أطفالنا والتملك
الطفل في السنوات الثلاث الأولى من عمره:
يبدأ شعور الطفل بالتملك في سنٍّ مبكرة، ولعل أول مظهر لذلك الشعور يتمثل في حرص الرضيع، في الشهور الأولى من حياته على أن يحتفظ لأطول فترة بصدر الأم وحنانها، ووسيلةُ الطفل في ذلك البكاءُ، فهو يبكي إذا ابتلَّت ملابسه، فتأتي الأم لتقوم بتبديل تلك الثياب، وهو يبكي إذا جاع، فتأتي الأم لترضعه وهو يبكي إذا أحس بأي ألم، فتسرع الأم وتبذل جهدها لإزالة ذلك الألم.
يبدأ شعور الطفل بالتملك في سنٍّ مبكرة، ولعل أول مظهر لذلك الشعور يتمثل في حرص الرضيع، في الشهور الأولى من حياته على أن يحتفظ لأطول فترة بصدر الأم وحنانها، ووسيلةُ الطفل في ذلك البكاءُ، فهو يبكي إذا ابتلَّت ملابسه، فتأتي الأم لتقوم بتبديل تلك الثياب، وهو يبكي إذا جاع، فتأتي الأم لترضعه وهو يبكي إذا أحس بأي ألم، فتسرع الأم وتبذل جهدها لإزالة ذلك الألم.
ويألف الطفل بالتدرج صوتَ الأم ووجهها، فيأنس إليه، ويطمئن به؛ فهي تلاعبه وتلاطفه، وتبتسم له وتحنو عليه، وتصبح الأم وما يرتبط بها عالمَ الطفل، الذي يقدم الراحة والأمن والشبع والمؤانسة[1].
وتترتب بذلك للطفل على أمه حقوقٌ، تنمو دائرتها، وتتسع بطريقة لا شعورية، حتى إن كيان الطفل فيها لا ينفصل عن كيان أمه، فهو جزء منها، وهي جزء منه؛ يصرخ فتهرول إليه، ويبكي فتستجيب له، ويناغي بأصوات مختلفة فتشاركه تلك المناغاة، وبذلك تُمَثِّل الأم أول الموضوعات التي ينمو حولها شعور الطفل بالملكية الخاصة.
وخلال الشهور الأولى من حياة الطفل، يتعلم أن هناك أشياء خاصةً تنتمي إليه، فزجاجة الرضاعة الصناعية والسائل الذي ينساب منها في فمه - يجعله يَأْلَف ويتعلم أن زجاجة الرضاعة خاصة به، "واللهاية" توضع في فمه إذا بكى؛ عوضًا عن ثدي الأم، وعوضًا عن زجاجة الرضاعة، هي أيضًا شيء خاص به؛ فهي مثبتة في ملبسه، وفي فمه من استجابات لجريان الريق لها، - تثير نوعًا من الإشباع والرضا، يجعل الرضيعَ يستريح ويطمئن إلى وجودها، ويبكي لغيابها، وبذلك تكون هذه الأخرى من الموضوعات التي ينمو من خلالها شعور الطفل بالملكية، وكرسي الإخراج الذي تعود الطفل في الشهر الرابع من عمره الجلوسَ عليه بلونه الزاهي؛ لإخراج فضلات طعامه، عدة مرات خلال اليوم، مع ما يستوجبه التدريب على استخدام ذلك الكرسي، من جلوس الأم لمساعدة الطفل، وابتسامها وتشجيعها له على عملية الإخراج، وفرحها به، وتهليلها له عندما يستجيب بطريقة صحيحة للمطلوب منه - يجعله يتعلم المرَّةَ تلو المرة أن ذلك الكرسي - كرسي الإخراج - شيء خاص به[2].
وهو مع التَّقَدُّم في السن يرفض - ربما بدافع الغيرة، وربما بدوافع أخرى - أن يسمحَ لطفل آخر أن يستخدم "زجاجة الرضاعة"، أو "اللهاية"، أو "كرسي الإخراج" الخاص به؛ بل إن الطريقة المثلى هي: أن تحرص الأم ويحرص باقي أفراد الأسرة على تنمية شعور الطفل بالملكية لتلك الأدوات الخاصة، فيُكَرِّرون أمامه أن تلك الأدوات خاصَّة به هو، وأنه ليس من حق أي شخص أن يستخدمها، (خاصة وأن قواعد الصحة والنظافة تؤكِّد على ذلك).
والكأس التي يشرب فيه الطفل، وملعقة الطفل، والطبق الذي يُقَدَّم فيه الطعام، ينبغي أن تكون كلها مميزة بلون خاص، وأن يتم التأكيد دومًا من جميع المحيطين بالطفل أن تلك الأدوات خاصة بـ(فلان - اسم الطفل)؛ بل قد تستغل الأسرة وجود طفل آخر لاستثارة شعور الطفل بالملكيَّة نحو أدواته الخاصة، فتقول مثلاً: "لا يا حاتم، لن تشربَ في كأس أحمد، هذا الكأس خاص بأحمد" ، أو: "لا يا حاتم، لن تأكلَ في طبق أحمد، فهذا الطبق خاص بأحمد"... إلخ[3].
بل إن مهد الطفل وفراشه وملابسه والدثار الذي يَتَدَثَّر به، كلها موضوعات تستثمرها الأسرة جيدًا في تنمية شعور الطفل بالملكيَّة الخاصة.
وينبغي أن تنظرَ الأسرة بالتفاؤُل والاطمئنان عندما يصدر الطفل أي سلوك، يدل على نمو شعوره بالملكية الخاصة، فعندما يثور الطفل لإقدام أيِّ شخص آخر لاستخدام أدواته، فإن ذلك مظهر من مظاهر نمو شعور الطفل بالملكيَّة.
وعندما يُصِرُّ الطفل في الثالثة من العمر على أن يصطحب معه حيثما انتقل لُعبة خاصَّة به من لُعَبِه، أو أداة منَ الأدوات الخاصة به، فإننا لا ننزعج لذلك، وإنما نعتبر ذلك دليلاً على نمو شعور الطفل بالملكيَّة، وقلقًا من أن يَتَهَدَّد ذلك الشعور عدوان من الآخرين[4].
المصدر: كتاب "مشكلة سرقات الأطفال"
تعليق