إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

    الــسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    سوف يتم إن شاء الله مشاركة واحدة يوميا

    1- سورة الفاتحة مكية وآياتها 7: الآيات (1-7)


    بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)

    أتبرك في كل مباح وعبادة، ولا تكتب البسملة في أول ديوان الشعر، إلا إن كان علماً أو وعظا، أو نفعا لا محذور فيه شرعا. وأجاز سعيد بن جبير كتبها في أول ديوان الشعر، ووجدتها مكتوبة في نسخة قديمة بأكثر من خمسمائة عام من ديوان الشعراء الستة، معروضة على أبي علي الشلوبين، وأعطى الإِجازة فيها لبعض تلامذته.

    وعنه صلى الله عليه وسلم، " لو أن أحدكم أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإِنه إن يقدَّر بينهما ولد لم يضره الشيطان " وقال صلى الله عليه وسلم: " ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخلوا الكنيف أن يقولوا، باسم الله " ، أي إذا أرادوا الدخول.

    والله مختص به تعالى، والإِله أعم، سواء أقلنا، أصل لفظ الله إله أم لا فلا تهمّ، وقرئ بنصب الرحمن، وجر الرحيم، والنصب على تقدير أحمد، وسماه أبو حيان عطف توهم، أي على طريق التوهم، وأصاب. ووجه توهمه أن الإِتباع بعد القطع ضعيف، فلتسميته وجه، ونص هو على ضعف ذلك، لاختصاص التوهم بالعطف.

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)

    { الحَمْدُ لِلَّهِ } إخبار بأن الله مالك لجميع الحمد من الخلق، أو مستحق لأن يحمدوه، ومن ذكر الجملة وأراد بها الثناء على الفعل الجميل الاختيار تعظيماً كان محصلا للحمد، ولو لم يقصد الإِنشاء، ولا يجوز قصد الإِنشاء على أن الآية نزلت إخبارا إلا لمن أراد غير الآية، وإلا أن يقال، المعنى قولوا هذه السورة، فحينئذ يجوز لقارئها التصرف في الحمد بالإخبار والإنشاء، لكن الإنشاء بالجملة الاسمية قليل. ومختلف فيه.

    ولا يحمد الله على صفاته، بل على أفعاله، وقيل بالجواز على إسقاط لفظ الاختياري من الحد، أو على أن المراد به نفي الضرورة، وصفاته ليست ضرورية، كما أنها ليست اختيارية، لا إله إلا الله، سبحان الله.

    ولفظ الجلالة لا يدل على فعل ولا صفة، بل على الذات، فهو جامد، وقيل: أصله الاشتقاق من لفظ يدل على معنى العبادة، أو العلو، أو الطرب. أو التحيّر، أو الاحتجاب، أو نحو ذلك، بمعنى خلقه احتجبوا عن رؤيته، بأن حجبهم عنها ومنعهم، وليس هو بمحتجب، وفزعوا إليه واضطربوا وتحيروا.

    { رَبِّ } سيد { ٱلْعَالَمِينَ } أو مالكهم، الناس عاَلم، والملائكة عالم، والجن عالم، والفرس عالم، والجبال عالم، والنبات عالم، والفعل عالم، والاعتقاد عالم، وهكذا كل صنف عالم، الجميع عالمون، جمع تغليبا للعاقل جع قلة. إيذانا بقلتهم بالنسبة إلى قدرته تعالى على خلقه، أصنافا غير الموجودة، وسميت لأن فيها علامة الحدوث. كالتركيب والحلول، وعلامة وجود الله.

    الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)

    { الرَّحْمَٰن } المنعم بالنعم العظيمة، أو مريد الإنعام به، وليس معرّبا من رحمن بالخاء المعجمة كما قيل.

    { الرَّحِيم } المنعم بالنعم التي دون تلك، أو مريدها، وليس بينها عموم وخصوص على هذا، فضلا عن أن يقال، قدمت الخاصة على العامة، وإنما ذلك لو فسر الرحيم بالمنعم بمطلق النعم، أو هما سواء، كنديم وندمان، جمعا تأكيدا، كما روي، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، وعلى الأخصِّيَّة، فقد قيل بجواز تقديم الصفة الخاصة على العامة للفاصلة، كما في قوله تعالى " رَءوف رَحيم ". وقوله تعالى: " رَسولا نبيا ". وقيل: يا رحمن الدنيا، لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة، لأنه يخص المؤمن. وقيل: يا رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، لأن نعم الآخرة كلها عظام، وأما نعيم الدنيا فجليلة وحقيرة، وهي هنا مبنية على الميم، نظير النون في العالمين والدين.

    مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)

    الجزاء بالجنة والنار، وخصه لأنه لم يجعل فيه مالكا، بخلاف الدنيا، ففيها ملوك، والملك السلطان القاهر، هو مالك يوم الجزاء إذا حضر يوم الجزاء، أو صفة مبالغة، أي أنه مالك ليوم الدين ملكا قويا، إذا شاء أحضره، ولك تقدير مالك الأمور يوم الدين، كما ملكها في الدنيا، أو ملكها فيه وحده.

    إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)

    { إِيَّاكَ } قدم للحصر، والثاني للحصر والمفاصلة.

    ومقتضى الظاهر، إياه نعبد، وإياه نستعين، ليهدنا بلام الدعاء، أنعم عليهم بصيغ الغيبة مثل ما قبله، إلا أنه لما أتى بالأوصاف الكاملة من كمال الرحمن المشاهدة، وصفات الجلال المحمود عليها، وقدرته الكاملة بتدريج الأفهام في ذلك على وجه الغيبة، وقوى برهان ذلك صار الغائب شاهداً بتكلم معه بصيغ الخطاب، وفي صيغة الخطاب تلذذ.

    { نَعْبُدُ } نخدم بكل ما نقدر عليه، وهذا العموم أفاده الإطلاق القابل لكل ممكن على سبيل البدلية، فيحمل على العموم الشمولي الشامل لكل أفراد البدلى، وكذا في قوله:

    { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } على تحصيل العبادة والمباح، وعلى دفع المعاصي عنها والمضار، وخدمته إما للثواب والهروب عن العقاب، وذلك زهد، وهي عبادة، وإما للشرف بها والنسبة إليه تعالى، وهي عبودية، وإما لإجلاله، وهي عبودية، وهي أعلى، وقدم العبادة لنتوسل بها إلى دفع المكروه، وجلب المحبوب، أو قدمها لأن المراد بها التوحيد، فذكر بعدها الاستعانة على مطلق العبادة، وأيّاً كان الأمر فالواو لا ترتب، وفي الوجه الأخير حصول التخلي قبل التحلي.

    اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)

    ما لم يكن عندنا من الدين حتى يتم عندنا، والذين اهتدوا زادهم هدى، ويزيد الله الذين اهتدوا هدى، أو أدمنا عليه، والأصل اهدنا الصراط، أو إلى الصراط، والمراد هدى البيان، أو هدى الإيصال بأن نقيم عليه، ولا نموت على خلافه، أو التوفيق للعمل والتقوى.

    صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)

    { صِرَٰطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } بعلم الدين والعمل به، من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين من كل أمة.

    { غَيْرِ } قال سيبويه: نعت الذين، لأن الذين كالنكرة، لأنه جنس، ولفظ غير نكرة ولو أضيف إلى معرفة، ولا سيما أنه أضيف لمعرفة هي للجنس فهي كالنكرة، وعندي جواز إبدال لمشتق الوصف وما أول به.

    { الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ } اليهود المخالفين لموسى وعيسى. { وَلاَ الضَّالِّينَ } النصارى المخالفين لها، قال صلى الله عليه وسلم: " المغضوب عليهم لتقدمهم زمانا، ولأن الإنعام يقابل بالانتقام، ولأنهم أشد في الكفر والعناد والفساد، وأشد عداوة للذين آمنوا، ولأنهم كفروا بنبيين، عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم، والنصارى بواحد، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم " ، وروى ابن عدي والديلمي والسلفي عنه صلى الله عليه وسلم: " من لم يجد صدقة فليلعن اليهود ".


  • #2
    رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

    جزاك الله كل خير ولدي الحبيب
    بارك الله في جهودك
    وجعلها في ميزان حسناتك
    متابع بإذن الله

    قال الحسن البصري - رحمه الله :
    استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
    [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


    تعليق


    • #3
      رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

      المشاركة الأصلية بواسطة أبوالمعالي مشاهدة المشاركة
      جزاك الله كل خير ولدي الحبيب
      بارك الله في جهودك
      وجعلها في ميزان حسناتك
      متابع بإذن الله
      والله لقد زدت الموضوع أهمية بردك والدى الحبيب

      ويشرفنى متابعتك للموضوع

      وجــــزاك الله بمثله والدى الغالى

      تعليق


      • #4
        رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

        2- سورة البقرة مدنية وآياتها 286: الآيات (1-7)


        بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

        الم (1)

        سُورة البَقَرَة بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم الله هو العالم بمعناه، وبمعنى، المص، و، المر، الر، و، كهيعص، و، طه، و، طسم، و، طس، و، يس، و، ص، و، حم عسق، و، ق، و، ن، وأذكر ما قيل، الهمزة الله، واللام لطيف، قال الخليل: نحو به، وكه، بالحركة وهاء السكت، مسميات، ونحو الباء والكاف اسم، قلت، فمسمى الهمزة، أه بالحركة بعدها هاء السكت، والاسم ءاء بهمزتين بينهما ألف، ولم ينطق غيري بهذا.

        ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)

        { ذَلِكَ الْكِتَٰبُ } القرآن، الشبيه في علو شأنه بالعالي حسا كالعرش، وأصل الإشارة أن تكون إلى محسوس، فإذا أشير إلى غير محسوس لاستحالة إحساسه، مثل، { ذلكم الله ربكم } ، أو لعدم حضوره نحو، { تلك الجنة } ، فلتحققه كالمشاهد، وعبارة البد للتعظيم، ولأن كل ما انقضى، أو ليس في يدي فهو بعيد.

        { لاَ رَيْبَ فِيهِ } ليس أهلا لأن يشك فيه عاقل، لظهور براهينه. ومن شك فيه، أو من الله، فلقصور نظره، أو عدم استعمال عقله. قيل ولا ريب فيه عند الله والمؤمنين والنبي، ويضعف أن يكون المعنى، لا تشكوا فيه، لما علمت من ضعف مجيء الجملة الاسمية للإنشاء.

        { هُدًى } من الشرك والمعاصي { لِلْمُتَّقِينَ } الذين قضى الله أن يرجعوا إلى التوحيد والعبادة، وترك المعاصي، والحذر منها، ومن العقاب عليها، أو ذلك ثابت لهم أو زيادة، أو أراد للمتقين وغيرهم، فحذف، وهذا ضعيف، أو خصهم، لأنهم الفائزون، كقوله تعالى:{ إِنما أنت مُنذر مَن يَخْشَٰهَا }[النازعات: 45] وهذا على الحذف.

        والتقوى تقوى الشرك، وهي تقوى العوام، ولا تنفع في الآخرة بلا أداء فرض، واجتناب فسق. وتقوى الخواص، وهي تقوى الشرك والمعاصي مع أداء الواجب والسنن المؤكدة. وتقوى خواص الخواص، وهي تقوى ما يشغل عن الله، عز وجل، ويسميه بعض العلماء ورع الصديقين.

        وهدى خبر ثان لذلك، أو لا ريب محذوف الخبر، وفيه خبر لهدى.

        الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)

        { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ } في قلوبهم وألسنتهم لا فيها فقط { بِالْغَيْبِ } بذى الغيب أو الغائب، وهو الله، جل جلاله، وما أخبر عنه مما سيكون في الدنيا أو الآخرة، أو كان ولم يشاهدوه أو آمنوا بذلك، وهم في غيب عنه.

        { وَيُقِيمُونَ الصَّلَٰوةَ } يأتون بها في وقتها المختار، لا الضروري إلا لعذر بطهارة، وخشوع وإخلاص، وترك ما يكره حتى كأنها كجسم مستقيم لا عوج فيه، أو كسوق أقيمت ورغب فيها، وذلك مستتبع لإقامة صلاة النفل إلا أنه لا عقاب عليها، وقال الجمهور: المراد صلاة الفرض، وعليه ابن عباس، ومثل هذا اللفظ حقيقة شرعية عن معنى لغوى مجاز لغوى؛ كما هو المشهور، وقال الباقلاني مجاز، وقال المعتزلة حقيقة شرعية مخترعة، وليست منقولة عن معان لغوية.

        { وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ } طعاما أو دراهم أو ثيابا، أو دواب، أو عقارا، أو غير ذلك من الحلال، إذ لا مدح بإنفاق الحرام، لأن التصرف فيه وإمساكه كفر.

