إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، اللَّهُمَّ صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
رأينا فيما سبق من دروس السيرة النبوية العَطِرة إصرار قريش على عدم اتِّباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمَّا رأى منهم هذا الإصرار والاستكبار عن اتِّباعه أراد أن يبحث عن بيئةٍ أخرى يُبَلِّغ فيها دعوة ربِّه، فخرج إلى الطَّائف، فلم يكن أهلُ الطَّائف أحسن حالًا من أهل مكَّة، فأساؤوا استقباله -صلى الله عليه وسلم- وآذوه وأغروا به صبيانهم وسُفهاءهم حتى رموه بالحجارة -كما وضَّحنا ذلك سابقًا.
فلم يكن بدٌّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد استحكمت العداوةُ بينه وبين قريش، وإصرارهم على خلافه، وإيباء أهل الطَّائف نصرته والدُّخول في دعوته وإيذاؤهم له، لم يكن بدٌّ من أن يُيَمِّم وجهَه إلى قبائل العرب الأخرى في مواسم الحج وأسواق التِّجارة، فخرج -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى بعض قبائل العرب وعرض عليهم نفسَه ودعوته، وجعل يقول: «قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا»، ومع ذلك أبت القبائلُ التي خرج إليها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن تُجيبه إلى ما دعاهم إليه، وأن يتبعوه على ما جاء به من عند الله -سبحانه وتعالى.
ومع ذلك لم ييأس -صلى الله عليه وسلم- واستمر يغشى القبائلَ والبُطون في المواسم والمجامع والمنازل، ويكلم أشراف كلِّ قومٍ، ولا يسألهم مع ذلك شيئًا إلا أن يأووه ويمنعونه.
وكان يقول لهم: «لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَلِكَ، وَمَنْ كَرِهَ لَمْ أُكْرِهْهُ، وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا يُرَادُ لِي مِنَ الْقَتْلِ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَحَتَّى يَقْضِيَ اللهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ»، فلم يقبل أحدٌ منهم، وما يأتي أحدًا من تلك القبائل إلا قالوا: قوم الرجل أعلم به، أترون أنَّ رجلًا يُصلحنا وقد أفسد قومَه ولفظوه؟! إذا كان قومه وأهله رفضوه وآذوه؛ فنحن كيف نُجيبه ونتبعه؟!
وقد شاء الله تعالى أن يدَّخِر فضل الاتِّباع والنُّصرة لأهل المدينة الذين صاروا الأنصار، ولجأ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وسيلةٍ أخرى عسى أن يكون من ورائها خيرٌ للدَّعوة، فكان لا يسمع بقادمٍ يأتي مكة من العرب له اسمٌ وشرفٌ إلا تصدَّى له ودعاه إلى الله تعالى، وعرض عليه ما جاء به من الهُدى والحقِّ.
فقدم سُويد بن الصَّامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجًّا أو مُعتَمِرًا، وكان قوم سُويد يُسمُّونه فيهم "الكامل"؛ لجلده وشِعْره وشرفه ونسبه، فتصدَّى له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حين سمع به، فدعاه إلى الله والإسلام.
فقال له سُويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي.
فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟».
قال: مجلة لقمان. أي صحيفة لقمان، تُطلَق عليها الحكمة، حكمة لقمان.
فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «اعْرِضْهَا عَلَيَّ».
فعرضها عليه، فقال: «إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا».
أنت معك كلام لقمان، ولقمان هذا رجلٌ صالحٌ، وليس نبيًّا، فكلامه ليس بكلام نبيٍّ، وليس من عند الله، ولكنَّه كلامٌ حُلْوٌ؛ لأنَّ لقمان آتاه الله الحكمة، فكلامه كلام حسنٌ وجميلٌ.
يقول النبيُّ –صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنَّ الَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، الَّذِي مَعِي قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيَّ، هُوَ هُدًى وَنُورٌ»، فتلى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على سُويد القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إنَّ هذا القول حسن.
فلم يُسلم ولا ابتعد عن الإسلام، ثم انصرف عنه، وقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتله الخزرج، وقد كان رجالٌ من قومه يقولون: إنَّا لنراه قُتِل وهو مسلمٌ. وكان قد قُتِل قبل يوم بُعَاث.
ثم قدم أبو الحَيْسَر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأَشْهَل فيهم إياس بن مُعاذ يلتمسون الحِلْفَ من قريش على قومهم من الخزرج، فسمع بهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فأتاهم فجلس إليهم فقال: «هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ؟»، أنتم جئتم تستعينون بقريش على قومكم ينصرونكم ويُدافِعون عنكم، وهناك شيءٌ أفضل من هذا وخيرٌ من ذلك.
قالوا: وما هو؟
قال: «أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَى الْعِبَادِ، أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ الْكِتَابَ»، ثم ذكر لهم الإسلامَ، وتلا عليهم القرآن.
فقال إياس بن معاذ -وكان غلامًا حَدَثًا- هذا والله خيرٌ مما جِئتم له.
فأخذ أبو الحَيْسَر كفًّا من ترابٍ وضربه بوجهه وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا. فسكت الغلامُ؛ لأنَّه صغير.
وقام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، وانصرفوا هم إلى المدينة.
وكانت وقعة بُعَاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك -مات- وقد روى مَن حضره من قومه أنَّه ما زال وهو يموت يُهَلِّل، ويُكَبِّر، ويحمد الله، ويُسبِّح بحمده حتى مات، فما كانوا يشكُّون أنَّه مات مسلمًا، لقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما سمع.
