إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة آفات العلم <<الكبر و العجب>>

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة آفات العلم <<الكبر و العجب>>






    الكبر و العجب











    إعزاز العلم و صيانته لا يعني الكبر بسببه، ولا العجب به.
    الكبر و العجب خلقان مذمومان، يترفع عنهما آحاد المؤمنين فكيف بأهل العلم منهم؟! و قد ذم الله تعالى الكبر في مواضع كثيرة من كتابه الكريم، فقال تعالى:"
    سَأَصْرِ*فُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُ*ونَ فِي الْأَرْ*ضِ بِغَيْرِ* الْحَقِّ وَإِن يَرَ*وْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَ*وْا سَبِيلَ الرُّ*شْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَ*وْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴿١٤٦ " الأعراف146.
    و قال تعالى مخاطبا إبليس-لعنه الله-:"
    قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ* فِيهَا فَاخْرُ*جْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِ*ينَ ﴿١٣ " الأعراف13.
    و قال تعالى:"
    إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُ*وا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّىٰ يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِ*مِينَ ﴿٤٠ " الأعراف40.
    و قال تعالى:"
    كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ* جَبَّارٍ* ﴿٣٥ " غافر35.
    و الآيات في ذم الكبر و العجب كثيرة كثيرة، و أحاديث النبي صلى الله عليه و سلم في هذا المعنى كثيرة أيضا و ضافية:
    عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"
    لا يدخلُ الجنَّةَ مَن كان في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كِبرٍ . قال رجلٌ : إنَّ الرَّجلَ يحبُّ أن يكونَ ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنةً . قال : إنَّ اللهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ . الكِبرُ بَطرُ الحقِّ وغمطُ النَّاسِ " صحيح مسلم91.
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال:"
    بيْنما رجلٌ يمشِي في حُلَّةٍ تُعجِبُهُ نفسُهُ ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ ، إذْ خسَفَ اللهُ بهِ الأرْضَ ، فهو يتجلْجَلُ فيها إلى يومِ القيامَةِ " صحيح الجامع2875.

    الكبر ظاهر و باطن:

    < إعلم أن الكبر ينقسم إلى ظاهر و باطن، فالباطن هو خلق في النفس، و الظاهر هو أعمال تصدر عن الجوارح، و اسم الكبر بالخلق الباطن أحق، أما الأعمال فإنها ثمرات لذلك الخلق.
    و خلق الكبر موجب للأعمال، و لذلك إذا ظهر على الجوارح يقال: تكبّر، و إذا لم يظهر يقال: في نفسه كبر.
    و لا يتصور أن يكون متكبرا إلا أن يكون مع غيره، و هو يرى نفسه فوق ذلك الغير في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبرا، و لا يكفي أن يستعظم نفسه ليكون متكبرا، فإنه قد يستعظم نفسه، و لكنه يرى غيره أعظم منه، أو مثل نفسه فلا يتكبر عليه.
    ثم هذه العزة تقتضي أعمالا في الظاهر و الباطن هي ثمرات، و يسمى ذلك تكبرا.
    فهو إن حاج أو ناظر أنف أن يرد عليه، و إن وعظ استنكف من القبول، و إن وعظ عنف في النصح، و إن رد عليه شيء من قوله غضب، و إن علّم لم يرفق بالمتعلمين و استذلهم و انتهرهم و امتن عليهم و استخدمهم، و ينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير، استجهالا لهم و احتقارا، و الأعمال الصادرة عن خلق الكبر كثيرة، و هي أكثر من أن تحصى فلا حاجة إلى تعدادها فإنها مشهورة.
    فهذا هو الكبر، و آفته عظيمة، و غائلته هائلة، و فيه يهلك الخواص من الخلق، و كيف لا تعظم آفته و قد قال صلى الله عليه و سلم:"
    لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر " رواه مسلم.

    الفرق بين الكبر و المهابة:

    قد يلتبس الكبر بغيره مما ليس كبرا بل هو مشروع، و هناك فرق دقيق بين المهابة التي هي أثر من آثار الطاعة و القرب، والكبر الذي هو من أخص صفات إبليس لعنه الله.