        { يُنْفِقُونَ } في طاعة الله، كإنفاق من تجب نفقته من أهل ورحم وتنجية مضطر، وضيف وإنفاق الزكاة، وكإنفاق تطوع، وكإنفاق نفسه بنية أن يتقوى على العبادة وأن ينفر عن مال الناس، قيل، إن أريد بالتقوى في قوله، المتقين، اتقاء المشرك فالذين... الخ صفة مخصصة. أو ترك ما لا بأس به مخافة أن يقع في اليأس فمادحة، كما في حديث الترمذي عنه صلى الله عليه وسلم: " لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا مما فيه بأس ".

        وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)

        { وَالَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ } القرآن وسائر الوحي { وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ } على الأنبياء، من كتب وغيرها { وَبِالآخِرَةِ } البعث، والموقف، والجنة، والنار، قدم الاهتمام، والفاصلة على قوله { هُمْ يُوقِنُونَ } وذكْر الذين يؤمنون بما أنزل إليك تخصيص بعد تعميم، وهو شامل لمن لم يكفر من أهل الكتاب بسيدنا موسى، أو سيدنا عيسى، عليهما السلام، ولما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكفر به، ولكنه طلب الدليل، فآمن به صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، أولئك يؤتون أجرهم مرتين، وقيل: هم المراد.

        وفي الآية ترغيب لأهل الكتاب بسيدنا موسى، أو سيدنا عيسى، عليهما السلام، ولما بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لم يكفر به، ولكنه طلب الدليل، فآمن به صلى الله عليه وسلم، كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، أولئك يؤتون أجرهم مرتين، وقيل: هم المراد، وفي الآية ترغيب لأهل الكتاب في الإيمان، وعطف الذين عطف صفة في وجه العموم، وإن أريد مؤمنو أهل الكتاب فمجرد عطف أو مبتدأ خبره أولئك... إلخ.

        أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)

        { أُولَٰئِكَ } الموصوفون بتلك الصفات، العالون شأنا ومرتبة، وقس على ذلك سائر إشارات البعد في سائر القرآن. وما كان في السوء فإشارة البعد فيه للبعد عن مقام الخير { عَلَى هُدًى } متمكنون من الهدى تمكن الراكب من مركوبه، القوى المطاوع الملجم بلجام في يده المستولى { مِنْ رَّبِّهِمْ } آت من ربهم، أو ثابت منه دلالة وتوفيقاً { وَأُولَٰئِكَ } كرر الإِشارة إذ لم يقل وهم المفلحون، تنبيهاً على مزيد الاعتداء بشأنهم، وعلى أن اتصافهم بتلك الصفات يقتضى أن يحصل لهم الكون على الهدى من ربهم، وكونهم مفلحين، كما قال:

        { هُمُ المُفْلِحُونَ } الفائزون بالحظ الأكمل، النجاة من النار ودخول الجنة، وهذا حصر، فمن ترك الصلاة أو الزكاة فليس مفلحاً، فهو في النار مخلد، لأن مقابل الإفلاح الخسار والهلاك.

        إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)

        { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } من سبقت لهم الشقاوة كأبى جهل وأبى لهب، ممن نزل فيه الوحي، أو لم ينزل { سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ } أعلمتهم بما أنزل إليك مع تخويف في وقت إمكان أن يتحرزوا بالإيمان عن الوعيد { أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } لسبق القضاء بأنهم لا يؤمنون، أخبره الله بذلك، لئلا يتأسف على من أعلمه الله بشقاوته، وليقلّ أسفه على من أبى من الإيمان، ولم يعلم، أهو شقي، إذ يقول، لعله شقي، فكيف أكثر التأسف عليه، وعلى كل حال لا يترك الإنذار والتبليغ إليه.

        خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7)

        { خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ } لم يوفقهم، سمى القلب قلباً لتقلبه، روى البيهقي عن أبى عبيدة بن الجراح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قلب ابن آدم مثل العصفور، يتقلب في اليوم سبع مرات " ، وليس المعنى في الآية الإجبار، جل الله.

        شبه الخذلان بالربط أو الإغلاق على شيء حتى لا يدخله غيره، فقلوبهم من حيث عدم نفوذ الحق إليها واستقراره فيها كالخابية والخريطة المختوم عليهما، وهذا تصوير للمعقول بصورة المحسوس للإيضاح، وكذا الختم في قوله { وَعَلَى سَمْعِهِمْ } أي آلات سمعهم، فلذلك لا ينتفعون بما سمعوا من الحق، قال صلى الله عليه وسلم: " إذا أذنب العبد ضم من قلبه هكذا، فضم خنصره، وإذا أذنب ضم من قلبه هكذا، وضم التي تليها، وهكذا إلى الإبهام ".

        والمراد بالقلوب هنا الجسم اللطيف القائم بالقلب، الكثيف الصنوبري الشكل قيام العرض بالجسم، وقيام الحرارة في الوقود، والبرودة بالماء، وبهذا اللطيف يحصل الإدراك وترتسم المعرفة، وكذا الأسماع يقوم بصماخها جسم لطيف يدرك الأصوات.

        { وَعَلَى أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ } غطاء عظيم، كأنه لا يرون بها، فيستدلون بما يرون على قدرة الله، لما لم ينتفعوا في الدين بالنظر بها كانوا كمن جعل على بصره غشاوة.

        وفي " ختم " استعارة تصريحية تبعية. وفي غشاوة تصريحية أصلية، أو الاستعارة تمثيلية، شبه قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وأحوالهم المانعة من الانتفاع بأشياء معدة للانتفاع، منع مانع من الانتفاع بها.

        { وَلَهُمْ } على كفرهم { عَذَابٌ عَظِيمٌ } عظم شدة وأنواع ودوام، ولم يعطف إن الذين كفروا لأن المراد، والله أعلم، استئناف بيان أن عدم اهتداء الأشقياء لسبق شقوتهم وبيان مقابلتهم بإصرارهم لمن اتصف بالكمال ومضادتهم، لا لقصور في القرآن عن البيان، فإنه غاية في البيان، وإنما ضلوا باختيارهم للسوء، كما قال قائل:

        وَالنَّجْمُ تَسْتَصْغِرُ الأَبْصَارُ رَؤْيَتَهُ ... وَالذَّنْبُ لِلطَّرْفِ لاَ لِلنَّجْمِ فِي الصِّغَرِ

        تعليق


        • #5
          رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

          جزاك الله خيرا وبارك الله فيك ورزقك الفردوس الاعلى

          اسجل المتابعه ان شاء الله






          تعليق


          • #6
            رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

            جزاكم الله خيرا واثابكم الجنـة
            قال رسول الله صل الله عليه وسلم من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة


            تعليق


            • #7
              رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

              جــــزاكم الله خيرا على مروركم الطيب

              وسوف يتم مشاركة واحدة يوميا لنتدبر معا فى ايات الله جلا وعلا

              تعليق


              • #8
                رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

                جزاكم الله خير الجزاء

                بارك الله فيكم ونفع الله بكم ورفع الله قدركم

                اسال الله ان يجعله فى ميزان حسناتكم
                اللهم إن أبي وأمي و عمتي في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِم من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر لهما وارحمهما، فإنك أنت الغفور الرحيم.

                تعليق


                • #9
                  رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                  سورة البقرة: الآيات (8-16)



                  وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)

                  { وَمِنَ النَّاسِ } أصله النوس بفتح الواو، وقلبت ألفا لتحركها بعد فتح، من ناس ينوس، بمعنى تحرّك.

                  ولا يخلو بنو آدم من تحرك، ووجه التسميه لا يوجبها، فلا يلزم أن يسمى ناسا كل ما يتحرك، أو أصله أناس حذفت الهمزة، وعوضت أل، وهو من الأنس ضد الوحشية، فالألف زائدة، والناس يستأنس بهم، قال بعض:

                  وَمَا سُمِّيَ الإِنْسَانُ إِلاَّ لأُنْسِهِ ... وَلاَ القَلْبُ إِلاَّ أَنَّهُ يَتقلَّبُ

                  والأصل نيس بكسر الياء، قلبت ألفا لتحركها بعد فتح، ووزنه على هذا فلع من النسيان، إذ لا يخلو من نسيان، قال الله تعالى في آدم:{ فنسي ولم نجد له عزما }[طه: 115] ويطلق على الجن مجازا، وقيل حقيقة.

                  { مَن يَقُولُ ءَامَنَّا } في قلوبنا وألسنتنا إيمانا مستمدا { باللَّهِ } وجودا وألوهة، ومخالفة لصفات الخلق { وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ } الوقت الآخر، وهو وقت البعث إلى مالا نهاية له، والوقت الأول وقت الدنيا، ولا يقال اليوم الآخر وقت دخول الجنة والنار، وقبله وقت وهو البعث وما بعده إلى الدخول، لأن الإيمان بالبعث والموقف والحساب أيضاً واجب { وَمَا هُمْ بِمُؤمِنِينَ } ذلك الإيمان الذي ادعوه، بل الإيمان في ألسنتهم والكفر في قلوبهم، والخروج عن مقتضاه في جوارحهم.

                  يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)

                  { يُخَٰدِعُونَ } أي يخدعون، بفتح الياء وإسكان الخاء، فالمفاعلة ليست على بابها، بمعنى الفعل، وهو إظهار ما يوهم السلامة وإبطان ما يقتضى الإضرار بالغير، أو التخلص منه، أو هو أن توهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، وتصيبه به، ودخل في المكروه جلب نفع منه لا يسمح به لك أو لغيرك.

                  { ٱللَّهَ وَٱلَّذِينَ آمَنُوا } يظهرون خلاف ما أبطنوا، ويظنون أن الله لا يعلم ذلك منهم. فأخبرنا الله عز وجل، أنهم عاملوا الله والمؤمنين بالمكر، والله لا يخفى عليه شيء، أو يخادعون الله مخادعة مجاز، على أنهم معتقدون لكون الله عالماً بما في قلوبهم، وذلك أن تلفظهم بالإيمان، وإظهار مقتضياته مع مخالفته في الأعمال والقلوب شبيه بالخداع، ويقدر محذوف، أي، ويخادعون المؤمنين خداعا حقيقيا، إذ يدفعون بإظهار الإيمان وشأنه القتل والسبي وما يصنع بالمشركين، ويجلبون الإكرام والمعاملة بمعاملة المؤمنين، وإنما قدرت محذوفا لئلا يكون لفظ يخادع في مجازه وحقيقته معا.

                  أو أراد يخادعون الذين آمنوا، وذكر الله معهم إكراما وتعظيماً لهم، بأنه من خانهم فقد خان الله، أو يخادعون نبي الله، قال الله تعالى:{ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله }[الفتح: 10]{ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ }[النساء: 80] والحاصل أن لفظ المفاعلة مبالغة، ويجوز إبقاؤها على معناها مجازاً، وذلك، أنهم أظهروا الإيمان، وهم كافرون، والله عز وجل أجرى عليهم أحكام المؤمنين، وهم عنده غير مؤمنين، ولهم عنده الدرك الأسفل من النار.

                  وإجراء المؤمنين تلك الأحكام تشبه صورة المكر بهم، إذ ليس لهم ما لمن تحقق إيمانه في الآخرة، وذلك استعارة تمثيلية في الكلام، أو مفردة تبعية في يخادعون، والله عز وجل لا يكون خادعاً إذ لا يخاف أحداً، ولا ينقض فعله أحد إذا أجهره، ولا مخدوعا، لأنه لا يخفى عليه شيء، ولا يناله مكروه، ولا ينتفع بشيء، وإذا قدرنا يخادعون نبي الله الله تقدير معنى ففيه إيقاع الفعل على غير ما يوقع عليه للملابسة بينهما، وهي الخلافة، فذلك مجاز عقلي في النسبة الإيقاعية لا الوقوعية.

                  { وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ } ما يعاملون بمضرة الخداع إلا أنفسهم؛ وهي الافتضاح بإخبار الله، سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بما أحفوه، والعقاب في الآخرة { وَمَا يَشْعُرُونَ } لا يعلمون أن وبال العقاب راجع إليهم، إنما فسرت يخادع بيخدع لأن الله والمؤمنين لا يخدعونهم.

                  فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)

                  { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضُ } كفر بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم، وعداوته وعداوة المؤمنين، وسره الاعتقاد والجهل، وذلك شبيه بمرض الجسم في الإيصال إلى مطلق الضر، فإن المضر موجع وقاتل ومانع من التصرف في المصالح، وما في قلوبهم مؤد إلى النار مانع من التصرف بأعمال الإسلام.

                  أو يشبه تألم قلوبهم بقوة الإسلام وانتظام أمره بتألمهم بمرض البدن، فسمى التألم مرضاً، وحقيقة المرض حالة خارجة من الطبع ضارة بالفعل لا بالقوة خاصة، والقرينة المشروطة في المجاز تمنع الحقيقة، ولا يلزم أن تمنع احتمال مجاز آخر. فلك حمل الآية على هذا التألم، وعلى ما ذكرت قبل.

