إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الأمثال في القرآن الكريم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الأمثال في القرآن الكريم

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



    قال الله تعالى:


    {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} .


    [ العنكبوت 43].



    قال بعض السلف كنتُ إذا قرأتُ مثلًا من القرآن فلم أفهمه


    بكيت على نفسي لأنَّ الله تعالى يقول: { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }.



    فكيف هو حالنا نحن مع كتاب الله عزَّوجلَّ... ؟!


    هل قرأناه ورتَّلناه ترتيلا...؟!


    هل تدبّرنا معانيه و فهمنا ألفاظه؟!


    ها هو شهر رمضان قد أطلَّ علينا ببركاته و نفحاته الرَّبانية



    إنَّه شهر القرآن


    هو فرصتنا لقراءة كلام الله بتدبر وحضور قلب لنفهم آياته


    و نعي معانيها ومقاصدها .



    من خلال هذا الموضوع


    ستكون لنا وقفة مع الأمثال في القرآن الكريم


    سنستعرضها سويًا و نتدبرها بإذن الله.


    من خلال مطالعة معضم كتب التفسير و كتب ابن القيِّم


    و موقع الأمثال في القرآن الكريم و كذا موسوعة النابلسي.


    وبعض البحوث العلمية.



    نسأل الله العون والتوفيق

    --------------



    والبداية مع تعريف الأمثال


    الأمثال: جمع مثل.


    والمَثل والمِثل والمثيل: كالشَّبه والشِّبه والشبيه لفظًا ومعنى.


    و التمثيل يبرز المعاني في صورة حية تستقر في الأذهان بتشبيه المعقول بالمحسوس وقياس النظير على النظير



    وكم من معنى جميل أكسبه التمثيل روعة وجمالًا


    فكان ذلك أدعى لتقبل النفس له واقتناع العقل به



    وهو من أساليب القرآن الكريم في ضروب بيانه ونواحي إعجازه



    وعادة العرب استعمال الأمثال لأنها أبلغ في توصيل المطلوب إلي السامع



    وعندما جاء القرآن تحدي العرب ببلاغته الخاصة فإن أمثال القرآن لها بلاغة خاصة لا يدركها إلَّا العارف بأسرار اللغة العربية.




    ولأنَّ شهر رمضان شهر القرآن



    وفيه صلاة التَّراويح و ختم القرآن



    سنبدأ بإذن الله بالأمثال المذكورة في سورة البقرة



    فتابعونا .
    التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 07-09-2014, 02:11 PM. سبب آخر: تشكيل الآية وبعض التنسيق


  • #2
    نبدأ بعون الله و توفيقه في الأمثال المذكورة في سورة البقرة



    يقول المولى عزَّ وجلَّ

    {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ

    ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ }17


    جاء في تفسير الميزان في تفسير القرآن

    للعلامة محمد حسين الطباطبائي.


    هذا مثلٌ يمثل به الله تعالى حال المنافقين

    وأنهم كالذَّي وقع في ظلمة عمياء لا يتميز فيها ٌخير من شر

    و لا نافع من ضار

    فتسبب لرفعها بسبب من أسباب الاستضاءة كنار يوقدها

    فيبصرُ بها ما حولها فلمَّا توقدتْ و أضاءت ما حولها

    أخمدها الله بسبب من الأسباب كريح أو مطر أو نحوهما

    فبقي فيما كان عليه من الظلمة

    و تورط بين

    ظلمتين: ظلمة كان فيها و ظلمة الحيرة و بطلان السبب.

    و هذه حالُ المنافق، يظهر الإيمان

    فيستفيدُ بعض فوائد الدِّين باشتراكه مع المؤمنين

    في مواريثهم و مناكحهم و غيرهما

    حتَّى إذا حان حين الموت

    و هو الحين الذِّي فيه تمام الاستفادة من الإيمان

    ذهب الله بنوره و أبطل ما عمله

    و تركه في ظلمة لا يدرك فيها شيئا

    و يقع بين الظلمة الأصلية و ما أوجده من الظلمة بفعاله.


    وجاء في كتاب الجيوش الإسلامية

    لابن القيم في تفسير هذه الآية


    شبه سبحانه وتعالى أعداءه المنافقين

    بقوم أوقدوا نارا لتضيء لهم وينتفعوا بها

    فلما أضاءت لهم النار فأبصروا في ضوئها ما ينفعهم ويضرهم

    وأبصروا الطريق بعد أن كانوا حيارى تائهين

    فهم كقوم سفر ضلُّوا عن الطريق فأوقدوا النار

    لتضيء لهم الطريق ; فلما أضاءت لهم فأبصروا وعرفوا

    طفئت تلك النار وبقوا في الظلمات لا يبصرون

    قد سدت عليهم أبواب الهدى الثلاث

    فإن الهدى يدخل إلى العبد من ثلاثة أبواب ، مما يسمعه بأذنه ويراه بعينه

    ويعقله بقلبه ، وهؤلاء قد سدت عليهم أبواب الهدى

    فلا تسمع قلوبهم شيئا ولا تبصره ولا تعقل ما ينفعها .