    قال ابن القيم رحمه الله:" الفرق بين المهابة و الكبر: أن المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله و محبته و إجلاله، فإذا امتلأ القلب بذلك حل فيه النور، و نزلت عليه السكينة، و ألبس رداء الهيبة، فاكتسى وجهه الحلاوة و المهابة، فأخذ بمجامع القلوب محبة و مهابة، فحنت إليه الأفئدة و قرت به العيون و أنست به القلوب، فكلامه نور و مدخله نور و مخرجه نور و عمله نور، و إن سكت علاه الوقار، و إن تكلم أخذ بالقلوب و الأسماع.
    و أما الكبر، فأثر من آثار العجب و البغي في قلب قد امتلأ بالجهل و الظلم، ترحلت منه العبودية، و نزل عليه المقت، فنظره إلى الناس شزر، و مشيه بينهم تبختر، و معاملته لهم معاملة الإستئثار لا الإيثار و لا الإنصاف، ذاهب بنفسه تيها، لا يبدأ من لقيه بالسلام، و إن رد عليه، رأى أنه قد بالغ في الإنعام عليه، لا ينطلق لهم وجهه، و لا يسعهم خلقه، و لا يرى لأحد عليه حقا، و يرى حقوقه على الناس، و لا يرى فضلهم عليه، و يرى فضله عليهم، و لا يزداد من الله إلا بعدا و من الناس إلا صغارا و بغضا "
    (الروح) لإبن القيم ص316.

    درجات العباد و العلماء في الكبر:

    ثم إن العبّاد و العلماء ليسوا في الكبر سواء، بل هم فيه على درجات.
    قال ابن قدامة رحمه الله:" إعلم أنّ العلماء و العباد في آفة الكبر على ثلاث درجات:

    الأولى: أن يكون الكبر مستقرا في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيرا من غيره، إلا أنه يجتهد و يتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكبر مغروسة، إلا أنه قد قطع أغصانها.
    الثانية: أن يظهر لك بأفعاله، من الترفع في المجالس، و التقدم على الأقران، و الإنكار على من يقصر في حقه، فترى العالم يصعر خده للناس، كأنه معرض عنهم، و العابد يعيش كأنه مستقذر لهم، و هذان قد جهلا ما أدب الله به نبيه صلى الله عليه و سلم حين قال:" و اخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين " الشعراء215.
    الثالثة: أن يظهر الكبر بلسانه، كالدعاوى و المفاخرة، و تزكية النفس، و حكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره.
    و اعلم أن التكبر يظهر في شمائل الإنسان، كصعر وجهه، و نظره شزرا، و إطراق رأسه، و جلوسه متربعا و متكئا، و في أقواله، حتى في صوته و نغمته، و صيغة إيراده الكلام، و يظهر ذلك أيضا في مشيه و تبختره، و قيامه و قعوده و حركاته و سكناته، و سائر تقلباته.

    الكبر بالعلم:

    ما به يتكبر المتكبر على غيره كثير، منه:
    العلم، ومنه: العمل و العبادة، و منه: الصورة الظاهرة من جمال و حسن هيئة.
    < و
    الكبر بالعلم، هو من أعظم الآفات و أغلب الأدواء و أبعدها عن قبول العلاج إلا بشدة شديدة و جهد جهيد، و ذلك لأنّ قدر العلم عظيم عند الله، عظيم عند الناس، و هو أعظم من قدر المال و الجمال و غيرهما، بل لا قدر لهما أصلا إلا إذا كان معهما علم و عمل.

    و لذلك قال كعب الأحبار:"
    إن للعلم طغيانا كطغبان المال ".
    و قال عمر رضي الله عنه:"
    العالم إذا زلّ زلّ بزلته عالَم " .

    و لن يقدر العالم على دفع الكبر غلا بمعرفة أمرين:

    أحدهما:أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد، و أنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عشره من العالم، فإن من عصى الله تعالى عن معرفة و علم فجنايته أفحش، إذ لم يقض حق نعمة الله عليه في العلم.
    الأمر الثاني: أن العالم يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز و جل وحده، و أنه إذا تكبر صار ممقوتا عند الله بغيضا، و قد أحب الله منه أن يتواضع و قال له: إن لك عندي قدرا ما لم تر لنفسك قدرا، فإن رأيت لنفسك قدرا فلا قدر لك عندي، فلابد و أن يكلف نفسه ما يحبه مولاه منه.

