الطفل والقراءة الإبداعية
نقطة الانطلاق إلى تنمية روح الإبداع عند الطفل تكون بالقراءة الإبداعية؛ فإذا كانت القراءة هي الوسيلة التي لا غنى عنها للإنسان، فهي تثري خبراته وتوسّع أفقه، وتربطه بماضي أمته، وتجعله قادراً على فهم حاضره، والتخطيط لمستقبله، فإننا في حاجة ملحة إلى ربط القراءة بقدرات التفكير الإبداعي، وبذلك تنتقل القراءة إلى مفهوم جديد، نحن في حاجة إلى القراءة الإبداعية لا لنجعل القارئ مستوعباً لما يقرأ أو نقَّاداً، بل إنها تتعدى ذلك كله إلى التعمُّق في النص المقروء، والتوصل إلى علاقات جديدة، وتوليد فكر جديد للمشكلات، وتطبيق لهذه الحلول، والمقروء يجب أن يكون مصدراً للتفكير، والتغلب على ضغوط الحياة، والقراءة هنا لتركيب المعلومات والوصول إلى استنتاجات حقيقية عن الواقع.
نحن في حاجة إلى تدريب الأطفال ـ خاصة الموهوبين ـ على طرح الأسئلة حول المعلومات التي لم تذكر في النص، وإضافة فكر جديد، وكتابة عناوين مختلفة لما يقرأ، وكتابة عدة نهايات لقصة غير مكتملة، وكتابة حلول متنوعة لإحدى المشكلات، وتوقع ما يمكن أن يحدث لإحدى شخصيات القصة، وذكر الأسباب المختلفة لوقوع حدث من الأحداث، وذكر أكبر عدد ممكن من الاستخدامات للأشياء، والتنبؤ من خلال المعلومات المقدمة إليه، وتوقع الاحتمالات، وإنتاج عدد كبير من الأفكار المرتبطة بالمقروء، والانتقال بالتفكير من مجال إلى آخر، وإنتاج فكر غير تقليدي. إن القراءة الإبداعية تنمية للفرد، وتوسيع لقدرته العقلية وتفكيره؛ فالأفكار الجديدة التي يحصل عليها القارئ تساعده على توليد أفكار مبدعة؛ فهو ليس مستقبِلاً للمعلومات بقدر ما هو باحث مجرّب ومركّب، لديه القدرة على نقد ما يقرأ وتقويمه، إنه قارئ مفكر يكتشف التناقض في المعلومات والأسباب الكامنة خلف التناقض، ويصل إلى استنتاجات صحيحة، ويختار المناسب منها وينتقي ما يطبقه في حياته اليومية، فيصبح سلوكه في حالة من التطور الدائم المفيد، إنه قادر على التوقيع والحدس، قادر على تشكيل المادة المقروءة.
والقراءة الإبداعية تجعل المتعلم يتعمق المشكلات الدراسية، ويكشف الأسباب، ويربط بين المؤتلف، ويصنف المختلف، ويحوّر ويعدّل ويبدّل في المادة الدراسية مما يقوده إلى أصالة التفكير وامتلاك التعدد في وجهات النظر، فتصبح لديه الطلاقة والمرونة وأصالة التفكير، فيحل مشكلاته وكذا مشكلات المجتمع الذي يعيش فيه.
ويمكن تنمية القراءة الإبداعية بكثير من الوسائل والاستراتيجيات كالعصف الذهني، وطرح الأسئلة، والتنبؤ القرائي، وتنويع الحل، وتنمية التخيل، وحل المشكلات، والتعمق والانطلاق، وغيرها من الاستراتيجيات.
ولا ننسى أهمية «الدهشة» ؛ لأنها بوابة الدخول إلى عالم الإبداع؛ فيكف يكون الإبداع بغير دهشة، يترجمها التساؤل عن كيف وماذا ولو، عن السبب وعن العلة والمعلول، وما هو كامن وراء الأشياء، وكيفية إعادة تنظيم الأشياء. وعلى هذا فإن الجدة محور الإبداع ومركز كل موهبة؛ فكيف تكون موهبة بغير جديد تقدمه في مجال الموهبة التي تتمتع بها؟ ثم إن القدرة على تقديم الجديد من شأنها أن تثير الدهشة. ولنا أن نعلم أن الدهشة هي التي صنعت حضارة الإنسان، وأن التساؤل هو الذي يسهم في التطور، والطفل في حاجة إلى أن يتعلم كيف يندهش على نحو فعال، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال إتاحة المجالات المتنوعة علمياً وتكنولوجياً وفكرياً وفنياً وتصورياً أمام التلاميذ.
وتنوّع هذه المجالات أمام الطفل يثير لديه التساؤل المحفوف بالبحث عن المعرفة، وعن محاولات الإجابة عن تساؤلات يطرحها ثراء هذه المجالات العلمية المتنوعة.
ولا ننسى دور الخَيَال في كل ذلك، وها هو «إنشتين» يعلمنا كيف يكون الخَيَال الينبوع الرئيس لكل علم ولكل معرفة، مؤكداً أن الأفكار لم تكن تأتيه في أية صياغة لفظية؛ فالفكر كان يأتي أولاً ثم يحاول التعبير عنه بالألفاظ والكلمات. أما الإبداع في رأيه ففي إثارة المشكلة، وإن المشكلة أهم من الوصول إلى حلٍّ لها؛ حيث إن إثارة أسئلة جديدة غير مألوفة يتطلب خيالاً إبداعياً.
إننا يجب أن نعامل أطفالنا كلهم، كما لو أنهم جميعاً لديهم شرارة النبوغ. إن الآباء يستطيعون أن يلهبوا هذه الشرارة من النبوغ. أو يضعفوها أو يخمدوها. والواجب علينا تنمية هذه الميزة الرئيسية في أطفالنا بالقراءة، حتى يصبح لدينا جيل كامل من المبدعين والعباقرة. وكل طفل هو كائن موهوب إذا لم نقهر (الدهشة) التي ترتسم على وجهه، وإذا لم نمنعه عندما ينقد سلوكيات عالم الكبار.
__________
تعليق