الشباب لباب الأمة وعصبها
• قال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]. •
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]. •
وقال تعالى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12].
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عزَّ وجل عبدًا عِلمًا إلَّا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب"، ثمَّ تَلا قوله عز وجل: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]،
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]،
وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]. •
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعظه: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرمِك، وصحَّتَك قبل سقمك، وغِناءك قبل فَقرك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتك قبل موتك))؛ (أخرجه الحاكم).
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظله: إمامٌ عادل، وشاب نَشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعَته امرأة ذات مَنصب وجمال فقال: إنِّي أخاف الله، ورجل تصدَّق بصَدَقة فأخفاها حتى لا تَعلم شماله ما تنفِق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضَت عيناه))؛ (متفق عليه).
• جاء في تفسير سورة الأنفال للطبري رحمه الله: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "لما كان يوم بدر، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صَنع كذا وكذا، فله كذا وكذا))، قال: فتسارع في ذلك شبان الرِّجال، وبقيَت الشيوخُ تحت الرايات..."؛ (الحديث).
• جاء في مختصر تفسير ابن كثير للشيخ الصابوني - أطال الله في عمره - في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 198]، قال: "... كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، وكانا شابين قد أسلَما لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يَكسرانها ويُتلِفانها ويتَّخذانها حطبًا للأرامل، ليَعتبر قومهما بذلك، ليرتؤوا لأنفسهم، فكان لعمرو بن الجموح - وكان سيدًا في قومه - صنَم يَعبده ويُطيبه، فكانا يجيئان في الليل فينكِّسانه على رأسه، ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صُنِع به، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفًا ويقول له: انتصِر، ثمَّ يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضًا، حتى أخذاه مرَّة فقرناه مع كلب ميِّت، ودلياه في حَبل في بئر هناك، فلمَّا جاء عمرو بن الجموح، ورأى ذلك نظر، فعلِم أنَّ ما كان عليه من الدِّين باطل، وقال:
• فهذا هو الصدِّيق أبو بكر رضي الله عنه السابق إلى الإسلام، كان عمره (37) سنة حينما دخل الإسلام.
• وهذا هو الفاروق عمر الذي كان ابن (26) سنة عندما أسلم.
• وهذا هو ذو النورين عثمان، الذي بلَغ من العمر عشرين ربيعًا عندما آمن بما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم.
• والجميع يعلم أن الإمام عليًّا رضي الله عنه دخل الإسلام صبيًّا.
• وهذا هو معاذ بن جبَل رضي الله عنه، الإمام الفقيه، أعلَم الأمَّة بأحكام الحلال والحرام، أسلَم وهو ابن ثماني عشرة سنة.
• وهذا هو سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتزَّ لموته عرش الرحمن، سيِّد الأَوْس، وحامل لوائهم يومَ بدر، أحد أبطال الإسلام، استشهد يومَ الخندق وعمره سبع وثلاثون سنة، وما قضى في الإسلام إلا خمس سنين.
• وهذا هو عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، حِبر الأمَّة، وتَرجُمان القرآن، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (1660) حديثًا، ولِد قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة.
• وهذا هو أبو هريرة عبدالرحمن بن صخر الدَّوسي رضي الله عنه، أكثر الصَّحابة حِفظًا للحديث ورواية له، أسلَم سنة سبع للهجرة، ولزم صُحبة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه (5374) حديثًا، وهو الذي لم يدرِك من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم إلا أربع سنوات.
• رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، مَن ذكَرْنا منهم ومن لم نذكر.
• وهكذا جاء جيل الشَّباب من التابعين وتابعيهم، بعد جيل شباب الصَّحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فكانوا على نفس الدرب، ونهلوا من نفس المَعين، رافعين راية الإسلام عاليةً خفَّاقة، لم يخرْ لهم عزم، ولم تلِن لهم قناة.
وأود أن أوجِّه كلمةً لشباب الأمة اليوم:
• الشباب الذي نَشأ في طاعة الله.
• الشباب الذي تربَّى على مائدة القرآن.
