السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وما تتبع قارئ للقرآن الكريم والسيرة النبوية إلا وجد فيهما عناصر التفوق ووسائل النجاح من خلال الكثير من المواقف التربوية الراقية التي هي القدوة الحسنة لكل راغب في الوصول إلى الحق.
وعن طريق هذا المنهج ينشأ الإنسان الصالح ومن ثم المجتمع الإسلامي الكريم.
وهنا نماذج وصور من ((المنهج التربوي النبوي))، نقربها للقارئ الكريم تذكيراً وترغيباً في هذا المنهج المتكامل الذي أرسل الله به نبيه للناس كافة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وكم نحن بحاجة للوقوف أمام هذه المعالم النبوية وتمثلها في حياتنا وسلوكنا؛ إذ هي السر في تميز الرعيل الأول رضي الله عنهم أجمعين.
1- الصبر وطول النفس:
يسهل على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء، ويستطيع الباحث أن يصبر ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك، لكن التعامل مع الإنسان له شأن آخر وبعد آخر؛ ذلك أن الناس بشر، لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد؛ فتراه تارة هنا وتارة هناك، تارة يرضى وتارة يسخط..
ولهذا أجمع المختصون بأن (الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة)، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة؛ فكيف بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه؟
ومن يتأمل سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل المبارك؟ وكم فترة من الزمن قضاها؟ وكم هي المواقف التي واجهها؟ ومع ذلك صبر واحتسب، وكان طويل النفس بعيد النظر، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة، وهل هناك من هو أعلى شأناً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الأنبياء..
- فها هم يتنزل فيهم في (بدر): {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]
- وفي (أحد): {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران: 152]
- وفي (حنين): {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}[التوبة: 25]
- وحين قسم غنائم حنين، وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا.
- وكان يخطب فجاءت عير، فتبعها الناس، فنزل فيهم قرآن يتلى.
ومع ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة، وهو المثل الأعلى للناس في هذه الدنيا، ولن تكون هذه المواقف سبباً للحط من شأنهم ومكانتهم رضوان الله عليهم.
لكن كيف بمن دونهم؟!بل لا يسوغ أن يقارن بهم.
إن ذلك يفرض على المربي أن يكون:
طويل النفس، صابراً، عالي الهمة، متفائلاً.
2- الخطاب الخاص:
فكما كان يوجه الخطاب لعامة أصحابه، فقد كان يعتني بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه.
- فقد كان من هديهصلى الله عليه و سلم حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن، كما روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي القُلْب والخُرْص.
- بل تجاوز الأمرمجرد استثمار اللقاءات العابرة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم:غلبنا عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوماً من نفسك.. فواعدهن يوماً، فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان مما قال: «ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار»فقالت امرأة: واثنين فقال: «واثنين».
- وقد يكون الخصوصلقوم أو فئة دون غيرهم، كما فعل في غزوة حنين حين دعا الأنصار، وأَكَّدَ ألا يأتي غيرهم، وكما بايع بعض أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً.
3- مشاركة المربي العملية:
اعتاد بعض المربين أن يكون دورهم قاصراً على (إعطاء الأوامر، ومراقبة التنفيذ)، وهو مسلك مخالف لمنهج المربي الأول -صلى الله عليه وآله وسلم-، الذي كان يعيش مع أصحابه ويشاركهم أعمالهم وهمومهم.
- فشاركهم في بناء المسجد:كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم:بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة...
- وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:«اللهم لا خير إلا خير الآخرة؛ فاغفر للأنصار والمهاجرة».
- وشاركهم في حفر الخندق:فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهو يحفر ونحن ننقل التراب، ويمر بنا فقال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة».
- وكان يشاركهم في الفزع للصوت:فعن أنس رضي الله عنه قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا!لم تراعوا!»، ثم قال: «وجدناه بحراً، أو قال:إنه لبحر».
- وأما مشاركته لهم في الجهاد:فقد خرج في تسع عشرة غزوة، بل قال عن نفسه: «ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية».
فهذه المشاركة تدفع للتوازن بين مراقبة القدوة والتسليم لاتباعه وبين التعويد على العمل والمشاركة، فهذا التوازن - بلا شك - أكرم لهم وأنفع من إلغاء دورهم وتحولهم إلى مجرد آلات صماء..
