Tweet
دخلت الرياح و الشمس في تحدٍ أيهما يستطيع إزالة معطف رجل يمشي في الطريق ، فبدأت الرياح تصدر أصواتاً مخيفة و تهيج و تشتد و تزيد من سرعتها على أن تنزع معطف الرجل، وكلما تزداد يتمسك الرجل بالمعطف أكثر ، وبعدما استنفدت كل سرعتها ، أمسك الرجل بشجرة واحتمى بها، فاستسلمت الرياح.
وبعد إعلان الريح استسلامها ابتسمت الشمس وطلعت بهدوء وأرسلت أشعتها الى المكان حتى ملأه الدفء فبدأ الرجل يشعر بالحر ويتصبب عرقاً، و بالفعل خلع معطفه و كسبت الشمس التحدي !
وبإسقاط ذلك المثال على أرض الواقع في المجال التربوي نجد أن بعض المربين يختار الأسلوب الشاق الصدامي في التوجيه “أسلوب الرياح” فتجد صدودًا عن الأمر و عدم تنفيذ إلا تحت التهديد .. تاركاً الأسلوب الأسهل و الأيسر في التوجيه القائم على الإقناع و الحوار “أسلوب الشمس” الذي يخلق الاستجابة الفورية للأوامر دون أدنى مشقة .
فأغلب الآباء و للأسف يفتقد أسلوب الإقناع و الحوار في تربيتهم لأبنائهم، فالتعامل و كأنه في معسكر للجيش قائم على الأوامر المنزوعة من السببية أو المناقشة ، فأغلب الأوامر تصدر جافة “قم صل” ، “لا تستمع إلى الأغاني”، “لا تضيع وقتك” حتى لم يعد فرق بين أولاده وبين الجنود المنفذين للأوامر بلا إعمال للعقل.
التربية بالإقناع .. لماذا؟!و اعلم أيها المربي أن استخدامك لذلك السلاح التربوي فيه بناء و تنمية للعقلية السببية لطفلك تعوده منذ الصغر أن يربط بين الظواهر وأسبابها والنتائج ومقدماتها ، و تساعده على النجاح في حياته فـ”جميل جدًا أن يقتنع الطفل ـ أو الشاب ـ أو الإنسان الناضج ـ بحكمة ما يفعل، فإن ذلك أيسر للتنفيذ القلبي وأرجى للثمرة من التنفيذ بغير اقتناع”. محمد قطب منهج التربية الإسلامية.كما أن استخدام أسلوب الإقناع و الحوار مع المتربي فيه حفاظ على كرامته إذ إن الشرح ينطوي على اعتراف بأهمية المتربي و يبعدنا عن إخراج نمط “الإمعة” الذي يتصرف كالتابع الذليل ، فنحن نريد أن نربي رجلاً مستقل الشخصية، متميزة الكيان، يعمل ما يقتنع به ، فكما قال الأستاذ محمد قطب أنه ” لا يجوز فرض الأوامر فرضًا على الطفل دون اقتناع منه بأدائها؛ لأن ذلك يولد في نفسه كبتًا ويفسد شخصيته”.
كما أن التربية بالإقناع تنمى المبادرة الذاتية عند المتربي فتجده تلقائيًا يتجنب الخطأ ويفعل الصحيح بدون رقابة عليه ، “فإن فرض الأوامر على الطفل دون اقتناع منه بأدائها يشعره بأن ذلك العمل عبء ثقيل عليه، فيحاول التهرب منه، وواجب المربي هو محاولة احترام الطفل من خلال إقناعه بالأمر، كأن يبين للطفل فائدة قيامه بالعمل، ويحليه في عينيه وعليه ألا يوجه نواهيه إليه بطريقة استفزازية” موسوعة التربية العملية للطفل، هداية الله أحمد شاشف إهمال التربية بالإقناع خطأ جسيم يقع فيه الكثير للأسف ، مما يخلف خبثا في نفوس الأبناء، وتفلتًا وتهربًا ما داموا بعيدين عن الرقابة.الإقناع و الحوار منهج رباني :
و بالتأمل في الخطاب القرآني ستجد انه يعتمد في كثير من المواضع على أسلوب الإقناع و تنشيط للعقلية السببية ،بالرغم انه كان من الممكن أن يكتفي بأمر طاعة الرسول و إظهار معجزاته ، و لكن بيان الحكمة يزيد الفاعل قناعة و تمسكًا بما يفعل .يقول الله تعالى في تحريم الخمر “{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } ” ، (المائدة91-90)
وقال في موضوع آخر “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا.” .(البقرة:219)
بين الله حرمة الخمر بالإقناع فقال :1ـ رجس من عمل الشيطان.2ـ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.3ـ قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما.