    الفرق بين الكبر والعجب:

    < الكبر
    خلق باطن تصدرعنه أعمال هي ثمرته، فيظهر على الجوارح، و ذلك الخلق هو رؤية النفس على المتكبر عليه، يعني: يرى نفسه فوق غيره في صفات الكمال، فعند ذلك يكون متكبرا.
    و بهذا ينفصل عن العجب، فإن العجب لا يستدعي غير المعجب، حتى لو قدر أن يخلق الإنسان وحده تصور أن يكون معجبا و لا يتصور أن يكون متكبرا، إلا أن يكون مع غيره و هو يرى نفسه فوقه، فإن الإنسان متى رأى نفسه بعين الإستعظام، حقر من دونه و ازدراه، و صفة هذا المتكبر أن ينظر إلى العامة كأنه ينظر إلى الحمير استجهالا و استحقارا >
    مختصر منهاج القاصدين291.
    ( و العجب يدعوا إلى الكبر، لأنه أحد أسبابه، فيتولد من العجب الكبر، و من الكبر الآفات الكثيرة التي لا تخفى، و هذا مع الخلق.
    و
    أما مع الله تعالى، فالعجب يدعو إلى نسيان الذنوب و إهمالها فبعض ذنوبه لا يذكرها و لا يتفقدها، لظنه أنه مستغن عن تفقدها فينساها، و ما يتذكره منها فيستصغره و لا يستعظمه، فلا يجتهد في تداركه أو تلافيه، بل يظن أنه يغفر له.
    و
    أما العبادات و الأعمال فإنه يستعظمها و يتبجح بها، و يمن على الله تعالى بفعلها، و ينسى نعمة الله عليه بالتوفيق و التمكين منها، ثم إذا أعجب بها عمي عن آفاتها، و من لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعا، فإن الأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية من الشوائب قلما تنفع و إنما يتفقد من يغلب عليه الإشفاق و الخوف دون العجب.
    و المعجب يغتر بنفسه و برأيه، و يأمن مكر الله و عذابه، و يظن أنه عند الله بمكان، و أن له عند الله منة و حقا بأعماله التي هي نعمة من نعمه، و عطية من عطاياه، و يخرجه العجب إلى أن يثني على نفسه و يحمدها و يزكيها.
    و إن أعجب برأيه و عمله و عقله منع ذلك من الإستفادة، و من الإستشارة و السؤال، فيستبد بنفسه و رأيه و يستنكف من سؤال من هو أعلم منه، و ربما يعجب بالرأي الخطأ الذي خطر له فيفرح بكونه من خواطره، و لا يفرح بخواطر غيره فيصر عليه، و لا يسمع نصح ناصح، و لا واعظ واعظ، بل ينظر إلى غيره بعين الإستجهال، و يصر على خطئه، فإن كان رأيه في أمر دنيوي فيخفق فيه، و إن كان في أمر ديني لا سيما فيما يتعلق بأصول العقائد
    فيهلك به.
    و من أعظم آفاته أن يفتر في السعي، لظنه أنه قد فاز، و أنه استغنى، و هو
    الهلاك الصريح الذي لا شبهة فيه ( تهذيب إحياء علوم الدين2/138.



  • #2
    رد: سلسلة آفات العلم &lt;&lt;الكبر و العجب&gt;&gt;

    الفرق بين الصيانة و الكبر:

    هناك فرق دقيق بين صيانة النفس عما يشينها، و التكبر و العجب.
    و قد جلاه
    ابن القيم رحمه الله بقوله:" الفرق بين الصيانة و التكبر: أن الصائن لنفسه بمنزلة رجل قد لبس ثوبا جديدا نقي البياض ذا ثمن، فهو يدخل به على الملوك فمن دونه، فهو يصونه عن الوسخ و الغبار و الطبوع و أنواع الآثار إبقاءا على بياضه و نقائه، فتراه صاحب تعزز و هروب من المواضع التي يخشى منها عليه التلوث فلا يسمح بأثر و لا طبع و لا تلوث يعلو ثوبه.
    و إن أصابه شيء من ذلك على غرة-أي:فجأة-بادرإلى قلعه و إزالته و محو أثره، و هكذا الصائن لقلبه و دينه تراه يتجنب طبوع الذنوب و آثارها، فإن لها في القلب طبوعا و آثارا أعظم من الطبوع الفاحشة في الثوب النقي البياض، و لكن على العيون غشاوة ان تدرك تلك الطبوع.
    فتراه يهرب من مظانّ التلوث و يحترس من الخلق، و يتباعد من مخالطتهم مخافة أن يحصل لقلبه ما يحصل لثوب الذي يخالط الدباغين و الذباحين و الطباخين و غيرهم.
    بخلاف صاحب العلو، فإنه و إن شابه هذا في تحرزه، و تجنبه فهو يقصد أن
    يعلو رقابهم و يجعلهم تحت قدميه، فهذا لون و ذاك لون " الروح لإبن القيم(ص644).