إن مجرد إصدار الأوامر والتوجيه أمر يجيده الجميع، لكن الدخول مع الناس في الميدان ومشاركتهم يرفع قيمة المربي لديهم، ويعلي شأنه، ويشعرون أنه واحد منهم، وذلك أيضاً يدفعهم لمزيد من البذل والهمة والحماس
عكس أولئك الذين يدعون للعمل، ويربون عن غير قرب، وقد عبر عن هذا المعنى حداء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
4- التربية بالأحداث:
من السهل أن نحدث الناس كثيراً عن معانٍ عدة، وأن ننظر لجوانب متعددة، لكن ذلك وإن أثَّر فإن أثره يبقى باهتاً محدوداً.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فمع توجيهه لأصحابه في كل موطن، إلا أن تربيته كانت تتأكد من خلال الأحداث، فكان يضع الناس في الموقع والميدان ويأتي التوجيه حينها..
- يشكو إليه الحالَ أبو بكر رضي الله عنه وهما في الغار، فيقول صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»..
- ويسأله رجل في الميدان والمعركة:أرأيت إن قتلت؟ فيجيبه إجابة تصل إلى شغاف قلبه فيتقدم حتى يستشهد:
- فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد:أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال:«في الجنة»، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل..
- ويوصي علياً رضي الله عنه بالدعوة ويذكِّره بفضلها وذلك حين بعثه داعياً إلى الله مجاهداً في سبيله:
فعن سهيل بن سعد رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر:«لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: «أين علي؟»فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال:«انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم؛ فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم».
أترى أن تلك التوجيهات لو تلقاها أصحابها وهم جالسون قاعدون في بيوتهم ستترك أثرها؟
إن مثل هذه التربية هي التي خرّجت الجيل الجاد العملي، الذي لم يتربّ على مجرد التوجيه الجاف البارد، إنما كان يعيش العلم والعمل معاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
معالم في المنهج التربوي النبوي
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.. وبعد
فإن تكامل الشخصية النبوية لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم جعلت منه الحاكم والقائد والزوج والمعلم والداعية والمربي..وما تتبع قارئ للقرآن الكريم والسيرة النبوية إلا وجد فيهما عناصر التفوق ووسائل النجاح من خلال الكثير من المواقف التربوية الراقية التي هي القدوة الحسنة لكل راغب في الوصول إلى الحق.
وعن طريق هذا المنهج ينشأ الإنسان الصالح ومن ثم المجتمع الإسلامي الكريم.
وهنا نماذج وصور من ((المنهج التربوي النبوي))، نقربها للقارئ الكريم تذكيراً وترغيباً في هذا المنهج المتكامل الذي أرسل الله به نبيه للناس كافة: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
وكم نحن بحاجة للوقوف أمام هذه المعالم النبوية وتمثلها في حياتنا وسلوكنا؛ إذ هي السر في تميز الرعيل الأول رضي الله عنهم أجمعين.
1- الصبر وطول النفس:
يسهل على الإنسان أن يتعامل مع الآلة الصماء، ويستطيع الباحث أن يصبر ويكافح في دراسة هذه الظاهرة المادية أو تلك، لكن التعامل مع الإنسان له شأن آخر وبعد آخر؛ ذلك أن الناس بشر، لا يحكم تصرفاتهم ومواقفهم قانون مطرد؛ فتراه تارة هنا وتارة هناك، تارة يرضى وتارة يسخط..
ولهذا أجمع المختصون بأن (الظاهرة الإنسانية ظاهرة معقدة)، وأن البحث فيها تكتنفه صعوبات عدة؛ فكيف بالتعامل المباشر مع الإنسان والسعي لتقويمه وتوجيه سلوكه؟
ومن يتأمل سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يرى كيف صبر وعانى حتى ربى هذا الجيل المبارك؟ وكم فترة من الزمن قضاها؟ وكم هي المواقف التي واجهها؟ ومع ذلك صبر واحتسب، وكان طويل النفس بعيد النظر، صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
إن البشر مهما علا شأنهم فلن يصلوا إلى درجة العصمة، وهل هناك من هو أعلى شأناً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الأنبياء..
- فها هم يتنزل فيهم في (بدر): {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال: 68]
- وفي (أحد): {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ} [آل عمران: 152]
- وفي (حنين): {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ}[التوبة: 25]
- وحين قسم غنائم حنين، وجد بعض أصحابه في نفوسهم ما وجدوا.
- وكان يخطب فجاءت عير، فتبعها الناس، فنزل فيهم قرآن يتلى.
ومع ذلك يبقى هذا الجيل وهذا المجتمع هو القمة، وهو المثل الأعلى للناس في هذه الدنيا، ولن تكون هذه المواقف سبباً للحط من شأنهم ومكانتهم رضوان الله عليهم.
لكن كيف بمن دونهم؟!بل لا يسوغ أن يقارن بهم.
إن ذلك يفرض على المربي أن يكون:
طويل النفس، صابراً، عالي الهمة، متفائلاً.
2- الخطاب الخاص:
فكما كان يوجه الخطاب لعامة أصحابه، فقد كان يعتني بالخطاب الخاص لفئات خاصة من أصحابه.