                  { فَزَادَهُمُ } بسبب ذلك المرض { اللهُ مَرَضاً } بما أنزل من القرآن بعد ما كفروا بما أنزل منه قبل، والله يجازى المذنب بالإيقاع في ذنب آخر، كما يجازى المطبع بالتوفيق إلى طاعة أخرى، وكلما نزلت آية أو وحي كفروا به، لأنه طبع على قلوبهم، وذلك زيادة مرض { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } موجع بفتح الجيم.

                  والموجع بفتحها حقيقة هم لا العذاب، لكن أكد شدة العذاب حتى كأنه معذب بفتح الذال، وهذا بليغ، ولا بلاغة في قولك عذاب موجع، بكسر الجيم، فأليم فعميل بمعنى مفعل بضم الميم وفتح العين، ولك إبقاؤه على ظاهره، أي متوجع بكسر الجيم، ففيه البلاغة { بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ } أي بتكذيبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وما مصدرية، وجرت عادتهم بالاكتفاء بالمصدر من خبر كان الذي بعدها، والأصل أن يقال بكونهم يكذبون، ولا حاجة إلى قولك بالتكذيب الذي كانوا يكذبونه النبي صلى الله عليه وسلم، أو بتكذيب يكذبونه النبيء صلى الله عليه وسلم على أن " ما " اسم موصول، أو نكرة موصوفة، والهاء مفعول مطلق.

                  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)

                  { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ } المعنى، من الناس من يقول، آمنا بالله وباليوم الآخر وهو كاذب، ويقول، إنما نحن مصلحون إذا قيل لهم لا تفسدوا، ويقول، أنؤمن كما آمن السفهاء إذا قيل لهم آمنوا، ويقول للمؤمنين آمنا، ويقول لأصحابه، إنا كافرون { لاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ } بالكفر وأعماله وأعماله والمعاصي، ويمنع الناس من التوحيد وأعماله، فإن الإسلام صلاح الأرض، والكفر فساد وليس من صفات الله ولا من أفعاله، فإذا أزال الله الثمار أو نور البصر أو نحو ذلك، فلا تقل أفسدها، والأرض أرض المدينة، أو جنس الأرض، وليست للاستغراق { قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } للأرض من مكارم الأخلاق كالصدقة وقري الضيف.

                  وهذا جواب بالإعراض عما نهوا عنه من الكفر والمعاصي، والأولى أن يكون الجواب له، فيكون المعنى مصلحون الأرض بما نفعل من الكفر وأعماله، والمنع الجواب له: فيكون المعنى مصلحون الأرض بما نفعل من الكفر وأعماله، والمنع من التوحيد والإفساد هو ما عليه المؤمنون من التوحيد والدعاء إليه، والعمل بمقتضاه، وعطف الجملة على قلوبهم مرض، أو على كانوا يكذبون فينسحب عليها معنى الباء، والأصل في التعليل أو السببية، في غير مقام مجرد الإخبار، أن يكون بوصف معلوم عند المخاطب ولو بالالتزام، وهذه الشرطية غير معلومة الانتساب لكن لا مانع من التعليل أو التسبب بما ليس عنده إخبار بالواقع، وأنه أحق، ولو لم يعرف، وأنه كيف لا يعرف.

                  أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)

                  { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ } انتبهوا أيها الناس قد تأكد أن هؤلاء مفسدون دون المؤمنين، فالحصر إضافي، وإن فسرنا الفساد بالنفاق كان حقيقيا، لأنه لا نفاق إلا فيهم بخلاف مطلق الفساد، في غيرهم من المشركين أيضا. والوجهان في أنهم هم السفهاء. { وَلَكِنْ لاَ يَشْعُرُونَ } بأنهم المفسدون، أو بوبال كفرهم، أو لا شعور لهم ألبتة، هكذا، ولو استعملوا عقولهم لشعروا.

                  ذكر هنا الشعور لأن الفساد يعرف بلا تأمل. والسفة يعرف بالتأمل، فذكر معه العلم كما قيل:

                  يُقْضَى عَلَى الْمَرْءِ في أَيْامِ مِحْنَتِهِ ... حَتَّى يَرَى حَسَناً مَا لَيْسَ بِالْحَسَنِ

                  وَلم يذكر لكن في المخادعة لأنه لم يتقدم عليها ما يتوهم منه الشعور.

                  وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)

                  { وَإِذَا قِيلَ } أي قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعض أصحابه { لَهُمْ آمِنُوا } بما يقول النبي صلى الله عليه وسلم { كَمَا ءَامَنَ النَّاسُ } المعهودون الكاملون، أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن آمن به، ولم يحضره بعد إيمانه، وهو من التابعين لا من الصحابة ولو كان في عصره { قَالُواْ } فيما بينهم، أو بحضرة من أمرهم بالإيمان، بحيث يجدون السبيل إلى إنكار القول، أو عند المؤمنين بحيث لا يسمعون، قيل، أو عند من لم يفش سرهم من المؤمنين لقرابة أو مصلحة، وهو قول ضعيف، والأصل أن المؤمن لا يستر عليهم وعلى كل كشفهم الله عز وجل، ولو جهروا مطلقا لم يسمعوا منافقين.

                  { أَنُؤمِنُ } توبيخ لمن أمرهم بالإِيمان ولو غاب، أو إنكارا لأن يكون الإيمان حقا يؤمر به { كَمَا ءَامَنَ السُّفَهَاءُ } الصحابة، ومن آمن ولو لم يكن صحابيا، نسبوا من آمن إلى السفه، وهو الجهل ووضع الشيء في غير وجهه، ويطلق على نقصان العقل والرأي، أو أرادوا من يحتقر من المسلمين لفقره، أو ضعفه، أو عبوديته كصهيب وبلال، وأكثر المسلمين فقراء، أو أرادوا بالسفه مطلق الخمسة بالجهل أو الفقر أو غيره، والحاصل، أنهم قالوا، لا نفعل فعل السفهاء وهو الإيمان، وذكر الله عز وجل نهى الناهي لهم عن الفساد، ثم أمر الآمر لهم بالإيمان، لأن التخلي قبل التحلي.

                  { أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ } الجهلاء المحتقرون لكفرهم، رد عليهم بأن السفه بالكفر ومساوئ الأخلاق لا بالفقر، فلا يلزم أن يكون هذا معينا للتفسير الأول في السفهاء { وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ } من السفيه وما السفه.

                  ذكر هنا العلم، وهنالك الشعور، لأن الإفساد يدرك بأدنى تأمل بخلاف السفه والأمر بالإيمان، وأيضا السفه خفة العقل والجهل بالأمور، فناسب نفى العلم أتم مناسبة.

                  وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)

                  { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا } أي ذكروا ما يفيد أنهم آمنوا، وسائر الأقوال والأفعال، وذلك أن الإيمان قد علم منهم في الظاهر قبل ذلك، وذلك دفع للمؤمنين عن أنفسهم واستهزاء.

                  ولا يتكرر مع ما مر؛ لأنه إبداء لخبثهم وخوفهم، وادعاء أنهم أخلصوا الإيمان، ولأنه بيان لكونهم يقولون ذلك خداعا واستهزاء، وأنهم يقولون ذلك عند الحاجة إليه فقط، وذلك عند لقاء المؤمنين { وَإِذَا خَلَوْاْ } عن المؤمنين راجعين { إِلَى شَيَٰطِينِهِمْ } أو خلوا مع شياطينهم، يقال، خلوت إليه، أي معه، وشياطينهم رؤساؤهم، كعب بن الأشرف من اليهود في المدينة، وأبو بردة في أسلم، وعبد الدار في جهينة، وعوف بن عامر في أسد، وعبدالله بن الأسود في الشام، وغيرهم ممن يخافونه، من كبار المشركين والمنافقين، سماهم شياطين تشبيها لمزيد فسادهن وإغوائهم.

                  وذكر بعض أن هؤلاء المذكورين كهنة، وقيل: الشيطان حقيقة في كل متمرد من الجن أو من الإنس وليس المراد الكهنة خلافا للضحاك، ولو كان مع كل كاهن شيطان، لأنهم أهون من أن يتملقوا إليهم، بقولهم، إنا معكم، كما قال الله عنهم:

                  { قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ } في الدين اليهودي، إن أريد بشياطينهم اليهود، وإن أريد به مشركو العرب فالمراد في الإشراك { إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِءُونَ } بالمؤمنين في قولنا، آمنا، لا مؤمنون حقيقة، بل قلنا ذلك لنكف عن أنفسنا القتل والشر والسبي وبحلب الخير، كالأخذ من الصدقة والغنيمة، مع الاحتقار والتهكم بهم، ولا تظنوا أننا تبعناهم.

                  والاستهزاء بمعنى الهزء، كاستعجاب بمعنى العجب، وهو الاستخفاف والسخرية، وأصله الخفة، يقال هزأت به الناقة أسرعت به.

                  روي أن أُبىّ بن عبدالله وأصحابه جاءهم نفر من الصحابة لينصحوهم، فقال لقومه، انظروا، كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم، فأخذ بيد أبى بكر الصديق، فقال، مرحبا بالصديق وشيخ الإسلام، ثم أخذ بيد عمر، وقال مرحبا بالفاروق القوى في دينه، ثم أخذ بيد عليّ، وقال: مرحبا بابن عم رسول الله، وسيد بني هاشم، فقال له: يا عبدالله، اتق الله ولا تنافق، فقال له: مهلا. يا أبا الحسن؛ إني لا أقول هذا والله، إلا أن إيماننا كإيمانكم، ثم افترقوا، وقال لأصحابه، كيف رأيتموني فعل فإذا رأيتموهم فافعلوا مثل ما فعلت، فأثنوا عليه، وقالوا: لا نزال بخير ما دمت فينا.وأخبر المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فنزلت الآية، وليس ذلك عين سبب النزول، بل مناسبة؛ لأن أبيّا قال لأصحابه، انظروا كيف أفعل.

                  والجملة مستأنفة في كلامهم بلا تقدير سؤال هكذا، ما لكم توافقون المؤمنين، لقول عبدالقاهر موضوع إنما أن تجيء لخبر لا يجهله المخاطب ولا يدفع صحته، إلا أنه قد يصور السؤال في صورة لا تحتاج إليه فيجوز التقدير المذكور، وقد لا نسلم قول عبدالقاهر إذا ادعى أنه ذلك أصل إنما، وأن مدخلوها معلوم، وجيء بها لإفادة الحصر، وليس كذلك أيضاً، فإنك تقول: إنما قام زيد لمن لا شعور له بقيامه وحده، ولا مع غيره، ولا بقيام غيره دونه.

                  اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)

                  { اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ } يجازيهم على استهزائهم مرة بعد أخرى، فإن نكاية الله فيهم متعددة في الدنيا، ولا تنقطع في الآخرة فذلك استعارة تبعية، أو مجاز مرسل، لأن بين الفعل وجزأيه مشابهة في القدر، ونوع تسبب مع وجود المشاكلة أو يراد إنزال الحقارة من إطلاق السبب على المسبب.

                  ومن الاستهزاء بهم في الآخرة، أنه يفتح باب إلى الجنة فيجىء في قربه، حتى إذا وصله أغلق، أو يكرر ذلك حتى يفتح له، ولا يجئه كما ورد في الحديث { وَيَمُدُّهُمْ } بطيل أعمارهم، أو يزيدهم طغيانا { فِي طُغْيَٰنِهِمْ } مجاوزتهم الحد بالكفر { يَعْمَهُونَ } يترددون، هل يبقون عليه أو يتركونه، أو هل يعكفون فيه ويلازمونه.

                  أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)

                  { أُوْلَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلَٰلَةَ بِالْهُدَى } تركوا الهدى الذي في وسعهم وطاقتهم، جعل الهدى الذي لم يوجد لهم كالموجود لأنه في طاقتهم ويولدون عليه، ولظهور حججه حتى كأنهم قبلوه، وجعل الإعراض عنه والتلبس بضده الذي لا يجتمع معه كالشراء، فسماه شراء.

                  الإشارة إلى المنافقين المذكورين في تلك الآيات بتلك الأوصاف، لا إلى أهل الكتاب كما قيل، ولا إلى الكفار مطلقاً كما قيل؛ لأن التنزيل في غيرهم لا فيهم ولو وجد المعنى فيهم، فضلا عن أن تفسر بهم { فَمَا رَبِحَتْ تِجَٰرَتُهُمْ } انتفى عنهم الريح في تجارتهم المعهودة، التي هي شراء الضلالة بالهدى، بل خسروا أبدانهم وأوقاتهم وأموالهم، إذ لم ينالوا بها الجنة، وأضاعوا منازلهم وأزواجهم في الجنة، وصاروا للنار بتلك الضلالة.

                  والهدى هنا اسم مصدر بمعنى الاهتداء أو اسم للمعنى الحاصل من الهداية، كأنه قيل، اشتروا الضلالة بالاستقامة. وإسناد الربح إلى التجارة إسناد إلى السبب؛ أو الملزوم، أو المحل.

