سألت احدى الاخوات معلمتها
كيف تربي أولادنا في زمن انتشر فيه الفتن وكلما علمته شيء في دينه أجد من يفسده من الجيران والأهل والأصدقاء
وكلما علمته أن هناك شيء محرم يجد المقربين يفعلونه
:
فأجابتها معلمتها قائلة
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله
.
وما توفيقنا إلا بالله
تربية الأطفال
.
قلوب الأبناء والوالدين
.
أولاً: لابد أن نشعر بعجزنا عن أن نُصلح قلوبهم، من أجل هذا أتت الأدعية في القرآن:
{وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي}
يعني أنت يا رب أصلح لي في ذريتي وأنا لا أستطيع أن أصلحها.
.
{هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ}
يعني واقع في قلبك أن الأبناء من أجل أن يكونوا قرة أعين، هذا إنما هو هبة من الله وليس بيدك أن يكونوا قرة أعين. فالعاجز أولاً يشعر بعجزه.
.
ثانيًا: العاجز هذا يُعامل ربه بالأدب، فيتأدب في الطلب حتى يأتيه الفَرَج.
يعني كُن مؤدبًا وأنت عاجز،
كن مؤدبًا بين يدي الله،
اطلب منه العون،
اطلب منه العطاء،
وكن مُؤدّبًا لما تطلب.
وانتبه لَمَّا تطلب منه العطاء لا تُوصف له، وتقول: يا رب ولدي ينجح بتقدير ممتاز ويطلع الأول!
هل هذا هو الأدب ؟
ليس هذا هو الأدب أبداً،
إنما الأدب أن تقول مثلا: أصلح لي في ذريتي، وفّقهم نجحهم، يسّر لهم أمرهم.
.
الأدب أن تجعل الله وليّك،
أنت تعلم أنّ الله –عزّ وجلّ– يدبِّر شؤون العباد وهو وليّ المتّقين،
إذا دبّرهم، دبّر لهم أصلح ما يكون،
أنت عاجز أصلا، فلما تتوسل إلى الله توسل إليه أن يُدبرهم على ما يوافق حكمته وأنت مؤمن أن ما يأتيك من عند ربك هو الخير والبركة، لا تَسْتَبْطئ.
.
يا داعي!
لا تَسْتَبطئ الفَرَّج، إنما تأدّب مع الله، واعلم أن انتظار الفَرَّج عبادة.
.
ما دليلنا على أن انتظار الفَرج عباده؟
مِن مواطن عدَّة:
دليل من الكتاب:
نبدأ أولاً بموقف يعقوب -عليه السلام- ماذا كان في قلبه؟
قال: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ}،
وقال {وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}
من الذي ييأس من رَوح الله؟
{إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}
إذًا كل هذا زمن يعيشه الإنسان منتظر الفَرَج من الله، انتظار الفَرَج ضدّ اليأس مِن رَوح الله.
.
ومن السنة: قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)
إذاً أنت تتعبد الله أن تنتظر نصره،
الصبر هذا هو معنى كلمة انتظار الفَرَج، يعني اصبر حتى يأتيك الفَرَج, النصر يأتي مع الصبر، والعسر يأتي معه اليسر.
.
فلَمّا تأتي إلى أولادك وهم يكبرون وينحرفون بدل أن يستقيموا!
أنت تُربي وتُربي وتجد آثار تربيتك تَقِل بدل أن تزيد! ;
فانظر إليهم وأنت عاجز، دَعْ عنك ما تسمعه من الناس وألقيه خارجًا، فعندك ربّ، رحيم، لطيف، قريب، حكيم، عليم، سيأتيك بمرادك لكن صبرًا جميلاً.
.
عامل ربك كامل الصفات بالأدب،
لا تيأس من رَوحهِ أبدًا،
لا تعاملوا أولادكم باليأس إنما استعينوا بالله على صلاحهم،
اطلبوا مِن الله أن يُصلِحهُم ولَمَّا تكون عاجز عن تربيتهم، فالمفروض أن يزيد رجاؤك بربّك ولا تيأس منهم ومن ربك.