ويوم بُعَاث هذا موقعةٌ عظيمةٌ وقعت بين الأوس والخَزْرَج قبل الإسلام، وقُتِل فيها خلقٌ كثيرٌ من أشرافهم وكُبرائهم، ولم يبقَ فيهم من شيوخهم إلا القليل، وقد كان النَّصر فيها للأوس على الخزرج.
وقد شاء الله -سبحانه وتعالى- أن تكون هذه الواقعةُ العظيمة قُبَيل مَقْدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة؛ لتتهيَّأ النفوسُ لقبول الإسلام والإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وليظهر فضلُ الإسلام على الأنصار، وهما الأوس والخَزْرَج، فقد جمعهم بعد الفُرقة، وغرس في قلوبهم المحبَّة بعد العداوة، والوِئَام بعد الشِّقاق، ولذلك قال اللهُ لهم مُمتنًّا عليهم بذلك: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].
ولما أراد اللهُ -سبحانه وتعالى- إظهار دينه، وإعزاز نبيه، وإنجاز وعده له؛ خرج -صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج فعرض نفسَه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلِّ موسمٍ، فبينما هو عند العقبة ساق الله له نفرًا من الخزرج أراد بهم خيرًا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى الله إلا أن يكون من المدينة.
فلمَّا لقيهم قال لهم: «مَنْ أَنْتُمْ؟».
قالوا: نفرٌ من الخزرج.
قال: «أَمِنْ مَوَالِي الْيَهُودِ؟» أي من حُلفائهم؟
قالوا: نعم.
قال: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ إِلَيَّ أُكَلِّمُكُمْ؟!»، أفلا تجلسون معي أتكلم معكم؟!
قالوا: بلى.
فجلسوا إليه، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم الإسلامَ، وتلا عليهم القرآنَ.
وكان من أسباب مُسارعتهم إلى قبول دعوة الإسلام: أنَّ اليهود كانوا يُساكنوهم المدينة، وكان اليهودُ أهلَ كتابٍ وعلمٍ، وكان الخَزْرَج أهلَ شركٍ ووثنيَّةٍ، وكانت تقع بين اليهود والأوس والخزرج وقائع وحروب، وكانت الغلبةُ والنصر للعرب -للأوس والخزرج- فكان إذا وقع شيءٌ من ذلك قالت اليهود للعرب: إنَّ مبعُوثًا الآن قد أظلَّ زمانه، سنتبعه ونُقتلكم معه قتلَ عادٍ وإِرَم.
قال الله تعالى عن اليهود: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 89].
فاليهود كانوا موجودين في المدينة مع الأوس والخزرج، فكان يحصل بينهم حروب، وكان العربُ ينتصرون على اليهود، فكان اليهودُ حين يُغلَبُوا يقولوا للعرب: طيب، الآن قد اقترب ظهورُ نبي آخر الزمان، ونحن سنُؤمن به ونتبعه ونُقاتلكم معه وننتقم ونثأر.
فلمَّا كلَّم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أولئك النَّفر ودعاهم إلى الله؛ تهامَسُوا فيما بينهم، وقال بعضُهم لبعضٍ: والله إنَّه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقونكم إليه. ألم يقل اليهود: اقترب ظهورُ آخر الأنبياء، وأنَّهم سيتبعونه؟ هذا هو النبي، بادِرُوا أنتم إلى اتِّباعه واسبقوهم إلى الإيمان به.
فلا عجب أن أسرعوا إلى إجابته وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنَّا تركنا قومنا، ولا قومَ بينهم من العداوة والشَّر ما بينهم، وعسى الله أن يجمعهم بك،وسنَقْدُم عليهم وندعوهم إلى الإسلام، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجلَ أعزّ منك.
ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعد أن آمنوا وأسلموا، وكانوا ستة نفر، هم: أسعد بن زُرَارَة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقُطبة بن عامر، وعُقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وقال بعضُهم: كانوا ثمانيةً.
فلمَّا قدموا المدينةَ ذكروا لقومهم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوهم إلى الإسلام؛ فانتشر الإسلامُ في دُورِ الأنصار، فلم تبقَ دارٌ إلا ويُذكَر فيها رسولُ الله والإسلام.
فلمَّا كان العام الثاني جاء اثنا عشر رجلًا من المدينة، فأسلموا وبايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان منهم خمسة من الستة الذين أسلموا أولًا، وزاد عليهم سبعة، هم: معاذ بن الحارث، وذَكْوَان بن عبد قيس، وعُبادة بن الصَّامت، ويزيد بن ثَعْلَبة، والعباس بن عُبادة، وأبو الهيثم مالك بن التَّيهَان، وعُوَيم بن ساعدة؛ فبايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام.
وقد اختلف أهلُ السِّيَر في البيعة التي تمَّت علامَ كانت -بيعة العقبة الأولى؟
فقالوا: بايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على ألا يُشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادَهم، ولا يأتوا ببُهْتَانٍ يفترونه بين أيديهم وأرجُلهم، ولا يعصوا النبيَّ في معروفٍ.
وقال بعضُهم: كانت البيعةُ على السَّمع والطَّاعة في النَّشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وعلى أن نقول الحقَّ ولا نخاف في الله لومةَ لائمٍ، وعلى أن ننصر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا.
