كانت ليلةُ العيدِ مليئةً بالفرح، النجوم تتلألأ في السماء، والمآذن تتزيّن بالمصابيح المضيئة. نثرَ الأولادُ ألعابَهم هنا وهناك، ولوّنت ابتساماتُهم الصافيةُ سماءَ المنزل بالأنس والمحبّة. كانت الأمُّ منشغلةً بتجهيزِ الملابسِ الجديدة، والحَلْوَيات اللذيذة، بينما كان الأبُ ينظّمُ جدولَ أعمالِ يومِ العيد.هيَّأت الأمُ أسرَّةَ أبنائِها، وطلبت منهم أن يناموا، لكي يستيقظوا باكراً. نامَ الأبناءُ فرحين، وقد ملؤوا أذهانهم بالأمانيّ الجميلة يحلُمون بطلوع فجر اليوم الموعود. استيقظَ الأب والأم باكراً، وأيقظَا أبناءهما من أجل صلاة الفجر. نفضَ الأولاد عن أجفانِهم النعاس. وقالوا بصوت واحد: تقبّل الله منا ومنكم . الأب والأم: تقبّلَ الله منا ومنكم. توضّأ الجميع ثمّ أفطروا على التّمر، وذهبوا إلى المسجد مشياً. كان فجراً رائعاً، فالوجوه تمتلئ بالابتسامات والقلوب تفيضُ بالمحبّة، كان الناس يهنئون بعضهم بالعيد. وبعدَ صلاةِ الفجر، عادَ الأبُ إلى المنزل، وحملَ خمسةَ أكياس من الرزّ، ثمّ أعطاها أحدَ فقراء الحيّ. محمد: لمّ أعطيتَ الرجل الرز ؟ الأب: علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تكون صدقة الفطر صاعاً من بُرّ أو تمر أو شعير. أحمد: وما الفائدة من صدقة الفطر ؟ الأب: صدقة الفطر واجبة على الصغير والكبير، وهي طُهْرةٌ للصائم من الرّفث. عبد الرحمن: أنت لم تُعط الرجلَ بُرًّا، ولكنّك أعطيته رزا. الأب: هذا جائزٌ يا ولدي، والمهم أن تكون الصدقةُ من قوتِ أهل البلد. وبعد صلاةِ العيد ذهب الأبناء مع والدهم ووالدتهم إلى بيت جدّهم حيث التقوا هناك بأعمامهم وعماتهم، وأخوالهم وخالاتهم فهنئوهم بالعيد...كانت لحظات سعيدةً في حياة الأسرة. عادَ الجميع إلى المنزل تغمرهم الفرحة الكبيرة. بعد دقائق استأذن الأبناء والدهم من أجل الذهاب إلى البقالة لشراء الحلويات والألعاب. وافق الأبُ على خروجهم، وطلب منهم ألا يشتروا ألعاباً ناريّة لخطورتها على أجسامهم. لعب الأبناء مع أبناء جيرانهم وزملائهم من الحيّ. كان عبد الرحمن يحمل هديّةً ملفوفةً بطريقة لافتةٍ للنّظر. الأم: لمن اشتريت هذه الهديّة ؟ عبد الرحمن: اشتريتها لصديقي معاذ، لقد توفي والدُه قبل شهر من الآن إثر تعرّضه لنوبة قلبيّة حادّة. الأم: رحمه الله، وغفر له، وصبّر الله زوجته وأطفاله، اتّصل بصديقك ليستعدّ، وأنا سأذهب معك أيضاً إن شاء الله. عبد الرحمن: شكراً لك يا أمي، أنت أروع أم في الدّنيا. ذهب عبد الرحمن مع أمه وهنّأ صديقه بالعيد، وقدّم له هديّةً جميلةً. سُرّ معاذ وأمه بهذه الزيارة الغالية، وابتسم معاذ فملأت ابتسامته الدنيا سروراً وسعادة ... ما أروع ابتسامة اليتيم ! وما أروع من يزرع الابتسامة على شفتيه !
