إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

    وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء الثاني عشر من القرآن الكريم


    .كثر الأمر بالاستغفار في هذه السورة، فقد تكرر الأمر به أربع مرات على ألسنة رسله،
    وأول هذه الأوامر على لسان محمد ، مع ذكر ثمرة الاستغفار: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3] وفي قصة هود: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود: 52] وفي قصة نبي الله صالح: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ [هود: 61]، وفي قصة شعيب: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90]

    فاللهم أعنا على استغفارك باللسان والقلب.

    .معيار قبول العمل عند الله: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [هود: 7] ولم يقل: أكثر عملاً.


    .ليس من وظيفة الداعية تحديد مواعيد العقوبات ونحوها، وإنما عليهم البلاغ، وإيضاح الحجة: قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [هود: 32، 33].


    .ما أحوجنا إلى بقاء الروابط الاجتماعية مع أقاربنا من النسب، وإن اختلفوا معنا في الطريق؛ لعل هذا التواصل ينفع في وصول كلمة حق يوماً من الدهر، تأمل مقولة نوح لابنه – وهو في مقام الهلاك -: يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا [هود: 42] ولم يقل: يا فاجر! يا كافر!.

    .مهما بلغت العواطف عند الوالدين، ومنهم الأنبياء، لكنّ أمر الله في نفوسهم فوق هذا كلّه، تأمل في عتاب الله لنوح، ثم جواب نوح: قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود: 46، 47].

    .ذكر تفاصيل قصص الأمم السابقة أحد براهين نبوة النبي : تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ [هود: 49].




    .وصية للدعاة، وتأمل مجيئها تعقيباً على قصة نوح – الذي عاش 950 سنة -:
    فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49].

    .هذه هي آية نبي الله هود التي تحدى بها قومه: فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ [هود: 55] وهو وحيد، وهم جماعة أقوياء الأبدان، ومع ذلك ما استطاعوا أن يصنعوا شيئاً، وكان من أعظم ما قوّى به قوله: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود: 56].



    .هذه نهاية السير خلف الطغاة: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: 98].
    .وهذه عاقبة عبادة المعبودات من دون الله: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ [هود: 101].


    .سنة إلهية: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102].
    .لا ينتفع بالقصص القرآني إلا من خاف عذاب الآخرة: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ [هود: 103].


    .مرّ بي أن الحسن البصري قال: الدين بين لاءين: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: 112، 113] فلا غلو ولا شطط.


    .سلوة للباذلين للذين لا يلتفت إليهم أحدٌ أو لا يشكرهم أحد: فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [هود: 115].

    .الترف بوابة واسعة على الظلم والفساد: وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ [هود: 116].

    .قاعدة قرآنية، وسنة إلهية: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود: 117] ولم يقل: صالحون.

    .ما بال بعض الناس يريد مصادمة هذه السنة: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ [هود: 118، 119] حين يريد أن يكون الناس على وتيرة واحدة؟! فالعقل هو توظيف هذه السنة الإلهية في الدعوة إلى الله تعالى، وفي فقه التعايش مع المخالفين، والمرجع في ذلك: هو التفسير العملي التطبيقي من نبينا .

    .من مقاصد القصص القرآني: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود: 120]
    فيا كلّ محتار! أو قَلِقٍ!
    إذا حصل عندك تردد، فارجع إلى قصصهم، وتأملها، وأنت تستشفي بها من داء التردد والشك والحيرة، وأبشر.

    .من الجيد أن يسمع الطفل من والده شيئاً من النعم الدينية والاجتماعية؛ ليتربى على الشكر: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ [يوسف: 6].


    .اللعب واللهو شيء فطر عليه الأطفال، لا فرق بين أبناء الأنبياء وغيرهم: أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [يوسف: 12].

    .هذا أول مواضع الابتلاء التي ذكرت في هذه السورة في حقّ يعقوب ، وتأمل في لغته وهو يخاطب أبناءه – مع عظيم الفجيعة في حقه -:قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18] وفي هذا درس للآباء المعددين في طريقة الخطاب عند وقوع أمثال هذه المشاكل، إذْ الخطأ في لغة الخطاب، قد تزيد في الشقاق، وتوسيع دائرة الفرق بين الأب وبقية أبنائه.

    .من المواضع المدهشة في هذه السورة، أن تتحدث الآيات عن بشائر التمكين ويوسف بيع كما يباع العبيد، تأمل: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف: 21].

    .في التعقيب على قصة بيع يوسف كما يباع العبيد بقوله تعالى: وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21] ما يبعث الطمأنينة في النفس حين يقع القضاء، وينفذ القدر، وإذا ضممت إلى هذه الآية تلك القاعدة القرآنية المحكمة: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216] تبين لك أن خيرة الله لعبده المؤمن خير من خيرته لنفسه.



    .وصف يوسف في هذه السورة بالإحسان في عدة مواضع:
    أولها: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 22].
    والثاني: نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 36].
    والثالث: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 56].
    والرابع: فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 78].
    والخامس – وقد عبر عنه يوسف بضمير الغيبة خشية تزكية نفسه -: قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف: 90].
    وهي رسالة للدعاة الذين يريدون نفعاً وتأثيراً، أن يسعوا للإحسان إلى عباد الله تعالى، فذلك من أعظم دواعي قبول ما يدعو إليه الداعية.




    . الإخلاص، سبب من أسباب النجاة من وحل الفواحش:
    كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف: 24]

    وقد هدى الله أحد الشباب من مستنقع الفواحش بسبب تدبره لهذه الآية، إذ قال ت ما مختصره ـ: لو كنتُ مخلصاً لنجاني الله تعالى من الفواحش كما نجّى يوسف .

    وهي رسالة لمن يشكو من فتنة البصر والفرج، بتصحيح مسار نيته، وقصده، وسيجد حسن الأثر.


    .الصالح يختار العذاب الدنيوي إذا خير بين العذاب الدنيوي أو يعضي الله تعالى!
    قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33] ولكن لا يختار هذا الأمر إلا من صدقت سريرته مع الله، وإلا فقد يكون السجن فتنة أخرى له، فيا هذا: "تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

    .في قول يوسف : وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ [يوسف: 33]
    فائدتان: التوكل على الله في الهرب من المعصية، وأن الوقوع في المعصية جهلٌ، وهذا مطابق لما تقدم في سورة النساء: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ [النساء: 17].

    .إذا أعجبتك نفسك بما معك من العلم، فتذكر هذا الهدي القرآني الذي ذكره الله تعالى عن يوسف حين أراد تعبير الرؤيا: ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي [يوسف: 37]، ثم انظر وضّح ذلك أتمّ البيان حين قال: مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ [يوسف: 38].

    .إذا أذن الله بشيء هيّأ أسبابه، فلما أذن الله بخروج يوسف قدّر أن يرى الملك رؤياه التي ما زادت يوسف إلا عزاً ورفعة إلى رفعته: وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ ... [يوسف: 43].


    .كان عند الملك من العقل أنه لم يخض في تأويل الرؤيا؛ لأنه ليس من أهل هذا الشأن: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43]، وبعض الناس اليوم يتاسبق لذلك، والله أعلم بما في الصدور.
    وفي مقابل ذلك، كان الملأ عجالى حين استعجلوا في الحكم على هذه الرؤيا العظيمة بأنها أضغاث أحلام، مع أنها كانت سبباً لإنقاذ بلادهم من كارثة اقتصادية.

    . يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ [يوسف: 43] وفي تسمية الله تعبير الرؤيا فتوى، دليلٌ على أنه لا يجوز الخوض في تعبيرها إلا بعلم، وقد ورد تسميتها في سورة يوسف (فتوى) في أكثر من موضع.

    .إن قيل: إن الرؤيا لم تتعرض إلا لـ(14) سنة فقط، فمن أين أتى يوسف بالسنة الـ(15) التي دلّ عليها قوله تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف: 49]؟ والجواب: أن هذا أخذه من فحوى الرؤيا، فإنه إذا تمت سنوات الشدة السبع ـ وهي السبع الثانية ـ دلّ على رجوع سنوات الرخاء إلى حالتها الأولى.

    .حتى أعداؤك وخصومك سيتعرفون يوماً من الدهر بصدقك، المهم الثبات لحظة الامتحان: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: 51].


    ملتقى اهل التفسير

    تعليق


    • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

      تأملات قرآنية 57



      ( إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ) الأنبياء : 110 ،
      اختص الله تعالى بعلم الجهر من القول من جهة أنه إذا اشتدت الأصوات وتداخلت فإنها حالة لا يسمع فيها الإنسان
      ولا يميز الكلام أما الله – عز وجل – فإنه يسمع كلام كل شخص بعينه ،
      ولا يشغله سمع كلام عن سمع آخر .
      الوزير ابن هبيرة / ذيل طبقات الحنابلة 1/283



      ( إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) الأنبياء : 90 ،
      ولم يقل : يسارعون إلى الخيرات ؛
      لأنهم الآن منهمكون في أعمال خيرة ،
      فهمهم المسارعة فيها ، والازدياد منها ،
      بخلاف من يسارع إلى شيء ،
      فكأنه لم يكن فيه أصلاً ، فهو يسرع إليه ليكون فيه .
      تفسير الشعراوي 1/3540 .




      التحدث عن الماضي.. مجرد إضاعة للوقت وإرهاق للذهن وإنسحاب للخلف .. إلا إذا كان للعِظة ورصد التجربة وبناء الخبرة..!!
      (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ )
      إن الإنسان يجزع ويستطار وتستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود. ويتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير. فأما حين يستقر في تصوره وشعوره أنه هو والأحداث التي تمر به، وتمر بغيره، والأرض كلها.. ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود.. وأن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق. لازم بعضها لبعض. وأن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون.. حين يستقر هذا في تصوره وشعوره، فإنه يحس بالراحة والطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء. فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه ويزلزله، ولا يفرح بحاصل فرحا يستخفه ويذهله. ولكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى. رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون ! (سيد قطب)

      قال عكرمة - رضي الله عنه - "ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا".. وهذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء


      الفرق بين الحياة الدنيا التي تحتوينا والحياة الآخرة التي تنتظرنا،
      قف أمام مرآة صافية، وانظر إلى صورتك فيها، ترى ما الفرق بينك وبين تلك الصورة؟
      ستقول: إن الفرق هو أنني الحقيقة، وتلك صورتها. وهكذا أمر الدنيا والآخرة، فالدنيا صورة الحياة، أما الآخرة فهي الحيوان لو كانوا يعلمون
      (وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)





      نزل القرآن على أعظم عضو في الجسم ( القلب ) ؛
      ليستنهض بقية الجوارح للتدبر والعمل ،
      قال تعالى : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ )
      الشعراء : 193-194 ،
      فمن لم يحضر قلبه عند التلاوة أو السماع فلن ينتفع بالقرآن حقاً :
      ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ ) ق: 37 .




      ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) الشعراء : 227 ،
      ختم السورة بآية ناطقة بما لا شيء أهيب منه وأهول ،
      ولا أنكى لقلوب المتأملين ولا أصدع لأكباد المتدبرين ،
      وذلك قوله : ( وَسَيَعْلَمُ ) وما فيه من الوعيد البليغ ،
      وقوله : ( الَّذِينَ ظَلَمُوا ) وإطلاقه ، وقوله : ( أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) وإبهامه ،
      وكان السلف الصالح يتواعظون بها .
      الزمخشري / الكشاف 3/350 .





      كيف يقلق الإنسان على الرزق والله يقول:
      {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} [الحجر: 20]،
      ولكن موازين الرزق لا يقدرها الناس،
      بل هي عند ربي في كتاب:
      { وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} [الحجر: 20، 21]
      فهو الذي يعطي ويمنع، ويقبض ويبسط.



      المنهج الصحيح في الدعوة والوعظ، وهو التوازن بين الترغيب والترهيب:
      {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } [الحجر: 49، 50]
      نعم، قد يقتضي بعض المقامات ترجيح أحدهما،
      وأما ترجيح أحدهما مطلقاً فغلط بيّن، ومخالف لطريقة القرآن..

      تعليق


      • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد


        وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء الثالث عشر من القرآن الكريم






        1. الثناء على النفس، وإعلان المبادرة لتحمل المسؤولية في وقتها، من صفات الأنبياء:
        {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 55].

        2. من أعظم ما يسلي المؤمن إذا فاته شيء من حظوظ الدنيا، أو ابتلي بشيء من كبدها الزائد عن القدر المشترك بين الناس، أن يتدبر هذه الآية:
        { وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 57].


        3. سوء الظن إذا كان بناء على قرائن قوية، فلا يؤاخذ به الإنسان:
        {قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 64].

        4. جمع يعقوب في هذه الآية: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [يوسف: 66] بين السبب الحسي، والسبب الشرعي في الاحتياط لمراده في الفعل، وفي الآية التي تليها، جمع بين السبب الحسي في الترك، مع السبب الشرعي: {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67].
        5. توقي ما يسبب العين إذا كان بلا مبالغة، لا يمنع منه الشرع:
        {وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ } [يوسف: 67].

        6. من أمثال القرآن: {إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ} [يوسف: 68]، { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76]، { وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ} [يوسف: 81]، {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا} [يوسف: 88].
        7. الحيلة إذا كانت لاسترجاع الحق، فلا بأس بها:
        {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: 70] ، ومثلها: {فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ} [يوسف: 76] وقد دلّت الشريعة على أن ذلك مشروط بأن يكون الحق ظاهراً، وهذا مبسوط في باب (الحجر) من كتب الفقه.