أما بخصوص الخلق و الإحياء فقال في شأن من استنكر خلق عيسى بدون أب ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون” .. فيوجه الله اللوم لمن أنكر مولد عيسى عليه السلام ، كيف تنكرون مولده بدون أب و أنتم تؤمنون بمن هو أعظم منه خلقه ، فآدم خلق من تراب و بدون أب و أم .
الإقناع و الحوار منهج الأنبياء و الصالحين :و بالتأمل في أسلوب توجيه الأنبياء لأبنائهم ستجده مفعمًا بأساليب الإقناع والحوار، فعلى سبيل المثال، حين جاء أمر الذبح لسيدنا إبراهيم عليه السلام و جاء الى ولده اسماعيل ليصارحه ” يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى” .استخدم سيدنا إبراهيم أسلوب الحوار و الإقناع مع ولده اسماعيل عليه السلام ، بالرغم ان ابراهيم غير مأمور بذلك و لو كان قام بذبح إسماعيل على حين غرة ليس عليه ذنب أو إثم ، ولكنه فضل إسلوب الحوار فلما قال له “يابني إني أرى في المنام أني أذبحك” و زين أسلوبه “فانظر ماذا ترى” ، جاءه الرد بمبادرة إسماعيل أن “يا أبت افعل ما تؤمر” .
كما تؤكد السنة النبوية على هذا المعنى التربوي المفقود ، فحين جاء اليه صلى الله عليه و سلم ذلك الشاب الذي يستأذنه في الزنا فرد عليه معلم البشرية صلى الله عليه وسلم : (ادنُه) وجعل النبي – عليه الصلاة والسلام – يحاوره ويقول له: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ ، قال الفتى: لا والله، جعلَني الله فِدَاكَ، قال: ولا الناسُ يحبُّونَهُ لأمَّهاتِهِمْ، قال: أَفتحِبُّه لابنتكَ؟، قالَ: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فداكَ، قال: ولا الناسُ يحبُّونَهُ لِبَناتِهِمْ ، قالَ: أَفتحِبُّه لأخْتِكَ؟ ، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فداكَ، قال: ولا الناسُ يحبُّونَه لأخَواتِهم ، قال: أَتحبُّهُ لعمَّتِكَ؟ ، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فداكَ، قال: ولا الناسُ يحبونَهُ لعَمَّاتِهم ، قال: أَتحبهُ لخالتِكَ؟ ، قالَ: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فداك، قالَ: ولا الناسُ يحبونَهُ لخَالاتِهِمْ ، قال: فوضَعَ يدَهُ عليه وقالَ: (اللهمَّ اغفِرْ ذَنْبهُ، وطهِّرْ قَلبَهُ، وحَصِّنْ فرجَهُ) ، قال: فلَمْ يكُنْ بَعْدَ ذلكَ الفَتى يلتفِتُ إِلى شيءٍ”.فاعتمد النبي صلى الله عليه و سلم على أسلوب الإقناع و الحوار في معالجة مشكلة الشاب ، و استطاع تغيير قناعاته بمجرد استخدام الحوار العقلي في النقاش معه .