                  { وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ } إلى طريق التجر والربح، إذ أضاعوا رأس المال والربح، والآية كناية عن انتقاء مقصد المتجر وهو الربح مع حصول ضده، وهو الخسارة، وذلك شأن الدين، إما لربح أو الخسارة، بخلاف تجارة المال مقد لا تربح ولا تخسر، أو كناية عن إضاعة رأس المال، فإن من لم يهتد بطريق التجر تكثر الآفات على ماله، أو المراد أنهم لم يتجروا فلا ربح، كقوله:

                  على لا حب لا يهتدي بمناره أي لا منار فيه.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                    بارك الله فيكم ورفع من قدركم وجعله فى ميزان حسناتك ورزقك الفردوس الاعلى

                    متابع ان شاء الله






                    تعليق


                    • #11
                      رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                      سورة البقرة: الآيات (17-20)



                      مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)

                      { مَثَلُهُمْ } صفتهم الشبيهة في القرابة عقلا وشرساً بما يضرب مثلا لغرابته { كَمَثَلِ } كصفة { الَّذِي } الرجل الذي، لا بأس بتشبيه الجماعة بالمفرد، والمواد الجنس، فضمير المفرد بعده للفظه، وضمير الجمع للجنس، ويجوز أنه يقدر: الفريق لذى، والكلام في الضمائر كذلك { اسْتَوْقَدَ } ليلا { نَاراً } بالغ في إيقادها وعالجه في ظلمة وهذا لبقائه على الأصل أولى من تفسيرها بأوقد.

                      ويجوز أن تكون تمثيلا بنار لا يرضى الله إبقاؤها كنار الفتنة للإسلام، أو حقيقة أوقدها الغواة للشر، فيليق بالحكيم إطفاؤها { فَلَمَّا أَضَاءَتْ } أنارت إنارة عظيمة { مَا حَوْلَهُ } ما في جهاته من الأرض، وتمكن مما أوقدها لأجله، من الإبصار والاستدفاء، والأمن مما يخاف، والطبخ للأكل، أو نحو ذلك من المنافع { ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ } أذهب نورهم بإطفائه، فلا نور فضلا عن لإضاءة.

                      والنور منشأ الضياء، ووردا جميعاً في شأن سيدنا محمد، وسيدنا موسى صلى الله عليه وسلم عليهما، وقيل الضياء ما للشيء جميعاً في شأن سيدنا محمد، وسيدنا موسى صلى الله وسلم عليهما، وقيل الضياء ما للشيء من ذاته، والنور من غيره { وَتَرَكَهُمْ } صيَّرهم { في ظُلُمَٰتٍ } ظلمة واحدة كأنها ظلمات، لشدتها، أو ظلمات متراكبة من الليل أو ظلمة الليل وظلمة الغمام، وظلمة انطفاء النار، وذلك من حال المستوقدين يشبه من حال هؤلاء المنافقين مضرة الكفر ومضرة النفاق، وظلمة يوم القيامة، { يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبأيمانهم } ، ومضرة العقاب.

                      { لاَ يُبْصِرُونَ } ما حولهم من الطريق فضلا عن أن استدفئوا أو يطبخوا أو يحصل لهم الأمن من مضار الحقير والسبع والحية ونحو ذلك. وهذا منهم يشبه حال المنافقين، إذا ماتوا جاءهم الخوف والعذاب بعد أمنهم في الدنيا على أنفسهم وأموالهم وأولادهم بكلمة الشهادة في ألسنتهم.

                      صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)

                      { صُمٌّ } أي أولئك مشترو الضلالة صم أو هم صم { بُكْمٌ عُمىٌ } شبهوا في عدم قبول الحق بمن لا يسمع ولا يتكلم ولا يبصر، فهم لا يعرفون الحق، كأنهم لم يسمعوه ولا يتكلمون به. ولا يبصرون طريق الهدى { فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } إلى الحق كما أن الأصم لا يسمع، والأخرس لا يتكلم، والأعمى لا يبصر، كمثل الذي استوقد ناراً... الخ.

                      أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)

                      { أَوْ كَصَيِّبٍ } أو كمثل أهل صيب، أو بل كمثل أهل صيب، أو يتنوع من ينظر إليهم في شأنهم بعقله إلى من يشبههم بالمستوقد المذكور، وإلى من يشبههم بأهل الصيب، أو يشك الناظر في شأنهم أو هم كالمستوقد أو كالصيب أو يباح للعاقل أن يشبههم بمن شاء منهما، أو يخير أن يقصر التشبيه على أحدهما.

                      والصيب المطر المنحدر من السماء، والصواب الانحدار، والأصل صيوب على الخلاف في باب سيد، قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء، وهو وزن في معل العين. وشذ في الصحيح كصيقل، وقيل: هو بوزن طويل، فقلب وشهر أن لفظ صيب اسم، وقيل: وصف بمعنى نازل، وزعم بعض أنه بمعنى منزل، وبعض أنه اسم بمعنى السحاب.

                      { مِّنَ السَّمَاءِ } السحاب، أو من جهة السماء وجهتها السحاب. وذكر ذلك مع أنه لا يكون الصيب إلا من السحاب وجهة السماء تلويحا إلى أنه من جميع آفاقها { فِيهِ } في الصيب كما يتبادر، أو في السماء أي السحاب. وهو أولى لأن الرعد ملكا كان أو صوته أو صوت ماء هو في السحاب، لا في المطر؛ ولو كان البرق يصل الأرض لأنه أولا يجيء من السحاب { ظُلُمَٰتٌ } متراكمات، ظلمة السحاب، ففيه ظلمة ولو في أجزائه، وظلمة المطر وظلمة الليل المدلول عليه بقوله:{ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ }[البقرة: 20].

                      ويجوز كون " فيه " نعتا لـ "صيب " أو حالاً، وظلمات فاعلة { وَرَعْدٌ } الرعد ملك سمى صوته باسمه، أو يقدر مضاف، أي وصوت رعد، أو اسم موضوع لصوت ملك السحاب. أو هو صوت تضارب الماء، وذلك الصوت مطلقا صاعقة، كما ذكر تقريباً، والمراد أصوات. بدليل جمع الصواعق.

                      { وَبَرْقٌ } قيل: ملك على هيئة النور، أو نور سوطه الذي يزجر به السحاب، لا كما قيل إنه سوط من نار يزجر به السحاب، وأفردا لأنهما مصدران الآن، أو في الأصل وزعم بعض أنهما أفردا لأن الرعد يسوق السحاب فلو كثر لتفرق السحاب ولم يكن مطبقاً، فتزول شدة الظلمة ولو كثُر البقر ولم تطبق الظلمة، وبعض أنه لم يجمع النور في القرآن فلم يجمع البرق.

                      { يَجْعَلُونَ } يحمل الناس الذين حضرهم الصيب، دل عليهم أن المقام لذكر ظلمة الصيب، والجمل لكونه أول على الإحاطة أبلغ من الإدخال { أَصَٰبِعَهُمْ } أطراف أصابعهم على المجاز بالحذف، أو سماهم باسم الأصابع لأنها بعضها، والمجاز لغوى، ونكتته التهويل بصورة جعل الأصابع إلى أصولها، أو لا مجاز، لأن وضع طرف إصبعه على شيء بصدق جعل أنه وضع إصبعه عليه بلا قرينة ولا علاقة، كما أن قولك مسسته بيدي حقيقة ولو كان المس ببعضها ولما في قوله:

                      { فِي ءَاذَٰنِهِمْ } فإنه حقيقة مع أن الجعل ليس في كل الأذن، وأطبق الأصابع مع أن المعبود السبابة لدهشتهم، حتى إنهم يدخلون أي إصبع اتفقت، ويجوز أن يكون المجاز عقليا بإسناد الجمع للأصابع مع أنه للأنامل { مِّنَ الصَّوَّٰعِقِ } المعهودة بالمعنى في قوله ورعد، لا باللفظ، كقوله تعالى { وليس الذكر كالأنثى }[آل عمران: 36] فإن قولها، ما في بطني، أرادت به الذكر، والمراد بها شدة الصوت.

                      والأكثر في الصاعقة صوت مع نار، أو نار بلا صوت، لا تمر على شيء إلا أحرقته، وذلك من الجو، وقد يكون معها حجر أو حديد، ويجوز حمل الآية على الصوت مع النار، على أنهم توهموا أن عدم سماع ذلك الصوت منج لهم من أن تصيبهم نار، فيكون الكلام تمثيلا بقوم شأنهم التوهم، فجعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا. ولا يصح ما قيل، إن المشهور أن الصاعقة لرعد الشديد معه قطعة نار، بل هي قطعة النار سواء مع صوت أو دونه.

                      وهو في الأصل صفة من الصعق، بمعنى الصراخ وتاؤه للتأنيث صفة لمؤنث، أو للمبالغة، كراوية لكثير رواية الشعر، وليس قولهم للنقل من الوصفية إلى الاسمية خارجا عن ذلك لأن حاصله أنه كان وصفاً مؤنثاً بالتاء، ثم صار اسماً وقيل مصدر كالعافية والعاقبة.

                      { حَذرَ الْمَوْتِ } لأجل حذر الموت بالسمع، وهو تعليل للعلة الأولى التي هي قوله من الصواعق مع معلله، وإنما الممنوع ترادف علل على معلول مجرد بلا تبعية، أو يقدر حاذر بن الموت. أو ذى حذر الموت، أو يجدونها حذر الموت.

                      وحاصل الشبه بالصيب المذكور أن القرآن شبيه بالمطر، إذ هو سبب لحياة الدنيا، والقرآن سبب لحياة القلوب، وأن الكفر شبيه بالظلمات في مطلق الإهلاك وعدم الاهتداء، وفي مطلق الحيرة، والوعيد عليه شبيه بالرعد في الإرهاب، والحجج شبيهة بالبرق في الظهور والحسن. وسد آذانهم عن سماع القرآن شبيه بسدها عن الصواعق، وترك دينهم شبيه بالموت عندهم، وذلك تشبيه مفردات بمفردات، وإن شئت فتشبيه مجموع بمجموع تمثيلي.

                      { وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَٰفِرِينَ } بأجسامهم واعتقادهم وأقوالهم وأفعالهم، ولا يخفى عنه ما يعاقبهم عليه، أو قل، وعقاب الله محيط بالكافرين، شبه قدرته بإحاطة المحيط بالشيء، تشبيه الكامل بالناقص على الاستعارة الأصلية، واشتق منه محيط على التبعية، أو الاستعارة تمثيلية، أو الإحاطة الإهلاك ون معناه، أحاطت به خطيئته، أو عالم علم مجازاة، ومن معناه، وأحاط بما لديهم.

                      يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)

                      { يَكَادُ الْبَرْقُ } المعهود في الآية قبل { يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } أبصار أهل الصيب، يقرب أن يأخذها بسرعة، وإسناد الخطف إلى البرق مجاز للسببية.

                      ونفي كاد نفي، وإثباتها إثبات كسائر الأفعال، وغير هذا تخليط، وإذا قلت، كاد يقوم فمعناه قرب، وإذا قلت، لم يكد يقوم فمعناه لم يقرب، وإذا قيل، لم يكد يقوم مع أنه قام فمعناه أنه لم يقرب للقيام، ثم قرب وقام.

                      { كُلَّمَا أَضَاءَ } ظهر البرق أو أظهر البرق الطريق { لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ } يمشون في ضوئه كل إضاءة أي كل وقت إضاءة، أو في الطريق المدلول عليه بالشيء، كما قدر بعض، كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه، وذلك أن المشي في مطرح البرق لا في البرق، والهاء للبرق، وكل ظرف لإضافته إلى المصدر المنسبك بما المصدرية المستعمل ظرفاً، كجئت طلوع الشمس، ويجوز أن يكون لازماً بمعنى وقع، كما فسرته أولا، كلما لمع مشوا في مطرح ضوئه.

                      { وَإِذَا أَظْلَمَ } الطريق المسدود عليه، أو أظلم البرق، أي زال، أو الجو { عَلَيهِمْ قَامُوا } أمسكوا عن الشيء { وَلَوْ شَاءَ اللهُ } أي لو شاء إذهاب أسماعهم وأبصارهم { لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ } أي بسمع المنافقين، الإضاءة للحقيقة أو الاستغراق، وكأنه قيل، بأسماعهم، كما قال:

                      { وَأَبْصَٰرِهِمْ } عيون المنافقين الظاهرة كما ذهب ببصائر قلوبهم الباطنة فلا تقبل الحق، ويجوز عود الهاءين لأصحاب الصيب، لأن بصائرهم ولو كانت لا تعمى بالظلمات لكن المراد التنوية للصيب وشأنه المشبه بهما حال المنافقين، فإن تقويتهما تقوية لحالهم في الهول، فيكون شبههم بالمستوقد، ثم بالصيب الموصوف بما ذكر، وبأنه لولا أن الله حفظ سمع أهله وأبصارهم لذهبت بالبرق والرعد.

