لغة البكاء!!
وهل البكاء لغة؟؟
نعم إنه لغة، ولكن ربما لايعرفها الكثير من الآباء والمربين، ولذلك يتهمون أبناءهم فور بكائهم بالتدليل أوالحساسية المفرطة، ويتعاملون مع هذا البكاء في أغلب الأحيان بالعنف المباشر وقلة الصبر والتفهم، ولعلك عزيزي المربي تغير نظرتك للبكاء عندما تطالع هذه السطور وتعرف أن البكاء لغة يستخدمها الطفل في مقتبل عمره ويستخدمها أيضًا في سن أكبر، ستغير نظرتك للبكاء عندما تعرف أيضًا، ماهي أسباب البكاء، وما هي الطريقة المثلى للتعامل مع بكاء الطفل سواء وهو صغير في المهد أو حتى بعدما يكبر.
النبي صلى الله عليه وسلم يفهم لغة البكاء:
ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يتفاعل مع بكاء الطفل ويهتم به ويخفف في صلاته فور سماعه هذا البكاء، لماذا؟؟ لأنه يفهم لغة الطفل، يفهم أن الطفل الرضيع لايبكي في الغالب إلا إذا كان يواجه مشكلة ما أو يحتاج إلى اشباع حاجة ما؟ يفهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه اللغة قبل أن يفهمها علماء الطب أو علماء التربية ويتعامل معها كأحسن مايكون الطبيب وكأبرع مايكون المربي:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(إني لأدخل في الصلاة، وأنا أريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه ببكائه) [صححه الألباني].
وفي رواية:(كراهية أن أشق على أمه) [صححه الأباني].
وفي رواية:(مخافة أن تفتن أمه) [صححه الأباني].
يحرص النبي صلى الله عليه وسلم على مشاعر هذه الأم تجاه ولدها الذي يبكي، لأنه يعرف جيدًا أنها تكون في الصلاة وقلبها مشغول بطفلها بسبب بكائه.
أمير المؤمنين يستفهم عن سبب بكاء صبي!!
(عن ابن عمر قال قدمت رفقة من التجار فنزلوا المصلى، فقال عمر لعبد الرحمن هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق، فباتا يحرسانهم ويصليان ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فتوجه نحوه فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه، فلما كان من آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال لها: ويحك إني لأراك أم سوء مالي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة، قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة إني أريغه عن الفطام فيأبى، قال: ولم، قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم قال وكم له قالت: كذا وكذا شهرا قال: ويحك لا تعجليه فصلى الفجر وما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم قال: يا بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر مناديا فنادى أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق أن يفرض لكل مولود في الإسلام) [صفة الصفوة، ص (282)].
فإذا كان بكاء الصبي يشغل أمير المؤمنين الذي يشغله قيادة أمة بأكملها، فهل يحرك هذا في الآباء الاهتمام ببكاء الأطفال ومحاولة الفهم لسبب هذا البكاء ومعرفة الطريقة الصحيحة في التعامل معه؟؟؟
البكاء هو اللغة الأولى للطفل:
(يستطيع الطفل الصراخ بعد الولادة مباشرة، ومعنى ذلك أن حباله الصوتية تستطيع العمل منذ ذلك الوقت المبكر، وطبيعة الصرخة الأولى على حسب تفسير علماء الفيزيولوجيا ينظر إليها على كونها فعلًا منعكسًا لمثير خارجي، هو مرور الهواء بالقصبة الهوائية إلى الرئتين لمساعدة الوليد على التنفس ليضمن لنفسه الحياه، ثم يتحول الصراخ يالتدريج ويصبح معبرًا عن صور شتى من عدم الارتياح) [سيكلوجية النمو والارتقاء د.عبد الفتاح دويدار، ص (155)].
وبعد هذه الصرخة الصِحِّية الأولى للطفل تتوالى الصرخات في الأشهر الأولى من عمر المولود، لتعبر كل صرخة عن سبب ما وراءها، قد يعرفه المربي وقد لايعرفه ولكن، المهم أنه موجود.