    فمثل هؤلاء المنافقين فيما يظهرون من الإيمان

    مع ما هم مبطنون من الكفر كمثل

    من أوقد ناراً للاستضاءة بها

    فلما أضاءت لهم ما حولهم وانتفعوا بها أدنى انتفاع

    ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون.

    لأنهم بإيمانهم الظاهر صانوا

    دماءهم وأموالهم ونساءهم وذراريهم من القتل والسبي

    وبما يضمرون من الكفر

    إذا ماتوا عليه يدخلون النار فيخسرون كل شيء حتَّى أنفسهم.




    كما جاء ذلك عند قتادة رحمه الله

    فيرى أنّهم ما آمنوا أصلا إلاّ ظاهرا

    وأنّ حالهم في الظّلمة هذه إنّما هو عند الموت.

    روى الطّبريّ رحمه الله عنه أنّه قال:

    " إنّ المنافق تكلّم بلا إله إلا الله، فأضاءت له في الدّنيا، فناكَح بها المسلمين، وَغازَى بها المسلمين، ووارثَ بها المسلمين، وَحقن بها دَمه وماله،

    فلمّا كان عند الموت سُلِبَها المنافق؛ لأنّه لم يكن لها أصل في قلبه، ولا حقيقة في علمه ".

    وهذا المثل كما يقول أهل العلم و التفسير

    مثلٌ ناري لذكر النَّار فيه {اسْتَوْقَدَ نَارًا}

    فهناك في الأمثال ما هو ناري وما هو مائي كما سنرى في المثل الثَّاني

    بإذن الله .


    يتبع.....



    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 31-03-2014, 11:38 AM.

    تعليق


    • #3
      رد: لأمثال في القرآن الكريم /

      بعدما ضرب الله عزّ وجلّ مثلا ناريّا لبيان حال المنافقين، ضرب مثلا آخر مائيّا، فقال سبحانه:

      أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ } الآية 19


      في هذا المثل تصوير بديع لحال المنافقين، الّذين يعيشون صراعا
      بين نداءات القرآن، ودوافع الشّيطان ..


      نفوسهم متردّدة مرتابة: أتنقاد إلى داعي الخير والإيمان، أم إلى جاذب
      الشرّ والكفران ؟

      حالهم كحال قوم أصابهم غيث من السّماء اختلطت فيه حياة وأنوار،
      ومزعجات وأكدار، فتركوا ما ينفعهم فرارا ممّا يشقّ عليهم !

      ولن تجد صورةً أبدعَ من المطر والسّحاب لبيان حال اختلاط النّفع

      بالمشقّة.


      - ( الصيّب ): هو المطر، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم إذا رأى
      المطرَ: (( اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا )) [رواه البخاري].
      وسمّي صيّبا لأنّه يصوب بشدّة، أي: ينزل من السّماء.

      والمشبَّه هو: القرآن والوحي، وكثيرا ما يشبَّه الوحيُ بالمطر
      كقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ
      الْهُدَى وَالْعِلْمِ، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضًا )) [متّفق عليه]؛

      ذلك لأنّ النّاس كانوا في ظمأ وجدب الجاهليّة، فنزل الوحي الّذي هو بمثابة المطر للأرض، فأحيا الله تعالى به الأرض
      بعد موتها، وأخرج منها بركاتها.



      التعديل الأخير تم بواسطة عطر الفجر; الساعة 14-08-2014, 09:14 PM.

      تعليق


      • #4
        رد: لأمثال في القرآن الكريم /

        -( فِيهِ ظُلُمَاتٌ ): ظلمات السّحاب أوّلا، ثمّ ظلمات اللّيل.

        والمشبّه هو: الشّبهات العالقة بالأذهان، يُثيرها الحقّ حتّى يُزيلها بعد ذلك.

        -( وَرَعْدٌ ):وهو الصّوت الّذي يُسمع من السّحاب، والمشبّه هو: آيات الإنذار والعقاب والوعيد.

        -( وَبَرْقٌ ): وهو الضّوء اللاّمع المشاهَد من السّحاب، والمشبَّه هو: الحجج والبراهين الّتي اشتمل عليها القرآن الكريم.