                      ومشيهم في البرق تشبيه لميلهم إلى بلاغة القرآن، وصدقه، ووعده بالخير، وإمساكهم عن المشي عند ذهاب البرق، وتشبيه لوقوفهم عما يكرهون من تسفيه دينهم، ورفض آلهتهم، والمشيئة والإرادة بمعنى، ولا يصح ما قيل إن أصل لمشيئة لإيجاد واستعمل بمعنى الإرادة، والباء للتعدية، أي أذهب أسماعهم، وقيل، ذهبت بكذا ذهبت معه، وإذا لم يذهب فللتعدية، أو مجاز في المعية { إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أي على كل شيء ممكن.

                      وأما المستحيل في حقه، كاتخاذ الصاحبة والولد فلا تقل هو قادر عليه، لأن الاتصاف بالقدرة عليه اتصاف بجوازه، ولا غير قادر عليه، لأن هذه صبغه عجز، تعالى عنها، ولأنها فرع عن تقرره هكذا في الجملة، وهو غير متقرر، تعالى عنه، أو المعنى على كل شيء شاءه هؤلاء لا يرده عما أراد وقوعه، ومع ذلك هو قادر على إيقاع لم يسبق قضاؤه بوقوعه من الممكنات إجماعا، وما لم يكن ولا يكون لا يسمى شيئاً، ونسبه بعض أصحابنا، وقيل شيء، وهو الصحيح عندي، وأما المستحيل فلا يسمى شيئاً، والآية ونحوها من الآي والحديث تدل على جوازه في كل معلوم ممكن، ويطلق على المحال بمعنى ملاحظته، ولا يقال قادر عليه ولا غير قادر، ومعنى: وقد خلقك من قبل ولم تك شيئاً: لم تكن شيئاً موجوداً، بل شيئاً معدوماً.

                      تعليق


                      • #12
                        رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                        جزاكم الله خيرا وجعله الله فى ميزان حسناتكم






                        تعليق


                        • #13
                          رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                          سورة البقرة: الآيات (21-24)



                          يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)

                          { يَٰأَيُّهَا النَّاسُ } لم يقع النداء في القرآن بغير يا، وهي الأصل، فما حذف منه حرف النداء، مثل: { ربنا لا تؤاخذنا } ، وآية المؤمنون قدر فيه ياء، لذكرها في غيره ولأصالتها، ويأيها الناس مكي، وقلَّ مدنيا، كما في هذه السورة والنساء والحجرات، فإنهن مدنيات.

                          والنداء هنا، وفي قوله: { يَٰأيها الإنسان } ، ونحوهما للتنبيه على ما يصلح، ويأتي للمدح، نحو، { يَٰأيها الرسول } ، و، { يَٰأيها النبي } ، و، { يَٰأيها الذين آمنوا } ، وللذم نحو، قل يأيها الكافرون، وليس منه، يأيها الذين هادوا، لأن المعنى الذين ادعوا أنهم تابوا إلى الله. إلا أن يدعى خروجه عن معناه الأصلي إلى معنى الذين بقوا على اليهودية مع بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكون للعقاب، كقوله تعالى: يا أيها المدثر، و: يا أيها المزمّل، أو الآيتان للإنشاط والإراحة من صبق المفاكه لغيره، ويكون لغير ذلك.

                          والخطاب في مثل الآية للموجودين المكلفين والآيتين بعد إلى قيام الساعة، ولو مجانين أو صبيانا يقيد الإفاقة والبلوغ، وذلك تغليب وقيل للمكلفين الموجودين في مهبط الوحي، وأما غيرهم فبالنص أو القياس أو لإجماع، لا بصيغة الشراء ونحوها، وعلى الأول خوطبوا إذا بلغوا أو أفاقوا من زمان الوحي.

                          قال بعضهم: الأصح أن نحو يأيها الناس يشمل الرسول صلى الله عليه وسلم ولو قرن بقل، أو اكتب إليهم، أو بلغهم، أو نحو ذلك، وقيل: لا يشمله، لأنه ورد على لسانه للتبليغ لغيره، لأنه إن كان آمراً أو مبلغاً فلا يكون مأموراً أو مبلغاً إليه لأن الواحد بالخطاب الواحد لا يكون آمراً ومأموراً، ومبلغاً ومبلغاً إليه للضرورة ولأن الآمر أو المبلغ طالب، والمأمور أو المبلغ إليه مطلوب، وإن قيل: قد يكون آمراً ومأموراً، مبلغاً مبلغاً إليه من جهتين، قلت: الآمر أعلى رتبة من المأمور، ولا بد من المغايرة، إلا أنه لا يشترط أن يكون المبلغ أعلى رتبة من المبلغ إليه، لكن الخطاب يصل المبلغ قبل، وقيل: إن قرن بنحو قل لم يشمله صلى الله عليه وسلم لظهوره في التبليغ. وإلا شمله.

                          والأصح أن نحو، يأيها الناس يشمل العبد المكلف شرعاً كما يشمله لغة، وعليه الأكثر، وقيل: لا يشمله لصرف ما معه إلى سيده في غير أوقات ضيق العبادات وشمل الكافر أيضاً، لأنه مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح، وشمل الموجودين وقت النزول، وقيل: يتناول من سيوجد أيضا، وفيه أنه لا يظهر أن يقال للمعدوم يا فلان أو نحو ذلك.

                          { اعْبُدُوا رَبَّكُمْ } وخذوه لا تجعلوه له شريكا، أو اعملوا الصالحات واجتنبوا المحرمات له، ومن ذلك ترك الأصنام والهوى { الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُم } وتعليق الحكم بالمشتق أو بما معناه يؤذن بكونه علة، أي اعبدوا الذي هو سيدكم، أو مريبكم، وخلقكم وخلق الذين من قبلكم، أي اعبدوه لسيادته وملكه وخلقه لكم، فما ليس سيداً لكم ولا مالكاً ولا خالقاً لا يستحق أن يعبد.

                          { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } قال سيبويه: عسى في كلامه تعالى للتحقيق، ولا يشكل عليه قوله تعالى { عسى ربه إن طلقكن } لأن تحقيق تبديل أزواج خير معلق بالتطليق، والطليق غير واقع، وأمل سئل عسى، فمعنى الآية تحقق حصول الوقاية عن عقابه بالعبادة، أو اعبدوه راجين حصول الوقاية، فقد لا تكون العبادة وقاية لخلاها، أو إبطالها برياء أو وردة أو نحوهما، أو اعبدوه لتحصلوا الوقاية.

                          أو شبه طلب التقوى منهم بعد اجتماع أسبابها ودواعيها بالترجي في أن متعلق كل منهما مخير بين أن يفعل وأن لا يفعل، مع رجحان ما بجانب الفعل، فينتقل ذلك إلى كلمة لعل فتكون استعارة تبعية، أو تشبه ذواتهم بمن يرجى منه التقوى فيثبت له بعض لوازمه، وهو الرجاء، فتكون الاستعارة بالكناية.

                          الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)

                          { الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ } في جملة من سواكم { الأَرْضَ فِرَٰشاً } بساطا خارجاً عن الماء مع ثقلها، ينتفع به لا صلباً ضاراً، ولا رخوا مفرقا، وسماها بساطا ولو قيل: إنها كريّة الشكل؛ لأن الكرة إذا عظمت كان كل قطعة سطحا، وكانت قبل خلق السماء كرية، وبعد خلق السماء دحيت، أي بسطت { وَالسَّمَاءَ بِنَاءً } من فوقكم كالسقف، كما جاء في آية أخرى، أنها كسقف للأرض أو كقبة مضروبة على الأرض، لتقدم خلقها، ولأنهم فيها، ولأن انتفاعهم بها أكثر، ولأنها ما يحتاج إليه بعد الوجود، إذ لا بد من مكان يستقر فيه، أو لأنها أفضل من السماء، لأن الأنبياء منها وفيها، وهذا قول.

                          { وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ } أي من جهتها، أو من السحاب سماه سماء { مَآءً } والله قادر أن ينزل من السماء إحدى السبع ماء في سرعة { فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَٰتِ } أخرج به { رِزْقاً } من الثمرات { لَّكُمْ } تأكلونه، وتعلفون دوابكم وتلبسونه كالقطن والكتان، وما لدواب الناس هو لهم.

                          من الثمرات حال من رزقا، ومن للتبعيض أو للبيان، ورزقا مفعول به، أو من اسم بمعنى بعض، مفعول به ورزقا حال مِنَ مَن، والثمرات جميع ما تخرج الأرض حتى الحشيش، أو الثمار، ونواها داخل فيها علف، وذلك أسباب ألا تجعلوا له أنداداً، كما قال { فَلاَ تَجْعَلُوا لِلهِ أَنْدَاداً } شركاء في العبادة، مقاومين لله تعالى عن ذلك، فإن كل ما سواه عاجز ذليل، خلقه الله وملكه، وذلك أن ما يصنعون بأصنامهم، وما يعبدونه في صورة المقاومة، قالوا بها أو لم يقولوا.

                          والند المقاوم مثلا، أو خلافا أو ضدا، وهم لا يقولون بالمناداة، أو الند الكف، أو المثل، وإذا جمع مع غير كالكفؤ، والضد والمثل والشبيه كان كل بمعناه على حدة، الند مثل الشيء الذي يضاده ويخالفه في أموره، وينافره، من ندّ البعير إذا نقر، وقيل: الند المشارك في الجوهرية، والشِّكل المشارك في القدر والمساحة والشبه المشارك في الكيفية والمساوي في الكمية، والمثل عام. وفي تسمية الأصنام أنداداً استعارة تهكمية. لأنهم علموا أنها عاجزة لا فعل لها، ولا تشارك الله تعالى في شيء، كما يستعار أسد للجبان، والتبشير للوعيد، وحكمه ذلك الإشارة إلى أن عليهم ذنب من اعتقدها مشاركة له في صفاته وأفعاله.

                          { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنه ليس في كتاب من كتب الله ثبوته الند له تعالى، وتعلمون أنه الخالق، وغيره ليس خالقا، فكيف يصح لكم جعل من لا يخلق شيئا إلها مع ما تشاهدون من حديث غيره وعجز غيره، هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء، أو تعلمون من أهل التوراة والإنجيل أنه ليس فيها جواز اتخاذ الأنداد، بل النهي.

                          وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)

                          { وَإِنْ } جريان مع تحقق ارتيابهم إشارة إلى أنه بعيد جداً حتى إنه يشك في وقوعه، وذلك توبيخ، أو لأن فيهم من لم يتحقق ارتيابه، فغلب على غيره ممن تحقق ارتيابه، ولما اختلفوا جعلوا كأنه لا قطع بارتيابهم { كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ } شك { مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } محمد صلى الله عليه وسلم من القرآن، أهو من الله، أو من عنده، أو غيره من الناس، ومقتضى الظاهر الغيبة في، وإن كنتم في ريب مما نزل على عبده، ولكن عدله إلى التكلم تفخيماً للقرآن ورسوله صلى الله عليه وسلم، قالوا ما يقول محمد لا يشبه الوحي، وإنا لفي شك منه، فنزلت الآية:

                          { فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّنْ مِّثْلِهِ } أي سورة هي مثل ما أنزلنا في البلاغة، وحسن التأليف، والإخبار بالغيب مع الصدق، أو، فأتوا بسورة صدرت، أو كانت من مثل عبدنا من فصحاء العرب وبلغائها، ولو كان يقرأ الكتب والأخبار ويسمعها.وكيف تأتون بها من أمي مثله، لا يقرأ ولا يكتب، ولا يسمع الأخبار، ويدل للأول قوله { وَادْعُوا }...إلخ، وقوله تعالى في سورة أخرى{ بسورة مثله }[يونس: 38] وقوله تعالى{ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثلِه }[هود: 14] فإنه لا يصح فيها عود الضمير إليه صلى الله عليه وسلم.

                          وأقل السور ما فيه ثلاث آيات كسورة الكوثر، وسورة والعصر، وسورة قريش، إلا أن يعد{ لإِيلٰفِ قُرَيْشٍ }[قريش: 1] أية، وكسورة الفتح إن عد{ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحِ }[النصر: 1] أية وهو المكتوب، والواضح أنها آيتان، آخر الأولى أفواجا، وآخر الثانية توابا، فأقل السور آيتان، إلا إن جاء حديث في أن آخر الأولى: { والفتح }.

                          { وَادْعُوْا } نادراً واطلبوا { شُهَدَاءَكُمْ } جمع شهيد أو شاهد، لتعينكم آلهتكم التي تشهد لكم على زعمكم، أنكم عبدتموها وتقربكم إلى الله زلفى، أو تنصركم، أو تحضركم للنفع، أو تكون إماماً لكم، فإن الشهادة تكون من تلك المعاني { مِّن دُونِ اللهِ } غير الله.

                          أصل دون التفاوت والانحطاط في الحس كقرب مكان، وكقولك عمرو دون زيد في للمقامة، وتستعمل في غير الحس، نحو عمرو دون زيد شرفا، ثم شاع استعماله في كل تفاوت، وكأنه أداة استثناء.

                          { إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } في أن القرآن من غير الله.

