السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الآباء يلهون والأبناء يُعذَّبون, الآباء يسكرون والأبناء يعطشون, الآباء يسرقون والأبناء يسدِّدون الفاتورة, الآباء يلهثون وراء نزواتهم والأبناء يرقِّعون الفضائح, وَصَفْتُ ما يفعله بعض الآباء بصورة مجازية لكنّ الكثير منها واقعيّة وفي النهاية يبدأ مسلسل الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.
فهل يعي الكبار ما قد تنتج عنه أفعالهم بحق أبناء الحياة؟ العنوان قد يبدو غير مألوفٍ عند البعض لكنّ الغرابة الحقيقية تكمن بمضمون هذه الكلمات التي قد تكون بنظر البعض عاديّة لكن ما إن تتمعَّن بمعانيها حتّى تجدها حُكمًا صدر بمعاقبة الأبناء بذنب لم يقترفوه بل سوَّلَتْ بنفس ذويهم أن يرتكبوا حماقات يدفع ثمنها الأبناء فيما بعد.
طرحي يأتي لنكْءِ هذا الجرح القديم الجديد، وهو ترسُّبات أخطاء الكبار وما ينتج عنه من معاناة لجيل الأبناء، وقد تجعل منهم نسخًا غير محسّنة لصفات عفا عليها الزمن لجيلهم والأجيال اللاحقة بسبب أخطاء بعض من ربَّوهم على الرذيلة لا الفضيلة, فإما أن يتجرَّع الأبناء هذه الصفات وإما أن يرفضوها ويسعوا إلى تغييرها, أو أن يستسلموا إلى الواقع المرير وينزلقوا في الوحل. فمن كان أبًا أصبح جَدًّا ومن كان ابنًا أصبحَ أَبًا, وتدور الدائرة ويصبح الآباء هم الأجداد والأحفاد، هم الآباء وهكذا… (دورة الحياة).
القصص كثيرة ومؤلمة لحدٍّ بعيد وتدور في معظمها بفلك العنوان ومدى الظلم الذي يقع على الأبناء جرّاءَ أخطاء وهفوات يفعلها إما الجيل الأوّل أو الثاني أو كلاهما. الحياة الاجتماعية هي أمُّ العبر لكن وللأسف لا يرى بعض الكبار ما يفعلونه بالصغار, يُخطؤون ولا يعترفون, يُمزِّقون ولا يُرمِّمون, يعرفون أنه خطأ ولا يندمون.
في سياق الحياة الزوجية, قد تبدأ الحياة الزوجية بمشاكل عاديّة مثل كل أسرة, لكن غير العادي أن تتطور المشاكل وتتعقَّد بطريقة تجعل الأبناء هم الشهود على جهل ذويهم، فالأب يضرب زوجته أمام الأبناء ثم تتطوَّر المشاكل لتصل لطريق مسدود يجعل الزوجة تقرِّر الطلاق، وقلَّة الحيلة تضطرها لترك أبنائها؛ لعدم القدرة على إعالتهم، ثم يحتار الأبناء بين مطرقة الأب وسندان الأمّ، ويضيع الأبناء فيما بعد بين زوجة الأب وحرمان عطف الأم. وانتهت قصص كثيرة بهذا الشأن بجرائم قتل وتعذيب, فكم من طفلة ماتت بسبب تعذيب زوجة الأب لها، وكم من شابٍّ انحرف إما بجرائم قتل أو سرقة بسبب فقدانه الاتِّصال والنصح والإرشاد من ذويه.ىوكم من بنتٍ شابّة دار عليها الزمن وأصبحت نسخة من حياة أمِّها بسبب فقدانها الرعاية والحنان والعطف والسند الذي هو الأهمّ ليمنع أي تطاول عليها من قبل الزوج أو أن يعيِّرها بتشتُّتِ عائلتها وتفكُّكهم.
أنانيّة الزوج أو الزوجة أو كليهما يدفع الأبناء إلى سلوك طريق ملغَّم بالمخاطر، وهنا يجب أن نتوقَّف ونسأل: لماذا تزداد الجرائم كل عام؟ وإذا بحثت عن الأسباب تجد 70% من الجرائم سببها التفكُّك الأسريّ وغياب دور الأهل في حياة هؤلاء “المجرمين الأبرياء”، أنانية ذويهم جعل منهم أناسًا خارجين عن القانون! وأحبُّ أن أنوِّه هنا أنه ليس كل زوجين منفصلين يرمُون أبناءَهم في سلَّة الحياة, بل إنه في حالات كثيرة يتفاهم الزوجان المُنفصلان على رعاية أبنائهم واحتوائهم خوفًا من ضياعهم, لكن هذه الحالات استثنائيّة وقليلة للأسف.