مخاطر عدم استخدام التربية بالإقناع في أمور الشرع :لعلك انبهرت يوما ما من تدين رجل أجنبي دخل في الإسلام حديثا ، كيف أنه يصلي الفروض في أوقاتها و كيف أنه سريع الإستجابة لأوامر الله ، و تنعت إسلامه دوما بأنه أحسن من بني جلدتك ، أتدري ما السر ؟! ، إنه “الإقتناع” .. كيف نساوي من تعلم دينه عن “اقتناع” بمن تم تلقينه عدة حركات و عدة كلمات يتفوه بها دون علم بمعناها !!فعندما نوجه أولادنا لأمر شرعي يجب علينا ذكر الدليل و تفهيمه له قدر المستطاع كي لا يصلي من أجل “أوامر أبي” و كي لا يترك الخطأ من أجل “تعليمات أمي”، لأنه بمجرد غياب الأب و الأم و غياب الرقابة عليه ستجده يرتكب الخطأ ، أما الذي تربى على الإقناع و إظهار الدليل و تربى على عقيدة صحيحة بانه هناك إله في السماء وجبت طاعته و تنفيذ أوامره وهو مطلع عليه في كل وقت ، من الصعب أن يزل في حالة غياب الرقيب .و للأسف تجد مغبة إهمال التوجيه بالإقناع في الأمور الشرعية ظاهرا على الأولاد ، و قد خلف خبثا في نفوسهم و صاروا متفلتين ما داموا بعيدين عن الرقابة ، أما الطفل الذي تربى بالإقناع في الأمور الشرعية يكون عنده مبادرة ذاتية لتجنب الحرام تلقائيا ، و ستكون نفسه سوية فيغير من نفسه و يغير من الآخرين .
التربية بالإقناع لها حدود:إن النفوس البشرية مختلفة ، و الأبناء منهم من تستنفد معه وسعك في إقناعه بالأمر حتى يفعله و يرفض ، لذا يجب أن نوضح أن عنصر الإقناع في العملية التربوية له حدود ، وإلا فما العمل حين تكون الأرض كلها اجتمعت على أمر معين ولكن الطفل غير مقتنع بذلك ، فمن اللازم بيان الحكمة في بداية الأمر فإن عاند و أظهر عدم الإقتناع اتباع أساليب أخرى ممكن أن تصل الى العقاب .
وبعد إعلان الريح استسلامها ابتسمت الشمس وطلعت بهدوء وأرسلت أشعتها الى المكان حتى ملأه الدفء فبدأ الرجل يشعر بالحر ويتصبب عرقاً، و بالفعل خلع معطفه و كسبت الشمس التحدي !
وبإسقاط ذلك المثال على أرض الواقع في المجال التربوي نجد أن بعض المربين يختار الأسلوب الشاق الصدامي في التوجيه “أسلوب الرياح” فتجد صدودًا عن الأمر و عدم تنفيذ إلا تحت التهديد .. تاركاً الأسلوب الأسهل و الأيسر في التوجيه القائم على الإقناع و الحوار “أسلوب الشمس” الذي يخلق الاستجابة الفورية للأوامر دون أدنى مشقة .
فأغلب الآباء و للأسف يفتقد أسلوب الإقناع و الحوار في تربيتهم لأبنائهم، فالتعامل و كأنه في معسكر للجيش قائم على الأوامر المنزوعة من السببية أو المناقشة ، فأغلب الأوامر تصدر جافة “قم صل” ، “لا تستمع إلى الأغاني”، “لا تضيع وقتك” حتى لم يعد فرق بين أولاده وبين الجنود المنفذين للأوامر بلا إعمال للعقل.
