأفة التي فطره الله عليها.
      قال عمر: فلمَّا كان من الغد جئتُ فإذا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر قاعدين يبكيان، قفلت: يا رسول الله، نبِّئني ما الذي يُبكيكما؟ فإن وجدتُ بكاءً بكيتُ معكما، وإن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما.
      فقال -صلى الله عليه وسلم: «أَبْكِي لِمَا عُرِضَ عَلَيَّ مِنْ أَخْذِهِم الْفِدَاءَ، لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ»، لشجرةٍ قريبةٍ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
      ثم عفا الله عنهم، وأنزل العفوَ مع العِتَاب مُقترنًا، فقال سبحانه: ï´؟مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌï´¾ [الأنفال: 67- 69].
      وإنَّما عاتب الله تعالى نبيَّه والمؤمنين على أخذ الفِدَاء من الأسرى وإطلاق سراحهم؛ لأنَّ هؤلاء الأسرى لم يكونوا مجرد مُحاربين، وإنَّما كانوا كما يُقال بلغة العصر: مُجرمي حرب؛ لأنَّهم هم الذين سامُو المُستَضْعَفِين من المسلمين سُوء العذاب في مكَّة، وهم الذين آذوا رسول الله نفسه، وهم الذين أخرجوه، وللعفو موضعه كما للعقاب موضعه.
      وقد كان المسلمون هم المُسْتَضْعَفِين، والكفار هم الأقوياء، فكان في قتل الأسرى السَّبعين إضعافٌ للمُشركين وتقويةٌ للمسلمين، ولكن كلَّ شيءٍ يجري بتقدير الله تعالى ومشيئته، فلذلك عفا الله تعالى عن أصحاب رسوله -صلى الله عليه وسلم.
      وقد رجع المشركون من بدرٍ إلى مكَّة يجُرُّون أذيالَ الخيبة والهزيمة، فقُتِل منهم -كما قلت- سبعون، وأُسِر سبعون.
      وكانت قريشٌ قد خرجت إلى بدرٍ بعدما ذكرنا أنَّ أبا سفيان قد قال لهم: أنا نجوتُ، فارجعوا. فأصر أبو جهلٍ على وصوله بدرًا، فكان ما كان. فلمَّا وصلت القافلةُ إلى مكة قالوا: هذه العِير هي السَّبب في خروج إخواننا، انتظروا لا تقسموها، لا أحد يأخذ حقَّه منها حتى نرى ما يفعل الله بإخواننا الذين خرجوا.
      فحبسوا هذه العِير في دار النَّدوة ولم يقسموها، فلمَّا أصاب قريشًا ما أصابها في بدرٍ سعى نفرٌ من قريشٍ: عبد الله بن أبي ربيعة، وصفوان بن أُميَّة، وعكرمة بن أبي جهل؛ سعوا إلى أبي سفيان ومشوا إليه وإلى كلِّ مَن له حظٌّ في هذه القافلة، وحثُّوهم على إنفاق أموالها في حرب المسلمين والأخذ بثأر قتلى المشركين، فأجابوهم جميعًا إلى ما طلبوا، وترأَّس أبو سفيان تلك الحملة، وجنَّدت قريشٌ شُعراءها؛ ليُحرِّضوا على الأخذ بالثَّأر لمَن قُتِل في بدرٍ، كما جنَّدت قريشٌ النساءَ اللاتي فقدن أزواجهن وآباءهن في بدرٍ؛ لينُحْن ويبكين ويندُبْن قتلى بدرٍ؛ تحريضًا لقريشٍ على الأخذ بالثَّأر.
      فخرج نفرٌ من قريشٍ إلى قبائل العرب المجاورة، فحرَّضوهم على الاجتماع للخروج لقتال المسلمين، فأجابتهم قبائلُ كثيرةٌ إلى ذلك، واجتمع من ذلك ثلاثة آلاف مُقاتلٍ في ثلاثة آلاف بعيرٍ ومئة فرس.
      وفي شوال من السنة الثالثة للهجرة -أي بعد بدرٍ بسنةٍ واحدةٍ- خرج هذا الجيش الجرَّار من المشركين من كفَّار قريشٍ ومن قبائل العرب المجاورة قاصدين المدينة، وكانت الأنباءُ قد ترامت إلى أهل المدينة بخروج هذا الجيش وقصده المدينة، فأُعلنت حالةُ الطوارئ، وتأهَّب أهلُ المدينة للدِّفاع عنها، وحرسوها ليلًا، حتى إذا كان يوم الجمعة السادس من شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة وصل هذا الجيش -جيش المشركين- إلى جبل أُحُدٍ بالقرب من المدينة، فنزل هناك قريبًا من الجبل.