        أمّا أهل الإيمان الحقّ فإنّهم ينتفعون بالمطر النّازل بكلّ ما أمكن، ولا يمنعهم ما في المطر من الظّلمات والرّعد والبرق من أن ينتفعوا به، فالأوامر والنّواهي هي امتحان بالطّاعة، والظّلمات لا بدّ من إزالتها حتّى يزول الشكّ ويحلّ اليقين

        والرّعد تذكير للغافل اللاّهي، وإيقاظ للنّائم السّاهي، والبرق آيات بيّنات ينتفعون بها في الدّنيا والآخرة.


        أمّا المنافقون: فأثقل شيء عليهم آيات الأوامر والنّواهي

        فكما قال تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء: من الآية142]،

        {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: منالآية54]،
        {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} [التوبة: من الآية81]،

        وفي التصدّق تراهم من {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ
        الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79].




        تعليق


        • #5
          رد: لأمثال في القرآن الكريم /

          ولمّا كان الرّعد - وهو آيات الوعيد - لا يريدون سماعه، خشية أن تلين قلوبهم
          فتراهم:

          - ( يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ): أي أناملهم. وذلك ما كان يفعله أسلافهم من قوم نوح عليه السّلام

          حيث قال:{وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي
          آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:7]، وأقوام كلّ
          المرسلين:{جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ} [إبراهيم: من الآية9]..

          - ( مِنَ الصَّوَاعِقِ ): من للسببية، أي: هم خائفون من أن ينزل الوحي
          فيستمعوا إلى القرآن فيؤمنوا بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم.

          حذر الموت : فهم يرون الإيمان بمثابة الموت، مع أنّه الحياة الطيّبة في
          الدّنيا والآخرة.

          ولكنّه موت لشهواتهم ونزواتهم.


          - ( وَاللهُ مُحِيطٌ بِالكَافِرِينَ ): أي محيط بهم قدرةً، وعلماً، فلا يفوتونه
          ولا يُعجزونه.

          وقيل: والله مهلِكٌ الكافرين، كما قال تعالى على لسان يعقوب عليه
          السّلام:{قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ
          إِلَّاأَنْ يُحَاطَ بِكُم} [يوسف: من الآية66]،

          وقوله تعالى:{وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ} [الكهف: من الآية42].


          - ( يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ ): رأينا حال آذانهم وكيف يسدّونها ؟
          أمّا أبصارهم

          فلشدّة البيان في القرآن يكاد يأخذ بقلوبهم إلى الإيمان، ولكنّهم كانوا
          متردّدين، متّبعين لأهوائهم:

          - ( كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ ): له صورتان:

          أ) أي: كلّما كثرت أموال المسلمين وانتصروا ( مَشَوْا فِيهِ ) وقالوا إنّا معكم، وإنّ
          دين محمّد صلّى الله عليه وسلّم صدق، واستقاموا عليه.

          ب) وكلّما نزل القرآن بما تهوى أنفسهم كمناكحتهم للمسلمين، وإرثهم منهم، والقسم لهم في الغنائم، وعصمة دمائهم من القتل
          قالوا: هذا هو الحقّ.


          ( وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا ): ( قاموا ) أي: وقفوا، ولهذا التّمثيل صورتان أيضا:

          أ) أي: إذا أصاب المسلمين الهلاك والهزيمة، قالوا: لسنا معكم، وتوقّفوا
          عن متابعتهم.

          وذلك كقوله عزّ وجلّ:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ
          خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ}[الحجّ من:11].

          ب) وكلّما نزل من القرآن ما فيه مشقّة وشدّة، توقّفوا عن المسير مع المسلمين، كما
          قال تعالى:{وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ
          مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْوَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50)}.


          تعليق


          • #6
            رد: لأمثال في القرآن الكريم /

            - ( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ): فيه تخويف لهم وتحذير من العقوبة، فلا ينتفعون بسماع الحقّ أصلاً.

            - ( إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ): فلا يعجزه شيء

            قال الطّبريّ رحمه الله:" إنّما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كلّ شيء في هذا الموضع؛ لأنّه حذّر المنافقين بأسَه وسطوتَه
            وأخبرهم أنّه بهم محيط، وأنّه على إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير "اهـ.

            منقول من موقع الشيخ عبد الحليم توميات



            المثل الثَّالث:

            { إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } (الآية 26)
            عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة لما ضرب الله هذين المثلين للمنافقين يعني قوله تعالى "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا" وقوله "أو كصيب من السماء"
            قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال
            فأنزل الله هذه الآية إلى قوله تعالى "هم الخاسرون".