    و قد كان إمام العلماء وقدوة السالكين و أسوة المؤمنين محمد صلى الله عليه و سلم أشد الناس تواضعا على علو منصبه و رفعة قدره.
    عن الأسود بن يزيد قال:" سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه و سلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله-يعني:خدمة أهله-، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة " رواه البخاري.
    و
    عن أبي رفاعة تميم بن أسد رضي الله عنه قال:" إنتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم و هو يخطب، فقلت: يا رسول الله، رجل غريب جاء يسأل عن دينه لا يدري ما دينه؟ فأقبل علي رسول الله صلى الله عليه و سلم، و ترك خطبته حتى انتهى إلي، فأتي بكرسي، فقعد عليه، وجعل يعلمني مما علمه الله، ثم أتى خطبته، فأتم آخرها " رواه مسلم(876).
    و
    عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان فسلم عليهم و قال:" كان النبي صلى الله عليه و سلم يفعله " رواه البخاري5893.
    و قد كان قانون السلف الذي يحكمهم، و يهتدون بنوره، الإلتزام بقول النبي صلى الله عليه و سلم، الذي رواه عنه
    عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:" إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد " رواه مسلم2846.
    و هذا
    أويس بن عامر رضي الله عنه يؤثر أن يكون مع ضعاف الناس و صعاليكهم،و لا يحتفل به، ولا يأبه له، وهو من هو.
    أخرج مسلم بسنده
    عن أسير بن جابر قال:"كان عمرُ بنُ الخطابِ ، إذا أتى عليه أمدادُ أهلِ اليمنِ ، سألهم : أفيكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ ؟ حتى أتى على أٌوَيسٍ . فقال : أنت أُوَيسُ بنُ عامرٍ ؟ قال : نعم . قال : من مرادٍ ثم من قَرَنٍ ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برصٌ فبرأت منه إلا موضعَ درهمٍ ؟ قال : نعم . قال : لك والدةٌ ؟ قال : نعم . قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول " يأتي عليكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليمنِ من مرادٍ ، ثم من قرَنٍ . كان به برَصٌ فبرأ منه إلا موضعُ درهمٍ . له والدةٌ هو بها بَرٌّ . لو أقسم على اللهِ لأَبَرَّه . فإن استطعتَ أن يستغفرَ لك فافعلْ " . فاستغفِرْ لي . فاستغفَر له . فقال له عمرُ : أين تريد ؟ قال : الكوفةُ . قال : ألا أكتب لك إلى عاملِها ؟ قال : أكون في غَبراءِ الناسِ أحَبُّ إليَّ . قال : فلما كان من العامِ المُقبلِ حجَّ رجلٌ من أشرافِهم . فوافق عمرُ . فسأله عن أُوَيسٍ . قال : تركتُه رَثَّ البيتِ قليلَ المتاعِ . قال : سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول " يأتي عليكم أُوَيسُ بنُ عامرٍ مع أمدادِ أهلِ اليمنِ من مرادٍ ثم من قَرَنٍ . كان به برَصٌ فبرأ منه . إلا موضعُ درهمٍ . له والدةٌ هو بها بَرٌّ . لو أقسم على اللهِ لأبَرَّه . فإن استطعتَ أن يستغفِر لك فافعلْ " فأتى أُويسًا فقال : استغفِرْ لي . قال : أنتَ أحدثُ عهدًا بسفرٍ صالحٍ . فاستغفِرْ لي . قال : استغفِرْ لي . قال : أنت أحدثُ عهدًا بسفرٍ صالحٍ . فاستغفِرْ لي . قال : لقيتَ عمرَ ؟ قال : نعم . فاستغفِرْ له . ففطِن له الناسُ . فانطلق على وجهِه . قال أسير : وكسوتُه بُردةً . فكان كلما رآه إنسانٌ قال : من أين لأُويسٍ هذه البُردةُ ؟ " رواه مسلم2542.

    و الكبر و العجب من رعونات نفس تنسى أن ما بها من نعمة فمن الله، و أنّ الأمر كله لله، و
    العلم الصحيح و الإهتداء بالهدي المستقيم حرب لتلك الرذائل من الكبر و العجب و الصّلف و الغرور، لأنه:" إذا تم علم الإنسان لم ير لنفسه عملا، و إنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل.الذي يمنع العاقل ان يرى لنفسه عملا أو يعجب به، و ذلك بأشياء.