                          فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)

                          { فَإِنْ لَّمْ } مجزوم إن لم ومجزومها أو لم والجملة بعدها، فهي من الجمل التي لها محل، كما قيل بأن محل جملة الشرط إذا سبقت بمبتدأ رفع خبر له، نحو، من يعمل سوءاً وهو قول بعض { تَفْعَلُوا } إتيانا بالمثل لعجزكم { وَلَنْ تَفْعَلُواْ } إتيانا بالمثل لظهوره إعجازه، وعجزكم، أي، والحال أنكم مقدرون ألا تفعلوا أبدا، ولا يضر تصدير جملة الحال بأداة الاستقبال، إذا كانت الحال مقدرة، ولا يصح العطف لأن أداة الشرط لا تليها لن،

                          { فَاتَّقُواْ النَّارَ } بالإيمان بأن القرآن من الله عز وجل، فإن إنكاره موجب لها، أو، فاتقوها مع بقائكم على الكفر إن وجدتم وقاية ولكن لا تجدونها، وعرف بالنار عهدا من تنكيرها في أية التحريم النازلة في مكة وأول التحريم إليها مدني،

                          { الَّتِي وَقُودُهَا } أي الجسم الذي توقد به { النَّاسُ } الكفرة، قدم الناس لأنهم المعذبون، ولأن لحومهم وشحومهم أليق بالنار تزداد بها وقودا، والمراد ما يشمل الجن أو لم يرادوا في الآية. لأن السياق لكفار قريش، وذكروا في غير هذه الآية { وَالْحِجَارَةُ } المعبودة، { إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم }[الأنبياء:98] وما شاء الله من الحجارة لتعذيب الكفرة مطلقاً، ولمزيد التحسر إذا رأوا أنهم عذبوا بما عبدوا، ولم يدفع عذابهم، فضلا عن أن ينفعهم، وهي نار تتقد بالحجارة لشدة حرارتها، لا كنار الدنيا تتقد بالحيل أو بالحطب، ويوقى عنها الناس، وقيل حجارة الكبريت لشدة حرها، وكثر الالتهاب، وسرعة الإيقاد، ومزيد الالتصاق بالأبدان، ونتن الريح وكثرة الدخان، وقيل الذهب والفضة لأنهما يسميان حجرا، ولا يتبادر، ولا مانع من أن يراد ذلك كله.

                          { أُعِدَّتْ } هيأها الله وأوجدها، ووكل عليها ملائكة قبل يوم القيامة، ولا تفنى، وإن فنيت أعادها.

                          وحكمة إيجادها قبله الإخبار بأحوالها الواقعة للزجر، وهو أقوى من الإخبار أنها لم تكن، وأنها ستكون بوصف كذا، وإن لم تكن الآن فكأنها كانت لتحقق الوقوع، فعبر بأعدت، والمراد ستعدّ { لِلْكَـٰفِرِينَ } يعذبونها بها، أو الكافرون، كفار قريش ونحوهم، عدل عن الإضمار مع تقدم ذكرهم إلى ذكرهم باسم الكفر الموجب للنار المذكور، أو جنس الكفار، فيدخل هؤلاء أولا وبالذات.

                          تعليق


                          • #14
                            رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                            سورة البقرة: الآيات (25-29)



                            وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26)

                            { وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا } بالله، وبأن القرآن منه، عز وجل، أخبرهم إخبارا يظهر الفرح بها على أبشارهم، أي جلودهم، والتبشير أخص من الإخبار، لأنه أولا بالخير، والإخبار أولا وغير أول، وبالخير وغيره { وَعَمِلُوا الصَّٰلِحَٰتِ } من الفرائض ولا بد، أو مع النقل إن كان، ومن العمل الصالح ترك المعاصي، لأن تركها جبذ النفس عنها، وهو عمل إن قارن جبذها عمل الجارحة، وذلك الترك تقوى، ومن التقوى أداء الفرض.

                            وأل في الصالحات للجنس فتصدق بعملين، وبعمل واحد في شأن من لم يدرك من حين كلف إلا ذلك، كمن بلغ ومات عن قريب، أو أسلم كذلك، أو مات قبل نزول سائر الفرائض، ومن عمل قليلاً فجنّ، ولا يخفى أنه من مات قبل أن يعمل شيئاً ما من الأعمال لسرعة موته أو نحوه يدخل الجنة.

                            { أَنَّ لَهُمْ } أي بأن لهم، أو ضمن بشر معنى الإِعلام { جَنَّٰتٍ } حدائق، فيها كل صنف من الثمار حتى ما لا يؤكل، كالحنظل يحلو فيها، وفيها مساكن وقصور { تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا } تحت أشجارها ومساكنها، والجنة الأرض كما رأيت، بتقدير مضاف، وإن شئت فلا تقدر، بل اردد الضمير إلى الأرض، والمراد به الأشجار استخداما، وإن أريد الأرض والشجر فالضمير عائد إليها باعتبار جزئها، أو تحتها جانبها { الأَنْهَٰرُ } تنبع من تحتها، ولم تجيء من محل آخر، أو جاءت من بحر غائرة في الأرض حتى إذا وصلت الجنات نبعث ظاهرة، وجرت على وجه الأرض في غير أخدود، وحصباؤها درّ وياقوت، أو بعض تجرى من بعيد تحتها، وبعض تنبع تحتها،

                            والنهر والبحر أرض، وذلك لأن الماء ينهره، أي يوسعه، والجري للماء، وأسند لمحله، والنهر مجمع الماء الذي يجرى الماء منه إلى غيره، وإن قلنا النهر الماء الجاري في متسع فلا مجاز، وأل للحقيقة، أو للعهد في قوله، فيها أنهار، أو نابت عن الضمير.

                            { كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا } من الجنات { مِنْ ثَمَرَةٍ } حال من قوله { رِّزْقاً } أي شيئاً مرزوقاً.

                            ورزقاً مفعول ثان، ومن للبيان، أي رزقا هو ثمرة لا بدل بعض، لأدائه، إلى حذف الرابط ولإفرادها، ولا يرزق من الثمرة، ولأدائه إلى استعمال النكرة في الإثبات للعموم الشمولي مع وجود التخلص من ذلك، ولا بدل اشتمال، لأن الثمرة بعض الجنة، لا شيء غيرها ملابس لها، ولأدائه إلى استعمال النكرة في الإثبات للشمول، ولو قيل به في علمت نفس، والثمرة الإفراد أو الأنواع، وما مصدرية، وكل ظرف لإضافته للمصدر النائب عن الزمان، أي كل رزق منها، بفتح الراء على المعنى المصدري، متعلق بقوله { قَالُوا } أي يقولون كل وقت رزق منها:

                            { هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ } في الدنيا أو في الآخرة، ولا يزالون يقولون: هذا الذي. . إلخ، أي مثل الذي رزقناه من قبله، في ظنهم بحسب اللون والصورة، وإذا أكلوه وجدوا طعمه غير طعم الأول وأحلى، وكل طعام أفضل مما قبله أبدا، فإذا رزقوا الرزق الأول في الجنة قالوا، هذا الذي رزقنا به في الدنيا، وإذا رزقوا ثانيا قالوا، هذا الذي رزقناه في الجنة قبل، وهكذا إلى ما لا نهاية له، وقيل، ذلك كله في الآخرة لم يدخل فيه ما في الدنيا، ولا دليل على أن المراد بالذي رزقنا من قبل هو الأعمال الصالحة في الدنيا، تسمية المسبب باسم السبب.

                            { وَأُتُوْا بِهِ } أي أتاهم الملائكة به، أو الولدان كقوله تعالى{ يَطُوفُ عَلَيهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُون... }[الواقعة: 17] إلخ أو تارة الملائكة، وتارة الولدان { مُتَشَٰبِهاً } يشبه بعضه بعضا لونا، ويختلف طعما، أخبرنا الله يتشابه اللون تلذيذا لنا بغرابة تشابه اللون واختلاف الطعم، وذلك مدح للجنة، أو متشابها لونا وطعما، إلا أن الطعم متفاوت، فضلا.

                            قال الحسن: إن أحدهم يؤتى بالصحفة فيأكل منها، ثم يؤتى بأخرى فيراها مثل الأولى فيقول، هذا الذي رزقنا من قبل، فتقول الملائكة، اللون واحد والطعم مختلف، وعنه صلى الله عليه وسلم، " والذي نفس محمد بيده، إن الرجل من أهل الجنة ليتناول الثمر ليأكلها، فما هي واصلة إلى فيه حتى يبدل الله مكانها مثلها " ، فيجوز أن يحمل التشابه، وهذا الذي رزقنا من قبل على هذا.

                            { وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ } حور عين وآدميات أفضل منهن، وللجن جنيات وحور.

                            والجمع الأزواج للقلة، والمراد الكثرة، والمفرد زوج بلا تاء، وأما زوجة بالتاء في المؤنث فشاذ أو خطأ، وقيل: لغة تميم وكثير من قيس، قال الفرزدق:

                            وَإِنَّ الذي يَسْعَى لِيُفْسِدَ زَوْجَتِي ... كَسَاعٍ إِلَى أُسْدٍ الشَّرَى يَسْتَمِيلُهَا

                            { مُّطَهَّرَةٌ } منزهلة عن أن يكون فيهن الحيض أو شعر الإبط، أو شعر العانة أو نتن أو بلل مستقذر، أو بول، أو غائط، أو سوء خلق، كما هم طهروا كذلك والمطهر لهن الله تعالى، وليس ذلك جمعا بين الحقيقة والمجاز، إذ كان التطهير في الآدميات والجنيات إذهاب نحو الحيض منهن بعد إذ كان، أو تأهلهن له ولم يكن، وفي الحور من أول الأمر، لأن المراد تحصيلهن طواهر هكذا، وليس في ذكر الزوجات ما يدل على الولادة في الجنة، فقيل: لا ولادة فيها، وهو المشهور، وقيل بها { وَهُمْ فيها خَٰلِدُونَ } لا يخرجون ولا يموتون، ولا نزول بعض حواسهم وأجسادهم، ولا بعض قواهم، ولا تصيبهم آفة.

                            ولا تفنى الجنة والنار وأهلهما، كما زعمت الجهمية، قبحهم الله عز وجل، لأنه ليس في دوامهما اشتراك مع الله فيه، لأن دوامه غير دوامهم، فإنه بالذات، ودوامهم بإدامته، وأنفاس أهلهما مع دوامهما معلومة له، بل قيل، يقال، إن معلوماته محصورة عنده مع أنها لا تنقضي، وذلك من كمال قدرته ومخالفته للخلق، فلا يلزم الجهل له تعالى بدوام أنفاس أهلها، والنصوص دلت على ذلك، ولو كان لأهل الجنة فناء لاغتمّوا ولم تتخلص لذاتهم، ولفرح أهل النار، وليس لهم فرح.

                            روي عن ابن عباس وابن مسعود.أن رجلين من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين، فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله فيه رعد وبرق وصواعق، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق جعلا أصابعهما في أذانهما من الفرَق أن تدخل الصواعق في مسامعهما، فتقتلهما، وإذا لمع البرق مشيا إلى ضوئه، وإذا لم يلمع لم يبصرا ولزما مكانهما، فجعلا يقولان، ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً فنضع أيدينا في يده، فأتياه مكانهما، فجعلا يقولان، ليتنا قد أصبحنا فنأتي محمداً فنضع أيدينا في يده، فأتياه فأسلما، ووضعا أيديهما في يده، وحسن إسلامهما، فضرب الله شأن الرجلين مثلا للمنافقين الذين بالمدينة.

                            وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في أذانهم فرَقا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، أن ينزل فيهم شيء، أو يذكروا بشيء فيقتلوا، كما يجعل الرجلان أيديهما في أذانهما، وإذا أضاء لهم مشوا فيه، إذا كثرت أموالهم، وأصابوا غنيمة وفتحا مشوا فيه، وقالوا، إن دين محمد صدق، واستقاموا، كما يمشى الرجلان في البرق، وإذا أظلم عليهم قاموا، إذا هلكت أموالهم وأولادهم وأصابهم البلاء قالوا: هذا لدين محمد وكفروا، كما يمسك الرجلان من المشي إذا زال البرق.

                            قيل: لما مثل الله حال المنافقين بالذي استوقد نارا، وبالصيب من السماء المنافقون، الله أجل وأعلى من أن يضر هذه الأمثال، فأنزل الله عز وجل:

                            { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاَ مَّا بَعُوضَةً } ما نعت لمثلا ولو كان جامداً، لأن معناه حقير أو كائن ما كان، وهو مشهور، بذلك مستعمل فيه كثيراً بخلاف بعوضة فلا يكون نعتاً لأنه جامد، ولو قصد به الوصف، لأنه لم يشهر، أو لم يرد، لا يقال، جاء رجل بعوضة، بل بعوضة مفعول أول ليضرب، ومثلاً مفعول ثان له، لأنه بمعنى صيّر، وإن عدّى لواحد، فمثلا مفعول وبعوضة بدل أو مفعول، ومثلا حال { فَمَا فَوْقَهَا } إلى قوله هم الخاسرون للدنيا وأهلها، فإن البعوضة تحيا ما جاعت، وإذا امتلأت ماتت، ومن امتلأ من الدنيا هلك أو لأعمال العباد يجازى على القليل منها.