            وقال سعيد عن قتادة أي إنَّ الله لا يستحي من الحق
            أن يذكر شيئا مما قل أو كثر، وإن الله حين ذكر في كتابه الذباب والعنكبوت قال أهل الضلالة ما أراد الله من ذكر هذا؟ فأنزل الله تعالى {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}
            وجاء في تفسير السعدي .
            يقول تعالى { إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا مَا } أي: أيَّ مثل كان { بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا } لاشتمال الأمثال على الحكمة، وإيضاح الحق، والله لا يستحيي من الحق، وكأن في هذا، جوابا لمن أنكر ضرب الأمثال في الأشياء الحقيرة، واعترض على الله في ذلك.
            فليس في ذلك محل اعتراض، بل هو من تعليم الله لعباده ورحمته بهم. فيجب أن تتلقى بالقبول والشكر. ولهذا قال: { فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } فيتفهمونها، ويتفكرون فيها.
            فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل، ازداد بذلك علمهم وإيمانهم، وإلا علموا أنها حق، وما اشتملت عليه حق، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا، بل لحكمة بالغة، ونعمة سابغة


            وقوله تعالى: { فَمَا فَوْقَهَا } فيه قولان:
            * أحدهما: فما دونها في الصغر والحقارة؛ كما إذا وصف رجل باللؤم والشح، فيقول السامع: نعم، وهو فوق ذلك - يعني فيما وصفت - وهذا قول الكسائي وأبي عبيد، قاله الرازي وأكثر المحققين. وفي الحديث: [لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة، لما سقى كافراً منها شربة ماء ].
            * والثاني: فما فوقها: لما هو أكبر منها؛ لأنه ليس شيء أحقر ولا أصغر من البعوضة، وهذا قول قتادة ابن دعامة، واختيار ابن جرير، فإنه يؤيده ما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها، إلا كتب له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة]
            فأخبر أنه لا يستصغر شيئاً يضرب به مثلاً، ولو كان في الحقارة والصغر، كالبعوضة، كما لا يستنكف عن خلقها، كذلك لا يستنكف من ضرب المثل بها[ تفسير ابن كثير]




            تعليق


            • #7
              رد: لأمثال في القرآن الكريم /

              وقال الرازي: إنه تعالى لما بيَّن بالدليل كون القرآن معجزاً أورد ها هنا شبهة أوردها الكفار قدحاً في ذلك وأجاب عنها
              وتقرير الشبهة أنه جاء في القرآن ذكر النحل، والعنكبوت، والنمل
              وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء
              فاشتمال القرآن عليها يقدح في فصاحته فضلاً عن كونه معجزاً.
              وأجاب الله عنها بأن صغر هذه الأشياء لا تقدح في الفصاحة إذا كان ذكرها مشتملاً على حكمة بالغة.


              المثل الرابع:

              يقول تعالى في سورة البقرة :

              {وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [الآية 171]
              تفسير النابلسي .
              الله جلَّ جلاله في كتابه الحكيم يضرب المثل
              وضرب المثل طريقةٌ بيانيةٌ رائعة
              حقيقةٌ مجردة، توضح بمثلٍ حسِّي
              حقيقةٌ غائبة تجسَّد بواقع
              فالراعي الذِّي يرعى الغنم كيف يحركهم؟
              يرفع صوتاً له، لا يتكلم، ثم يتحرك أمامهم باتجاهٍ معين فيتبعونه
              فهؤلاء الذِّين كفروا ما عقلوا، ولا فهموا، ولا أدركوا، ولا بحثوا، ولا حللوا، ولا تأمَّلوا، إنما قلَّدوا.
              كيف أنَّ الغنم حينما يسمعون صوت راعيهم، صوتاً مبهماً بلا معنى، لا توجد حروف إطلاقاً
              حينما يسمعون صوت الراعي ينظرون إليه فيتحرك إلى جهةٍ ما
              هو ينبِّههم بصوته ويدعوهم بحركته فيتحركوا
              والكافر هذا شأنه؛ شأن البهيمة، يلفت نظره شيء فيتبعه.
              قال عليه الصلاة والسلام:
              [لا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا...]
              سنن الترمذي عن حذيفة.