ومن ثم تصبح مرحلة البكاء أول مراحل النمو اللغوي للطفل، يقول الدكتور سيد محمود الطواب في سياق الحديث عن النمو اللغوي للطفل:
(إن الصوت الوحيد الذي يأتي به الطفل منذ لحظة الميلاد، وخلال الشهر الأول هو صوت البكاء فالأطفال لديهم أنواع كثيرة من البكاء مرتبطة بأنماط مختلفة من الأصوات، ويبدو أن هذه الأصوات المختلفة للبكاء مرتبطة فقط بأنواع معينة من عدم الراحة أو المشكلات) [علم نفس النمو، د.سيد محمود الطواب، ص (249)].
ويقول د.بنجامين سبوك: (يحدث الصراخ الشديد أو الذي لا ينفع معه تهدئة لكل الأطفال الأصحاء في جميع أنحاء العالم خلال الشهور الثلاثة الأولى، ويزداد عادة خلال الأسابيع الستة أو نحوها، ثم يأخذ في التراجع، وتعتبر الفترة ما بين المولد ونحو الأشهر الثلاثة من العمر فترة ضبط الجهاز الهضمي والعصبي غير الناضج للطفل، بحيث يتوائم مع العالم الخارجي وقد تكون هذه الفترة أكثر سلاسة عند بع عند بعض الأطفال عنها عند البعض الآخر) [د.سبوك لرعاية الطفل، ص (64)].
أنواع البكاء:
(هناك أربعة أنواع من الصياح أو الصراخ أو البكاء:
1. بكاء الولادة ويستمر ثانية أو بضع ثوان بعض أخذ نفسين عميقين يسببان أحيانا آلامًا في الرئتين.
2. البكاء الأساسي بسبب الجوع، ويسمع عاليًا بعض بضع ساعات من الوجبة السابقة (من 2-4 ساعات).
3. استجابات بكاء الألم وأمكن دراستها نتيجة آلام الشك بالإبرة أو عند الحقن، وهي طويلة وعنيفة بعقبها صمت طويل، ثم بكاء مرة ثانية بعد استعادة التنفس، ويصاحبها توتر عضلي في الوجه وتقلصات عديدة في عضلات مختلفة من الجسم، وبكاء الغضب ويشبه البكاء الأساسي مع مزيد من دفع الهواء عبر الأحبال الصوتية. [الطفل من الحمل إلى الرشد، د.محمد عماد الدين إسماعيل، ص (172)].
كيف نتعامل مع بكاء الوليد؟؟
(ما الذي يعنيه البكاء؟ هذا في العادة سؤال مهم وخاصة عندما يكون الطفل هو أول طفل، فالبكاء عند طفل رضيع يختلف في معناه عن مثيله في طفل أكبر سنًا، إن البكاء هو الصورة الرئيسية للاتصال وله الكثير من المعاني، وليس تعبيرًا عن الحزن أو الألم فحسب، وكلما كبر الطفل قل بكاؤه ولم تعد تلك مشكلة لأن الآباء صاروا يعرفون ما يمكن توقعه ويصبح قلقهم أقل عن ذي قبل.
أما الأسابيع الأولى فإن البكاء يثير أسئلة تحير الذهن: هل الطفل جائع؟ وهل هو مبتل؟ وهل يعاني من عدم الراحة؟ وهل هو مريض؟ وهل يعاني من سوء الهضم؟ وهل يشعر بالوحدة؟ ولا يخطر ببال الأهل موضوع الارهاق وإن كان واحدًا من أكثر الأسباب شيوعًا.
وهناك اعتقاد سائد بأن الأم الصالحة لابد وأن تتعلم كيفية التعرف على نوعية صراخ طفلها وكيف تتعامل معه، والواقع أنه حتى الآباء الممتازين لا يستطيعون بشكل عام التفرقة بين أنواع البكاء لمجرد الاختلاف في الأصوات.
وبدلًا من ذلك يحددون سبب البكاء من التعرف على نمطه ثم محاولة أمور مختلفة وإليكم بعض الاحتمالات الواجب عتبارها:
هل الجوع؟؟
فلو كان الطفل مثلًا قد تناول أقل من نصف وجبته العادية في آخر رضعة له، فقد يكون هذا هو السبب في أنه يستيقظ ويصرخ (وإن كان يحدث أحيانًا أن يتلقى الطفل أقل من الكمية المعتادة وينام قرير العين حتى موعد الرضعة الثانية) أما إذا صرخ بعد مرور أقل من ساعتين على رضعة مشبعة، فذلك دليل على أنه ليس جائعًا على الأرجح.