• الشباب الذي يعتصر ألمًا لحال أمَّته وما يُحاك لها من مؤامرات، وما ألَمَّ بها من كبوات ومَلمات ثنتها عن الصَّدارة والرِّيادة التي كانت عليها في كل عصورها.
• أيها الشباب الصالح؛ أحفاد خالد، وعمار، ومصعب، وبلال... وغيرهم.
• أيتها الشابات الصَّالحات، حفيدات سُمية، وأسماء، ونُسيبة... وغيرهن.
• أيها الشباب المهموم بدِينه ولدينه، اعلموا أنَّه لن ينصلح حال الأمَّة الآن إلَّا بما صلح به حال أوَّلها.
• أيها الشباب القابض على دينه، اعلموا أنكم بتقواكم، وبصلاحكم، وبتمسُّككم بشرع ربِّكم، تسطِّرون التاريخ للأمَّة الإسلامية، وتُعيدون الأمة الإسلامية لسابق عهدها، وتضعون معالمَ على الطريق لمن خلفكم؛ فلا تدَّخروا وسعًا، ولا تحقروا من المعروف شيئًا. • أيها الشباب المعتدل فكرًا وسلوكًا، إن ما يصيب أعداء الأمَّة بالهوس منكم، بل بالجنون، هو ثَباتكم على الحقِّ في وجه الشهوات والمغريات والمنكرات، إنهم يودُّون أن يروا منكم تقاعسًا وتخاذلًا وانحلالًا، يودون أن يروا منكم انغماسًا في الشهوات، وفي وَحل المنكرات، إنهم يودون أن يروا منكم تهورًا وتصرفات غير مدروسة أو غير مسؤولة ما أنزل الله بها من سلطان؛ لكي تُعطوهم المبرِّر ليقضوا على الأخضر واليابس في هذه الأمة، فهم لا يعرفون للإنسانيَّة قدرًا، ولا للرجولة معنًى.
• أيها الشباب الواعي، إنه بفضل الله تعالى، ثمَّ بفضل ما تقدِّمونه من التزام وسَطي مُعتدل، وبذل مُنضبط، وتضحيات مدروسة - لن ينالوا منكم أبدًا، ولن يوقفوا طوفانكم الهادر؛ فالأنفس والقلوب التي تفعل ذلك، ما تفعله تقية، أو إيثارًا للسلامة، أو لأنَّ حيلتهم قد فرغت، وصبرهم قد نفد، وجَعبتهم قد نضبت؛ ولكن يفعلون ذلك عقيدة، وإيمانًا، ويقينًا.
• أيها الشباب الثابت، إن أعداءكم في الداخل والخارج قد جرَّبوا معكم كلَّ الحِيل والأساليب الشيطانية لكي يجرِّدوكم من فهمكم الوسَطي المعتدل، وسَمتكم الإسلامي الراقي، وفرغت جعبتهم ونفد صبرهم أمام ثَباتكم وجَلَدِكم وقبضكم على دينكم والعض عليه بالنَّواجذ، فلقد كانوا يظنون أنَّهم أمام صِبية من السَّهل إغراقهم في الشهوات وإلهاؤهم بالمنكرات، فما وجدوا إلا ليوثًا تزأر، يلقِّنونهم دروسًا في الرجولة والإيمان والثَّبات في زمن المُغريات.
• أيها الشباب الصامد، اعلموا جيدًا أن أعداء هذه الأمَّة يراهنون على تَفريغ هذه الأمة من شبابها، إنَّهم يراهِنون عليكم أنتم، ويودون القضاءَ عليكم أنتم، فأنتم الشوكة التي في حُلوقهم، والكابوس الذي يُؤرِّق نومهم، إن ما يفعله أعداء هذه الأمَّة وأذنابهم ما هو إلَّا نَقص، وخيبة، وحسرة؛ لأنَّهم يشعرون بالعَجز والفشل أمامكم.