      وكان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- قد رأى رُؤيا ليلة الجمعة، أراه الله -تبارك وتعالى- فيها بعضَ ما يُصيبه وأصحابه في هذه الغزوة -غزة أُحُدٍ.
      عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: تنفَّل رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- سيفَه ذا الفقار يوم بدرٍ، وهو السيف الذي رأى فيه الرُّؤيا يوم أُحُدٍ.
      فالسيف أخذه في بدرٍ، ورأى في غزوة أُحُدٍ رؤيا تتعلق بهذا السيف.
      قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي رَأَيْتُ فِي سَيْفِي ذِي الْفِقَارِ فَلًّا»، فلًّا أي: كسرًا.
      أنا رأيتُ كسرًا في السيف. فبماذا تُعبَّر هذه الرُّؤيا؟
      قال: «فَأَوَّلْتُهُ فَلًّا فِيكُمْ -أي: انهزامًا- وَرَأَيْتُ أَنِّي مُرْدِفٌ كَبْشًا؛ فَأَوَّلْتُهُ كَبْشَ الْكَتِيبَةِ، وَرَأَيْتُ أَنِّي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ؛ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ، وَرَأَيْتُ بَقَرًا تُذْبَحُ؛ فَبَقَرٌ وَاللهِ خَيْرٌ، فَبَقَرٌ وَاللهِ خَيْرٌ».
      قال ابنُ عباسٍ: فكان الذي رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
      فتفسير الرُّؤيا: أنَّ الرسول رأى أنَّ ناسًا من أصحابه سيُقتَلون ويُصابون، وأنَّ المدينة دِرْعٌ حصينةٌ، معناه أنَّهم يبقون في المدينة ولا يخرُجون، فيتركون قريشًا خارج المدينة ويتحصَّنوا هم بالمدينة.
      هذا معنى الرُّؤيا.
      فلمَّا أصبح -صلى الله عليه وسلم- يوم الجمعة جمع أصحابَه للتَّشاور كما أمره الله تعالى: ï´؟وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِï´¾ [آل عمران: 159].
      وأخبرهم بالرُّؤيا التي رآها: أنا رأيتُ في المنام كذا وكذا وكذا، أنني في درعٍ حصينةٍ -هي المدينة- وهذا يعني أنَّ البقاء خيرٌ من الخروج، وأخبرهم أنَّ رأيه أن يُقِيم في المدينة ولا يخرج للمُشركين، فالمشركون قد وصلوا إلى أُحُدٍ؛ فدعوهم يجلسون خارجها، إن رجعوا رجعوا بشرِّ خيبةٍ، وإن دخلوا المدينةَ علينا قاتلناهم فيها، ورماهم النساءُ والصِّبيان بالحجارة من فوق البيوت.
      ووافق النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- على ذلك الرأي بعضُ أصحابه، كما وافقه عليه عبدُ الله بن أُبَي -زعيم المنافقين- وقال: إي والله يا رسول الله، ما دخلها علينا عدوٌّ قطُّ إلا غلبناه. أي ليس هناك عدوًّا دخل علينا المدينة إلا وغلبناه.
      إلا أن المُتحَمِّسين من الشباب -وخاصَّة الذين لم يحضروا بدرًا وغيرهم من المسلمين- قالوا: يا رسول الله، اخرج بنا إليهم نُقاتلهم بأُحُدٍ، لا يرون أنَّا قد جبُنَّا عن لقائهم.
      كيف نجلس يا رسول الله؟! فهم أتوا من مكَّة إلى المدينة على بعد عدَّة أميالٍ وهم عند أُحُدٍ، ونحن نَجْبُن ونقعد في المدينة؟! فيقولون عنا جُبناء؟! اخرج بنا يا رسول الله حتى نُقاتلهم.
      فما زالوا بالنبيِّ -عليه الصلاة والسلام- حتى وافقهم على الخروج، فخطب -صلى الله عليه وسلم- الجمعة، ووعظهم ونصحهم وأرشدهم ووجَّههم، ثم دخل بيته فلبس سلاحه.
      فبينما هو داخل الدار يستعد للخروج للجهاد؛ إذا بالجماعة الذين قالوا: لابد أن تخرج يا رسول الله، لا يصح أن نقعد في المدينة حتى لا يقولوا علينا جبناء. إذا بهم يرون أنَّهم أكرهوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- على الخروج، فاتَّفقوا فيما بينهم أنَّه إذا خرج إليهم رسولُ الله يقولوا: يا رسول الله، إنا رأينا أنَّا قد استكرهناك، وقد رجعنا عن رأينا، وتركنا الرأي لك يا رسول الله، افعل ما أراك الله، إذا أردت الخروجَ فاخرج، وإذا أردت القُعودَ فاقعد.
