فلنعلم أطفالنا دعوة غير المسلمين
في بلاد المسلمين اليوم ألوف مؤلَّفة من غير المسلمين، يدينون بديانات مختلفة ويخالطون المسلمين، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، ويرون أو يسمعون منهم الكثير بحكم معاملتهم لهم؛ ولذا كانت متطلبات الدعوة واحتياجاتها كثيرةً جدًّا، ومن أهمها إيجاد سياج منيع لأفراد المجتمع المسلم.
وتحصينُ المجتمع المسلم من الثقافات والاتجاهات التي تصدُّه عن دينه من داخل المجتمع وخارجه - أمرٌ لا يخالف فيه أحد، لا سيما في هذا العصر الذي اتصل فيه العالم بعضه ببعض، وتنوعت فيه الوسائل والأساليب لنقل المعارف والعلوم، وقد شرع الإسلام لكل مسلم أن يحصن نفسه ومَن تحت يده من كل ما يصرفه عن الحق، وفي هدي الإسلام وتعاليمه شواهدُ لا تحصر في تحصين الأولاد قبل ولادتهم وبعدها، وقبل البلوغ وبعده؛ ولذلك كان حفظ الأولاد متعينًا على الوالدين في كل وقت، وهما مسؤولان عنهم، وفي الحديث: ((الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)).
وندب الشرع المطهَّر إلى تعويد الأولاد على الخير من الصغر، وفي مقدمة ذلك تعويدهم على الصلاة قبل سن العاشرة، وهي بلا شك تترك لهؤلاء الصغار مجالاً رحبًا للاختلاط بالكبار في المجتمع المسلم والأخذ عنهم، وهذا يكون سببًا في نجابتهم وحسن أخلاقهم، كما أن فيه تربيةً لهم؛ ولذا لم يكن أبناء المسلمين يعيشون على هامش المجتمع؛ بل كان لهم حضور مميز، وشواهدُ ذلك في السيرة النبوية والتاريخ لا تحصر.
إن صغار اليوم هم طليعة المستقبل، وكم نسمع من القصص قديمًا وحديثًا عن إسهام صغار المسلمين في بناء المجتمع والتأثير فيه، فلهم إسهامهم بالدعوة بكلمة عابرة، أو بتعليق أخاذ على مشهد وقع أمام أعينهم، فانطلقتْ ألسنتُهم بفطرتهم النقيَّة تعلِّق على ما حدث، أو تصفه بوصف يكون له وقع مؤثِّر في سامعيه، والتاريخ مليء بالشواهد الحية لأمثال هؤلاء الصغار.
إياس بن معاوية المزني كان أحدَ أولئك الصغار، وهو أحد التابعين، كان قاضي البصرة في زمانه، قال الذهبي في ترجمته: كان يُضرب به المَثَل في الذكاء والدهاء والسؤدد والعقل.
له قصة في طفولته مع معلم يهودي في الكتَّاب، ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية"، قال: قال إياس: كنت في الكتاب وأنا صبي، فجعل الأولاد النصارى يضحكون من المسلمين، ويقولون: إنهم يزعمون أنه لا فضلة لطعام أهل الجنة، فقلت للمعلم - وكان غير مسلم -:
ألستَ تزعم أن في الطعام ما ينصرف في غذاء البدن؟
قال: بلى، قلت: فما ينكر أن يجعل الله طعام أهل الجنة كلَّه غذاء لأبدانهم؟ فقال له معلمه: ما أنت إلا شيطان.
قال ابن كثير: "وهذا الذي قاله إياس وهو صغير بعقله، قد ورد به الحديث الصحيح في أن أهل الجنة طعامهم ينصرف جشاء وعرقًا كالمسك فإذا البطن ضامر" اهـ.
أين هذه الصورة الرائعة من حال أبناء المسلمين اليوم؟!
إن هذا الأنموذج الحي لأبناء المسلمين يبيِّن مدى الحصانة في المجتمع المسلم والقدرة على إفحام الخصم، ولا عجب في ذلك، فمن الهدي النبوي الشريف تعلَّم المسلمون تربيةَ النشء، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما - دليلٌ ظاهر في هذا الباب، فقد كان صبيًّا لم يبلغ العاشرة ويردفه النبي - صلى الله عليه وسلم - معه، ويقول له: ((يا غلام، إني أعلِّمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك...)) الحديث، فعلى مثل هذه الكلمات العظيمة كان يتربى الناشئة.
ومن يتأمَّل واقعَ كثير من أبناء المسلمين، يجد بُعدًا ظاهرًا عن هذا الهدي،
فقد يبلغ المرءُ عشرين أو ثلاثين سنة وهو لا يحسن كثيرًا من أركان الإسلام، فضلاً عن أن يكون داعيًا إليها.