• أيها الشباب الوفي، إن مَن سبقوكم مَرُّوا بما هو أشد من ذلك، فصبَروا وصمدوا وما لانَت لهم قناة، وأنتم غذاء هذه الشَّجرة المباركة؛ بل روح هذه الشَّجرة المباركة، التي يودُّ أعداؤكم أن يجتثوها من جذورها، فهم لم يدرِكوا أنَّ هذه الشجرة من غرس الله تعالى، وأنَّ قادة هذه الأمَّة لو كانوا يطمحون لدنيا أو منصب أو جاه لرضخوا، وفرطوا، وانتكسوا، وباعوا قضيَّتَهم، ولكنهم كانوا طلابًا للآخرة فقط؛ فلقد كان قادة هذه الأمَّة ينظرون لكلِّ مسألة من مختلف زواياها، ويرون الميدانَ بعمقه، فلا يتسرعون في إحراز الأهداف طالما أنَّ قوتهم مُوزعة توزيعًا واعيًا مدروسًا على زمَن المواجهة مع الباطل وجنودِه، حتى سلَّموا الرايةَ لمن بعدهم، غير مُبدلين ولا مُغيرين.
• أيها الشباب الغيور، إنَّنا نعلم مدى يقينكم بأنَّ الهويَّة الإسلامية تَستحق التضحيات مهما علَت ومهما غلت؛ لذلك نُعلِنها للعالم أجمع عالية مُدوية نُسمع بها الدنيا وكلنا بكم ثقة: لا تراهنوا على شباب الأمَّة الإسلامية الواعي الذي يفهم أبعاد قضيَّته ويفهم هدف عدوه جيدًا؛ فشباب الأمة لن يَبتلع طُعْمَ الإغراءات التي هي من حطام الدنيا الزائلة، فشباب الأمَّة يركز على الأهداف المدروسة وتحقيق المصالح العليا للأمَّة، ولا يلتفتون لغير ذلك من ترهات صبيانيَّة، بل يحتسبون كلَّ جهد وكل تضحية عند الله تعالى، ويصبرون لينالوا إحدى الحُسنيين، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
• أيها الشباب الثائر، إنَّنا نَشعر بمدى الحزن الذي يَعتصر قلوبكم، ومدى الغضب الذي يَملأ صدروكم، ومدى الغصَّة التي في حلوقكم، وفوران الدِّماء الذكيَّة في عروقكم لِما يَحدث من تمزيق أَوصال الأمة، واغتصاب حريَّتها وإرادتها، ونعلم جيدًا مدى قدرتكم على الردِّ المزلزل للباطل وجنده،
اعلموا أيها الشباب أن الله تعالى جعل النصر على ثلاثة أحوال:
• نصر استحقاق: عندما يَقوى الإيمان وتتكافأ العُدة مع الأعداء؛ مثلما حدث في فتح مكَّة.
• نصر تفضُّل: عندما يقوى الإيمان وتقل العُدَّة؛ مثلما حدث في بدر.
• نصر مبدأ وعقيدة: عندما يقوى الإيمان وتقل الحيلة، فلا يكون للفرد المُستضعف سوى عقيدته وإيمانه ويقينه في ربِّه سبحانه وتعالى؛ مثلما حدث لأصحاب الأخدود، وسحَرة فرعون، وبلال، وعمار، وأحمد بن حنبل، وكلِّ مَن سار على دربهم إلى يوم القيامة، فسنَّة الله لا تتبدَّل ولا تتغير.
• والملاحظ أن العامل المشترك لأنواع النَّصر الثلاثة هو قوَّة العقيدة وقوة الإيمان، التي لا تضارِعها قوَّة، ولا يغلبها غالب؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ما عُرف عنه إلَّا التضرُّع لله تعالى في كلِّ غزواته حتى أشفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم.
• أيها الشباب، اعلموا أنَّه بهذه الروح انتصر أسلافنا؛ ففي غزوة بَدر، سأل عوف بن الحارث رضي الله عنه - وهو الابن الثالث لعفراء - سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما يُضحك الربَّ من عبده؟"، قال صلى الله عليه وسلم: ((غَمسه يده في العدو حاسرًا))، فنزع دِرعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قُتل رضي الله عنه.