      وكان النبيُّ قد لبس سلاحه وخرج إليهم، فلمَّا خرج قالوا ما اتَّفقوا عليه: يا رسول الله، رأينا أنَّا قد استكرهناك، وقد ندمنا على ذلك، والرأي رأيك يا رسول الله، فاصنع ما أراك الله.
      فقال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ لَبِسَ لَأْمَتَهُ -أي سلاحه- أَنْ يَضَعَ سِلَاحَهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ»، لا يمكن للنبي بعد أن يلبس سلاحه ويتجهز للقتال أن يخلع سلاحه ويقعد!
      لماذا؟
      لأنَّه إذا لبس السلاح للجهاد ثم رجع ووضع السلاح قبل أن يُجاهد فلا شكَّ أنَّه سيُسَاء الظن به وسيُتَّهم بالجبن، وهو -عليه الصلاة والسَّلام- أشجع الناس، فقال: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَضَعَ السِّلَاحَ بَعْدَ أَنْ لَبِسَهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدُوِّهِ».
      فمضوا، وذلك بعد عصر يوم الجمعة، فبات النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بالجيش خارج المدينة، وكان قد خرج في ألف مُقاتلٍ.
      فلمَّا كان يوم السبت السَّابع من شوال قام عبدُ الله بن أُبَي في الناس يُحرِّضهم على الرجوع، ويُثَبِّطهم عن الخروج ويقول: علامَ نقتل أنفسنا؟!
      فاستجاب له ثلاثمئةُ رجلٍ ممن هو على شاكلته في النِّفاق، فتبقى سبعمئة.
      وهمَّت بنو حارثةَ من الخزرج وبنو سلمةَ من الأوس بالرُّجوع مع عبد الله بن أُبَي، لولا أن ربط اللهُ على قلوبهم وثبَّت أقدامَهم؛ فمضوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
      عن زيد بن ثابتٍ -رضي الله عنه- قال: لما خرج رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أحدٍ، ورجع ناسٌ ممن خرج معه، فكان أصحابُ رسول الله فيهم فرقتين:
      - قالت فرقة: نقتلهم.
      - وقالت فرقة: لا نقتلهم.
      فأنزل الله -تبارك وتعالى- قوله: ï´؟فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُم بِمَا كَسَبُواï´¾ [النساء: 88].

      تعليق


      • #4
        رد: غزوة بدر وغزوة أحد .. فقه السيرة

        وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: نزلت هذه الآية فينا: ﴿إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾ [آل عمران: 122]، بني حارثة وبني سلمة، وما أحب أنَّها لم تنزل والله يقول: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾.
        فطبعًا الآية فيها عِتَابٌ أنَّهم همُّوا أن يتركوا الرسولَ ويرجعوا عنه، لكنَّهم فرحوا بنزول الآية والله قال: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا﴾.
        وكان عبدُ الله بن حرام والد جابر قد تبع ابنَ أُبَي ومَن رجع معه يُناديهم: يا قوم، أنشدكم الله ألا تخذلوا قومَكم ونبيكم عندما حضر عدوه.
        فقالوا: لو نعلم أنَّكم تُقاتلون ما أسلمناكم، ولكننا لا نرى أن يكون قتالٌ.
        فلمَّا استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف قال: أبعدكم الله، فسيُغني الله عنكم نبيَّه.
        وفي المنافقين نزل قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ﴾ [آل عمران: 166، 167].
        ومضى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في سبعمئة مجاهدٍ من المسلمين، سبعمئة فقط سيُقابلون ثلاثة آلاف، ونزل في الشِّعْب بجبل أحدٍ، وجعل ظهر الجيش للجبل، فصفَّ الجيشَ وجعل الجبل وراءه، وعيَّن أميرًا على الميمنة، وأميرًا على الميسَرة، وانتقى من مهرة الرُّماة خمسين رجلًا، فاختار خمسين رجلًا من القَنَّاصِين الماهرين، والصيادين الماهرين، وعيَّنهم للحراسة على الجبل، وأمَّرَ عليهم عبد الله بن جُبَير -رضي الله عنه- وأمر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء الرُّماة أن يحرسوا الجيشَ لا يُؤتوا من ورائهم، وأمرهم بالثَّبات وعدم مُغادرة مكانهم حتى يأمرهم مهما كانت النتيجة، حتى قال: «إِنْ رَأَيْتُمُونَا تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ فَلَا تَنْصُرُونَا، وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَهْزِمُهُمْ فَلَا تَنْزِلُوا».
