مشاركة الأسرة أول النهار
وهجوم على الثلاجة في آخره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عندما قررت أم محمد أن تحضر طعام الفطور لطفلها، صبيحة أول يوم من شهر رمضان المبارك في العام الماضي، فوجئت بأنه صائم، بعفوية قال الصغير أحمد (لا يمكن أن أتناول الطعام الذي أعددته لي، فأنا مثلك صائم) حاولت الوالدة أن تثني ابنها عن قراره خاصة أنه لم يتناول طعام السحور، وبالتالي لن يستطيع الصوم طيلة النهار، لكنه لم يستسلم، ويأتي صيام أحمد (ست سنوات) تقليدا لشقيقه محمد وعبد الله الذين يكبرانه قليلاً.. (أنا كبير كشقيقي, ويمكنني الصوم مثلهما) يؤكد أحمد.
تركته الأم لكنها كانت متيقنة من أن جسده الغض سيتعب، وكان ما فكرت به, حيث أتاها الطفل فور سماعه أذان الظهر ليقول لها (أمي, لقد حان وقت الإفطار, وأنا جائع جدا).. ضحكت الأم في سرها، لكنها لم تتأخر في تصحيح معلومات طفلها بأن الإفطار يأتي عند المغرب, وليس ظهراً، فبادرها بتلقائية طفولية (لكني صغير, ويمكني الصيام لنصف نهار فقط) وتكرر الأمر, وكان الطفل يعتاد الأمر، وبدأت قدرته على التحمل تزداد رغم صغر سنه إلى أن استطاع إكمال يوم واحد من الصيام. هذا العام يستعد أحمد للصيام، لكن بشكل جدي، بعد أن كانت تجربته الماضية مثمرة، فهو يأخذ الأمر على محل الجد، خاصة أن أشقاءه (يصومون في سن مبكرة بتشجيع من الوالد) كما تقول أم محمد.
حال يوسف (تسع سنوات) مختلفة قليلاً، فهو طفل كثير الحركة وعنيد، لذا لا ينصاع لنصائح والديه بمشاركتهم الصوم خلال الشهر الفضيل..(أحيانا يقول إنه صائم ليسكتنا، لكن أفاجأ بأن بعض الأطعمة تختفي من الثلاجة، فأراقبه لأجد أنه مفطر)
تقول والدة يوسف:
وتعتمد الوالدة أسلوب الترغيب مع يوسف، لكنه لا يجدي نفعا في الأحوال العادية (إلا إذا كانت المكافأة كبيرة، لكنني صرت أخفف من هذا الأسلوب كي لا يعتاد يوسف على الأمر، فعليه أن يعرف وجوب الصوم لله, وليس لنيل مكافأة مني).
وهنا كان لا بد من اعتماد أسلوب الترهيب (بدأنا نشرح له ماهية الصيام من الناحية الدينية، وشددنا على أهمية الصوم وفضائله, وكيف جعل الله تبارك وتعالى الجزاء عنه له وحده، حيث فهم إلى حد كبير معنى القول «كل عمل ابن آدم له إلا الصيام, فإنه لي, وأنا أجزي به» وبدأ يشعر بأننا نريد له الأفضل، وإن كان لا يلتزم بالصوم طوال الوقت.
ساهمت أحاديث الوالدين في تقوية عزيمة الطفل ودفعه لإكمال أيام الصيام طمعا في الجزاء الإلهي، لكنه لا يتردد من وقت لآخر في طلب مكافأة الوالدين على صيامه.
(صمت لأول مرة منذ خمس سنوات، كنت في الثامنة من عمري، وكان الأمر مجرد تحد بيني وبين رفاقي) وبين اللهو والجد كان الطفل يصوم نصف نهاره، وبتشجيع من الأهل ورغبة بالتشبه بالأصحاب صار يكمل حتى العصر) لكن كنت أشرب حين أشعر بالعطش، لكن استمر بالصيام عن الطعام) وفي العام التالي صام طلال عشرة أيام من رمضان..) أبي صار يشجعني, ويقدم لي الهدايا إذا أتممت النهار كله حتى المغرب).
كان شعور طلال بأنه (كبير) يجعله مصرا على القيام بما يقوم به الكبار في العائلة، كنت أستيقظ لتناول السحور والصلاة، وكنت أمضي فترة بعد الظهر نائما لأستطيع تحمل الجوع والعطش).
وهكذا بات الشاب الصغير من المواظبين على ممارسة طقوس الشهر الفضيل، وتشارك سارة (9سنوات) مع شقيقها طلال تجربة الصيام (كنت أتفق مع رفيقاتي في المدرسة على الصيام، وهكذا كنا نأخذ الموضوع بشكل جدي إلى أن بات الصيام عادة متأصلة فينا).
وكان صيام فاطمة (14سنة) بتشجيع من الأسرة، فقد استخدمت أمها أساليب عديدة لدفعها للصيام فكانت (تعد لي المأكولات التي أحبها، والحلويات اللذيذة, وتعطيني المال من وقت لآخر) وتدرجت الصغيرة بالصيام (بداية يوم في الشهر، ثم أيام عدة في الأسبوع ثم أسبوع في الشهر، وهكذا حتى صارت تكمل الشهر كله). واليوم لم يعد لي دافع للصوم إلا رضوان الله عني) تؤكد الصبية الصغيرة..
ودخلت منى (8 سنوات) تجربة الصيام تقليدا للكبار في عائلتها، حيث استطاعت مع تخوف أمها على صحتها أن تصوم بدون مشاكل تذكر) كانت تقول لي: إن الصوم قد يؤثر على دراستي؛ لأنني بحاجة للغذاء، وقد أصادف مشاكل في استيعاب الدروس) لكن بفضل إصراري على الأمر تمكنت من التغلب على الإرهاق وصمت, وكانت تجربة ناجحة).
فيما ترى المعلمة ألفت صقر أنه من الضروري تشجيع أبنائنا بكل الوسائل على الصيام, والتعود عليه في سن مبكرة)، واعتبرت أن هذا واجب كل أم مسلمة تحاول أن تنشئ أجيالاً على القيم والمبادئ الإسلامية منذ الصغر).
ومن جهته يرى الدكتور أمين رشاد، طبيب الأطفال، أنه إذا كانت بنية الطفل قوية وتكوينه الجسماني يسمحان بالصيام, فيمكن تشجيعه تدريجيا على الصيام, ويشدد على ضرورة متابعة الأهل لتغذية طفله الصائم خاصة أن السكريات تقل في الجسم نتيجة الصوم والحركة, لذا يشعر بالعتب، وهنا يجب الانتباه لذلك, ولنوعية طعام الطفل؛ ليقدر على الاستمرار. نوه رشاد بأهمية وجبة السحور التي يجب أن تأتي في وقت متأخر, وتحتوي على كميات كافية من السكريات التي تؤمن للطفل الطاقة اللازمة لنشاطه خلال النهار حتى لا يشعر بالتعب في المدرسة وخلال اللعب.
وفي مطلق الأحوال يبقى الشهر الفضيل فرصة لتعليم الطفل كيفية التقرب إلى الله, والسير على التعاليم الإسلامية الصحيحة، لبناء أجيال مؤمنة.
تعليق