بينما كانَ طلاَّبُ الصفِّ الثالثِ الابتدائي يستعِدُّون للمسابقةِ الحاسِمَةِ في جدولِ الضَّرب مع أقرانِهم في الشُّعبَة الثانية كان هُمامٌ يَقْضِم أظافِرَهُ بِأَسْنانه. ولكنَّهُ توقَّفَ فجأةً، وانضمَّ إلى زُملائِهِ المشجِّعين عندما ناداه معلمُ الرياضيات، وحذَّره مِنْ مَخاطِرِ قَضْم الأظافر على الصحَّةِ.
كانَ كلُّ فريقٍ يتطلَّعُ لِلْفَوْزِ كي يَحْظى بالرِّحْلَةِ الجميلةِ إلى حديقةِ الحيوانِ؛ كما وَعَدَهُم رائدُ النَّشاط. جلسَ الطلابُ المتسابقون مُتقابلين، تعلو وجوهَهم علاماتُ التفاؤُل الممزوجةِ بالقلقِ. بدأت المسابقةُ، وراحَ الطلابُ يُجيبونَ عن الأسئلةِ بسرعةٍ وثقةٍ، كان هُمامٌ يتألَّمُ وقد وضعَ كلتا يديْهِ على بطنِه. عندما انتهتِ المسابقة في مصلحة فريقِ فصله استعادَ همامٌ بعضَ الحيويَّةِ والنشاط، وراحَ يصفِّقُ ويهتفُ لأنَّه ضَمِنَ الذَّهابَ إلى حديقةِ الحيوان. عادَ الألمُ من جديد ...إنّهُ مَغْصٌ لا يُطاق. وعندما رآهُ المعلمُ يتألَّمُ بشدّةٍ، حملَه وذهبَ به إلى الطبيبِ.
تمدَّدَ هُمامٌ على سريرِ المرض، وعيناهُ تدوران كالفَلَك، وكانَ ينظرُ يَمْنَةً ويَسْرة في أرجاءِ عيادةِ الطبيب. سألهُ الطبيبُ عن سببِ نظراتِه السَّريعةفَأجابَ همامٌ: أخافُ مِنَ الحُقْنة أيّها الطبيب. ابتسمَ الطبيب وقال: لا عليكَ الْحُقْنَةُ ستُخفِّفُ عنك الألمَ إنْ شاء الله. أعطاهُ الطبيبُ الحُقنةَ، وقد لاحظَ أظافرهُ الطويلةَ والأَوْساخَ المتراكمةَ تحتها فقال الطبيب مستغرباً: هل تَقضِمُ أظفارَكَ يا همامُ ؟ تردَّدَ هُمامٌ في الإجابةِ ثمَّ قال : نعم أيها الطبيب، أقضِم أظفاري عندما لا يراني أحدٌ قالَ الطبيب: ولكنَّ الله يراكَ؟ أيسرُّكَ أن تقومَ بسلوكٍ لا يحبُّه اللهُ. ثمّ أَلَمْ يَحُثُّنا دينُنا الحنيفُ على النظافةِ، وورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أنَّ تقليمَ الأظافر من الفطرة ؟؟ قال همامٌ : هذه آخرُ مرَّةٍ أَقْضمُ فيها أظافري، ولكن: هل أتمكَّن من العودةِ إلى المدرسة الآن أيها الطبيب؟ الطبيبُ : أيُّ مدرسةٍ يا همامُ: أنتَ تعاني التهاباتٍ شديدةً في أمعائِك، وربَّما تجلسُ أسبوعاً كاملاً لنتمكَّن من إجراءِ التَّحاليل المطلوبة. انتفَضَ همامٌ من سريرهِ كالعصفور الذي بلَّلَهُ المطر، وقال : أرجوكَ أيها الطبيب.. أرجوك، غداً عندنا رحلة، وبعد غَدٍ سيكرِّمُ مديرُ المدرسة صفَّنا لأننا فُزْنا في مسابقة الرياضيات، والأمر الأهمُّ من ذلك أنَّني سأكونُ عريفَ الفصل بعد يومين إنْ شاءَ الله... يا إلهي .. يا لَسُوءِ حظّي.. أرجوكَ أيها الطبيب.. واللهِ لنْ أعودَ لذلك ... الطبيبُ: سبَّبْتَ لِنَفْسِكَ هذا الألم، وحَرَمْتَ نفسكَ من الرحلةِ ومن تكريمِ مديرِ المدرسةِ لكَ، و لا يمكن أنْ تخرجَ من هنا لأنَّ حالتَكَ الصِّحيَّةَ مُحْرِجَةٌ للغاية... صمتَ همامٌ وقد امتلأت عيناهُ بالدموع الساخنةِ التي جرت على خديه، وراح يفكِّر في الرحلة الشّائقةِ إلى حديقة الحيوان، وفي تكريم المدير لزملائه..... وهكذا عاشَ همامٌ ساعاتٍ صعبةً على سريرِ المرض ينتظرُ صدورَ نتائج التَّحاليل، ولكنَّه عقَدَ العزمَ الأكيدَ على عدمِ قَضمِ الأظافر ثانيةً.