    منها: أنه وفق لذلك العمل، " و حبب إليكم الإيمان و زينه في قلوبكم " الحجرات8.
    و منها: أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها.
    و منها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، احتقر كل عمل و تعبد.
    هذا إذا سلم من شائبة، و خلص من غفلة، فأما و الغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلب الحذر من رده، و يخاف العتاب على تقصيره فيه، فيشغل عن النظر إليه.و تأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك، فالملائكة الذين يسبحون الليل و النهار لا يفترون قالوا:
    سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.
    و
    الخليل عليه السلام يقول:" و الذي اطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " الشعراء82. و ما أدل بتصبره على النار و تسليمه الولد إلى الذبح.
    و
    رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:" ما منكم ينجيه عمله "، قالوا : ولا أنت؟ قال:" و لا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته " رواه البخاري6098.
    و
    أبو بكر رضي الله عنه يقول: و هل أنا و مالي إلا لك يا رسول الله؟.
    و
    عمر رضي الله عنه يقول: لو أن لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن اعلم ما الخبر.
    و ابن مسعود رضي الله عنه يقول: ليتني إذا مت لا أبعث.
    و
    عائشة رضي الله عنها تقول: ليتني كنت نسيا منسيا.

    و هذا شان جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع.

    و لولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه، و لكان كل كامل خائفا محتقرا لعمله، حذرا من التقصير في شكر ما أنعم عليه به.
    و فهم هذا المشروح ينكس رأس الكبر، و يوجب مساكنة الذل، فتأمله فإنه أصل عظيم"
    صيد الخاطر لإبن الجوزي(ص472).

    و يكفي العالم شرفا ما في العلم من شرف، و يكفيه عزا ما فيه من عز.
    قال أبو مروان الطبني:
    إنّي إذا احتوشتني ألف محبرة.........يكتبن: حدثني طورا، و أخبرني
    نادت بحضرتي الأقلام معلنة......... هذه المفاخر لا قعبان من لبن

    و على الجملة فما تحلى العالم بحلية أجمل، و لا ارتدى حلة أفخر من التواضع، و ما تردى العالم برداء أحقر، و لا تزيا بزي أسوأ من الكبر و العجب.
    لذلك وصى
    عمر رضي الله عنه أهل العلم بالتواضع، للمعلم و المتعلم سواء، و هي نصيحة غالية فاجعلها منك على ذكر أبدا.
    قال عمر رضي الله عنه:" تعلموا العلم و علموه الناس، و تعلموا له الوقار و السكينة، و تواضعوا لمن تعلمتم منه، و لمن علمتموه، و لا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم جهلكم بعلمكم " جامع بيان العلم(ص179).
    و كان أحمد بن حنبل رحمه الله على جلالته و إمامته من أشد الناس تواضعا.
    قال عارم أبو النعمان:" وضع أحمد بن حنبل عندي نفقته، فكان يجيء فيأخذ منها حاجته، فقلت له يوما: يا أبا عبد الله، بلغني أنك من العرب، فقال: يا أبا النعمان، نحن قوم مساكين، فلم يزل يدافعني حتى خرج، و لم يقل شيئا ".
    و
    قال أبو بكر المرذوي:" قلت لأبي عبد الله: إني لأرجو أن يكون يدعى لك في جميع الأمصار، فقال: يا أبا بكر، إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس؟!! ".

    نسأل الله أن يلهمنا التواضع و الإخلاص و أن يجنبنا الكبر و العجب عظيمه و حقيره و أن يجعلنا أقربنا منه صلى الله عليه و سلم مجلسا يوم القيامة.


    ::::::::::::::::::::::::::::::::::::::



    تعليق


    • #3
      رد: سلسلة آفات العلم &lt;&lt;الكبر و العجب&gt;&gt;

      بارك الله فيكم
      اللهم انا نعوذ من الكبر
      متابع معك يا غالي السلسلة
      المفيدة جدا

      اللهمّ صلّ على محمد
      عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون
      اللهم اغفر لي ولأبي ولأمي ولجميع المسلمين والمسلمات


      تعليق


      • #4
        رد: سلسلة آفات العلم &lt;&lt;الكبر و العجب&gt;&gt;

        اللهم آمين
        بوركت أخي العزيز و أحسن الله إليك
        و أشكرك على حسن المتابعة
        جزاكم الله كل خير

        تعليق

        يعمل...
        X