- فقد كان من هديهصلى الله عليه و سلم حين يصلي العيد أن يتجه إلى النساء ويخطب فيهن، كما روى ذلك ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد فصلى ركعتين لم يصل قبل ولا بعد، ثم مال على النساء ومعه بلال فوعظهن وأمرهن أن يتصدقن، فجعلت المرأة تلقي القُلْب والخُرْص.
- بل تجاوز الأمرمجرد استثمار اللقاءات العابرة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم:غلبنا عليك الرجال؛ فاجعل لنا يوماً من نفسك.. فواعدهن يوماً، فلقيهن فيه فوعظهن وأمرهن، فكان مما قال: «ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من ولدها إلا كان لها حجاباً من النار»فقالت امرأة: واثنين فقال: «واثنين».
- وقد يكون الخصوصلقوم أو فئة دون غيرهم، كما فعل في غزوة حنين حين دعا الأنصار، وأَكَّدَ ألا يأتي غيرهم، وكما بايع بعض أصحابه على ألا يسألوا الناس شيئاً.
3- مشاركة المربي العملية:
اعتاد بعض المربين أن يكون دورهم قاصراً على (إعطاء الأوامر، ومراقبة التنفيذ)، وهو مسلك مخالف لمنهج المربي الأول -صلى الله عليه وآله وسلم-، الذي كان يعيش مع أصحابه ويشاركهم أعمالهم وهمومهم.
- فشاركهم في بناء المسجد:كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم:بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة...
- وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:«اللهم لا خير إلا خير الآخرة؛ فاغفر للأنصار والمهاجرة».
- وشاركهم في حفر الخندق:فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال:كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهو يحفر ونحن ننقل التراب، ويمر بنا فقال: «اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة».
- وكان يشاركهم في الفزع للصوت:فعن أنس رضي الله عنه قال:كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع الناس، ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقد استبرأ الخبر وهو على فرس لأبي طلحة عري وفي عنقه السيف وهو يقول: «لم تراعوا!لم تراعوا!»، ثم قال: «وجدناه بحراً، أو قال:إنه لبحر».
- وأما مشاركته لهم في الجهاد:فقد خرج في تسع عشرة غزوة، بل قال عن نفسه: «ولولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية».
فهذه المشاركة تدفع للتوازن بين مراقبة القدوة والتسليم لاتباعه وبين التعويد على العمل والمشاركة، فهذا التوازن - بلا شك - أكرم لهم وأنفع من إلغاء دورهم وتحولهم إلى مجرد آلات صماء..
إن مجرد إصدار الأوامر والتوجيه أمر يجيده الجميع، لكن الدخول مع الناس في الميدان ومشاركتهم يرفع قيمة المربي لديهم، ويعلي شأنه، ويشعرون أنه واحد منهم، وذلك أيضاً يدفعهم لمزيد من البذل والهمة والحماس
عكس أولئك الذين يدعون للعمل، ويربون عن غير قرب، وقد عبر عن هذا المعنى حداء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:
لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل
ثم إنه يشيع روح الود والإخاء، ويسهم في بناء علاقة إنسانية وطيدة بين المربي ومن يربيهم.4- التربية بالأحداث:
من السهل أن نحدث الناس كثيراً عن معانٍ عدة، وأن ننظر لجوانب متعددة، لكن ذلك وإن أثَّر فإن أثره يبقى باهتاً محدوداً.
أما النبي صلى الله عليه وسلم فمع توجيهه لأصحابه في كل موطن، إلا أن تربيته كانت تتأكد من خلال الأحداث، فكان يضع الناس في الموقع والميدان ويأتي التوجيه حينها..
- يشكو إليه الحالَ أبو بكر رضي الله عنه وهما في الغار، فيقول صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»..
- ويسأله رجل في الميدان والمعركة:أرأيت إن قتلت؟ فيجيبه إجابة تصل إلى شغاف قلبه فيتقدم حتى يستشهد:
- فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد:أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال:«في الجنة»، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل..
- ويوصي علياً رضي الله عنه بالدعوة ويذكِّره بفضلها وذلك حين بعثه داعياً إلى الله مجاهداً في سبيله:
فعن سهيل بن سعد رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر:«لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»، فبات الناس ليلتهم أيهم يعطى، فغدوا كلهم يرجوه، فقال: «أين علي؟»فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه فقال: أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا، فقال:«انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم؛ فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم».
أترى أن تلك التوجيهات لو تلقاها أصحابها وهم جالسون قاعدون في بيوتهم ستترك أثرها؟
إن مثل هذه التربية هي التي خرّجت الجيل الجاد العملي، الذي لم يتربّ على مجرد التوجيه الجاف البارد، إنما كان يعيش العلم والعمل معاً.
تعليق