فهذه هي البيعة التي بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء النَّفر الاثني عشر عليها، وسُمِّيت "بيعة العقبة الأولى".
فرجعوا إلى المدينة، ثم كتبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ابعث إلينا مَن يُقرئنا القرآن. ابعث لنا واحدًا من أصحابك يُعلِّمنا القرآن.
وصادف هذا الطلب رغبةً في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسل إليهم الصَّحابي الجليل مُصْعَب بن عُمَير، وأمره أن يُقرئهم القرآن، ويُعلِّمهم الإسلام، ويُفقههم في الدين، وأن يؤمَّهم في الصَّلاة؛ ففعل ذلك مُصْعَب -رضي الله عنه- وبذل جهده في نشر الإسلام في المدينة، ونجح -رضي الله عنه- في إسلام الكافرين من أهلها، وكان من أجلِّ مَن أسلم على يد مُصْعَب: سعد بن مُعاذ، وأُسَيد بن حُضَير، وبإسلامهما أسلم الكثيرون من أهل المدينة.
ثم إنَّ مُصعبًا -رضي الله عنه- رجع إلى مكة بعد أن دعا إلى الله بإخلاصٍ وعزيمةٍ صادقةٍ، وخرج مَن خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حُجَّاج قومهم من أهل الشِّرك حتى قدموا مكة، فواعدوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- العقبة من أوسط أيام التَّشريق -أيام التَّشريق هي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى، وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة، فأيام التَّشريق هي: يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر- فاتَّفقوا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يلقوه في أوسط أيام التَّشريق، وذلك حين أراد الله بهم ما أراد من كرامةٍ ونصر نبيه، وإعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشِّرك وذويه.
وكان فيهم كعب بن مالك والبراء بن مَعْرُور، وهو سيد من ساداتهم، وكبير من كُبرائهم.
قال كعب: فلمَّا فرغنا من الحجِّ وكانت اللَّيلة التي واعدنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لها، ومعنا عبدُ الله بن عمرو بن حرام -والد جابر بن عبد الله- سيد من ساداتنا، وشريفٌ من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم مَن معنا من المشركين أمرنا. أي لم يقولوا لماذا جاؤوا؟ ولا أنَّهم سيُقابلون الرسول –صلى الله عليه وسلم- فأسرُّوا الأمر عنهم.
قال: فكلَّمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنَّك سيدٌ من ساداتنا، وشريفٌ من أشرافنا، وإنَّا نرغب بك عمَّا أنت فيه أن تكون حطبًا للنار غدًا. ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيانا العقبة، فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبًا.
قال كعب: فنمنا تلك اللَّيلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلثُ اللَّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتسلل تسلُّلًا -أي خرجوا في الخفاء حتى لا يشعر بهم أحدٌ- حتى اجتمعنا في الشِّعْب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلًا، ومعنا امرأتان.
قال كعب: فاجتمعنا في الشِّعْب ننتظر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذٍ على دين قومه.
فالعباس عم النبي جاء معه يحضر بيعة العقبة الثانية ولم يكن أسلم، إلا أنَّه أحبَّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويستوثِق له.
فلمَّا جلس كان أول مُتكلِّمٌ العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج -وكانت العربُ إنَّما يُسمُّون هذا الحي من الأنصار الخزرجَ لخزرجها وأوسها- إنَّ محمدًا منَّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزٍّ من قومه ومَنَعَةٍ في بلده، وإنَّه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللُّحُوق بكم، فإن كنتم ترون أنَّكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه؛ فأنتم وما تحمَّلتم. وإن كنتم ترون أنَّكم مُسْلِمُوه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنَّه في عزةٍ ومَنَعَةٍ من قومه وبلده.
فقالوا: قد سمعنا يا رسول الله، فخُذْ لنفسك ولربِّك ما أحببت.
فالعباس بن عبد المطلب عم النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- حضر بيعة العقبة الثانية حتى يطمئنَّ على ابن أخيه، وإن كان لم يتبعه ولم يُسلِم به بعد، لكنَّه يريد أن يستوثِق أنَّ أهل المدينة سيكونوا أوفياء لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسينصرونه ويحمُونه كما يحمُون أبناءهم ونساءهم.
قالوا: سمعنا كلامك يا عباس، نحن وافُون بإذن الله، تكلَّم يا رسول الله.
فتكلم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام، ثم قال: «أُبَايعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ».
فأخذ البراء بن مَعْرُور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحقِّ نبيًّا، لنمنعنَّك مما نمنع منه أُزُرَنا -أي نساءنا- فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل السِّلاح، ورثناها كابرًا عن كابرٍ.
وكانت وصاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم أن يُوجِزُوا في القول، فقد روى البيهقيُّ أنَّه قال: «لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلَا يُطِلِ الْخُطْبَةَ؛ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا، وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ»، قال لهم: ليتكلم كلُّ واحدٍ بما يُريد لكن بسرعةٍ؛ مخافة أن ينتشر الخبرُ في المشركين، فيأتوكم فيُقاتلوكم أو يمنعوكم من الرجوع، أو كذا، أو كذا، مما تفعله قريش.
فتكلم بعضُهم وبايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا بايعوه قال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «أَخْرِجُوا مِنْكُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ»، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، تسعة من الخَزْرَج، وثلاثة من الأوس.
ثم قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- للنُّقَباء: «أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلَاءُ، كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي» أي المُهاجرين.
قالوا: نعم.