        8. هذه الآية: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] أصلٌ في باب الكفالة.
        9. السرقة من ضروب الفساد في الأرض: {مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف: 73].
        10. ما زال يوسف – وهو في حالات الألم النفسي – يمارس الإحسان:
        {قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 78].


        11. جميل أن يكون كبير أولاد الرجل الواحد مرجعاً، وقائداً إذا لم يمنع مانع من ذلك، لتكون كلمتهم أقوى، ورأيهم أسدّ: {فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ ... الآية } [يوسف: 80].


        12. مع شدة ما مرّ بيعقوب عليه السلام من أحداث، إلا أن حسن ظنه بربه بقي ثابتاً، لم تزعزعه الخطوب، فها هو يقول بعد أن غاب عنه ثلاثة من أبنائه:
        {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } [يوسف: 83]،
        وقال في الآيات بعدها: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } [يوسف: 86 - 87].

        13. ظهور آثار الحزن القدرية كالعمى، ونحول الجسم، أو الابتلاء ببعض الأمراض - إذا لم يصحبه تسخط - فهو مما لا يلام عليه العبد، ولا ينافي الصبر على أقدار الله تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ} [يوسف: 84].
        14. من الابتلاء للوالد، أن يسمع من أولاده كلمات الجفاء في ساعات الابتلاء: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف: 85]، وقالواها بعدُ: { قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ } [يوسف: 95].
        15. الصالحون مهما اجتمع لهم من النعم، فإنهم لا ينسون نسبتها لواهبها، فهذا أدعى لكمال الشكر، ونفي العجب: {قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف: 90].
        16. قاعدة قرآنية محكمة، وشواهدها لا تحصى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90]، لكن تنبه لشرطيها الكبيرين.
        17. قمة الأخلاق، أن تعفو عمن ظلمك، وتفتت الكبد من جراء ظلمه لك: {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92]، وهكذا طبق النبي صلى الله عليه وسلم وصية الله له بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ } [الأنعام: 90] فقالها يوم الفتح لكفار قريش الذين أخرجوه من مكة، فما أحوج الدعاة إلى هذا الدرس، وما أجمل قول المقنّع الكندي:
        وليس كبير القوم من يحمل الحقدا
        18. إذا أذن الله بالفرج، حملته نسائم الرياح: {وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ} [يوسف: 94].
        19. انتبه أيها الولد .. إذا بلغت المناصب العالية من العلم والعمل، فإياك أن تنسى فضل والديك، ولك في يوسف قدوة حسنة: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا } [يوسف: 99، 100].
        20. هذا والله العفو، والصفح الجميل: {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف: 100] فلم يتعرض لأي ملف من ملفات الماضي، ولم يُشر بأي كلمة في حق إخوته، فاللهم ارزقنا حسن الخلق.
        وفي الآية: من الاعتراف بفضل الله، وأن السجن من جملة العذاب، والخروج منه حسنة من الله.
        وقد استشكل بعض الناس قوله (وجاء بكم من البدو) مع الأنبياء لا يكونون إلا من الحواضر، والسبب أن يعقوب وأولاده مالوا إلى مواطن البادية فعاشوا فيها طلبا للرزق، وإلا فهم من سادات الناس في الشام.
        21. ختم هذه القصة والمشهد المهيب بهذه الجملة: {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [يوسف: 100] غاية ما يكون من المناسبة، فإن كلّ ما وقع كان بتقدير الله ولطفه، وبعلمه، وكان لهذه القصة من الحكم البليغة التي توضح شيئاً من حكمة الله في تقدير البلاء على أوليائه، ولطفه الخفي بهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
        22. من تمام الشكر، الاعتراف بواهب النعم: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[يوسف: 101].
        23. من أعظم مطالب الصالحين: الوفاة على الإسلام، وتأمل كيف قدّم بين يدي دعائه ثناء على الله، وهذا من أهم آداب الدعاء: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101].
        24. من قواعد الدعوة: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103].
        25. ومن أعظم قواعد الدعوة، التي تبين جملةً من شروطها: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } [يوسف: 108] وهذه الشروط: الإخلاص (أدعو إلى الله) وليس إلى شخصي أو حزب أو جماعة، والثاني (على بصيرة) بالحال والحكم.
        26. القراءة السبعية في هذه الآية: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110] وهي {كُذِّبُوا} تزيل اللبس الذي وقع عند بعض أهل العلم، وهو أن الرسل إذا يأسوا من استجابة أقوامهم لهم، وظنوا أن القوم مصرين على الكذب، جاءهم نصرنا .. الآية.
        27. { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: 111] ليس المراد من القصص السرد، بل الاعتبار، وإلا فقدنا مقصداً من أعظم مقاصد القصص، ونبهت الآية أن الاعتبار بالقصص من علامة كمال العقل، {عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.





        28. سورة الرعد من السور العظيمة التي تحدثت عن مظاهر وآثار عظمة الله جل جلاله في خلقه وملكه، فمن أراد أن يملأ قلبه بهذا النوع من العلم – وهو أشرف العلوم – فليتأمل هذه السورة، وعها ثلاث أخريات: الفرقان، فاطر، الملك.
        29. { يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ } [الرعد: 4] من يقدر على هذا إلا الله؟
        30. قف هنا وأنت تقرأ هذه الآية: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد: 8] وسرّح فكرك في كل أنثى: من آدمية، وجنيّة، وطير، وسمك، وحشرةٍ، وحويان من ذوات الأربع والاثنتين، وما شاء الله! كم وقع في هذه اللحظة - التي تقرأ فيها هذه الأسطر – من حمل، وكم خرج من حمل إلى هذه الدنيا؟ وكم سقط من جنين؟ سبحان من نحيط ولا بشيء من علمه.
        31. من سنن الله في الأمم والمجتمعات: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [الرعد: 11].
        32. هذه بعض آثار عظمته في السماء: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (12) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرعد: 12، 13] هذه الملائكة التي لا تعصي قط، تخاف من الملك الكبير الجبار ! فاللهم املأ قلوبنا من تعظيمك وإجلالك.
        33. من الأمثلة القرآنية: { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17]، وكذلك: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } [الرعد: 17].
        34. الشرط الوحيد لاجتماع الآباء والأولاد والزوجات ببعضهم في الجنة هو الصلاح: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } [الرعد: 23] اللهم أصلحنا وأصلح لنا أعمالنا وأولادنا وأزواجنا.
        35. الدنيا قد يبسطها الله على ألد أعدائه استدراجاً له، لكن الشأن في المصير الأخروي: {اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ } [الرعد: 26].
        36. إذا رأيت قلبك لا يطمئن بذكر الله، فهو مريض فعالجه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
        37. لم يذكر جواب (لو) في قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: 31] للعلم به، والمعنى: لكان هذا القرآن. فيا حسرة من لم يحرك القرآن قلبه، وهو الذي لو سيرت به الجبال لسارت، ولو قطعت به الأرض لقطعت، ولو كلم به الموتى لتكلموا.
        38. سلوة للدعاة: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} [الرعد: 32].
        39. قد تتساءل عن سبب إصرار بعض الكفار والمجرمين على ما هم فيه، فالجواب: {بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد: 33].
        40. الزواج من سنن المرسلين: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } [الرعد: 38].
        41. ما في اللوح المحفوظ لا يتغير ألبتة، وإنما الذي يقع فيه التبديل هو ما في أيدي الملائكة: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ } [الرعد: 39].
        42. {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 1] فمن لم يهتد بهذه القرآن فهو في ظلماته يرتكس، وإن كان برفوسورا في أدق العلوم.
        43. { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} [إبراهيم: 4] هذه الآية أصل في مشروعية ترجمة العلوم النافعة.
        44. {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [إبراهيم: 5] هذه وظيفة الرسل، وأتباعهم.
        45. {وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ} [إبراهيم: 5] التذكير بأيام الله، ونعمه وآلائه من الدواعي للشكر، وهذا كله من مهام الرسل، فمتى يكف اللامزون للوعاظ المتأسين بالرسل؟.
        46. قاعدة قرآنية محكمة: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ } [إبراهيم: 7].
        47. ما أكرم الله! وما أجوده! مع كمال غناه إلا أنه يدعو عباده على ألسنة رسله ليغفر لهم، ويكرمهم: { قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [إبراهيم: 10].
        48. من أدوية الحسد: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم: 11].
        49. التوكل على الله من أعظم الأسلحة الإيمانية التي يواجه بها الرسلُ وأتباعهم كيد الأعداء: { وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} [إبراهيم: 12].
        50. {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم: 18]
        وماذا يبقى من الرماد إذا كان اليوم عاصفا؟ لا شيء! {هباء منثورا}.

        51. في أحلك الظروف يتخلى الشيطان عن أتباعه، حين يخطب بهم في النار: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22].
        52. الإيمان الصادق من أعظم أسباب حسن الخاتمة، والثبات على الحق، كما أن ظلم العباد من أعظم أسباب سوء الخاتمة: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
        53. كفر النعم، وعدمُ شكرها من أسباب العقوبات العامة: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ } [إبراهيم: 28].
        54. {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34] إذا كنا لا نستطيع عدّها فكيف نستطيع شكرها؟ فلله الحمد الذي رضي بالقليل منا.




        55. {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ } [إبراهيم: 35] قال إبراهيم التميي: ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟!
        56. من أعظم مقاصد بناء البيت الحرام إقامة الصلاة: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ} [إبراهيم: 37] فعندها تتعجب ممن يترك الصلاة وهو مجاور للحرم!
        57. دعاء ينبغي أن نكرره كثيراً: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ } [إبراهيم: 40].
        58. سلوة للمظلومين: { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42] وأيضاً: {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم: 47].
        59. {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ } [إبراهيم: 50] من أسرار اختيار القطران – كما قال بعضهم -: لأن القطران يجمع بين أربع خصائص سيئة: سواده، ونتن رائحته، وحرارته، وسرعة اشتعاله، ولكن هذا قطران الدنيا، فكيف بقطران الآخرة؟! اللهم أعذنا من النار.
        60. يا من تقرا سورة إبراهيم، تدبر خاتمتها، وانظر موقع قلبك منها: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [إبراهيم: 52].
        والله أعلم وأحكم
        ملتقى اهل التفسير


        تعليق


        • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

          وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء الرابع عشر من القرآن الكريم



          ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 3]
          طول الأمل، أعظم العوائق دون اتباع الحق، واللحاق بركب المؤمنين، والذين سيتمنى المفرط أنه سلك سبيلهم ولكن بعد فوات الأوان: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ [الحجر: 2].

          أكّد الله تعالى حفظه للقرآن بأكثر من مؤكد: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] فأكّده بحرف التويد (إن) واللام الداخلة على الاسم.

          أعظم أنواع الفتنة أن يشربها العبد، حتى تتخلله كما يتخلل الدم الجسد:
          كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ [الحجر: 12].

          كيف يقلق الإنسان على الرزق والله يقول: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ [الحجر: 20]، ولكن موازين الرزق لا يقدرها الناس، بل هي عند ربي في كتاب: وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر: 20، 21] فهو الذي يعطي ويمنع، ويقبض ويبسط.

          كم نجح الشيطان في مهمته هذه: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ [الحجر: 39] فزيّن الباطل، والكفر، والبدعة، والمعصية، فانج يا عبدالله، واحذر أن يغرّك، وأعظم سبيل للنجاة تحقيق العبودية، والإخلاص لله تعالى، تدبر هذه: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر: 39، 40]، ثم قال بعدها: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ [الحجر: 42]


          لا تكتمل الإخوة، ولا تقع لذة المودة إذا كانت النفوس تتلجلج فيها جرثومة الغل:
          وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر: 47].

          المنهج الصحيح في الدعوة والوعظ، وهو التوازن بين الترغيب والترهيب: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر: 49، 50] نعم، قد يقتضي بعض المقامات ترجيح أحدهما، وأما ترجيح أحدهما مطلقاً فغلط بيّن، ومخالف لطريقة القرآن.

          السلام عند الدخول مشروع في الأمم السابقة:
          إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا [الحجر: 52] بل ومن أخلاق الملائكة.

          من أمثال القرآن: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر: 56].

          لما انتكست فطرة قوم لوط، وانقلبت تماماً، كانت العقوبة مناسبة لجرمهم، فقلبت قراهم، وأتبعوا بالحجارة التي هي عقوبة الزناة:
          فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ [الحجر: 74].

          لا ينتفع بأمثال هذه القصص إلا أصحاب الفراسة، والنظر: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75].

          من أوتي القرآن، فقد أوتي ما هو خيراً من الدنيا وزينتها، ولذا فلا يمكن أن يمتلئ قلبٌ بهذا القرآن، وتعلو قيمة الدنيا في قلبه على هذا الكتاب العظيم، ولا يفتن بها: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ [الحجر: 87، 88].

          من أعظم أدوية القلق: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 97 - 99] فافزع إلى التسبيح، والصلاة، وسترى الأثر.

          سورة النحل هي سورة النعم - كما قال بعض السلف – ولهذا تضمنت التذكير بعشرات النعم، وفيها الموضع الوحيد في آية الأمر بالشكر: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [النحل: 114] ففي جميع المواضع: واشكروا لله، إلا في هذه السورة: النص على النعمة.