        وأخذ -صلى الله عليه وسلم- يُنظِّم الصُّفوفَ -صفوف المُجاهدين- وظاهر يومئذٍ في درعين، وأخذ سيفًا وقال: «مَنْ يَأْخُذُ هَذَا؟».
        فالكل قال: أنا يا رسول الله.
        قال: «مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ؟». فأحجَموا!
        فقال أبو دُجانةَ: أنا آخذه بحقِّه يا رسول الله. فأخذه ففَلَق به هامَ المُشركين.
        وأخذ -صلى الله عليه وسلم- يحضُّ المجاهدين على القتال والثَّبات، ويُحرِّضهم على أن يثبتوا ويصمدوا في وجه العدو، فقام رجلٌ فقال: يا رسول الله، أرأيت إن قُتِلتُ فأين أنا؟
        لو قُتِلت في هذه المعركة فأين أكون؟
        قال: «فِي الْجَنَّةِ».
        فألقى تمرات كانت في يده، ثم قاتل حتى قُتِل -رضي الله عنه.
        والتقى الجمعان، وتقدَّمت أُسُدُ الله، كحمزة عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وغيره من أُسُد المسلمين، تقدَّموا نحو صفوف المشركين، فقتل حمزةُ بن عبد المطلب -رضي الله عنه- طلحةَ بنَ أبي طلحة حامل لواء المشركين، فلمَّا سقط اللِّواء خلفه أخوه فرفعه، فقتله حمزةُ، فتتابع تسعةُ رهطٍ على رفع الرَّاية -راية المشركين- فقتلهم المسلمون، وسقط اللواءُ، فلم يُرفَع، وتقدَّم أبو دُجانةَ نحو المشركين فأعمل فيهم سيفَه، وتقدَّم حنظلةُ -رضي الله عنه- حتى انتهى إلى قائد المشركين أبي سفيان، فرفع سيفَه عليه، فبينما هو فوق رأسه رأى رجلًا من المشركين المشهد -رأى السيف على رأس أبي سفيان- فقتل حنظلةَ من خلفه.
        ورأى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الملائكةَ تغسل حنظلة، فسأل عنه: لماذا يغسلونه؟ الشَّهيد لا يُغسَّل.
        فأُخبر أنَّه خرج إلى الجهاد جُنبًا، فرأى أنَّه إذا اغتسل تأخَّر عن الخروج؛ فبادر بالخروج جنبًا، وقُتِل شهيدًا وهو جُنب، فغسلته الملائكةُ بين السَّماء والأرض -رضي الله عنه.
        وتقدَّم حمزةُ -رضي الله عنه- يُعمِل سيفَه في صناديد قريشٍ حتى وصفه قاتلُه وحشيٌّ -الذي قتل حمزة بعد ذلك- فقال: رأيت حمزةَ بنَ عبد المطلب كالجمل الأَوْرَق، حامل سيفه يقتل به المشركين، ما يقوم له شيءٌ. لا أحد يقدر أن يقف في وجهه.
        قال: وخرج إليه رجلٌ من المشركين، فرفع حمزةُ سيفه عليه فما أخطأ رأسَه.
        قال: وانتهزتُ منه غفلةً، فرفعت حربتي حتى إذا رضيتها دفعتها إليه فوقعت في ثُنَّته حتى خرجت من بين رجليه -رضي الله عنه.
        وحاول المشركون وقف هذا الزَّحف الهائل والسَّيل العارم، ولكن دون جَدْوَى، فتفرَّقوا وولوا مُدبرين، وتبعهم المجاهدون يقتلون مَن يُدركون، ويجمعون ما يُخلِّفون.
        وهكذا نصر الله تعالى المسلمين في أحدٍ أول النَّهار، ثم دالت الدولةُ. لماذا؟ وكيف؟ وكيف كانت النتيجةُ في آخر غزوة أُحُدٍ؟
        هذا ما نعرفه -إن شاء الله- في الدرس القادم -بإذن الله عز وجلَّ.
        ونسأل الله -سبحانه وتعالى- أن ينفعنا بهذه السِّيرة النبوية العَطِرة المباركة، وأن يُوفِّقنا للتَّأسي بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في السِّلْم والحرب، والأمن والخوف، فهذا هو المقصود -أيُّها الأحبة- من دراسة سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- أن نتأسَّى به ونهتدي بهديه، كما قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
        هذا، والحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

        تعليق

        يعمل...
        X