                            والصحيح ما ذكر عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أنه ذكر الله سبحانه أصنام المشركين، فقال{ وَإِن يَسلبهم الذباب شيئاً }[الحج: 73] وذكر كيدها، وجعله كبيت العنكبوت، فقالوا، كيف ينزل الله ذكر الذباب والعنكبوت فنزلت الآية { إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي }.

                            وعن الحسن، لما نزلت{ يَٰأَيها الناس ضرب مثل }[الحج: 73] قال المشركون: ما هذا من الأمثال، فنزل، إن الله لا يَسْتَحْيِي وفيه أن ذكر المشركون لا يلائم كون الآية مدنية، ويجاب، بأنهم منافقون في المدينة، يقولون ذلك فيما بينهم، وهم مشركون في قلوبهم، وعن ابن عباس، لما ضرب المثل بالذباب والعنكبوت قيل، ومستوقد النار، قال اليهود: ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة فنزل، إن الله لا يَسْتَحْيِي. .. إلخ، أي لا يترك، لقول اليهود والمشركين تصير البعوضة فما فوقها في الصغر كجناحها مثلا، أو في الكبر كائناً من كان، ويصير المثل شيئاً ما بعوضة فما فوقها، وإذا ضرب ما زاد على البعوضة في الصغر فأولى أن يضربه بما فوقها في الكبر كالذباب والعنكبوت.

                            والحياء انكسار وانقباض عن عيب، والله منزه عن ذلك، فيحمل في حقه على لازم ذلك، وهو الترك فالاستحياء من الله الترك، تعبيرا باللازم، لأن حقيقته ينزه الله عنها، وهي انكسار يعترى لإنسان لخوفه من أن يعاب بما فعل، أو أراد فعله، وهو مشتق من معنى الحياة، لأنه يؤثر في القوة، ولا يحسن أن يبقى على ظاهره، ويوكل أمره إلى الله عز وجل، وقد ألهمنا تأويلا صحيحاً بلا تكلف، ولا أن يقال، هو بظاهره بلا كيف، لأنه كفر، والخجل حيرة النفس لشدة الحياء وقيل قبل الفعل، والخجل بعده.

                            { فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ } أي المثل هذا أولى، لأنه أقرب. أو الضرب لأنه مصدر لفعل مقرون بأن، وليس من باب اعدلوا هو أقرب، ويبعد عوده لترك الاستحياء، وأبعد منه عوده للقرآن { الْحَقُّ } الثابت أو خلاف الباطل حال كونه { مِنْ رَّبِّهِمْ } أو الحق الصادر من ربهم { وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا } يهود وغيرهم { فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلاً } من حيث التمثيل إنكاراً أو تعجباً من صحته مثلاً وهذا برهان على أنهم لا يعلمون، إذ لا يقوله من يعلم فهو أبلغ من قولك وأما الذين كفروا فلا يعلمونه حقّاً، وأجابهم الله عز وجل، ونصب مثلا على التمييز كما رأيت من اسم الإشارة، لجواز تمييزه وتمييز الضمير إذا كانا مبهمين، أو حال منه،

                            { يُضِلُّ بِهِ } بالمثل { كَثِيراً } من الناس، يصيرهم ضالين لكفرهم به { وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً } لتصديقهم، فإن التصديق هداية من الله عز وجل { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَٰسِقِينَ } من سبق القضاء عليه بأنه يموت على فسقه، الذي هو شرك، ومن لم يؤمن به وسيؤمن فإن إنكاره فسق يتوب منه.

                            والسعيد في حال فسقه فاسق عند الله عز وجل بما فعل لكنه في ولاية الله عز وجل بما علم أنه يتوب، فهو فاسق في الحال يفعله، ومسلم في الأزل وما بعده لسعادته، وليس المراد أنه مسلم كافر عند الله باعتبار واحد، ولا أنه اجتمع فيه إيمان وكفر في حال واحد، ولا تقدر أن تقول هو في حال فعله للكبيرة أن فعله هذا مباح، ولا أنه طاعة، ولا غير ذنب ولا غير فسق، ولا غير كفر، وكل خروج عن الشيء فهو فسق إلا أنه لا يطلق حيث يوهم، والهداية والإضلال يتجددان ويزدادان، فإن شئت فقل: يزيد به هدى وإضلالا، وقدمه، لأن الكلام في الرد على الضالين، وقولهم، ماذا أراد الله ناشئ عن الضلال، وما في القرآن سبب له، ولذلك أكده بقوله: { وما يضل به إلا الفاسقين} فيكون بدأ به وختم به.

                            الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27)

                            { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ } يبطلون إبطالا شبها بفك طاقات الحبل، العهد الشبيه بالحبل في التوصل به إلى المراد، من نجاة من مكروه، وفوز بما يحب، وهو ما أنزل الله عز وجل في كتبه، القرآن وما قبله، من الإيمان به صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك كالمعلوم ولو لم يعلم لقوة حججه كأنه معلوم، ولو لمن لم يعلمه، وزاد أهل الكتاب بما في كبتهم من أخذ الميثاق عليهم وعلى أنبيائهم، أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم.

                            وقد أخذ الله العهد بالإيمان على بني آدم يوم قال: { ألست بربكم } ، وأخذ الله العهد على الأنبياء، أن يقيموا الدين ويؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأخذ العهد على أنفسهم، أن يؤمنوا به، وأخذا العهد على العلماء، وعلى من علم أن يبينوا الحق، والآية في الكفار عموماً.

                            شبه العهد، وهو ما عهد الله عز وجل إلى الخلق من الدين بالحبل بجامع التوصل إلى المقصود والارتباط، ولم يذكره، ودلّ له بذكر مناسبه وهو النقض، فالحبل استعارة بالكناية، وقرينتها تصريحية تبعية، وهي ينقض، فهنا استعارة مكية، قرينتها استعارة تحقيقية لا تخييلية، شبه إبطال العهد بقطع الحبل أو فك طاقاته، فسمى الإبطال نقضا، واشتق منه ينقض.

                            { مِنْ بَعْدِ مِيثَٰقِهِ } تأكيد الله وإبرامه للعهد بالأدلة الفعلية والنقلية، كالكتب من الله، فالهاء للمضاف إليه، وهو الله، ولا إشكال فيه، إذا كانت الإضافة لفظية، كالإضافة إلى الفاعل كما رأيت، أو المفعول كما ستراه، إن شاء الله، فإنها في منزلة عدم الإضافة أو من بعد ميثاق العهد، أي إبرامه كذلك أو تأكده وتقويه من الله، أو منهم بالقبول والالتزام، فالهاء للعهد.

                            والميثاق التوثق أو التوثيق، أو آلة. أي ما وثق الله تعالى به عبده من الآيات { وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ } أي بأن يوصل، وهو الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء، وعدم التفرقة بين رسول الله وآخر، وكتاب آخر، والرحم، والمؤمنين، والجهاد وسائر الدين.

                            وما ذكر من العموم أولى في تفسير ما أمر الله به، بمحمد صلى الله عليه وسلم، وإطلاق ما عليه، ومن تفسيره بالقرآن أو الرحم، ومن تفسيره بوصل القول بالعمل، ومن تفسيره بالأنبياء وأن يوصل بدل اشتمال من الهاء كما رأيت، والأمر طلب الفعل جزما ولو ندبا، أو بشرط العلو ولو ادعاء، أو بشرط تحقق العلو.

                            { وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ } بالمعاصي مطلقا، أو بالمنع عن الإسلام، وقطع الطريق عن من يهاجر، وهو أولى { أُولَٰئِكَ } البعداء عن مقام الخير بصفاتهم الخبيثة { هُمُ الْخَٰسِرُونَ } المبطلون لمصالح أنفسهم، إذا صاروا للنار، إذ لم ينتفعوا للآخرة بعقولهم، وأموالهم، وأبدانهم، وأولادهم، جاههم، وأبطلوا نساءهم في الجنة ومنازلهم فيها، فلا رأس مال ولا ربح.

                            كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28)

                            { كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ } وبخهم الله على ما مضى من الكفر واستمراره، أو أنكر عليهم لياقته بحال صحة ومرض، وسير وعسر، وعز وذل وغير ذلك من الأحوال، أو ذلك تعجيب، وذلك لقيام البرهان.

                            ولخطاب لأهل مكة، ونزلت الآيتان فيها، وجعلتا هنا على ترتيب اللوح، أو حطاب لهم من المدينة بعد غيبة، وتأكيداً عليهم، كما يغتاب ثم يخاطب مخافة ألا يصل الكلام، حاشا لله عز وجل، أو خطب لكل من كفر، كيف يكفر كافر، والحل أنه كان غير موجود ثم، وجد، كما قال:

                            { وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً } المراد بالموت في الحياة، بقطع النظر عن أن تكون قد تقدمت، لا نفيها بعد أن كانت، لأن الإنسان لم يكن حيّاً ثم مات أو أراد أنهم كانوا نطفا، والنطفة كانت حية في الإنسان وماتت بالانفصال، وحييت في الرحم، أو كنتم كأموات، وعلى كل حال لا يشكل أنهم في الجماد لا يوصفون بموت ولا حياة { فَأَحْيَاكُمْ } في الأرحام { ثُمَّ يُمِيتُكُمْ } لآجالكم { ثُمَّ يُحْيِيْكُمْ } في قبوركم ويخرجكم { ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } للجزاء.

                            هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)

                            { هُوَ الذي خَلَقَ لَكُمْ } أي أجلكم، أو ملك لكم { مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً } حتى العقارب والحيات والسباع، فإنكم تنتفعون بها اعتباراً، أو انزجاراً عن عقاب الله، كما تنتفعون بالثمار، والمعادن، والماء، والحيوان، وما في السم نفع لقتل المؤذيات.

                            ولا ينتفع بسم الميتة ولا يباع ولا يشترى، بل سم غيرها، وسم المعدن، أو أراد بالأرض ما في جهته السفل، فيشمل الأرض نفعها، وما فيها، استدل المعتزلة والفخر بالآية على أن الأشياء قبل ورود الشرع على الحل إن كانت نافعة، وعليه كثير من الشافعية والحنفية، ولا تحتمل الآية أن اللام للضرر، مثل { وإن أسأتم فلها } ولا دليل على أن المراد بالآية الإباحة، على شرط نزول الوحي بها، وقيل، إنها قبل الشرع على الحظر، وقيل بالوقف، والأول أولى.

                            { ثُمَّ اسْتَوَى } بعض خلق الأرض، المدلول عليه بخلق ما في الأرض.

                            واستواؤه هنا توجه إرادته، واختار الجهل عن العلم من وكل أمره إلى الله، وقد وجد له تأويلا، وهلك من قال، إنه على ظاهره، لكن بلا كيف، ويتم هنا تفسير استوى بملك، لقوله إلى وقوله ثم إلا بتكلف أن إلى بمعنى على، وقد ملكها قبل، ولا باستولى لتكلف توجيه الغلبة على الجماد، وثم لتراخى الوقت، وإن قلنا للرتبة فلا نقض بها.

                            والصحيح أن السماء أفضل من الأرض، من حيث إنها محل الطاعة التي لا معصية معها، والأرض أفضل من حيث إنها للأنبياء، والرسل والمؤمن أفضل من الملائكة، والأرض أسبق خلقا على الصحيح.

                            { إلَى السَّمَاءِ } أي إلى إيجادها كما أوجد الأرض، وخلق ما في الأرض متأخر عن خلق السماء تشخيصاً، لكنه متقدم ضمنا، فخلق ما يخلق منه الحيوانات مثلا خلق لها، فإن الله عز وجل خلق الأرض بلا بسط في يومين، وخلق السماوات وبسطها في يومين، وبسط الأرض وخلق ما فيا في يومين،

                            { فَسَوَّاهُنَّ } أي صير السماء، وأتى بضمير الجماعة لإرادة الجنس، ولتعدد ما بعده في قوله: { سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ } كقوله تعالى{ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً }[النساء: 11] فمقتضى الظاهر، وإن كانت، أي الأولاد، ولكن قال: كن، لقوله: نساء، وقدم هنا وفي السجدة ما أخر في النازعات، لأن المقام فيهما للامتنان على المخاطبين، وفي النازعات للقدرة.

                            ومعنى تسويتهن سبعاً خلقهن من أول مستويات، كقولك، وسع الدار، أي بأنها واسعة، وسبع بدل من الهاء، عائدة إلى السماء، أو إلى، بهم مفسر به، أو مفعول ثان يتضمن معنى صبر، وهو ضعيف، أو حال مقدرة { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } إجمالاً وتفصيلا، وذواتا وأحوالا، فمن قدرته وعلمه ذلك كيف يجحد، أو كيف ينسب إليه العجز عن إعادة الخلق، مع أنه خلق السماوات والأرض، وخلق الدخان من الماء قبل الأرض، ولما خلق الأرض استوى إلى السماء وهي دخان، وسواها سبعاً، ثم بسط الأرض وفتقها سبعا، وكان بسطها وفتقها في الأحد ولاثنتين، وهن بعض فوق بعض كالسماوات، وقيل: بعض يجنب بعض، يفصل بينهن البحار وتظل السماء عليهن.