          قد يأتي الفعل الماضي والمراد به المستقبل لقرينة: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل: 1] ففي قوله (فلا تستعجلوه) دليل على أن المراد: سيأتي
          .
          وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل: 8]
          دخل تحت هذه الآية جميع المخترعات الحديثة.

          وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النحل: 18]
          وهنا ختمت الآية بهذين الاسمين، ولعل في هذا إشارة إلى عفو الله تعالى عن تقصير العباد في شكر النعم، وأنه سبحانه يقبل منهم القليل.

          بركة العلم النافع لا تنقطع حتى يوم القيامة، وفي أرض المحشر: ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ [النحل: 27].

          الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ [النحل: 32]
          طابت حياتهم، فطابت وفاتهم.

          التوحيد لا يتحقق إلا بتجريد العبادة، والكفر بالأنداد:
          وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: 36].

          لا أحد أحرص من النبي على هداية الخلق، ومع هذا فأمر الهداية أمر رباني محض:
          إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل: 37]
          وفي هذا درس للداعية، فقد يبتلى بانحراف أقرب الناس إليه.

          لا يمكن فهم القرآن بغير السنة:
          وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44].





          من أدوية العجب الحاسمة:
          وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ [النحل: 53]
          فلأي شيء يفخر العبد أو يتكبر وهو لا ينفك عن إنعام الله وفضله.

          لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ [النحل: 62]
          هل تعلم ما معنى (يفرطون)؟
          قال ابن عباس: منسيون في النار!!
          تالله لو نسيك أحدهم في غرفة مكيفة أسبوعا كاملاً لرأيت أن ذلك عذاباً، فيكف بمن ينسى أبد الآباد؟!

          مقاصد تنزيل الوحي:
          وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64].

          من أدوية الحسد، فهم معنى هذه الآية:
          وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ [النحل: 71].

          إذا قرأت هذه الآية: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل: 78]
          وعرفت أنك أنت والأئمة الكبار تشتركون في هذه الآية، دفعك هذا لأن تجتهد في التعلم، والتحصيل، لعلك تكون ممن أئمة هذا الدين.

          من أعظم الأصول التي قامت عليها الشرائع:
          إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: 90].

          مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل: 96]
          هذه ليست خاصة في الأرزاق، بل حتى القوى الحسيّة: من السمع، والبصر، والقوى الأخرى.

          وعدٌ لا يخلف، فاين الباحثين عن السعادة: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل: 97]،
          وفيها دلالة على أن الأنثى والذكر في باب الجزاء سواء.

          من أعظم أسباب دفع كيد الشيطان الإيمان الصادق وصدق التوكل:
          إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [النحل: 99].

          من مقاصد التنزيل:
          قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 102].

          النطق بالكفر على سبيل الإكراه لا تترتب عليه الأحكام، بشرط طمأنينة القلب بالإيمان:
          مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل: 106].


          وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل: 112]
          جاءت هذه الآية التي تنطبق على كثير من المدن والقرى، بعد أن ذكر في هذه السورة عدداً غير قليل من النعم، فمن قابلها بالكفر، فهذه عاقبته.

          ويل لمن يفتون بغير علم:
          وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ [النحل: 116].

          حين وصف الله خليله إبراهيم بأنه أمّة، بيّن سبحانه الأسباب التي جعلته كذلك:
          إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (121) وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [النحل: 120 - 122] القنوت (طول العبادة) ، والتوحيد، الشكر للنعم (وهذا مناسب لمقصود السورة)، ثباته على المنهج
          .
          منهج للدعاة:
          ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] ثم قال بعدها: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ [النحل: 127].

          من أسباب نيل معية الله تعالى:
          إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل: 128].

          والله أعلم وأحكم


          ملتقى اهل التفسير



          تعليق


          • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

            تأملات قرآنية 58





            لما ذكر الله قوامة الرجل على المرأة ، وحق الزوج في تأديب امرأته الناشز ،
            ختم الآية بقوله : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) النساء : 34 ،
            فذكر بعلوه وكبريائه جل جلاله ترهيباً للرجال ؛ لئلا يعتدوا على النساء ، ويتعدوا حدود الله التي أمر بها .
            د. محمد الخضيري .

            قوله : ( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ) تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب ، فإن الله العلي الكبير وليهن وهو منتقم ممن ظلمهن وبغى عليهن (.ابن كثير)


            (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) .
            اعرف دِين الإنسان من دَيْنه و صموده في التعامل المالي وليس العكس. فعمق التقوى من النزاهة المالية أكثر من طول اللحية.






            (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ)
            إستفد من تجاربك ولا تحزن على ما مضى وعد إلى نجاحك السابق إذا راودك الشك في النجاح أو حاصرك سياج الفشل
            لا تتذمر من الظروف المحيطة بك ،،
            بل حاول أن تستثمرها لصالحك ،،
            ليس المهم أن تقع في الحوادث ،،
            المهم ما نستفيده من وقوع هذه الحوادث ،،
            المهم أن نعرف كيف تؤثر فينا إيجابياً وانعكاسها على حياتنا .
            إبتعد عن ترديد عبارات التشاؤم ،،
            "أنا غير قادر.. لم أعد أتحمل.. أنا على غير ما يرام.. ليس لدي أمل في الحياة.. " .
            سجل إنجازاتك ونجاحاتك في سجل حساباتك وعد إليه بين فترة وأخرى ،،
            فإن الفأل الحسن مطلوب شرعًا ومرغب فيه لأنه من حسن الظن بالله تعالى





            ( وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ) آل عمران :180
            كثيرون يقصرون معنى هذه الآية على البخل بالمال ،
            والمعنى أشمل وأعم كما ورد عن ابن عباس واختاروه ابن كثير ،
            ولهذا لم يدرك أولئك خطورة ما يبخلون به من علم أو جاه أو نعمة خصهم الله بها ،
            ويحسبون أنهم يصنعون خيراً لأنفسهم ،
            وما صنعوا إلا شراً ،
            والجزاء العاجل سلب هذه النعم من العبد وغدا ،
            ( سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) آل عمرن : 180 .
            أ.د. ناصر العمر





            حتى الأنبياء لم يسلموا من محاولات الإغواء والإضلال :
            ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ ) النساء : 113
            فمن يأمن البلاء بعد نبينا – صلى الله عليه وسلم ؟ ومن الذي يظن أنه بمعزل عن الفتنة ؟!
            نسأل الله الثبات على الحق .






            الاستغفار بعد الفراغ من العبادة هو شأن الصالحين فالخليل وابنه قالا – بعد بناء البيت - : ( وَتُبْ عَلَيْنَا ) البقرة :128 وأمرنا به عند الانتهاء من الصلاة : ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ) النساء :103 ، وكذا أمرنا به بعد الإفاضة من عرفة فما أحوجنا إلى تذكر منة الله علينا بلتوفيق للعبادة ، واستشعار تقصيرنا الذي يدفعنا للاستغفار .
            د. عمر المقبل .


            ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) آل عمران : 144 ،
            لقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الناس حوله على أنه عبد الله ورسوله ، والذين ارتبطوا به عرفوه كذلك ، فإذا مات عبد الله ، بقيت الصلة الكبرى بالحي الذي لا يموت ؛
            فأصحاب العقائد الحقة أتباع مبادئ لا أتباع أشخاص .
            محمد الغزالي / فقه السيرة : 271








            ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ) آل عمران :142
            العقلاء يستحيون أن يطلبوا السلعة الغالية بالثمن التافه – وهم يبدون استعدادهم للتضحية بأنفسهم في سبيل ما ينشدون –
            إلا أن الاستعداد أيام الأمن يجب ألا يزول أيام الروع .
            محمد الغزالي / فقه السيرة : 270




            قال تعالى : ( وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ) آل عمران : 103 ،
            ثم قال في آية بعدها : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ) آل عمران : 104 ،
            أي : كما عرفتم النعيم والكمال بعد الشقاء ،
            فالأحرى بكم أن تسعوا بكل عزم إلى انتشال غيركم من سوء ما هو فيه إلى حسنى ما أنتم عليه .
            انظر : التحرير والتنوير 3/178


            ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ


            "اعظم درس نتعلمه من خشوعنا في الصلاة وتركيزنا على موضع السجود، هو أن التركيز سر الفلاح والنجاح؛ في الدنيا والآخرة. سبحانك ربي" –(مى عبد الله التركيت)



            ( فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) البقاء للأصلح .. الأصلح حالا مع الله
            هذا المثل معناه أن السيل عندما يأتي يعلوه ما يحمله من قطع الأخشاب والأشجار، فيبيض كأنه زبد، والماء الحقيقي الذي ينتفع به الناس تحت الزبد، يمشي بسكينة وهدوء، ويغيض في الأرض، وينفع الناس؛ لأنه باق في الأرض، أما هذا العالي المتراكم المرتفع فإنه يذهب ميمنة وميسرة، ويذهب جفاء لا ينتفع به أحد. وكذلك المعادن إذا أخرجت من الأرض تخرج مخلوطة، فيضعها صاحبها على النار، فإذا وضعها على النار يعلو ما كان ملتصقاً بها، ثم لا يلبث أن يتلاشى ويبقى صريح المعدن من ذهب أو فضة أو جوهر أو غيره.
            فالله جل وعلا يخبر أن غالب الأمور التي تراها مرتفعة عالية ذات لجج وصوت أغلبها باطل لا خير فيه، وإنما الحق يمشي بهدوء وثبات وسكينة ويقين؛ لأنه يعلم أنه سيصل إلى منتهاه، فقال الله جل وعلا: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ [الرعد:17]، فضرب الله الأمثال حتى تستبين للناس طرائق الهدى ومعالم الحق بكرة وأصيلاً.
            الشيخ :صالح المغامسي


            تعليق


            • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد


              وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء الخامس عشر من القرآن الكريم



              سورة الإسراء مشحونة بالحديث عن القرآن، وأثره، والأمر بتلاوته في الليل، وبيان حال الكفار مع هذا الوحي عند استماعه، وعاقبة الإعراض عنه.


              {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا
              إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الإسراء: 1]
              سبحان من هذا كلامه!
              كم في هذه الآية من معاني؟
              فنزّه نفسه عن العبث في أفعاله، حين قدّر هذا الإسراء،
              ثم بيّن أن الإسراء كان حقيقة ببدنه لا بروحه حيث قال: (بعبده) ولم يقل: بروحه؛لأن السريان بالروح لا إعجاز،
              ثم بيّن زمان هذا الإسراء، وأنه في الليل، بل وفي جزء منه حين جاء بصيغة التنكير (ليلاً)
              ثم حدد المبتدأ والمنتهى (من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى)
              ثم بيّن مزية المكان الذي حصل له الإسراء (باركنا حوله) ،
              ثم علل حكمة الإسراء، وهي رؤية شيء من آيات الله في السماء،
              ثم ختمت باسمين من أسماء الله الحسنى المناسبة لمعنى الآية،
              فمثل هذا الحدث العظيم تحت سمع الله وبصره،
              وهذا يتضمن الحفظ من جهة النبي صلى الله عليه وسلم،
              ويتضمن تكذيب من كذّب من كذّب من الكفار بهذه الحادثة،
              فالمشهد كله تحت سمع الله وبصره،
              فسبحانك ربي، آمنت بك، وبكلامك، فيا رب لا تحرمنا بركته.






              {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} [الإسراء: 3]
              هذه أعلى المقامات!
              العبودية مع الشكر،
              وتأمل تطابق هذا الوصف مع قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة حين راجعته في قيام الليل،
              فيقول: "أفلا أكون عبداً شكوراً".





              {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء: 9]
              البشارة بهذا القرآن لا تتحقق على وجهها إلا لأهل الإيمان، وأهل والتقوى كما في آية مريم:
              {فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ} [مريم: 97].





              من الصفات اللازمة للآدمي: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا } [الإسراء: 11].



              لا أعدل ممن يجعلك حكمً على نفسك:
              {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13، 14].



              انتشار المعاصي والفسوق دون إنكار، مؤذن بدمار القرى وهلاكها:
              { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا } [الإسراء: 16] وقَيْدُ الإنكار لا يؤخذ من هذه الآية، بل من آية هود:
              {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117].


              {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء: 18]
              القيد (لمن نريد) يدل على أن الدنيا قد يعجّل فيها النعيم لبعض الناس دون بعض،
              أما الآخرة فلا بد أن يلقى فيها كلٌّ جزاءه: { وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء: 19].



              { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} [الإسراء: 25]
              ألا يكفي أن يعلم الله من قلبك حرصك على البر؟



              قاعدة في باب النفقات:
              {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء: 29].



              أيها المفتي بغير علم، ألا يكفي هذا التخويف؟
              {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } [الإسراء: 36].


              {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [الإسراء: 41]
              إن لم تجد في قلبك تذكراً لمواعظ القرآن، فانتبه !
              لا تكن من الطرف الثاني.


              {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً} [الإسراء: 59]
              التنصيص على آية ثمود من بين آيات الرسل؛ لأنها أوضح آية، ولا ينكرها إلا مكابر معاند، ومع هذا وجد من ينكرها!
              فالمشكلة ليست في كون الآيات واضحة أم غير واضحة، بل في العناد والجحود.


              {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} [الإسراء: 60]
              سبحان الله! أتأمل في أحوال بعض الطغاة، فأتعجب!