هل هي غريزة المص؟؟
تعتبر عملية المص مهدئة للأطفال، حتى ولو لم يحصلوا من ورائها على لبن الأم أو التغذية الصناعية، فإذا شعرت أن ابنك كثير الجلبة بينما هو قد نال مايكفيه من الغذاء فيمكن اعطاؤه "سكاته".
هل يبكي لأنه ابتل أو تغوط؟
لا يبدو أن معظم الرضع يبالون بذلك خاصة عندما يكونون حديثي الولادة، ولكن البعض الآخر يستجيب للأمر بشكل أكثر حدة، وعليك حينئذ فحص الحفاضة، ومحاولة تغييرها وإذا كنت تستعملين حفاضًا قماشيًا، فافحصي المشابك التي تثبته، فقد يكون أحدها ضاغطًا عليه، وعليك أيضًا تفقد أصابع القدمين أو اليدين، لئلا يكون بعض الشعر أو الخيط ملفوفًا عليها.
هل هو عسر هضم؟
إذا كان الطفل غير منتظم ويعاني من عدم هضم اللبن، فإنه يبدأ في البكاء بعد ساعة أو اثنتين من الرضاعة، وذلك حين يكون اللبن في أقصى حالات الهضم، فإذا كانت الرضاعة طبيعية فعليك تغيير غذائك ونوعيته، كأن تتوقفين عن تناول الحليب أو الكافيين مثلًا أما إذا كانت التغذية صناعية فالجئي إلى الطبيب لمحاولة تغيير نوع الغذاء.
هل السبب هو حرقان المعدة؟؟
يقذف معظم الأطفال الطعام (يقشطون)، وتزيد هذه الظاهرة عند بعضهم عنها عند البعض الآخر، وفي حالات قليلة يتسبب رجوع اللبن في بعض الألم لأن أحماض المعدة تهيج المريء والرضع الذين يبكون من حرقان المعدة، يفعلون ذلك عادة عقب تناول الغذاء مباشرة حيث يكون اللبن في معدتهم، ويمكنك دفع طفلك إلى التجشؤ مرة أخرى حتى وإن كان قد فعلها من قبل، وإذا ما تكرر هذا النوع من البكاء بشكل متواتر فلابد من مناقشة الأمر مع الطبيب.
هل يعاني الرضيع من مرض ما؟؟
يبكي الرضع أحيانًا لمجرد شعورهم بمرض ما، والرضيع الموشك على المرض يصبح معرضًا في البداية للاهتياج، ثم يظهر عليه المرض بوضوح بعد ذلك، وعادة ما يصاحب ذلك أعراضًا أخرى غير البكاء مثل الأنين المستمر والسعال والكحة أو الإسهال مما يشير إلى أنه مريض.
هل هو الإرهاق؟؟؟
إذا كان الطفل يبكي في نهاية فترة استيقاظه، وبعد أن يكون قد تناول غذاءه، وتم تغيير حفاضته فعليك افتراض أنه مرهق، ويحتاج أن يوضع في سريره، فإذا استمر في البكاء فيمكنك تركه وحيدًا لعدة دقائق لاعطائه الفرضة، ليعدل من وضعه من تلقاء نفسه.
هل أفسده التدليل؟؟
إذا كان الأطفال الأكبر سنًا يمكن أن يفسدهم التدليل، فتأكد أن طفلك في شهوره الأولى لا يمكن أن يبكي لمجرد أنه مدلل، ولابد أن هناك ما يضايقه.
هل هل هو بحاجة إلى أن يحمل؟؟
يحتاج بعض الرضع بشكل خاص إلى الإحساس الجسدي بأنهم يحملون، ويهدهدون حتى يهدأوا تمامًا ويرتاح بعضهم إذا تم تدثيره، ولفه بإحكام في بطانية، حتى لا تتحرك ذراعاه، وقد يكون التدثير الهز من دواعي الراحة، لأنهما يجلبان للطفل الأحاسيس المألوفة لديه عندما كان في رحم أمه. [د.سبوك لرعاية الطفل، ص (64)، باختصار وتصرف يسير].
(وبعض العلماء يرون ألا يستجيب المسئولون عن رعاية الوليد لبكائه بهذه الأشكال من الرعاية وذلك حتى لا تدعم عادة البكاء كوسلية لاشباع الحاجات غير الضرورية.