قال رامي لنفسه ( إذا علمت أمي أني ذاهب للبحر فستكون مشكلة كبيرة).تسللت خفية للباب الخارجي وبينما كنت أمشي على أطراف أصابعي سمعت صوت أمي يأتي من ناحية المطبخ وهي تقول ( إلى أين تذهب يا رامي؟. قلت بسرعة ( أنا ذاهب لألعب الكرة), لقد كذبت , لكني قلت لنفسي ( سوف لن أكذب مرة أخرى ). كنت على موعد مع أصدقائي وليد وصهيب ومازن , وما أن وصلت الى الشاطئ حتى جعلت أبحث عنهم , وأخيراً وجدتهم بالقرب من أحد المحلات التي تبيع العصائر الطازجة. جعلت وأصدقائي نلعب الكرة الطائرة قرابة النصف ساعة , وفجأة ضرب مازن الكرة بعنف لتطيش بعيداً وتقع على سطح المياه. قامت موجة بحمل الكرة للداخل وخاف أصدقائي أن تضيع الكرة داخل البحر. ولإظهار مهارتي في السباحة قلت لهم ( لا تخافوا , سوف أجلب لكم الكرة). قفزت نحو المياه وسبحت نحو الكرة. وبعد حوالي العشرة دقائق من شعرت بفتور في عضلات ذراعي , غير أني لمحت الكرة قريبة مني فتشجعت وسبحت نحوها. عندما هممت بتناول الكرة قامت موجة عاتية بقذفها بعيداً بعيداً , وشعرت في تلك اللحظة بشئ يتعلق بقدمي . كانت خيوط لطحالب البحر. فقدت القدرة على السباحة بحرية ورجليّ مقيدتان بتلك الطحالب البحرية. شعرت بفتور شديد ولم أقو على المقاومة وقلت في نفسي ( لو أني سمعت كلام أبي وأمي لما كان حالي كما هو الآن ). بعد ذلك بدقيقتين فقدت كل طاقتي ووجدت نفسي أغوص تحت الماء. لمحت الطحالب وبقوة شديدة قمت بجذبها من بين أرجلي وصعدت مرة أخرى لسطح المياه أبحث عن الأكسجين. لمحت في تلك الأثناء المنقذ البحري وهو يسبح نحوي غير أني لم أقو على النظر, فقد دخلت في إغماءة. أفقت بعد ذلك بساعتين لأجد نفسي محاطاً بأصدقائي وأنا على سرير أبيض , فأيقنت أني بالمستشفى. لحظات ورأيت والدي ووالدتي وعلي ملاحهما الغضب مختلطاً بالقلق عليّ , وعندما طمأننا الطبيب نظر والدي نحوي بعتاب, لكنه سرعان ما ابتسم فقد تذكر أن الأمر كان يمكن أن يكون أسوأ مما هو عليه الآن , فقال ( حمداً لله على السلامة ). قمت بعدها وقبلت أبي بين عينيه وكذلك أمي وقلت:(أعدكما أني لن أكذب عليكما في أي أمر بعد اليوم ) ثم خرجنا جميعاً نحو المنـزل.
تعليق