إن من صميم التربية تربيةَ النشء على أنهم رُسُل الإسلام وشواهدُه الحيَّة إلى غير المسلمين، كما أن من صميم التربية تقريبَ سِيَر الدعاة والعلماء الذين كانت لهم مواقفُ مشهودة، وظهر عليهم النبوغُ والفطنة حالَ الصغر، كمَن حفظوا القرآن قبل البلوغ، أو كانت لهم مواقف عظيمة، بدءًا من الصحابة كابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما - ومرورًا بالشافعي والثوري والنووي ومحمد بن عبدالوهاب، وغيرهم كثير.
إن همَّ الدعوة عمومًا، ودعوة غير المسلمين خصوصًا، ينبغي أن يحمله كل أحد من المسلمين بما يستطيعه من قول أو فعل أو سلوك، ويستوي في ذلك الكبيرُ والصغير، والذكر والأنثى، والعالم والعامي، كلٌّ بحسبه ووَفق قدرته واستطاعته، والله يهدي من يشاء بفضله ورحمته.
وقد يستجيب المدعوُّ من غير المسلمين لدعوةٍ من صغير، ويستنكف آخر من قبولها من داعية يملك قوةَ الإقناع والتأثير، ويشهد لذلك ما ذكره أحدُ المسلمين الجدد في مدينة الرياض، وهو يعمل مدرب سباحة، قال: إن سبب إسلامه طفل في الثالثةَ عشرةَ من عمره كان يقوم بتدريبه على السباحة، فأحضر له هذا الصغيرُ عددًا من الكتب الإسلامية المترجمة، كما أهدى له نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم، وكانت تلك سببًا في هدايته إلى الإسلام.
بهذه السهولة المتناهية يدخل الناس في دين الله، ويقبلون على دين الإسلام
ولذا فإن غير المسلمين اليوم بحاجة ماسة لمن يعرض عليهم الإسلام، وما أسهلَ سبلَ الدعوة في هذا العصر على النفوس الصحيحة، وما أشقها على النفوس المريضة! وإن غرس الدعوة في نفوس الصغار بما يستطيعون طريقٌ لهدايتهم، وسبب لحصانتهم، وحفز لغيرهم لسلوك سبيل الدعوة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
في بلاد المسلمين اليوم ألوف مؤلَّفة من غير المسلمين، يدينون بديانات مختلفة ويخالطون المسلمين، كبيرهم وصغيرهم، ذكرهم وأنثاهم، ويرون أو يسمعون منهم الكثير بحكم معاملتهم لهم؛ ولذا كانت متطلبات الدعوة واحتياجاتها كثيرةً جدًّا، ومن أهمها إيجاد سياج منيع لأفراد المجتمع المسلم.
وتحصينُ المجتمع المسلم من الثقافات والاتجاهات التي تصدُّه عن دينه من داخل المجتمع وخارجه - أمرٌ لا يخالف فيه أحد، لا سيما في هذا العصر الذي اتصل فيه العالم بعضه ببعض، وتنوعت فيه الوسائل والأساليب لنقل المعارف والعلوم، وقد شرع الإسلام لكل مسلم أن يحصن نفسه ومَن تحت يده من كل ما يصرفه عن الحق، وفي هدي الإسلام وتعاليمه شواهدُ لا تحصر في تحصين الأولاد قبل ولادتهم وبعدها، وقبل البلوغ وبعده؛ ولذلك كان حفظ الأولاد متعينًا على الوالدين في كل وقت، وهما مسؤولان عنهم، وفي الحديث: ((الرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها)).
وندب الشرع المطهَّر إلى تعويد الأولاد على الخير من الصغر، وفي مقدمة ذلك تعويدهم على الصلاة قبل سن العاشرة، وهي بلا شك تترك لهؤلاء الصغار مجالاً رحبًا للاختلاط بالكبار في المجتمع المسلم والأخذ عنهم، وهذا يكون سببًا في نجابتهم وحسن أخلاقهم، كما أن فيه تربيةً لهم؛ ولذا لم يكن أبناء المسلمين يعيشون على هامش المجتمع؛ بل كان لهم حضور مميز، وشواهدُ ذلك في السيرة النبوية والتاريخ لا تحصر.
إن صغار اليوم هم طليعة المستقبل، وكم نسمع من القصص قديمًا وحديثًا عن إسهام صغار المسلمين في بناء المجتمع والتأثير فيه، فلهم إسهامهم بالدعوة بكلمة عابرة، أو بتعليق أخاذ على مشهد وقع أمام أعينهم، فانطلقتْ ألسنتُهم بفطرتهم النقيَّة تعلِّق على ما حدث، أو تصفه بوصف يكون له وقع مؤثِّر في سامعيه، والتاريخ مليء بالشواهد الحية لأمثال هؤلاء الصغار.
