الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن البناء النفسي الوسط للطفل يؤهله لأن يكون إنسانًا سويًا، يقوم بتكاليف الحياة بجد ونشاط وأمل، وحسن ظن بالله -تعالى-، وصبر وجلد عند الشدائد، يحب الخير للناس، ويسعى في إيصاله إليهم؛ بعيدًا عن ضد ذلك من حقد أو غل أو حسد، أو أنانية أو عدوانية إلى آخر ذلك من أخلاق فاسدة محرمة؛ من أسبابها فقدان الطفل للعاطفة أو البناء النفسي الوسط.
- تمتاز التربية في الإسلام بمنهج وسط يحقق الشخصية المؤمنة المتزنة، الملتزمة بدينها، والمصلحة لغيرها، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33).
قال الحسن البصري -رحمه الله-: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا خيرة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته، وعمل صالحًا في إجابته، وقال: إنني من المسلمين، هذا خليفة الله"!
قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذه الآية عامة في كل من دعا إلى خير، وهو في نفسه مهتد، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولى الناس بذلك" التفسير.
ولكي يكون رجل الغد المشرق -إن شاء الله- بهذه المثابة التي يحبها الله -تعالى-، والذي هو غرض التربية، بل الغرض من هذا الوجود والزواج وإنجاب الذرية، وغيره.. (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)؛ فلابد من هذا البناء النفسي الوسط بدون إفراط يؤدي إلى تدليل بغيض، أو تفريط يؤدي إلى: عقد نفسية، وأمراض جسدية واجتماعية.
أولاً: الدفء الأسري:
لابد أن يتقي الزوجان ربهما -تعالى- في معاملة كل منهما للآخر: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)، وقال -تعالى-: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (البقرة:228).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ) (رواه مسلم).
- وإن كان من عتاب أو توجيه فليكن سرًا بعيدًا عن الأولاد، ولابد من كظم الغيظ وليستعن على ذلك بما ورد فيه من فضل، قال -تعالى-: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (آل عمران:134)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) (متفق عليه)، وقال: (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ ، دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).
وعليهما أن يشيعا في البيت جو الحب والسرور؛ ليكون محضنًا دافئًا للمولود الجديد ولأطفالهم، وليس صوابًا ما يظن بعض الآباء أنه لابد وأن يعبس أو يرتفع صوته بالأمر والنهي ليهابه أهل البيت؛ فقد يتحقق ذلك، لكن خسارته كبيرة، خسارة حبهم لك، وهروبهم منك، ودمارهم النفسي أو انحرافهم والذي يؤدي إلى عواقب وخيمة فيما بعد.
- إن المحضن الدافئ الذي يشيع فيه الحب والسعادة بسبب طاعة الله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)، فينشئ الولد تنشئة نفسية صحيحة تقيه المشكلات النفسية والجسدية كالتبول اللاإرادي، والخوف، والقلق عند النوم، والتلعثم عند الحديث، والعدوانية وغير ذلك.
2- الحنان والرحمة:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ) (متفق عليه).
(أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ): ما أجمله من تعبير، يحمل معاني كثيرة تبين أساس التربية النفسية لأولادنا.
هذا الحنان الذي خرَّج لنا رجال الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين تحملوا نصرة الدين (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157).
الذين كان لأمهاتهم في قلوبهم شأن عجيب، وهل هذه المكانة إلا نتاج الرحمة والحنان والحب الذي غرسته الأم في قلوبهم؟!
نعم الحنان والحب والرحمة.. أيها الأبوان! ولنا في رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الجانب الأسوة الحسنة؛ فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أرحم الناس بالعيال!
- يقول أنس -رضي الله عنه-: "مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-" (رواه مسلم).
- وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ وَيُقْعِدُ الْحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا" (رواه البخاري).
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، مُتَّكِئًا عَلَى يَدِي فَطَافَ فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ فَاحْتَبَى -"أي جلس على مقعدته وهو يشبك ذراعيه حول ركبتيه"- فِي الْمَسْجِدِ، وَقَالَ: (أَيْنَ لَكَاعٌ؟ ادْعُوا لِي لَكَاعًا). فَجَاءَ الْحَسَنُ، فَاشْتَدَّ حَتَّى وَثَبَ فِي حَبْوَتِهِ، فَأَدْخَلَ فَمَهُ فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَالَ: (اللهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ ثَلاثًا). (رواه البخاري ومسلم، وأحمد واللفظ له). واللكاع: هو الصغير قليل الجسم.
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يرحم بكاء الصبي في الصلاة فيخففها؛ فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ قَطُّ أَخَفَّ صَلاةً وَلا أَتَمَّ مِنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِنْ كَانَ لَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَيُخَفِّفُ مَخَافَةَ أَنْ تُفْتَنَ أُمُّهُ" (متفق عليه).
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يمسح رأس الطفل وخده؛ فعن أنس قال: "كان يَزُورُ الأَنْصَارَ وَيُسَلِّمُ عَلَى صِبْيَانِهِمْ، وَيَمْسَحُ رُؤُوسَهُمْ" (رواه النسائي في السنن الكبرى، وصححه الألباني).
- وعن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- وهو من أطفال الصحابة، قال: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاةَ الأُولَى -يعني: صلاة الظهر- ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا". قَالَ جَابِر: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ" (رواه مسلم)، وجونة العطار: سُليلة مستديرة، مغشاة أدمًا يجعل فيها العطار عطره" اهـ من المنهاج النبوي ص315.
- وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِيٍّ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلٌ ومعه صبي، فجعل يضمه إليه. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أترحمه؟). قال: نعم. قال: (فالله أرحم بك، منك به، وهو أرحم الراحمين) (رواه البخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).
فعلى الأم أن تسقي ولدها مع اللبن الحنان والرحمة والحب بكثرة ضمه إلى صدرها عند إرضاعه وتقبيله وتربيِتَه "ربَّت الصبي: إذا ضربت بيدها على جنبه قليلاً قليلاً لينام".
يقول أحد الأطباء الإنجليز: "إن الرباط بين الطفل والأم إما أن يكون ركيزة الصحة النفسية أو يكون منطلقًا للمرض النفسي".
3- ومن مظاهر هذه الرحمة: تقبيله ومداعبته والتصابي له:
- عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَيَدْلَعُ لِسَانَهُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ، فَيَرَى الصَّبِيُّ حُمْرَةَ لِسَانِهِ ، فَيَبْهَشُ إِلَيْهِ" (رواه ابن حبان والبغوي في شرح السنة، وصححه الألباني)، يبهش إليه: يعجبه ويسرع إليه.
- وسبق أنه -صلى الله عليه وسلم- أدخل فمه في فم الحسن -رضي الله عنه-.
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يحمله في الصلاة؛ فعن عبد الله بن شداد عن أبيه -رضي الله عنهما- قال: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي إِحْدَى صَلاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاةَ؛ قَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ. قَالَ: (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).
- وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي بُرَيْدَةَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ -عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ- عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: (صَدَقَ اللَّهُ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِى وَرَفَعْتُهُمَا) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
- وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ يَقُولُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ) (متفق عليه).
4- وكذا ملاعبته بحب وسرور وفرح ومجاوبة؛ لأنه يشعره أنه مرغوب فيه، فيزيد من نشاطه ويشجعه على الاختلاط بالناس، وعلى الشجاعة الأدبية بحيث يعبر عما بداخله بطلاقة دون خوف من أحد.
- ولنا في هذه المواقف النبوية أسوة وقدوة، وفيها أيضًا زجر لهؤلاء الآباء الذين يظنون أن الرحمة خور، وأن التصابي للطفل تدليل، فلا يرى ولده منه إلا العبوس والزجر، وكسر النفس الذي يؤول بالطفل إلى الانطواء والوحدة والتلعثم والضعف، وهذا لا شك مذموم.
وهو خلاف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي هو خير الهدي:
- فقد كان -صلى الله عليه وسلم- ضحوكًا بسامًا، يقول جرير -رضي الله عنه-: (وَلا رَآنِي إِلا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وانظر إلى عمر -رضي الله عنه- الذي كان جبارًا في الجاهلية والذي وأد بنتًا له صغيرة ماذا يقول: "ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي -أي في الأنس والبشر وسهولة الخلق والمداعبة مع أولاده-؛ فإذا التمس ما عنده وجد رجلاً".
واستعمل عمر رجلاً فرأى عمر يقبل صبيًا له، فقال: تقبله وأنت أمير المؤمنين؟! لو كنت أنا ما فعلته. فقال عمر: فما ذنبي إن كان الله نزع من قلبك الرحمة، إن الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء". ونزعه عن عمله، وقال: "أنت لا ترحم ولدك؛ فكيف ترحم الناس"؟! المنهاج النبوي ص 315.
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يسابق عائشة -رضي الله عنها-، ويسرب لها صديقاتها ليلعبن معها، وكانت عندها بناتها "لعب"، تلعب بها عنده، وكان -صلى الله عليه وسلم- يزور أم سليم في بيتها، وفي البيت أبو عمير بن أبي طلحة -صغير أبي طلحة الذي مات-، كان له عصفور صغير يلعب به، ويقول له النبي -صلى الله عليه وسلم- ملاعبًا وملاطفًا له: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟) (متفق عليه).
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يسلم على الصبيان وهم يلعبون.
- وكان -صلى الله عليه وسلم- يُلاعب الصغير ويداعبه بالكلمات الجميلة.
والطفل يحب ذلك ويعجبه، فعن أم خالد قالت: أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ فَقَالَ: (مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟). فَسَكَتَ الْقَوْمُ. قَالَ: (ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ). فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ: (أَبْلِي وَأَخْلِقِي) (رواه البخاري)، وفي رواية له: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (سَنَهْ سَنَهْ). -وَهِيَ باللغة بِالْحَبَشِيَّةِ: تعني الحَسَنَةٌ، وداعبها -صلى الله عليه وسلم- بهذه الكلمة بلغة الحبشة؛ لأنها كانت مع أهلها في هجرة الحبشة، وهي تعرفها- قَالَتْ: فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (دَعْهَا) ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي). قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ -"يعني من بقائها، يعني طال عمرها بدعوة النبي -صلى الله عليه وسلم-"-.
- فبالله عليكم: هل ينسى الطفل هذا الحنان أو هذه المواقف التي تنبع بالحنان والرحمة؟! وما أثرها على نفسه وما أثره فيما بعد على من غمره وأشبعه بهذا العطف والحنان؟! (هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ) (الرحمن:60).
- وأن يخرج بأولاده إلى متنزه خال من المنكرات؛ فيلاعبهم ويسابق بينهم؛ ليعلمهم أدب اللعب من عدم الغضب، أو الحرص على أخيه، وعدم إيذائه وعدم التعصب، والفرح لأخيه إن غلب، فبهذا كله يقوي آصرة الأخوة والمحبة بين الأولاد.
تعليق