التربية بالإقناع .. لماذا؟!و اعلم أيها المربي أن استخدامك لذلك السلاح التربوي فيه بناء و تنمية للعقلية السببية لطفلك تعوده منذ الصغر أن يربط بين الظواهر وأسبابها والنتائج ومقدماتها ، و تساعده على النجاح في حياته فـ”جميل جدًا أن يقتنع الطفل ـ أو الشاب ـ أو الإنسان الناضج ـ بحكمة ما يفعل، فإن ذلك أيسر للتنفيذ القلبي وأرجى للثمرة من التنفيذ بغير اقتناع”. محمد قطب منهج التربية الإسلامية.كما أن استخدام أسلوب الإقناع و الحوار مع المتربي فيه حفاظ على كرامته إذ إن الشرح ينطوي على اعتراف بأهمية المتربي و يبعدنا عن إخراج نمط “الإمعة” الذي يتصرف كالتابع الذليل ، فنحن نريد أن نربي رجلاً مستقل الشخصية، متميزة الكيان، يعمل ما يقتنع به ، فكما قال الأستاذ محمد قطب أنه ” لا يجوز فرض الأوامر فرضًا على الطفل دون اقتناع منه بأدائها؛ لأن ذلك يولد في نفسه كبتًا ويفسد شخصيته”.
كما أن التربية بالإقناع تنمى المبادرة الذاتية عند المتربي فتجده تلقائيًا يتجنب الخطأ ويفعل الصحيح بدون رقابة عليه ، “فإن فرض الأوامر على الطفل دون اقتناع منه بأدائها يشعره بأن ذلك العمل عبء ثقيل عليه، فيحاول التهرب منه، وواجب المربي هو محاولة احترام الطفل من خلال إقناعه بالأمر، كأن يبين للطفل فائدة قيامه بالعمل، ويحليه في عينيه وعليه ألا يوجه نواهيه إليه بطريقة استفزازية” موسوعة التربية العملية للطفل، هداية الله أحمد شاشف إهمال التربية بالإقناع خطأ جسيم يقع فيه الكثير للأسف ، مما يخلف خبثا في نفوس الأبناء، وتفلتًا وتهربًا ما داموا بعيدين عن الرقابة.الإقناع و الحوار منهج رباني :
و بالتأمل في الخطاب القرآني ستجد انه يعتمد في كثير من المواضع على أسلوب الإقناع و تنشيط للعقلية السببية ،بالرغم انه كان من الممكن أن يكتفي بأمر طاعة الرسول و إظهار معجزاته ، و لكن بيان الحكمة يزيد الفاعل قناعة و تمسكًا بما يفعل .يقول الله تعالى في تحريم الخمر “{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ } ” ، (المائدة91-90)
وقال في موضوع آخر “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا.” .(البقرة:219)
بين الله حرمة الخمر بالإقناع فقال :1ـ رجس من عمل الشيطان.2ـ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.3ـ قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما.
أما بخصوص الخلق و الإحياء فقال في شأن من استنكر خلق عيسى بدون أب ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون” .. فيوجه الله اللوم لمن أنكر مولد عيسى عليه السلام ، كيف تنكرون مولده بدون أب و أنتم تؤمنون بمن هو أعظم منه خلقه ، فآدم خلق من تراب و بدون أب و أم .
الإقناع و الحوار منهج الأنبياء و الصالحين :و بالتأمل في أسلوب توجيه الأنبياء لأبنائهم ستجده مفعمًا بأساليب الإقناع والحوار، فعلى سبيل المثال، حين جاء أمر الذبح لسيدنا إبراهيم عليه السلام و جاء الى ولده اسماعيل ليصارحه ” يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى” .استخدم سيدنا إبراهيم أسلوب الحوار و الإقناع مع ولده اسماعيل عليه السلام ، بالرغم ان ابراهيم غير مأمور بذلك و لو كان قام بذبح إسماعيل على حين غرة ليس عليه ذنب أو إثم ، ولكنه فضل إسلوب الحوار فلما قال له “يابني إني أرى في المنام أني أذبحك” و زين أسلوبه “فانظر ماذا ترى” ، جاءه الرد بمبادرة إسماعيل أن “يا أبت افعل ما تؤمر” .