حصرم آخر، عندما كان الأب تاجرًا للمخدِّرات واستمرَّ عقودًا مِن الزمان بإفساد أجيال من الشباب وضياع مستقبلهم, وما كان منه إلا أن اكتشف بأن الابن أصبح مدمنَ مخدِّرات ومات وماتَتْ معه أحلامه بهبَّة ريح شقيّة ولَّدَتْ ألمًا وحسرةً بفقدان الضَّنى بسبب جرمٍ اقترفه الأب ودفع ثمنه الابن. فما ذنب مَن يُولدون ويُسحقون برحى أفعال الكبار؟
مَن يتخذ قرار إنجاب الأولاد يجب أن يتَّخذ قرار إسعادهم بما استطاع، وليس قرار إنشاء محكمة لخطاياهم لتصدّر الحُكم غيابيًّا بأن يذوقوا ويلات أفعالهم.
أذكر مرَّةً أن صادفْتُ سيّدة كبيرة وأخذَتْ تحكي لي ماذا حلَّ بأبنائها, فمنهم من رحل إلى بلاد الاغتراب من غير رجعة, وبنت معذَّبة ومقهورة عند بيت أهل زوجها, وأخرى لا تُنجب. فسألتها وكيف كانت حياتك في الماضي؟ فأجابت عِشْتُ مقهورة ومخذولة من البشر والحياة, فأمِّي _رحمها الله_ ربَّتْنا على الأسيّة, فلم تكن تملِك الكثير من المشاعر تجاهنا، حيث استنزفها والدي _رحمه الله_ من كثرة المسؤوليّات التي كانت مُلقاةً على عاتقها من جهة تربية أبنائها ومن جهة أخرى واجباتها تجاه أهل الزوج والبيت. لم تكن تملك الوقت لنا, كبُرنا بدون أن نعي معنى “العائلة” والتفافَ أفرادها مع بعضهم وتكافلهم. (فاقد الشيء لا يعطيه) قلوبنا أُفرغت من أدنى العواطف التي جافتنا في فترة الصبا والشباب, فكبُرنا ولم نجد ما نعطيه لأبنائنا. فلم أكُنْ أعاملُ أمِّي بما يجبُ من البِرِّ والرحمة, ولا أبي من العطف والشفقة, ولا أبنائي من الحب والحنان والألفة. كبُرت كصحراء قاحلة لم تورِّث أبناءها سوى قسوة الصبّار وضنك الرمال. هل أجلد ذاتي أم ألوم أمّي أم كلاهما معا؟ جرَّدتني أمِّي من المشاعر التي لم تكن تمتلكها بالأصل بخطأ ليست المسؤولةَ عنه بالأساس, لكنّها استسلمت له عندما سمحت لنفسها أن تكون آلةً، ونسيَتْ أنها إنسان. حَرَمَتْ نفسها من المشاعر وحرمتني إيّاها. خسرتني وخسرت أبنائي. عجلة الحياة مثلما دارت عليها ها هي الآن تدور عليّ, أبنائي موجودون بحياة لست موجودة فيها.
قد يقسو علينا الزمان لكنَّ قسوة الآباء لأبنائهم قد تكون أقسى وأمرَّ من شوك الصبّار. تعدَّدَتْ أوجُهُ الظلم وخطايا الكبار, لكنَّ العامل المشترك فيما بينهم عندما ينسى الكبير ما اقترفَتْ وتَقترفُ يداه ثم يقول ليتني لم أولد قبل هذا وأشهد ما فعلتُهُ بأبنائي. أو قد لا يعرف أنه أخطأ، وبالتالي لن يندم أو يعترف بخطئه، ويستمرّ مسلسل ”الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون“ إلى ما لا نهاية.
قبل إقدام ما ميَّزه الله عن باقي المخلوقات بالعقل على فعل أي مُنكر أن يجلس مع نفسه ويكون على يقين أنَّ لكلِّ فعلٍ ردَّةَ فعل, فلا تجعل من ردَّةِ الفعل خسارتك لأعزِّ ما تملك، وتعيش باقي عمرك في دوّامة عذاب الضمير. فساد المجتمع أو صلاحه من مسؤولية أصحاب القرار ويبقى الصغار تحت جناح الكبار, فإما أن تعلِّمُوهم التحليق والطيران, أو تقتلوهم وهم في المهد.