فكان هذا إلزامًا من الرسول –صلى الله عليه وسلم- لهم، والتزامًا منهم له.
ثم أذن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لهم في الانصراف بعدما تمَّت البيعةُ.
وفي الصَّباح غدت جُلَّةُ قريش على الأنصار بعدما سمعوا نبأ البيعة، حتى جاؤوا إليهم في منازلهم فقالوا: يا معشر الخَزْرَج، إنَّه قد بلغنا أنَّكم جئتم إلى صاحبنا تستخرجوه من بين أظهُرنا، وتُبايعونه على حربنا، وإنَّه والله ما من حيٍّ من العرب أبغض إلينا أن تَنْشِب الحربُ بيننا وبينهم منكم.
أي أنتم جئتم لتأخذوا صاحبنا من بيننا، تنصروه علينا وتُحاربوننا به، نحن والله لا نكره أن نُحارب أحدًا غيركم، فما نُحب أن نُحاربكم، لكن بفعلكم هذا أنتم تستعدوننا وتدعوننا إلى حربكم.
فانبعث مَن هناك من المشركين يحلفون بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه. وصدقوا لأنَّهم لم يعلموا؛ لأنَّ الذين بايعوا كتموا الخبر عن عامَّة القوم، وأمَّا المسلمون فصار بعضُهم ينظر إلى بعضٍ ولا يتكلم.
ثم نفر الناس من مِنًى، وتحسس المشركون الخبر فوجوده صدقًا.
فلمَّا رجع الأنصارُ الذين بايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة الثانية إلى المدينة أظهروا الإسلامَ بها، وكان في قومهم بقايا من شيوخٍ لهم على دينهم من الشِّرك فدعوهم إلى الإسلام فأسلموا.
ثم لمَّا انتشر الإسلامُ في المدينة آلم المشركين وأقضَّ مضاجعَهم انتشار الإسلام في المدينة؛ فزادوا في إيذاء المسلمين ونالوا منهم غاية النَّيل، وضيَّقوا عليهم السُّبُل والمسالك، فلم يكن بدٌّ لهؤلاء الصَّحابة المُستضعفين من الهجرة إلى المدينة؛ لأنَّه أصبحت بالمدينة بيوت مُسلمة ورجال مُسلمون، فأذن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في الهجرة إلى المدينة، وقد جاؤوا يشكون إليه ما يجدونه من الأذى والعَنَت فكان يُصَبِّرهم، ثم إنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- رأى رُؤيا في المنام أنَّهم يُهاجرون إلى المدينة، فأذن -عليه الصَّلاة والسَّلام- لأصحابه في الهجرة إليها.
فبدؤوا يُهاجرون، ولكن قريشًا لم تتركهم، فوقفت قريش في طريق هجرة المُستضعفين من المؤمنين، واستخدموا أساليب كثيرةً في منعهم من الهجرة، فكانت المرأةُ تخرج بولدها فيأخذون منها ولدَها، وكان الرجلُ يخرج بماله فيأخذون منه ماله، وربما منعوا بعضَهم من الهجرة، وآذوهم إيذاءًا شديدًا حتى انطلق منهم مَن انطلق بفضل الله -عز وجل- ووصل إلى المدينة.
وبقيَ النبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- في مكة وليس معه من أصحابه إلا مَن عجز عن الهجرة إلى المدينة وأبو بكر وعلي -رضي الله عنهما- لأنَّهما قد تخلَّفا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أجله.
وكان الصديقُ -رضي الله عنه- إذا همَّ بالهجرة إلى المدينة يقول له النبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام: «لَا تَعْجَلْ؛ لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا»، فيفهم أبو بكر أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- يعني نفسه.
فكان كلمَّا أراد الهجرة يقول له: انتظر، لعل الله يجعل لك صاحبًا يُهاجِر معك. فيفهم أبو بكر أنَّ النبي أراد نفسه.
أمَّا بعد، فإنَّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
رأينا فيما سبق من دروس السيرة النبوية العَطِرة إصرار قريش على عدم اتِّباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وكيف أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لمَّا رأى منهم هذا الإصرار والاستكبار عن اتِّباعه أراد أن يبحث عن بيئةٍ أخرى يُبَلِّغ فيها دعوة ربِّه، فخرج إلى الطَّائف، فلم يكن أهلُ الطَّائف أحسن حالًا من أهل مكَّة، فأساؤوا استقباله -صلى الله عليه وسلم- وآذوه وأغروا به صبيانهم وسُفهاءهم حتى رموه بالحجارة -كما وضَّحنا ذلك سابقًا.
فلم يكن بدٌّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد استحكمت العداوةُ بينه وبين قريش، وإصرارهم على خلافه، وإيباء أهل الطَّائف نصرته والدُّخول في دعوته وإيذاؤهم له، لم يكن بدٌّ من أن يُيَمِّم وجهَه إلى قبائل العرب الأخرى في مواسم الحج وأسواق التِّجارة، فخرج -عليه الصَّلاة والسَّلام- إلى بعض قبائل العرب وعرض عليهم نفسَه ودعوته، وجعل يقول: «قُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تُفْلِحُوا»، ومع ذلك أبت القبائلُ التي خرج إليها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن تُجيبه إلى ما دعاهم إليه، وأن يتبعوه على ما جاء به من عند الله -سبحانه وتعالى.
