(( ازرع حبا تجن برا ))
دار هذا الحوار بين يمنى (8 سنوات) وكريم (6 سنوات):
يمنى: تخيل يا كريم، لو أن أمي لم تكن معنا ماذا كان سيحدث؟
كريم: (كنا سنموت!) فمن سيعد لنا الطعام ويعطينا الدواء ويخرجنا للنزهة ويوقظنا للمدرسة ويدافع عنا ضد الغرباء...
فأردفت تسأله وماذا لو لم يكن أبي موجودا؟ قال لها: كنا سنعيش في الشارع!..
بهرني الحديث بينهما إذ كنت أجلس على مقربة منها في بيت خالتي (أم يمنى وكريم) ذات الأطفال الثمانية وهما أصغر الأولاد، وقد تظاهرت بأني لا أسمعهما، كي يستأنفا حديثهما
إذ أنهما يحبان أن يتكلما سويًا دون أن يلحظهما أحد، وأغلب كلامها معًا لقربهما في السن وكونهما أصغر الأبناء،
ولوجود صداقة حميمة بينهما لدرجة أنهما يبكيان معا عند إصابة أحدهما بمكروه لدرجة أنه لا يمكنك التمييز من منهما المصاب.
وحين أنهيا حديثهما وبادرتهما بالسؤال: هل تحبان أمكما كل هذا الحب؟ من الذي علمكما فضلها العظيم عليكما؟..
قالت يمني في تلقائية وسرعة: أمي هي التي تقول لنا هذا دومًا.. ونحن نحبها جدًا، ونحب أبي ونحاول ألا نغضبهما أبدًا..
وبإجابة (يمنى) ثارت في ذهني أفكار عديدة عن دور الوالدين في تربية أولادهما على البر والحب والامتنان ثم التعبير بشكل عملي ومستمر عن كل هذه المشاعر..
فتعليم بر الوالدين لا يتوقف عند تعليم الأبناء الاحترام وعدم رفع الصوت وطاعة الأوامر وعدم الإزعاج، وليس منًّا على الأبناء بفضل الوالدين،
بل هو غرس وتنمية الثقافة والحب والمشاعر والبر.
الحب.. فعل يطلق الناس على ما يشعرون به من ميل وتقارب تجاه بعضهم البعض فضلاً عن الشعور بالاحتياج.. اسم الحب..
ومن هنا شعر البعض أن الحب مشاعر لا إرادية تظهر فجأة وربما أيضًا تنضب فجأة..
ولكن لو تأملنا قليلاً كلمة (أحب) وجدنا أنها فعل، أي أن تلك المشاعر التي يشعر بها الناس وتؤلف بين قلوبهم
هي نتيجة أفعال تحدث فتقوي الروابط وتحرك المشاعر صعودًا وهبوطًا مع كم وكيف تلك الأفعال..
بناء على ذلك فإن شعور الأبناء بالحب تجاه والديهم ليس فيضًا يأتي فجأة.. بل هو شعور ينبع في قلب الوليد من لحظة ولادته؛
إذ لا يجد الحنان والرحمة والإشباع لحاجاته من أمان ودفء إلا في هذا الحضن الجميل الدافئ حضن الأم والأب..
ثم يكبر ويستقل قليلاً فتأخذ بيده الأم ليمشي وتحكي له الحكايات لينام وتوقظه على ضحكه بهدوء وصوت حنون؛ لتقدم له طعامه وتنظم له يومه.. ولكن:
كيف نستثمر وننمي تلك المشاعر ونفعلها لتكون في حيز التصرفات برًا دائمًا لا يتغير ولا ينقص بخروج الطفل إلى العالم الخارجي واختلاطه بغير أسرته؟
إذ ربما تحول حب الوالدين لولدهما لتدليل يفسده، وربما كان بالتوجيه الخطوة إلى إفراز جيل جديد يعطي للمشاعر والأحاسيس والحب مكانها في ذلك العصر المشحون بالتوتر.
حبة قلب رسول الله
ولنا في هدي رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) القدوة والأسوة الحسنة في التودد وإظهار الحب والعطف والاهتمام بكل من حوله،
وكذلك الأطفال على الرغم من تحمله أعباء ومسئوليات جسام، فقد كان ينادي فاطمة الزهراء (بأم أبيها) ويقوم ليجلسها على ثوبه إذا دخلت عليه ثم يقبلها في جبينها.
أما فاطمة (رضي الله عنها) فكانت وهي ذات السنوات التي تعد على أصابع اليدين تخترق الجموع القرشية الكافرة في شجاعة وحب
لتزيل عن كتف أبيها الأذى الذي وضعوه عليه وهو ساجدًا في صلاته…
فالحب واللين والرحمة مع الابن لم ينقص من هيبة الأب، ولم يقلل من احترامه في نظر ابنه، وإنما الحب كالعدوى التي تنتشر سريعًا.
راق لي ونقلته لكم..
تعليق