مقال منقول بتصرف
الآباء يلهون والأبناء يُعذَّبون, الآباء يسكرون والأبناء يعطشون, الآباء يسرقون والأبناء يسدِّدون الفاتورة, الآباء يلهثون وراء نزواتهم والأبناء يرقِّعون الفضائح, وَصَفْتُ ما يفعله بعض الآباء بصورة مجازية لكنّ الكثير منها واقعيّة وفي النهاية يبدأ مسلسل الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون.
فهل يعي الكبار ما قد تنتج عنه أفعالهم بحق أبناء الحياة؟ العنوان قد يبدو غير مألوفٍ عند البعض لكنّ الغرابة الحقيقية تكمن بمضمون هذه الكلمات التي قد تكون بنظر البعض عاديّة لكن ما إن تتمعَّن بمعانيها حتّى تجدها حُكمًا صدر بمعاقبة الأبناء بذنب لم يقترفوه بل سوَّلَتْ بنفس ذويهم أن يرتكبوا حماقات يدفع ثمنها الأبناء فيما بعد.
طرحي يأتي لنكْءِ هذا الجرح القديم الجديد، وهو ترسُّبات أخطاء الكبار وما ينتج عنه من معاناة لجيل الأبناء، وقد تجعل منهم نسخًا غير محسّنة لصفات عفا عليها الزمن لجيلهم والأجيال اللاحقة بسبب أخطاء بعض من ربَّوهم على الرذيلة لا الفضيلة, فإما أن يتجرَّع الأبناء هذه الصفات وإما أن يرفضوها ويسعوا إلى تغييرها, أو أن يستسلموا إلى الواقع المرير وينزلقوا في الوحل. فمن كان أبًا أصبح جَدًّا ومن كان ابنًا أصبحَ أَبًا, وتدور الدائرة ويصبح الآباء هم الأجداد والأحفاد، هم الآباء وهكذا… (دورة الحياة).
القصص كثيرة ومؤلمة لحدٍّ بعيد وتدور في معظمها بفلك العنوان ومدى الظلم الذي يقع على الأبناء جرّاءَ أخطاء وهفوات يفعلها إما الجيل الأوّل أو الثاني أو كلاهما. الحياة الاجتماعية هي أمُّ العبر لكن وللأسف لا يرى بعض الكبار ما يفعلونه بالصغار, يُخطؤون ولا يعترفون, يُمزِّقون ولا يُرمِّمون, يعرفون أنه خطأ ولا يندمون.
في سياق الحياة الزوجية, قد تبدأ الحياة الزوجية بمشاكل عاديّة مثل كل أسرة, لكن غير العادي أن تتطور المشاكل وتتعقَّد بطريقة تجعل الأبناء هم الشهود على جهل ذويهم، فالأب يضرب زوجته أمام الأبناء ثم تتطوَّر المشاكل لتصل لطريق مسدود يجعل الزوجة تقرِّر الطلاق، وقلَّة الحيلة تضطرها لترك أبنائها؛ لعدم القدرة على إعالتهم، ثم يحتار الأبناء بين مطرقة الأب وسندان الأمّ، ويضيع الأبناء فيما بعد بين زوجة الأب وحرمان عطف الأم. وانتهت قصص كثيرة بهذا الشأن بجرائم قتل وتعذيب, فكم من طفلة ماتت بسبب تعذيب زوجة الأب لها، وكم من شابٍّ انحرف إما بجرائم قتل أو سرقة بسبب فقدانه الاتِّصال والنصح والإرشاد من ذويه.ىوكم من بنتٍ شابّة دار عليها الزمن وأصبحت نسخة من حياة أمِّها بسبب فقدانها الرعاية والحنان والعطف والسند الذي هو الأهمّ ليمنع أي تطاول عليها من قبل الزوج أو أن يعيِّرها بتشتُّتِ عائلتها وتفكُّكهم.
أنانيّة الزوج أو الزوجة أو كليهما يدفع الأبناء إلى سلوك طريق ملغَّم بالمخاطر، وهنا يجب أن نتوقَّف ونسأل: لماذا تزداد الجرائم كل عام؟ وإذا بحثت عن الأسباب تجد 70% من الجرائم سببها التفكُّك الأسريّ وغياب دور الأهل في حياة هؤلاء “المجرمين الأبرياء”، أنانية ذويهم جعل منهم أناسًا خارجين عن القانون! وأحبُّ أن أنوِّه هنا أنه ليس كل زوجين منفصلين يرمُون أبناءَهم في سلَّة الحياة, بل إنه في حالات كثيرة يتفاهم الزوجان المُنفصلان على رعاية أبنائهم واحتوائهم خوفًا من ضياعهم, لكن هذه الحالات استثنائيّة وقليلة للأسف.