• أيها الشباب، لِينُوا في أيدي مَن لهم السَّبق والفضل بالإيمان والتقوى، ولا تكونوا سببًا في تَحميلهم ما لا يطيقون، استفيدوا بسَبقهم، واستفيدوا بصِدقهم وإيمانهم وتقواهم، وثِقوا أنهم لن يَعصوا الله تعالى فيكم، واجعلوا مِن سَبْقِهم وصِدقهم وتقواهم لله فيكم وسائل لضبط الإيقاع؛ حتى لا يكون هناك نغمة نشاز تفسِد المنظومة بأكملها، واعلموا أنَّهم أحرص على إحراز الأهداف وتحقيق النَّصر؛ ولكن رُبَّ هدف جرَّ على صاحبه هزيمة، فلنتعلَّم إحراز الأهداف التي لا تُرد، وفي الوقت الذي لا يُعوَّض.
• أيها الشباب التقي النقي الورع، تضرَّعوا إلى ربِّكم واثقين في معيَّته وتأييده، ووحِّدوا صفوفكم، ولا تنازعوا فتَفشلوا وتذهب رِيحكم، يتنزَّل عليكم نصر ربِّكم: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 4 - 6].
وفَّقكم الله وسدَّد على طريق الحق خطاكم.
شبكة الألوكة
منقول بتصرف
• قال تعالى: ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]. •
وقال تعالى: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]. •
وقال تعالى: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12].
• قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ما آتى الله عزَّ وجل عبدًا عِلمًا إلَّا شابًّا، والخيرُ كلُّه في الشباب"، ثمَّ تَلا قوله عز وجل: ﴿ قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء: 60]،
وقوله تعالى: ﴿ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ﴾ [الكهف: 13]،
وقوله تعالى: ﴿ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]. •
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يَعظه: ((اغتنِم خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هرمِك، وصحَّتَك قبل سقمك، وغِناءك قبل فَقرك، وفراغَك قبل شغلِك، وحياتك قبل موتك))؛ (أخرجه الحاكم).
• عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظِلَّ إلا ظله: إمامٌ عادل، وشاب نَشأ في عبادة الله، ورجل قلبه مُعلَّق بالمساجد، ورجلان تحابَّا في الله اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه، ورجل دعَته امرأة ذات مَنصب وجمال فقال: إنِّي أخاف الله، ورجل تصدَّق بصَدَقة فأخفاها حتى لا تَعلم شماله ما تنفِق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضَت عيناه))؛ (متفق عليه).
• جاء في تفسير سورة الأنفال للطبري رحمه الله: عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "لما كان يوم بدر، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن صَنع كذا وكذا، فله كذا وكذا))، قال: فتسارع في ذلك شبان الرِّجال، وبقيَت الشيوخُ تحت الرايات..."؛ (الحديث).
• جاء في مختصر تفسير ابن كثير للشيخ الصابوني - أطال الله في عمره - في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 198]، قال: "... كان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما، وكانا شابين قد أسلَما لما قدِم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، فكانا يعدوان في الليل على أصنام المشركين يَكسرانها ويُتلِفانها ويتَّخذانها حطبًا للأرامل، ليَعتبر قومهما بذلك، ليرتؤوا لأنفسهم، فكان لعمرو بن الجموح - وكان سيدًا في قومه - صنَم يَعبده ويُطيبه، فكانا يجيئان في الليل فينكِّسانه على رأسه، ويلطخانه بالعذرة، فيجيء عمرو بن الجموح فيرى ما صُنِع به، فيغسله ويطيبه ويضع عنده سيفًا ويقول له: انتصِر، ثمَّ يعودان لمثل ذلك ويعود إلى صنيعه أيضًا، حتى أخذاه مرَّة فقرناه مع كلب ميِّت، ودلياه في حَبل في بئر هناك، فلمَّا جاء عمرو بن الجموح، ورأى ذلك نظر، فعلِم أنَّ ما كان عليه من الدِّين باطل، وقال:
تالله لو كنتَ إلهًا مستدن ♦♦♦ لم تك والكلب جميعًا في قرن
ثم أسلَم، فحسُن إسلامه، وقُتل يوم أُحُد شهيدًا رضي الله عنه وأرضاه، وجعل جنَّة الفردوس مأواه. • هذه قطرة بسيطة من جيل كان كالمحيط الهادِر، والطوفان الجارف، والسَّيل العارم، الذي امتلأ بالقوَّة والإرادة والعزيمة، ولم يَعرف المستحيل؛ فما كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلَّا شبابًا قوي الإرادة، عالي الهمة، طموح الأفكار والرؤى.• فهذا هو الصدِّيق أبو بكر رضي الله عنه السابق إلى الإسلام، كان عمره (37) سنة حينما دخل الإسلام.