              تعليق


              • #8
                رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                وجاء في تفسير السعدي.
                أخبر تعالى أنَّ مَثَلَهم عند دعاء الدَّاعي لهم إلى الإيمان
                كمَثَل البهائم التي ينعِق لها راعيها (والنعيق : زجر الغنم والصياح بها ، يقال : نعق الراعي بغنمه ينعق نعيقا ونعاقا ونعقانا ، أي صاح بها وزجرها)
                وليس لها علمٌ بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرَّد الصَّوت الذِّي تقوم به عليهم الحجَّة ولكنَّهم لا يفقهونه فقهًا ينفعهم
                فلهذا كانوا صمًّا لا يسمعون الحقَّ سماع فهمٍ وقبول
                عُمْيًا لا ينظرون نظر اعتبار، بُكْمًا فلا ينطقون بما فيه خيرٌ لهم

                وجاء في تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان
                بيّن الله سبحانه، أن هؤلاء الكفار لعنادهم وتعصّبهم، قد غلّقت منافذ السمع والبصر عنهم
                فلا يفيد وعظ ولا تذكير، ((وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ)) بعد ما يروا الآيات، ومثلك يا رسول الله ((كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ))، أي يرفع صوته ((بِمَا))، أي بالحيوان الذي ((لاَ يَسْمَعُ)) ولا يفهم الكلام، وإنما يسمع ((إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء))
                فإنَّ الحيوان، إذ صِحّت به لا يفهم من كلامك إلا مجرد الدعوة والنداء
                فهؤلاء الكفار كذلك إذ لا ينتفعون بكلامك أبداً
                فهم ((صُمٌّ)) جمع أصم، ((بُكْمٌ)) جمع أبكم، ((عُمْيٌ)) جمع أعمى، فإنهم ولوكانت لهم آذان وألسنة وعيون لكنها كالمعطّلة، لأنها لا تؤدي وظيفتها ((فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ)).
                وصلِّ اللَّهم وسلِّم على سيِّدنا محمد


                تعليق


                • #9
                  رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                  المثل الخامس :

                  { مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } البقرة الآية 261
                  جاء في تفسير ابن كثير:
                  هذا مثل ضربه الله تعالى لمضاعفة الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته
                  (لا رياءً ولا سمعة ولا حبًا للشهرة ) ، وإن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف
                  فقال {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله}
                  قال سعيد بن جبير يعني في طاعة الله وقال مكحول يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل وإعداد السلاح وغير ذلك
                  وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس
                  الجهاد والحج يضعف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف
                  ولهذا قال الله تعالى {كـمثل حب أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة
                  فإنَّ هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة
                  ينميها الله عز وجل لأصحابها كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة
                  وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف.
                  قال ابن مردويه: حدثنا عبد الله بن عبيد الله بن العسكري البزاز
                  أخبرنا الحسن بن علي بن شبيب
                  أخبرنا محمود بن خالد الدمشقي، أخبرنا أبي عن عيسى بن المسيب
                  عن نافع، عن ابن عمر:
                  لما نزلت هذه الآية: { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ }
                  قال النبي صلَّى الله عليه وسلم: " رب زد أمتي " قال: فأنزل الله:
                  { مَّن ذَا ٱلَّذِى يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا }البقرة: 245
                  قال: " رب زد أمتي " قال: فأنزل الله:
                  { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [الزمر: 10]،
                  وقد رواه أبو حاتم وابن حبان في صحيحه عن حاجب بن أركين، عن أبي عمر حفص ابن عمر بن عبد العزيز المقري، عن أبي إسماعيل المؤدب، عن عيسى بن المسيب، عن نافع، عن ابن عمر، فذكره.
                  وقوله ههنا: { وَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ } أي: بحسب إخلاصه في عمله أي أن المضاعفةَ درجاتٌ كثيرةٌ لا يعلمُها إلا الله تعالى
                  لأنها تترتبُ على أحوالِ المُتصدقِ وأحوالِ المُتصدَقِ عليه
                  وأوقاتِ ذلك وأماكنه
                  وللإخلاصِ وقصدُ الامتثالِ ومحبة الخيرِ للناسِ والإيثارُ على النفسِ وغير ذلك
                  مما يحفُ بالصدقةِ والإنفاقِ تأثيرٌ في تضعيفِ الأجر.
                  { وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ } أي: فضله واسع كثير أكثر من خلقه، عليم بمن يستحق ومن لا يستحق، سبحانه وبحمده.



                  تعليق


                  • #10
                    رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                    يقول النابلسي " هذه الآية أصلٌ في إنفاق المال, أيها المنفق اعتقد يقيناً أن كل شيء تنفقه الله عزَّ وجلَّ يخلفه عليك, وأن كل شيء تنفقه يعلمه الله
                    وحينما تعمل لوجه الله الكريم لا تحتاج إلى مَن يمدحك
                    ولا إلى مَن يثني عليك، ولا تحتاج لا إلى رخامةٍ تعلَّق على جدار المسجد
                    ولا إلى كتاب شكرٍ، ولا إلى تنويهٍ في جريدة
                    إنك تبتغي بهذا وجه الله عزَّ وجل، وتحتسبه عند الله..