              لا نجاة من مكائد الشيطان إلا بتحقيق العبودية:
              {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65].


              جنس الآدمي مكرم:
              {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ } [الإسراء: 70]
              فلا تجوز أذيته ولا إهانته بغير حق، ولو كان كافراً.



              من يأمن على نفسه وهو يقرأ هذه الآية؟
              ومن الذي لا يخاف على قلبه من الزيغ وهو يتأمل هذا الخطاب الإلهي لنبيه صلى الله عليه وسلم:
              {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا}
              [الإسراء: 73 - 75].


              إذا اجتمع القرآن مع قيام الليل، فثمة الرفعة:
              {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].


              سمعت شيخنا العثيمين -رحمه الله- يقول عن هذه الآية:
              {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [الإسراء: 82]
              هذه الآية مخيفة!
              فإما أن يكون القرآن شفاء ورحمة،
              فإن لم يحصل هذا للعبد، فليحذر أن يكون ممن لا يزيدهم القرآن إلا خساراً، والعياذ بالله.


              أي دلالة أعظم من هذه الآية على تقازم المخلوقين أمام بيان هذا القرآن:
              {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88].



              لا تنال بركة هذا القرآن بالهذرمة، والقراءة السريعة:
              {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } [الإسراء: 106].



              كلما مررت بهذه الآية:
              { قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا }
              [الإسراء: 107 - 109]

              تذكرت كلمة محكمة مسددة متينة لعبدالأعلى التيمي، هو من بدائع التعليقات على الآيات:
              إن من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق أن قد أوتي من العلم ما لا ينفعه لأن الله نعت أهل العلم فقال:
              {ويخرون للأذقان يبكون}.


              سورة الكهف ركّزت في حديثها على أربع أنواع من الفتن مع بيان المخرج منها:
              فتنة الدين، ثم المال، ثم العلم، ثم السلطان.


              فتنة الدين التي تعرض لها فتية الكهف عالجوها بالهرب من مواقع الفتن،
              ثم بالتضرع إلى الله والتعلق به سبحانه:
              {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا } [الكهف: 10]


              {فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الكهف: 16]
              وهكذا يتحول الكهف الضيق المظلم – إذا غشية الرحمة – مكاناً تنتشر فيه الرحمة؛
              ليكون مكاناً آمناً على الأديان والأبدان!
              فبالله ما قيمة قصرٍ شاهق فيه من أنواع الطيبات والملذات، لكن حجبت عنه رحمة الله؟
              إنه جحيم لا تطيقه القلوب المؤمنة ..

              لقد تذكرت ههنا كيف كانت حجرات النبي صلى الله عليه وسلم! حجر صغيرة، لكنها مملؤة بالنور:
              {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ } [الأحزاب: 34]
              ولله در حسان يوم قال:
              بها حُجُراتٌ كانَ ينزِلُ وَسْطَها ... مِنَ الله نُورٌ يُسْتَضاءُ ويُوقَدُ


              ذكر الكلب مع فتية الكهف أربع مرات، وهذا ببركة هذه الصحبة،
              فإذا كان هذا أثر هذه الصحبة على كلب،
              فكيف ببركتها على بني آدم.



              {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]
              الأمر بالصبر هنا يشير إلى أن الإنسان لا بد أن يجد من بعض إخوانه الصالحين بعض النقص،
              لكنهم خيرٌ من غيرهم، وإن كانت الدنيا بأيديهم!


              {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]
              كان شيخنا العثيمين –رحمه الله- يقول: إذا رأيت من أمرك وشأنك انفراطاً، فتفقد قلبك في مواطن الذكر.


              إذا كان هذا حال الماء، فكيف بوسط النار:
              {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا } [الكهف: 29]
              نعوذ بالله تعالى من عذابه.


              قصة صاحبي الجنة، تعالج فتنة المال، وكيف ينقسم الناس في هذه الفتنة!

              من أحسن ما يوعظ به المتكبر تذكيره بأصل خلقته:
              {قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا } [الكهف: 37] .


              {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا } [الكهف: 42]
              أين الشرك في قصة الرجلين؟
              هذا موضع تدبر، ويحتاج إلى دِقّة.


              {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49]
              كان بعض السلف يقول عمن سبقه: ضج القوم – يعني: خافوا- من الصغائر قبل الكبائر
              فإياك أن يهوّن الشيطان الصغائر في عينيك، فإنها مسطورة مكتوبة.


              قاعدة قرآنية: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف: 49].


              {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (53) وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } [الكهف 53 : 54]
              لو تصرفت قلوبهم مع القرآن لوجدوا مصرفاً عن نار جهنّم،
              فاللهم اجعلنا من المتعظين بالقرآن.


              موقع تدبر القرأن



              تعليق


              • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

                تأملات قرآنية 59



                قال تعالى – في شأن بلقيس قبل أن تعلن إسلامها –
                ( وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ) النمل : 44 ،
                ففيه دلالة على أن ثوبها كان طويلاً ساتراً لساقيها ، وهي من ؟!
                امرأة كافرة !
                في حين أن بعض المسلمات – وللأسف الشديد – يتنافسن في خلع جلباب الحشمة والحياء فيما يرتدينه من ملابس ، بلا حياء ولا خوف من الله !
                أليس من المدمي أن تكون امرأة كافرة أكثر حشمة وتستراً من بعض نساء المسلمين ؟!



                ﴿ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ)
                فكلّ إنسان عاقل يعدّ عمرهُ عدّاً تنازلياً، لا عدّاً تصاعديّاً، فيسأل هل بقِيَ بِقَدْر ما مضى ؟
                فإذا أنت لم تدخل ساعة مغادرة الدنيا في حِساباتك اليوميَّة فإنك لن تنجو لا من عذاب الدنيا ولا من عذاب الآخرة !


                أيام العبد الخمسه
                يوم مفقود ويوم مشهود ويوم موعود ويوم مورود ويوم ممدود
                اليوم المفقود: هو الذي مضي ولن يعود
                ويوم مشهود وهو الذي انت فيه وهو الذي يناديك
                تزود من التقوي فانك لاتدري اذا جن الليل هل تعيش الي الفجر
                ويوم مورود وهو المجهول الذي اختص الله تعالي بعلمه:"
                عبدالله بن عمر : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
                مفاتحُ الغيبِ خمسٌ : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. رواه البخاري (4261) .
                فاعد له الزاد
                تزود من التقوي فانك راحل
                وسارع الي الخيرات. فيمن يسارع
                فما المال والاهلون الا ودايع
                ولابد يوما ان ترد الودايع
                ويوم موعود هو يوم القيامة
                وأما اليوم الممدود إما في جنة يدوم نعيمها أو في نار لا ينفذ عذابها.
                فيا ابن ادم اغتنم خمسا قبل خمس
                شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك





                ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)
                الله نَوَّر الكون بالشموس، ونَوَّر القلوب بأنواره

                لا تربط سعادتك ب أحد إلا الواحد الأحد

                سُئل الإمام الشافعي رحمه الله:ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
                فبكى -رحمه الله- ثم قال :” أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو “




                ما الذي جعل العلامة الشنقيطي يقول عن هذه الآية :
                ( يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ) الروم : 7 ،
                يجب على كل مسلم أن يتدبر هذه الآية تدبراً كثيراً ،
                ويبين ما دلت عليه لكل من استطاع بيانه له من الناس ؟
                قال رحمه الله : لأنه من أعظم فتن آخر الزمان – التي ابتلي بها ضعاف العقول من المسلمين – شدة إتقان الإفرنج لأعمال الدنيا ،
                مع عجز المسلمين عنها ، فظنوا أن من قدر على تلك الأعمال على الحق ،
                وأن العاجز عنها ليس على حق ،
                وهذا جهل فاحش ،
                وفي هذه الآية إيضاح لهذه الفتنة ، وتخفيف لشأنها ،
                فسبحان الحكيم الخبير ما أعلمه ، وأحسن تعليمه !
                أضواء البيان 6 / 166 .



                قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ) فاطر : 32 ،
                قيل في سبب تقديم الظالم لنفسه على السابق بالخيرات
                – مع أن السابق أعلى مرتبة منه –
                لئلا ييأس الظالم من رحمة الله ، وأخر السابق لئلا يعجب بعمله .
                او للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم ، والسابقون أقل من القليل .
                القرطبي / تفسيره 14 / 349 .





                حينما تتعب أيها الداعية، أو تجتهد ثم لا تجد ثمرةً عاجلة أو ظاهرة،
                فتذكر هذه الآية: وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت: 6]
                فأنت بالدعوة إنما تنقذ نفسك قبل أن تنقذ غيرك

                د.عمر المقبل



                قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ) فاطر : 32 ،
                قيل في سبب تقديم الظالم لنفسه على السابق بالخيرات
                – مع أن السابق أعلى مرتبة منه –
                للإيذان بكثرة الفاسقين وغلبتهم وأن المقتصدين قليل بالإضافة إليهم ، والسابقون أقل من القليل .
                القرطبي / تفسيره 14 / 349 .







                آيات في كتاب الله إذا ذكرتهن ، لا أبالي على ما أصحبت أو أمسيت :
                ( وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) الأنعام :17 ،
                ( مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ) فاطر : 2 ، ( سَيَجْعَـلُ اللَّهُ بَعْـدَ عُسْـرٍ يُسْـراً ) الطلاق :7 ،
                ( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ) هود : 6 .
                عامر بن عبد قيس



                ( وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الأنعام : 110
                ، دلت هذه الآية على الإنسان إذا علم الحق ولم يذعن له من أول وهلة ،
                فإن ذلك قد يفوته والعياذ بالله .
                ابن عثيمين / شرح رياض الصالحين [ 1/ 134 ] .



                تعليق


                • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

                  وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء السادس عشر من القرآن الكريم (1)

                  ستكون البداية مع قصة موسى وهي تبدأ قبيل الجزء السادس عشر:

                  1. قصة موسى جاءت لتعالج فتنة العلم، وما المنهج الشرعي في التعامل معها؟



                  2. لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا [الكهف: 62] وصف السفر بالنصب لا ينافي الصبر، وليس من الشكوى المذمومة في شيء.



                  3. وصف الله الخضر بثلاث صفات عظيمة: فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا [الكهف: 65] فوصفه بالعبودية والرحمة والعلم، ومتى اجتمعت لمعلِّم حاز الفضل، ونفع الله بعلمه، وبقدر ما يقع النقص من هذه الجهات، يقع الخلل والتقصير.
                  4. تأمل في أدب موسى، وإظهار الافتقار لعلم شيخه في هذه الرحلة – مع كون موسى أفضل منه -: قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا [الكهف: 66] وقارن هذا ببعض الأسئلة التي تنضح منها رائحة الكبر، خشية أن يكون مستفيداً من قرينة، فضلاً عمن هو أقلُ منه علماًَ! ومثل هؤلاء لا يفلحون في العلم.
                  5. من عادة الإنسان استنكار ما لا يحيطون به علماً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا [الكهف: 68].
                  6. العذر بالنسيان مما اتفقت الفطر على اعتباره: قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ [الكهف: 73].
                  7. استدل بعض العلماء بهذه الآية: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا [الكهف: 74] بأن النفس المقتولة صغيرة دون البلوغ، لوصفها بأنها (زكية) أي لم تتدنس بذنب.
                  8. إكرام الضيف من محاسن الأخلاق التي فطر عليها البشر، فتأمل كيف استنكر موسى، مع أن هؤلاء أهل قرية، والغالب على أهل القرى الفقر: إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا [الكهف: 77].

                  9. المسكين أحسن حالاً من الفقير، فإن الله تعالى أثبت للمساكين مالاً، وهي السفينة: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا [الكهف: 79] وفي هذه الآية ما يدل على أن (وراء) تطلق ويراد بها الأمام، ولهذا في قراءة – لكنها غير متواترة -: وكان أمامهم ، وهي قراءة تفسيرية.
                  10. من أعظم نعم الله على الوالدين أن يرزقا ولداً بهذه الصفة: فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [الكهف: 81] .
                  11. وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف: 82] هذا دليل على أن الصلاح في الأسرة له أثر في غالب الأحيان، وبهذا خاطب بنو إسرائيل مريم : يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا [مريم: 28].
                  12. قصة ذي القرنين جاءت لتعالج فتنة الإنسان بالملك.
                  13. من أدب ذي القرنين في الألفاظ أنه حين تحدث عن العذاب بدأ بفعله، ثم ثنّى بذكر الجزاء الإلهي، فلما جاء ذكر الجزاء الحسن بدأ بجزاء الله، ثم بجزائه: قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا [الكهف: 87، 88].
                  14. وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا [الكهف: 93] هذا دليل على أنهم أهل لغة مختلفة.
                  15. من لطائف استنباط بعض أهل العلم من هذه الآية: فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا [الكهف: 95] أنه قال: فيها دليل على مشروعية بناء السجون لمنع شرّ أهل الفساد.
                  16. ما الحكمة من قوله: الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي [الكهف: 101] فهل الذكر يُرى حتى يحال بينه وبين العيون بما يرى؟
                  17. قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103، 104] هذه عمّم السلف معناها إلى كلّ من استحسن شيئاً محرماً، سواء كان في البدع، أو المعاصي، ولهذا طبقها السلف على الخوارج.