                            تعليق


                            • #15
                              رد: تفسير القران الكريم للشيخ محمد بن يوسف اطفيش متجدد

                              سورة البقرة: الآيات (30-33)



                              وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)

                              { وَإِذْ قَالَ } واذكر إذ قال، وقيل: ظرف لقالوا { رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ } كلهم، وقيل لطائفة خزان الجنان، يسمون الجان، أرسلهم إلى الأرض ليطردوا الجن منها إلى البحار، والجزائر، والجبال، ولا يصح هذا، ولا يصح أن إبليس ملك منهم، وأقرب من هذا أنه ولد من الجن قبله، وليسوا ملائكة، قاتلهم الملائكة وأسروه فتعبد مع الملائكة، والمشهور أنه أول الجن، وقيل ملائكة الأرض، لأن الكلام في خلافة الأرض، والمفرد مَلْئَكٌ بهمزة مفتوحة بعد الللام، وهو مقلوب مالك بهمزة ساكنة فهل اللام، من الألوكة، وهي الرسالة، وهم رسل الله إلى الأنبياء، وإلى ما شاء الله، وأخطأ من قال، إن ملائكة الأرض يعصون كبني آدم، والملائكة أجسام نورانية قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، وعلى الظهور.

                              { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } ينفذ الأحكام عنى، وهو آدم، إذ لا يقدر أهل الأرض على تلقى الأحكام عن الله ولا عن الملائكة.

                              { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا } بالذنوب الكبار والصغار والمكروهات كالعجب، والكبر والبغي، والحسد،

                              { وَيَسْفِكُ الدِّمَاءُ } يريقها، كناية عن القتل، ولو بلا إراقة دم، علموا ذلك من فعل الجن الذين سكنوا الأرض قبل آدم، في القول به، وقاسوا عليه آدم وأولاده، أو علموا ذلك من اللوح، أو بإخبار الله لهم، كما روي أنهم قالوا يا ربنا، ما تفعل ذرية هذا الخليفة، فقال: يفسدون فيها، ويسفكون الدماء أو بإلهام، أو لفهمهم أن من خالف الخلقة الملكية لا يخلو عن ذلك، وقولهم ذلك تعجب وطلب للعلم بمكة اقتضت جعل الخليفة مع أنه يحصل الفساد والسفك، ولعلهم بالغوا في التعجب والطلب، فعاقبهم بقطع الوحي عنهم، إلى أن أوحى إليهم، أنى أعلم ما لا تعلمون. وقيل: استفهام حقيقي، أي أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء أم من يصلح؟

                              { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ } نسبحك مصاحبين بحمدك، تقول سبحان الله والحمد لله، أو سبحان الله وبحمده، أي وبحمده نسبح.

                              سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل؟ قال: " ما اصطفى الله تعالى لملائكته، سبحان الله وبحمده " ، ويقال، تسبيح الملائكة سبحان ذى الملك والملكوت، سبحان ذى العظمة والجبروت، سبحان الحي الذي لا يموت، أو نسبحك مثنين عليك وشاكرين لك على توفيقك لنا للحمد، أو كقولك، كان كذا بحمد الله، أي بفضله وإذنه.

                              { وَنُقَدِّسُ لَكَ } نطهرك عن صفات النقص، أي نعتقد خلوك عنها، وجاز هذا لأن التسبيح المذكور مراد به لفظ سبحان، وإذا كان ذلك حالنا فنحن أحق بالاستخلاف، لأنا أحفظ لعهدك، ولا ندري ما الحكمة في العدول عنا إلى من ذلك صفته، وذلك عجيب عندنا، متعجبون نحن منه، فأخبرنا بها.

                              يقال قدس الله، وقدس لله، وشكر الله، وشكر لله، وسبح لله، وسبح لله، ونصح الله، ونصح الله، أو نذكر ألفاظ التقديس لأجلك، أو التسبيح التنزيه عما لا يليق به، فالتقديس تنزيه ذاته عما لا يراه لائقا به، أو نقدس لك نطهر أنفسنا عما لا يجوز من الأدناس والمعاصي، فلا نماثلهم.

                              { قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا } تبدون وما تكتمون وأعلم ما { مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من غيوب السماوات والأرض، ومن إرادتي إظهار حكمي وقدرتي، وأن المطيع الواحد منهم أفضل من الملائكة، وأنهم أشد عبادة وأشق، لأني أخلق لهم موانع كالنفوس والهوى والشياطين منهم ومن الجن، والشهوات، ولهم جهاد وقراءة ليسألكم، وصلاتهم تشمل عبادتكم. وعبادات لهم ليست لكم كالصوم والصدقة، وأظهر العدل فيهم ولا أبالى، وأدخل العاص منهم النار عدلا ولا أبالى، ويحيون من الدين ما لا تحيون بالتعلم والتعليم والأمر والنهى، علم الله ذلك ولم يعلمه الملائكة، وقالوا، سرا فيما بينهم، لن يخلق الله خلقا أكرم عليه منا ولا أعلم، لتقدمنا ورؤيتنا بعض ما في اللوح، وأن آدم يطيع، وإبليس يعصى، وأن منهم أنبياء ورسلا، وأعلم مضارع لا اسم تفضيل، لأنه لا يضاف للمفعول.

                              وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)

                              { وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ } ألقاها في قلبه مرة،لا بتعليم ملك كما قيل { كُلَّهَا } من جميع اللغات، وهي الحروف، والأفعال، والأسماء، وواضع اللغة الله؛ فالمراد بالأسماء الألفاظ الدوال، على المعاني، فشملت الحرف والفعل إقراءً وتركيباً، حقيقة ومجازا، ودخلت أسماء الله كلها، بل قيل، أراد أيضاً ما يدل بلا لفظ كالنصب، والعقد، والإشارة بالجارحة، وحال الشيء.

                              والمراد الأنواع كالإنسان، والفرس والجبل، والنخلة، لا الأفراد كزيد، وشذقم، وهيلة، وكل أهل لغة من أولاده وأولاد أولاده حفظ لغة، ونسى غيرها، وكلها موجودة في أهل سفينة نوح، أو أوقد عليها في ألواح، ودفنت وأخرجت بعد الطوفان، أو أو حتى ما اندرس منها إلى نوح أو هود.

                              وآدم بوزن أحمر من الأدمة، بمعنى السمرة، ولا بأس بها في الجنة، لأنه لم يدخلها جزاء، أو سمر بعد الخروج، وفسر بعضهم الأدمة بالبياض، ومن الأدمة بفتح الهمزة والذال، وهو الغدوة، أو من أديم الأرض، أي جلدها أي ظاهرها، أو من الأدم، أو الأدمة بمعنى الألفة، وألفه عن همزة، وقيل عجمي، بوزن شالح وآزر، فألفه أصل، وذلك في الجنة، وخلق في الدنيا، ورفعته الملائكة إلى الجنة، وعاش بعد خروجه منها ألف عام أو تسعمائة.

                              { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } أي الأسماء بمعنى المسميات، وذكر الأسماء مرادا بها الدوال، ورد الضمير إليها مرادا به المدلول على الاستخدام، وضمير الذكور العقلاء تغليب على الإناث وغير العقلاء { عَلَى الْمَلَٰئِكَةِ } القائلين أتجعل فيها { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ } بألفاظ { هَؤُلاَءِ } الأنواع المعروضة، أحضر كل نوع، فقال ما اسم هذا، جسما أو عرضا، مثل أن يلهمهم في قلوبهم الفرح ما اسمه، والنفل ما اسمه، كما يقول لهم: ما اسم هذا مشيراً للحجر؟.

                              وقد عرفوا بعض الأسماء والأفعال والحروف بلغة من اللغات، كما هو نص الآية، وإنما خص آدم بجمعه ما لم يعلموا إلى ما علموا، أو ذلك تعجيز لهم، لا تكليف بما لا يطاق { إِنْ كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } في دعوى أنكم أحق بالخلافة، والاقتصار عليكم عما يفسد ويسفك، وأنكم أعلم، وقد قالوا لن يخلق الله تعالى خلقا أعلم منا ولا أكرم، وكأنه قيل، فما قالوا، فقال:

                              { قَالُوا سُبْحَٰنَكَ } عن أن نكون في قولنا أتجعل الآية معترضين { لاَ عِلْمَ لَنَا } بتلك المسميات وغيرها { إِلاَّ مَا } أي إلا علم ما { عَلَّمْتَنَا } إياه، أولا معلوم لنا إلا ما علمتناه، هذا اعتراف بالعجز، وشكر على إظهار الحكمة في الخليفة لهم،

                              { إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ } بكل شيء { الْحَكِيمُ } في جميع ما فعل وما قال، وما يقول، وما يفعل، لا يكون منه سفه، أو لا يخرج الأمر عما أراد، يقال أراد فلان إحكام شيء، أي إتقانه فأتقنه، أي لم يخرج عما أراد، وقدم العلم على الحكمة لأن المقام له ولقوله وعلم، وقوله لا علم، ولأن الحكمة تنشأ عن علم وأثر له، ولا حكمة بلا علم، لأن العلم لا يكون إلا صفة ذات، والحكمة تكون صفة ذات، بمعنى أنه أهل لأن لا يكون منه إلا الصواب وإلا الإتقان، وتكون فلا بمعنى إتقان الأمر والإتيان به صوابا.

                              قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)

                              { قَالَ يَٰئَادَمُ } شرفه بالنداء، كما قال يأيها الرسول، يا موسى، وبأنه حقيق أن يعلم غيره، وبمنة التعليم والإفادة على الملائكة، وفي دعائه نفى استيلاء الهيبة عليه { أَنْبِئْهُمْ } أي الملائكة { بِأَسْمَائِهِمْ } بأسماء المسلمين، وقد علمت أن المراد العقلاء وغيرهم، وغلب العقلاء، أي اذكر لهم الألفاظ الدالة عليهم، وفي ضمن ذلك ذكر حكمة المسمى.

                              وللملائكة بعض لغة يفهمون بها ما يخاطبهم آدم به، أو يفهمون بإشارته أو بإلهام الله سبحانه لهم إلى الفهم عند خطابه، مثل أن يقول لعل للترجي، والإنسان أنا وولدي والجبل لذلك الجسم الصلب والأرض لهذه السطحية والقصعة ودعا لوضع الطعام، وقام بمعنى تمدد جسده من هذه البسيطة.

                              وآدم اسم عجمي لا دلالة له على معنى سوى ذاته، كما هو الأصح، أو أصله من الأدمة، وهو لون إلى سواد، أي سيكون كذلك إذا خرج إلى الدنيا، أو هو كذلك حتى إذا أدخلها جزاء كان أبيض، أو أفعل من أديم الأرض، وهو عربي على الوجهين، ومر ذلك.

                              { فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ } العطف على محذوف، أي فأنبأهم، فلما أنبأهم { قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنَّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَٰوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } أي قولوا، قد قلت لكم إنني أعلم.

                              لما عجزوا بادر لهم بالأمر بالإقرار بالعجز، أو وبخهم على عجلتهم إلى الاستفهام، وكان الأولى لهم أن يترقبوا ظهور الحكمة بلا سؤال، ولا سيما أن سؤالهم على صورة الاعتراض لفعل الله، والقدح في بني آدم، بل في آدم أيضاً وذريته بصورة العموم، ولو لم يقصدوا الاعتراض والقدح إجمالاً.

                              والآية موجبة لمجانية لفظ ما يوهم ما لا يجوز، ولم لم يقصد ما لا يجوز، وغيب السماوات والأرض ما غاب فيهما، ولم يضمر للأسماء تعظيماً لها، والأصل غيب السماوات والأرض وشهادتهما، لأنه يلزم من العلم بغيبهما العلم بشهادتهما، وذلك على العموم.

                              وقيل المراد بغيب السماوات أكل آدم وحواء من الشجرة، وبغيب الأرض قتل قابيل وهابيل، وقيل غيب السماوات ما قضاه، وغيب الأرض ما يفعلونه، وقيل الأول أسرار الملكوت، والثاني ما غابه عن أصفيائه، وما تبدون ما تظهرون من قولكم، أتجعل فيهما.. إلخ، وما تكتمون من قولكم، لن يخلق الله أكرم منا ولا أعلم، والإبداء والكتم باعتبار ما بين الخلق، ولا يخفى عن الله شيء.

                              وأدخل كان للإعلام، بأنه عالم بما استمروا على كتمانه في الماضي، ولا تقل إنها زائدة، ولا إنها للاستمرار لأن الأصل عدم الزيادة ولأن تكتمون أدل على الاستمرار وحده منها.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X