.
احذر ترك طلب الهداية والصَّلاح للأبناء، فهذا يأس من الله! واليأس من الله هذه كبيرة من كبائر الذنوب!
املأ قلبك أن المُعين لابد أن يردهم إليك سالمين، لكن اطلب منه –سبحانه وتعالى– ذلك.
وما أكثر الحالات التي يرى فيها الآباء والأمهات استقامة أبناءهم فيتصورون أنهم ظاهرًا وباطنًا مستقيمين، ولا يعلمون عن الخفايا التي يمكن أن تدور في داخلهم!
فينخدع العبد ويترك طلب الاستقامة لأولاده!
يَترك طلب الله أن يهديهم مُغترًّا بالصورة الظاهرة!
ففي كل الحالات اِبْقَ دائمًا عند باب الله؛
لأن الله اختبرك بهم, هل تعرف ما معنى أنه اختبرك بهم؟
اختبرك: هل تثق في نفسك أنك أنت الذي تربيهم،
أم تستعين به على تربيتهم؟؟
اختبرك: هل تقف عند بابه طالبًا منه متوسِّلاً إليه،
أم تكون معتمد على نفسك،
أم تتركهم وتهملهم تركًا تامًّا؟؟
.
لَمّا نقول: (توكل على الله واستعين به)
هذا لا يعني بصورة أن تتركهم، بل تعامل معهم بثلاث معاملات:
1- تكلم وأنت يائس أن يأتي كلامك بنتيجة
-يائس أن يبلغ كلامك قلوبهم-،
مُتيقِّـنًا أن الله هو الذي يقذف في قلوبهم كلامك.
2- تكلم وأنت لا تنتظر أن يتغيّر تصرفهم بكلامك،
بل يُغير الله أحوالهم -ولو بعد حين-،
ويجعل كلامك سبب لتغيّرهم، ويكون في ميزانك، كلامك هذا يكون في ميزانك.
3- احرص على إبعادهم عن الفساد وعن أسبابه متيقنًا أن حِرصك ليس هو سبب حِفظهم إنما يحفظهم الله ، وتبرَأ ذِمَّتك.
.
يعني أنت كل تفكيرك مع الله الذي ابتلاك،
تتكلم وما تتصور أن الكلام هو الذي سيأتي بنتيجة لكني أتكلم من أجل أن أقوم بما يجب عليَّ،
فَلَمّا ألقى الله أستطيع أن أدافع عن نفسي أني قلت قدر ما أستطيع.
.
من أجل هذا لا تيأسوا من الكلام،
أما المرحلة الأولى في الحياة التي هي إلى سن العاشرة:
فهؤلاء استمتِعوا معهم بتكرار الكلام؛ لأنهم يستطيعوا أن يستوعبوا الكلام مهما تكرر
.
وبعد هذا لمّا يأتي ما نُسميه بالمراهقة،
هذه المرحلة تكلم مهما صَدّوك، تكلم مهما ردّوك؛
لأن كلامك هذا من باب التعبّد وليس من باب التسلية،
يعني أنت تكلم وانصحهم وعِظهم وقل لهم قوموا للصلاة... مِن أجل أن تتقرّب إلى الله بهذه الكلمات وليس من أجل أنَّ هذه الكلمات هي التي تأتي بالنتيجة،
واصبر، ثم يجعل الله كلامك يثقب قلوبهم رحمةً بك وبهم.
.
تكلم وحتى لو وجدت أنهم لا يسمعون،
تكلم حتى لو وضعوا أصابعهم في آذانهم!
تكلم لأنه هذه مسؤوليتك أن تتكلم،
ليس مسؤوليتك أن تأتي بقلوبهم
ما يأتي بقلوبهم إلاَّ الله،
سيأتي بقلوبهم لكن الله يختبر تصبر أم لا تصبر اختبرك أنت.
