الحاجُّ الصغير
عَادَ عصامٌ لِلدَّارِ فَرِحاً مسرورًا، كان والدُه ينتظرهُ بفارغِ الصَّبر، وما أن دخلَ لِلدَّارِ حتَّى أسرعَ والدُه يسألُه: أخبِرْني النَّتِيجَةَ.. أَسْعِدْ قلبي يا وَلَدِي!
ارْتَمَى عصامٌ في حِضْنِ والدِه وهو يقولُ بسعادةٍ: لَقَدْ تَمَّتْ إجازتي يا أبي.. لقدْ حَفِظْتُ القرآنَ الكريمَ كاملاً وهذه شهادةُ نجاحِي.
فَرِحَ الوالدُ كثيرًا والتقطَ الشَّهادةَ مِنْ وَلَدِهِ، وأَخَذَ يتأمَّلُها بعينَيْنِ دَامِعَتَيْنِ من الفرحِ، لقد حَفِظَ صغيرُه القرآنَ وهو لم يتجاوزِ العاشرةَ بعدُ، فرحةٌ لا تعادلُها فرحةٌ.
أمسكَ الوالدُ عصام مِنْ كَتِفَيْهِ ونَظَرَ إليهِ قائلاً: عصامُ.. اطلُبْ ما تشاءُ.. أيَّ أمنيةٍ تتمنَّاها وأَعِدُكَ أنْ أُحَقِّقَهَا لكَ.. فأنتَ أسعدْتَنِي اليومَ بنجاحِكَ الكبيرِ.
وعلى الفور وبدونِ تفكيرٍ قال عصامٌ: أُمنيتي الوحيدةُ أنْ تصطحبَني معكَ لموسمِ الحجِّ هذا العامُ.
اندهشَ الوالدُ من طلبِ صغيرِه ولكنَّه وَافَقَ على الفورِ، ومَا هِيَ إلَّا أيامٌ حتَّى بَدَأَ موسمُ الحجِّ فاصطحبَهُ والدُه معه لتفوُّقِه في حفظِ كتابِ اللهِ، عصامٌ لا يُصَدِّقُ نفسَه، فهو يُؤَدِّي مناسكَ الْحَجِّ مع والدِه، يطوفُ حولَ الكعبةِ، يرمي الجمراتِ، يَسْعَى بين الصَّفا والمروةِ، يقفُ بعرفةَ، كانتْ سعادةُ عصام بلا حدودٍ حين صَلَّى بالمسجدِ الحرامِ وجَلَسَ يقرأُ في سِرِّهِ بعضَ آياتِ القرآنِ الكريمِ.
عَاشَ عصام جَوًّا رُوحَانِياًّ جميلاًَ في تلك الأيامِ المباركةِ التي ذَكَرَهَا اللهُ في كتابِه، وكان سعيدًا بكُلِّ شعائرِ الحجِّ الَّتي كان يُؤَدِّيها كالكبارِ، كان يشعرُ لأوَّلِ مرَّةٍ أنَّه يُولَدُ مِنْ جديدٍ.
وفي يومِ عرفةَ تجمَّع الكثيرُ من الْحُجَّاجِ يستمعونَ لصوتِهِ النَّدِيِّ وهو يذكرُ اللهَ ويدعو للمسلمين والمسلماتِ، فَرِحُوا كثيرًا بذلكَ الطِّفْلِ النَّابغةِ، ومِنْ شِدَّةِ سعادتِهم بِهِ وبنبوغه أطلقُوا عليه ذلك اللقبَ الجميلَ.. لقبَ الحاجِّ الصَّغيرِ.
تعليق