                  18. كل مكان في الدنيا مهما كان جماله، ومهما بلغت روعته، فلا بد أن يصيب الإنسان منه ملل، أما الجنة، فتأمل ماذا قال الله فيها: لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا [الكهف: 108].
                  19. من الآيات التي تدل على سعة علم الله، وهي موضع إخبات وخشوع: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109].




                  20. سورة مريم هي سورة الرحمة الإلهية بأوليائه الصالحين، وقد تكررت فيها مفردة الرحمة بجذورها ست عشرة مرة ! ، ولا يوجد سورة في القرآن أكثر منها في هذا المعنى، وأول آية فيها بعد الحروف المقطعة: ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا [مريم: 2].


                  21. من أدب الدعاء: إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا [مريم: 3].
                  22. قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [مريم: 4 - 6] تأمل في هذه التفاصيل التي ذكرها زكريا ، مع أن الله تعالى يعرف حاله، وما في نفسه، ولكن في مقام السؤال فمن الأدب مع الله إظهار الافتقار إلى الغني الجبار.
                  23. إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا [مريم: 7] اختصاص نبي من الأنبياء بميزة، لا تعني تفضيله المطلق، كما هو الحال في بعض المناقب التي تذكر لصاحب من الصحابة، لا تعني التفضيل المطلق، وهذه من الضوابط في باب التفضيل.




                  24. من أعظم البراهين على عظيم منزلة الذكر عند الله أنه حال بين زكريا وبين كلّ كلمة إلا ذكره طيلة ثلاثة أيام: قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم: 10، 11] فنعوذ بالله من الغفلة.
                  25. منهج للمربين والآباء في تربية الصغار على معالي الأمور: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم: 12].
                  26. يا لتعاسة العاق لوالديه! فكم اجتمع فيه من الشر! وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا [مريم: 14] وفي قصة عيسى: وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا [مريم: 32] فهو جبار وعاصٍ وشقي.




                  27. أهل التقى يستغرب منهم الوقوع في الفاحشة: قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم: 18] وفيه أن التقوى من أعظم العواصم من الوقوع في الفاحشة.
                  28. المولود هبة ربانية: لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا [مريم: 19].
                  29. تمني الموت خوف الفتنة في الدين لا بأس به: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم: 23].
                  30. بغض النظر من هو القائل والمنادي: فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي [مريم: 24] ففي الآية الحرص على تسلية المحزون.




                  31. وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 25]
                  ماذا تصنع هزة يسيرة من امرأة لنخلة باسقة، وفي حالة ولادة؟ إنها التربية على فعل الأسباب.
                  32. من آثار الصيام في شريعتهم عدم الكلام: فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [مريم: 26].




                  33. ثلاث منن في نصف سطر: قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا [مريم: 30] فسبحان من هذا كلامه! وتأمل كيف بدأ بأشرف ما ينسب إليه الإنسان: العبودية.


                  34. أكثر من هذا الدعاء لله بأن يجعلك كما جعل عيسى: وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ [مريم: 31].
                  35. لا أمد للعبودية إلا الموت: وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا [مريم: 31]
                  36. يلفت النظر في قصة إبراهيم عظيم الأدب الذي خاطب به أباه: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ [مريم: 42].
                  37. رتبة العلم ترفع مقام الابن فوق مقام الأب: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ [مريم: 43] لكنها لا تلغي مقام الأدب معه.
                  38. المتوقع أن يقال في هذه الآية: يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ [مريم: 45] (أن يمسك عذاب من الجبار) ولعل السر في هذا: إرسال رسالة إلى الوالد أنه إن أصابك عذاب ممن تسمى بـ(الرحمن) أي واسع الرحمة، فإنك قد أغلقت على نفسك جميع المنافذ التي تنجو بها من عذابه.



                  39
                  . من ترك شيئاً لله عوضّه الله خيراً منه: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا [مريم: 48، 49] فالخليل لما اعتزل قومه بعد أن هدده أبوه، وهب الله له من الخيرات فوق ما في الوصف.
                  40. قال بعض العلماء هذه أعظم شفاة في التاريخ: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا [مريم: 53] حيث شفع موسى لأخيه هارون، فجعله الله نبياً.


                  يتبع

                  التعديل الأخير تم بواسطة مهاجر إلى الله ورسوله; الساعة 28-10-2015, 10:53 PM. سبب آخر: حذف صورة

                  تعليق


                  • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

                    وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء السادس عشر من القرآن الكريم (2)


                    41. من هدي الأنبياء الذي غاب في واقع الكثيرين: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ [مريم: 55].

                    42. هذه أعظم أحوال الأنبياء المذكورين في الآية:
                    أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مريم: 58]
                    فلنفتش عن أثر القرآن على قلوبنا.

                    43. هذه من صفات حطب جهنم: أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم: 59] وسبحان الله!
                    ما أكثر التلازم بينها، إذ لا يمكن أن يستمر عبدٌ في شهواته وهو يقيم الصلاة حقاً!
                    لأن الصلاة الصحيحة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

                    44. تأمل كيف جعل الله من نعيم الجنة عدم سماع اللغو من الكلام:
                    لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا [مريم: 62]
                    فيا حبذا تلك المجالس التي تتشبه بشيء من نعيم الجنة!

                    45. هذه الآية جمعت أنواع التوحيد الثلاثة:
                    رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65].

                    46. أخبرنا الله بأننا واردون على النار: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا [مريم: 71]
                    والشأن كل الشأن هل سنصدر أم ....؟!
                    اللهم أجرنا من النار.

                    47. من أدلة زيادة الإيمان: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم: 76].

                    48. من أمثلة ما يعرف في أصول الفقه بالسبر والتقسيم:
                    أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا [مريم: 78، 79].

                    49. تأمل الفرق بين سياق أهل الجنة وأهل النار:
                    يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (85) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم: 85، 86] فسمّى الله قدومهم عليه: وفداً، فما ظنك بمن يقدم وافداً على الله؟
                    ما الذي ينظره من الإكرام؟
                    وما الذي ينتظر المجرمين حينما يردون النار عطاشاً، بعد وقوف على الأقدام دام خمسين ألف سنة؟!
                    اللهم اجعلنا ممن يفد عليك وفداً.

                    50. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: 94]
                    قف هنا، واستعرض في ذهنك كلّ نفسٍ درجن على هذه الأرض، في البراري والقفار، في السهول والجبال، في الغابات ... الخ، كلُّ هؤلاء لا يخفون على ربك.

                    51. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا [مريم: 95]
                    اللهم ارحم ذلّ وقوفنا بين يديك، وأدم سترك الجميل علينا في الدنيا والآخرة.

                    52. انتشار القبول للعبد بين الخلق من آثار رحمة الله بالعبد:
                    إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].

                    53. كلما كان الإنسان أتقى لله، كان انتفاعه بهذا القرآن أعظم وأكبر: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِي [مريم: 97].

                    54. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه: 2]
                    والله لن يشقى من تعلق بهذا القرآن، فإذا وقعت على شقي متصل بالقرآن، فثق وأيقن أن في قلبه بلاءً!

                    55. يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه: 28]
                    من المهم في مقام الدعوة أن يكون البيان واضحاً، ولذا سأل موسى ربّه حلّ هذه العقدة، فأجاب الله سؤله:
                    قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى [طه: 36].

                    56. تأمل علوّ همة موسى حين حدد أهدافه من شفاعة موسى لأخيه عند الله: وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا [طه: 29 - 34]
                    وانظر كيف ركّز على الذكر والتسبيح، فما هي معاييرنا حينما نختار رفقاءنا في طريق الدعوة؟

                    57. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 44] تأمل من المخاطب بهذا؟
                    ومن الذي يراد مخاطبته ودعوته؟
                    فما بال بعض الناس يخاطب إخوانه المسلمين بالعنف، ويرغب منهم أن يستمعوا له ويقبلوا منه؟!

                    58. الخوف من بطش الطغاة معتبر شرعاً: قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى [طه: 45].

                    59. مسلك في ضبط المواعيد:قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى [طه: 59]
                    فهنا حددوا اليوم، ثم حددوا الوقت في ذلك اليوم.

                    60. يا للدهشة!
                    ماذا أحدث الإيمان في قلوب السحرة في دقائق محدودة؟
                    تأمل في جوابهم لمن كانوا لا يراجعونه في شيء من هيبته!
                    : قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 72، 73].

                    61. الطغيان ,وكفر النعم من أعظم أسباب حلول غضب الله:
                    كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي [طه: 81].

                    62. للطاهر ابن عاشور تعليق نفيس على هذه الآية: قَالَ يَبْنَؤُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي [طه: 94] تحسن مراجعته، لصلته الوثيقة بمسألة في الواقع.



                    63. بعض التائبين يحتفظ ببعض آثار الماضي، ثم لا يلبث أن يعود، فانظر كيف تعامل موسى مع ذهب خالص!: وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا [طه: 97] وهذا من فقه التوبة: قطع جميع العلائق التي تذكر بالماضي، ولو كان مالاً نفيساً، أو صديقاً، أو بقعةً، ويبين هذا أكثر حديث الذي قتل تسعة وتسعين نفساً، فأمر بمفارقة البلد التي كان فيها.

                    64. وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا [طه : 102]
                    قال بعض العلماء: هذه رزقة العيون!
                    فبالله تأمل قبح ذلك الوجه الأسود وعيونه زرقاء! نعوذ بالله من النار.

                    65. هذا الموضع الوحيد الذي ربط جواب السؤال فيه بالفاء: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا [طه : 105]
                    ولذلك سبب، ذكره بعض العلماء، فحاول أن تتدبره.

                    66. لا تقبل الشفاعة يوم القيامة إلا بشرطين: يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ [طه : 109].

                    67. ويل للظالمين!
                    وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا [طه : 111] وهذه اللاية تشمل كل من ظلم، سواء كان ظلمه كثيراً أم قليلاً، والخيبة تعظم بعظم الظلم.

                    68. ضمان ووعدٌ لا يخلف:
                    وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا [طه : 112].

                    69. لا تلهينك كثرة قراءة القرآن عن التفكر في هذه المقاصد العظمى من نزول القرآن:
                    وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه : 113]
                    فإذا لم تحدث لك القراءة زيادة في التقوى، والتذكر، فأعد النظر في طريقة قراءتك.

                    70. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى (118) وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى [طه : 118 ، 119]
                    جمع بين العري الظاهر والباطن.

                    71. النبي قد تقع منه المعصية، لكنه لا يقر عليها، بل لا بد أن يتوب منها: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى [طه : 121 ، 122].

                    72. الإعراض عن القرآن عذاب معجّل، فضلاً عن المؤخّر:
                    وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه : 124].

                    73. من أشق أنواع العذاب أن ينسى الإنسان أحوج ما يكون إلى العون: قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه : 126] وإذا كان الترك من الله فما أقساه من عذاب! ولكن الله لا يظلم أحداً: وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى [طه : 127] جزاءً وفاقاً.

                    74. من أعظم ما يعين على الصبر على أذى الأعداء:
                    العبادة المستمرة: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [طه : 130].

                    75. منهج تربوي لا يصبر عليه إلا أولوا العزائم:
                    وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه : 132] فتأمل في كلمة (واصطبر) ففيها صبر خاص.

                    76. كان بعض السلف إذا ضاق رزقه فزع إلى الصلاة، ويتأول هذه الاية:
                    وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه : 132].



                    ملتقى اهل التفسير



                    تعليق


                    • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد



                      تأملات قرآنية 60



                      يروى عن الشافعي -رحمه الله- أنه قال: “سيروا إلى الله عرجاً ومكاسير ولا تنتظروا الصحة فإن انتظار الصحة بطالة”


                      ما معنى سر إلى الله أعرج؟
                      أي أنك بدأت تصلي النوافل لكن لا تزال صلاتك ليس فيها حضور،،
                      ﻻبأس واصل وﻻتتوقف وأطلب من الله اﻹعانة..
                      بدأت تقرأ القرآن لكن قراءتك مكسّرة ﻻ تحسن القراءة أو ﻻ تستشعر وﻻتتدبر اﻷيات،،
                      لابأس واصل واحرص على أن تبحث عمن يعلمك القراءة وأن تحاول أن تستحضر قلبك..
                      بدأت ترتب حياتك على أساس الوجهة إلى الله لكن أحياناً تغلب عليك نفسك،،
                      ﻻ بأس واصل سر إلى الله عز وجل ولا تتأخر، لا تنتظر أن تأتي الفرصة لتقبل على الله؛ فكلما حصلت في قلبك رغبة في الإقبال على الله أقبل على الله مباشرةً..

                      قال سبحانه :

                      ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا ﴾



                      يقول ابن القيم :
                      لا يزال المرء يعاني الطاعة حتى يألفها ويحبها ، فيُقيض الله له ملائكة تؤزه إليها أزاً ، توقظه من نومه إليها ومن مجلسه إليها .



                      جاهد - حاول - اصبر - صابر - وادع الله


                      كلما ازداد العبد قربا من الله أذاقه من اللذة والحلاوة مايجد طعمها في يقظته ومنامه وطعامه حتى يتحقق ماوعده الله فيه
                      "فلنحيينه حياةً طيبة" ..