إياس بن معاوية المزني كان أحدَ أولئك الصغار، وهو أحد التابعين، كان قاضي البصرة في زمانه، قال الذهبي في ترجمته: كان يُضرب به المَثَل في الذكاء والدهاء والسؤدد والعقل.
له قصة في طفولته مع معلم يهودي في الكتَّاب، ذكرها ابن كثير في "البداية والنهاية"، قال: قال إياس: كنت في الكتاب وأنا صبي، فجعل الأولاد النصارى يضحكون من المسلمين، ويقولون: إنهم يزعمون أنه لا فضلة لطعام أهل الجنة، فقلت للمعلم - وكان غير مسلم -:
ألستَ تزعم أن في الطعام ما ينصرف في غذاء البدن؟
قال: بلى، قلت: فما ينكر أن يجعل الله طعام أهل الجنة كلَّه غذاء لأبدانهم؟ فقال له معلمه: ما أنت إلا شيطان.
قال ابن كثير: "وهذا الذي قاله إياس وهو صغير بعقله، قد ورد به الحديث الصحيح في أن أهل الجنة طعامهم ينصرف جشاء وعرقًا كالمسك فإذا البطن ضامر" اهـ.
أين هذه الصورة الرائعة من حال أبناء المسلمين اليوم؟!
إن هذا الأنموذج الحي لأبناء المسلمين يبيِّن مدى الحصانة في المجتمع المسلم والقدرة على إفحام الخصم، ولا عجب في ذلك، فمن الهدي النبوي الشريف تعلَّم المسلمون تربيةَ النشء، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس - رضي الله عنهما - دليلٌ ظاهر في هذا الباب، فقد كان صبيًّا لم يبلغ العاشرة ويردفه النبي - صلى الله عليه وسلم - معه، ويقول له: ((يا غلام، إني أعلِّمك كلمات، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألتَ فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشي قد كتبه الله عليك...)) الحديث، فعلى مثل هذه الكلمات العظيمة كان يتربى الناشئة.
ومن يتأمَّل واقعَ كثير من أبناء المسلمين، يجد بُعدًا ظاهرًا عن هذا الهدي،
فقد يبلغ المرءُ عشرين أو ثلاثين سنة وهو لا يحسن كثيرًا من أركان الإسلام، فضلاً عن أن يكون داعيًا إليها.
إن من صميم التربية تربيةَ النشء على أنهم رُسُل الإسلام وشواهدُه الحيَّة إلى غير المسلمين، كما أن من صميم التربية تقريبَ سِيَر الدعاة والعلماء الذين كانت لهم مواقفُ مشهودة، وظهر عليهم النبوغُ والفطنة حالَ الصغر، كمَن حفظوا القرآن قبل البلوغ، أو كانت لهم مواقف عظيمة، بدءًا من الصحابة كابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهما - ومرورًا بالشافعي والثوري والنووي ومحمد بن عبدالوهاب، وغيرهم كثير.
إن همَّ الدعوة عمومًا، ودعوة غير المسلمين خصوصًا، ينبغي أن يحمله كل أحد من المسلمين بما يستطيعه من قول أو فعل أو سلوك، ويستوي في ذلك الكبيرُ والصغير، والذكر والأنثى، والعالم والعامي، كلٌّ بحسبه ووَفق قدرته واستطاعته، والله يهدي من يشاء بفضله ورحمته.
وقد يستجيب المدعوُّ من غير المسلمين لدعوةٍ من صغير، ويستنكف آخر من قبولها من داعية يملك قوةَ الإقناع والتأثير، ويشهد لذلك ما ذكره أحدُ المسلمين الجدد في مدينة الرياض، وهو يعمل مدرب سباحة، قال: إن سبب إسلامه طفل في الثالثةَ عشرةَ من عمره كان يقوم بتدريبه على السباحة، فأحضر له هذا الصغيرُ عددًا من الكتب الإسلامية المترجمة، كما أهدى له نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم، وكانت تلك سببًا في هدايته إلى الإسلام.
بهذه السهولة المتناهية يدخل الناس في دين الله، ويقبلون على دين الإسلام
ولذا فإن غير المسلمين اليوم بحاجة ماسة لمن يعرض عليهم الإسلام، وما أسهلَ سبلَ الدعوة في هذا العصر على النفوس الصحيحة، وما أشقها على النفوس المريضة! وإن غرس الدعوة في نفوس الصغار بما يستطيعون طريقٌ لهدايتهم، وسبب لحصانتهم، وحفز لغيرهم لسلوك سبيل الدعوة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
د. عبدالله بن إبراهيم اللحيدان
فلنكن ايجابين ونزرع فى أطفالنا أن يكون لهم بصمة وأثرا فى الحياة
تعليق