ومع ذلك لم ييأس -صلى الله عليه وسلم- واستمر يغشى القبائلَ والبُطون في المواسم والمجامع والمنازل، ويكلم أشراف كلِّ قومٍ، ولا يسألهم مع ذلك شيئًا إلا أن يأووه ويمنعونه.
وكان يقول لهم: «لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ، مَنْ رَضِيَ مِنْكُمْ بِالَّذِي أَدْعُوهُ إِلَيْهِ فَذَلِكَ، وَمَنْ كَرِهَ لَمْ أُكْرِهْهُ، وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا يُرَادُ لِي مِنَ الْقَتْلِ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَحَتَّى يَقْضِيَ اللهُ لِي وَلِمَنْ صَحِبَنِي بِمَا شَاءَ»، فلم يقبل أحدٌ منهم، وما يأتي أحدًا من تلك القبائل إلا قالوا: قوم الرجل أعلم به، أترون أنَّ رجلًا يُصلحنا وقد أفسد قومَه ولفظوه؟! إذا كان قومه وأهله رفضوه وآذوه؛ فنحن كيف نُجيبه ونتبعه؟!
وقد شاء الله تعالى أن يدَّخِر فضل الاتِّباع والنُّصرة لأهل المدينة الذين صاروا الأنصار، ولجأ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى وسيلةٍ أخرى عسى أن يكون من ورائها خيرٌ للدَّعوة، فكان لا يسمع بقادمٍ يأتي مكة من العرب له اسمٌ وشرفٌ إلا تصدَّى له ودعاه إلى الله تعالى، وعرض عليه ما جاء به من الهُدى والحقِّ.
فقدم سُويد بن الصَّامت أخو بني عمرو بن عوف مكة حاجًّا أو مُعتَمِرًا، وكان قوم سُويد يُسمُّونه فيهم "الكامل"؛ لجلده وشِعْره وشرفه ونسبه، فتصدَّى له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حين سمع به، فدعاه إلى الله والإسلام.
فقال له سُويد: فلعل الذي معك مثل الذي معي.
فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «وَمَا الَّذِي مَعَكَ؟».
قال: مجلة لقمان. أي صحيفة لقمان، تُطلَق عليها الحكمة، حكمة لقمان.
فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم: «اعْرِضْهَا عَلَيَّ».
فعرضها عليه، فقال: «إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ حَسَنٌ، وَالَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا».
أنت معك كلام لقمان، ولقمان هذا رجلٌ صالحٌ، وليس نبيًّا، فكلامه ليس بكلام نبيٍّ، وليس من عند الله، ولكنَّه كلامٌ حُلْوٌ؛ لأنَّ لقمان آتاه الله الحكمة، فكلامه كلام حسنٌ وجميلٌ.
يقول النبيُّ –صلى الله عليه وسلم: «وَلَكِنَّ الَّذِي مَعِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا، الَّذِي مَعِي قُرْآنٌ أَنْزَلَهُ اللهُ عَلَيَّ، هُوَ هُدًى وَنُورٌ»، فتلى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على سُويد القرآن، ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إنَّ هذا القول حسن.
فلم يُسلم ولا ابتعد عن الإسلام، ثم انصرف عنه، وقدم المدينة على قومه، فلم يلبث أن قتله الخزرج، وقد كان رجالٌ من قومه يقولون: إنَّا لنراه قُتِل وهو مسلمٌ. وكان قد قُتِل قبل يوم بُعَاث.
ثم قدم أبو الحَيْسَر أنس بن رافع مكة ومعه فتية من بني عبد الأَشْهَل فيهم إياس بن مُعاذ يلتمسون الحِلْفَ من قريش على قومهم من الخزرج، فسمع بهم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فأتاهم فجلس إليهم فقال: «هَلْ لَكُمْ فِي خَيْرٍ مِمَّا جِئْتُمْ لَهُ؟»، أنتم جئتم تستعينون بقريش على قومكم ينصرونكم ويُدافِعون عنكم، وهناك شيءٌ أفضل من هذا وخيرٌ من ذلك.
قالوا: وما هو؟
قال: «أَنَا رَسُولُ اللهِ إِلَى الْعِبَادِ، أَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيَّ الْكِتَابَ»، ثم ذكر لهم الإسلامَ، وتلا عليهم القرآن.
فقال إياس بن معاذ -وكان غلامًا حَدَثًا- هذا والله خيرٌ مما جِئتم له.
فأخذ أبو الحَيْسَر كفًّا من ترابٍ وضربه بوجهه وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا. فسكت الغلامُ؛ لأنَّه صغير.
وقام رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عنهم، وانصرفوا هم إلى المدينة.
وكانت وقعة بُعَاث بين الأوس والخزرج، ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك -مات- وقد روى مَن حضره من قومه أنَّه ما زال وهو يموت يُهَلِّل، ويُكَبِّر، ويحمد الله، ويُسبِّح بحمده حتى مات، فما كانوا يشكُّون أنَّه مات مسلمًا، لقد استشعر الإسلام في ذلك المجلس حين سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما سمع.
ويوم بُعَاث هذا موقعةٌ عظيمةٌ وقعت بين الأوس والخَزْرَج قبل الإسلام، وقُتِل فيها خلقٌ كثيرٌ من أشرافهم وكُبرائهم، ولم يبقَ فيهم من شيوخهم إلا القليل، وقد كان النَّصر فيها للأوس على الخزرج.