                    وصلِّ اللهم و سلِّم على سيِّدنا محمد.


                    المثل السادس:

                    قوله تعالى في سورة البقرة .

                    { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (الآية 264 )

                    قوله - تعالى - : ( ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بالمن والأذى ) نداء منه - سبحانه - للمؤمنين يكرر فيه نهيهم عن المن والأذى
                    لأنهما يؤديان إلى ذهاب الأجر من الله - تعالى -
                    وإلى عدم الشكر من الناس.
                    ولذا جاء في الحديث الشريف :
                    " إياكم والامتنان بالمعروف فإنه يبطل الشكر ويحق الأجر " .

                    والمعنى : يا من آمنتم بالله - تعالى - لا تبطلوا صدقاتكم
                    بأن تحبطوا أجرها ، وتمحقوا ثمارها ، بسبب المن والأذى
                    فيكون مثلكم في هذا الإِبطال لصدقاتكم بسبب ما ارتكبتم من آثام
                    كمثل المنافق الذي ينفق ماله من أجل أن يرى الناس منه ذلك ولا يبغي به رضاء الله ولا ثواب الآخرة ، لأنه كفر بالله ، وكفر بحساب الآخرة .

                    وفي هذا التشبيه تنفير شديد من المن والأذى
                    لأنه - سبحانه - شبه حال المتصدق المتصف بهما في إبطال علمه بسببها بحال هذا المنافق المرائي الذِّي لا يؤمن بالله واليوم الآخر .

                    تعليق


                    • #11
                      رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                      ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لاَّ يَقْدِرُونَ على شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ ) .

                      ( صَفْوَانٍ ) اسم جنس جمعي واحد صفوانه كشجر وشجرة
                      وهو الحجر الكبير الأملس ، مأخوذ من الصفاء وهو خلوص الشء مما يشوبه.
                      يقال : يوم صفوان أي صافي الشمس .

                      وقيل هو مفرد كحجر .
                      و ( الوابل ) المطر الشديد . يقال : وبلت السماء تبل وبلا ووبولا اشتدَّ مطرها.
                      ( الصلد ) هو الشيء الأجرد النقي من التراب الذِّي كان عليه .
                      ومنه رأس أصلد إذا كان لا ينبت شعراً
                      والأصلد الأجرد الذي لا ينبت شيئاً مأخوذ من صلد يصلد صلدا فهو صلد .

                      والمعنى : يأيها المؤمنون لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى
                      فيكون مثلكم كمثل المنافق الذِّي ينفق ماله من أجل الرياء
                      لا من أجل رضا الله ، وإن مثل هذا المنافق
                      في انكشاف أمره وعدم انتفاعه بما ينفقه رياء وحباً للهور
                      مثل حجر أملس لا ينبت شيئاً
                      ولكن عليه قليل من التراب الموهم للناظر إليه أنه منتج
                      فنزل المطر الشديد فأزال ما عليه من تراب
                      فانكشف حقيقته وتبين للناظر إليه أنه حجر أملس صلد
                      لا يصلح لإِنبات أي شيء عليه .


                      لماذا كل هذا النهي و التحذير من المن و الأذى...؟!

                      الجواب :


                      أن المنَّ والأذى في الإِنفاق كثيراً ما يحصلان بسبب استعلاء كاذب
                      أو رغبة في إذلال المحتاج وإظهاره بمظهر الضعيف
                      وكلا الأمرين لا يليق بالنفس المؤمنة المخلصة
                      ولا يتلاقى مطلقا مع الحكم التي من أجلها شرعت الصدقات
                      بل إنه ليتنافر معها تننافراً تاماً
                      لأن الصدقات شرعها الله لتهذيب النفوس
                      وتطهير القلوب
                      ولتربط بين الأغنياء والفقراء برباط المحبة والمودة والإخاء

                      فإذا ما صاحبها المن والأذى أثمرت نقيض ما شرعت له
                      ، لأنها تثير في نفس المعطى بسبب ذلك الكبر والخيلاء
                      وغير ذلك من الصفات الذميمة ،
                      وتثير في نفس الآخذ شعوراً بالحقد والانتقام ممن أعطاه
                      ثم آذاه وبذلك تنقطع الروابط
                      ويتمزق المجتمع ، ويتحول المحبة إلى عداوة .

                      جاء في صحيح مسلم عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : المنان بما أعطى ، والمسبل إزاره ، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " وروى النسائي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا يدخل الجنة مدمن خمر ، ولا عاق لوالديه ، ولا منّان " .