من أجل ذلك كُن يائساً مِن نفسك، و ضَعْ كل رجائك من ربك، وانتظر الفرج، سيأتيك ولابُد؛ لأن الله وعد بهذا.
.
ثالثاً: إذا آتاك الله ما تُحب، فلتكُن كما يحب الله.
مثلاً: أتاك التوفيق، أولادك وُفقوا ونجحوا في الاختبارات، انظر للآية جيدًا وانظر كيف حال الناس؟
{فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا}
يعني استعان وتذلل وفعل كل الأفعال
{ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا}
إذا جاءته النعمة، إذا نجح أولادي
{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}
يعني نحن تعبنا ونحن ذاكرنا لهم!!
اعلم أن مثل هذه الجُمَل ليست سهلة، كنت في ضُر ومنكسر وذليل وتقول يا رب أعطيني فلما خوَّلك نعمة تقول إنما أُوتيته على علم!
{بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
وهذه هي حالتنا، الآية تصفنا تمامًا.
أكثرهم لا يعلمون أن الله فتنهم لمَّا أعطاهم ورسبوا في الفتنة،
لأنهم لما أعطاهم، نسبوا هذه النعمة إلى أنفسهم،
إلى جهدهم،
إلى مدرسيهم،
إلى الأسئلة السهلة ... إلخ،
لا تقل إلاَّ بفضل الله.
.
لست أنت الذي أصلحتهم
ولا أنت الذي نجحتهم
ولا وُفِّقوا بفضلك
ولا أنت لك عليهم مِنَّة..
بل الله وحده المنّان الذي أعطاك وأعطاهم، وهذه المصيبة سائرة حتى عند الأتقياء!
لا يتصورون أنه يجب أن لا تنسب النعمة إلاَّ إلى الله.
.
موضوع فعل الأسباب
~ قبل العمل:
كن موحّدًا واطلب من الله الأسباب.
~ أثناء العمل:
استعين بالله أن يعينك على أن تقوم بالعمل، اطلب منه العون.
~ فإذا انتهى العمل:
وأتى مرادكم، لا تتكلموا عن الأسباب بأي صورة،
لا تقول ذاكرنا،
لا تقول بذلنا،
لا تقول فعلنا.. أبداً،
الأسباب هذه ألقيها بعيد عنك تمامًا، حتى لا تدخل تحت جملة {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}.
.
الله هو رب الأسباب الذي أتى بالأسباب،
وهو الذي نفعك بالأسباب،
وهو الذي أتى بالنتائج بعد الأسباب.
.
قول:
(لكل مجتهد نصيب)
قبل أن ندخل الاختبار،
حُثّهم على العمل بكل الأسباب الشرعية قبل أن ندخل في العمل،
لكن بعد ما ننتهي وتأتيك النتائج قف.
فالذي درس ونجح قل له كلمة واحدة: (هذا من فضل الله).
والذي لم يدرس ولم ينجح، وقت نزول المصيبة: لا تقل غير (قدّر الله وما شاء فعل)،
ولمّا تبرد المصيبة، نفكك الأسباب نقول: (الله جعل لكل شيء سببًا، وأنت ما أخذت السبب، فهذا جزاؤك)
.
نتوسل إلى الله أن يُعلّمنا عنه؛
لأنه قد تأتي كلمات بسيطة تدلّ على ما في النفس ونحن غير شاعرين بأنفسنا أننا نقول خِلاف ما يجب أن يكون، ثم نحن بأنفسنا نتكلم عن كُفران النعمة ويجب أن لا نبطر على النعمة! ونجد أنفسنا من جهة أخرى نقول كلمات تأتي بذلك.
.
أسأل الله –عزّ وجلّ– أن يكون لنا معينًا على تربية هؤلاء، وأساله -سبحانه وتعالى- أن يسدددنا أن نطلب منه وحده الصلاح لأبنائنا
م/ن
تعليق