وقد شاء الله -سبحانه وتعالى- أن تكون هذه الواقعةُ العظيمة قُبَيل مَقْدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة؛ لتتهيَّأ النفوسُ لقبول الإسلام والإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وليظهر فضلُ الإسلام على الأنصار، وهما الأوس والخَزْرَج، فقد جمعهم بعد الفُرقة، وغرس في قلوبهم المحبَّة بعد العداوة، والوِئَام بعد الشِّقاق، ولذلك قال اللهُ لهم مُمتنًّا عليهم بذلك: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: 103].
ولما أراد اللهُ -سبحانه وتعالى- إظهار دينه، وإعزاز نبيه، وإنجاز وعده له؛ خرج -صلى الله عليه وسلم- في موسم الحج فعرض نفسَه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلِّ موسمٍ، فبينما هو عند العقبة ساق الله له نفرًا من الخزرج أراد بهم خيرًا، فكانوا طلائع هذا النور الذي أبى الله إلا أن يكون من المدينة.
فلمَّا لقيهم قال لهم: «مَنْ أَنْتُمْ؟».
قالوا: نفرٌ من الخزرج.
قال: «أَمِنْ مَوَالِي الْيَهُودِ؟» أي من حُلفائهم؟
قالوا: نعم.
قال: «أَفَلَا تَجْلِسُونَ إِلَيَّ أُكَلِّمُكُمْ؟!»، أفلا تجلسون معي أتكلم معكم؟!
قالوا: بلى.
فجلسوا إليه، فدعاهم إلى الله، وعرض عليهم الإسلامَ، وتلا عليهم القرآنَ.
وكان من أسباب مُسارعتهم إلى قبول دعوة الإسلام: أنَّ اليهود كانوا يُساكنوهم المدينة، وكان اليهودُ أهلَ كتابٍ وعلمٍ، وكان الخَزْرَج أهلَ شركٍ ووثنيَّةٍ، وكانت تقع بين اليهود والأوس والخزرج وقائع وحروب، وكانت الغلبةُ والنصر للعرب -للأوس والخزرج- فكان إذا وقع شيءٌ من ذلك قالت اليهود للعرب: إنَّ مبعُوثًا الآن قد أظلَّ زمانه، سنتبعه ونُقتلكم معه قتلَ عادٍ وإِرَم.
قال الله تعالى عن اليهود: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 89].
فاليهود كانوا موجودين في المدينة مع الأوس والخزرج، فكان يحصل بينهم حروب، وكان العربُ ينتصرون على اليهود، فكان اليهودُ حين يُغلَبُوا يقولوا للعرب: طيب، الآن قد اقترب ظهورُ نبي آخر الزمان، ونحن سنُؤمن به ونتبعه ونُقاتلكم معه وننتقم ونثأر.
فلمَّا كلَّم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أولئك النَّفر ودعاهم إلى الله؛ تهامَسُوا فيما بينهم، وقال بعضُهم لبعضٍ: والله إنَّه النبي الذي توعدكم به يهود، فلا يسبقونكم إليه. ألم يقل اليهود: اقترب ظهورُ آخر الأنبياء، وأنَّهم سيتبعونه؟ هذا هو النبي، بادِرُوا أنتم إلى اتِّباعه واسبقوهم إلى الإيمان به.
فلا عجب أن أسرعوا إلى إجابته وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنَّا تركنا قومنا، ولا قومَ بينهم من العداوة والشَّر ما بينهم، وعسى الله أن يجمعهم بك،وسنَقْدُم عليهم وندعوهم إلى الإسلام، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجلَ أعزّ منك.
ثم انصرفوا راجعين إلى بلادهم بعد أن آمنوا وأسلموا، وكانوا ستة نفر، هم: أسعد بن زُرَارَة، وعوف بن الحارث، ورافع بن مالك، وقُطبة بن عامر، وعُقبة بن عامر، وجابر بن عبد الله، وقال بعضُهم: كانوا ثمانيةً.
فلمَّا قدموا المدينةَ ذكروا لقومهم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودعوهم إلى الإسلام؛ فانتشر الإسلامُ في دُورِ الأنصار، فلم تبقَ دارٌ إلا ويُذكَر فيها رسولُ الله والإسلام.
فلمَّا كان العام الثاني جاء اثنا عشر رجلًا من المدينة، فأسلموا وبايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان منهم خمسة من الستة الذين أسلموا أولًا، وزاد عليهم سبعة، هم: معاذ بن الحارث، وذَكْوَان بن عبد قيس، وعُبادة بن الصَّامت، ويزيد بن ثَعْلَبة، والعباس بن عُبادة، وأبو الهيثم مالك بن التَّيهَان، وعُوَيم بن ساعدة؛ فبايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على الإسلام.
وقد اختلف أهلُ السِّيَر في البيعة التي تمَّت علامَ كانت -بيعة العقبة الأولى؟
فقالوا: بايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على ألا يُشركوا بالله شيئًا، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادَهم، ولا يأتوا ببُهْتَانٍ يفترونه بين أيديهم وأرجُلهم، ولا يعصوا النبيَّ في معروفٍ.
وقال بعضُهم: كانت البيعةُ على السَّمع والطَّاعة في النَّشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وعلى أن نقول الحقَّ ولا نخاف في الله لومةَ لائمٍ، وعلى أن ننصر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا.
فهذه هي البيعة التي بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هؤلاء النَّفر الاثني عشر عليها، وسُمِّيت "بيعة العقبة الأولى".
فرجعوا إلى المدينة، ثم كتبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ابعث إلينا مَن يُقرئنا القرآن. ابعث لنا واحدًا من أصحابك يُعلِّمنا القرآن.