                      [من التفسير الوسيط لطنطاوي]

                      تعليق


                      • #12
                        رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                        المثال السابع:

                        {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} البقرة (265)


                        لما مَثَّل الله سبحانه حال المنفق رِئاءً بالتمثيل الذِّي مضى
                        أعيد تمثيل حال المنفق ابتغاء مرضاة الله
                        بما هو أعجب في حسن التخيُّل.

                        فإنّ الأمثال تبهج السامع كلّما كانت أكثر تركيباً
                        وضمّنت الهيأة المشبّه بها أحوالاً حسنة
                        تكسبها حُسناً ليسري ذلك التحسين إلى المشبَّه
                        وهذا من جملة مقاصد التشبيه .

                        قوله تعالى: " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله "
                        أي طلب رضا الله تعالى
                        " وتثبيتاً من أنفسهم " قال قتادة : احتساباً،
                        وقال الشعبي و الكلبي : تصديقاً من أنفسهم، أي يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب وتصديق بوعد الله
                        يعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا
                        وقيل على يقين بإخلاف الله عليهم.
                        وقال عطاء و مجاهد : يثبتون أي يضعون أموالهم


                        قال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت فإن كان لله أمضى وإن كان يخالطه شك أمسك

                        وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت
                        كقوله تعالى: " وتبتل إليه تبتيلاً " (8-المزمل) أي تبتلاً
                        " كمثل جنة " أي بستان
                        قال المبرد و الفراء : إذا كان في البستان نخل فهو جنة وإن كان فيه كرم فهو فردوس
                        وقوله "كمثل جنة بربوة" أي كمثل بستان بربوة
                        وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الأرض
                        وزاد ابن عباس والضحاك وتجري فيه الأنهار

                        تعليق


                        • #13
                          رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                          " أصابها وابل " مطر شديد كثير
                          " فآتت أكلها " ثمرها
                          " ضعفين " أي أضعفت في الحمل

                          قال عطاء : حملت في السنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين
                          وقال عكرمة : حملت في السنة مرتين.
                          " فإن لم يصبها وابل فطل " أي فطش، وهو المطر الضعيف الخفيف
                          ويكون دائماً.
                          قال السدي : هو الندى،
                          وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المؤمن المخلص
                          فيقول: كما أن هذه الجنة تريع في كل حال
                          ولا تخلف سواء قل المطر أو كثر
                          كذلك يضعف الله صدقة المؤمن المخلص
                          الذِّي لا يمن ولا يؤذي سواء قلت نفقته أو كثرت

                          القرآن الكريم ساق في هذه الآية وسابقتها حالتين متقابلتين :
                          حالة الذي يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء
                          وكيف تكون عاقبته ونهايته.

                          وحالة الذي ينفق ماله طلباً لرضا الله وتعويداً لنفسه على فعل الطيبات
                          وكيف يكون جزاؤه عند العليم الخبير.

                          ولقد صور القرآن هاتين الحالتين تصويراً مؤثراً بديعاً
                          من شأنه أن يهدي العقلاء إلى فعل الخيرات
                          وإخلاص النيات ، واجتناب السيئات .

                          القول في تأويل قوله : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)
                          قال أبو جعفر: يعني بذلك: ( والله بما تعملون ) أيها الناس، في نفقاتكم التي تنفقونها =( بصير ), لا يخفي عليه منها ولا من أعمالكم فيها وفي غيرها شيء، يعلم مَنِ المنفق منكم بالمنّ والأذى

                          والمنفق ابتغاء مرضاة الله وتثبيتًا من نفسه
                          فيُحصي عليكم حتى يجازيَ جميعكم جزاءه على عمله
                          إن خيرًا فخيرًا, وإن شرًّا فشرًّا.


                          و اختم بهذه التذكرة والعبرة ذكرها النابلسي قال :

                          حدثنا أخ كان والده من علماء دمشق
                          قال له: يا بني أدِّب نفسك.
                          فقال له: كيف؟
                          قال: إذا أردت أن تنفق مئة
                          ثم جاءك وسواسٌ من الشيطان
                          فقال: دعك من هذا الإنفاق ،أعدْ هذا المال إلى جيبك.
                          فعليك أن تعاقب نفسك،
                          كيف تعاقبها؟
                          أنفق مئتين،
                          كلما جاء الوسواس ليمنعك من أن تنفق أنفق الضعف
                          بهذا تؤدب النفس وتعلمها ألا تتردد في الإنفاق في سبيل الله.

                          المصدر/ تفسير البغوي، القرطبي ، الطبري، السعدي، ابن كثير

                          وصلِّ اللهم و سلِّم على رسولنا و حبيبنا و شفيعنا محمد عليه أفضل الصلاة و أزكى التَّسليم .