• وهذا هو الفاروق عمر الذي كان ابن (26) سنة عندما أسلم.
• وهذا هو ذو النورين عثمان، الذي بلَغ من العمر عشرين ربيعًا عندما آمن بما جاء به النَّبي صلى الله عليه وسلم.
• والجميع يعلم أن الإمام عليًّا رضي الله عنه دخل الإسلام صبيًّا.
• وهذا هو معاذ بن جبَل رضي الله عنه، الإمام الفقيه، أعلَم الأمَّة بأحكام الحلال والحرام، أسلَم وهو ابن ثماني عشرة سنة.
• وهذا هو سعد بن معاذ رضي الله عنه الذي اهتزَّ لموته عرش الرحمن، سيِّد الأَوْس، وحامل لوائهم يومَ بدر، أحد أبطال الإسلام، استشهد يومَ الخندق وعمره سبع وثلاثون سنة، وما قضى في الإسلام إلا خمس سنين.
• وهذا هو عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، حِبر الأمَّة، وتَرجُمان القرآن، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم (1660) حديثًا، ولِد قبل الهجرة بثلاثة أعوام، وعندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عمره لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة.
• وهذا هو أبو هريرة عبدالرحمن بن صخر الدَّوسي رضي الله عنه، أكثر الصَّحابة حِفظًا للحديث ورواية له، أسلَم سنة سبع للهجرة، ولزم صُحبة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه (5374) حديثًا، وهو الذي لم يدرِك من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم إلا أربع سنوات.
• رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، مَن ذكَرْنا منهم ومن لم نذكر.
• وهكذا جاء جيل الشَّباب من التابعين وتابعيهم، بعد جيل شباب الصَّحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فكانوا على نفس الدرب، ونهلوا من نفس المَعين، رافعين راية الإسلام عاليةً خفَّاقة، لم يخرْ لهم عزم، ولم تلِن لهم قناة.
وأود أن أوجِّه كلمةً لشباب الأمة اليوم:
• الشباب الذي نَشأ في طاعة الله.
• الشباب الذي تربَّى على مائدة القرآن.
• الشباب الذي يعتصر ألمًا لحال أمَّته وما يُحاك لها من مؤامرات، وما ألَمَّ بها من كبوات ومَلمات ثنتها عن الصَّدارة والرِّيادة التي كانت عليها في كل عصورها.
• أيها الشباب الصالح؛ أحفاد خالد، وعمار، ومصعب، وبلال... وغيرهم.
• أيتها الشابات الصَّالحات، حفيدات سُمية، وأسماء، ونُسيبة... وغيرهن.
• أيها الشباب المهموم بدِينه ولدينه، اعلموا أنَّه لن ينصلح حال الأمَّة الآن إلَّا بما صلح به حال أوَّلها.
• أيها الشباب القابض على دينه، اعلموا أنكم بتقواكم، وبصلاحكم، وبتمسُّككم بشرع ربِّكم، تسطِّرون التاريخ للأمَّة الإسلامية، وتُعيدون الأمة الإسلامية لسابق عهدها، وتضعون معالمَ على الطريق لمن خلفكم؛ فلا تدَّخروا وسعًا، ولا تحقروا من المعروف شيئًا. • أيها الشباب المعتدل فكرًا وسلوكًا، إن ما يصيب أعداء الأمَّة بالهوس منكم، بل بالجنون، هو ثَباتكم على الحقِّ في وجه الشهوات والمغريات والمنكرات، إنهم يودُّون أن يروا منكم تقاعسًا وتخاذلًا وانحلالًا، يودون أن يروا منكم انغماسًا في الشهوات، وفي وَحل المنكرات، إنهم يودون أن يروا منكم تهورًا وتصرفات غير مدروسة أو غير مسؤولة ما أنزل الله بها من سلطان؛ لكي تُعطوهم المبرِّر ليقضوا على الأخضر واليابس في هذه الأمة، فهم لا يعرفون للإنسانيَّة قدرًا، ولا للرجولة معنًى.