كما تؤكد السنة النبوية على هذا المعنى التربوي المفقود ، فحين جاء اليه صلى الله عليه و سلم ذلك الشاب الذي يستأذنه في الزنا فرد عليه معلم البشرية صلى الله عليه وسلم : (ادنُه) وجعل النبي – عليه الصلاة والسلام – يحاوره ويقول له: أَتُحِبُّهُ لأُمِّكَ؟ ، قال الفتى: لا والله، جعلَني الله فِدَاكَ، قال: ولا الناسُ يحبُّونَهُ لأمَّهاتِهِمْ، قال: أَفتحِبُّه لابنتكَ؟، قالَ: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فداكَ، قال: ولا الناسُ يحبُّونَهُ لِبَناتِهِمْ ، قالَ: أَفتحِبُّه لأخْتِكَ؟ ، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلَني الله فداكَ، قال: ولا الناسُ يحبُّونَه لأخَواتِهم ، قال: أَتحبُّهُ لعمَّتِكَ؟ ، قال: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فداكَ، قال: ولا الناسُ يحبونَهُ لعَمَّاتِهم ، قال: أَتحبهُ لخالتِكَ؟ ، قالَ: لا والله يا رسولَ الله، جعلني الله فداك، قالَ: ولا الناسُ يحبونَهُ لخَالاتِهِمْ ، قال: فوضَعَ يدَهُ عليه وقالَ: (اللهمَّ اغفِرْ ذَنْبهُ، وطهِّرْ قَلبَهُ، وحَصِّنْ فرجَهُ) ، قال: فلَمْ يكُنْ بَعْدَ ذلكَ الفَتى يلتفِتُ إِلى شيءٍ”.فاعتمد النبي صلى الله عليه و سلم على أسلوب الإقناع و الحوار في معالجة مشكلة الشاب ، و استطاع تغيير قناعاته بمجرد استخدام الحوار العقلي في النقاش معه .
مخاطر عدم استخدام التربية بالإقناع في أمور الشرع :لعلك انبهرت يوما ما من تدين رجل أجنبي دخل في الإسلام حديثا ، كيف أنه يصلي الفروض في أوقاتها و كيف أنه سريع الإستجابة لأوامر الله ، و تنعت إسلامه دوما بأنه أحسن من بني جلدتك ، أتدري ما السر ؟! ، إنه “الإقتناع” .. كيف نساوي من تعلم دينه عن “اقتناع” بمن تم تلقينه عدة حركات و عدة كلمات يتفوه بها دون علم بمعناها !!فعندما نوجه أولادنا لأمر شرعي يجب علينا ذكر الدليل و تفهيمه له قدر المستطاع كي لا يصلي من أجل “أوامر أبي” و كي لا يترك الخطأ من أجل “تعليمات أمي”، لأنه بمجرد غياب الأب و الأم و غياب الرقابة عليه ستجده يرتكب الخطأ ، أما الذي تربى على الإقناع و إظهار الدليل و تربى على عقيدة صحيحة بانه هناك إله في السماء وجبت طاعته و تنفيذ أوامره وهو مطلع عليه في كل وقت ، من الصعب أن يزل في حالة غياب الرقيب .و للأسف تجد مغبة إهمال التوجيه بالإقناع في الأمور الشرعية ظاهرا على الأولاد ، و قد خلف خبثا في نفوسهم و صاروا متفلتين ما داموا بعيدين عن الرقابة ، أما الطفل الذي تربى بالإقناع في الأمور الشرعية يكون عنده مبادرة ذاتية لتجنب الحرام تلقائيا ، و ستكون نفسه سوية فيغير من نفسه و يغير من الآخرين .
التربية بالإقناع لها حدود:إن النفوس البشرية مختلفة ، و الأبناء منهم من تستنفد معه وسعك في إقناعه بالأمر حتى يفعله و يرفض ، لذا يجب أن نوضح أن عنصر الإقناع في العملية التربوية له حدود ، وإلا فما العمل حين تكون الأرض كلها اجتمعت على أمر معين ولكن الطفل غير مقتنع بذلك ، فمن اللازم بيان الحكمة في بداية الأمر فإن عاند و أظهر عدم الإقتناع اتباع أساليب أخرى ممكن أن تصل الى العقاب .
للكاتب :
أ/عبدالرحمن ضاحى
تعليق