                          تعليق


                          • #14
                            رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                            المثل الثامن:

                            {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} البقرة (266)


                            قال القرطبي :
                            روى البخاري عن عبيد بن عمير قال :
                            " قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
                            فيم ترون هذه الآية نزلت ؟وهي قوله - تعالى - : ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ ) الآية .
                            قالوا الله أعلم .
                            فغضب عمر فقال : قولوا نعمل أو لا نعلم.
                            فقال ابن عباس : في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين
                            قال عمر : يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك .
                            قال ابن عباس : ضربت مثلا لرجل غني عمل بطاعة الله
                            ثم بعث الله له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أحرق عمله .

                            وروى ابن أبي مليكه أن عمر تلا هذه الآية
                            وقال : هذا مثل ضربه الله للإِنسان يعمل عملا صالحاً
                            حتى إذا كان عند آخر عمره
                            أحوج ما يكون إليه عمل العمل السيء ".

                            فالآية الكريمة قد اشتملت على مثل آخر
                            لحالة الذين يبطلون أعمالهم وصدقاتهم بالمن والأذى والرياء
                            وغير ذلك من الأفعال القبيحة والصفات السيئة
                            فقد شبه - سبحانه - حال من يعمل الأعمال الحسنة
                            ثم يضم إليها ما يفسدها فإذا كان يوم القيامة
                            واشتدت حاجته إليها وجدها محبطة ذاهبة
                            شبه هذ الإِنسان في حسرته وألمه وحزنه
                            بحال ذلك الشيخ الكبير العاجز الذِّي له ذرية ضعفاء
                            لا يملك سوى حديقة يانعة يعتمد عليها في معاشه هو وأولاده
                            فنزل عليها إعصار فيه نار فأحرقها ودمرها تدميراً .

                            فهذا المثل مضروب لمن عمل عملا لوجه الله تعالى من صدقة أو غيرها
                            ثم عمل أعمالا تفسده
                            فمثله كمثل صاحب هذا البستان الذي فيه من كل الثمرات
                            وخص منها النخل والعنب لفضلهما وكثرة منافعهما
                            لكونهما غذاء وقوتا وفاكهة وحلوى
                            وتلك الجنة فيها الأنهار الجارية التي تسقيها من غير مؤنة
                            وكان صاحبها قد اغتبط بها وسرته
                            ثم إنه أصابه الكبر فضعف عن العمل وزاد حرصه
                            وكان له ذرية ضعفاء ما فيهم معاونة له
                            بل هم كل عليه، ونفقته ونفقتهم من تلك الجنة.
                            فبينما هو كذلك إذ أصاب تلك الجنة إعصار
                            وهو الريح القوية التي تستدير ثم ترتفع في الجو
                            وفي ذلك الإعصار نار فاحترقت تلك الجنة
                            فلا تسأل عما لقي ذلك الذي أصابه الكبر من الهم والغم والحزن
                            فلو قدر أن الحزن يقتل صاحبه لقتله الحزن.


                            كذلك من عمل عملا لوجه الله
                            فإن أعماله بمنزلة البذر للزروع والثمار
                            ولا يزال كذلك حتى يحصل له من عمله جنة موصوفة بغاية الحسن والبهاء
                            وتلك المفسدات التي تفسد الأعمال بمنزلة الإعصار الذي فيه نار
                            والعبد أحوج ما يكون لعمله إذا مات
                            وكان بحالة لا يقدر معها على العمل
                            فيجد عمله الذي يؤمل نفعه هباء منثورا
                            ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.

                            تعليق


                            • #15
                              رد: لأمثال في القرآن الكريم /

                              فلو علم الإنسان وتصور هذه الحال وكان له أدنى مسكة من عقل
                              لم يقدم على ما فيه مضرته ونهاية حسرته.
                              ولكن ضعف الإيمان والعقل وقلة البصيرة
                              يصير صاحبه إلى هذه الحالة التي لو صدرت من مجنون لا يعقل
                              لكان ذلك عظيما وخطره جسيما
                              فلهذا أمر تعالى بالتفكر وحثَّ عليه
                              فقال: { كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون}
                              روى الحاكم في مستدركه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
                              كان يقول في دعائه:
                              "اللهم اجعل أوسع رزقك علي عند كبر سني وانقضاء عمري"

                              ولهذا قال تعالى: "كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون"
                              أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها على المراد منها.


                              وصلِّ اللَّهم على محمد وعلى آله وصحبه .

                              تعليق

                              يعمل...
                              X