وصادف هذا الطلب رغبةً في نفس النبي -صلى الله عليه وسلم- فأرسل إليهم الصَّحابي الجليل مُصْعَب بن عُمَير، وأمره أن يُقرئهم القرآن، ويُعلِّمهم الإسلام، ويُفقههم في الدين، وأن يؤمَّهم في الصَّلاة؛ ففعل ذلك مُصْعَب -رضي الله عنه- وبذل جهده في نشر الإسلام في المدينة، ونجح -رضي الله عنه- في إسلام الكافرين من أهلها، وكان من أجلِّ مَن أسلم على يد مُصْعَب: سعد بن مُعاذ، وأُسَيد بن حُضَير، وبإسلامهما أسلم الكثيرون من أهل المدينة.
ثم إنَّ مُصعبًا -رضي الله عنه- رجع إلى مكة بعد أن دعا إلى الله بإخلاصٍ وعزيمةٍ صادقةٍ، وخرج مَن خرج من الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حُجَّاج قومهم من أهل الشِّرك حتى قدموا مكة، فواعدوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- العقبة من أوسط أيام التَّشريق -أيام التَّشريق هي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى، وهو اليوم العاشر من ذي الحجَّة، فأيام التَّشريق هي: يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر- فاتَّفقوا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يلقوه في أوسط أيام التَّشريق، وذلك حين أراد الله بهم ما أراد من كرامةٍ ونصر نبيه، وإعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشِّرك وذويه.
وكان فيهم كعب بن مالك والبراء بن مَعْرُور، وهو سيد من ساداتهم، وكبير من كُبرائهم.
قال كعب: فلمَّا فرغنا من الحجِّ وكانت اللَّيلة التي واعدنا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لها، ومعنا عبدُ الله بن عمرو بن حرام -والد جابر بن عبد الله- سيد من ساداتنا، وشريفٌ من أشرافنا أخذناه معنا، وكنا نكتم مَن معنا من المشركين أمرنا. أي لم يقولوا لماذا جاؤوا؟ ولا أنَّهم سيُقابلون الرسول –صلى الله عليه وسلم- فأسرُّوا الأمر عنهم.
قال: فكلَّمناه وقلنا له: يا أبا جابر، إنَّك سيدٌ من ساداتنا، وشريفٌ من أشرافنا، وإنَّا نرغب بك عمَّا أنت فيه أن تكون حطبًا للنار غدًا. ثم دعوناه إلى الإسلام، وأخبرناه بميعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إيانا العقبة، فأسلم وشهد معنا العقبة، وكان نقيبًا.
قال كعب: فنمنا تلك اللَّيلة مع قومنا في رحالنا، حتى إذا مضى ثلثُ اللَّيل خرجنا من رحالنا لميعاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتسلل تسلُّلًا -أي خرجوا في الخفاء حتى لا يشعر بهم أحدٌ- حتى اجتمعنا في الشِّعْب عند العقبة، ونحن ثلاثة وسبعون رجلًا، ومعنا امرأتان.
قال كعب: فاجتمعنا في الشِّعْب ننتظر رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب، وهو يومئذٍ على دين قومه.
فالعباس عم النبي جاء معه يحضر بيعة العقبة الثانية ولم يكن أسلم، إلا أنَّه أحبَّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويستوثِق له.
فلمَّا جلس كان أول مُتكلِّمٌ العباس بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج -وكانت العربُ إنَّما يُسمُّون هذا الحي من الأنصار الخزرجَ لخزرجها وأوسها- إنَّ محمدًا منَّا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزٍّ من قومه ومَنَعَةٍ في بلده، وإنَّه قد أبى إلا الانحياز إليكم واللُّحُوق بكم، فإن كنتم ترون أنَّكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالفه؛ فأنتم وما تحمَّلتم. وإن كنتم ترون أنَّكم مُسْلِمُوه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم فمن الآن فدعوه، فإنَّه في عزةٍ ومَنَعَةٍ من قومه وبلده.
فقالوا: قد سمعنا يا رسول الله، فخُذْ لنفسك ولربِّك ما أحببت.
فالعباس بن عبد المطلب عم النبي -عليه الصَّلاة والسَّلام- حضر بيعة العقبة الثانية حتى يطمئنَّ على ابن أخيه، وإن كان لم يتبعه ولم يُسلِم به بعد، لكنَّه يريد أن يستوثِق أنَّ أهل المدينة سيكونوا أوفياء لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- وسينصرونه ويحمُونه كما يحمُون أبناءهم ونساءهم.
قالوا: سمعنا كلامك يا عباس، نحن وافُون بإذن الله، تكلَّم يا رسول الله.
فتكلم رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فتلا القرآن، ودعا إلى الله ورغَّب في الإسلام، ثم قال: «أُبَايعُكُمْ عَلَى أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ».
فأخذ البراء بن مَعْرُور بيده ثم قال: والذي بعثك بالحقِّ نبيًّا، لنمنعنَّك مما نمنع منه أُزُرَنا -أي نساءنا- فبايعنا يا رسول الله، فنحن والله أبناء الحروب، وأهل السِّلاح، ورثناها كابرًا عن كابرٍ.