                      ما من إنسان يقوم بعمل يشعر
                      أنه يقوم به،( لله، وبالله، وفي الله )،
                      إلا بورك له فيه ..
                      لله: أي مخلصا ..
                      وبالله: أي مستعينا ..
                      وفي الله: أي متبعا لشرعه ..
                      وهذه مستفادة من قوله -تعالى-

                      ( إياك نعبد وإياك نستعين - اهدنا الصراط ).

                      شرح رياض الصالحين- لابن عثيمين
                      ***


                      قال تعالى : { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ "}.

                      يروى أن صديقا للإمام الشافعي رحمه الله قد مرض يوما وﻻ*زم الفراش، فزاره الشافعي رضي الله عنه فلما رأى عليه عﻼ*مات المرض الشديد أصابه الحزن... فمرض الشافعي بعدما خرج من عنده فلما علم ذلك الصديق بذلك بعد شفاءه ذهب لرؤية الشافعي في بيته فلما رآه الشافعي قال :
                      مرض الحبيب فزرته
                      فمرضت من اسفي عليه
                      شُفي الحبيب فزارني
                      فشُفيت من نظري إليه
                      اللهم ارزقنا الصحبة الصالحه
                      قال تعالى: {وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا} .
                      يقول الامام ابن القيم - رحمه الله - معلقاً على هذه الآية :
                      " يأبى الله أن يدخل الناس الجنة فرادى، فكل صحبة يدخلون الجنة سويا " .





                      (هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ )
                      "قل إن الأمر (كله) لله" كله.... لا شيء لك كرر هذه الكلمة على قلبك
                      ماذا ستبقي من القلق فيه.
                      .فمن أركان إيمان كل مؤمن الإيمان بالقضاء والقدر ، وأن الأمر كله لله ، وأنه – سبحانه – (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ) (السجدة: 5)
                      الشّئ الوحِيدِ الذيَ يجعلٌنا أقوى كلمَا أنكسرنا هوِ :اليقين التّام بأنَّ الامر كُله بيد اللّه وأنَّ الحيَاةٌ ستمضيَ مَهما حَدث


                      قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
                      آيةٌ من القرآن هي سهمٌ في قلب الظالم وبلسمٌ على قلب المظلوم..!!
                      قيل وما هي؟!، فقال قول الله
                      :"ومَا كانَ رَبُّكَ نَسِيّاً".


                      (( وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ))
                      لو استقر مفهوم هذه الآية في شغاف قلبك
                      لاستطعت أن تقابل الدنيا بوجه جديد ، وقلب حديد
                      ويقين راسخ تهون معه شدائد الدنيا واابتلاءتها
                      كل شيءٍ لم يستثنِ شيء .. كل شيء بمقدار
                      مقدار دقيق ، بعلم دقيق شامل ، وبحكمة دقيقة لا يفوتها شيء
                      وبلطف دقيق يتجلى لأصحاب القلوب ...الخ
                      فلا يغررك العطاء ... ولا يهولنك المنع




                      تعليق


                      • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد


                        وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء السابع عشر من القرآن الكريم (1)





                        1.سورة الأنبياء يقول عنها ابن تيمية : "سورة الأنبياء" سورة الذكر وسورة الأنبياء الذين عليهم نزل الذكر. انتهى.
                        وقد تتبعت لفظة الذكر في هذه السورة فوجدتها تكررت عشر مرات، ولاحظتُ تكرار ذكر الإعراض عن هذا الذكر في عدة مواضع.

                        2.اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء: 1]
                        هل استشعرت أن هذه الآية نزلت قبل 1420 سنة ؟ أ
                        لسنا نحن أقرب؟
                        أليس واقع غالب الناس في غفلة؟
                        فأين أثر القرآن؟

                        3.قاعدة قرآنية: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7].

                        4.لا عزّ للأمة بدون هذا القرآن: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ [الأنبياء: 10].

                        5.بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ [الأنبياء: 18] في هذه الآية إبطالٌ لدعوى المشركين من خمسة أوجه، جلها بلاغي، فحاول أن تستخرجها؟.

                        6.حجة عقلية: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [الأنبياء: 22].

                        7.كما يكون الابتلاء بالشر، فإنه يكون بالخير أيضاً، وهو الابتلاء الأشد، وهو الذي جعل بعض السلف يقول: ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر!
                        لأنها فتنة خفية.

                        8.قاعدة قرآنية، وسنة إلهية: خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ [الأنبياء: 37].

                        9.سنةٌ ماضية في طريق الدعاة – وعلى رأسهم الرسل-:
                        وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ [الأنبياء: 41].

                        10.قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ [الأنبياء: 42]
                        لا أحد والله يا رب غيرك!
                        كم من حادث صرفتنا عنه؟
                        وكم من بلاء دفعته عنا؟
                        وكم من فتنة عصمتنا منها؟
                        وكم من أذى وقيتنا شرّه؟






                        11.هذا هو الأصل في النذارة: قُلْ إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ [الأنبياء: 45] فكل نذارة تخرج عن منهج الوحي – قرآناً وسنة – فلا مرحباً بها.

                        12.وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ [الأنبياء: 46] هذا أَلَمُ النفحة، فما حال من غُمِسَ في النار غمساً؟

                        13.بعض أهل الباطل يعرف أنه ليس في مقابل الحق إلا اللعب: قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ [الأنبياء: 55].

                        14.هل قول الخليل : أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [الأنبياء: 67] مخالف لما يقتضيه مقام البر؟
                        الجواب: ليس كذلك؛ لأن هذا الخطاب إنما وجهه إبراهيم لعموم القوم، ولم يواجه به أباه، والله أعلم.

                        15.لا تستغرب من استماتة أهل الباطل في الدفاع عن باطلهم ولو كان ذلك بتحريق الإنسان!
                        قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ [الأنبياء: 68].

                        16.الكون كلّه خاضع لله، والمُلْكُ مُلكُه سبحانه، فالذي جعل من خاصية النار الإحراق، هو الذي ينزع عنها ذلك إن شاء:
                        قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ [الأنبياء: 69]،
                        فيا أيها الداعية اثبت على الحق، وأبشر بالتأييد الإلهي:
                        وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء: 70].

                        17.الأنبياء وورثتهم من العلماء ليسوا على درجة واحدة في الفهم:
                        فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] وفي هذه الآية منهج في مقام التفضيل الذي ينبغي أن تراعى فيه العبارات التي لا تدل على النقص في الطرف الثاني: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ثم قال: وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا.

                        18.أعلى مقامات البث والشكوى البث والشكوى لمن يغيث اللهفات، ويفرّج الكربات:
                        وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء: 83]،
                        فجمع أيوب بين الدعاء بالحال، والتضرع بأسماء الله وصفاته،
                        وفيه: مراعاة اختيار الاسم الأنسب للحال التي عليها الإنسان.





                        19.وصف الله الأنبياء الكرام بعدة صفات، فقال:
                        وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 73]،
                        إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء: 75]،
                        كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ [الأنبياء: 85]،
                        إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ [الأنبياء: 86]،
                        لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87] ،
                        إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90]
                        والسؤال: ما نصيبنا من التحلي بهذه الصفات التي مدح بها خاصة أوليائه؟

                        20.دعوة ذي النوي ، ليست خاصة به، كما دلّ على ذلك صريح القرآن والسنة:
                        فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء: 88]
                        فأين المكروبون عن هذه الدعوة العظيمة، التي جمعت ثناء على الله، وتضرعاً، واعترافاً بالذنب والتقصير؟

                        21.فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ [الأنبياء: 90] قال الأئمة:
                        ينبغي للإنسان أن يجتهد في الدعاء بأن يصلح الله له زوجه، فإن ذلك من أعظم أسباب الإعانة على الخير.

                        22.إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [الأنبياء: 90]
                        لم يكن الأنبياء يفعلون الخير فحسب، بل كانوا يسارعون في ذلك، وهكذا هم العظماء أهل مبادرة إلى كل خير.


                        23.من كمال العبودية أن ترى الإنسان ملازماً للدعاء في جميع أحواله:
                        وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا [الأنبياء: 90].






                        24.من سنن الله القدرية:
                        وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ [الأنبياء: 95]
                        أي: يمتنع قَدَرَاً إذا أهلكت قرية من القرى أن تعود مرةً أخرى.

                        25.لو كنتَ تسكن في أرقى الفنادق العالمية، ولكن ثمة صوت ينغّص عليك جمال مسكنك، فإنك بلا ريب لن تتهنأ بذلك المنزل، ولهذا كانت المنة من الله على أهل الجنة أنهم لا يتأذون بأي صوت من أًصوات أهل النار:
                        لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ [الأنبياء: 102].

                        26.هذا وعدٌ إلهي لا يتخلف:
                        وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105]
                        المهم ألا تتخلف أنت عن ركب الصالحين.

                        27.قارن هذا القيد: إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ [الأنبياء: 106]
                        مع ما تقدم في وصف بعض رسله:
                        وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 73].

                        28.وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] فهو رحمة ليس للإنس فقط، ولا للجن فقط، بل حتى للحيوانات، بل والجمادات، فصلوات الله وسلامه عليه.

                        29. ليس من منهجي في هذه الوقفات أن أنقل أي نص، لأني أكتب مباشرةً، إلا في هذا الموضع فإنني محتاج إلى نقل نص نفيس يذكره ابن تيمية في بيان موضوع سورة الحج، قال عنها ابن تيمية ـ ـ كلاماً عجيباً، وهذا نصّه:
                        "سورة الحج فيها مكي ومدني، وليلي ونهاري، وسفري وحضري، وشتائي وصيفي؛ وتضمنت منازل المسير إلى الله، بحيث لا يكون منزلة ولا قاطع يقطع عنها. ويوجد فيها ذكر القلوب الأربعة: الأعمى والمريض والقاسي والمخبت الحي المطمئن إلى الله. وفيها من التوحيد والحكم والمواعظ على اختصارها ما هو بين لمن تدبره وفيها ذكر الواجبات والمستحبات كلها توحيدا وصلاة وزكاة وحجا وصياما قد تضمن ذلك كله قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون.


                        يتبع

                        تعليق


                        • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

                          وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء السابع عشر من القرآن الكريم (2)



                          30.افتتاح سورة الحج بهذا المطلع: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ [الحج: 1] يشير – والله أعلم – إلى أن ثمة تشابهاً بين أحوال الناس في الحج مع مواقفهم يوم القيامة وأن المنجي من أهوال ذلك اليوم هو التقوى التي أمر الله بها، وهي التي أمر الله بالتزود بها في قوله:
                          وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة: 197].

                          31.أقوى علاقة عاطفية في الدنيا هي علاقة الأم بولدها، فكيف بها في حال الإرضاع؟
                          ومع هذا فقد بلغ من هول ذلك اليوم أن تذهل عن الرضيع الذي بين يديها:
                          يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج: 2].

                          32.المعروف في لغة العرب أن الوصف المختص بالأنثى لا تلحقه تاء التأنيث، كالحامل والمرضع ونحوهما، فما بالها لحقت (المرضع) هنا؟ قال بعض أهل العلم: إنها إذا لحقت التاء فهو يعني أنها مشتغلة بالإرضاع.

                          33.المجادلة بغير علمٍ، ولا هدى، هي طريق مشرعة لاتباع الشياطين:
                          وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ [الحج: 3].


                          34.أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [الحج: 18]
                          تكررت (كثير) فهل هذا تناقض؟
                          معاذ الله!
                          فإن (كثير) لا تفيد الأكثر، بل تفيد أن العدد كثير ، كما قلتُ : سكان دولة كذا 10.000.000 عشرة ملايين، وسكان دولة كذا 50.000.000 مليون، فالأولى كثيرة، ولكنها ليست أكثر بالنسبة للدولة الثانية.


                          35.قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ [الحج: 19] يا الله! ثياب من نار مفصّلةٌ عليهم ليستوعبه العذاب، وليس هذا فحسب، بل: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ فهذا العذاب الذي يصب من فوق رؤسهم، فيتسرب أثره إلى الداخل؛ لينصهر ما في بطنه وجلده!! رحماك ربنا، وهذا غير ما جاء في آية سورة محمد: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ [محمد: 15]، فهذا سقيٌ آخر، وليس هذا فحسب، بل: وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج: 19 - 22] قال الفضيل ـ ـ: إذا رفع لهب النار إلى أعلى النار، وطمعوا في الخروج ضربوا بمقامع من حديد، فيعودون إلى أسفل سافلين!

                          36.وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ [الحج: 24]
                          هذه من صفات أهل الجنة، فاللهم اجعلنا ممن هدوا إلى طيب القول في الدنيا، فسمِعَ طيب القول عند الموت والآخرة.

                          37.لعظمة الحرم عند الله، فإن مجرد الهم بالإلحاد فيه موجب لعقوبة الله العظيمة: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ [الحج: 25].


                          38.لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [الحج: 28]
                          لم يحددها الله تعالى؛ لكثرتها وتنوعها ديناً ودنيا.

                          39.تربية القرآن للحُجّاج على حسن العلاقات الاجتماعية:
                          فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [الحج: 28].

                          40.ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ [الحج: 29]
                          فيها إشارة إلى أن التنعم الزائد والترف الظاهر ليس من شأن الحاج.




                          41.من أعظم علامات أهل الإيمان:
                          وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج: 30]، وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32] وتعظيم الحرمات والشعائر ليس خاصاً بالحج فقط، بل هو عام لكل أوامر الله وحرماته.