• أيها الشباب الواعي، إنه بفضل الله تعالى، ثمَّ بفضل ما تقدِّمونه من التزام وسَطي مُعتدل، وبذل مُنضبط، وتضحيات مدروسة - لن ينالوا منكم أبدًا، ولن يوقفوا طوفانكم الهادر؛ فالأنفس والقلوب التي تفعل ذلك، ما تفعله تقية، أو إيثارًا للسلامة، أو لأنَّ حيلتهم قد فرغت، وصبرهم قد نفد، وجَعبتهم قد نضبت؛ ولكن يفعلون ذلك عقيدة، وإيمانًا، ويقينًا.
• أيها الشباب الثابت، إن أعداءكم في الداخل والخارج قد جرَّبوا معكم كلَّ الحِيل والأساليب الشيطانية لكي يجرِّدوكم من فهمكم الوسَطي المعتدل، وسَمتكم الإسلامي الراقي، وفرغت جعبتهم ونفد صبرهم أمام ثَباتكم وجَلَدِكم وقبضكم على دينكم والعض عليه بالنَّواجذ، فلقد كانوا يظنون أنَّهم أمام صِبية من السَّهل إغراقهم في الشهوات وإلهاؤهم بالمنكرات، فما وجدوا إلا ليوثًا تزأر، يلقِّنونهم دروسًا في الرجولة والإيمان والثَّبات في زمن المُغريات.
• أيها الشباب الصامد، اعلموا جيدًا أن أعداء هذه الأمَّة يراهنون على تَفريغ هذه الأمة من شبابها، إنَّهم يراهِنون عليكم أنتم، ويودون القضاءَ عليكم أنتم، فأنتم الشوكة التي في حُلوقهم، والكابوس الذي يُؤرِّق نومهم، إن ما يفعله أعداء هذه الأمَّة وأذنابهم ما هو إلَّا نَقص، وخيبة، وحسرة؛ لأنَّهم يشعرون بالعَجز والفشل أمامكم.
• أيها الشباب الوفي، إن مَن سبقوكم مَرُّوا بما هو أشد من ذلك، فصبَروا وصمدوا وما لانَت لهم قناة، وأنتم غذاء هذه الشَّجرة المباركة؛ بل روح هذه الشَّجرة المباركة، التي يودُّ أعداؤكم أن يجتثوها من جذورها، فهم لم يدرِكوا أنَّ هذه الشجرة من غرس الله تعالى، وأنَّ قادة هذه الأمَّة لو كانوا يطمحون لدنيا أو منصب أو جاه لرضخوا، وفرطوا، وانتكسوا، وباعوا قضيَّتَهم، ولكنهم كانوا طلابًا للآخرة فقط؛ فلقد كان قادة هذه الأمَّة ينظرون لكلِّ مسألة من مختلف زواياها، ويرون الميدانَ بعمقه، فلا يتسرعون في إحراز الأهداف طالما أنَّ قوتهم مُوزعة توزيعًا واعيًا مدروسًا على زمَن المواجهة مع الباطل وجنودِه، حتى سلَّموا الرايةَ لمن بعدهم، غير مُبدلين ولا مُغيرين.