وكانت وصاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم أن يُوجِزُوا في القول، فقد روى البيهقيُّ أنَّه قال: «لِيَتَكَلَّمْ مُتَكَلِّمُكُمْ وَلَا يُطِلِ الْخُطْبَةَ؛ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَيْنًا، وَإِنْ يَعْلَمُوا بِكُمْ يَفْضَحُوكُمْ»، قال لهم: ليتكلم كلُّ واحدٍ بما يُريد لكن بسرعةٍ؛ مخافة أن ينتشر الخبرُ في المشركين، فيأتوكم فيُقاتلوكم أو يمنعوكم من الرجوع، أو كذا، أو كذا، مما تفعله قريش.
فتكلم بعضُهم وبايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- فلمَّا بايعوه قال -عليه الصَّلاة والسَّلام: «أَخْرِجُوا مِنْكُمُ اثْنَي عَشَرَ نَقِيبًا يَكُونُونَ كُفَلَاءَ عَلَى قَوْمِهِمْ بِمَا فِيهِمْ»، فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا، تسعة من الخَزْرَج، وثلاثة من الأوس.
ثم قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- للنُّقَباء: «أَنْتُمْ عَلَى قَوْمِكُمْ بِمَا فِيهِمْ كُفَلَاءُ، كَكَفَالَةِ الْحَوَارِيِّينَ لِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَأَنَا كَفِيلٌ عَلَى قَوْمِي» أي المُهاجرين.
قالوا: نعم.
فكان هذا إلزامًا من الرسول –صلى الله عليه وسلم- لهم، والتزامًا منهم له.
ثم أذن رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- لهم في الانصراف بعدما تمَّت البيعةُ.
وفي الصَّباح غدت جُلَّةُ قريش على الأنصار بعدما سمعوا نبأ البيعة، حتى جاؤوا إليهم في منازلهم فقالوا: يا معشر الخَزْرَج، إنَّه قد بلغنا أنَّكم جئتم إلى صاحبنا تستخرجوه من بين أظهُرنا، وتُبايعونه على حربنا، وإنَّه والله ما من حيٍّ من العرب أبغض إلينا أن تَنْشِب الحربُ بيننا وبينهم منكم.
أي أنتم جئتم لتأخذوا صاحبنا من بيننا، تنصروه علينا وتُحاربوننا به، نحن والله لا نكره أن نُحارب أحدًا غيركم، فما نُحب أن نُحاربكم، لكن بفعلكم هذا أنتم تستعدوننا وتدعوننا إلى حربكم.
فانبعث مَن هناك من المشركين يحلفون بالله ما كان من هذا شيء، وما علمناه. وصدقوا لأنَّهم لم يعلموا؛ لأنَّ الذين بايعوا كتموا الخبر عن عامَّة القوم، وأمَّا المسلمون فصار بعضُهم ينظر إلى بعضٍ ولا يتكلم.
ثم نفر الناس من مِنًى، وتحسس المشركون الخبر فوجوده صدقًا.
فلمَّا رجع الأنصارُ الذين بايعوا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة الثانية إلى المدينة أظهروا الإسلامَ بها، وكان في قومهم بقايا من شيوخٍ لهم على دينهم من الشِّرك فدعوهم إلى الإسلام فأسلموا.
ثم لمَّا انتشر الإسلامُ في المدينة آلم المشركين وأقضَّ مضاجعَهم انتشار الإسلام في المدينة؛ فزادوا في إيذاء المسلمين ونالوا منهم غاية النَّيل، وضيَّقوا عليهم السُّبُل والمسالك، فلم يكن بدٌّ لهؤلاء الصَّحابة المُستضعفين من الهجرة إلى المدينة؛ لأنَّه أصبحت بالمدينة بيوت مُسلمة ورجال مُسلمون، فأذن النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه في الهجرة إلى المدينة، وقد جاؤوا يشكون إليه ما يجدونه من الأذى والعَنَت فكان يُصَبِّرهم، ثم إنَّه -عليه الصَّلاة والسَّلام- رأى رُؤيا في المنام أنَّهم يُهاجرون إلى المدينة، فأذن -عليه الصَّلاة والسَّلام- لأصحابه في الهجرة إليها.
فبدؤوا يُهاجرون، ولكن قريشًا لم تتركهم، فوقفت قريش في طريق هجرة المُستضعفين من المؤمنين، واستخدموا أساليب كثيرةً في منعهم من الهجرة، فكانت المرأةُ تخرج بولدها فيأخذون منها ولدَها، وكان الرجلُ يخرج بماله فيأخذون منه ماله، وربما منعوا بعضَهم من الهجرة، وآذوهم إيذاءًا شديدًا حتى انطلق منهم مَن انطلق بفضل الله -عز وجل- ووصل إلى المدينة.
وبقيَ النبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- في مكة وليس معه من أصحابه إلا مَن عجز عن الهجرة إلى المدينة وأبو بكر وعلي -رضي الله عنهما- لأنَّهما قد تخلَّفا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من أجله.
وكان الصديقُ -رضي الله عنه- إذا همَّ بالهجرة إلى المدينة يقول له النبيُّ -عليه الصَّلاة والسَّلام: «لَا تَعْجَلْ؛ لَعَلَّ اللهَ يَجْعَلُ لَكَ صَاحِبًا»، فيفهم أبو بكر أنَّ النبي –صلى الله عليه وسلم- يعني نفسه.
فكان كلمَّا أراد الهجرة يقول له: انتظر، لعل الله يجعل لك صاحبًا يُهاجِر معك. فيفهم أبو بكر أنَّ النبي أراد نفسه.
تعليق