                          42.لكل أمة مناسك خاصة في الحج، وقد تشترك في بعض الأصول: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا [الحج: 34]، وقال في الآية التي في آخر السورة: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج: 67].





                          43.إذا سألك أحدٌ عن حقيقة الإخبات، فلا تكلف نفسك تعريفاً علمياً، بل اقرا هذه الآية: وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [الحج: 34، 35]، وسيأتي ذكر للإخبات بعد قليل، والإخبات حاضر في هذه السورة، والظاهر – والله أعلم – لما للعبادة الصحيحة من أثر في كسر القلب، وتعليقه بالله.



                          44.هذه هي الغاية من المناسك – ومنها الأضاحي -: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج: 37].

                          45.شروط النصر على الأعداء ، والتمكين في الأرض أربعة، جمعها الله في هذه الآية: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج: 40، 41] فدقق في واقع المسلمين تجد جواباً شافياً عن سبب تخلف المسلمين، وتسلط الأعداء عليهم.

                          46.من أمثال القرآن: فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].



                          47.كيف ييأيس مؤمن فضلاً عن خاصة المؤمنين من الدعاة، وهم يقرأون قوله تعالى:
                          وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ [الحج: 47].

                          48.هذه أربع ثمرات من ثمار تدبر القرآن، والعيش معه: وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الحج: 54].

                          49.سنة من سنن الله الكونية: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج: 60]،
                          وقد استخدمها ابن تيمية في أيام قتال التتار، وكان يقسم بالله بأن الله ناصر أهل الإسلام ويردد هذه الآية .. رحم الله ابن تيمية، فلقد كان القرآن حاضراً معه في الرخاء، وأنّى له أن يحضر معه لولا أنه عاش معه في الرخاء.

                          50.هذا الموضع الوحيد في القرآن الذي تتابعت فيه سبع آيات كلها تختم باسمين من أسماء الله الحسنى: لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (61) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحج: 59 - 65].

                          51.ما أعظم الفرق بين الفريقين:
                          وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ [الحج: 72]
                          وأما أهل الله فقد قال فيهم: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين: 24].




                          52.يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73]
                          هل أنت إذا قرأت هذا المثل تمتثل أمر الله في الاستماع الذي تفهم معه هذا المثل؟
                          فإن ربك يقول: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت: 43]،
                          ويقول: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21].

                          53.النبوة محض اصطفاء، ولا ينفع معها جد ولا اجتهاد: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحج: 75] ولا أنسى ههنا كلمةً لابن الجوزي ـ ـ حين قال معبراً عن علوّ همته: والله لو أن النبوة تدرك بالجد والاجتهاد، لاجتهدتُ لنيلها!
                          وأقول: لنجتهد في السير والتاسي بالطريقة النبوية.

                          54.هذا هو أشرف اسم لنا:
                          هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ [الحج: 78]
                          فلماذا يصر البعض على الانتساب للجماعة الفلانية؟
                          والحزب الفلاني؟ ألا يكفي أن نكون مسلمين وكفى؟
                          والله أعلم وأحكم


                          ملتقى اهل التفسير



                          تعليق


                          • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

                            وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء الثامن عشر من القرآن الكريم



                            سورة المؤمنون

                            .بهذه الآيات: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 5 - 7] استدل من استدل من الأئمة على تحريم فعل ما يسمّى بـ(العادة السرية).


                            .لاحظ الربط بين الترف والكفر: وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [المؤمنون: 33]، وقال بعد ذلك بآيات: حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ [المؤمنون: 64] وما ذكر الترف في القرآن إلا مذموماً.

                            .من سنن الله في الرسالات والأمم: كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44].





                            .العمل الصالح من أهم أركانالشكر، والاقتصار على القول قصور ونقص:
                            يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51].


                            .حتى الكفار مخاطبون بتدبر القرآن: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ [المؤمنون: 68] فالتدبر – لمن صدق – أكبر مفتاح للهداية.

                            .في قول الكفار: أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ [المؤمنون: 69]
                            دليل على أن استنكار الناس لمن يأتي بدعوة وهم لا يعرفونه أمرٌ فطري.


                            .الله أكبر! ما أعظم أثر الهوى، حيث لم يُبْقِ للصلاح موضعاً: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ [المؤمنون: 71] فتأمل هذا العموم العجيب: السماوات، والأرض ، ومن في السماوات والأرض!
                            و
                            لهذا لم يأت ذكر الهوى في القرآن إلا مذموماً.


                            .في هذه الآية نفى الله تعالى الأنساب: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون: 101] وفي آية عبس، أثبت النسب فقال: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ [عبس: 34 - 36] والجواب عن ذلك أن الأنساب حين نفيت فالمراد نفي تأثيرها، والمثبتة لبيان حقيقة القرابة لا التأثير.



                            سورة النور

                            .افتتاح السورة بهذه الآية: سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور: 1] مدهشٌ ولافتٌ للنظر، فماذا يعني (أنزلناها وفرضنا) وفي قراءة سبعية: (فرّضناها)؟
                            ثم أعاد الفعل مرة أخرى مبيناً صفة هذه الآيات المنزلة: (وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) لماذا يا ربي؟
                            (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فكيف يعي حقيقتها، ويتلذذ بخطابها من لم يتدبرها؟

                            .يكثر في آيات الأحكام الربط بين فعلها وتنفيذها، وبين الإيمان بالله واليوم الآخر: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النور: 2] والسبب ظاهر، لأنه لا يقدر ولا يطيق الصبر على ذلك إلا من تحقق فيه الإيمان بالله واليوم الآخر، وهو درسٌ عظيم للدعاة والمفتين في ربط الأمة بهذين الأصلين العظيمين.

                            .قد يستشكل بعض الناس هذه الشدة التي أمر الله بها في قوله : الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ [النور: 2] والجواب عن ذلك: أن هذا هو عين الرحمة بعموم المجتمع، فإن التساهل في تطبيق الحدود، يعني فساد المجتمع، فلا يرتدع مجرم، ولا يرعوي مفسد، والعضو الفاسد يُصْلَح، أو يقطع، حتى لا تسري العدوى لبقية الجسم.

                            . هنا إشكال في قوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور: 3] فالزاني مسلمٌ في الأصل، فكيف جاز له نكاح المشركة؟ في هذا بحث لطيف ذكره الشنقيطي في أضواء البيان.

                            .وهذا أحد حصون العفة في هذه السورة، وحماية المجتمع من العبث بالأعراض: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا [النور: 4، 5].

                            .في هذه الآية: لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13] دليل على أن التعريف الدقيق للكذب هو أن يقال: ما خالف الواقع قدرَاً أو شرعاً، وذلك أنه لو جاء ثلاثة فشهدوا بالزنا على رجلٍ، ولم يأتوا برابع فهم عند الله وفي شريعته كاذبون، ولو قالوا: رأينا ذاك منه في ذاك منها.


                            .ليكن شعاراً مع من بيننا وبينهم خصومة أو خلاف في هذه الأيام المباركة، وفي كل حين: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ [النور: 22] أن نقول كما قال الصديق الأكبر: بلى والله، بلى والله.


                            .هذا المثل: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور: 35]
                            من أعظم أمثلة القرآن، وهو خليق بالتدبر والتأمل لأمور، منها:
                            ـ لصلته الوثيقة ببيان أثر القرآن على القلب.
                            ـ لكونه ورد بعد آيات
                            غض البصر، وهي تشير – كما قال بعض الأئمة – إلى أن من غضّ بصره، أورثه الله نوراً في قلبه، يعقل به عن الله معاني كلامه، وكلام رسوله ، ويبصر به الشبهات.


                            .إذا غابت الآخرة عن أهل التجارة ضاعت صلاتهم، وفرّطوا في زكاتهم، تأمل الإشارة إلى ذلك في قوله تعالى: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور: 37].


                            .قف قليلاً، وتأمل هذه القدرة الإلهية: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور: 45] إن هذا التأمل، من مفاتيح زيادة الإيمان.

                            .تأمل هذه الآيات، وانظر كم تنطبق على المنافقين في كلِّ زمان ومكان: وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [النور: 47 - 50].

                            .شروط الفوز: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ [النور: 52].

                            .شروط الاستخلاف في الأرض: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور: 55].

                            .سلوة لأهل الإسلام، وللمضطهدين خصوصاً: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ [النور: 57].

                            .التفصيل الدقيق في أوقات الاستئذان أدبٌ قرآني عظيم يكشف عن سورٍ عظيم من أسوار العفة التي بنتها هذه السورة، ولما أهمله بعض الناس مع أطفالهم؛ حصل من ذلك شرٌّ كثير: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ [النور: 58].

                            .وبمثل آيات الاستئذان، وما وقع فيها من تفاصيل دقيقة كان أئمة السلف يردون على أهل البدع فيقولون: كيف يأتي مثل هذا التفصيل في هذه المسائل، وتترك مسائل الأسماء والصفات والقَدَر وغيرها من المسائل الكبار دون بيان؟ هذا محال.
                            . وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ [النور: 60] الإذن للقواعد بوضع الثياب غير متبرجات بزينة، يوضح لك أن الشابات لا يجوز لهن وضع ثياب الزينة التي تنادي عليهن! لا أدري حقيقة كيف تقرأ أخواتنا - اللاتي يلبسن العباءات المزركشة – هذه الآية؟، ودلّت الآية على أن الإذن بوضع ثيابهن يجيز النظر إليهن، ما لم يكن ذلك بشهوة.

                            .لم يذكر الأبناء في هذه الآية: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا [النور: 61] فكأن فيها إشارة إلى ذلك الحديث الذي اشتهر عند العلماء وهو " أنت ومالك لآبيك" وهو في سنن ابن ماجه عن جابر س.

                            .من محبة الله للسلام أن شرعه وإن لم يكن في البيت أحد: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61].

                            .من أدب القرآن في تربية الجماعة المسلمة إذا كانت في جهاد أو غيره من التجمعات المشروعة: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (62) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا [النور: 62، 63]


                            ملتقى اهل التفسير


                            تعليق


                            • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد







                              تأملات قرآنية 61




                              لماذا في موضوع الهدى قال الله عز وجل :﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ ﴾
                              وفي موضوع الضلالة قال الله عز وجل :﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ ﴾
                              ليتضح الفرق بين التعبيرين لا بد من طرح المثل .
                              لو أن معلماً مخلصاً بذل جهداً كبيراً في إعداد الدروس، وفي توضيح الحقائق، وفي ضبط التلاميذ، وفي متابعة وظائفهم،، ويجلس مع كل طالب ليوضح له ألاخطأ، فإذا مضى عام والمدرس يفعل هذه الجهود الجبارة من أجل أن يرقى بتلاميذه إلى المستوى المطلوب فالفضل عائد لمن ؟ لهذا المدرس،
                              لكن الطالب الذي لم يداوم أيكون المدرس قد حرمه ؟ لا والله، قوانين التربية والتعليم طبيعة والتعلم تقتضي أن يبقى هذا الطالب جاهلاً، لأنه لم يداوم، فالضلال حق عليه، فحقت عليه الجهالة، وحقت عليه الضلالة، يجب أن يرسب، لا لأن المعلم حرمه من النجاح، لا، الذي داوم استفاد فائدة ما بعدها فائدة من المعلم، والذي أبى أن يداوم، أبى أن يلتحق بهذه المدرسة، حقت عليه الضلالة، وهذا شيء طبيعي .
                              إن اهتديت إلى الله عز وجل فالفضل عائد إليه، وإن ضل الإنسان فقد استحق الضلالة،
                              راتب النابلسى




                              أنت لست قاضياً، أنت مهندس، مدرس، بائع، لكنك شئت أم أبيت تعد قاضياً في آلاف الحالات وأنت لا تشعر، أنت قاضٍ بين أولادك، أنت قاضٍ بين أصهارك، أنت قاضٍ بين زوجتك وبين نفسك، أنت قاضٍ بين زوجة ابنك وابنتك، هل تحكم بالعدل بينهما؟
                              أنت قاضٍ في عملك، هل تنصف الموظفين؟ أم الذي يحابيك تعطيه ما لا يستحق، وأما الذي يحترمك من دون أن يخضع لك، ويتملق لك تسحقه، شئت أم أبيت، تقف في اليوم الواحد عشرات المرات موقف القاضي، لذلك المؤمن يحكم بالعدل. قال النعمان بن البشير:
                              ((اشهد يا رسول الله أن نحلت ابني حديقة، قال عليه الصلاة والسلام: ألك ولد غيره؟ قال: نعم، قال: أنحلتهم كما نحلت ابنك هذا؟ قال: لا، قال: اشهد غيري، فإني لا أشهد على جور))
                              [متفق عليه عن النعمان بن البشير ]
                              أنت مكلف بالعدل بين أولادك، بين بناتك، بين أصهارك، بين جيرانك، بين زملائك، بين أصدقائك.