• أيها الشباب الغيور، إنَّنا نعلم مدى يقينكم بأنَّ الهويَّة الإسلامية تَستحق التضحيات مهما علَت ومهما غلت؛ لذلك نُعلِنها للعالم أجمع عالية مُدوية نُسمع بها الدنيا وكلنا بكم ثقة: لا تراهنوا على شباب الأمَّة الإسلامية الواعي الذي يفهم أبعاد قضيَّته ويفهم هدف عدوه جيدًا؛ فشباب الأمة لن يَبتلع طُعْمَ الإغراءات التي هي من حطام الدنيا الزائلة، فشباب الأمَّة يركز على الأهداف المدروسة وتحقيق المصالح العليا للأمَّة، ولا يلتفتون لغير ذلك من ترهات صبيانيَّة، بل يحتسبون كلَّ جهد وكل تضحية عند الله تعالى، ويصبرون لينالوا إحدى الحُسنيين، قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].
• أيها الشباب الثائر، إنَّنا نَشعر بمدى الحزن الذي يَعتصر قلوبكم، ومدى الغضب الذي يَملأ صدروكم، ومدى الغصَّة التي في حلوقكم، وفوران الدِّماء الذكيَّة في عروقكم لِما يَحدث من تمزيق أَوصال الأمة، واغتصاب حريَّتها وإرادتها، ونعلم جيدًا مدى قدرتكم على الردِّ المزلزل للباطل وجنده،
اعلموا أيها الشباب أن الله تعالى جعل النصر على ثلاثة أحوال:
• نصر استحقاق: عندما يَقوى الإيمان وتتكافأ العُدة مع الأعداء؛ مثلما حدث في فتح مكَّة.
• نصر تفضُّل: عندما يقوى الإيمان وتقل العُدَّة؛ مثلما حدث في بدر.
• نصر مبدأ وعقيدة: عندما يقوى الإيمان وتقل الحيلة، فلا يكون للفرد المُستضعف سوى عقيدته وإيمانه ويقينه في ربِّه سبحانه وتعالى؛ مثلما حدث لأصحاب الأخدود، وسحَرة فرعون، وبلال، وعمار، وأحمد بن حنبل، وكلِّ مَن سار على دربهم إلى يوم القيامة، فسنَّة الله لا تتبدَّل ولا تتغير.
• والملاحظ أن العامل المشترك لأنواع النَّصر الثلاثة هو قوَّة العقيدة وقوة الإيمان، التي لا تضارِعها قوَّة، ولا يغلبها غالب؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ما عُرف عنه إلَّا التضرُّع لله تعالى في كلِّ غزواته حتى أشفق عليه الصحابة رضوان الله عليهم.
• أيها الشباب، اعلموا أنَّه بهذه الروح انتصر أسلافنا؛ ففي غزوة بَدر، سأل عوف بن الحارث رضي الله عنه - وهو الابن الثالث لعفراء - سأل رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ما يُضحك الربَّ من عبده؟"، قال صلى الله عليه وسلم: ((غَمسه يده في العدو حاسرًا))، فنزع دِرعًا كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قُتل رضي الله عنه.
• أيها الشباب، لِينُوا في أيدي مَن لهم السَّبق والفضل بالإيمان والتقوى، ولا تكونوا سببًا في تَحميلهم ما لا يطيقون، استفيدوا بسَبقهم، واستفيدوا بصِدقهم وإيمانهم وتقواهم، وثِقوا أنهم لن يَعصوا الله تعالى فيكم، واجعلوا مِن سَبْقِهم وصِدقهم وتقواهم لله فيكم وسائل لضبط الإيقاع؛ حتى لا يكون هناك نغمة نشاز تفسِد المنظومة بأكملها، واعلموا أنَّهم أحرص على إحراز الأهداف وتحقيق النَّصر؛ ولكن رُبَّ هدف جرَّ على صاحبه هزيمة، فلنتعلَّم إحراز الأهداف التي لا تُرد، وفي الوقت الذي لا يُعوَّض.
• أيها الشباب التقي النقي الورع، تضرَّعوا إلى ربِّكم واثقين في معيَّته وتأييده، ووحِّدوا صفوفكم، ولا تنازعوا فتَفشلوا وتذهب رِيحكم، يتنزَّل عليكم نصر ربِّكم: ﴿ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 4 - 6].
وفَّقكم الله وسدَّد على طريق الحق خطاكم.
شبكة الألوكة
منقول بتصرف
تعليق