السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تربية الأبناء اجتماعيًا واقتصاديًا بين الواقع والمأمول:
:::::::
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على خير الورى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلمَ، أما بعدُ:
لاشك أننا جميعًا نعيش الآن مرحلة من تغير المعايير وانعكاسها علىنا جميعًا وعلى أبنائنا بصفةٍ خاصة، وأصبحت القيِّم والمبادئ السامية نادرة في مجتمعاتنا لغزو الموضة والتطور الغربي لنا!
وفي ظل تلك الآونة والأحداث كان لابد من تسليط الضَوء على أهمية التركيز على تربية الأبناء تربية سليمة على أُسس ومبادئ الشريعة، فالخير كل الخير فيما شرعه لنا ربنا عز وجل وجاء به نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولاشك أيضًا أن الأبناء هم عصب الأُمة وشباب المستقبل، فإن أحسنا تربيتهم في الصِغر كانوا رجالًا على قدر تحمل المسئولية في الكِبر، لذا سنركز سويا الآن على عنصرين أو نوعين من أهم عناصر وأنواع تربية الأبناء ألا وهما:
التربية الاجتماعية والتربية الاقتصادية.
وقد يسأل سائل الآن وهو يقرأ كلامي، تربية اجتماعية وتربية اقتصادية ... ما معنى ذلك؟!
أجيبكم في سطور معدودة وحتى لا أطيل عليكم وستكون فيها الفائدة بإذن ربي جلَّ وعلا.
أما بالنسبة للنوع الأول وهو التربية الاجتماعية:
فلا شك أن الحاجة إلى غيرنا تبدأ معنا منذ بداية النشأ إلى الممات، فالإنسان بفطرته يتأثر بما حوله، فهو يتأثر بأبيه وأمه ومن ثَمَ يتأثر بأخوته وأقاربه ثم يتأثر بأصدقائه في المدرسة وفي الجامعة، وهذا التأثر بمن وله يعتمد على قربه منهم.
لذا فإن التربية الاجتماعية للطفل تشمل عدة أمور:
قد نختصرها في تلك الجُملة (( أن يكون اجتماعيًا )) ونُفصل معناها بالآتي:
1- أي أنه يحب الخير للجميع ويسعى فيه.
فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم:
" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " أخرجه البخاري.
2- يصل رحمه ويزورها.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" قال الله عز وجل: أنا الرحمن خلقت الرَحِم وشققت لها اسمًا من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ".
أخرجه أحمد.
غير أن صِلة الرَحِم تربي الطفل وتعوده على أن يكون اجتماعيًا ويحافظ على صلة الأرحام وتكون من ضمن الأولويات في حياته.
3- تربية الطفل أيضًا للإحسان إلى الغير وأقربهم له الجيران.
فهذه تزيد من ثقة الناس به ومن ثَمَّ تزيد من ثقته بنفسه وحينها تفتح له مجالًا واسعًا من التواصل مع الغِير ومشاركتهم في كل شيء.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت، ومن كان يؤمن الله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه " رواه مسلم.
وفي رواية " فلا يؤذي جاره .
4- تربية الطفل على احترام الكبير وتوقيره والعطف على الصغير.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:
" ليس منَّا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر " مسند أحمد.
فالتربية الاجتماعية كما أشرنا تجعل شخصية الطفل قوية من صغره وومن ثَمَ تعطيه القدرة فيما بعد على اتخاذ القرارات والتمييز بينها أيهما الأصوب وأيهما لا وذلك يرجع إلى تلك الثقة المستمدة من الله عز وجل بنفسه والذي كان تواصله الاجتماعي مع غيره سببًا فيه.
::::::::
وأما الشِق الثاني معنا فهو عن التربية الاقتصادية:
فما معنى التربية الاقتصادية للطفل وما الهدف من ورائها؟
إن ما نحياه الآن في واقعنا ليؤلم القلب من غلاء الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة وتزايد نسبة البطالة لذا من المهم الآن أن ننشئ جيل على قدر كبير من تحمل المسئولية وتبعاتها، جيل لا يخشى الفقر، بل يصنع الأمل وينشره لغيره، جيل الإنجاز وصناعة التغيير، جيل يتخطى العقبات ولا يستسلم لها ويعرف كيف يبني المجتمع ويساعد على نهوضه.
لذا هناك بعض الإشارت الهامة والتي يجب التركيز عليها لبناء الطفل وتربيته تلك التربية المنشودة ألا وهي:
1- التربية على القناعة:
فليست الغنى عن كثرة العَرض ولكن الغِنى غِنى النفس كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء أيضًا في حديث سيدنا أبي ذر رضي الله عنه:
" قول رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "أترى كثرة المال هوالغنى؟" قال أبوذر: نعم، قال: "وترى قلة المال هوالفقر؟" قال أبوذر: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب".
أخرجه النسائي في الرقائق.
فلنربي أبنائنا على الاستغناء بالله عن عَرَض الدنيا وعن كل أحد فذاكَ هو الغِنى الحقيقي.
2- التربية على العمل والسعي لأجل العيش:
فإننا إن غرسنا في أبنائنا القناعة والزهد لما في أيدي الناس لكان ذلك حافزًا له على الرضا والسعي وراء لقمة العيش وعدم الخِزي من ذلك، وعدم الركون والتواكل على الله عز وجل بل التعب والاجتهاد والبذل من أجل كَسب العيش والأخذ بالأسباب.
كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
إن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: "ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله".
رواه البخاري ومسلم.
3- تربية الطفل على الاعتماد على نفسه وتحمل مسئولية ما يفعله:
فعندما يعتمد الطفل على نفسه ويتحمل المسئولية يُكسبه هذا الأمر المزيد من الخبرات ويقلل من أخطائه، ويجعله يمسك بزمام الأمور وينظم حياته خاصةً المادية ولا يحتاج لأن يستدين من شخصٍ أو آخر.
فقد جاء جاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان"رواه مسلم.
4- التربية على العطاء:
جاء في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة، والسفلى السائلة".
رواه البخاري ومسلم.
وهذه هي الثمرة المرجوة من جُملة التربية الاقتصادية ومحاورها التي ذكرناها الآن، فليس الهدف منها تربيته على تحمل المسئولية وإدارة البيت والقناعة فحسب، بل أيضًا تربيته على العطاء وألا يبخل على غيره ليتذكر دومًا أن ما هو فيه هو محض فضل الله عز وجل عليه فيزداد في الشكر فيعينه الله في الأزمات التي تمر به وييسرها له، فمع هذه التربية الاقتصادية لابد من عون الله عز وجل له أولًا وأخيرًا.
ومع هاذين النوعين من التربية وتحلي الطفل بالأخلاق الحميدة وغرس فيه العقيدة السليمة من صغره نخرج أجيالًا تحمل هَم الدين وليس فقط هَم المجتمع الذي تعيش فيه.
:::::::
هذا ولعل في المقال الكفاية لما وددنا تسليط الضَوء عليه في موضوعنا هذا سائلين المولى عز وجل أن يُربي أبنائنا وأن يحفظهم بحفظه وعنايته ويجعلهم ذخرًا للإسلام والمسلسمين.
:::::::
تعليق