الطفل يرى ويسمع ويقلد، وأول مصدر أمامه لكل ذلك هو البيت الذي يجب أن تظهر به معالم الحفاوة برمضان حتى يكبر, وهو يرى سعادة ذويه وإخوته بقدوم الشهر المبارك، يجب ألا يرانا الطفل نتأفف من الجوع, فهو وإن كان صغيرا, لكنه يفهم المشاعر وألا نفهمه أن الأمر جوع وعطش، بل هو سرور وحبور وفوق ذلك ثواب عظيم، يجب أن نعلم أن الصوم لله تعالى، والجزاء – حقا - كبير.
طاقة الطفل وتحمله يزداد يوما بعد يوم، ولذلك فقد يكون هذا العام غير قادر على الصيام, ولا عيب في ذلك, ولا إثم، فالصيام يرتبط بمقدرة الصغير والمتزايدة، وعندما يصبح بمقدوره تحمل هذه المسؤولية يجب أن نجعله يقبل عليها بحب واشتياق.
لا مانع إن دربناه قبل أن يصبح في سن التكليف على الصيام المتدرج, كأن يصوم للظهر ثم للعصر، ولا حرج إن كان بمقدوره تحمل بعض الجوع مع تناول بعض الماء إن كان لا يزال - حقا - لا يستطيع الصيام, فذلك تدريب وتمهيد حتى لا نفاجئه يوما بقولنا (إن وقت الصيام قد حان).
في وقت الإفطار سنكون نحن قدوة، وعاداتنا ستنعكس على أطفالنا بلا شك، فالأكل ليس التهاما بل بتأن وتؤدة، وأنواع الطعام يجب ألا تؤذي المعدة، يجب ألا نشرب بحراً من السوائل منذ البدء, فيقلدنا الصغير, وتؤلمه بطنه.
أما العبادات فندرب الطفل على أدائها وعدم التهاون بها قبل الإفطار وبعده، وفي السحور نوقظه رغم لذة النوم ودفء السرير، وعلينا – بحكمة وفطنة – أن نجعل وقت السحور متعة حقيقية يستيقظ له الطفل غير متحسر على نوم فقده، وأن نحرص على سحور أطفالنا حتى وإن لم تكن بهم طاقة على الصيام, حيث إنهم يتعودون على أداء الصيام رويداً رويداً.
يجب ألا نشعر أطفالنا أن الصيام نوم وكسل، لا ضير إن تأخر الطفل بالنوم قليلاً, ولكن الطامة الكبرى إن رأى أباه ينام طول النهار, ولا يفيق إلا على صوت المؤذن، يجب أن يشعر أن وقت الصيام ثمين, فيكسبه في الطاعة والعبادة وقراءة القرآن الكريم بالإضافة للأعمال الاعتيادية.
الجائزة والهدية يحبهما الطفل, وتحلان في قلبه مسكناً طيبا, لذلك يمكن تشجيع الطفل بالهدية والجائزة لتحفيزه على الصوم.
طفلنا يجب أن يعلم أن ديننا يسر ورحمة، الله سبحانه سمح للمريض والمسافر والكبير الطاعن في السن غير القادر على الصيام, وكذلك الصغير الذي لم يدخل سن التكليف بألا يصوموا, فالله غفور رحيم.
ورمضان الكريم مناسبة؛ لأن نعود أطفالنا البعد عن بعض الأطعمة التي تقذفها إلينا المصانع بالأطنان, وفيها من الضرر ما يفوق النفع، ونعيدهم للذوق الغذائي السليم، التمر مثلا فيه من الفائدة ما يجعل منه غذاء كاملا, ودواء نافعا بإذن الله، وعندما يرانا الطفل نقبل عليه في الفطور وبالسحور سيقتفي أثرنا في ذلك.
وهو غذاء كامل ودواء نافع بإذن الله، فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قوله: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على رطبات, فإن لم يجد فعلى تمرات»، وقوله: «إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر, فإن لم يجد فليفطر على ماء, فإنه طهور» ولقد أثبتت البحوث والدراسات العلمية الفائدة العظيمة للتمر في أحوال كثيرة منها حالة الصيام، حيث إن التمر لذيذ الطعم مستساغ المذاق رائع الحلاوة وسهل الهضم والامتصاص، وهذه الصفات تناسب تماما المعدة الخالية والأمعاء المنتظرة للطعام والكبد الذي يتوق شوقا للغذاء، فالمواد السكرية, ومنها التمر تعتبر أسرع الأطعمة وصولا للكبد، وبهذا يأخذ الجسم الطاقة والحيوية.
أما الماء فإنه يطفئ لهيب المعدة وحرارة الصيام, وينبه المعدة لبدء علمية الطعام, ويروي العروق التي نضب ماؤها.
طعام الفطور بالطبع يحتوي الأطعمة الشهية حسبما يتيسر بمشيئة الله تعالى، ولكن علينا الحرص على اللبن والحليب, ففوائدهما يصعب حصرها, وكذلك العسل، أما الفواكه بأنواعها المختلفة, فإنها أغذية سخرها الله تعالى؛ لتكون طعاما لنا، وفي كل صنف منها فوائد عديدة، وكذلك الخضار, فإنها لا تقل نفعا عن الفواكه والثمار.
د.عبد المطلب السح
اختصاصي أول طب الأطفال