                              راتب النابلسى



                              وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون*ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون}[الروم:33,34]إن الإنسان ليخاف من تهديد حاكم أو رئيس فكيف وهذا التهديد من فاطر هذا الكون الهائل، الذي أنشأه كله!.
                              راتب النابلسى









                              «لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ»
                              لا تشغل وقتك بما تشاء هنا بل اشغله بأن تكون مرضياً عند ربك، وهناك لك ما تشاء
                              (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)


                              ما الفرق بين : ( فأردت / فاردنا / فأراد ربك ) في قصة الخضر بسورة الكهف ؟
                              هذا من حسن أدب الخضر مع الله تعالى ،
                              أما فى الأولى فإنه لما كان خرق السفينة عيباً نسبه إلى نفسه فقال (فأردت )
                              وأما الثاني فلما كان يتضمن الذنب ظاهرا وهو قتل الغلام ويتضمن سلامة الأبوين من الكفر باطنا فقال (فاردنا)
                              وأما الثالث فكان خيرا خالصا محضا ليس فيه ما ينكر شرعا ولا عقلا فنسبه إل ى الله تعالى وحده فقال (فأراد ربك )....وسبحان من هذا كلامه

                              بقلم د.محمد داود

                              لا تدع للسلبيّة مكانا في حياتك ،،
                              حتى أمورك التي لم تكتمل ، هي بيد الله ،،ضاعت فُرصة ؟؟
                              أيامك القادمة ستنبع منها الفُرص ،،
                              تأمل بالأشياء الرائعة في حياتك ،،
                              و تأكد أنك تؤجر بحُسن ظنّك بربّك ،،
                              فَالله لا يُخيب عبدًا استبشَر و أحسَن بهِ الظنون (( أنا عند ظن عبدي بي)

                              ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ) أخرجه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
                              وقد ذم الله في كتابه طائفة من الناس أساءت الظن به سبحانه ، وجعل سوء ظنهم من أبرز علامات نفاقهم وسوء طويتهم
                              { الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء } (الفتح: 6) .
                              ( ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة ) رواه الترمذي ، وهكذا يظل العبد متعلقا بجميل الظن بربه ، وحسن الرجاء فيما عنده ، كما قال الأول :
                              وإني لأدعو الله حتى كأنني أرى بجميل الظن ما الله صانع




                              (هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ )
                              لا يغرك علو مرتبتك ورفعة درجتك في الدنيا !!
                              هي لا شيء إن لم ترتفع درجتك عندالله بحسن العمل له ، وحسن التعامل مع خلقه .

                              قال تعالى : {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين}
                              فللعبدِ من العلوِّ بحسب ما معه من الإيمان .
                              إغاثة اللهفان [٩١٢/٢]"



                              وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ[النحل:126]

                              من صبرَ على اذى الناس فاللهُ ناصرُه ولابُدَّ، فاللهُ وكيلُ من صَبر، وأحالَ ظالمَه على الله، ومن انتصَر لنفسِه وكلَهُ اللهُ إلى نفسِه، فكان هو الناصر لها.
                              فأينَ مَن ناصرُه اللهُ خيرُ الناصرين إلى مَن ناصِرُه نفسُه أعجز الناصرين وأضعفُه؟

                              ابن تيمية

                              في سنن ابن ماجه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَهُوَ يَقْدِر عَلَى أَنْ يَنْتَصِرْ دَعَاهُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رُؤوسِ الْخَلاَئِقِ حَتّى يُخْيّرَهُ فِي حُورِ الْعِينِ أَيَتُهنَّ شَاءَ. وحسنه الألباني.






                              تعليق


                              • رد: سلسلة : تأملات ووقفات قرآنية .. متجدد

                                وقفات قرآنية مع د.عمر المقبل الجزء التاسع عشر من القرآن الكريم (1)






                                1.وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان: 23] هذه اللحظة، هي من أخشى ما يخشاه الصالحون، أن يكون دخل أعمالهم شيء من الرياء!
                                فاللهم إنا نعوذ بك أن نشرك بك شيئاً ونحن نعلم، ونستغفرك لما لا نعلم.

                                2.قد يذكر أفعل التفضيل وإن كان الطرف الآخر لا نسبة فيه من الطرف الأول:
                                أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [الفرقان: 24]
                                فقال: خير ، مع أن أهل النار لا خير فيهم أبداً.



                                3.هذه عاقبة أصدقاء السوء، وأعظم جرائمهم صدهم عن الوحي والانتفاع به، ولا تسل بعد ذلك عن مساحة الشر التي يتركها البعد عن الوحي، تأمل كيف شبه القرآن الألم الذي يعيشه هذا الضال:
                                وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ مع أن العادة أن الفم لا يتسع لليدين كلتيهما، لكنه التشبيه لبيان عظم الندم، وأمور الآخرة لا تقاس بالدنيا: يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا [الفرقان: 27 - 29].

                                4.دخل في هذا التوجع النبوي:
                                وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [الفرقان: 30]
                                كل من هجر القرآن بأي نوع من الهجر:
                                سواء بتلاوته، أم بتدبره، أم بالعمل به، أم بتحكيمه والتحاكم إليه، والناس في هذا الباب بينهم من الفروق كما بين السماء والأرض.

                                5.معاداة الأنبياء من ضروب الإجرام: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ [الفرقان: 31].

                                6.قوام الدين بكتاب يهدي، وسيف ينصر – كما قال ابن تيمية – : وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا [الفرقان: 31].

                                7.من حكم تنزل القرآن مفرّقاً:
                                وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: 32] فانظر إلى أثر قراءتك للقرآن في تحقيق هاتين الغايتين.

                                8.لا يمكن أن يأتي أحدٌ بشبهة إلا وفي القرآن جوابها:
                                وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا [الفرقان: 33] ولكن الناس يتفاوتون في انتزاع الإجابات على هذه الشبه من القرآن الكريم، ومن عجائب ما يذكر في هذا الباب أن شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: ما من مبتدع يستدل لبدعته بالقرآن أو السنة إلا وفي ذات الدليل الذي استدل به ما ينقض بدعته!
                                ولكن مت يقدر على هذا إلا الراسخون في العلم، بلّغني الله وإياك هذه المنزلة.

                                9.وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا (41) إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا [الفرقان: 41، 42]
                                كم تتكرر هذه المعاني لكن بعبارات متفاوتة فيما يطعن به المنافقون، الملاحدة على أهل الدين!
                                وأن الدين والمتدينين هم سبب التخلف والرقي! ولا أدري ماذا صنع بنا إلحادهم ونفاقهم هل تقدمنا به دنيوياً؟
                                ولكن سيتبين الأمر هناك: وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 42].

                                10.إذا عطّل الكافر سمعه وعقله عن فهم الوحي وإدراكه، فإنه أحط منزلة من الحيوان، ولو حمل أعلى الشهادات:
                                أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان: 44].

                                11.املأ قلبك من عظمة الله وأنت تتأمل في هذه الآيات الباهرة التي تدل على قدرته العظيمة:
                                أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا (46) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا (47) وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان: 45 - 48] من يقدر على ذلك إلا الله تعالى؟


                                12.لم يسمّ الله الجهاد كبيراً إلا في هذا الموضع: وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا [الفرقان: 52]
                                وهو برهان ساطع على أن الجهاد الدعوي بالقرآن والسنة، هو الأصل، وأن القتال إنما شرع لمصلحة معينة ويتوقف بتوقف موجبه، أما الجهاد بالقرآن فلا يتوقف أبداً، فيه يجاهد الكفار والمنافقون أجمعون.



                                13.سبحان من هذه قدرته!
                                وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ
                                وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا [الفرقان: 53] ولقد تواتر من أخبار الناس أن هذا الحاجز بين الماء العذب والماء المالح يمكن إدراكه من مسافة قريبة، وقد نقل الشنقيطي عند تفسير هذه الآية خبر من وقع له ذلك في نهر السنغال، وكذا سمعتُ الشيخ الزنداني يذكر ذلك، بل ورأيت الصور التي التقطت للتفريق بين المائين، حتى إن الأسماك التي في العذب إذا وصلت إلى هذا الحاجز رجعت أدراجها لأنها لا تستطيع أن تعيش في المالح، والعكس كذلك في أسماك الماء المالح، فسبحان من هذه قدرته وخلقه.

                                14.الناس الذين لك بهم علاقة اجتماعية لا يخرجون عن هذين القسمين: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا [الفرقان: 54] والنسب يدخل فيه كل من جمعك به بطن من قريب أو بعيد، والصهر هو الذي ارتبطت به من جهة المصاهرة الزوجية، وبه نعلم أن قول العامة عندنا عن الصهر: هذا نسيبي خطأ من جهة اللغة، والصواب أن يقال: صهري.

                                15.هذه من أسباب قوة توكل العبد على ربه: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ [الفرقان: 58] وكل ما سواه فيموت، وتقدست أسماؤه.

                                16.من أعظم علامات الخذلان أن ترى الإنسان يدعى للحق فيصر مستكبراً: أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا [الفرقان: 60].

                                17.هاتنا حكمتان من تقليب الليل والنهار، فانظر إلى أثرهما فيك: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا [الفرقان: 62].

                                18.ذكر الله في خاتمة هذه السورة صفات عباد الرحمن، ليس لمجرد معرفتها بل للتأسي بها، فمن أراد أن يكون من خُلّص العباد، فليتدبرها، وليطبق ما استطاع منها، وقد كتب فيها بحوث مستقلة، وهي تستحق أن تفرد بمجلس مستقل، ولكن سأشير بعض الإشارات.

                                19.تلحظ أن الله تعالى جمع في هذه الصفات بين أعلى المطالب – وهو التوحيد – وبين السمت الحسن – كما في أول آية – ليعلم المؤمن أن الدين – الذي هو صبغة الله – لا بد أن تظهر آثاره على حياة العبد كلها، لا فرق بين أعلى شعبة أو أدنى شعبة من شعب الإيمان.

                                20.من الأسئلة التي يثيرها تدبر هذه الآيات: كيف بدأت صفات عباد الرحمن بمسألة المشي، والإعراض عن الجاهلين؟
                                وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63]
                                ولماذا بدأ بالمشي قبل الإعراض؟
                                فيقال – والعلم عند الله - : إن في هذا إشارة إلى أن المتصفين بهذه الصفات تُرى آثار الإيمان والعبودية عليهم من بعيد، فيعرفهم الإنسان بمجرد أن يراهم، ولا يحتاج إلى تكلف في تمييزهم،
                                أما لماذا بدأ بالمشي قبل الإعراض، فلعل السبب – والله أعلم – أن المشي يُرى من بعيد بحاسة البصر، وهي أبعد من مسافة السمع المتعلق بسماع كلمات الجاهلين، فبدأ بالأبعد ثم الأقرب.

                                21.ما أجمل هذا التعبير: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [الفرقان: 65]
                                فشبّه لزوم عذابها بلزوم الغريم لغريمه حتى يقضي دينه، فاللهم أجرنا من النار.

                                22.وهم في باب النفقة متوسطون: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67] لا يحملهم الغنى على الإسراف، ولا تحملهم قلة ذات اليد على التقتير.

                                23. وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ [الفرقان: 68]
                                جمعت هذه الآية ثلاثا من أكبر الجرائم التي تُنْتهك بها ثلاثةٌ من خمسة مقاصد جاءت جميع الشرائع بحفظها:
                                الدين وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
                                والنفس: وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
                                والعرض أو النسل: وَلَا يَزْنُونَ.

                                24.أي كرم هذا الذي يقلب الإساءة إحساناً؟
                                إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ [الفرقان: 70]
                                ولله المثل الأعلى، فإن أعظم الناس هو من يعفو ويصفح عن الخطأ في حقه،
                                أما أن يقلبه إلى إحسان فهذا ما لا يليق إلا بالكرم الإلهي.

                                25.وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان: 72]
                                هذه هي صفتهم حين يمرون بمجالس اللغو واللغط، وهي تتفق مع الآية المذكورة في أول صفاتهم: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63] من جهة إعراضهم عن الجهل والجاهلين سواءٌ ابتلوا به سماعاً، أو مروّا به عرضاً، والخلاصة: أنه ليس ثمة موضع للغو والجهل في حياة عباد الرحمن.

                                26.وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [الفرقان: 64] ليست البيوتة هي النوم، بل هي الدخول في الليل، سواء نام الإنسان أم لا، فقد أثنى الله على هؤلاء الأخيار بأن وقتهم في الليل يمضي بهذه المثابة، فيا ترى بأي شيء تمضي ليالينا في رمضان فضلاً عن غيره؟!



                                27. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]
                                هذا من علوّ الهمة في الدعاء، فهم لم يرضوا أن يكونوا منالمتقين فحسب، بل من أئمة المتقين.

                                28.الخوف الطبعي مما لا يؤاخذ به الداعية، فهذا موسى يعلن خوفه مرتين في سياق واحد: قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (12) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [الشعراء: 12 - 14] وفيها: أن من الخوف الإيجابي ما يدفع للعمل على البحث عن وسيلة إبلاغ الدعوة: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ.

                                29.لم يفتخر موسى يوماً بقتله للكافر المعصوم، فهو هنا يقول: قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [الشعراء: 20]
                                وقال في القصص: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي [القصص: 15، 16]
                                فوا أسفى على من غاب عنه هذا الأصل، فشّوه صورة الإسلام والمسلمين بأفعاله المشينة.

                                30.هذه إجابات فرعون وأمثاله من الطغاة: قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (27) قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (28) قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ [الشعراء: 27 - 29] لا يقابلون الحجة بمثلها، بل يتهمون العقل، ويهددون بالسجن.

                                يتبع


                                ملتقى اهل التفسير

                                تعليق

                                يعمل...
                                X