إن الله تعالى قد امر عباده بالرضا بقضائه ، والشكر على نعمائه ، وفى الرضا بالمولود كنز عظيم وفوائد جليلة وأسرارعظيمة ، يعد أثرها النافع وثوابها الجزيل على الوالد والمولود ، بل تنتفع الأمة بأثره وفضله .
والرضا هنا يكون بالمولود ، ذكراً كان أو أنثى ، صحيحاً كان أو سقيماً ، فهو نعمة وهبه من الله تعالى ، يمنحها من يشاء يحجبها عمن يشاء ، فمن منح فعليه الشكر والرضا ومن منع فعليه الصبر والدعاء .
ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، والخلق كلهم متساون عنده فى الربوبيه ، يعطى كل فرد منهم ما يصلحله وما يستأهله ، فربما كان القليل أفضل من الكثير ، وربما كان الذكر أفضل من الأنثى ، وربما العكس والشواهد كثيرة فى دنيا الناس ، ولكن الأنسان كان عجولاً ،
قال تعالى : " يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا " ( النساء : 11 ) ،
وقال تعالى : " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ " ( الشورى : 49 -50 ) ،
وقال تعالى : " وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ( البقرة : 216 ) .
رضا الوالدين بمولودهما ، يصاحبه غبطة وسعادة به ، وإقبالاً عليه وإحتفاء به ومن ثم يقودهما هذا الشعور إلى الإحسان إليه والاهتمام به ، والتعاون بينهما على إكسابه كل ما يستطيعون من خبراتهم ومن قيم مجتمعهم ، حتى يصير مواطناً صالحاً يؤدى دوره الذى أناطه الله به على الوجه الذى حدده له .
لذلك تأتى هذه القضية من الأولويات التى رعاها الإسلام وإهتم بها وضمها فى قضية الإيمان بالقضاء والقدر ، وجعله ركناً من أركان الإيمان .
وقد ضرب الله تعالى فى كتابه العزيز أمثالاً عديدة ، توضح أن العبرة ليست بنوع المولود ، ولكن العبرة ب يؤديه هذا المولود من أدوار تجاه نفسه إكتسبها فى نشأته ، وإشارة كذلك إلى أن الخير ربما يكون فيما يظنه الإنسان خير ،وعلى الإنسان أن يرضى ويسلم بحكمة الله العليم الخبير .
فهذه مريم من خير نساء العالمين ، نفخ الله فيها من روحه ، فجأة بمعجزة من عند الله وولدت عيسى نبياً ورسولاً أولى العزم ، وتحملت فى سبيل ذلك أشد ألوان الإيزاء ، وهى العفيفة الحصان الرزان ، ولم يقتصر الأمر على ذلك ، بل إمتد ليشمل فترات الدعوة مع ولدها عليهما السلام .
وذلك سام ولد نوح عليه السلام ، الذى كفر بالله وكذب أباه وعصاه فكان من المهلكين ، وحينما تأسف عليه والده عليه السلام ، ونعاه بعد الفراق بأنه من أهله ، عاتبه الله عتاباً رقيقاً بأنه ليس من أهله لأن عه غير صالح .
وتذكر الغلام صاحب الخضر وموسى عليهما السلام ، الذى قتله الخضر بوحى من الله ، لان أبواه من المؤمنين ، فأشفق الخضر على والديه أن يرهقهما بشقوته طغياناً وكفراً ، والنماذج فى القرآن وفى سير السلف الصالح كثيرة , بل وفى واقعنا المعاصر ، فإعتبرو يا أولى الألباب والأبصار وأقبلوا على ما رزقكم الله ,يبارك لكم الله فيه .
ولكن كيف لنا أن نتغلب على الشيطان الهوى؟ يعلمنا الأسوة الحسنة _صلى الله علي وسلم _ كيف نقهر الوسوس الخناس ، نحرر أنفسنا من تبعة النفس الأمارة ، إلى الإطمئنان بقضاء الله وقدره ، فقال : " إذا نظر أحدكم إلى من فضِّل عليه فى المال والخلَفِ ، فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فُصِّل عليه "[ البخارى ( 6490) ، ومسلم ( 2963 ) ] .
وفى رواية مسلم : " انظروا إلى من أسفل منكم ، ولاتنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لاتزدروا نعمة الله . وفى رواية أخرى " عليكم " .
فمن رُزق بالأنثى دون ذكر ، يتصبر بمن لم يُرزق لابالأنثى ولا بالذكر ، ومن جعله الله عقيماً خيراً له ممن رُزق بمولود سقيم مشوه ، عجز الطب عن مداواته ، فأصبح عاله على والديه ، حملاً ثقيلاً ، وهما عظيماً عليهم .
وفى السياق نشير على من منعه الله شيئاً ، أن يسأل الله تعالى ، وأن يلتزم بالصبر ، فكم من محروم إستعان بالله وسأله من فضله وصبر على بلاءه ، منحه الله رغم علته ، وفى دين الله الكثير من النماذج والعبر .
تعليق