حصرم آخر، عندما كان الأب تاجرًا للمخدِّرات واستمرَّ عقودًا مِن الزمان بإفساد أجيال من الشباب وضياع مستقبلهم, وما كان منه إلا أن اكتشف بأن الابن أصبح مدمنَ مخدِّرات ومات وماتَتْ معه أحلامه بهبَّة ريح شقيّة ولَّدَتْ ألمًا وحسرةً بفقدان الضَّنى بسبب جرمٍ اقترفه الأب ودفع ثمنه الابن. فما ذنب مَن يُولدون ويُسحقون برحى أفعال الكبار؟
مَن يتخذ قرار إنجاب الأولاد يجب أن يتَّخذ قرار إسعادهم بما استطاع، وليس قرار إنشاء محكمة لخطاياهم لتصدّر الحُكم غيابيًّا بأن يذوقوا ويلات أفعالهم.
أذكر مرَّةً أن صادفْتُ سيّدة كبيرة وأخذَتْ تحكي لي ماذا حلَّ بأبنائها, فمنهم من رحل إلى بلاد الاغتراب من غير رجعة, وبنت معذَّبة ومقهورة عند بيت أهل زوجها, وأخرى لا تُنجب. فسألتها وكيف كانت حياتك في الماضي؟ فأجابت عِشْتُ مقهورة ومخذولة من البشر والحياة, فأمِّي _رحمها الله_ ربَّتْنا على الأسيّة, فلم تكن تملِك الكثير من المشاعر تجاهنا، حيث استنزفها والدي _رحمه الله_ من كثرة المسؤوليّات التي كانت مُلقاةً على عاتقها من جهة تربية أبنائها ومن جهة أخرى واجباتها تجاه أهل الزوج والبيت. لم تكن تملك الوقت لنا, كبُرنا بدون أن نعي معنى “العائلة” والتفافَ أفرادها مع بعضهم وتكافلهم. (فاقد الشيء لا يعطيه) قلوبنا أُفرغت من أدنى العواطف التي جافتنا في فترة الصبا والشباب, فكبُرنا ولم نجد ما نعطيه لأبنائنا. فلم أكُنْ أعاملُ أمِّي بما يجبُ من البِرِّ والرحمة, ولا أبي من العطف والشفقة, ولا أبنائي من الحب والحنان والألفة. كبُرت كصحراء قاحلة لم تورِّث أبناءها سوى قسوة الصبّار وضنك الرمال. هل أجلد ذاتي أم ألوم أمّي أم كلاهما معا؟ جرَّدتني أمِّي من المشاعر التي لم تكن تمتلكها بالأصل بخطأ ليست المسؤولةَ عنه بالأساس, لكنّها استسلمت له عندما سمحت لنفسها أن تكون آلةً، ونسيَتْ أنها إنسان. حَرَمَتْ نفسها من المشاعر وحرمتني إيّاها. خسرتني وخسرت أبنائي. عجلة الحياة مثلما دارت عليها ها هي الآن تدور عليّ, أبنائي موجودون بحياة لست موجودة فيها.
قد يقسو علينا الزمان لكنَّ قسوة الآباء لأبنائهم قد تكون أقسى وأمرَّ من شوك الصبّار. تعدَّدَتْ أوجُهُ الظلم وخطايا الكبار, لكنَّ العامل المشترك فيما بينهم عندما ينسى الكبير ما اقترفَتْ وتَقترفُ يداه ثم يقول ليتني لم أولد قبل هذا وأشهد ما فعلتُهُ بأبنائي. أو قد لا يعرف أنه أخطأ، وبالتالي لن يندم أو يعترف بخطئه، ويستمرّ مسلسل ”الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون“ إلى ما لا نهاية.
قبل إقدام ما ميَّزه الله عن باقي المخلوقات بالعقل على فعل أي مُنكر أن يجلس مع نفسه ويكون على يقين أنَّ لكلِّ فعلٍ ردَّةَ فعل, فلا تجعل من ردَّةِ الفعل خسارتك لأعزِّ ما تملك، وتعيش باقي عمرك في دوّامة عذاب الضمير. فساد المجتمع أو صلاحه من مسؤولية أصحاب القرار ويبقى الصغار تحت جناح الكبار, فإما أن تعلِّمُوهم التحليق والطيران, أو تقتلوهم وهم في المهد.
مقال منقول بتصرف
تعليق