خصوصًا وأن الوليد بعد أن يكون قد تعود الالتصاق بالأم والمربية، قد يستعمل البكاء عادة كأسلوب لاستمرار صحبتها له أو احتضانها إياه، وقد يتعرض الطفل بعد ذلك للحرمان من الأم لظروف خارجية، ولذلك تصبح عملية رعايته مهمة شاقة إذا كانت قد طالت قترة الاتصال العضوي بينه، وبين الأم يتم بتلك الصورة السابقة.
كذلك يعمم المواليد عادة استجابة البكاء في مواقف الإحباط فيما بعد، وإذا لم تكن هناك أسباب عضوية، فإن البكاء الكثير عادة يعتبر ظاهرة سلوكية ترتبط بالرعاية الزائدة والتدليل واستمرار احتضان الوليد مع عدم تعويده بالتدرج على الاستقلال والانفصال المناسب عن دفء صدر الأم) [الطفل من الحمل إلى الرشد، د.محمد عماد الدين اسماعيل، ص (172)].
كيفية التعامل مع بكاء الطفل الأكبر سنًا:
(يختلف الأطفال عن بعضهم البعض، وكل والد لديه أكثر من طفل يدرك هذه الحقيقة، إننا متأكدون أن ذلك ليس بالجديد علينا جميعًا فبعض الأطفال يبكون بسهولة لأن لديهم طبيعة حساسة وهذه هي طريقتهم في التعبير عن أنفسهم، والأطفال الآخرون يبكون بغرض جذب الانتباه والبحث عن القوة والانتقام أو لإظهار نقص لديهم وبعض الأطفال يبكون بسبب خيبة أمل وقتية أو الغضب أو الإحباط، وبالطبع فإن الأطفال الرضع يبكون لأن البكاء هو الطريقة الوحيدة التي تمكنهم من التواصل مع الآخرين، والمهم هو أن تفهم طفلك جيدًا حتى تعرف الفرق في التعامل معه ولكي تدرك المهارات التربوية المتناسبة معه لتستطيع التعامل مع كل موقف بفاعلية.
وإليك هذه النصائح للتعامل مع بكاء طفلك:
1. يمكنك أن تلجأ إلى الإنصات السلبي، وهو أن تصغي إلى مايقوله طفلك وأنت صامت مغلق الفم فتهمس (أمم ، أه)، وبعد ذلك دعه يحل المشكلة بنفسه لو لم يطلب منك المساعدة.
2. يمكنك أن تلجأ إلى الانصات الإيجابي: ويعني أن تصغي إلى كلمات طفلك وتترجمها "إنك حقًا تشعر بالغضب" (أو الألم أو القلق أيا كان)، والطفل يكفيه أن يشعر أنه قد فهم من قبل الآخرين.
3. لاتطلب أبدا من أطفالك أن يكفوا عن البكاء أو تطلق عليهم أسماء مثل (الطفل كثير البكاء) أو الضعيف، لكن عليك أن تترك الحجرة، حتى تتحسن حالتك فتستطيع التعامل مع بكاء طفلك بحب وعطف وحزم.
4. اسأله إذا كان يود أن يجلس على حجرك أثناء بكائه، وإذا فعل ذلك عليك أن تهدئه أثناء بكائه أو تعانقه طويلًا، وتنتظر حتى يتوقف عن البكاء.
5. ينبغي أن تدع طفلك يشعر بما يرغب دون التفكير، بأن عليك حل المشكلة أو تغير من طبيعته.
6. إن طفلك بحاجه إلى أن يتم تقبله على طبيعته بلا شروط، فإذا كان طفلك ذا طبيعة حساسة، فعليك أن تقبل تلك السمة في شخصيته، حتى لو لم تكن تلك السمة في شخصيتك.
7. لا تقارن أبدًا بين طفل وأخيه أو أي طفل آخر لأن ذلك يقلل من شأنه، ويحط من قدره) [التهذيب الإيجابي من الألف إلى الياء، د.جان نيلسن، د.لين لون، د.ستيفن جلين، ص (99)].
وختامًا أتمنى أن تكون قد فهمت عزيزي المربي لغة البكاء، وعرفت كيف تتعامل معها سواء مع الطفل الوليد أو الطفل الكبير، وإلى لقاء قريب ومستقبل أفضل لأبنائنا.
تعليق